دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 12:26 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي حروف الجر

حروفُ الْجَرِّ

هاكَ حُرُوفَ الجَرِّ وَهْيَ مِنْ إلى = حتَّى خلا حاشا عدا في عَنْ عَلَى
مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللامُ كَيْ واوٌ وَتَا = والكافُ والْبَا ولعَلَّ ومَتَى


  #2  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
حُروفُ الْجَرِّ
هاكَ حروفَ الجَرِّ وَهْيَ مِن إِلَى = حتَّى خَلاَ حاشَا عَدَا في عنْ عَلَى
مُذْ مُنذُ رُبَّ اللامُ كَيْ واوٌ وَتَا = والكافُ والباءُ ولعَلَّ ومَتَى ([1])
هذه الحروفُ العِشرونَ كلُّها مُخْتَصَّةٌ بالأسماءِ، وهي تَعْمَلُ فيها الْجَرَّ، وتَقَدَّمَ الكلامُ على "خَلاَ وحَاشَا وعَدَا" في الاستثناءِ، وقَلَّ مَن ذَكَرَ "كي ولعلَّ ومتَى" في حروفِ الْجَرِّ، فأَمَّا "كي" فتكونُ حَرْفَ جَرٍّ في مَوْضِعَيْنِ([2]):
أحَدُهما: إذا دَخَلَتْ على "ما" الاستفهاميَّةِ، نَحوُ: "كَيْمَهْ"؛ أيْ: لِمَهْ، فـ "ما" استفهاميَّةٌ مَجرورةٌ (1) بـ"كيْ"، وحُذِفَتْ ألِفُها لدُخولِ حرْفِ الْجَرِّ عليها، وجِيءَ بالهاءِ للسَّكْتِ.
الثاني قولُكَ: "جئتُ كيْ أُكْرِمَ زَيداً". فـ"أُكْرِمَ" فعْلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بـ"أنْ" بعْدَ "كَيْ"([3]) و"أنْ" والفعْلُ مُقَدَّرانِ بِمَصْدَرٍ مَجرورٍ بـ "كيْ"، والتقديرُ: جِئتُ كيْ إِكْرَامِ زَيدٍ؛ أيْ: لإكرامِ زَيدٍ.
وأمَّا "لعَلَّ" فالْجَرُّ بها لُغةُ عُقَيْلٍ، ومنه قولُه:
196- ...................... = لَعَلَّ أَبِي الْمِغْوَارِ مِنكَ قَريبُ ([4])
وقولُه:
197- لَعَلَّ اللهِ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا = بشَيءٍ أنَّ أُمَّكُمُ شَرِيمُ ([5])
فـ "أَبِي الْمِغْوَارِ" والاسمُ الكريمُ مُبْتَدَآنِ، و"قَريبُ" و"فَضَّلَكم" خَبرانِ، ولعَلَّ حرْفُ جَرٍّ زائدٌ([6]) دخَلَ على الْمُبْتَدَأِ، فهو كالباءِ في "بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ".
وقد رُوِيَ على لُغةِ هَؤلاءِ في لامِها الأخيرةِ الكسْرُ والفتْحُ، ورُوِيَ أيضاً حذْفُ اللامِ الأُولَى، فتَقولُ: "عَلَّ" بفتْحِ اللامِ وكسْرِها.
وأَمَّا "متَى" فالْجَرُّ بها لُغةُ هُذَيْلٍ، ومِن كَلامِهم: "أَخْرَجَهَا مَتَى كُمِّهِ". يُريدونَ: "مِن كُمِّهِ"، وِمنه قولُه:
198- شَرِبْنَ بماءِ البحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ = متَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ ([7])
وسيَأتي الكلامُ على بَقِيَّةِ العِشرينَ عندَ كَلامِ المصنِّفِ عليها.
ولم يَعُدَّ الْمُصَنِّفُ في هذا الكتابِ "لَوْلاَ" مِن حُروفِ الْجَرِّ، وذَكَرَها في غَيْرِه([8]).
ومَذهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّها مِن حُروفِ الْجَرِّ؛ لكنْ لا تَجُرُّ إلاَّ الْمُضْمَرَ، فتَقولُ: "لَوْلايَ ولولاكَ ولَوْلاهُ" فالياءُ والكافُ والهاءُ عِندَ سِيبَوَيْهِ مَجروراتٌ بـ "لَوْلاَ".
وزَعَمَ الأخفَشُ أنَّها في مَوْضِعِ رفْعٍ بالابتداءِ، ووُضِعَ ضَميرُ الْجَرِّ مَوْضِعَ ضَميرِ الرفْعِ فلَمْ تَعْمَلْ "لَوْلاَ" فيها شَيئاً، كما لا تَعْمَلُ في الظاهِرِ، نحوُ: "لولاَ زَيدٌ لأَتَيْتُكَ".
وزَعَمَ الْمُبَرِّدُ أنَّ هذا التركيبَ - أَعْنِي "لَولاكَ" ونحوَه - لم يَرِدْ مِن لِسانِ العرَبِ، وهو مَحجوجٌ بثُبُوتِ ذلك عنهم؛ كقولِه:
199- أَتُطْمِعُ فِينَا مَن أَراقَ دِمَاءَنَا = ولَوْلاكَ لم يَعْرِضْ لأَحْسَابِنَا حَسَنْ ([9])
وقولِه:
200- وكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَيَ طِحْتَ كما هَوَى = بأَجْرَامِهِ مِن قُنَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي([10])


([1]) (هَاكَ) ها: اسمُ فعْلِ أمْرٍ، وفاعِلُه ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والكافُ حَرْفُ خِطَابٍ، (حُروفَ) مفعولٌ به لاسمِ الفعْلِ، وحروفَ مُضافٌ و(الْجَرِّ) مُضافٌ إليه، (وَهْيَ) مُبتَدَأٌ، (مِن) قَصَدَ لفْظَه: خَبرُ الْمُبْتَدَأِ، (إلى حتى خلا... إلخ البَيتينِ) مَعطوفاتٌ على (مِن) بإسقاطِ حرْفِ العطْفِ في بعضِها، وإثباتِه في بعْضِها الآخَرِ.

([2]) ولكي الْجَارَّةِ مَوْضِعٌ ثالِثٌ تَقَعُ فيه، وهو أنْ يكونَ مَدْخُولُها "مَا" الْمَصدرِيَّةَ؛ كما في قَولِ الشاعِرِ:
إذَا أَنتَ لم تَنْفَعْ فَضُرَّ فإِنَّمَا = يُرادُ الفَتَى كَيْمَا يَضُرُّ ويَنْفَعُ

أيْ: للضَّرِّ والنفْعِ. وتَقديرُه على نحوِ ما قالَ الشارِحُ في الْمَوْضِعِ الثانِي.

([3]) اعلَمْ أنَّه قد يُؤْتَى بلامٍ قَبْلَ كَيْ، فيُقالُ: "جئتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ"، وقد يُؤتَى بأنِ الْمَصْدَريَّةِ بعدَ كَيْ، فيُقالُ: "جئتُ كَيْ أنْ تُكرِمَنِي"، وعلى الوجهِ الأوَّلِ تَكونُ كي مَصدريَّةً بلا تَرَدُّدٍ، وهو الأكثَرُ استعمالاً، وعلى الوجهِ الثاني تَكونُ كَي حرْفَ جَرٍّ دَالاًّ على التعليلِ بلا تَرَدُّدٍ، وهو أَقَلُّ استعمالاً مِن سابِقِه، وقد يُؤتَى بكَيْ غيرَ مَسبوقةٍ باللامِ ولا سابِقَةٍ لأنْ، كما يُقالُ: "جِئتُ كَيْ أَتعلَّمَ"، وهي حِينَئذٍ تَحتَمِلُ الْمَصدَرِيَّةَ بتَقديرِ اللامِ قَبْلَها، وتَحْتَمِلُ أنْ تَكونَ حرْفَ جَرٍّ دالاًّ على التعليلِ، وأنِ الْمَصدريَّةُ مُقَدَّرَةً بعدَها، وحَمْلُها على الوجهِ الأوَّلِ أَوْلَى؛ لأنه الأكثَرُ في الاستعمالِ كما قُلْنَا.
ومِن هنا تَعْلَمُ أنَّ ما جَرَى عليه الشارِحُ فيه حَمْلُ الكلامِ على أقَلِّ الوَجهينِ.

([4]) 196 - هذا عَجُزُ بيتٍ لكعْبِ بنِ سعْدٍ الغَنَوِيِّ، مِن قَصيدةٍ مُسْتَجَادَةٍ يَرْثِي فيها أَخاهُ أبا الْمِغوارِ، واسْمُه هَرِمٌ، وقيلَ: اسمُ أبي الْمِغوارِ شَبِيبٌ. وصَدْرُ البيتِ قولُه:
فقلتُ: ادْعُ أُخْرَى وارْفَعِ الصوتَ جَهْرَةً

ومِن العُلماءِ مَن يَنسُبُ هذه القَصيدةَ لسَهْمٍ الغَنَوِيِّ، أخي كعْبٍ وأبي الْمِغْوَارِ جَميعاً، والصوابُ عندَ الأَثْبَاتِ مِن الرُّواةِ ما قَدَّمْنَاهُ، وقَبلَ هذا البيتِ قولُه:
وداعٍ دَعَا: يا مَن يُجيبُ إلى النَّدَى = فلم يَسْتَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجيبُ
الإعرابُ: (فقُلتُ) فِعْلٌ وفاعِلٌ، (ادْعُ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (أُخرَى) مفعولٌ به، وهي صِفَةٌ أُقِيمَتْ مَقامَ مَوْصُوفِها بعْدَ حَذْفِه، وأَصْلُ الكلامِ: ادْعُ مَرَّةً أُخرَى، (وارْفَعِ) الواوُ عاطِفَةٌ، وارفَعْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً، تَقديرُه أنتَ، (الصوتَ) مَفعولٌ به لارْفَعْ، (جَهْرَةً) مَفعولٌ مُطلَقٌ، (لَعَلَّ) حرْفُ تَرَجٍّ وجَرٍّ شَبيهٌ بالزائِدِ، (أَبِي) مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ تَقديراً، وأبي مُضافٌ و(الْمِغْوَارِ) مُضافٌ إليه، (مِنْكَ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَريبُ الآتِي، (قَريبُ) خبَرُ الْمُبْتَدَأِ. الشاهِدُ فيه: قولُه: (لَعَلَّ أَبِي... إلخْ) حيثُ جُرَّ بـ (لَعَلَّ) لفْظُ أبي على لُغَةِ عُقَيْلٍ.

([5]) 197 - هذا البيتُ مِن الشَّواهِدِ التي لم نَقِفْ على نِسْبَتِها لقَائلٍ مُعَيَّنٍ.
اللُّغَةُ: (أنَّ أَمَّكُمُ) يَجوزُ في هَمْزَةِ (أنَّ) الفتْحُ والكسْرُ، أمَّا الفتْحُ فعَلَى أَنَّها معَ ما بَعْدَها في تَأويلِ مَصدَرٍ بَدَلٍ مِن شَيْءٍ، وأمَّا الكسْرُ فعَلَى الابتداءِ، (شَرِيمُ) هي المرأةُ الْمُفْضَاةُ التي اتَّحَدَ مَسْلَكَاهَا، ويُقالُ فيها: شَرْمَاءُ، وشَرومٌ أَيْضاً.
الإعرابُ: (لعَلَّ) حرْفُ تَرَجٍّ وجَرٍّ، شَبيهٌ بالزائدِ، (اللهِ) مُبتَدَأٌ، وهو في اللفْظِ مَجرورٌ بلَعَلَّ، (فَضَّلَكُمْ) فضَّلَ: فعْلٌ ماضٍ، والفاعِلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً، تَقديرُه هو، يَعودُ إلى اللهِ، والكافُ مَفعولٌ به، والميمُ عَلاَمَةُ الجمْعِ، والجمْلَةُ مِن فَضَّلَ وفَاعِلِه ومَفعولِه في مَحَلِّ رفْعٍ خَبَرُ الْمُبتدَأِ، (عَلَيْنَا، بشيءٍ) جارَّانِ ومَجرورانِ يَتَعَلَّقانِ بفَضَّلَ، (أنَّ) حرْفُ تَوكيدٍ ونَصْبٍ، (أُمَّكُمُ) أُمَّ: اسْمُ أَنَّ، وأُمَّ مُضافٌ والضميرُ مُضافٌ إليه، (شَرِيمُ) خبَرُ أنَّ، وأنَّ واسْمُها وخَبَرُها في تأويلِ مَصْدَرٍ بدَلٍ مِن شيءٍ، على تَقديرِ فَتْحِ هَمْزِ (أنَّ)، وأَمَّا على كسْرِ الهمزةِ فأنَّ واسْمُها وخَبَرُها جُملةٌ يُقصَدُ بها التعليلُ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لَعَلَّ اللهِ) حيثُ جُرَّ بلَعَلَّ ما بعدَها لَفْظاً على لُغةِ عُقَيْلٍ، كما في البيتِ السابِقِ، وهو مَرفوعٌ في التَّقديرِ، ولم يَمنَعْ مِن ظُهورِ رَفْعِه إلاَّ الحرَكَةُ التي اقْتَضَاهَا حرْفُ الْجَرِّ الشبيهُ بالزائدِ.

([6]) الصوابُ أنْ يَقولَ: "حرْفُ جَرٍّ شَبيهٌ بالزائدِ"، وأمَّا الباءُ في قولِهم: "بحَسْبِكَ دِرْهَمٌ" فهي حرْفٌ زائدٌ، فليسَ التَّشبيهُ في كَلامِ الشارِحِ دَقيقاً.
واعلَمْ أنَّ حرْفَ الْجَرِّ إِمَّا أنْ يُفيدَ مَعْنًى خاصًّا، ويَكونَ له مُتَعَلِّقٌ، وإمَّا ألاَّ يُفيدَ معنًى خاصًّا ولا يكونَ له مُتَعَلِّقٌ، وإمَّا أنْ يُفيدَ مَعنًى خاصًّا ولا يَكونَ له مُتَعَلِّقٌ، فالأوَّلُ الحرْفُ الأَصْلِيُّ الذي يَعقِدُ له النُّحاةُ بابَ حُروفِ الْجَرِّ، والثاني هو الحرْفُ الزائدُ؛ كالبَاءِ في "بحَسْبِكَ دِرْهَمٌ"، و"مِن" في قولِك: "ما زَارَنِي مِن أحَدٍ"، والثالثُ هو الشبيهُ بالزائدِ، وإنما أَشْبَهَ الزائدَ في أنَّه لا مُتَعَلِّقَ له، وأَشْبَهَ الأَصْلِيَّ في الدَّلالةِ على معنًى خاصٍّ؛ كالتَّرَجِّي في "لَعَلَّ"، والتقليلِ في "رُبَّ".

([7]) 198 - البيتُ لأبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ، يَصِفُ السَّحَابَ، وقَبْلَه قَولُه:
سَقَى أُمَّ عمرٍو كلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ = حَنَاتِمُ سُودٌ ماؤُهُنَّ ثَجِيجُ

إذا هَمَّ بالإقلاعِ هَبَّتْ له الصَّبَا = فأَعْقَبَ نَشْءٌ بعدَها وخُروجُ
اللُّغَةُ: (حَنَاتِمُ) جَمْعُ حَنْتَمَةٍ، وأَصْلُها الْجَرَّةُ الْخَضْرَاءُ، وأَرادَ هنا السَّحَائِبَ، شَبَّهَها بالْجِرَارِ. (سُودٌ) جَمْعُ سَوداءَ، وأَرادَ أَنَّها مُمْتَلِئَةٌ بالماءِ، (ثَجِيجُ) سائلٌ مُنْصَبٌّ، (تَرَفَّعَتْ) تَصاعَدَتْ وتَبَاعَدَتْ، (لُجَجٍ) جَمْعُ لُجَّةٍ – بزِنَةِ غُرْفَةٍ وغُرَفٍ – واللُّجَّةُ: مُعظَمُ الماءِ، (نَئِيجُ) هو الصوتُ العالي المرْتَفِعُ.
المعنى: يَدعُو لامْرَأَةٍ – وهي التي ذَكَرَها فيما قَبْلَ بيتِ الشاهِدِ باسمِ أُمِّ عمرٍو – بالسُّقْيَا بماءِ سُحُبٍ مَوصوفَةٍ بأنَّها شَرِبَتْ مِن ماءِ البحْرِ، وأَخَذَتْ مَاءَها مِن لُجَجٍ خُضْرٍ، ولها في تلك الحالِ صَوْتٌ مُرتَفِعٌ عالٍ.
الإعرابُ: (شَرِبْنَ) فعْلٌ وفاعِلٌ، ونونُ النِّسوَةِ تَعودُ إلى حَنَاتِمُ، (بِمَاءِ) جَارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بشَرِبَ، ومَاءِ مُضَافٌ و(البَحْرِ) مُضافٌ إليه، (ثُمَّ) حَرْفُ عطْفٍ، (تَرَفَّعَتْ) تَرَفَّعَ: فعْلٌ مَاضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هي، يَعودُ إلى حَنَاتِمُ أَيْضاً، (متَى) حرْفُ جَرٍّ بمعنى مِن، (لُجَجٍ) مَجرورٌ بِمَتَى، والجارُّ والمجرورُ متَعَلِّقٌ بتَرَفَّعَ، وقيلَ: بَدَلٌ مِن الجارِّ والمجرورِ الأوَّلِ، وهو (بماءِ البحْرِ). (خُضْرٍ) صِفَةٌ لِلُجَجٍ، (لَهُنَّ) جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرٌ مُقَدَّمٌ، (نَئِيجُ) مُبتدَأٌ مُؤَخَّرٌ، والْجُملةُ مِن الْمُبتَدَأِ وخَبَرِه في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لـ (لُجَجٍ).
الشاهِدُ فيه: قولُه: (مَتَى لُجَجٍ) حَيْثُ استَعْمَلَ (متى) جارَّةً، كما هو لُغَةُ قَوْمِه هُذَيْلٍ.

([8]) قد يُقالُ في القَسَمِ: "آللهِ لأَفْعَلَنَّ"، وقد يُقالُ: "ها اللهِ لأَفْعَلَنَّ" بذِكْرِ هَمزةِ الاستفهامِ كما في الْمِثالِ الأوَّلِ، أو ها التنبيهِ كما في الْمِثالِ الثاني، عِوَضاً عن باءِ الْجَرِّ، ولم يَذْكُرِ الناظِمُ ولا الشارِحُ هَذينِ الْحَرفَيْنِ في حُروفِ الْجَرِّ؛ نظَراً إلى حَقيقةِ الأمْرِ، وهي أنَّ جَرَّ لفْظِ الْجَلالَةِ بحَرْفِ الْجَرِّ الذي نابَتْ عنه الْهَمزَةُ وها، وليس بالْهَمزَةِ ولا بِها، فاعْرِفْ ذلك.

([9]) 199 - البيتُ لعَمْرِو بنِ العاصِ، يَقولُه لِمُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ في شَأْنِ الحسَنِ بنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهم أَجْمَعِينَ، وهو مِن كَلِمَةٍ أوَّلُها قولُه:
مُعَاوِي، إنِّي لم أُبَايِعْكَ فَلْتَةً = وما زَالَ ما أَسْرَرْتُ مِنِّي كَمَا عَلَنْ
اللُّغَةُ: (أَراقَ) أَسالَ، (يَعْرِضْ) أَرادَ يَتَعَرَّضْ لها بالنَّيْلِ منها، (الأَحسابُ) جَمْعُ حسَبٍ، وهو كُلُّ ما يَعُدُّه الْمَرْءُ مِن مَفَاخِرِ قَوْمِه.
الإعرابُ: (أَتُطْمِعُ) الْهَمزَةُ للاستفهامِ التَّوْبِيخِيِّ، تُطْمِعُ: فعْلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (فِينَا) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بتُطْمِعُ، (مَن) اسمٌ مَوصولٌ مَفعولٌ به لتُطْمِعُ، (أَراقَ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعِلُه ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ إلى مَن المَوصولَةِ، (دِماءَنَا) دِماءَ: مفعولٌ به لأَراقَ، ودِماءَ مُضافٌ ونَا: مُضافٌ إليه، والْجُملةُ مِن أَراقَ وفاعِلِه ومَفعولِه لا مَحَلَّ لها صِلَةٌ، و(لَولاكَ) لَوْلاَ: حرْفُ امتناعٍ لوُجودٍ وجَرٍّ، والكافُ في مَحَلِّ جَرٍّ بها، ولها مَحَلٌّ آخَرُ هو الرفْعُ بالابتداءِ؛ كما هو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، والخبَرُ مَحذوفٌ وُجوباً، والتقديرُ: لَوْلاَكَ مَوجودٌ، وجُملَةُ الْمُبتَدَأِ والخبَرِ شرْطُ لَولاَ، (لَمْ) نَافِيَةٌ جازِمَةٌ، (يَعْرِضْ) فعْلٌ مُضارِعٌ مَجزومٌ بلَمْ، (لأَحسابِنَا) الجارُّ والمجرورُ متَعَلِّقٌ بيَعْرِضْ، وأَحسابِ مُضافٌ ونا: مُضافٌ إليه، (حَسَنْ) فاعِلُ يَعْرِضْ، وجُملَةُ يَعْرِضْ وفاعلِه لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ جوابُ لَولاَ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لَولاكَ)؛ فإنَّ فيه رَدًّا على أبي العَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ الذي زَعَمَ أنَّ (لَولاَ) لم تَجِئْ مُتَّصِلَةً بضَمائِرِ الْجَرِّ كالكافِ والهاءِ والياءِ، ومِثلُه قَوْلُ الآخَرِ، ويُنسَبُ إلى عمَرَ بنِ أبي رَبيعةَ، وليس في دِيوانِه، والصوابُ أنه للعَرْجِيِّ (انظُرْ خِزانَةَ الأدَبِ 2/421) :
لَولاكَ في ذا العامِ لم أَحْجُجِ

ومعَ وُرُودِه في كلامِ العرَبِ الْمَوثوقِ بعَرَبِيَّتِهم، فإنه قَليلٌ غيرُ شائِعٍ شُيوعَ وُقوعِ الاسمِ الظاهِرِ والضميرِ الْمُنفَصِلِ بعْدَ لولاَ، نحوُ قولِه تعالَى: {لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}، ونحوُ قولِ الْمُتَنَبِّي:
لَولاَ العُقولُ لكانَ أَدْنَى ضَيْغَمٍ = أَدْنَى إلى شَرَفٍ مِنَ الإنسانِ
وقالَ الراجِزُ:
واللهِ لَوْلاَ اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا = ولا تَصَدَّقْنَا ولا صَلَّيْنَا


([10]) 200 - البيتُ لِيَزِيدَ بنِ الحكَمِ بنِ أبي العَاصِ، مِن كَلِمَةٍ له يَعْتِبُ فيها على ابنِ عَمِّه عبدِ الرحمنِ بنِ عُثمانَ بنِ أبي العاصِ.
اللُّغَةُ: (مَوْطِنٍ) أَرادَ به الْمَشْهَدَ مِن مَشاهِدِ الحروبِ، (طِحْتَ) هَلَكْتَ، ويُقالُ: طَاحَ يَطُوحُ كقالَ يَقُولُ، وطاحَ يَطِيحُ كبَاعَ يَبِيعُ. (بأَجْرَامِهِ) الأَجرامُ: جَمْعُ جِرْمٍ – بكسْرِ الْجِيمِ – وهو الْجَسَدُ، (هَوَى) سَقَطَ مِن أَعْلَى إلى أَسْفَلَ، وهو بوَزْنِ رَمَى يَرْمِي، (قُنَّةِ النِّيقِ) رَأْسِ الجبَلِ، (مُنْهَوِي) ساقِطٌ.
المعنَى: كثيرٌ مِن مَشاهِدِ الْحُروبِ لَوْلاَ وُجُودِي مَعَكَ لسَقَطَتْ سُقوطَ مَن يَهْوِي مِن أَعْلَى الجبَلِ بجَميعِ جِسْمِه.
الإعرابُ: (كم) خَبَرِيَّةٌ - بمعنى كثيرٍ – مُبتَدَأٌ، أو ظرْفٌ متَعَلِّقٌ بطِحْتَ، (مَوْطِنٍ) تَمييزُ كمْ مَجرورٌ بإِضافَتِها إليه، وخَبَرُ الْمُبتَدَأِ الذي هو كمْ - على الأوَّلِ - مَحذوفٌ، والتقديرُ: كثيرٌ مِن الْمَواطِنِ لكَ، مَثَلاً. (لَوْلايَ) لَوْلاَ: حرْفٌ يَدُلُّ على امتناعِ الجوابِ لوُجودِ الشرْطِ، وهو حرْفُ جَرٍّ شَبِيهٌ بالزائدِ، لا يَتعلَّقُ بشَيءٍ عندَ سِيبَوَيْهِ، وياءُ المتكلِّمِ عندَه ذاتُ مَحَلَّيْنِ: أحَدُهما: جَرٌّ بلَولاَ، وثانيهما: رفْعٌ بالابتداءِ، وليسَ لها إلاَّ مَحَلٌّ واحدٌ، هو الرفْعُ بالابتداءِ عندَ الأخفَشِ، وعندَه أنَّ الشاعِرَ قد استعارَ ضَميرَ الجرِّ لضَميرِ الرفْعِ، والخبَرُ محذوفٌ عندَهما جَميعاً، والتقديرُ: لَولايَ مَوجودٌ. (طِحْتَ) فعْلٌ وفاعِلٌ، والجمْلَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ صِفَةٌ لِمَوْطِنٍ، والرابِطُ مَحذوفٌ؛ أيْ: طِحْتَ فيه، أو هذه الْجُملةُ لا مَحَلَّ لها جَوابُ لولا، وهذا أحسَنُ، (كما) الكافُ جارَّةٌ، وما: مَصدَرِيَّةٌ.
(هَوَى) فعْلٌ ماضٍ، (بأَجْرَامِهِ) الجارُّ والمجرورُ متَعَلِّقٌ بِهَوَى، وأَجرامِ مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (مِن قُنَّةِ) جارٌّ ومَجرورٌ متَعَلِّقٌ بِهَوَى أَيضاً، وقُنَّةِ مُضافٌ و(النِّيقِ) مُضافٌ إليه، (مُنْهَوِي) فاعلُ هَوَى، و(ما) الْمَصدريَّةُ ومَدخولُها في تَأويلِ مَصدَرٍ مَجرورٍ بالكافِ، والكافُ ومَجرورُها تَتَعَلَّقُ بمحذوفٍ صِفَةٌ لِمَصدَرٍ مَحذوفٍ؛ أيْ: طِحْتَ طَيْحاً مِثلَ طَيْحِ مُنْهَوٍ مِن قُنَّةِ النِّيقِ بأَجرَامِهِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (لَولايَ) حيثُ اتَّصَلَتْ (لَوْلاَ) بالضميرِ الذي أَصْلُه أنْ يَقَعَ في مَحَلِّ الْجَرِّ والنصْبِ، وفيه رَدٌّ على الْمُبَرِّدِ الذي أَنْكَرَ أنْ يَقَعَ بعْدَ لَولا ضَميرٌ مِن الضمائِرِ الْمُتَّصِلَةِ التي تَكونُ في مَحَلِّ نصْبٍ أو في مَحَلِّ جَرٍّ، وقالَ: إنَّ ذلك لا يَجوزُ عَربيَّةً. وقد جاءَ هذا الذي أَنْكَرَه في هذا الشاهِدِ، وفي البيتِ الذي قَبْلَه، وفي البيتِ الذي ذَكَرْنَاهُ أَثناءَ شرْحِ البيتِ السابِقِ، فكانَ نقْلُ هذه الشواهِدِ رَدًّا عليه.


  #3  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

<H2 dir=rtl style="MARGIN: 0cm 0cm 0pt">بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ


هَذا بابُ حُرُوفِ الجَرِّ([1])
وهي عِشرُونَ حَرفاً([2])؛ ثلاثَةٌ مضَت في الاستثناءِ وهي: خَلا وعَدَا وحَاشَا، وثَلاثةٌ شَاذَّةٌ:
أَحَدُها: (مَتَى) فِي لُغَةِ هُذَيلٍ، وهِيَ بمَعنَى (مِنْ) الابتِدَائِيَّةِ، سُمِعَ مِن بَعضِهِم: (أَخرَجَهَا مَتَى كُمِّهِ)، وقالَ:
287 متى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ([3])
والثَّانِي: (لَعَلَّ) فِي لُغَةِ عَقِيلٍ، قالَ:
288- لَعَلَّ اللَّهِ فَضَّلَكُم عَلَيْنَا([4])
ولَهُم في لامِها الأُولَى الإثباتُ والحَذفُ([5])، وفِي الثَّانِيَةِ الفَتحُ والكَسرُ.
والثَّالِثُ: (كَي) وإِنَّمَا تَجُرُّ ثَلاثَةً:
أَحَدُهَا: (مَا) الاستِفهَامِيَّةُ، يَقُولُونَ إذا سَأَلُوا عَن عِلَّةِ الشَّيءِ: (كَيْمَهْ)([6])، والأكثَرُ أَن يَقُولُوا: (لِمَهْ).
الثَّانِي: (ما) المَصدَرِيَّةُ وصِلَتُهَا كقَولِه:
289- يُرَادُ الفَتَى كَيمَا يَضُرُّ ويَنفَعُ([7])
أَي: لِلضَرِّ والنَّفعِ، قَالَهُ الأخفَشُ، وقِيلَ: (مَا) كَافَّةٌ.
الثَّالِثُ: (أَن) المَصدَرِيَّةُ وصِلَتُهَا، نحوَ: (جِئْتُ كَيْ تُكرِمَنِي) إِذَا قَدَّرْتَ (أَنْ) بَعدَهَا؛ بِدَلِيلِ ظُهُورِهَا في الضَّرُورَةِ كقولِهِ:
290- لِسَانُكَ كَيمَا أَن تَغُرَّ وتَخْدَعَا([8])
والأَولَى أَن تُقَدَّرَ (كَيْ) مَصدَرِيَّةً فتُقَدَّرَ اللاَّمَ قَبلَهَا؛ بدَلِيلِ كَثرَةِ ظُهُورِهَا مَعَهَا نحوَ: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا}([9]).


([1])تَسمِيَةُ هذه الحُرُوفِ بحُرُوفِ الجَرِّ هي تَسمِيَةُ البَصْرِيِّينَ، ووَجهُها أنَّهَا تَجُرُّ الأسمَاءَ التي تَدخُلُ علَيهَا، وذلك كما سمَّوا حُروفاً أُخرَى بالنَّوَاصِبِ، وسَمَّوا نَوعاً آخَرَ مِن الحُرُوفِ بالجَوَازِمِ، والكُوفِيُّون يُسَمُّونَها (حُرُوفُ الإضافَةِ) أَحياناً، ويُسَمُّونَها (حُرُوفُ الصِّفَاتِ) أحياناً أُخرَى، ووَجهُ التَّسمِيَةِ الأُولَى مِن هاتَينِ التَّسمِيَتَينِ أنَّهَا تُضِيفُ الفِعلَ إلى الاسمِ، أي تَربِطُ بينَهُمَا، ووَجهُ التَّسمِيَةِ الثَّانِيَةِ أنَّهَا تُحدِثُ في الاسمِ صِفَةً مِن ظَرفِيَّةٍ أو غَيرِها.
وقد عَمِلَت هذِه الحُرُوفُ الجَرَّ في الأسماءِ على ما هو الأصلُ، لأنَّها مُختَصَّةٌ بالدُّخُولِ على الأسمَاءِ، ومِن حَقِّ المُختَصِّ أن يَعمَلَ فيما اختَصَّ به العَمَلُ الخَاصُّ بهذا النَّوعِ، والجَرُّ هو الخَاصُّ بالأسماءِ، لذلك لا يُسأَلُ عَن عِلَّةِ عَمَلِهَا الجَرَّ، لأنَّ ما جاءَ على أَصلِه لا يُسأَلُ عَن عِلَّتِه.

([2])تَرَكَ المُؤَلِّفُ مِن حُرُوفِ الجَرِّ التي يَذكُرُها غَيرُه مِن النُّحَاةِ (لَولا) فإنَّ هذا الحرفَ يَكُونُ حَرفَ جَرٍّ عندَ جَمَاعَةٍ مِن النُّحَاةِ في بعضِ استعمالاتِهِ.
وبَيَانُ ذلك أنَّ (لولا) الدَّالَّةَ على امتِنَاعِ جَوَابِها لِوُجودِ شَرطِهَا تَدخُلُ على الاسمِ الظَّاهِرِ الصَّرِيحِ، نحوَ قَولِ أَفلَحَ بنِ يَسَارٍ أَبِي عَطَاءٍ السِّنْدِيِّ:
وَلَولا جَنَانُ اللَّيلِ مَا آبَ عَامِرٌ = إِلَى جَعفَرٍ سِرْبَالُهُ لَمْ يُمَزَّقِ
ونَحوَ قَولِ المُنذِرِ بنِ حَسَّانَ:
فَلَولاَ اللَّهُ والمُهْرُ المُفَدَّى = لأُبْتَ وأَنتَ غِرْبَالُ الإِهَابِ
وتَدخُلُ على الاسمِ المُؤَوَّلِ مِن حَرفِ المَصدَرِ ومَدخُولِه، نحوَ قَولِ اللَّهِ تعَالَى: {وَلَولاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِن فِضَّةٍ} ونَحوَ قَولِهِ سُبحَانَهُ: {لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ} ونَحوَ قَولِ نُصَيبٍ:
وَلَولاَ أَنْ يُقَالَ صَبَا نُصَيبٌ = لَقُلْتُ بِنَفسِيَ النَّشَأُ الصِّغَارُ
وتَدخُلُ علَى الضَّمِيرِ المُنفَصِلِ، نحوَ قَولِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَوْلاَ أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}.
وقَد اختَلَفَ الكُوفِيُّونَ والبَصْرِيُّونَ فيهَا وفي مَدخُولِهَا في هذه الأحوَالِ الثَّلاثَةِ، فقالَ الكُوفِيُّونَ: هي عَامِلَةٌ في الاسمِ الذي بعدَهَا الرَّفعَ، مِن قِبَلِ أنَّهَا نَائِبَةٌ عن فِعلٍ لو ظَهَرَ لكانَ رَافِعاً للاسْمِ، ألا تَرَى أنَّكَ حينَ تَقُولُ: (لَولا زَيْدٌ لأَكْرَمْتُكَ) إِنَّمَا تُرِيدُ: لو لَم يَمْنَعْنِي زَيدٌ مِن إِكرَامِكَ لأَكْرَمْتُكَ.
وذَهَبَ البَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ الاسْمَ المَرْفُوعَ بعدَ لَولا مَرفُوعٌ بالابتداءِ، ولَيسَ الرَّافِعُ لَهُ لَولا، لأنَّ الحَرفَ لا يَعمَلُ إلا إذا كانَ مُختَصّاً، ولولا لَيسَتْ مُختَصَّةً، لأنَّها تَدخُلُ على الأسمَاءِ، كما في الشَّوَاهِدِ التي سُقْنَاهَا، وتَدخُلُ على الأفعَالِ كمَا في قَولِ الشَّاعِرِ:
قَالَتْ أُمَامَةُ لَمَّا جِئْتُ زَائِرَهَا = هَلاَّ رَمَيْتَ بِبَعضِ الأَسْهُمِ السُّودِ
لا دَرَّ دَرُّكِ إِنِّي قَدْ رَمَيْتُهُمُ = لَولا حُدِدْتُ ولا عُذْرَى لِمَحدُودِ
على أنَّهَا لو كانَتْ مُختَصَّةً بالأسمَاءِ لعَمِلَت الجَرَّ كما هو الأصلُ في الحَرفِ المُختَصِّ بالاسمِ.
وفي هذا البَيتِ مَقَالٌ؛ لأنَّ الكُوفِيِّينَ يُقَدِّرُونَ هذا الفِعلَ بِاسمٍ، أي: لَولا الحَدُّ، أي: الحِرمَانُ.
وتَدخُلُ لَولا علَى الضَّمَائِرِ المُتَّصِلَةِ، فتَقُولُ (لَولايَ) و(لَولاكَ) و(لَولاهُ)، وقد اختَلَفَ النُّحَاةُ في ذلك الاستِعمَالِ، ولَهُم في ذلك ثَلاثَةُ مَذَاهِبَ:
المَذهَبُ الأوَّلُ – وهُوَ مَذهَبُ الكُوفِيِّينَ وأَبِي الحَسَنِ الأخْفَشِ مِنَ البَصْرِيِّينَ، ونَسَبَهُ العَينِيُّ للخَلِيلِ ويُونُسَ – وخُلاصَتُهُ أنَّ الضَّمِيرَ المُتَّصِلَ، وهو الياءُ والكَافُ والهَاءُ، مَوضُوعٌ مَوضِعَ الضَّمِيرِ المُنفَصِلِ، وأنَّ مَوضِعَهُ رَفعٌ، وليسَ له إلا ذلك المَوضِعُ، وذلك ليَجرِيَ استِعْمَالُهَا في جَمِيعِ الأحوَالِ مُجرًى وَاحِداً، فيَكُونُ مِن طَردِ البَابِ على وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ.
المَذهَبُ الثَّانِي – وهُو مَذهَبُ سِيبَوَيْهِ وجُمْهُورِ البَصْرِيِّينَ – وخُلاصَتُهُ أنَّ (لولا) في هذه الحَالَةِ حَرفُ جَرٍّ زَائِدٍ لا يَتَعَلَّقُ بشَيءٍ، والضَّمِيرُ الذي بَعدَهَا له مَحَلاَّنِ: أَحَدُهُمَا جَرٌّ، والثَّانِي رَفعٌ بالابتِدَاءِ، كمَدْخُولِ (مِن) الزَّائِدَةِ فِي نَحوِ قَولِكَ: (ما في الدَّارِ مِن أَحَدٍ). فإنَّهُ مَجرُورٌ لَفظاً، ومَوضِعُهُ رَفعٌ؛ لأنَّهُ مُبتَدَأٌ، وهَذَا الرَّأيُ هو الذي أَشَرْنَا إليه في مَطلَعِ هذا البَحثِ.
المَذهَبُ الثَّالِثُ – وهو مَذهَبُ أبِي العَبَّاسِ المُبَرِّدِ – وخُلاصَتُهُ أنَّ هذا الاستعمالَ خَطَأٌ لم يَرِدْ عن العَرَبِ. وهُو مَحجُوجٌ بوُرُودِهِ عن العَرَبِ في نَحوِ قَولِ يَزِيدَ بنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ:
وَكَمْ مَوطِنٍ لَولايَ طِحْتَ كمَا هَوَى = بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُنَّةِ النَّبْقِ مُنْهَوِي
وكمَا في قَولِ عَمرِو بنِ العَاصِ يُخَاطِبُ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ في شَأنِ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَتُطْمِعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَنَا = وَلَولاكَ لَمْ يَعْرِضْ لأَحْسَابِنَا حَسَنْ
وكمَا فِي قَولِ الشَّاعِرِ، ويُنسَبُ إلَى عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ، والصَّوَابُ أنَّهُ لِلعَرَجِيِّ:
لَولاكَ فِي ذَا العَامِ لَمْ أَحْجُجْ
ومعَ وُرُودِهِ في كلامِ العَرَبِ المَوثُوقِ بعَرَبِيَّتِهِم، وفي شِعرٍ مَنسُوبٍ إلى قَائِلِيهِ لا مَحَلَّ لإنكارِ هذا الاستِعمَالِ، وإِن كُنَّا نَعتَرِفُ بأنَّهُ قَلِيلٌ في الاستعمالِ غَيرُ شَائِعٍ شُيُوعَ استِعمالِ الاسمِ الظَّاهِرِ والضَّمِيرِ المُنفَصِلِ بعدَ لَولا.
ومِمَّا يتَّصِلُ بهذا الكلامِ أن نُبَيِّنَ لك أنَّ حَرفَ الجَرِّ يَنقَسِمُ إِلَى ثَلاثَةِ أَقسَامٍ:
القِسمُ الأوَّلُ: حَرفُ الجَرِّ الأصلِيُّ، وهو ما له مَعنًى خَاصٌّ، ويَحتَاجُ إلى مُتَعَلِّقٍ مَذكُورٍ أو مَحذُوفٍ، مِثلَ: (مِن) و(إِلَى)، في نَحوِ قَولِكَ: (ذَهَبْتُ مِنَ البَيتِ إِلَى المَسجِدِ)، ومِثلَ قَولِهِ تعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} فَإِنَّ (مِن) تَدُلُّ علَى ابتِدَاءِ الغَايَةِ المَكَانِيَّةِ، و(إلى) تَدُلُّ علَى الانتهاءِ في كُلٍّ مِنَ المِثَالِ والآيَةِ الكَرِيمَةِ، ولِكُلٍّ مِن الحَرفَينِ مُتَعَلَّقٌ مَذكُورٌ.
والقِسمُ الثَّانِي: حَرفُ الجَرِّ الزَّائِدُ، هو ما ليس له مَعنًى خَاصٌّ، وإنَّمَا يُؤتَى به لمُجَرَّدِ التَّوكِيدِ، ولَيسَ له مُتَعَلِّقٌ، لا مَذكُورٌ، ولا مَحذُوفٌ، مِثلَ: (مِن)، في قولِكَ (مَا زَارَنِي مِن أَحَدٍ)، وفِي قَولِه تعَالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ}، فليسَ لِمِنْ في هذا المِثَالِ ولا في الآيَةِ الكَرِيمَةِ مَعنًى خَاصٌّ، وإنَّمَا جِيءَ بها لمُجَرَّدِ التَّوكِيدِ، كما أنَّهُ لا مُتَعَلِّقَ لها، وما بعدَها في المِثالِ فَاعِلٌ، وفي الآيَةِ مُبتَدَأٌ.
والقِسمُ الثَّالِثُ: حَرفُ الجَرِّ الشَّبِيهُ بالزَّائِدِ، وهو ما له مَعنًى خَاصٌّ، كالحرفِ الأصلِيِّ، وليسَ لهُ مُتَعَلِّقٌ كالزَّائِدِ، فقد أَخَذَ شَبَهاً مِن الحَرفِ الأصلِيِّ، وأَخَذَ شَبَهاً مِن الحَرفِ الزَّائِدِ، ومِثَالُهُ: لَولا، ورُبَّ، ولَعَلَّ، فإنَّ لولا تَدُلُّ على الامتناعِ للوُجُودِ، ورُبَّ تدُلُّ على التَّكثِيرِ أو التَّقلِيلِ، ولَعَلَّ تَدُلُّ على التَّرَجِّي، وليسَ لِوَاحِدٍ منهَا مُتَعَلِّقٌ، ولِكَونِهَا أُشبِهَت بالحَرفِ الزَّائِدِ في عَدَمِ احتِيَاجِهَا إِلَى مُتَعَلِّقٍ تَتَعَلَّقُ به سَمَّوهَا (حَرفُ جَرٍّ شَبِيهٌ بِالزَّائِدِ)، وإن كانت تُشبِهُ الحَرفَ الأَصلِيَّ أَيضاً كما بَيَّنتُ لكَ.

([3])287-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ أَبِي ذُؤَيبٍ الهُذَلِيِّ يَصِفُ سَحَاباً، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا عَجُزُ بَيتٍ مِنَ الطَّوِيلِ، وَصَدرُهُ:
*شَرِبْن بِمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ*
اللُّغَةُ: (شَرِبْنَ) أَرادَ أنَّ السَّحَابَ حَمَلَ مَاءَ البَحرِ، (لُجَجٍ) جَمعُ لُجَّةٍ – بِضَمِّ اللاَّمِ وتَشدِيدِ الجِيمِ – وهِيَ مُعظَمُ المَاءِ، (نَئِيجُ) صَوتُ.
الإعرابُ: (شَرِبْنَ) شَرِبَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على فَتحٍ مُقَدَّرٍ علَى آخِرِهِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، ونُونُ النِّسْوَةِ فَاعِلُهُ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ فِي مَحَلِّ رَفعٍ.
(بمَاءِ) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌٌّّ علَى الكَسْرِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، مَاءِ: مَجرُورٌ بِالبَاءِ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِشَرِبَ، ومَاءٌ مُضَافٌ، و(البَحرِ) مُضَافٌ إليه مَجرُورٌ بِالكَسرَةِ الظَّاهِرَةِ.
(ثُمَّ) حَرفُ عَطفٍ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرابِ، (تَرَفَّعَتْ) تَرَفَّعَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، والتَّاءُ حَرفٌ دَالٌّ علَى تَأنِيثِ الفَاعِلِ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، وفَاعِلُ تَرَفَّعَ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً، تَقدِيرُه: هِيَ، يَعُودُ إِلَى السَّحَائِبِ المَذْكُورَةِ في بَيتٍ سَابِقٍ علَى بَيتِ الشَّاهِد.
(مَتَى) حَرفُ جَرٍّ بِمَعنَى مِن الابتِدَائِيَّةِ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، (لُجَجٍ) مَجرُورٌ بمَتَى، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِشَرِبَ، (خُضْرٍ) نَعتٌ لِلُجَجٍ، ونَعتُ المَجرُورِ مَجرُورٌ وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، (لَهُنَّ) اللاَّمُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرَابِ، هُنَّ: ضَمِيرٌ مُنفَصِلٌ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ باللاَّمِ، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (نَئِيجُ) مُبتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَرفُوعٌ، وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وجُملَةُ المُبتَدَأِ وخَبَرُهُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ، صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلُجَجٍ، أَو فِي مَحَلِّ نَصبٍ حَالٌ مِن لُجَجٍ؛ لأنَّهُ – وإِن كانَ نَكِرَةً – قَد تَخَصَّصَ بِالوَصفِ بِخُضْرٍ.
الشَّاهِدُ فيهِ: قَولُهُ: (متَى لُجَجٍ) حيثُ استُعمِلَ فيه مَتَى بمَعنَى مِن.

([4])288- لَمْ أَقِفْ لِهَذا الشَّاهِدِ على نِسبَةٍ إلى قَائِلٍ مُعَيَّنٍ، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ هَهُنَا صَدْرُ بَيتٍ مِنَ الوَافِرِ، وعَجُزُهُ قَولُهُ:
*بِشَيءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَرِيمُ*
اللُّغَةُ: (لَعَلَّ) أَصلُ مَعنَى هَذَا الحَرْفِ التَّرَجِّي، وقَالَ الدَّنُوشَرِيُّ: (هو في هذا البيتِ بَاقٍ على أَصلِهِ، وهو التَّرَجِّي، ولا يَتَعَلَّقُ بِشَيءٍ، ولكنَّ الظَّاهِرَ أنَّهُ في هذا البَيتِ بمَعنَى الإِشفَاقِ، مِثلُ قَولِه تعَالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ}اهـ كَلامُ الدّنُوشَرِيِّ، (إِنَّ) يَجُوزُ في هَمزَةِ إِنَّ هذه الفَتحُ والكَسرُ؛ أمَّا الفَتحُ فعلَى أنَّ المَصدَرَ المُنسَبِكَ مِنهَا ومَنِ مَعمُولَيهَا مَجرُورٌ على أنَّهُ بَدَلٌ مِن شَيءٍ المَجرُورِ بالبَاءِ، وأمَّا الكَسرُ فعلَى الابتداءِ، وجُملَتُهَا في مَقَامِ التَّعلِيلِ لِمَا قَبلَهَا (شَرِيمُ) بفَتحِ الشِّينِ – هو فَعِيلٌ بمَعنَى مَفعُولٍ كجَرِيحٍ وقَتِيلٍ – والشَّرِيمُ: المَرأَةُ المُفْضَاةُ، أي: التي اتَّحَدَ مَسلَكَاهَا واختَلَطَ أَحَدُهُمَا بالآخَرِ، ويُقَالُ فيها: شَرمَاءُ، وشَرُومٌ، أَيضاً.
الإعرابُ: (لَعَلَّ) حَرفُ تَرَجٍّ وَجَرٍّ شَبيهٌ بالزَّائِدِ، مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، (اللَّهِ) مُبتَدَأٌ، مَرفُوعٌ بضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على آخِرِهِ، منَعَ مِن ظُهُورِهَا اشتِغَالُ المَحَلِّ بِحَرَكَةِ حَرفِ الجَرِّ الشَّبِيهِ بالزَّائِدِ، (فَضَّلَكُمْ) فَضَّلَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً، تَقدِيرُهُ: هُوَ، يعودُ إلى لَفظِ الجَلالَةِ، وضَمِيرُ المُخَاطَبِينَ مَفعُولٌ بِه، وجُملَةُ الفِعلِ المَاضِي وفَاعِلِه ومَفعُولِه في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرُ المُبتَدَأِ، (بِشَيءٍ) البَاءُ حَرفُ جَرٍّ مَبنِيٌّ على الكَسرِ، لا مَحَلَّ لهُ مِنَ الإعرابِ، شَيءٍ: مَجرُورٌ بالباءِ، وعلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ،والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بفَضَّلَ، (أنَّ) حَرفُ تَوكِيدٍ ونَصبٍ، مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ، لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرابِ، (أُمَّكُمُ) أُمَّ: اسمُ أَنَّ مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهُوَ مُضَافٌ وضَمِيرُ المُخَاطَبِينَ مُضَافٌ إِلَيهِ، (شَرِيمُ) خَبَرُ أَنَّ مَرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، فإذا قَرَأْتَ (أنَّ) بالكَسرِ؛ فجُملَتُهَا لا مَحَلَّ لهَا مِنَ الإعرَابِ تَعلِيلِيَّةٌ، وإذَا قَرَأْتَهَا بالفَتحِ، فهِيَ وما دَخَلَتْ علَيهِ في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بَدَلٍ مِن شَيءٍ.
الشَّاهِدُ فيه: قَولُهُ: (لَعَلَّ) حيثُ استَعمَلَهَا حَرفَ جَرٍّ، فَجَرَّ بهَا الاسْمَ الكَرِيمَ.
ومِثلُ هذا الشَّاهِدِ قَولُ كَعبِ بنِ سَعْدٍ الغَنَوِيِّ:
فَقُلْتُ ادْعُ أُخْرَى وارْفَعِ الصَّوتَ جَهْرَةً = لَعَلَّ أَبِي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ

([5])أَمَّا إِثبَاتُ اللاَّمِ الأُولَى فشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ، ومنها بيتُ الشَّاهِدِ الذي سَبَقَ شَرحُهُ (رَقَمُ 288)، ومنها قولُ الآخَرِ، وهُوَ خَالِدُ ابنُ جَعْفَرٍ:
لَعَلَّ اللَّهِ يُمْكِنُنِي عَلَيهَا = جِهَاراً مِن زُهَيرٍ أَو أَسِيدِ
وأَمَّا حَذفُ لامِها الأُولَى فَمِن شَوَاهِدِه قَولُ الشَّاعِرِ:
عَلَّ صُرُوفَ الدَّهرِ أَو دُولاتِهَا = تُدِلْنَنَا اللَّمَّةَ مِن لَمَّاتِهَا
والذي نُريدُ أن نُنَبِّهَكَ إِلَيهِ هو أنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ لَيسَتْ خَاصَّةً بِلَعَلَّ التي يُجَرُّ الاسمُ بعدَها، كما استَظْهَرَهُ العُلَيْمِيُّ اغتِرَاراً بظَاهِرِ عِبَارَةِ المُصَنِّفِ هنا، بل جَاءَت في لُغَاتِ العَرَبِ عَامَّةً، فمِنَ الحَذفِ قَولُ الأَضبَطِ بنِ قُرَيعٍ السَّعْدِيِّ:
لا تُهِينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ = تَركَعَ يَوماً والدَّهرُ قَدْ رَفَعَهْ
وقَولُ نَافِعِ بنِ سَعدٍ الطَّائِيِّ:
ولَسْتُ بِلَوَّامٍ علَى الأمْرِ بَعدَمَا = يَفُوتُ، ولَكِنْ عَلَّ أَنْ أَتَقَدَّمَا
وقَولُ العُجَيرِ السَّلُولِيِّ:
لَكَ الخَيْرُ عَلِّلْنَا بِهَا عَلَّ سَاعَةً = تَمُرُّ وَسِهْوَاءً مِنَ اللَّيلِ يَذهَبُ
وقَولُ أُمُّ النَّحِيفِ، وهُو سَعدُ بنُ قِرطٍ:
تَرَبَّصْ بِهَا الأَيَّامَ، عَلَّ صُرُوفَهَا = سَتَرْمِي بِهَا فِي جَاحِمٍ مُتَسَعِّرِ
وقَولُ رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ:
تَقُولُ بِنْتِي قَدْ أَنَى أَنَاكَا = يَا أَبَتَا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا

([6])وذَهَبَ الكُوفِيُّونَ في هذه العِبَارَةِ إلى أنَّ (كَي) هِيَ المَصدَرِيَّةُ النَّاصِبَةُ لِلفعلِ المُضَارِعِ، وأنَّ المُضَارِعَ المَنصُوبَ بها مَحذُوفٌ، وأنَّ (مَهْ) التي بَعدَها مُؤَلَّفَةٌ مِن (ما) التي هي اسمُ استِفهامٍ، ومِن هَاءِ السَّكْتِ، وأنَّ (مَا) الاستفهامِيَّةَ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعُولٌ به لهذا الفعلِ المُضَارِعِ المَحذُوفِ، وكأنَّ قَائِلاً قد قالَ لك: جِئْتُ، فقُلْتَ لَهُ: كَي تَفْعَلَ مَاذا؟
وهذا تَكَلُّفٌ غَرِيبٌ، فوقَ أنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَربَعَةَ أُمُورٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنها مِمَّا لا يُجِيزُهُ جَمهَرَةُ النُّحَاةِ، الأوَّلُ: أنَّ فيه حَذفَ صِلَةِ الحَرفِ المَصدَرِيِّ معَ بَقَاءِ مَعمُولِهَا، أمَّا الحَرفُ المَصدَرِيُّ فهو (كَي)، وأمَّا صِلَتُهُ فهي المُضَارِعُ الذي التَزَمُوا تَقدِيرَهُ، وأمَّا مَعمُولُ الصِّلَةِ فهُوَ (ما) الاستفهامِيَّةُ.
والثَّانِي: أنَّ فِيهِ نَصبَ اسمِ الاستِفهَامِ بعَامِلٍ مُتَقَدِّمٍ عليهِ، وقَد عُلِمَ أنَّ اسمَ الاستِفهَامِ مِمَّا له الصَّدَارَةُ، فلا يَتَقَدَّمُ عليه العَامِلُ فيهِ.
والثَّالِثُ: أنَّ فيهِ حَذفَ أَلِفِ (مَا) الاستِفهَامِيَّةِ في غَيرِ حَالَةِ الجَرِّ، وقَدْ عُلِمَ أنَّ أَلِفَهَا لا تُحذَفُ إلا في حَالَةِ الجَرِّ، نحوَ قَولِهِ تَعَالَى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}.
والرَّابِعُ: أنَّ فِيهِ حَذفَ المَنصُوبِ معَ بَقَاءِ عَامِلِ النَّصبِ، ولَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَظِيرٌ في كلامِ العَرَبِ.
ثُمَّ إِنَّ استعمالَ العَرَبِ (لِمَه) كَثِيراً في المَوضِعِ الذي استَعمَلُوا فيهِ (كَيمَهْ) يَدُلُّ علَى أنَّ مَعنَى العِبَارَتَينِ وَاحِدٌ، وأنَّ كُلَّ ما بَينَهُمَا أنَّ فِي (كَيمَهْ) وَضعُ حَرفٍ، وهو (كَي). في مَوضِعِ حَرفٍ آخَرَ، وهُو اللاَّمُ.

([7])289-هذا الشَّاهِدُ مِن كلامِ قَيسِ بنِ الخطيمِ. وقيلَ: للنَّابِغَةِ. ثُمَّ مِنهُم مَن يقولُ: (النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ). ومِنهم مَن يقولُ: (النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ)، والذي ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ عَجُزُ البَيتِ مِن الطَّوِيلِ، وصَدرُهُ قَولُهُ:
*إِذَا أَنتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا*
المَعنَى: يُرِيدُ أنَّهُ لا بُدَّ للإنسانِ مِن أَحَدِ وَصفَينِ يَتَّصِفُ بِهِ: فإمَّا أَن يَكُونَ نَافِعاً يعُودُ الفَضلُ مِنهُ على إِخوَانِهِ وعَارِفِيهِ أو على أَهلِ جِلدَتِهِ جَمِيعاً، وإمَّا أن يَكُونَ ضَارّاً بهِم يَقَعُ علَيهِم شَرُّهُ، وتَنَالُهُم مَعَرَّتُهُ، فإن لم يَكُنِ الإنسانُ مُتَّصِفاً بأحدِ هذينِ الوَصفَينِ فليسَ بإِنسانٍ على الحَقِيقَةِ، لأنَّ الإنسانَ إنَّمَا يَمتَازُ عن سَائِرِ الحَيَوَانِ بأنَّهُ يَنفَعُ أو يَضُرُّ.
الإعرابُ: (إذا) ظَرْفٌ لمَا يُستَقبَلُ مِن الزَّمَانِ، خَافِضٌ لِشَرطِهِ، مَنصُوبٌ بِجَوَابِهِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ في مَحَلِّ نَصبِ بِـ(ضُرّ) الآتِي، (أنت) فَاعِلٌ لِفِعلٍ مَحذُوفٍ يُفَسِّرُهُ المَذكُورُ بَعدَهُ، مَبنِيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ رَفعٍ، والجُملَةُ مِن الفِعلِ المَحذُوفِ وفَاعِلِه هذا في مَحَلِّ جَرٍّ بإِضَافَةِ إِذَا إليها.
(لم) حَرفُ نَفيٍ وجَزمٍ وقَلبٍ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ، لا مَحَلَّله مِن الإعرابِ، (تَنْفَعْ) فِعلٌ مُضَارِعٌ مَجزُومٌ بِلَم، وعَلامَةُ جَزمِهِ السُّكُونُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقدِيرُه (أنت)، وجُملَةُ الفعلِ المُضَارِعِ المَجزُومِ بلم وفَاعِلِه المُستَتِرِ فيه لا مَحَلَّ لها مِن الإعرابِ مُفَسِّرَةٌ.
(فَضُرَّ) الفَاءُ وَاقِعَةٌ في جوابِ إذا، حَرفٌ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، ضُرَّ: فِعلُ أَمرٍ مَبنِيٌّ علَى السُّكُونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وحُرِّكَ بالفَتحِ للتَّخَلُّصِ مِن التِقَاءِ السَّاكِنَينِ ولِلتَّخفِيفِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقدِيرُه أنت.
(فإِنَّمَا) الفَاءُ حَرفٌ دَالٌّ على التَّعلِيلِ مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرابِ، إنَّمَا: حَرفٌ دَالٌّ على الحَصرِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ، (يُرَادُ) فِعلٌ مُضَارِعٌ مَبنِيٌّ لِلمَجْهُولِ مَرفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، (الفَتَى) نَائِبُ فَاعِلِ (يُرَادُ)، مَرفُوعٌ بِضَمَّةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألِفِ مَنَعَ مِن ظُهُورِهَا التَّعَذُّرُ، (كيما) كَي: حَرفُ تَعلِيلٍ وجَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وما: حَرفٌ مَصدَرِيٌّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، (يَضُرُّ) فِعلٌ مُضَارِعٌ مَرفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِن النَّاصِبِ والجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفعِهِ الضَّمَّةُ الظَّاهِرَةُ، وفَاعِلُهُ مُستَتِرٌ فيه جوَازاً تَقدِيرُه (هو) يَعُودُ إلى الفَتَى، وما المَصدَرِيَّةُ معَ ما دخَلَت عليه في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بكي، والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِيُرَادُ، وتَقدِيرُ الكلامِ: يُرَادُ الفتَى لِلضَّرِّ والنَّفعِ، (ويَنفَعُ) الواوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ، يَنفَعُ: فِعلٌ مُضَارِعٌ مرفُوعٌ بالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقدِيرُه هو يَعودُ إلَى الفتَى.
الشَّاهِدُ فيه: دُخُولُ (كَي) علَى (ما) المَصدَرِيَّةِ، وتَقدِيرُ (ما) مَصدَرِيَّةً في هذا الشَّاهِدِ هو تَخرِيجُ الأخفَشِ، وهي عِندَ غَيرِهِ كَافَّةٌ لِكَي عن عَمَلِ النَّصبِ فِي الفِعلِ المُضارعِ، والفِعلُ مُؤَوَّلٌ بالمَصدَرِ على القَولَينِ؛ بوَاسِطَةِ (ما) على الأوَّلِ، وبوَاسِطَةِ (كي) على الثَّانِي.

([8])290-هذا الشَّاهِدُ مِن كَلامِ جَمِيلِ بنِ مَعمَرٍ العُذْرِيِّ، وقيلَ: لِحَسَّانَ بنِ ثَابِتٍ الأنصَارِيِّ. وليسَ بشَيءٍ، وما ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ ههُنَا عَجُزُ بَيتٍ مِن الطَّوِيلِ، وصَدرُهُ قَولُهُ:
*فَقَالَتْ أَكُلَّ النَّاسِ أَصْبَحْتَ مَانِحَا*
وأَوَّلُ القَصِيدَةِ التِي مِنهَا بَيتُ الشَّاهِدِ مِن قَولِ جَمِيلِ بنِ مَعمَرٍ هُوَ:
عَرَفْتُ مَصِيفَ الحَيِّ والمُتَرَبَّعَا = كَمَا خَطَّتِ الكَفُّ الكِتَابَ المُرَجَّعَا
مَعَارِفَ أَطلالٍ لِبَثْنَةَ أَصْبَحَتْ = مَعَارِفُهَا قَفْراً مِنَ الحَيِّ بَلْقَعَا
اللُّغَةُ: (عَرَفْتُ مَصِيفَ الحَيِّ – البَيتَ) المَصِيفُ: مَكَانُ نُزُولِ القَومِ في الصَّيفِ، والمُتَرَبَّعُ: مَكَانُ نُزُولِهِم وَقتَ الرَّبِيعِ، وقَولُهُ: (كَمَا خَطَّتِ الكَفُّ الكِتَابَ المُرَجَّعَا) حَالٌ مِنهُمَا، يُرِيدُ أنَّ آثارَ نُزُولِ القَومِ في الصَّيفِ، وآثَارَ نُزُولِهِم في الرَّبِيعِ، قد انمَحَتْ وذَهَبَت، ولم يَبْقَ مِنهَا إلا ما يُشبِهُ الخَطَّ القَدِيمَ الذي رُوجِعَ في القِرَاءَةِ مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ، (مَعَارِفَ أَطْلالِالبَيتَ) المَعَارِفُ: الأمَاكِنُ المَعرُوفَةُ، والقَفْرُ – بفَتْحٍ فَسُكُونٍ – المُوحِشَةُ، والبَلْقَعُ – بِوَزنِ جَعفَرٍ – الخَالِي الذي لا أَنِيسَ بِهِ.
(فقَالَت: أَكُلَّ النَّاسِ أَصْبَحْتَ – البيتَ) مَانِحاً: اسمُ فَاعِلٍ مِن المَنحِ وهو الإعطاءُ، وهُوَ يَتَعَدَّى إلى مَفعُولَينِ، تَقُولُ: مَنَحْتُ المِسكِينَ دِرْهَماً، وتَغُرَّ: مُضَارِعُ غَرَرْتُه – مِن بَابِ نَصَرَ – إِذَا خَدَعْتَهُ وزَيَّنْتَ لَهُ ما لَيسَ بِحَسَنٍ، وتَخْدَعَ: عَطفُ تَفسِيرٍ لِتَغُرَّ، فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.
الإعرابُ: (فَقَالَت) الفَاءُ حَرفُ عَطفٍ، مَبنِيٌّ على الفتحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، قَالَ: فِعلٌ مَاضٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، والتَّاءُ حَرفٌ دَالٌّ على تَأنِيثِ المُسنَدِ إليهِ، مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرابِ، وفَاعِلُ قَالَ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه جَوَازاً، تَقدِيرُه (هي) يَعُودُ لِلْخُودِ المَذْكُورَةِ في بَيتٍ سَابِقٍ على بَيتِ الشَّاهِدِ.
(أَكُلَّ) الهَمزَةُ للاستِفْهَامِ حَرفٌ مَبنِيٌّ علَى الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ، كُلَّ: مَفعُولٌ ثَانٍ لِمَانِحٍ تَقَدَّمَ علَيهِ وعلى مَفعُولِهِ الأوَّلِ، مَنصُوبٌ وعَلامَةُ نَصبِهِ الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ، و(كُلَّ) مُضَافٌ، و(النَّاسِ) مُضَافٌ إِلَيهِ مَجرُورٌ، وعَلامَةُ جَرِّهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرَةُ، (أَصْبَحْتَ) أَصْبَحَ: فِعلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ مَبنِيٌّ على الفَتحِ المُقَدَّرِ على آخِرِهِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ، وتَاءُ المُخَاطَبِ اسمُ أَصبَحَ مَبنِيٌّ على الفَتحِ في مَحَلِّ رَفعٍ، (مَانِحَا) خَبَرُ أَصبَحَ مَنصُوبٌ، وعَلامَةُ نَصبِهِ الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ، وهو اسمُ فَاعِلٍ يَعمَلُ عَمَلَ فِعلِه، فَفِيهِ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ تَقدِيرُهُ أَنتَ، وهذا الضَّمِيرُ فَاعِلُهُ، وقد تَقَدَّمَ مَفعُولُهُ الثَّانِي، (لِسَانَكَ) لِسَانَ: مَفعُولٌ أَوَّلٌ لِمَانِحٍ مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، وهو مُضَافٌ وضَمِيرُ المُخَاطَبِ مُضَافٌ إليه مَبنِيٌّ على الفتحِ في محلِّ جَرٍّ، (كَيمَا) كَي: حرفُ تَعلِيلٍ وجَرٍّ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الإعرابِ، ومَا: حَرفٌ زَائِدٌ، وذَكَرَ العَينِيُّ أنَّهُ حَرفٌ كَافٌّ لِكَي عَن عَمَلِ النَّصبِ أَو حَرفٌ مَصدَرِيٌّ. ولا وَجهَ لِمَا ذَكَرَهُ، (أَن) حَرفٌ مَصدَرِيٌّ ونَصبٌ مَبنِيٌّ على السُّكُونِ لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، (تَغُرَّ) فِعلٌ مُضَارِعٌ مَنصُوبٌ بأن المَصدَرِيَّةِ، وعَلامَةُ نَصبِهِ الفَتحَةُ الظَّاهِرَةُ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستَتِرٌ فيه وُجُوباً تَقدِيرُه أنت، (وتَخدَعَ) الوَاوُ حَرفُ عَطفٍ مَبنِيٌّ على الفَتحِ لا مَحَلَّ لَهُ مِن الإعرابِ، وتَخدَعَ: مَعطُوفٌ على (تَغُرَّ) مَنصُوبٌ بالفَتحَةِ الظَّاهِرَةِ، و(أن) معَ ما دَخَلَت عليه في تَأوِيلِ مَصدَرٍ مَجرُورٍ بالكافِ, والجَارُّ والمَجرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَانِحٍ، وتَقدِيرُ الكلامِ: مَانِحاً لِسَانَكَ كُلَّ النَّاسِ لِلنَّفعِ والضَّرِّ.
الشَّاهِدُ فيه: ظُهُورُ (أن) المَصدَرِيَّةِ بعدَ (كي)؛ فذلك دَلِيلٌ على أَمرَينِ: الأوَّلُ: أنَّ (كي) دَالَّةٌ على التَّعلِيلِ وليست حَرفاً مَصدَرِيّاً، والثَّانِي: أنَّ (كي) التَّعلِيلِيَّةَ تُقَدَّرُ بعدَها (أن) إِذَا لَم تَكُنْ مَوجُودَةً، فأمَّا الأوَّلُ؛ فلأنَّكَ لو جَعَلْتَ (كي) مَصدَرِيَّةً لَلَزِمَ أن يتَوَالَى حَرفَانِ بمَعنًى وَاحِدٍ لا لِغَرَضِ التَّوكِيدِ، وهذا مَمنُوعٌ، وأمَّا الثَّانِي فلأنَّ ظُهورَ الشَّيءِ في بَعضِ الأوقَاتِ دَلِيلٌ على أنَّ هذَا المَوضِعَ مَحَلٌّ له، ألا تَرَى أنَّهُ لمَّا ظَهَرَت (مِن) بعدَ (لا) النَّافِيَةِ لِلجِنسِ في قَولِ الشَّاعِرِ:
فقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنهَا بِسَيْفِهِ = وقَالَ أَلا لا مِنْ سَبِيلٍ إِلَى هِندِ
قَضَوا لذلك بأَنَّ بِنَاءَ اسمِ (لا) لِتَضَمُّنِ مَعنَى (مِن) الاستِغْرَاقِيَّةِ؟ ومِثلُهُ ظُهُورُ (مِن) قَبلَ التَّميِيزِ أَحياناً، ونَحوُ ذلك كَثِيرٌ مِن تَعلِيلاتِهِم.
ومِثلُ بَيتِ الشَّاهِدِ في ظُهُورِ (أن) المَصدَرِيَّةِ بعدَ كي قَولُ الشَّاعِرِ:
أَرَدْتَ لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ بِقِرْبَتِي = فَتَتْرُكَهَا شَنّاً بِبَيدَاءَ بَلْقَعِ
ومِثلُهُ قَولُ الآخَرِ، وأَنشَدَهُ أَبُو ثَروَانَ:
أَرَدْتَ لِكَيْمَا أَنْ تَرَى لِيَ عَثْرَةً = وَمَنْ ذَا الذي يُعْطَى الكَمَالَ فَيَكْمُلُ

([9])سُورَةُ الحَدِيدُ، الآيَةُ: 23، واعلَمْ أوَّلاً أنَّهُ لا خِلافَ بينَ أَحَدٍ مِنَ النُّحَاةِ في أنَّهُ قد وَرَدَ عن العَرَبِ الفِعلُ المُضَارِعُ مَنصوباً بعدَ كَي غَيرِ المَسبُوقَةِ بِلامِ التَّعلِيلِ ولا المُتبَعَةِ بِأَن المَصدَرِيَّةِ مِن غَيرِ شُذُوذٍ ولا ضَرُورَةٍ، ومِن ذلك قَولُهُ تَعَالَى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ}، وقَولُهُ سُبحَانَهُ: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَينَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}. ومِن ذلك قَولُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:
وَقَفْتُ فِيهَا طَوِيلاً كَيْ أُسَائِلَهَا = عَيَّتْ جَوَاباً وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
كما أنَّهُ لا خِلافَ بينَ أَحَدٍ مِنَ النُّحَاةِ في أنَّ الفِعلَ المُضَارِعَ قد جاءَ في فَصيحِ الكلامِ مِن غيرِ شُذُوذٍ ولا ضَرُورَةٍ مَنصُوباً بعدَ كَي المَسبُوقَةِ بِلامِ التَّعلِيلِ، ومِن ذلك الآيَةُ التي تَلاهَا المُؤَلِّفُ {لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ}، وقَولُهُ تَعَالَى: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}، وقَولُهُ سُبحَانَهُ: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} سُورَةُ الحَجِّ، آيَةُ 5، ومِنه قَولُ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
إِذَا جِئْتَ فَامْنَحْ طَرْفَ عَيْنَيكَ غَيرَنَا = لِكَي يَعلَمُوا أَنَّ الهَوَى حَيثُ تَنْظُرُ
وقد جَاءَ في قَلِيلٍ مِن كلامِ العَرَبِ مَجِيءُ المُضَارِعِ مَنصوباً بعدَ كي، وقد تَوَسَّطَت بينَهُما (أن) المَصدَرِيَّةُ كما في الشَّاهِدِ رَقْمِ 290 والبَيتَينِ اللذين ذَكَرْنَاهُمَا في شَرحِه، ووَرَدَ عنهم في قَليلٍ مِن كَلامِهِم مَجِيءُ المُضَارِعِ مَنصوباً بعدَ كي، وقَد تَوَسَّطَت بينَهُما اللاَّمُ، نحوَ قَولِ عَبدِ اللَّهِ بنِ قَيسِ الرُّقَيَّاتِ:
كَيْ لِتَقْضِيَنِي رُقَيَّةُ مَا = وَعَدَتْنِي غَيرَ مُخْتَلَسِ
ثُمَّ اعلمْ ثَانياً أنَّ النُّحَاةَ يَختلِفُونَ في النَّاصِبِ للمُضَارِعِ في كُلِّ وَجهٍ مِن هذه الوُجُوهِ، فذَهَبَ الأخفَشُ إلى أنَّ النَّاصِبَ للمضارعِ في جميعِ هذه الأوجُهِ هو أن المَصدَرِيَّةُ، فإن كانت مَذكُورةً فالأمرُ ظَاهِرٌ، وإن لم تَكُنْ فهِيَ مُقَدَّرَةٌ، والسِّرُّ في هذا أنَّ الأخْفَشَ يَرَى أنَّ (كي) لا تَكُونُ إلا حَرفَ جَرٍّ دَالٍّ على التَّعلِيلِ, فإن ذُكِرَت اللاَّمُ قَبلَها كما في الآيَةِ الكَرِيمَةِ {لِكَيْ لا يَعْلَمَ} وكمَا في قَولِ عُمَرَ: *لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّ الهَوَى حَيثُ تَنْظُرُ* كَانَت هذه اللاَّمُ لِلتَّعلِيلِ،وكانت (كي) بَدَلاً مِنها, وكانت (أن) مُضمَرَةً بَعدَهُمَا، وإِن ذُكِرَت اللاَّمُ بعدَ (كي) كما في قَولِ ابنِ قَيسِ الرُّقَيَّاتِ: *كَيْ لِتَقْضِيَنِي رُقَيَّةُ* كانت اللاَّمُ بَدَلاً مِن (كي) التَّعلِيلِيَّةِ، وأن مُقَدَّرَةً بَعدَهُمَا.
وذَهَبَ الخَلِيلُ بنُ أَحمَدَ إلى أنَّ النَّاصِبَ لِلمُضَارِعِ في كُلِّ هذه الوُجُوهِ هُو (أن) المَصدَرِيَّةُ، فإن كانت مَذكُورَةً في الكلامِ فالأمرُ ظَاهِرٌ، وإن لم تَكُنْ مَذكُورَةً فهي مُقَدَّرَةٌ، والسِّرُّ في ذلك أنَّ الخَلِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ لا يَرَى أنَّ لِلمُضَارِعِ نَاصِباً غَيرَ (أن) المَصدَرِيَّةِ مُظهَرَةً أو مُضمَرَةً.
وذَهَبَ جُمهُورُ الكُوفِيِّينَ إلى أنَّ النَّاصِبَ للمُضَارِعِ في جَمِيعِ هذه الوُجُوهِ هو (كي) نَفسُها، والسِّرُّ في هذا أنَّهُم يَرَونَ أنَّ (كي) لا تَكُونُ إلا حَرفاً مَصدَرِيّاً نَاصباً للمُضَارِعِ مَذكُوراً أو مُقَدَّراً، فإن ذُكِرَت (أن) بَعدَ (كي) كما في قَولِ جَمِيلٍ: *كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وتَخْدَعَا* كانت (أن) مَصدَرِيَّةً أَيضاً، وكانت بَدلاً مِن (كي)، وإِن ذُكِرَت اللاَّمُ بعدَ (كَي) كما في قَولِ ابنِ قَيسِ الرُّقَيَّاتِ: كَيْ لِتَقْضِيَنِي رُقَيَّةُ* كانت اللامُ زَائِدَةً، ولهذا قالُوا في قَولِ العَرَبِ: (كَيْمَهْ): إِنَّ ثَمَّةَ فِعلاً مُضَارِعاً مَحذُوفاً، وهو مَنصُوبٌ بـِ(كي)، و(مَهْ) عِبَارَةٌ عن (ما) الاستِفهَامِيَّةِ وهَاءِ السَّكتِ، وما الاستفهامِيَّةُ مَنصُوبَةُ المَحَلِّ بالمُضَارِعِ المُقَدَّرِ، وكأنَّ قَائِلاً قد قال لك: جِئْتُكَ، فَقُلْتَ لَهُ: كَي تَفْعَلَ مَاذَا، وهَذا تَكَلُّفٌ لا يَنبَغِي لك أن تُقِرَّهُم عليه، فوقَ أنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَذفَ صِلَةِ الحرفِ المَصدَرِيِّ الذي هو (كي)، ويَتَضَمَّنُ نَصبَ اسمِ الاستفهامِ بعَامِلٍ مُتَقَدِّمٍ عليه, ويَتَضَمَّنُ حذفَ أَلِفِ (ما) الاستفهامِيَّةِ في غيرِ حَالَةِ الجَرِّ، وكُلُّ وَاحِدٍ مِن هذه الأمُورِ الثَّلاثَةِ مِمَّا لا يُجِيزُ جُمهُورُ النُّحَاةِ ارتِكَابَهُ، وقد سبَقَ لنا ذِكْرُ ذلك (ص9 من هذا الجُزءِ).
وذَهَبَ جُمهُورُ البَصْرِيِّينَ إلى أنَّ (كي) تَكُونُ أَحياناً حَرفَ جَرٍّ دَالاًّ على التَّعلِيلِ، وتَكُونُ أَحيَاناً أُخرَى حَرفاً مَصدَرِيّاً نَاصِباً، فهُم لا يَلتَزِمُونَ الوَجهَ الثَّانِيَ كما التَزَمَهُ الكُوفِيُّونَ، ولا يَلتَزِمُونَ الوَجهَ الأوَّلَ الذي التَزَمَهُ الأخفَشُ.
وعِندَهُم أنَّ (كي) تَكُونُ حَرفاً مَصدَرِيّاً نَاصباً للمُضَارِعِ، ولا تَحتَمِلُ غيرَ هذا الوَجهِ في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وهي أن تُذكَرَ اللاَّمُ قَبلَهَا، ولا تُذكَرُ (أن) بَعدَهَا، نَحوَ قَولِهِ تَعَالَى: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} وقَولِ عُمَرَ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
*لِكَيْ يَعْلَمُوا أَنَّ الهَوَى*
وتَكُونُ (كَي) عندَهُم حَرفَ تَعلِيلٍ وجَرٍّ، ولا تَحتَمِلُ غيرَ ذلك في حَالَتَينِ، إِحدَاهُمَا أن تُذكَرَ اللاَّمُ بَعدَها، كما في قَولِ ابنِ قَيسِ الرُّقَيَّاتِ: *كَيْ لِتَقْضِيَنِي رُقَيَّةُ* فكَي حَرفُ تَعلِيلٍ، واللاَّمُ تَوكِيدٌ لها، وأن مُقَدَّرَةٌ بَعدَهُمَا، وهي النَّاصِبَةُ، والحَالَةُ الثَّانِيَةُ أن تُذكَرَ (أن) بعد (كي)، ولا تُذكَرَ قَبلَهَا اللاَّمُ، كما في قَولِ جَمِيلٍ، (وهو الشَّاهِدُ رقمُ 290) * كَيْمَا أَنْ تَغُرَّ وتَخْدَعَا*.
وتَكُونُ (كي) مُحتَمِلَةً للوَجهَينِ في حَالَتَينِ، إِحدَاهُمَا أن تُذكَرَ في الكلامِ وَحدَهَا فلا تَتَقَدَّمُهَا اللاَّمُ ولا تَتَأَخَّرُ عنها (أن)، كما في قَولِهِ تعَالَى: {كَيْ تَقَرَّ عَينُهَا} وكما في قَولِ النَّابِغَةِ: *كَيْ أُسَائِلَهَا* والحَالَةُ الثَّانِيَةُ أن تَقَعَ (كي) بينَ اللاَّمِ و(أن) نحوَ قولِ الشَّاعِرِ: *لِكَيْمَا أَنْ تَطِيرَ* فَإِن اعتُبِرَت (كي) تَعلِيلِيَّةً كانت مُؤَكِّدَةً للاَّمِ، وهذا أَولَى، وإن اعتُبِرَت (كي) مَصدَرِيَّةً كانت (أن) مُؤَكِّدَةً لها.


</H2>


  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


حروفُ الجرِّ
364 - هَاكَ حُروفُ الجَرِّ وَهِيَ مِنْ إِلَى = حَتَّى خَلاَ حَاشَا عَدَا فِي عَنْ عَلَى
365 - مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللاَّمُ كَيْ وَاوٌ وَتَا = وَالكَافُ وَالبَا وَلعَلَّ وَمَتى
(هَاكَ حُرُوفُ الجَرِّ وَهِيَ) عشرون حرفًا: (مِنْ) و(إلى) و(حتَّى) و(خلا) و(حاشا) و(عدا)و (في) و(عن) و(على) و(مذ) و(منذ) و(رب) و(اللام) و(كي) و(واو) (وتا * والكاف والبا ولعل ومتى) كلُّها مُشْتَرِكَةٌ في جرِّ الاسمِ على التفصيلِ الآتي:
وقد تقدَّمَ الكلامُ على "خلا" و"حاشا" و"عدا" في الاستثناءِ
وقلَّ مَنْ ذَكَرْ "كي" و"لعلَّ" و"متى" في حروفِ الجرِّ لغرابةِ الجرِّ بهنَّ.

أما "كي" فتجرُّ ثلاثةَ أشياءَ: الأَوَّل "ما" الاستفهاميةُ المستفهَمُ بها عن علَّةِ الشيءِ نحوَ: كيمه بمعنى: لِمَه والثاني "ما" المصدريَّةُ معَ صلتِها كقولِه [من الطويل]:
521 - إِذَا أَنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا يُرَادُ الفَتَى كَيْمَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ
أي: للضرِّ والنفعِ ، قاله الأَخْفَشُ وقيلَ: "ما" كافَّةٌ الثالثُ "أن" المصدريَّةَ وصلتُها نحو: "جئْتُ كي أكرمَ زيدًا" إذا قدَّرْتَ "أنْ" بعدها فـ"أنْ" والفعلُ في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بها ويدلُّ على أنَّ "أنْ" تضمِرُ بعدها ظهورَها في الضرورةِ كقوله [من الطويل]:
522 - فَقَالَتْ أَكُلُّ الناسِ أَصْبَحْتَ مَانِحًا = لسَانَكَ كَيْمَا أنْ تَغُرَّ وتَخْدَعا
والأَوَّلى أَنْ تقدِّر "كي" مصدريَّةً فتقدِّرُ اللامَ قبلَها بدليلِ كثرةِ ظهورِها معَها، نحو: { لِكَيْلاَ تَأْسَوْا}.

وأما "لعلَّ" فالجرُّ بها لغةُ عُقَيْلٍ ثابتةٌ ، الأَوَّل ومحذوفتُه مفتوحةُ الآخرِ ، ومكسورتُه ومنه قولُه [من الوافر]:
523 - لَعَلَّ اللَّهَ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا = بِشَيْءٍ أَنَّ أُمَّكُمُ شَرِيمُ
وقولُه:

لَعَلَّ أَبِي المِغْوَارِ مِنْكَ قَرِيبُ



وأما "متى" فالجرُّ بها لغةُ هذيلٍ ، وهي بمعنى "مِنْ" الابتدائيَّةِ سمُعِ مِنْ كَلاَمِهِمْ: "أخرجَها مَتَى كُمِّه" أي: مِنْ كَمَهْ ، وقولُه [من الطويل]:
524 - شَرِبْنَ بِمَاءِ البَحْرِ ثُمَّ تَرَفَّعَتْ = مَتَى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ
وأما الأربعةَ عشرَ الباقيةُ فسيأتي الكلامُ عليها.
تنبيهانِ : الأَوَّل إنما بدأَ بـ "مَنْ" لأنها أقوى حروفِ الجرِّ ولذلك دخلَتْ على ما لم يدخلْ عليه غيرُها نحوَ: "مَنْ عندَك".
الثاني: عدَّ بعضُهم مِنْ حروفِ الجرِّ "هَا" التنبيهُ وهمزةُ الاستفهامِ إذا جُعِلَتْ عوضًا مِنْ حرفِ الجرِّ في القسمِ قال في (التسهيل): وليس الجرُ في التعويضِ بالعوضِ خلافًا للأخفشِ ، ومَنْ وَافَقَهُ وذَهَبَ الزجَّاجُ والرُّمَّانِيُّ إلى أنَّ "أَيْمَنَ" في القسمِ حرفُ جرٍ وشذَّا في ذلك وَعَدَّ بعضُهم منها الميمَ مثلثَةً في القسمِ نحوَ: "مُ اللَّهِ" وجعلَه في (التسهيلِ) بقيَّةَ "أيمنَ" قال: وليسَتْ بدلاً مِنَ الواوِ ولا أصلُها "مِنْ" خلافًا لمن زعَم ذلك.
وذكَرَ الفرَّاءُ أنَّ "لاتَ" قد تجُرُّ الزمانَ وقُرِئَ (وَلاَتَ حِينِ مَنَاصٍ) وزعَمَ الأخفشُ أنَّ "بَلَهْ" حرفُ جرٍّ بمعنَى "مِنْ" والصحيحُ أنها اسمٌ ، وذهبَ سيبويهِ إلى أن "لولاَ " حرفُ جرٍّ ، إذا وَلِيَها ضميرٌ متصلٌ نحوَ: لولاي ولولاك ولولاه فالضمائرُ مجرورةٌ بها عندَ سيبويهِ وزعمَ الأخفشُ أنها في موضعِ رفْعٍ بالابتداءِ ، ووضعَ ضميرَ الجرِّ موضعَ ضميرِ الرفع ِولا عملَ لـ "لولا" فيها كما لا تعمَلُ "لولا" في الظاهرِ ، وزعَمَ المبرِّدُ أن هذا التركيبَ فاسدٌ لم يَرِدْ مِنْ لسانِ العربِ ، وهو محجوجٌ بثبوتِ ذلك عنهم كقولِه [من الطويل]:
425 - أَتَطْمَعُ فِينَا مَنْ أَرَاقَ دِمَاءَنَا = وَلَوْلاَكَ لَمْ يَعْرِضْ لِأَحْسَابِنَا حَسَنٌ
وقولُه [من الطويل]:
526 - وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَيَ طُِحْتَ كَمَا هَوَى = بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُنَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي

  #5  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 03:45 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


الْمُجَلَّدُ الثانِي
دَليلُ السَّالِكِ إلى أَلْفِيَّةِ ابنِ مالِكٍ
بقَلَمِ:
عبدِ اللَّهِ بْنِ صالِحٍ الفَوْزَانِ
الْجُزءُ الثانِي
بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ



بابُ حُرُوفِ الْجَرِّ
عددُ حروفِ الْجَرِّ

364- هَاكَ حُرُوفَ الْجَرِّ وَهْيَ مِنْ إلَى = حَتَّى خَلا حَاشَا عَدَا في عَنْ عَلَى
365- مُذْ مُنْذُ رُبَّ اللاَّمُ كَيْ وَاوٌ وَتَا = وَالْكَافُ وَالْبَا وَلَعَلَّ وَمَتَى
لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِن الكلامِ على المرفوعاتِ والمنصوباتِ، شَرَعَ في ذِكْرِ المجروراتِ، وهيَ ثلاثةٌ:
1- مجرورٌ بالحرْفِ.
2- مجرورٌ بالإضافةِ، وسيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ في البابِ الذي يَلِي هذا.
3- مجرورٌ بالتَّبَعِيَّةِ لِمَتبوعٍ مجرورٍ.
وهذا مَوْضِعُهُ التَّوَابِعُ.
وبَدَأَ بالمجرورِ بالحرْفِ لأنَّهُ الأصْلُ.
وهذهِ الحروفُ العِشرونَ التي ذَكَرَ الناظِمُ كُلُّها مُخْتَصَّةٌ بالأسماءِ، وتُعْمِلُ فيها الجَرَّ، وقدْ تَقَدَّمَ الكلامُ على (خَلا وَحَاشَا وعَدَا) في بابِ الاستثناءِ، وذَكَرَها هنا لأنَّهُ موضِعُ استقصاءٍ كما قالَ في (شَرْحِ الكافيَةِ).
والحروفُ الباقيَةُ لها تفصيلٌ يَأتِي ذِكْرُهُ في مَوضِعِهِ، إلاَّ (كَيْ، ولعلَّ، وحتَّى)، وَقَلَّ مَنْ يَذْكُرُهُنَّ مِنْ حروفِ الْجَرِّ؛ لِغَرابةِ الْجَرِّ بِهِنَّ.
كَي الجارَّةُ
فأمَّا (كَيْ) فتكونُ حرْفَ جَرٍّ للتعليلِ في ثلاثةِ موَاضِعَ:
الأوَّلُ: إذا دَخَلَتْ علَى (مَا) الاستفهاميَّةِ، في قولِهم في الاستفهامِ عنْ عِلَّةِ الشيءِ: كَيْمَهُ؟ بمعنى: لِمَهُ؟ فَـ(كَيْ): حَرْفُ جرٍّ، و(مَا): استفهاميَّةٌ مجرورةٌ بـ(كَيْ)، وحُذِفَتْ ألِفُها لدُخولِ حَرْفِ الجرِّ عليها، وجِيءَ بالهاءِ للسَّكْتِ عِوَضاً عن الألِفِ المحذوفةِ، وحِفظاً للفتحةِ الدالَّةِ على الألِفِ.
الثاني: إذا دَخلتْ على (أَنِ) الْمَصدريَّةِ معَ صِلَتِها، والغالبُ أنْ تكونَ مُضْمَرَةً؛ نحوُ: جِئْتُ كيْ أَستفيدَ، فـ(أَستفيدَ): فعْلٌ مُضارِعٌ منصوبٌ بـ(أنْ) مُضمَرَةٍ بعدَ (كَيْ)، و(أَنْ) وما دَخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصدرٍ مجرورٍ بـ(كَيْ)، والتقديرُ: جِئْتُ للاستفادةِ.
الثالثُ: (مَا) الْمَصدريَّةُ معَ صِلَتِها؛ نَحْوُ: أحْسِنْ مُعامَلَةَ الناسِ كَيْ ما تَسْلَمُ مِنْ أذَاهُمْ، فـ(تَسْلَمُ): فعْلٌ مضارِعٌ مرفوعٌ، و(مَا) وما دَخَلَتْ عليهِ في تأويلِ مَصدرٍ مجرورٍ بـ(كَيْ)؛ أيْ: لسلامَتِكَ مِنْ أَذاهُم.
(لعلَّ) حرْفُ جرٍّ عندَ بعضِ العرَبِ.
وأمَّا (لَعَلَّ) فهيَ حرفُ جرٍّ شبيهٌ بالزائدِ، وتُفيدُ التَّرَجِّيَ والتوَقُّعَ، والجرُّ بها مقصورٌ على بعضِ العرَبِ، ذَكَرَهُ أبو زيدٍ الأنصاريُّ في (نوادرِ اللغةِ)، وحكَى الجرَّ بها الفَرَّاءُ وغيرُهُ، وهوَ معَ جَوازِهِ وقِيَاسِيَّتِهِ غيرُ خَفيفٍ على الأسماعِ، ولا هوَ سائغٌ اليومَ؛ نحوُ: لعلَّ المُسافرِ قادمٌ غداً، فـ(لَعَلَّ): حرْفُ تَرَجٍّ شبيهٌ بالزائدِ، (المسافِرِ): مجرورٌ بها لفظاً في مَحَلِّ رَفْعٍ مُبْتَدَأٍ، (قادمٌ): خبرٌ، (غداً): ظرْفُ زمانٍ منصوبٌ على الظرفيَّةِ.
(متَى) حرْفُ جَرٍّ عندَ بعضِ العرَبِ.
وأمَّا (مَتَى) فَحَرْفُ جَرٍّ أَصْلِيٌّ، مُسْتَعْمَلٌ في لُغةِ (هُذَيْلٍ)، ومعناهُ: الابتداءُ غالباً. ومِنْ كلامِهم: أَخْرِجْها متَى كُمِّهِ؛ أيْ: مِنْ كُمِّهِ، حَكاهُ الكِسائيُّ عنهم.
قالَ ابنُ مالِكٍ في تَعدادِ الحروفِ: (هاكَ حُروفُ الْجَرِّ.. إلخ).
و(هَاكَ): اسمُ فعْلِ أمْرٍ مَبنِيٌّ على الفتْحِ، والفاعلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً تقديرُهُ: أنتَ، والكافُ: حرْفُ خِطابٍ لا عَمَلَ لهُ؛ لأنَّ أسماءَ الأفعالِ لا تُضافُ. ثمَّ سَرَدَ الحروفَ بإسقاطِ حَرْفِ العطْفِ في بعضِها وإثباتِهِ في بعضِها الآخَرِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجر, حروف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir