دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 10:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


طريقةُ المخالِفينَ للرُّسُلِ
قولُه: ( وأمَّا مَنْ زاغَ وحادَ عنْ سبيلِهم من الكفَّارِ والمشرِكينَ والذينَ أُوتُوا الكتابَ، ومَنْ دَخَلَ في هؤلاءِ من الصابِئَةِ والمتفلْسِفَةِ والْجَهْمِيَّةِ والقرامطةِ الباطنيَّةِ ونحوِهم، فإنَّهُم على ضِدِّ ذلكَ ).

التوضيحُ
بعدَ أنْ بَيَّنَ الشيخُ طريقةَ أهْلِ الحَقِّ من الرسُلِ وأَتْبَاعِهِمْ، بَدَأَ ببيانِ طريقةِ المخالِفينَ لهم، كما قالَ تعالى: { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، وذَكَرَ منها سَبْعَ طوائفَ يَدورُ انحرافُهم بينَ التعطيلِ والتمثيلِ.

(1) الكُفَّارُ: أَصْلُ الكُفْرِ التغطيةُ، ومنهُ سُمِّيَ الْمُزَارِعُ كافرًا؛ لتَغطيتِه الْحَبَّ في الأرْضِ، كما في قولِه تعالى { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} .
- والكفَّارُ كلمةٌ جامعةٌ تَشْمَلُ كلَّ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ، كالْمُشْرِكِينَ وأَهْلِ الكِتابِ والْمَجوسِ وغيرِهم، ولكنْ لَمَّا عَطَفَ المؤلِّفُ بعضَ هذهِ الطوائفِ على الكفَّارِ دَلَّ على الْمُغايَرَةِ، فيكونُ معنى الكفْرِ هنا التكذيبَ باللَّهِ ورُسُلِه، والاستكبارَ عنهم، وإنكارَ اليومِ الآخِرِ .
- وزَيْغُهم في هذا البابِ كما قالَ تعالى: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } .

(2) الْمُشْرِكُونَ: الشرْكُ هوَ مُساواةُ غيرِ اللَّهِ باللَّهِ فيما هوَ منْ خصائصِ اللَّهِ .
وزَيْغُهم في هذا البابِ وقوعُهم في التمثيلِ، كما قالَ تعالى: { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }، وإنْ كانَ الشرْكُ أعْظَمَ أنواعِ التمثيلِ .

(3) الذينَ أُوتُوا الكتابَ: هم اليهودُ والنَّصَارى. وزَيْغُ اليهودِ وقوعُهم في التعطيلِ، والنَّصَارى في التشبيهِ.

(4) الصابئةُ: من الصَّبْوَةِ، يُقالُ: صَبَا الرجُلُ، إذا مالَ. واخْتَلَفَ الناسُ في الصابئةِ:

1- فقيلَ: همْ كلُّ مَنْ خالَفَ دِينَ آبائِه، وهذا عندَ العرَبِ.
2- وقيلَ: كلُّ مَنْ يُنْكِرُ الصانعَ، وهذا عندَ الْمُصَنِّفِينَ في الْمِلَلِ والْمَذاهِبِ.
3- وقيلَ: عُبَّادُ الملائكةِ.
4- وقيلَ: عُبَّادُ الكواكبِ، وهم قومُ إبراهيمَ.
5- وقالَ شيخُ الإسلامِ وغيرُه: الصابئةُ نوعانِ: حُنَفَاءُ مُوَحِّدُونَ، ومُشْرِكونَ.

وهذا واللَّهُ أَعْلَمُ هوَ أَصَحُّ الأقوالِ؛ فقدْ ذُكِرَت الصابِئَةُ في القرآنِ في ثلاثةِ مواضِعَ: مَوْضِعَيْنِ منها على وجهِ الوعْدِ والعَطْفِ على المؤمنينَ، كما في البَقَرَةِ والمائِدَةِ. والْمَوْضِعِ الثالثِ في الْحَجِّ؛ مِمَّا يَدُلُّ على أنَّ فيهم مُوَحِّدِينَ ومُشْرِكِينَ .
وكلامُ الشيخِ هنا عن الصابِئَةِ الْمُشْرِكِينَ الذينَ زَاغُوا في هذا البابِ بوقوعِهم في التمثيلِ.

(5) الْمُتَفَلْسِفَةُ: أصْلُ الفلسَفَةِ بلسانِ اليُونانِ هيَ مَحَبَّةُ الْحِكْمَةِ، ويُقْصَدُ بالمتفلْسِفَةِ مَنْ دَخَلُوا في الفَلْسَفَةِ منْ أهْلِ الإسلامِ؛ لأنَّ الفلاسفةَ قِسمانِ: دَهْرِيُّونَ مُلْحِدُونَ، وإِلاَهِيُّونَ، وهم المقصودونَ كالفارابيِّ وابنِ سِينَا. وكلُّ مَنْ حاوَلَ الجَمْعَ بينَ الفلسفةِ والشرْعِ فهوَ متَفَلْسِفٌ .

(6) الْجَهْمِيَّةُ: همْ أَتْبَاعُ جَهْمِ بنِ صَفْوانَ السَّمَرْقَنْدِيِّ الضالِّ، الذي أَخَذَ مَقالَتَهُ في التعطيلِ عن الْجَعْدِ بنِ الدِّرْهَمِ، وأَخَذَها الْجَعْدُ عنْ أَبَانَ بنِ سَمْعَانَ، عنْ طالوتَ، عنْ لَبيدٍ الساحرِ اليهوديِّ .

وقدْ أَطْلَقَ السلَفُ هذا اللقَبَ على كلِّ مَنْ عَطَّلَ الصفاتِ أوْ بَعْضَها، كالعُلُوِّ والنزولِ والاستواءِ . ثمَّ اخْتُصَّ هذا الاسمُ بِمَنْ جَمَعَ بينَ نَفْيِ الأسماءِ والصفاتِ وقالَ بالإرجاءِ والْجَبْرِ .

(7) القرامِطَةُ الباطنيَّةُ: القَرامِطَةُ نِسبةٌ إلى حَمْدَانَ قُرْمُطٍ، وسُمُّوا بالباطنيَّةِ لزَعْمِهِم أنَّ للنصوصِ ظَاهرًا عندَ العَامَّةِ، وبَاطنًا عندَ الخاصَّةِ. ولهم تحريفاتٌ شنيعةٌ وانحرافاتٌ فَظِيعَةٌ كما سيأتي .

ومن الباطنيَّةِ الآنَ: الدُّروزُ، والنُّصَيْرِيَّةُ، والإسماعيليَّةُ، وغُلاةُ الرافِضَةِ، وغُلاةُ الْمُتَصَوِّفَةِ. ومنهم الْبُهَرَةُ، الجامعينَ بينَ الرَّفْضِ والتصوُّفِ، والْحُلولِ والغُلُوِّ، وهم طائفةٌ من الإسماعيليَّةِ.
قولهُ: ( ونحوَهمْ؛ فإنَّهُم على ضِدَّ ذلكَ ):
أيْ: ونحوَ هذهِ الطوائفِ فإنَّهُم على ضِدِّ طريقةِ الرُّسُلِ، ومعرفةُ الضِّدِ تَزيدُ الحقَّ وُضُوحًا؛ فإنَّ العافيةَ تاجٌ على رُءُوسِ الأصِحَّاءِ، لا يَعْرِفُها إلَّا مَنْ أُصيبَ بداءٍ .


وكما قيل: " ونُذِيمُهُمْ وبَهِمْ عَرَفْنَا فَضْلَهُ وبِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأشياءُ " .
تفصيلُ طُرُقِ المخالِفينَ للرُّسُلِ

قولُه: ( فإنَّهُم يَصِفُونَه بالصفاتِ السَّلبيَّةِ على وجهِ التفصيلِ، ولا يُثْبِتُونَ إلَّا وُجودًا مُطْلَقًا لا حقيقةَ لهُ عندَ التحصيلِ، وإنَّما يَرْجِعُ إلى وجودٍ في الأذهانِ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُه في الأعيانِ، فقولُهم يَسْتَلْزِمُ غايةَ التعطيلِ وغايةَ التمثيلِ؛ فإنَّهُ يُمَثِّلُونَه بالْمُمْتَنِعَاتِ والْمَعْدُومَاتِ والْجَمَاداتِ، ويُعَطِّلُونَ الأسماءَ والصِّفاتِ تَعْطِيلاً يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الذَّاتِ ) .

التوضيحُ
أيْ: فهذهِ الْفِرَقُ تُخَالِفُ طريقةَ الرُّسُلِ منْ وُجوهٍ:

1- أنَّهُم لا يَصِفُونَه إلَّا بالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ، والمقصودُ بها الْمَنْفِيَّةُ عن اللَّهِ نَفْيًا لا يَتَضَمَّنُ إثباتَ كَمالِ الضِّدِّ، بلْ هوَ نَفْيٌ مَحْضٌ، فيقولون مَثَلاً: لا دَاخِلَ العالَمِ ولا خارجَهُ، ولا جِسْمَ ولا جوْهَرَ ولا عَرَضَ .... .
أمَّا طريقةُ الرُّسُلِ فهوَ الوصْفُ بصفاتِ الإثباتِ، وأمَّا النفيُ فهوَ لإثباتِ كمالِ الضِّدِّ كما سَبَقَ.

2- أنَّهُم يُفَصِّلُونَ في النَّفْيِ ولا يُجْمِلُونَ، بينَما طريقةُ الرُّسُلِ الإجمالُ في النفيِ، ولا يأتي التفصيلُ إلَّا لأسبابٍ كما سَبَقَ تفصيلُه.

3- أنَّهُم لا يُثْبِتُون إلَّا وُجُودًا مُطْلَقًا، والوجودُ الْمُطْلَقُ هوَ الوجودُ العامُّ الكلِّيُّ الذي يَصْدُقُ على كثيرينَ في الذِّهْنِ، فإذا وُجِدَ في الْخَارِجِ كانَ مُقَيَّدًا خاصًّا بِمَنْ أُضِيفَ إليه.

فلا يكونُ الوُجودُ الْمُطْلَقُ الْمُشْتَرَكُ إلَّا في الذِّهْنِ؛ ولذلكَ يقولُ الشيخُ: ( لا حقيقةَ لهُ عندَ التحصيلِ )، أيْ وعندَ التحقيقِ والتَّمْحِيصِ لا يُوجَدُ هذا الإطلاقُ في الخارِجِ .

فقَوْلُ هؤلاءِ يَسْتَلْزِمُ لازِمَيْنِ مِنْ أَفْسَدِ اللوازمِ:

أحدُهما: غايةُ التعطيلِ؛ لأنَّهُم بقولِهم هذا نَفَوْا وُجودَ ذاتِه تعالى .

ثانيهما: غايةُ التمثيلِ؛ لأنَّهُم إذا نَفَوْا وجودَه شَبَّهُوهُ بالمعدوماتِ، وإذا نَفَوْا وجودَه وعَدَمَهُ معًا شَبَّهُوهُ بالْمُمْتَنِعَاتِ؛ لأنَّ نَفْيَ الوجودِ والعدَمِ مُمْتَنِعٌ في ضَروراتِ العقولِ، وإذا نَفَوْا بعضَ الصفاتِ كالعِلْمِ والحياةِ والكلامِ وغيرِها شَبَّهُوهُ بالْجَماداتِ.

فهذه اللوازمُ الثلاثةُ، أي: التشبيهُ بالْمُمْتَنِعَاتِ أو المعدوماتِ أو الْجَماداتِ، لا تَلْزَمُ جميعَ الفِرَقِ، بلْ كلٌّ بِحَسَبِ مَدَى تعطيلِه. وإنَّما جَمَعَها الشيخُ؛ لأنَّها تَلْزَمُ مجموعَها لا آحادَها .


مُصْطَلَحَاتٌ لا بُدَّ منها:
قبلَ الشروعِ في تَفصيلاتِ الفِرَقِ وشُبُهَاتِهِمْ، لا بُدَّ منْ تقديمِ بعضِ الْمُصْطَلحاتِ الْمُستخدَمَةِ تقريبًا للْفَهْمِ .
1) فأَوَّلاً: الوجودُ: قِسمانِ: واجبٌ ومُمْكِنٌ .

أ - الوجودُ الواجبُ: هوَ ما لمْ يُسْبَقْ بعَدَمٍ، ولا يَلْحَقُهُ فَنَاءٌ، ( ولا يَفْتَقِرُ إلى غيرِه في الإيجادِ )، وهوَ وجودُ اللَّهِ تعالى .

ب- الوجودُ الممكِنُ: هوَ ما جازَ عليهِ العدَمُ، ( وافْتَقَرَ إلى غيرِه في الإيجادِ )، وهوَ وجودُ المخلوقاتِ جميعِها .

ثانيًا: العَدَمُ: قِسمانِ: مُمْكِنٌ ومُمْتَنِعٌ .

أ - المعدومُ الْمُمْكِنُ: وهوَ المعدومُ الذي يَجوزُ وُجودُه، كغُرابٍ أخْضَرَ، وبَحْرٍ منْ زِئْبَقٍ، وغيرِها؛ فهيَ معدومةٌ لكنَّهُ لا يَستحيلُ وُجودُها .

ب- المعدومُ الْمُمْتَنِعُ: وهوَ المعدومُ المستحيلُ وجودُه، كالجمْعِ بينَ الضِّدَّيْنِ، مِثْلَ: إنسانٍ وَجَمَادٍ معًا.
ونُوَضِّحُ هذهِ الْمُصْطَلَحَاتِ في الشكْلِ الآتي:

(هنا أشكال توضيحية تحتاج أن تؤخذ كصورة)


2) العَلاقاتُ بينَ الأشياءِ:

أربَعُ عَلاقاتٍ: إمَّا مساواةٌ، أوْ مُبَايَنَةٌ، أوْ عمومٌ وخُصوصٌ منْ وجهٍ كما سَبَقَ في الحمْدِ والشكْرِ، أوْ عمومٌ وخصوصٌ مُطْلَقٌ كما سَبَقَ في التعطيلِ والتحريفِ . والذي يَهُمُّنا هنا ( التبايُنُ )، فهوَ قِسمانِ:

1) تَبَايُنُ مُخَالَفَةٍ ( التخالُفُ ): كالحَجَرِ والسوادِ، فلا عِلاقَةَ بينَهما، بلْ هما مُخْتَلِفَانَ تَمَامًا، قدْ يَرْتَفِعَانِ وقدْ يَجْتَمِعَانِ.

2) تبايُنُ مُقَابَلَةٍ ( التقابُلُ ): أيْ كونُ الشيئينِ متقابلينِ، وهيَ التي تَهُمُّنَا هنا .
والتقابُلُ أربعةُ أنواعٍ:
تنبيهٌ: ( سيُنَاقِشُ شيخُ الإسلامِ هذا التقسيمَ في القاعدةِ السابعةِ ).

1- تَقَابُلُ النقيضينِ: وهوَ تقابُلُ أَمْرَيْنِ؛ أحدُهما وُجوديٌّ والآخَرُ عَدَمِيٌّ؛ بحيثُ لا يَجْتَمِعَانِ ولا يَرْتَفِعَانِ، بلْ يَجِبُ وجودُ أحدِهما دونَ الآخَرِ، مِثلُ السلْبِ والإيجابِ.

