دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1441هـ/27-12-2019م, 03:21 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"
اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:
تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:

3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}

-قال ابن شهاب: "الشمس". كما أخرجه ابن وهب في جامعه.
-"الليل". قال به البخاري في صحيحه, وابن عباس, والحسن, والقرظي, ومحمد بن كعب, ومجاهد, كما ذكره الطبري.
-"كوكب, وقال بعضهم: أنه الثريا". قال به أبو هريرة, وزيد كما روى عن العرب أنها تقول بذلك. ويعضد هذا القول: ما جاء عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ قالَ:« النجْمِ الغاسِقِ». رواه الطبري, وقال ابن كثير: وهذا الحديث لا يصحّ رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
-"القمر". جاءَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّ الغَاسِقَ القَمَرُ. أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
وبالعودة للمعنى اللغوي الذي يدور حوله الغسق في كتب اللغة والمجامع اللغوية نجد أن الغسق بمعنى:
-"الليل والظلمة". الفراء, والأخفش, وعبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, والزجاج, وغلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب, قطرب, والقاسم بن سلام, والأنباري.
-وقد يعبر عنه بـ"القمر" كما ذكر عبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, واختاره غلام ثعلب.
بقي أن نقرر عدة تقريرات بعد استعراضنا للمعاني المذكورة:
اعلم أن وجود نص نبوي صحيح واضح المعنى والدلالة يكفينا في تفسير معنى الآية, بل ونعوذ بالله من أن نلتفت لغيره مع وجوده, فتفسيره مقدم, والعمل به واجب, ولكن ما سنعمل عليه بإذن الله هو فرز الأقوال, فما كان منها صالحا يتناوله النص دون أن يناقض التفسير النبوي ضممناه لمعنى الآية, وما كان مناقضا استبعدناه, فنقول إذن:
-اعلم أن المراد بالغسق هو القمر, للحديث الذي أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
ويدخل تحت هذا القول من عبر عنه بـ"الليل", وهم عدد كبير ذوو وزن ثقيل من السلف, وذلك كما ذكر أهل اللغة أيضا بأن معنى الغسق يدور حول: "الظلمة", وقد يعبر عن ذلك بالليل أو القمر, لذا كان التعبير عن الظلمة بالليل والقمر مقبولة جميعا, إذ كلاهما دلالة الظلمة وعلامة دخولها.
بقي من عبر عن ذلك بالشمس, وهو معنى بعيد يصعب قبوله لمناقضته القول الأول, كما أن العودة لمعاجم اللغة تبين عدم مجيء الغسق بهذا المعنى, لكني بالعودة لقائله, أجد أن صاحبه عبر عن ذلك بقوله :"الشمس إذا غربت", فلعله عبر عن دخول الليل بمغيب الشمس, فاتفق في نهاية المطاف مع أصحاب القول الأول, ولكني أجد التعبير أقل دقة في تفسير الآية, لذا فقد أقبله في المحصلة النهائية كمعنى, لكن عبارته ليست من أدق العبارات في تفسير الآية.
وأما القول بأنها الثريا, فهو كذلك لا يعبر عن المعنى المقصود في الآية بالمقام الأول, لكني أقبله لقبولي عمومية معنى الغسق في الآية لا سيما مع نكارته, فقد أقول "من شر غاسق إذا وقب" بأن الله أرشدنا للاستعاذة من شر كل غاسق إذا وقب ويشمل هذا كل غاسق, القمر والليل في المقام الأول, وكل غاسق غيرهما في المقام الثاني, ولعل هذا هو رأي الطبري كذلك -رحمه الله-: " قال الطبري: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، يقالُ: قد غَسَقَ الليلُ يَغْسِقُ غُسُوقاً: إذا أظلَمَ.
{إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ.
ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ".
كما أجد في مقابلة الآيتين "قل أعوذ برب الفلق" (الفلق: الصبح كما جاء في كثير من الروايات), "من شر غاسق إذا وقب" (الغاسق: الليل) في الاستعاذة برب الفلق (الصبح) من شر الغسق (الليل) مقابلة بليغة وجميلة تؤكد معنى دوران الغسق حول الليل والظلمة بالمقام الأول.

5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
-"العشي". قال به الحسن, وذكره عبدالرزاق, والطبري, وقطرب.
-"ساعة من ساعات النهار". قال به قتادة, وذكره عبدالرزاق, وابن عباس, وذكره الطبري.
-"الدهر". قال به الفراء, وذكره البخاري, وقال به زيد بن أسلم, وذكره السيوطي, وقال به ابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, وقطرب, وابن السكيت.
-"الليل والنهار". قال به ابن كيسان, وذكره العيني.
-"الصلاة الوسطى". قال به مقاتل. وذكره العيني.
-"قال ابن حجر: تَنْبِيهٌ:
لم أَرَ في تَفْسِيرِ هذه السورةِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا".
وما دام المعنى هو المقصود هنا, فإنني بالعودة للقواميس اللغوية أجد أن العصر يدور حول: "الدهر, والعشي".
فإذن هذا المعنى يشمل جميع الأقوال سوى قول مقاتل لغرابته, وإبعاده عن المعنى الذي أقسم الله به على خسارة الإنسان, وهو الزمن والدهر, ونجد أن جميع أقوال السلف الأخرى تدور في هذا الفلك, ولكن اختلفت التعبيرات:
فقد جاء التعبير عن العصر والدهر بـ"الليل والنهار", و"العشي", و"ساعة من ساعات النهار" وهذه كلها أجزاء من الدهر, كما أن من المعروف في العرف اللغوي وعادة العرب التعبير عن الدهر بجزء منه, أي بمثل هذه التعبيرات, بل إنك قد تعود لمعنى "العشي" مثلا في المعاجم اللغوية, فتجد أن من معانيه "العصر", مما يدل على الترادف اللغوي بينها, ووحدة المراد والمقصود في التعبير عن الدهر بها.
فإذن العصر: هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ. كما ذكر ذلك ابن كثير.
وقد وافق ما ذكرناه الطبري بقوله:"والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ {وَالْعَصْرِ} اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه".

تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

-"المحارف" قال به خالد بن أبي عمران, وسعيد بن المسيب, وعطاء بن أبي رباح, أبو الزناد, وذكره ابن وهب, والطبري. ومجاهد, وعطاء الخراساني, وذكره الرملي, والطبري. وابن عباس, والنخعي, ونافع, وذكره الطبري. وعائشة, وذكره السيوطي. والفراء, وابن قتيبة, عبدالله بن يحيى, ومكي بن أبي طالب, والزجاج.
-"الذي اجتيح ماله" كأن يصاب زرعه أو حرثه أو نسل ماشيته فيكون له حق على من لم يصبه من المسلمين, كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم فقالوا: {بل نحن محرومون}. قال به ابن عياش, وزيد بن أسلم, ذكره ابن وهب. وابن زيد, وذكره الطبري, وروى عن أبي قلابة، قال: جاء سيلٌ باليمامة، فذهب بمال رجلٍ، فقال رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا المحروم.
-" المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا" قال به ابن شهاب, وذكره ابن وهب. وقتادة, وذكره الطبري.
-" الفقير الذي يحرم الرزق" قال به مالك, وذكره ابن وهب. وتقول عائشة: "الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه". ذكره السيوطي.
-"هو الّذي لا سهم له في الغنيمة" قال به علي, وابن عباس, والنخعي, وعبدالله بن يحيى, والثوري, وذكره ابن وهب, والطبري. والفراء, ومكي بن أبي طالب. وقد روى الطبري عن الحسن بن محمّد ابن الحنفيّة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً، فغنموا، وفتح عليهم، فجاء قومٌ لم يشهدوا، فنزلت: {في أموالهم حقٌّ معلومٌ (24) للسّائل والمحروم}. يعني: هؤلاء.
-" هو الّذي لا ينمي له مالٌ" قال به عكرمة, وذكره الطبري والضحاك, وذكره السيوطي. والزجاج.
-"الكلب" قال به عمر بن عبدالعزيز, كما ذكره ابن إسحاق.
قال الشعبي: "أعياني أن أعلم ما المحروم". قال ابن عطية: "يرحم الله الشعبي فإنه في هذه المسألة محروم، ولو أخذه اسم جنس فيمن عسرت مطالبه بان له، وإنما كان يطلبه نوعا مخصوصا كالسائل".
وذكر أن المحروم: "هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق" وقال: "وهذه أنواع الحرمان لأن الاسم يستلزم هذا خاصة" "والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه".
قال الطبري: "والمحروم الّذي قد حرم الغنى، والصّواب من القول في ذلك عندي أنّه الّذي قد حرم الرّزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممّن حرمه اللّه ذلك، وقد يكون بسبب تعفّفه وتركه المسألة، ويكون بأنّه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصّواب من أن تعمّ".
بالنظر للأقوال المذكورة فإننا نجدها تدور وتتفق حول الحرمان, مع اختلاف التعبير, وإن كنت أجد في التعبير بـ"المحارف" دقة, إذ بالعودة للمعاجم اللغوية أجد أن في تعريف المحارف شمولا لكل الأقوال التي ذكرت تحت تفسير "المحروم", ولو قيل لي أن أذكر بطريقة السبر والتقسيم أنواع الحرمان الذي تشمله الآية لقلت:
يشتمل الحرمان المراد في الآية جميع أنواع الحرمان, وهي:
-الحرمان الذي يقتضي عدم القدرة أصلا على اكتساب الرزق.
-القدرة على اكتساب الرزق لكن مع عدم كفايته.
-القدرة على اكتساب الرزق مع كفايته, لكن حال بينه وبين الحصول عليه أمر, إما لحريق أصابه أو غرق أو أي سبب منعه من الاستمتاع بذلك الرزق, فحرم منه.
وكل هذه من أنواع الحرمان التي إذا وجدت في مسلم مع عدم وجود مصدر رزق آخر له, فكان محتاجا, واتصف بعدم السؤال, فإن معنى المفردة يتطبق عليه. وقد أحسن ابن عطية حين نص على كونه غير سائل, لأن المفردة القرآنية جاءت مقابلة للسائل في قوله :"للسائل والمحروم" مما يدل على أن هذا المحروم متعفف, وهو ما نصت عليه أحد الأقوال كذلك, مما يدل على أنها بمجموعها تصب في معنى الحرمان, وهو ما رجحه الطبري واختاره.

