حرّر القول في واحدة من المسائل التالية:
3: المراد بالملك في قوله تعالى: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء}.
بسم الله مالك الملك, موزع الأرزاق, الذي أعطى ومنع, وله الحكمة فيما أمسك ووزع, وبعد:
فإن للمراد بالملك في قوله تعالى :"تؤتي الملك ..." أقوال عدة, سنذكرها متبوعة بالتخريج, ثم نتم ذلك بتوجيه الأقوال وتحريرها وتبيين الراجح منها:
أ/ المراجع:
- جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي.
- تفسير الطبري.
- تفسير القرآن العظيم.
- تفسير الزجاج.
- تفسير ابن عطية.
- تفسير ابن كثير.
ب/ الأقوال في المراد بـ"الملك" متبوعة بالتخريج:
1-أن الملك هو المال والعبيد والحضرة. ذكره الزجاج.
2-أن المراد بالملك من جهة الغلبة بالدّين والطاعة والتسليط والقوة. ذكره الزجاج.
3-أنه أمر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه نقل عزّ فارس إلى العرب, وذل العرب إلى فارس. قاله قتادة, وذكره الطبري والزجاج وابن عطية.
تخريج الأقوال:
قول قتادة: أخرجه الطبري عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة, وذكر قوله.
وأخرجه ابن أبي حاتم قال: حدثني أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه, عن قتادة, وذكر قوله.
وأخرجه بطريق أخرى عن المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة, وذكر قوله.
4- أنه النبوة. قال به ابن عباس والحسن ومجاهد, وذكره ابن أبي حاتم وابن عطية ورجحه ابن كثير.
التخريج:
قول ابن عباس: أخرجه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ قال: ثنا أبي، عن جدّي، عن شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ, وذكر قوله.
قول الحسن: أخرجه ابن أبي حاتم عن أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أسامة، عن الرّبيع، عن الحسن, وذكر قوله.
قول مجاهد: أخرجه محمد بن أحمد بن نصر الرملي والطبري عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ, وذكرا قوله.
5- أنه الملك على إطلاقه بجميع أنواعه, وأشرفه سعادة الآخرة. ذكره ابن عطية ورجحه.
ج/ توجيه الأقوال وتصنيفها:
يتضح لنا من خلال الأقوال المعروضة أن تصنيفها يسير, وأن منها المتباين والمتشابه, وبعضها جزء من بعض, وسنقوم بتصفيتها وتمحيصها واستخلاص الأقوال المتعارضة للترجيح بينها:
أما القول الأول ففي مجمله صحيح, واستخدام الملك في هذا المعنى وارد, ولكنه من الأقوال العامة التي يمكن وضعها تحت القول الخامس ليكون أشمل وأدق في التعبير عنها, وعلى هذا يتبقى القول الثاني والثالث, واللذان مع محاولة الفهم والتدقيق يتضح لنا أن بينهما علاقة, إلا أن القول الثالث أضيق من الثاني ويدعمه قول قتادة وهو من كبار التابعين, بينما الثاني أشمل من الثالث, لكنه رأي مفسر وليس مدعوما بأقوال للصحابة أو التابعين, ويمكننا الجمع بينهما بأن يكون المراد هو تنبيه الرسول للدعاء لأن ينقل عز فارس إلى العرب والمسلمين, والذي يؤكد أن المراد بالملك هو السلطة والقوة, فخصوصية الآية هنا لا تمنع شمولية معناها, والذي هو من أهم ميزات هذا الكتاب العظيم, فقد يكون المراد هو تنبيه الرسول, ولكن الآية كذلك نزلت عامة للناس جميعا لتنبيههم وتثبيت هذا الأمر في نفوسهم, وبهذا نكون قد جمعنا بين القول الثاني والثالث, يتبقى بذلك القول الرابع, وهو من أقوى الأقوال لكثرة القائلين به من الصحابة والتابعين وكبار المفسرين, ومن أخص الأقوال كذلك وأكثرها تحديدا, والذي يبدو أنه جاء كرد على أهل الكتاب بعد انتقال النبوة منهم إلى العرب, أما القول الخامس فهو أشمل الأقوال وتحته نستطيع إدراج الكثير من الأقوال.
د/ عرض الأقوال بعد تمحيصها:
1- أن المراد بالملك السلطة والقوة والغلبة, وإن كانت خاصة للرسول في أن يدعو ربه بملك فارس, إلا أن هذا لا يمنع من عمومية المعنى.
2- أن الملك هو النبوة.
3- أنه الملك على إطلاق بجميع أنواعه, ويخص منه ما كان عظيما كالنبوة والرئاسة وأملاك الآخرة ونحوها من الأملاك العظيمة.
ه/الترجيح بين الأقوال:
الراجح والله أعلم القول الأخير لعموميته, ودخول ما ورد قبله تحته, ولأن القارئ لكتاب الله دوما ما يلحظ شموليته وعمومية معانيه, فهذا هو الأقرب, وإن كان هذا لا يمنع من تخصيص النبوة والسلطة على وجه التحديد من الأملاك عامة, لما ورد من أقوال قوية في تخصيصهما, فيقال: أنه الملك عامة, والنبوة والسلطة على وجه الخصوص وما شابههما, هذا والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبيه محمد.