تمهيد
الصبر والشكر عملان جليلان من أعمال القلوب، وقد جمعهما الله تعالى في مواضع من كتابه الكريم فقال تعالى في أربعة مواضع: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)}. وقد استنبط بعض أهل العلم أنّ الإيمان نصفه صبر، ونصفه شكر؛ فمن استكملهما فقد استكمل الإيمان.
- قال أبو ظَبيان حصين بن جندب الكوفي: كنا نعرض المصاحف عند علقمة فقرأ هذه الآية: [إن في ذلك لآيات للموقنين] فقال: قال عبد الله [ين مسعود]: « اليقين الإيمان كله » ، وقرأ هذه الآية: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} قال: فقال عبد الله: « الصبر نصف الإيمان »). رواه الحاكم في المستدرك والسياق له، وإسناده صحيح، وقد رواه مختصراً وكيع في الزهد وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة والطبراني في المعجم الكبير كلهم من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن علقمة عن ابن مسعود قال:« الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله».
- وقال مغيرة بن مقسم الضبي: (الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، ألم تر إلى قوله: {إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ لكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، [إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُوقِنينَ]، {إنَّ فِي ذلكَ لآياتٍ للْمُؤْمِنينَ}). رواه ابن جرير.
وقوله: [إن في ذلك لآيات للموقنين ] هكذا في مستدرك الحاكم وتفسير ابن جرير وتفسير ابن أبي حاتم، وهي ليست فيما بين أيدينا من المصاحف العثمانية، لكنّها رويت عن ثلاثة من السلف: ابن مسعود ومغيرة بن مقسم والعلاء بن يزيد؛ فإن لم يكن ذلك وهم من بعض الرواة فربما كانت في بعض المصاحف القديمة مما تركت القراءة به من الأحرف الأخرى، والذي في مصاحفنا قوله تعالى: {وفي الأرض لآيات للموقنين}.
والمقصود أنّ المؤمن لا يكاد ينفكّ عن صبر وشكر، وذلك أنّه لا يخلو من أمرٍ يُؤمر به حالاً أو استصحاباً، أو نهي يُنهى عنه حالاً أو استصحاباً، أو قدرٍ يُقدّر عليه من سرَّاء أو ضرَّاء، وهذه الأحوال تستغرق حياته كلّها؛ فهو يتقلّب فيها بين الصبر والشكر.
- وقال صهيب الرومي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عجبا لأمر المؤمن!! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له» رواه أحمد ومسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن، وأنها خير له إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما قال بعض السلف: "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر" لقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ، وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر)ا.هـ.