دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الدعوة بالقرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1436هـ/3-10-2015م, 02:46 PM
نُوفْ نُوفْ غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2014
المشاركات: 643
Post رسالة تفسيرية ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾

﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾[مريم: من الآية12]

الحمد لله الذي خلق الخلق من تراب و فاوت بينهم في العلوم والآداب ، يعطي من يشاء بفضلة ومنته ويمنع من يشاء بحكمته وعدله ، ثم الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .......

لقد منّ الله سبحانه وتعالى على عباده بإرسال الرسل بالكتب السماوية ،
فجعل فيها هداية ودليلا يرشدنا لسلوك طريق الرشاد فكان فيه سعادة الدارين ، وحجة لمن اتبع الهدى وكل ذلك رحمة من الله بنا ، فقد قال سبحانه : (هَـذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)،
ثم أمر عباده بإتباع ما فيه و الأخذ به ومن ذلك ؛ ما أمر الله سبحانه وتعالى به نبيه يحيى – عليه السلام - فقال سبحانه :﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾
في هذه الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى يأمر نبيه يحيى بأخذ الكتاب بقوة ، والنبي أتى بشارة لوالده زكريا – عليهما السلام -، واستجابة لدعائه ، فقد دعا الله عز وجل بأن يرزقه ولد يحمل الدين من خلفه ويحفظ شرع الله في بني إسرائيل ، فآتاه الله سبحانه وتعالى حكمة وعلما من صغره .

- قال عبد اللّه بن المبارك، "قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما لّلعب خلقنا" .
- وأيضا روى ابن عساكر.."أن أبويه خرجا في تطلبه، فوجداه عند بحيرة الأردن، فلما اجتمعا به أبكاهما بكاء شديدا لما هو فيه من العبادة والخوف من الله عز وجل "*.

فمما جاء في معنى قوله سبحانه : ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾
· المعنى التفصيلي :
· ( يَا يَحْيَى ):
( يا ) : الياء هنا للنــداء .
و( يحيى ): منادى علم مفرد .
ثم قال : بعدها (خُذِ الْكِتَابَ )

· في معنى : ( خُذِ )
- جاء في اللغة معنى "الأخذ " : أي: أَخَذَ الشيءَ : تناوله وحصل عليه .
- أقوال السلف في ذلك:
قال ابن كثيرأي : تعلم الكتاب .
وقال ابن عاشور :والأخذ : مستعار للتفهم والتدبر ، كما يقال : أخذت العلم عن فلان ، لأن المعتنى بالشيء يشبه الآخذ .

· المقصود بالكتاب في قولة ( خُذِ الْكِتَابَ ) ؟
الكتاب هو :التوراة بلا خلاف عند المفسرين ، ويحيى لم يُنزل عليه كتاب ؛ إنما دعا لكتاب من سبقه وهو "موسى عليه السلام " .

· وفي معنى كلمة :"بقوة " .
الباء : للملابسة ،
أي: أخذًا ملابسا للثبات على الكتاب . أي على العمل به وحمل الأمة على اتباعه.
- قال مجاهد : بقوة أي بجد واجتهاد .
- وقال قتادة : أي: بجد .
- قال زيد بن أسلم :العلم به ، والحفظ له والعمل به ، وهو الالتزام لأوامره ، والكف عن نواهيه.
- قال ابن عاشور :والقوة : المراد بها قوة معنوية ، وهي العزيمة والثبات .

· المعنى الإجمالي للآية .
ناداه الله سبحانه وتعالى بقوله :(يا يحيى ) ثم قال(خذ الكتاب ) أي : تعلم الكتاب بتدبر و تفهم واعتناء ،(بقوة ) يقصد هنا القوة المعنوية الجد والاجتهاد وحفظ آياته والعمل به والثبات عليه وأيضا حث الأمه على الأخذ به ، وهذا تمام أخذ الكتاب بقوة كما جاء عن السعدي- برحمه الله.

ونجد أيضًا أن الله -سبحانه وتعالى- أمر نبيه موسى - عليه السلام -بأخذ الكتاب بقوة فقال عز وجل : ( فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها )،
ثم تكررت بموضعين في أول القرآن فقال تعالى : ( خذوا ما ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه )
وقال أيضا : ( خذوا ما ءاتيناكم بقوة واسمعوا )

و هنا لفته ؛
الأوامر جاءت كلها لبني إسرائيل ، فقد علم الله عناد اليهود وخيانتهم ،و بُعْدَهُم عن كتاب الله فجاء الأمر لهم في أربع مواضع بأخذ الكتاب بقوة فالخطاب خاص لليهود وعام للأمه ، فقد نزل القرآن ليتناسب في كل زمان ومكان ولكل الأمم .

فمن تفطن لهذا الأمر وعلم حال اليهود وكيف كانت اجابتهم ، حيث جاء عنهم في موضع آخر يصف حالهم مع الكتاب في قوله تعالى: ( فنبذوه وراء ظهورهم ) فنلاحظ معنى كلمة ( نبذ) في اللغة ،
وهو : نبَذ الشّيءَ : طرَحه وألقاه ، تركه وهجره.
وقال الطبري في معناه ، أي : فتركوا أمر الله وضيعوه .
وقال الشعبي: قال : إنهم قد كانوا يقرءونه ، إنما نبذوا العمل به .