2- تقابُلُ الضِّدَّيْنِ: وهوَ تقابُلُ أَمْرَيْنِ وُجُودِيَّيْنِ لا يَجتمعانِ معًا، ولكنْ يُمْكِنُ ارتفاعُهما، مِثْلُ السوادِ والبَيَاضِ. لا يَجتمعانِ في مَحَلٍّ واحدٍ، ولكنْ يَجوزُ أنْ يَرْتَفِعَا بالأحمَرِ أو الأخضرِ مَثَلاً.

3- تَقَابُلُ الْمُتَضَايِفَيْنِ: هما أَمْرَانِ وُجُودِيَّيْنِ لا يُمْكِنُ إدراكُ أحدِهما إلَّا بالإضافةِ إلى الآخَرِ، مِثْلَ الأبوَّةِ والبُنُوَّةِ والقَبْلِ والبَعْدِ. وهذا قولُ عامَّةِ الْمَنَاطِقَةِ. وأمَّا عامَّةُ المتكلِّمينَ فيَزْعُمُونَ أنَّ الصفاتِ الإضافيَّةَ اعتباريَّةٌ عَدَمِيَّةٌ وليستْ وُجُودِيَّةً.

4- تَقَابُلُ الْمَلَكَةِ والْعَدَمِ: وهوَ تَقَابُلٌ بينَ أَمْرَيْنِ؛ أحدُهما وُجودِيٌّ والآخَرُ عَدَمِيٌّ، بحيثُ لا يَجْتَمِعانِ ولا يَرتَفِعَانِ عن الْمَحَلِّ الذي شَأنُهُ أنْ يَتَّصِفَ به، كالْعَمَى والْبَصَرِ.

وهذا قريبٌ من النقيضينِ، والفَرْقُ بينَهما في هذا القيْدِ الأخيرِ، فإنَّ النقيضينِ تَقَابُلٌ بينَ جميعِ الأشياءِ، والْمَلَكَةَ والعَدَمَ تَقَابُلٌ في مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، إذا ارْتَفَعَ قَبولُ الْمَحَلِّ ارْتَفَعَ المتقابلانِ، مثلَ الْعَمَى والبَصَرِ في الإنسانِ، لا يَجتمعانِ ولا يَرْتفعانِ معًا، ولكنْ يَرتفعانِ في الْجِدارِ؛ لأنَّهُ ليسَ منْ شأنِه أنْ يَتَّصِفَ بهما .


ونُوَضِّحُ العَلاقاتِ بالشكْلِ التالي:

(هنا شكل توضيحي يحتاج أن يؤخذ كصورة)


أوَّلاً: مَذْهَبُ الغُلاةِ الباطنيَّةِ

قولُه: ( فَغَالِبِيَّتُهُمْ يَسْلُبُونَ عنهُ النقيضينِ فيقولونَ: لا موجودَ ولا مَعدومَ، ولا حَيَّ ولا مَيِّتَ، ولا عالِمَ ولا جاهِلَ؛ لأنَّهُم بِزَعْمِهِم إذا وَصَفُوهُ بالإثباتِ شَبَّهُوهُ بالموجوداتِ، وإذا وَصَفُوهُ بالنَّفْيِ شَبَّهُوهُ بالْمَعدوماتِ، فَسَلَبُوا النقيضينِ، وهذا مُمْتَنِعٌ في بَدَاءَةِ العُقولِ . وحَرَّفُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى من الكتابِ، وما جاءَ بهِ الرَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَقَعُوا في شَرٍّ مِمَّا فَرُّوا منهُ، فإنَّهُم شَبَّهُوهُ بالْمُمْتَنِعاتِ؛ إذْ سَلْبُ النقيضينِ كجَمْعِ النقيضينِ كِلاَهُمَا من الْمُمْتَنِعاتِ . وقدْ عُلِمَ بالاضطرارِ أنَّ الوُجودَ لا بُدَّ لهُ منْ مُوجِبٍ واجبٍ بذاتِه، غَنِيٍّ عما سِواهُ، قديمٍ أَزَلِيٍّ لا يَجوزُ عليهِ الحدوثُ ولا الْعَدَمُ، فوصفُوهُ بما يَمْتَنِعُ وجودُه فَضْلاً عن الوجوبِ أو الوجودِ أو القِدَمِ ) .

التوضيحُ

فأَشَدُّ هذهِ الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ للإسلامِ غُلُوًّا هم الباطنيَّةُ. وسَبَقَ التعريفُ بهم، ويَتَلَخَّصُ الكلامُ عنهم فيما يَلِي:

أوَّلاً: مذْهَبُهُمْ في الصفاتِ: نَفْيُ النقيضينِ، وقدْ سَبَقَ تعريفُه، فيقولونَ: لا موجودَ ولا معدومَ، ولا حَيَّ ولا مَيِّتَ، ولا عالِمَ ولا جَاهِلَ. والصحيحُ أنَّ الحياةَ والموتَ، والعلْمَ والجهْلَ، نقيضانِ خِلافًا للمتكلِّمينَ، فإنَّهُم يَزْعُمونَ أنَّها منْ قَبيلِ الْمَلَكَةِ والعَدَمِ، فيَشترطونَ في الموصوفِ بها أنْ يكونَ مَحَلًّا شأنُهُ الاتِّصَافُ بها مِثْلُ العَمَى والبَصَرِ عندَهم .

ثانيًا: شُبْهَتُهُمْ: زَعَمُوا أنَّ وَصْفَهُ بالإثباتِ تَشْبِيهٌ لهُ بالموجوداتِ، ووَصْفَه بالنفيِ تشبيهٌ لهُ بالمعدوماتِ؛ فلذلكَ رَفَعُوا السلْبَ والإيجابَ، أي: النَّفْيَ والإثباتَ.

ثالثًا: الرَّدُّ عليهمْ منْ وجوهٍ:
1- أنَّ نَفْيَ النقيضينِ مُمْتَنِعٌ في بَدَاءَةِ العُقولِ، أيْ: يَحْكُمُ العقْلُ بامتناعِه منْ أوَّلِ وَهْلَةٍ دونَ نَظَرٍ أو استدلالٍ.
2- أنَّ مَذْهَبَهُمْ هذا تحريفٌ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ من الكتابِ، وَلِمَا جاءتْ بهِ الرُّسُلُ في هذا البابِ، وقدْ سَبَقَ سَرْدُ الآياتِ في الإثباتِ للأسماءِ والصِّفاتِ، وفي النفيِ لِمَا لا يَلِيقُ بهِ منْ أَضْدَادِ الْكَمَالاَتِ.
3- أنَّهُم وَقَعُوا في شَرٍّ مِمَّا فَرُّوا منهُ، فإنَّهُم فَرُّوا منْ تشبيهِه بالموجوداتِ والمعدوماتِ، فوَقَعُوا في تشبيهِه بالْمُمْتَنِعَاتِ التي يَسْتَحِيلُ وجودُها أَصْلاً، فإنَّ رفْعَ النقيضينِ معًا مُمْتَنِعٌ كجَمْعِهِمَا عندَ عامَّةِ العُقلاءِ، فكما أنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ الشيءُ موجودًا مَعْدُومًا في آنٍ واحدٍ، فكذلكَ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ غيرَ موجودٍ وغيرَ معدومٍ في آنٍ واحدٍ، بلْ لا بُدَّ أنْ يكونَ إِمَّا مَوْجودًا أوْ مَعْدومًا .
4- ثمَّ إنَّهُ عُلِمَ بالاضطرارِ، أيْ: بالعِلْمِ الضروريِّ الذي يَجِدُهُ الإنسانُ في نفسِه كما يَجِدُ الجوعَ والْعَطَشَ، عُلِمَ أنَّ جميعَ الموجوداتِ لا بُدَّ لها منْ مُوجِدٍ واجبٍ بذاتِه لا بغيرِه، لا يَقْبَلُ الحدوثَ ولا العَدَمَ، غَنِيٍّ عمَّا سواهُ، قديمٍ أَزَلِيٍّ . وفي هذا إثباتٌ لموجودٍ موصوفٍ بالصفاتِ، وهيَ الوجوبُ والْغِنَى والأوليَّةِ .
5- ويَظْهَرُ مَدَى انحرافِهم في أنَّهُم ( وَصَفُوهُ بما يَمْتَنِعُ وجودُه فَضْلاً عن الوجوبِ أو الوجودِ أو القِدَمِ )، وترتيبُ هذهِ العِبارةِ من الامتناعِ إلى الوجوبِ كما يَلِي:

1) الامتناعُ 2) مُجَرَّدُ الوجودِ 3) القِدَمُ 4) الوجوبُ

لأنَّ الامتناعَ لا يَتَحَقَّقُ وُجودُه، ثمَّ الوجودُ منهُ الْمُمكنُ ومنهُ الواجبُ، ثمَّ القَديمُ منهُ النِّسْبِيُّ، كالتَّقَدُّمِ بينَ المخلوقاتِ، ومنهُ الْمُطْلَقُ، وهوَ الوجوبُ الذي لا يَصْدُقُ إلَّا على عَلَّامِ الغُيوبِ .

فائدةٌ في قولِه ( قديمٍ أَزَلِيٍّ ):
1) القديمُ هوَ الْمُتَقَدِّمُ على غيرِه، وهوَ نوعانِ:

1- تَقَدُّمٌ أَزَلِيٌّ: وهوَ ما لا نِهايةَ لهُ في الماضي، وهوَ الْقِدَمُ الْمُطْلَقُ، ولا يَصِحُّ إلَّا للَّهِ تعالى .

2- تَقَدُّمٌ نِسْبِيٌّ: وهوَ التَّقَدُّمُ بينَ المخلوقاتِ بالنِّسبةِ إلى بعضِها، كما قالَ تعالى: { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، فالقديمُ أَعَمُّ من الْأَزَلِيِّ؛ لأنَّهُ يَشْمَلُ الْأَزَلِيَّ والنِّسْبِيَّ؛ فلذلكَ قَيَّدَ القديمَ بالْأَزَلِيِّ .

2) اخْتَلَفَ العُلماءُ في إطلاقِ القديمِ على اللَّهِ، وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُونَ أنَّهُ منْ بابِ الإخبارِ عن اللَّهِ تعالى، وليسَ منْ أسمائِه الْحُسْنَى، كما يُقالُ: واجبُ الوجودِ، وشيءٌ، وقائمٌ بنفسِه، وغيرُ ذلكَ، فهوَ خبَرٌ وليسَ اسْمًا.
وأمَّا قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، فلا يَدُلُّ على التسميةِ؛ لأنَّهُ لم يُطْلَقْ عليهِ تعالى، وإنَّما يَدُلُّ على الإخبارِ كما سَبَقَ.

والإخبارُ أنْ يُخْبِرَ عن اللَّهِ تعالى بألفاظٍ وإنْ لمْ تكُنْ وَارِدَةً إنْ دَلَّتْ على معنًى صحيحٍ ولا يُتَعَبَّدُ باللفظِ، وأمَّا الأسماءُ الْحُسْنَى فهيَ كَمَالٌ مُطْلَقٌ يُتَعَبَّدُ بألفاظِها ومَعَانِيها، فبابُ الإخبارِ أوْسَعُ منْ بابِ الأسماءِ .


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أهل, طريقة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir