بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الثانية
السؤال الأول: اذكر الصحابة والتابعين الذين عرف عنهم قراءتهم لكتب أهل الكتاب.
أولا الصحابة الذين عرف عنهم قراءتهم لكتب أهل الكتاب:
الأول: عبد الله بن سلام بن حارث الإسرائيلي ( ت 43 ه )
من بني قينقاع؛ من ذرية يوسف بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام ، كان من أحبار اليهود وسيدهم وأعلمهم ، أسلم في مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، كما في صحيح البخاري
قال جمهور المفسّرين: نزل فيه قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}
قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ( ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي، إنه في الجنة إلا لعبد الله بن سلام) متفق عليه.
وروى عنه في التفسير: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن البصري، وعطاء بن يسار، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وبشر بن شغاف، وابنه يوسف بن عبد الله بن سلام، وحفيده محمد، وحفيده حمزة، وسيف السدوسي، وشهر بن حوشب.
من مروياته في التفسير:
يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن سلام:{وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين}قال: هي دمشق). رواه الثعلبي وابن عساكر.
الثاني: سلمان الفارسي الرامهرمزي ( ت 36 ه )
كان من علماء الصحابة - رضوان الله عليهم - وحكمائهم ، أسلم بعد رحلة طويلة يبحث فيها عن الحق ، حتى انتهى به المطاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
شهد الخندق ومابعدها من المشاهد مع رسول الله صلى عليه وسلم ، وهو الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق.
تولى المدائن في عهد عمر رضي الله عنه ، وتوفي سنة 36 في أول خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
روى عنه في التفسير: سعيد بن المسيّب، وأبو عثمان النهدي، وكعب بن سوار الأزدي، وعباد بن عبد الله الأسدي، وأبو قرّة الكندي.
وما يروى عنه في التفسير على ثلاثة أضرب:
- منه ما يُسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومنه ما هو من قوله في التفسير.
- ومنه ما يسنده إلى أهل الكتاب
وهذه الأضراب الثلاثة على تفصيل كما جاء في الدرس.
ومن مروياته في التفسير:
أ: عاصم بن سليمان , عن أبي عثمان النهدي , عن سلمان في قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أن سلمان , قال: إنا نجد في التوراة أن الله خلق السموات والأرض , ثم خلق أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق , ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة , وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة " قال: ( فبها يتراحمون , وبها يتعاطفون , وبها يتباذلون , وبها يتزاورون , وبها تحن الناقة , وبها تنئج البقرة , وبها تثغو الشاة , وبها تتابع الطير وبها تتابع الحيتان في البحر , وإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده , ورحمته أفضل وأوسع ) رواه عبد الرزاق وابن جرير.
جاء ما يصدقه في السنة.
الثالث: عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ( ت 65 ه )
اشتهر - رضي الله عنه - أنه أصاب زاملتين من كتب أهل الكتاب ، وتعلم السريانه ، وكان يحدث من تلك الكتب التي كان يقرؤها ، لما عرف من أذن النبي صلى الله عليه وسلم في التحديث عن بني إسرائيل ، وروايته للإسرائليات كانت قليلة.
مما روي عنه من الإسرائيليات:
هلال بن علي العامري عن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة؟
قال: " أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا). رواه البخاري في صحيحه، والإمام أحمد في مسنده، وغيرهما.
ثانيا: التابعين الذين عرف عنهم قراءتهم لكتب أهل الكتاب.
الأول: كعب بن ماتع الحميري ( 32 ه )
كان من أحبار اليهود ، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه ، قيل أسلم في عهد أبي بكر وقيل في عهد عمر ، هاجر إلى المدينة في عهد عمر - رضي الله عنه - ، جالس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، كان موصوفا بالعلم والتدين ، وكان يحدثهم ببعض ما قرأه من كتب أهل الكتاب ، فلم يصدقوه ولم يكذبوه ، وبعضهم روى عنه ، والبعض تجنب التحديث عنه ، توفى بحمص سنة 32.
حدث عن كعب الأحبار من الصحابة: أبو هريرة، وابن عمر، ومعاوية، وابن عباس.
ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وأسلم مولى عمر، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وأبو سلامٍ الحبشي، ومالك بن أبي عامر الأصبحي، وتبيعٌ الحميري ابن امرأة كعبٍ، ونوف البكالي.
الثاني: هلال الهجري
كان ترجمانا للصحابة رضي الله عنهم في القادسية ، من الذين يترجمون بين العرب و الفرس.
عن سفيان الثوري قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهلال الهجري: ما تجدون الحقب؟
قال: (نجده في كتاب الله ثمانون سنة، اثنا عشر شهرا كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة) رواه عبد الرزاق وابن جرير.