(2) الباقيات الصالحات
-" لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر" قال به مجاهد, وذكره عبدالرزاق, والطبري. وعثمان بن عفان, وابن عباس, وعطاء بن أبي رباح, وقتادة, والحسن, ومحمد بن كعب, ومجاهد, وسعيد بن المسيب, وذكره الطبري. وهو قول الجمهور كما ذكره ابن عطية.
ويعضده ما رواه الطبري: عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " استكثروا من الباقيات الصّالحات "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " الملّة "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " التّكبير والتّهليل والتّسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ".
وما رواه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر من الباقيات الصّالحات ".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن مردويه عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر من الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/553-554]
وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم قيل: يا رسول الله أمن عدو قد حضر قال: لا، بل جنتكم من النار قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/554]
وأخرج الطبراني، وابن شاهين في الترغيب في الذكر، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها وهن من كنوز الجنة). [الدر المنثور: 9/554-555]
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجرة يابسة فتناول عودا من أعوادها فتناثر كل ورق عليها فقال: والذي نفسي بيده إن قائلا يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لتتناثر الذنوب عن قائلها كما يتناثر الورق عن هذه الشجرة قال الله في كتابه: هن {والباقيات الصالحات} ). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن سمرة بن جندب: ما من الكلام شيء أحب إلى الله من الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر هن أربع فلا تكثر علي لا يضرك بأيهن بدأت). [الدر المنثور: 9/555-556]
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه والعدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن المقدمات وإنهن المؤخرات وهن المنجيات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه عن عائشة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه خذوا جنتكم مرتين أو ثلاثا قالوا: من عدو حضر قال: بل من النار، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن يجئن يوم القيامة مقدمات ومحسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556-557]
وأخرج ابن مردويه عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الباقيات الصالحات من قال: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يثبطكم الليل فلم تقوموه وعجزتم عن النهار فلم تصوموه وبخلتم بالمال فلم تعطوه وجبنتم عن العدو فلم تقاتلوه، فأكثروا من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلمت وعلمني (قل هو الله أحد) و(وإذا زلزلت) و(قل يا أيها الكافرون) وعلمني هؤلاء الكلمات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هن الباقيات الصالحات. ذكر تلك الآثار السيوطي وابن كثير.
-" الصلوات الخمس" قال به سعيد بن جبير, وذكره النهدي, والطبري. وابن عباس, وعمرو بن شرحبيل, والنخعي, وأبو ميسرة, وذكره الطبري. ومكي بن أبي طالب.
-" العمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ" قال به ابن عباس, وابن زيد, وذكره الطبري.
-" الكلام الطّيّب" قال به ابن عباس, وذكره الطبري.
وقد رجح الزجاج والطبري الجمع بين الأقوال, ورأوا أن الباقيات الصالحات تشمل كل أعمال الخير, وقال الطبري: "فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ذلك مخصوصٌ بالخبر الّذي رويناه عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أنّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما ورد بأنّ قول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، هنّ من الباقيات الصّالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصّالحات، ولا كلّ الباقيات الصّالحات، وجائزٌ أن تكون هذه باقياتٌ صالحاتٌ، وغيرها من أعمال البرّ أيضًا باقياتٌ صالحاتٌ", ونجد أن ابن عباس كذلك يشير إلى ذلك, وذلك بتنوع أجوبته عن المراد بالباقيات الصالحات, وبتصريحه بذلك في آثار.
قال النحاس: ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة؛ لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا.
فاللغة إذن تؤكد صحة جميع هذه المعاني واحتمال "الباقيات الصالحات" لها جميعا, ونحن نتفق مع هذا القول في نتيجته, فكل عمل صالح هو بإذن الله من الباقيات الصالحات, لكن ومع بقاء هذا الاحتمال مفتوحا, إلا أننا نرجح وقوع المعنى على القول الأول "سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر" بالمقام الأول, لكثرة الآثار الواردة عن رسول الله في ذلك, وهي وإن اختلفت في قوة السند إلا أن كثرتها يقوي من رجحان هذا القول, وما بعده من الأقوال تتبعه في الدخول تحت معنى الآية لأن الشريعة جمعاء مرتبطة بعضها ببعض, فلا يمكن تخيل قلب ذاكر يسبح الله لا يصلي, أو قلب يصلي لا يكون بصلاته هذه ذاكرا لله في حقيقته, فالكل عمل صالح, والكل باق.

تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين}, واختلف مع ذلك الإعراب وأثره على المعنى:
- فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة: {ولتستبين} بالتّاء (سبيل المجرمين) بنصب السّبيل، على أنّ (تستبين) خطابٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كأنّ معناه عندهم: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين.
وكان ابن زيدٍ يتأوّل ذلك: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين الّذين سألوك طرد النّفر الّذين سألوه طردهم عنه من أصحابه. ذكره الطبري وابن أبي حاتم.
قال الزجاج: فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها.
-وقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض البصريّين: {ولتستبين} بالتّاء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ القصد للسّبيل، ولكنّه يؤنّثها، وكأنّ معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصّل الآيات ولتتّضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين. ذكره الطبري.
-وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (ولتستبين) بالياء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ الفعل للسّبيل ولكنّهم يذكّرونه. ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى من قرأ ذلك بالتّاء في: {ولتستبين} ورفع السّبيل واحدٌ، وإنّما الاختلاف بينهم في تذكير السّبيل وتأنيثها.
فنجد في اختلاف القراءات, اختلافا في الإعراب, يتبعه اختلاف وقوع المعنى إما على النبي (أو المخاطب عامة), أو على السبيل والطريق, والفرق الذي أحدثه اختلاف المعنى هنا يظل اختلافا مقبولا يسيرا, فإن كان الفاعل في الآية هو المخاطب (أو النبي), فإن معنى الآية: لتستبين ويتضح لك طريق المجرمين يا محمد. وإن كان الفاعل هو السبيل, فإن المعنى: ليتضح طريق المجرمين دون تحديد لمخاطب تستبين له تلك السبيل, وفي هذا المعنى عمومية تقع على كل أحد, فباستبانة سبيل المجرمين واتضاحه, فإن كل أحد سيعلم تلك السبيل ويعلم صحة ما جاء به الوحي ويتضح له ذلك, ولعل في المعنى الأول نوعا من الخطاب المباشر لرسول الله الذي يشعره بعناية الله به ووعده له باستبانة هذا الطريق, وفي المعنى الثاني عمومية في الخطاب تشمل كل أحد, وفي كلا المعنيين تحقيق لمعنى دقيق لا يوجد في الآخر, ولعل عمومية الثاني جعلت الطبري يميل إليه, قال الطبري: "وأولى القراءتين بالصّواب عندي في (السّبيل) الرّفع، لأنّ اللّه تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا القراءة في قوله: {ولتستبين} فسواءٌ قرئت بالتّاء أو بالياء، لأنّ من العرب من يذكّر السّبيل وهم تميمٌ وأهل نجدٍ، ومنهم من يؤنّث السّبيل وهم أهل الحجاز، وهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى بعد أن يرفع السّبيل للعلّة الّتي ذكرنا".

(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

- وحّد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنّه قصد به الخبر عن الكتاب . قال به الفراء, والطبري, وابن عطية, وابن كثير.
-وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحّد الهاء، لأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان. ذكره الفراء, والطبري.
واحتمال عودة الضمير عليهما جميعا من بديع ما عودنا عليه القرآن, وهو احتمالية مفرداته وضمائره لعدة معاني محتملة تترك باب الاستنباط مفتوحا, فالمعاني تتوالد من هذا القرآن بلا نهاية, لأنه كلام الله الذي لا ينتهي, ومع ذلك فالأصح والله أعلم هو عودة الضمير على الكتاب لوحدانية الهاء مع عدم وجود علامة واضحة على عودتها على أمرين, ويدعم هذا المعنى ويضيف عليه ما قاله الزجاج: "ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان", فما أشار إليه الزجاج حسن دقيق يتفق مع دقة هذا القرآن ومعانيه.

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}

-يجوز أن يكون مصدرًا أي هل من زيادة؟
-وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونيه أحرقه.
-أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد.
وإنّما صلحت تلك الأوجه لأن في الاستفهام ضربا من الجحد وطرفا من النّفي. كما ذكر العيني.
وعلى تنوع الصيغ التي فهمت اللفظة بها تنوع المفهوم من الآية, ففهمت على أنها:
-تتساءل هل من سعة توجد بها لامتلائها. قال به مجاهد, وابن شهاب, وذكره ابن وهب. وذكره الثعلبي. وابن عباس, والحسن, والضحاك, وذكره الطبري. والزجاج.
- أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة أي: هل من زيادة فأزاده. وأضاف الزجاج: بأن ذلك تغيظا على من عصى كما قال عزّ وجلّ: {سمعوا لها تغيّظا وزفيرا}. وهو ظاهر الآية كما ذكر ذلك ابن حجر, وابن كثير. وذكره الثعلبي. وأنس, وابن زيد, والطبري ورجحه, لما ورد من صحيح الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
روى البخاري:
"عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " يلقى في النّار وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه، فتقول قط قط "
و"عن أبي هريرة، رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان " يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط "
و"عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم، قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها، فأمّا النّار: فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه عزّ وجلّ من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة: فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا ".
قال الطبري: "ففي قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تزال جهنّم تقول هل من مزيدٍ دليلٌ واضحٌ على أنّ ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النّفي، لأنّ قوله: لا تزال دليلٌ على اتّصال قولٍ بعد قولٍ".

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

-يجوز أن يكون المنزل مصدرا بمعنى الإنزال. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
-ويأتي بمعنى النزول وموضع النزول. كما تقول جلس مجلسا والمجلس الموضع الذي يجلس فيه. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
قال الطبري: المنزل بمعنى: أنزلني إنزالاً مباركًا. وقال يحيى بن سلام: والمنزل اسم لكل ما نزلت فيه.
فنجد المنزل هنا يحتمل: المصدرية, واسم المكان. ولكل منهما دلالة, فالأولى تأتي بمعنى طلب الإنزال المبارك, فتدور حول مصدر الإنزال نفسه وأن يكون مباركا, والثانية تدور حول موضع هذا النزول وأن يكون مباركا, وفي كل المعنيين أهمية ودقة جليلة تبين بجلاء الإعجاز القرآني والبلاغة الإلهية.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 رمضان 1441هـ/10-05-2020م, 12:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
مجلس مذاكرة القسم الثاني من دورة "السبيل إلى فهم القرآن"
اختر تطبيقين من كلّ درس وأدّها:
تطبيقات الدرس السادس:
-اختر ثلاث المفردات من المفردات التالية وبيّن معانيها وما يصحّ أن تفسّر به في الآيات المذكورة:

3: معنى "الغاسق" في قول الله تعالى: {ومن شرّ غاسق إذا وقب}
-قال ابن شهاب: "الشمس". كما أخرجه ابن وهب في جامعه.
-"الليل". قال به البخاري في صحيحه, وابن عباس, والحسن, والقرظي, ومحمد بن كعب, ومجاهد, كما ذكره الطبري.
-"كوكب, وقال بعضهم: أنه الثريا". قال به أبو هريرة, وزيد كما روى عن العرب أنها تقول بذلك. ويعضد هذا القول: ما جاء عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}؛ قالَ:« النجْمِ الغاسِقِ». رواه الطبري, وقال ابن كثير: وهذا الحديث لا يصحّ رفعه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
-"القمر". جاءَ في حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنَّ الغَاسِقَ القَمَرُ. أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
وبالعودة للمعنى اللغوي الذي يدور حوله الغسق في كتب اللغة والمجامع اللغوية نجد أن الغسق بمعنى:
-"الليل والظلمة". الفراء, والأخفش, وعبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, والزجاج, وغلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب, قطرب, والقاسم بن سلام, والأنباري.
-وقد يعبر عنه بـ"القمر" كما ذكر عبدالله بن يحيى, وابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, واختاره غلام ثعلب.
بقي أن نقرر عدة تقريرات بعد استعراضنا للمعاني المذكورة:
اعلم أن وجود نص نبوي صحيح واضح المعنى والدلالة يكفينا في تفسير معنى الآية, بل ونعوذ بالله من أن نلتفت لغيره مع وجوده, فتفسيره مقدم, والعمل به واجب, [ ما لم يكن التفسير النبوي للتنبيه على المثال، أو على ما هو أولى فإنه لا يخصص عموم الآية ]

ولكن ما سنعمل عليه بإذن الله هو فرز الأقوال, فما كان منها صالحا يتناوله النص دون أن يناقض التفسير النبوي ضممناه لمعنى الآية, وما كان مناقضا استبعدناه, فنقول إذن:
-اعلم أن المراد بالغسق هو القمر, للحديث الذي أَخْرَجَهُ النسائي والتِّرْمِذِيُّ وأحمد والحَاكِمُ والطبري مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَليَهِ وسَلَّمَ- نَظَرَ إلى القَمَرِ فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا» قَالَ: «هَذَا الغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ» إسنادُهُ حَسَنٌ. فتح الباري لابن حجر, وذكره ابن كثير.
ويدخل تحت هذا القول من عبر عنه بـ"الليل", وهم عدد كبير ذوو وزن ثقيل من السلف, وذلك كما ذكر أهل اللغة أيضا بأن معنى الغسق يدور حول: "الظلمة", وقد يعبر عن ذلك بالليل أو القمر, لذا كان التعبير عن الظلمة بالليل والقمر مقبولة جميعا, إذ كلاهما دلالة الظلمة وعلامة دخولها.
بقي من عبر عن ذلك بالشمس, وهو معنى بعيد يصعب قبوله لمناقضته القول الأول, كما أن العودة لمعاجم اللغة تبين عدم مجيء الغسق بهذا المعنى, لكني بالعودة لقائله, أجد أن صاحبه عبر عن ذلك بقوله :"الشمس إذا غربت", فلعله عبر عن دخول الليل بمغيب الشمس, فاتفق في نهاية المطاف مع أصحاب القول الأول, ولكني أجد التعبير أقل دقة في تفسير الآية, لذا فقد أقبله في المحصلة النهائية كمعنى, لكن عبارته ليست من أدق العبارات في تفسير الآية.
وأما القول بأنها الثريا, فهو كذلك لا يعبر عن المعنى المقصود في الآية بالمقام الأول, لكني أقبله لقبولي عمومية معنى الغسق في الآية لا سيما مع نكارته, فقد أقول "من شر غاسق إذا وقب" بأن الله أرشدنا للاستعاذة من شر كل غاسق إذا وقب ويشمل هذا كل غاسق, القمر والليل في المقام الأول, وكل غاسق غيرهما في المقام الثاني, ولعل هذا هو رأي الطبري كذلك -رحمه الله-: " قال الطبري: وأوْلى الأقوالِ في ذلك عندِي بالصوابِ، أن يُقالَ: إنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَسْتَعِيذَ {مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ} وهو الذي يُظْلِمُ، يقالُ: قد غَسَقَ الليلُ يَغْسِقُ غُسُوقاً: إذا أظلَمَ.
[ راجعي معنى الغسق في كتب اللغة، وفيما درسناه في تفسير المعوذتين]

{إِذَا وَقَبَ}؛ يعني: إذا دَخَلَ في ظلامِه؛ والليلُ إذا دَخَلَ في ظلامِه غاسِقٌ، والنجمُ إذا أفَلَ غاسِقٌ، والقمرُ غاسِقٌ إِذَا وَقَبَ.
ولم يَخْصُصْ بعضُ ذلك بل عَمَّ الأمرُ بذلك، فكلُّ غاسِقٍ؛ فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُؤْمَرُ بالاستعاذةِ مِن شرِّهِ إِذَا وَقَبَ".
كما أجد في مقابلة الآيتين "قل أعوذ برب الفلق" (الفلق: الصبح كما جاء في كثير من الروايات), "من شر غاسق إذا وقب" (الغاسق: الليل) في الاستعاذة برب الفلق (الصبح) من شر الغسق (الليل) مقابلة بليغة وجميلة تؤكد معنى دوران الغسق حول الليل والظلمة بالمقام الأول.

5: معنى العصر في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}
-"العشي". قال به الحسن, وذكره عبدالرزاق, والطبري, وقطرب.
-"ساعة من ساعات النهار". قال به قتادة, وذكره عبدالرزاق, وابن عباس, وذكره الطبري.
-"الدهر". قال به الفراء, وذكره البخاري, وقال به زيد بن أسلم, وذكره السيوطي, وقال به ابن قتيبة, ومكي بن أبي طالب, وقطرب, وابن السكيت.
-"الليل والنهار". قال به ابن كيسان, وذكره العيني.
-"الصلاة الوسطى". قال به مقاتل. وذكره العيني.
-"قال ابن حجر: تَنْبِيهٌ:
لم أَرَ في تَفْسِيرِ هذه السورةِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا".
وما دام المعنى هو المقصود هنا, فإنني بالعودة للقواميس اللغوية أجد أن العصر يدور حول: "الدهر, والعشي".
فإذن هذا المعنى يشمل جميع الأقوال سوى قول مقاتل لغرابته, [ تخريجه أن التعريف للعهد الذهني ] وإبعاده عن المعنى الذي أقسم الله به على خسارة الإنسان, وهو الزمن والدهر, ونجد أن جميع أقوال السلف الأخرى تدور في هذا الفلك, ولكن اختلفت التعبيرات:
فقد جاء التعبير عن العصر والدهر بـ"الليل والنهار", و"العشي", و"ساعة من ساعات النهار" وهذه كلها أجزاء من الدهر, كما أن من المعروف في العرف اللغوي وعادة العرب التعبير عن الدهر بجزء منه, أي بمثل هذه التعبيرات, بل إنك قد تعود لمعنى "العشي" مثلا في المعاجم اللغوية, فتجد أن من معانيه "العصر", مما يدل على الترادف اللغوي بينها, ووحدة المراد والمقصود في التعبير عن الدهر بها.
فإذن العصر: هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ. كما ذكر ذلك ابن كثير.
وقد وافق ما ذكرناه الطبري بقوله:"والصوابُ من القولِ فِي ذلك: أنْ يُقالَ: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ {وَالْعَصْرِ} اسمٌ للدهرِ، وهو العشيُّ والليلُ والنهارُ، ولم يُخصِّصْ ممَّا شمِلَهُ هذا الاسمُ معنًى دونَ معنًى، فكلُّ ما لزِمَهُ هذا الاسمُ فداخلٌ فيما أقْسَمَ بهِ جلَّ ثناؤُه".

تطبيقات الدرس السابع:
- بيّن المراد بالمفردات التاليات:
(1) المحروم في قول الله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم . للسائل والمحروم}

-"المحارف" قال به خالد بن أبي عمران, وسعيد بن المسيب, وعطاء بن أبي رباح, أبو الزناد, وذكره ابن وهب, والطبري. ومجاهد, وعطاء الخراساني, وذكره الرملي, والطبري. وابن عباس, والنخعي, ونافع, وذكره الطبري. وعائشة, وذكره السيوطي. والفراء, وابن قتيبة, عبدالله بن يحيى, ومكي بن أبي طالب, والزجاج.
-"الذي اجتيح ماله" كأن يصاب زرعه أو حرثه أو نسل ماشيته فيكون له حق على من لم يصبه من المسلمين, كما قال لأصحاب الجنة حين أهلك جنتهم فقالوا: {بل نحن محرومون}. قال به ابن عياش, وزيد بن أسلم, ذكره ابن وهب. وابن زيد, وذكره الطبري, وروى عن أبي قلابة، قال: جاء سيلٌ باليمامة، فذهب بمال رجلٍ، فقال رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هذا المحروم.
-" المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافا" قال به ابن شهاب, وذكره ابن وهب. وقتادة, وذكره الطبري.
-" الفقير الذي يحرم الرزق" قال به مالك, وذكره ابن وهب. وتقول عائشة: "الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه". ذكره السيوطي.
-"هو الّذي لا سهم له في الغنيمة" قال به علي, وابن عباس, والنخعي, وعبدالله بن يحيى, والثوري, وذكره ابن وهب, والطبري. والفراء, ومكي بن أبي طالب. وقد روى الطبري عن الحسن بن محمّد ابن الحنفيّة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً، فغنموا، وفتح عليهم، فجاء قومٌ لم يشهدوا، فنزلت: {في أموالهم حقٌّ معلومٌ (24) للسّائل والمحروم}. يعني: هؤلاء.
-" هو الّذي لا ينمي له مالٌ" قال به عكرمة, وذكره الطبري والضحاك, وذكره السيوطي. والزجاج.
-"الكلب" قال به عمر بن عبدالعزيز, كما ذكره ابن إسحاق.
قال الشعبي: "أعياني أن أعلم ما المحروم". قال ابن عطية: "يرحم الله الشعبي فإنه في هذه المسألة محروم، ولو أخذه اسم جنس فيمن عسرت مطالبه بان له، وإنما كان يطلبه نوعا مخصوصا كالسائل".
وذكر أن المحروم: "هو الذي تبعد عنه ممكنات الرزق بعد قربها منه فيناله حرمان وفاقة، وهو مع ذلك لا يسأل، فهذا هو الذي له حق في أموال الأغنياء كما للسائل حق" وقال: "وهذه أنواع الحرمان لأن الاسم يستلزم هذا خاصة" "والمعنى الجامع لهذه الأقوال أنه الذي لا مال له لحرمان أصابه".
قال الطبري: "والمحروم الّذي قد حرم الغنى، والصّواب من القول في ذلك عندي أنّه الّذي قد حرم الرّزق واحتاج، وقد يكون ذلك بذهاب ماله وثمره، فصار ممّن حرمه اللّه ذلك، وقد يكون بسبب تعفّفه وتركه المسألة، ويكون بأنّه لا سهم له في الغنيمة لغيبته عن الوقعة، فلا قول في ذلك أولى بالصّواب من أن تعمّ".
بالنظر للأقوال المذكورة فإننا نجدها تدور وتتفق حول الحرمان, مع اختلاف التعبير, وإن كنت أجد في التعبير بـ"المحارف" دقة, إذ بالعودة للمعاجم اللغوية أجد أن في تعريف المحارف شمولا لكل الأقوال التي ذكرت تحت تفسير "المحروم", ولو قيل لي أن أذكر بطريقة السبر والتقسيم أنواع الحرمان الذي تشمله الآية لقلت:
يشتمل الحرمان المراد في الآية جميع أنواع الحرمان, وهي:
-الحرمان الذي يقتضي عدم القدرة أصلا على اكتساب الرزق.
-القدرة على اكتساب الرزق لكن مع عدم كفايته.
-القدرة على اكتساب الرزق مع كفايته, لكن حال بينه وبين الحصول عليه أمر, إما لحريق أصابه أو غرق أو أي سبب منعه من الاستمتاع بذلك الرزق, فحرم منه.
وكل هذه من أنواع الحرمان التي إذا وجدت في مسلم مع عدم وجود مصدر رزق آخر له, فكان محتاجا, واتصف بعدم السؤال, فإن معنى المفردة يتطبق عليه. وقد أحسن ابن عطية حين نص على كونه غير سائل, لأن المفردة القرآنية جاءت مقابلة للسائل في قوله :"للسائل والمحروم" مما يدل على أن هذا المحروم متعفف, وهو ما نصت عليه أحد الأقوال كذلك, مما يدل على أنها بمجموعها تصب في معنى الحرمان, وهو ما رجحه الطبري واختاره.

(2) الباقيات الصالحات
-" لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر" قال به مجاهد, وذكره عبدالرزاق, والطبري. وعثمان بن عفان, وابن عباس, وعطاء بن أبي رباح, وقتادة, والحسن, ومحمد بن كعب, ومجاهد, وسعيد بن المسيب, وذكره الطبري. وهو قول الجمهور كما ذكره ابن عطية.
ويعضده ما رواه الطبري: عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " استكثروا من الباقيات الصّالحات "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " الملّة "، قيل: وما هي يا رسول اللّه؟ قال: " التّكبير والتّهليل والتّسبيح، والحمد، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ".
وما رواه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر من الباقيات الصّالحات ".
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وابن مردويه عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر من الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/553-554]
وأخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم قيل: يا رسول الله أمن عدو قد حضر قال: لا، بل جنتكم من النار قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات محسنات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/554]
وأخرج الطبراني، وابن شاهين في الترغيب في الذكر، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها وهن من كنوز الجنة). [الدر المنثور: 9/554-555]
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجرة يابسة فتناول عودا من أعوادها فتناثر كل ورق عليها فقال: والذي نفسي بيده إن قائلا يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لتتناثر الذنوب عن قائلها كما يتناثر الورق عن هذه الشجرة قال الله في كتابه: هن {والباقيات الصالحات} ). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تنفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها). [الدر المنثور: 9/555]
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن سمرة بن جندب: ما من الكلام شيء أحب إلى الله من الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر هن أربع فلا تكثر علي لا يضرك بأيهن بدأت). [الدر المنثور: 9/555-556]
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه والعدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا جنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن المقدمات وإنهن المؤخرات وهن المنجيات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556]
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن مردويه عن عائشة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه خذوا جنتكم مرتين أو ثلاثا قالوا: من عدو حضر قال: بل من النار، قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن يجئن يوم القيامة مقدمات ومحسنات ومعقبات وهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/556-557]
وأخرج ابن مردويه عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الباقيات الصالحات من قال: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يثبطكم الليل فلم تقوموه وعجزتم عن النهار فلم تصوموه وبخلتم بالمال فلم تعطوه وجبنتم عن العدو فلم تقاتلوه، فأكثروا من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن الباقيات الصالحات). [الدر المنثور: 9/557]
وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلمت وعلمني (قل هو الله أحد) و(وإذا زلزلت) و(قل يا أيها الكافرون) وعلمني هؤلاء الكلمات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وقال: هن الباقيات الصالحات. ذكر تلك الآثار السيوطي وابن كثير.
-" الصلوات الخمس" قال به سعيد بن جبير, وذكره النهدي, والطبري. وابن عباس, وعمرو بن شرحبيل, والنخعي, وأبو ميسرة, وذكره الطبري. ومكي بن أبي طالب.
-" العمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ" قال به ابن عباس, وابن زيد, وذكره الطبري.
-" الكلام الطّيّب" قال به ابن عباس, وذكره الطبري.
وقد رجح الزجاج والطبري الجمع بين الأقوال, ورأوا أن الباقيات الصالحات تشمل كل أعمال الخير, وقال الطبري: "فإن ظنّ ظانٌّ أنّ ذلك مخصوصٌ بالخبر الّذي رويناه عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أنّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما ورد بأنّ قول: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر، هنّ من الباقيات الصّالحات، ولم يقل: هنّ جميع الباقيات الصّالحات، ولا كلّ الباقيات الصّالحات، وجائزٌ أن تكون هذه باقياتٌ صالحاتٌ، وغيرها من أعمال البرّ أيضًا باقياتٌ صالحاتٌ", ونجد أن ابن عباس كذلك يشير إلى ذلك, وذلك بتنوع أجوبته عن المراد بالباقيات الصالحات, وبتصريحه بذلك في آثار.
قال النحاس: ولا يمتنع شيء من هذا عند أهل اللغة؛ لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا.
فاللغة إذن تؤكد صحة جميع هذه المعاني واحتمال "الباقيات الصالحات" لها جميعا, ونحن نتفق مع هذا القول في نتيجته, فكل عمل صالح هو بإذن الله من الباقيات الصالحات, لكن ومع بقاء هذا الاحتمال مفتوحا, إلا أننا نرجح وقوع المعنى على القول الأول "سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر" بالمقام الأول, لكثرة الآثار الواردة عن رسول الله في ذلك, وهي وإن اختلفت في قوة السند إلا أن كثرتها يقوي من رجحان هذا القول, وما بعده من الأقوال تتبعه في الدخول تحت معنى الآية لأن الشريعة جمعاء مرتبطة بعضها ببعض, فلا يمكن تخيل قلب ذاكر يسبح الله لا يصلي, أو قلب يصلي لا يكون بصلاته هذه ذاكرا لله في حقيقته, فالكل عمل صالح, والكل باق.

تطبيقات الدرس الثامن:
- بيّن أثر دلالة الإعراب على المفردات التالية:
(1) سبيل في قول الله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين}

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين}, واختلف مع ذلك الإعراب وأثره على المعنى:
- فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة: {ولتستبين} بالتّاء (سبيل المجرمين) بنصب السّبيل، على أنّ (تستبين) خطابٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كأنّ معناه عندهم: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين.
وكان ابن زيدٍ يتأوّل ذلك: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين الّذين سألوك طرد النّفر الّذين سألوه طردهم عنه من أصحابه. ذكره الطبري وابن أبي حاتم.
قال الزجاج: فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها.
-وقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض البصريّين: {ولتستبين} بالتّاء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ القصد للسّبيل، ولكنّه يؤنّثها، وكأنّ معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصّل الآيات ولتتّضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين. ذكره الطبري.
-وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (ولتستبين) بالياء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ الفعل للسّبيل ولكنّهم يذكّرونه. ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى من قرأ ذلك بالتّاء في: {ولتستبين} ورفع السّبيل واحدٌ، وإنّما الاختلاف بينهم في تذكير السّبيل وتأنيثها.
فنجد في اختلاف القراءات, اختلافا في الإعراب, يتبعه اختلاف وقوع المعنى إما على النبي (أو المخاطب عامة), أو على السبيل والطريق, والفرق الذي أحدثه اختلاف المعنى هنا يظل اختلافا مقبولا يسيرا, فإن كان الفاعل في الآية هو المخاطب (أو النبي), فإن معنى الآية: لتستبين ويتضح لك طريق المجرمين يا محمد. وإن كان الفاعل هو السبيل, فإن المعنى: ليتضح طريق المجرمين دون تحديد لمخاطب تستبين له تلك السبيل, وفي هذا المعنى عمومية تقع على كل أحد, فباستبانة سبيل المجرمين واتضاحه, فإن كل أحد سيعلم تلك السبيل ويعلم صحة ما جاء به الوحي ويتضح له ذلك, ولعل في المعنى الأول نوعا من الخطاب المباشر لرسول الله الذي يشعره بعناية الله به ووعده له باستبانة هذا الطريق, وفي المعنى الثاني عمومية في الخطاب تشمل كل أحد, وفي كلا المعنيين تحقيق لمعنى دقيق لا يوجد في الآخر, ولعل عمومية الثاني جعلت الطبري يميل إليه, قال الطبري: "وأولى القراءتين بالصّواب عندي في (السّبيل) الرّفع، لأنّ اللّه تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا القراءة في قوله: {ولتستبين} فسواءٌ قرئت بالتّاء أو بالياء، لأنّ من العرب من يذكّر السّبيل وهم تميمٌ وأهل نجدٍ، ومنهم من يؤنّث السّبيل وهم أهل الحجاز، وهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى بعد أن يرفع السّبيل للعلّة الّتي ذكرنا".

(3) مرجع الضمير في "جعلناه" في قول الله تعالى: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا}

- وحّد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنّه قصد به الخبر عن الكتاب . قال به الفراء, والطبري, وابن عطية, وابن كثير.
-وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحّد الهاء، لأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحّدهما وهما اثنان. ذكره الفراء, والطبري.
واحتمال عودة الضمير عليهما جميعا من بديع ما عودنا عليه القرآن, وهو احتمالية مفرداته وضمائره لعدة معاني محتملة تترك باب الاستنباط مفتوحا, فالمعاني تتوالد من هذا القرآن بلا نهاية, لأنه كلام الله الذي لا ينتهي, ومع ذلك فالأصح والله أعلم هو عودة الضمير على الكتاب لوحدانية الهاء مع عدم وجود علامة واضحة على عودتها على أمرين, ويدعم هذا المعنى ويضيف عليه ما قاله الزجاج: "ولم يقل جعلناهما لأن المعنى: ولكن جعلنا الكتاب نورا، وهو دليل على الإيمان", فما أشار إليه الزجاج حسن دقيق يتفق مع دقة هذا القرآن ومعانيه.

تطبيقات الدرس التاسع:
-استخرج دلالات الصيغة الصرفية مما يأتي:
1: "مزيد" في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}

-يجوز أن يكون مصدرًا أي هل من زيادة؟
-وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونيه أحرقه.
-أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد.
وإنّما صلحت تلك الأوجه لأن في الاستفهام ضربا من الجحد وطرفا من النّفي. كما ذكر العيني.
وعلى تنوع الصيغ التي فهمت اللفظة بها تنوع المفهوم من الآية, ففهمت على أنها:
-تتساءل هل من سعة توجد بها لامتلائها. قال به مجاهد, وابن شهاب, وذكره ابن وهب. وذكره الثعلبي. وابن عباس, والحسن, والضحاك, وذكره الطبري. والزجاج.
- أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة أي: هل من زيادة فأزاده. وأضاف الزجاج: بأن ذلك تغيظا على من عصى كما قال عزّ وجلّ: {سمعوا لها تغيّظا وزفيرا}. وهو ظاهر الآية كما ذكر ذلك ابن حجر, وابن كثير. وذكره الثعلبي. وأنس, وابن زيد, والطبري ورجحه, لما ورد من صحيح الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
روى البخاري:
"عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " يلقى في النّار وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه، فتقول قط قط "
و"عن أبي هريرة، رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان " يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط "
و"عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم، قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها، فأمّا النّار: فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه عزّ وجلّ من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة: فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا ".
قال الطبري: "ففي قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تزال جهنّم تقول هل من مزيدٍ دليلٌ واضحٌ على أنّ ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النّفي، لأنّ قوله: لا تزال دليلٌ على اتّصال قولٍ بعد قولٍ".

2: "مُنزل" في قول الله تعالى: {وقل رب أنزلنا مُنزلا مباركاً وأنت خير المنزلين}

-يجوز أن يكون المنزل مصدرا بمعنى الإنزال. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
-ويأتي بمعنى النزول وموضع النزول. كما تقول جلس مجلسا والمجلس الموضع الذي يجلس فيه. ذكره يحيى بن سلام, والنحاس.
قال الطبري: المنزل بمعنى: أنزلني إنزالاً مباركًا. وقال يحيى بن سلام: والمنزل اسم لكل ما نزلت فيه.
فنجد المنزل هنا يحتمل: المصدرية, واسم المكان. ولكل منهما دلالة, فالأولى تأتي بمعنى طلب الإنزال المبارك, فتدور حول مصدر الإنزال نفسه وأن يكون مباركا, والثانية تدور حول موضع هذا النزول وأن يكون مباركا, وفي كل المعنيين أهمية ودقة جليلة تبين بجلاء الإعجاز القرآني والبلاغة الإلهية.
أ

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك ، وآمل التنبّه إلى قاعدة مهمّة، وهي أنّ المعانى التي تفسّر بها الآية إذا كانت صحيحة في نفسها ، ودلّت عليها اللغة بدلالة صحيحة معتبرة ؛ فقال بتلك المعاني كلّها أو بالمعنى الكلّي الجامع لها.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, التاسع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir