(ويُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ رَجُلٍ في ثَلاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ) مِن قُطْنٍ؛ لقَوْلِ عَائِشَةَ: كُفِّنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ في ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ جُدُدٍ يَمَانِيَّةٍ, لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ, أُدْرِجَ فِيهَا إِدْرَاجاً. مُتَّفَقٌ عليه.
ويُقَدَّمُ بتَكْفِينٍ مَن يُقَدَّمُ بغُسْلٍ، ونَائِبُه كهو، والأَوْلَى تَوَلِّيهِ بنَفْسِه. (تُجَمَّرُ)؛ أي: تُبَخَّرُ بعدَ رَشِّها بماءِ وَرْدٍ أو غيرِه؛ ليَعْلَقَ، (ثُمَّ تُبْسَطُ بَعْضُهَا فوقَ بَعْضٍ), أَوْسَعُهَا وأَحْسَنُها أَعْلاها؛ لأنَّ عَادَةَ الحَيِّ جَعْلُ الظَّاهِرِ أَفْخَرَ ثِيَابِه، (ويُجْعَلُ الحَنُوطُ)- وهو أَخْلاطٌ مِن طِيبٍ يُعَدُّ للمَيِّتِ خَاصَّةً- (فيما بَيْنَهَا), لا فَوْقَ العُلْيَا؛ لكَرَاهَةِ عُمَرَ وابنِه وأَبِي هُرَيْرَةَ.
(ثُمَّ يُوضَعُ) المَيِّتُ (علَيها)؛ أي: اللَّفَائِفِ, (مُسْتَلْقِياً)؛ لأنَّه أَمْكَنُ لإدْرَاجِه فيها، (ويُجْعَلُ مِنْهُ)؛ أي: مِنَ الحَنُوطِ (في قُطْنٍ بَيْنَ أَلْيَتَيهِ)؛ ليَرُدَّ ما يَخْرُجُ عِنْدَ تَحْرِيكِه، (ويُشَدُّ فَوْقَها خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرَفِ؛ كالتُّبَّانِ), وهو السَّرَاوِيلُ بلا أَكْمَامٍ, (تَجْمَعُ أَلْيَتَيْهِ ومَثَانَتَهُ, ويُجْعَلُ البَاقِي) مِن القُطْنِ المُحَنَّطِ (على مَنَافِذِ وَجْهِه)؛ عَيْنَيْهِ ومَنْخَرَيْهِ وأُذُنَيْهِ وفَمِه؛ لأنَّ في جَعْلِهَا على المَنَافِذِ مَنْعاً مِن دُخُولِ الهَوَامِّ.
(و) علَى (مَوَاضِعِ سُجُودِه)؛ رُكْبَتَيْهِ ويَدَيْهِ وجَبْهَتِهُ وأَنْفِه وأَطْرَافِ قَدَمَيْهِ؛ تَشْرِيفاً لها، وكذا مَغَابِنُه؛ كطَيِّ رُكْبَتَيْهِ, وتَحْتَ إِبِطَيْهِ وسُرَّتِه؛ لأنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يَتْبَعُ مَغَابِنَ المَيِّتِ ومَرَافِقَهُ بالمِسْكِ.
(وإن طُيِّبَ) المَيِّتُ (كُلُّه فحَسَنٌ)؛ لأنَّ أَنَساً طُلِيَ بالمِسْكِ، وطَلَى ابنُ عُمَرَ مَيِّتاً بالمِسْكِ, وكُرِهَ دَاخِلَ عَيْنَيْهِ، وأن يُطَيَّبَ بوَرْسٍ وزَعْفَرَانٍ، وطَلْيُه بما يُمْسِكُه كصَبْرٍ, ما لم يُنْقَلْ. (ثُمَّ يَرُدُّ طَرَفَ اللِّفَافَةِ العُلْيَا) مِن الجانبِ الأيسَرِ (على شِقِّهِ الأَيْمَنِ, ويَرُدُّ طَرَفَهَا الآخَرَ مِن فَوْقِه)؛ أي: فَوْقِ الطَّرَفِ الأَيْمَنِ، (ثُمَّ) يَفْعَلُ (بالثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ كذلك)؛ أي: كالأُولَى (ويَجْعَلُ أَكْثَرَ الفَاضِلِ) مِن كَفَنِه (على رَأْسِه)؛ لشَرَفِه، ويُعِيدُ الفَاضِلَ على وَجْهِه ورِجْلَيْهِ بعدَ جَمْعِه؛ ليَصِيرَ الكَفَنُ كالكيسِ, فلا يَنْتَشِرُ، (ثُمَّ يَعْقِدُها)؛ لئَلاَّ تَنْتَشِرَ، (وتُحَلُّ في القَبْرِ)؛ لقَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ: (إِذَا أَدْخَلْتُمُ المَيِّتَ القَبْرَ, فَحُلُّوا العُقَدَ). رواه الأثْرَمُ.
وكُرِهَ تَخْرِيقُ اللَّفَائِفِ؛ لأنَّه إِفْسَادٌ لها. (وإن كُفِّنَ في قَمِيصٍ ومِئْزَرٍ ولِفَافَةٍ, جَازَ)؛ لأنَّه عليهِ السَّلامُ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ قَمِيصَهُ لَمَّا مَاتَ. رواهُ البُخَارِيُّ.
وعن عَمْرِو بنِ العَاصِ, أنَّ المَيِّتَ يُؤَزَّرُ ويُقَمَّصُ ويُلَفُّ بالثَّالِثَةِ. وهذه عَادَةُ الحَيِّ, ويكُونُ القَمِيصُ بكُمَّيْنِ ودَخَارِيصَ لا بزِرٍّ. (وتُكَفَّنُ المَرْأَةُ) والخُنْثَى نَدْباً (في خَمْسَةِ أَثْوَابٍ) بِيضٍ مِن قُطْنٍ: (إِزَارٍ وخِمَارٍ وقَمِيصٍ ولِفَافَتَيْنِ)؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ, وفيه ضَعْفٌ, عن لَيْلَى الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ: كُنْتُ فِيمَن غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ, فكانَ أَوَّلُ ما أَعْطَانَا الحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الخِمَارَ ثُمَّ المِلْحَفَةَ, ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدَ ذلكَ فِي الثَّوْبِ الآخَرِ.
قالَ أَحْمَدُ: الحِقَاءُ: الإِزَارُ، والدِّرْعُ: القَمِيصُ، فتُؤَزَّرُ بالمِئْزَرِ, ثُمَّ تُلْبَسُ القَمِيصَ, ثُمَّ تُخَمَّرُ, ثُمَّ تُلَفُّ بِاللِّفَافَتَيْنِ.
ويُكَفَّنُ صَبِيٌّ في ثَوْبٍ، ويُبَاحُ في ثَلاثَةٍ مَا لم يَرِثْهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وصَغِيرَةٌ في قَمِيصٍ ولِفَافَتَيْنِ.
(والوَاجِبُ) للمَيِّتِ مُطْلَقاً (ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ)؛ لأنَّ العَوْرَةَ المُغَلَّظَةَ يَجْزِي في سَتْرِهَا ثَوْبٌ وَاحِدٌ, فكَفَنُ المَيِّتِ أَوْلَى، ويُكْرَهُ بصُوفٍ وشَعَرٍ, ويَحْرُمُ بجُلُودٍ، ويَجوزُ في حَرِيرٍ لضَرُورَةٍ فقَطْ، فإن لم يَجِدْ إلاَّ بَعْضَ ثَوْبٍ, سَتَرَ العَوْرَةَ كحَالِ الحيَاةِ، والبَاقِي بحَشِيشٍ أو وَرَقٍ، وحَرُمَ دَفْنُ حُلِيٍّ وثِيَابٍ غَيْرِ الكَفَنِ؛ لأنَّه إِضَاعَةُ مَالٍ، ولحَيٍّ أَخْذُ كَفَنِ مَيِّتٍ لحَاجَةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ بثَمَنِه.