الثالث: أبو جلد جيلان بن فروة الجوني الأسدي ( ت 70 ه )
الرابع: نوف بن فضالة البكالي الحميري ابن امرأة كعب الأحبار (ت 95 ه )
الخامس: تبيع بن عامر اللاعي ـالحميري ( ت 101 ه )
السادس: مغيث بن سمي الأوزاعي ( ت 105 ه )
السابع: وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار اليماني ( ت110 ه )
الثامن: ناجية بن كعب الأسدي
السؤال الثاني: بين طبقات المفسرين في عصر التابعين.
تنقسم طبقات عصر التابعين إلى أربع:
الطبقة الأولى: طبقة أئمة التفسير من التابعين الذين اعتنوا بالطريقة التي تعلموها من الصحابة رضوان الله عليهم رواية ودراية ، فكانوا خير خلف لخير سلف.
فعامة هذه الطبقة من الأئمة الثقات ، وهم الذين أكثر من روي عنهم في التفاسير المسندة اليوم ، ولهم أقوال في التفسير ، ولهم مرويات عن الصحابة وكبار التابعين.
مثل: محمد بن الحنفية، وعَبيدة السلماني، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وغيرهم
ذكر الشيخ عبدالعزيز الداخل – حفظه الله – ما قارب تسعة وخمسين اسما من أئمة هذه الطبقة، اعرضت عن ذكرهم حتى لا أَطيل.
الطبقة الثانية: طبقة ثقات نقلة التفسير ، سمعوا من الصحابة وكبار التابعين ، فأدوها كما سمعوها ، وأقوالهم في التفسير قليلة ، لا تكاد تحفظ ، وروايتهم مما يحتج به في الجملة.
منهم : سعيد بن نمران، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وحسان بن فائد، وأربدة التميمي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، والربيع بن أنس البكري، وأبو المتوكّل الناجي، وأبو تميمة طريف بن مجالد الهجيمي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وأبو الزبير المكي.
الطبقة الثالثة: هؤلاء تنقل عنهم أقول في التفسير ، ولهم مرويات فيه ، ولكثرة أخطائهم ، وعدم التثبت في مروياتهم ، وتحديثهم عن المجاهيل ، وكثرة الإرسال ، وتدليسهم ، جمعوا الغث والسمين ، فتكلم أهل الحديث فيهم ، ولم يكونوا مما تعتمد رواياتهم ، ولهم أقوال حسنة.
وكان من أهل العلم من يتوقى حديثهم وفي أقوالهم الصواب والخطأ ، وكذلك في مروياتهم ما يعرف وينكر، وهؤلاء ليسوا على درجة واحدة من الضعف.
ومن هؤلاء: الحارث بن عبد الله الهمداني المعروف الحارث الأعور، وشهر بن
حوشب، وعطية بن سعد العوفي، والسدي الكبير.
الطبقة الرابعة: طبقة ضعفاء النقلة ، وسبب الضعف لكثرة المناكير على مروياتهم ، وكذلك كثرة الأخطاء في الرواية ، وهم ليسوا على درجة واحدة من الضعف ، وقد يكون منهم من هو صالح في نفسه لاكنه لا يقيم الحديث.
ومن هؤلاء: أبو صالح مولى أمّ هانئ، وعلي بن زيد بن جدعان، وأبان بن أبي عياش، ويزيد بن أبان الرقاشي، وعبد الله بن يزيد الدالاني، وأبو هارون العبدي.
السؤال الثالث: اكتب عن سيرة اثنين من التابعين مبيّنا ما استفدته من دراستك لسيرتهما.
الأول: أبو يزيد الربيع بن خثيم الثوري (ت 61 ه )
الإمام العابد الزاهد المخبت؛ من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام، ولم ير النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، ثقة جليل القدر كبير الشأن من التابعين.
كان صاحب ابن مسعود رضي الله عنه ، فتلعم منه الأدب والعلم.
وكان عبد الله بن مسعود إذا رأى الربيع بن خثيم مقبلا قال : {بشر المخبتين}، أما والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك). رواه ابن أبي شيبة.
عُرف عنه العلم والزهد والحكمة ، ونصحه للمسلمين ، وله حكم ووصايا وأخبار ، منها:
قال إبراهيم التيمي: (أخبرني من صحب ابن خثيم عشرين عاما ما سمع منه كلمة تُعاب). رواه ابن سعد وابن أبي شيبة.
ومن خشيته رحمه الله ذكر الأعمش عمّن حدّثه أن الربيع بن خثيم مرّ بالحدّادين فنظر إلى الكير وما فيه فخرّ مغشيّاً عليه.
ومن وصاياه ، ما رواه ابن أبي شيبة عن بكر بن ماعز أن الربيع بن خثيم قال له:
( يا بكر، اخزن عليك لسانك إلا مما لك ولا عليك، فإني اتهمت الناس على ديني، أطع الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، ما خيركم اليوم بخيرٍ، ولكنه خيرٌ من آخر شر منه، ما تتبعون الخير كل اتباعه، ولا تفرون من الشر حق فراره، ما كل ما أنزل الله على محمدٍ أدركتم، ولا كل ما تقرءون تدرون ما هو، السرائر اللاتي يخفين على الناس هن لله بَوَادٍ، ابتغوا دواءها)
ثم يقول لنفسه: (وما دواؤها؟ أن تتوب ثم لا تعود)
روى عن: ابن مسعود
روى عنه: الشعبي، وسعيد بن مسروق الثوري أبو سفيان، وبكر بن ماعز، وأبو رزين، ومنذر الثوري، ونسير بن ذعلوق، وغيرهم.
من مروياته في التفسير:
- قال الأعمش:حدثنا مسعود أبو رزين، عن الربيع بن خثيم في قوله: {وأحاطت به خطيئته} ، قال: هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
الفوائد:
* ينبغي أن يعلم فضل هذا التابعي الجليل ، وأخذه العلم من طبقة الصحابة ، فكان قريبا من المعين الأول ، واجتماع المسلمين ، وعزتهم.
* مما يستفاد من التابعي الجليل الربيع بن خثيم: أنه ينبغي علم المسلم أن يشتغل بإصلاح نفسه ، ويقومها ، ويعاهد نفسه بالمحاسبة ، و عدم ذم الناس وغيبتهم ، وتنقص منهم ، فلا يخلو إنسان من عيب ، ولولا ستر الله ، لفضح الخلق ، وكذلك العفو عن الناس ، والدعاء لهم بالخير.
*الخشيتة والإخلاص ، فلا يقبل العمل إلا إذا كان خالصا لله تعالى ، وصوابا على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
* ويستفاد من وصاياه رحمه الله : ينبغي على المسلم قبل أن يتكلم أن يستحضر خشية الله ، فإن كان كلامه يرضي الله تقدم ، وإلا تأخر.
* وينبغي كذلك أن يقدم على الخير فيعمله على أكمل وجه يحبه الله ، ولا يسوف فإن ذلك مما يثبط ، وكذلك يفر من محارم الله فراره من الأسد ، فمن عرف من سيعصي انزجر ، فمن ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه ، والجزاء من جنس العمل.
* ومن أهم ما يستفيد طالب العلم من هذا التابعي الجليل أن لا يتكلم على الله ولا يتقول على الله بما لا يعلم ، ويكل لله ما استؤثر به عليه.
الثاني: أبو عائشة مسروق بن الأجدع الهمْداني (ت 62 ه):
الإمام العالم العابد الفقيه؛ كان ن كبار التابعين وأجلائهم، من المخضرمين أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وصلّى خلف أبي بكر رضي الله عنه.
كان طالبا للعلم ، حريصا عليه ، أخذ العلم من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجالس عددا منهم ، حتى حصل علماً غزيراً.
تولّى القضاء في الكوفة، وكان لا يأخذ أجراً عليه، ومات ولم يترك ثمن كفنه.
قال الشعبي: (ما علمت أن أحداً كان أطلب للعلم في أفقٍ من الآفاق من مسروقٍ).
وقال علي بن المديني: (ما أقدم على مسروقٍ أحداً من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكرٍ، ولقي عمراً وعلياً، ولم يرو عن عثمان شيئاً، وزيد بن ثابت وعبد الله والمغيرة وخباب بن الأرت). رواه الخطيب البغدادي.
قال العجلي: (مسروق بن الأجدع يكنى أبا عائشة، كوفيّ تابعيّ ثقة، كان أحد أصحاب عبد الله الذين يقرئون ويفتون، وكان يصلَي حتى ترم قدماه).
من وصاياه وحكمه:
- الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: (كفى بالمرء علما أن يخشى الله. وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله). رواه ابن سعد.
- وقال: (المرء حقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر ذنوبه فيستغفر الله).
روى عن: علي وابن مسعود وعائشة وخباب بن الأرت،
وروى عنه: أبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي فأكثر، والشعبي، وعبد الله بن مرة، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن الجزار، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وغيرهم.
مما روي عنه في التفسير:
الحسن بن عبد الله، عن أبي الضحى، عن مسروق في قوله (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال: حين أُسري به). رواه ابن جرير.
الفوائد:
* أن يُعرف فضل هذا التابعي الجليل ، وأخذه العلم من كبار الصحابة ، فيعرف بذلك قوة حجتهم في التفسير.
*ينبغي على طالب العلم أن يأخذ العلم من أهله ، وممن يثق بهم ، فإن دين الله عظيم ، فلينظر المرء ممن يأخذ دينه ، فإن الانحراف في الدين ليس كغيره.
*ينبغي على المسلم أن يخلص عبادته لله ، راجيا ثواب الله ، مخلصا له ، فإن الإعجاب يحبط العمل.
*ينبغي على المرء أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ، وأن يزن أعماله قبل أن توزن ، فالحساب اليوم يسر ، وغدا عسير.