***
المجموعة الثانية:
1: فسّر باختصار قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)}البقرة.
يذكر الله عزوجل اليهود بجانية أخرى لأسلافهم
فقال سبحانه وتعالى :
{وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} واذكروا يا بنى إسرائيل وقت أخذنا على أسلافكم العهود و لمواثيق المغلظة بالعمل بما في التوراة وقبولهم ذلك. والمحافظة على ذلك.
لكن هم كرهوا الإقرار بما فيها ؛ فرفع عليهم الجبل قال تعالى :
{وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} أي أن سبحانه وتعالى لما أخذ عليهم الميثاق بأخذ التوراة فرأوا ما فيها من التثقيل، امتنعوا من أخذها، فرفع الجبل .على رؤوسهم ليقرّوا بما عوهدوا عليه .....وكان الجبل فوقهم حتى أظلهم وظنوا أنه واقع بهم
و يمكن أن يكون المراد بالميثاق ما أخذه الله عزوجل حين أخرج الناس كالذر و دليل ذلك سياق آيات الأعراف حيث جاء قوله تعالى { وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم من ذرياتهم } عقب قوله تعالى { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة}
هذه الآيات مثل الآية التي في سورة البقرة ..قاله الزجاج ثم عقب بقوله وهو أحسن المذاهب فيها.
-كما يمكن أن يكون المراد به
ما أخذ الله من الميثاق على الرسل ومن اتبعهم. ودليله قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} فالأخذ على النبيين -صلى الله عليهم وسلم- الميثاق يدخل فيه من اتبعهم.
{خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ}وقلنا لهم خذوا الكتاب وهو التوراة بتصديق و جد وعزيمة واجتهاد و أن يعملوا بما فيه و يتركوا الريب و الشك فيه
{وَاذْكُرُوا ما فِيهِ} وأن يدرسوا ما في التوراة بتدبر وأن يحفظوا أوامره و نواهيه و وعيده ولا ينسوه فيضيعونه؛ و أن يعملوا بما فيه من الأحكام فإن العمل هو الذي يجعل العلم راسخا في النفس مستقرا عندها .
ثم ذكر لهم فائدة ذكره فقال:(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي إذا فعلتم ذلك اتقيتم معاصي الله و رجوتم أن تكونوا من تنتظموا في سلك المتقين.
***
ثم ذكر الله عزوجل الذنب العظيم الذي يستحقون لأجله العذاب الشديد
فقال (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي ثم أعرضتم وانصرفتم عن الطاعة والعمل بما فيه بعد أن أخذ عليكم الميثاق وأراكم من الآيات العظام ما فيه عبرة لمن ادّكر.
لكن الله عزوجل عاملهم برحمته وفضله فلم يعاجلهم بالعقوبة
لهذا قال تعالى (فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}
وقد اختلف في المراد بالمخاطب في الآية
فقد قيل أن المخاطب بقوله: عليكم لفظا ومعنى من كان في مدة محمد صلى الله عليه وسلم.
وجمهور المفسرين على أن المراد بالمعنى من سلف
**
أي ولولا فضل الله عليكم أي الإسلام ؛ورحمته القرآن وهذا المعنى مبني على أن المخاطبين بالآية هم اليهود الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ..فقد فمنّ الله عليهم بالتوبة حيث لم يعاجلهم بالإهلاك و قبل منهم التوبة حتى أدركوا زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم..ومنهم من لحق به..وعليه يكون المراد بالتولى هو الكفر
-و قيل أن المراد بالتولى فعل المعاصي، فعليه يكون فضل الله ورحمته التوبة والإمهال إليها.
{لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) لكنتم جواب «لولا»، ومن الخاسرين خبر «كان». والخسران النقصان،
أي لكنتم من الخاسرين الهالكين في الدنيا والآخرة
يعنى معنى الآية تنم- إنكم بتوليكم استحققتم العقاب، ولكن فضل الله عليكم ورحمته أبعده عنكم،و لم يعاملكم بما تستحقون؛ ولولا ذلك لخسرتم سعادتى الدنيا والآخرة.
2: بيّن معنى "أو" في قوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة}.معنى
واجب
اتفق المفسرون الثلاثة أنه لا يصح حمل معنى "أو" في الآية على الشك
وقال ابن كثير يستحيل ذلك وحكى إجماع أهل اللغة في ذلك.
ثم اختلفوا في معنى " أو"
-
قيل هي التخيير – للإباحة- ....ذكره المفسرون الثلاثة وهو الذي رجحه الزجاج .
وهو كقولنا "جالس الحسن أو ابن سرين" أي إن جالست الحسن فأنت مصيب و إن جالست ابن سرين فأنت مصيب
والمعنى إن قلوب هؤلاء إن شبهتم قسوتها بالحجارة فأنتم مصيبون أو بما هو أشد فانتم مصيبون
-وقيل
أنها بمعنى الواو ......ذكره ابن عطية وابن كثير ومنع ذلك الزجاج بقوله: ولا يصلح أن تكون (أو) هاهنا بمعنى الواو.
واسُتدل لهذا القول بقوله تعالى :{ ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا} أي وكفروا
وقوله تعال { عذرا أو نذرا} أي ونذرا
وقيل هي بمعنى" بل" ...ذكره ابن عطية و ابن كثير
و قد علم ذلك عن العرب
أنشد الفراء:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح
أي بل أنتِ في العين أملح
وهو مثل قوله تعالى { فأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون} أي بل يزيدون
وكقوله تعالى :{ فكان قاب قوسين أو أدنى }
-وقيل هي على جهة الإبهام على المخاطب .....ذكره ابن عطية وابن كثير
والعرب تبهم ما لا فائدة في تفصيله. قال لبيد:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إِلا من ربيعة أو مضر
أي: هل أنا إلا من أحد هذين الفريقين، وقد فنيا، فسبيلي أن أفنى كما فنيا.
ومنه قول أبي الأسود الدؤلي:
أحب محمّدا حبا شديدا.......وعباسا وحمزة أو عليّا
ولم يشك أبو الأسود، وإنما قصد الإبهام على السامع.
قال ابن جريرٍ: قالوا: ولا شكّ أنّ أبا الأسود لم يكن شاكًّا في أنّ حبّ من سمّى رشدٌ، ولكنّه أبهم على من خاطبه.
-
--وقيل هي على اعتبار حالين مختلفين ............ذكره ابن عطية
فكانت كالحجارة طورا وشوطا من الزمن ثم صارت أشد طورا آخر
أي أنها كانت كالحجارة يترجى لها الرجوع والإنابة، كما تتفجر الأنهار ويخرج الماء من الحجارة، ثم زادت قلوبهم بعد ذلك قسوة بأن صارت في حد من لا ترجى إنابته، فصارت أشد من الحجارة، .. .
--وقيل هي على بابها بمعنى الشك ........ذكره ابن عطية
ومعناه: عندكم أيها المخاطبون وفي نظركم، أن لو شاهدتم قسوتها لشككتم أهي كالحجارة أو أشد من الحجارة.
--وقيل هي بمعنى التفصيل .......ذكره ابن عطية وابن كثير
والمعنى أن فيهم فرقتين .... فيهم من قلبه كالحجر وفيهم من قلبه أشد من الحجر.
فقلوبهم لا تخرج عن أحد هذين المثلين إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة و إما أن تكون أشد منه قسوة
وهو مثل قولنا "أطعمتك الحلو أو الحامض " يعنى لا يخرج ما أُطعم عن هذين .
قال ابن جريرٍ: ومعنى ذلك على هذا التّأويل: فبعضها كالحجارة قسوةً، وبعضها أشدّ قسوةً من الحجارة. .. وقد رجح .مع توجيه غيره قاله ابن كثير
قال ابن كثير وهذا القول يبقى شبيها بقوله تعالى {مثلهم كمثل الّذي استوقد نارًا}[البقرة: 17] مع قوله: {أو كصيّبٍ من السّماء} [البقرة:19] وكقوله: {والّذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ} [النّور: 39] مع قوله: {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجّيٍّ}[النّور: 40]، الآية أي: إنّ منهم من هو هكذا، ومنهم من هو هكذا، واللّه أعلم.
3: ما المراد بالتبديل في قوله تعالى: {فبدّل الذي ظلموا قولا غير الذي قيل لهم}؟
خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها، وأن يدخلوا خاضعين ذليلين منكسرين لله عزوجل بالقول والفعل وأن يقولوا حطة أي اححط عنا ذنوبنا و خطايانا لكنهم بدلوا و غيروا ما أمروا به
فبدل أن يدخول سجدا خاصعين دخلوا على الباب من قبل أدبارهم القهقرى، وفي الحديث: أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم،
وبدل أن يقولوا حطة قالوا..حبة في شعرة، وقيل قالوا حنطة حبة حمراء فيها
شعرة وقيل شعيرة.