بابُ صِفَةِ الصَّلاةِ
يُسَنُّ الخُرُوجُ إليها بسَكِينَةٍ ووَقَارٍ، ويُقَارِبُ خُطَاهُ، وإذا دخَلَ المَسْجِدَ, قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُمْنَى، واليُسْرَى إذا خَرَجَ، ويقُولُ ما وَرَدَ، ولا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ، ولا يَخُوضُ في حديثِ الدُّنْيَا، ويَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.
(يُسَنُّ) للإمامِ فالمَأْمُومِ (القِيَامُ عِنْدَ) قَوْلِ المُقِيمِ: (قَد قَامَت)؛ أي: مِن قَدْ قَامَتِ الصَّلاةِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَفْعَلُ ذلكَ، رواهُ ابنُ أَبِي أَوْفَى، وهذا إن رَأَى المَأْمُومُ الإمَامَ، وإلاَّ قامَ عندَ رُؤْيَتِه، ولا يُحْرِمُ الإمَامُ حتَّى تَفْرُغَ الإقَامَةُ، (و) تُسَنُّ (تَسْوِيَةُ الصَّفِّ) بالمَنَاكِبِ والأَكْعُبِ, فلْيَلْتَفِتْ عَن يَمِينِه فيَقُولَ: استَوُوا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ. وعَن يَسَارِه كذلك، ويُكْمِلُ الأوَّلَ فالأوَّلَ، ويَتَرَاصُّونَ عن يَمِينِه، والصَّفُّ الأوَّلُ للرِّجَالِ أَفْضَلُ، وله ثَوَابُه وثَوَابُ مَن وَرَاءَهُ ما اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ، وكُلَّمَا قَرُبَ مِنْهُ فهو أَفْضَلُ، والصَّفُّ الأخيرُ للنِّسَاءِ أَفْضَلُ، (ويقولُ) قَائِماً في فَرْضٍ معَ القُدْرَةِ: (اللَّهُ أَكْبَرُ). فلا تَنْعَقِدُ إلا بها نُطْقاً؛ لحديثِ: ((تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ)). رواهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه.
فلا تَصِحُّ إن نَكَّسَهُ، أو قالَ: اللَّهُ الأَكْبَرُ أو الجلِيلُ. ونَحْوَه، أو مَدَّ هَمْزَةَ (اللَّهُ) أو (أَكْبَرُ)، أو قالَ: إِكْبَارٌ. وإنْ مَطَّطَهُ كُرِهَ معَ بَقَاءِ المَعْنَى، فإن أَتَى بالتَّحْرِيمَةِ أو ابتَدَأَهَا أو أَتَمَّهَا غَيْرَ قَائِمٍ, صَحَّت نَفْلاً إن اتَّسَعَ الوَقْتُ، ويَكُونُ حالَ التَّحْرِيمَةِ (رَافِعاً يَدَيْهِ) نَدْباً، فإن عَجَزَ عَن رَفْعِ إِحْدَاهُمَا, رَفَعَ الأُخْرَى معَ ابتداءِ التَّكْبِيرِ، ونَهْيُهُ معَهُ (مَضْمُومَةَ الأَصَابِعِ مَمْدُودَةَ) الأصابِعِ مُسْتَقْبِلاً ببُطُونِهِمَا القِبْلَةَ (حَذْوَ)؛ أي: مُقَابِلَ (مَنْكِبَيْهِ)؛ لقولِ ابنِ عُمَرَ: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ). مُتَّفَقٌ عليه.
فإن لم يَقْدِرْ على الرَّفْعِ المَسْنُونِ رَفَعَ حَسَبَ الإمكانِ، ويسقُطُ بفَرَاغِ التَّكْبِيرِ كُلِّه، وكَشْفُ يَدَيْهِ هنا وفي الدُّعَاءِ أَفْضَلُ، ورَفْعُهُمَا إِشَارَةٌ إلى رَفْعِ الحِجَابِ بينَهُ وبينَ رَبِّه؛ (كالسُّجُودِ), يَعْنِي: أنَّهُ يُسَنُّ في السُّجُودِ وَضْعُ يَدَيْهِ بالأرضِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، (ويُسْمِعُ الإمامُ) استِحْبَاباً بالتَّكْبِيرِ كُلِّه (مَن خَلْفَه) مِن المَأْمُومِينَ ليُتَابِعُوهُ، وكذا يَجْهَرُ بـ"سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه"، والتَّسْلِيمَةِ الأُولَى، فإن لم يُمْكِنْهُ إِسْمَاعُ جَمِيعِهِم, جَهَرَ به بَعْضُ المَأْمُومِينَ؛ لفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ معَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، مُتَّفَقٌ عليه. (كقِرَاءَتِه)؛ أي: كما يُسَنُّ للإمامِ أن يُسْمِعَ قِرَاءَتَهُ مَن خَلْفَهُ (في أُولَتَيْ غَيْرِ الظُّهْرَيْنِ)؛ أي: الظُّهْرِ والعَصْرِ، فيَجْهَرُ في أُولَتَيِ المَغْرِبِ والعِشَاءِ, والصُّبْحِ والجُمُعَةِ, والعِيدَيْنِ والكُسُوفِ, والاستِسْقَاءِ والتَّرَاوِيحِ والوِتْرِ, بقَدْرِ ما يُسْمِعُ المَأْمُومِينَ.
(وغَيْرُه)؛ أي: غَيْرُ الإمامِ وهو المَأْمُومُ والمُنْفَرِدُ يُسِرُّ بذلك كُلِّه، لكنْ يَنْطِقُ به بحيثُ يُسْمِعُ (نَفْسَهُ) وُجُوباً في كُلِّ وَاجِبٍ؛ لأنَّه لا يكونُ كَلاماً بدونِ الصَّوْتِ، وهو ما يَتَأَتَّى استِمَاعُه, حيثُ لا مَانِعَ، فإن كانَ مانِعٌ؛ بأَنْ كانَ عِيَاطٌ وغَيْرُه, فبحيثُ يَحْصُلُ السَّمَاعُ مِن عَدَمِه، (ثُمَّ) إذا فَرَغَ مِن التَّكْبِيرَةِ (يَقْبِضُ كُوعَ يُسْرَاهُ) بيَمِينِه, ويَجْعَلُهُمَا (تَحْتَ سُرَّتِه) استِحْبَاباً؛ لقَوْلِ عَلِيٍّ: (مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ اليَمِينِ علَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ). رواهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ.
(ويَنْظُرُ) المُصَلِّي استِحْبَاباً (مَسْجِدَهُ)؛ أي: مَوْضِعَ سُجُودِه؛ لأنَّه أَخْشَعُ، إِلاَّ في صَلاةِ خَوْفٍ؛ لحَاجَةٍ.