فما استحقوا غضب الله - جل في علاه – إلا بسبب إعراضهم عن العمل بالكتاب ورفضهم أخذ الكتاب المنزل إليهم ،
فمن علم حالهم خشي على نفسه أن يتشبه بأُمَّه غضب الله عليها ، لأنه يعلم يقينا بأن غضب الله يصاحبه من نزع للبركة في الرزق والمال والولد والوقت ، و تسليط من حوله عليه بسبب ابتعاده عن كتاب ربه ، واستكباره عن العمل به فكلما حاول أن تستقيم له حياته وجد ما يعكر صفوها ويفسد سعادته هذا بجانب ما يلاقيه من شقاء وحزن لا يَعرف له سبب.
إلى جانب حرمانه من لذة مناجاة خالقه ولذة الإيمان فيعيش حياة بهيمة لا روح فيها ولا حياة .
ومن سيفلح بعد غضب الله عليه !

بخلاف من تولاه الله فأحبه وجعل محبته في السماء ثم نشر محبته بين خلقه فسعد و انشرح صدره لقربه من خالقه فعاش مطمئن البال لا يرجوا سوى الله ولا يسعد إلا بالله ولا يأنس إلا مع الله ( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )،
فالله -سبحانه وتعالى- يحثنا على أخذ الكتاب "بقوة " ، القوة التي تستقيم بها الحياة ،
فما تداعت علينا الأمم و تَسلطوا من كل حدب وصوب إلا بسبب ضعف أخذنا بالكتاب وضعف تمسكنا بما فيه من تعاليم ربانية وأوامر إلهية (وما أصابتكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ) ،
فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن الخيرية في القوي فقال :(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))
قال ابن القيم في هذا الحديث "أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها ؛ فهو القوي ويحب المؤمن القوي" "نسأل الله من فضله"،
ومن رأى حال الصحابة -رضوان الله عليهم-وكيف كان أخذهم للكتاب عملا دعاه ذلك للتأسي بهم ،

فها هم في غزوة بدر لما أتى الرسول خبر قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم قام الصحابي "المقداد بن عمرو" فقال : يا رسول الله ، امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه ، حتى تبلغه "

وأنشد محمد إقبال قائلاً:

وخل الهوينا للضعيف ولا تـكن *** نؤوماً فإن الحزم ليس بنائـم
همم الأحرار تحيي الرممـــا *** نفخة الأبرار تحيي الأممــــــــا
ولنقف على حال علمائنا الربانيين وكيف تعاملهم مع كتاب الله لما استشعروا معنى قوله عز وجل : ( فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) فهذا أحدهم يقول : حدثت أحد المشائخ الفضلاء لأعرض عليه مسألة فلما سمع الأذان قال :وقت الصلاة ، وأعتذر في الحال لينهي المكالمة بمجرد سماعه للأذان !
فالنظر لحاله كيف لم يتوانى عن تلبية نداء ربه و استشعر معنى : بأن الله أكبر ، فجعل الله أكبر من كل هم ومن كل أمر .

· ومما يعين على القوة في الأخذ بالأمر .
- الإبتعاد عن الذنوب فالذنوب تضعف سير القلب إلى الله،
كما قال ابن القيم في "الداء والدواء " (الذنوب تضعف القلب إنّما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيّره. فإن زالت بالكلّية انقطع عن الله انقطاعًا يبعُد تداركُه، والله المستعان.
فالذنب إما أن يميت القلب، أو يُمرضَه مرضًا مخوفًا، أو يضعف قوته، ولا بدّ ) ا.هــ .
- عدم الإشتغال فيما لا ينفع ، وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ))
- الصبر في القيام بالطاعات والعمل بما أمره الله ،فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ))من يتصبر يصبره الله )) .
- الافتقار إلى الله والاقرار بقوة الله وضعفه وعجزه ، واستحضار معنى اسم الله القوي فهذا كليم الله لما اعترف بفقره إلى الله بقوله : ( رب إني لما أنزلت غلي من خير فقير) فتحت له أبواب الرزق و وهبه الله الزوج والولد والمال .
- الإلحاح إلى الله بالدعاء فكم فتح الدعاء من باب خير، وصرف شر قد قدر عليه بسبب الدعاء.
- طرد الكسل والمسارعة فيما أمر الله سبحانه وتعالى به ، فقد قال : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة )

وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي سعيد - رضِي الله عنْه - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يزال قومٌ يَتأخَّرون حتى يُؤَخِّرهم الله)).

وقال الشاعر:
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا فَإِنَّ لِكُلِّ خَافِقَةٍ سُكُونْ


وإذا دعتك نفسك بعد كل هذا للتخاذل والابتعاد عن كتاب الله تذكر مدح الله سبحانه وتعالى لمن أقبل على كتاب الله وتمسك به في قوله : ( والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين )
هذا ما تيسر إيراده في هذه الآية والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه وسلم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- تفسير ابن كثير.
- التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور.
- تفسير أضواء البيان للأمين الشنقيطي.
- تفسير الطبري .
- المعجم اللغوي .
- أقوال ابن القيم .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسيرية, رسالة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir