2/638 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا). هَكَذَا وَرَدَ مُؤَنَّثاً مَعَ أَنَّ مُمَيَّزَهُ أَيَّامٌ وَهِيَ مُذَكَّرٌ؛ لأَنَّ اسْمَ العَدَدِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ مُمَيَّزُهُ جَازَ فِيهِ الوَجْهَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النُّحَاةُ (مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِن الآلِ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ:يُكْرَهُ صَوْمُهَا. قَالَ: لأَنَّهُ مَا رَأَى أَحَداً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَصُومُهَا؛وَلِئَلاَّ يُظَنَّ وُجُوبُهَا.
وَالجَوَابُ: أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّصِّ بِذَلِكَ لا حُكْمَ لِهَذِهِ التَّعْلِيلاتِ, وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ:إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكاً هَذَا الحَدِيثُ, يَعْنِي حَدِيثَمُسْلِمٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَجْرَ صَوْمِهَا يَحْصُلُ لِمَنْ صَامَهَا مُتَفَرِّقَةً أَوْ مُتَوَالِيَةً وَمَنْ صَامَهَا عَقِيبَ العِيدِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ. وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ عَن ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنْ تَكُونَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ, وَقَدْ رُوِيَ عَن ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ مُتَفَرِّقاً فَهُوَ جَائِزٌ.
قُلْتُ: وَلا دَلِيلَ عَلَى اخْتِيَارِ كَوْنِهَا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ, إذْ مَنْ أَتَى بِهَا فِي شَوَّالٍ فِي أَيِّ أَيَّامِهِ فقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَتْبَعَ رَمَضَانَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ, وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا بِصِيَامِ الدَّهْرِ؛ لأَنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتٌّ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ.
وَلَيْسَ فِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صِيَامِ الدَّهْرِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ البَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ قَدْ طَعَنَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ مُغْتَرًّا بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ:إنَّهُ حَسَنٌ. يُرِيدُ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَخِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
قُلْتُ: وَوَجْهُ الِاغْتِرَارِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَصِفْهُ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِالحُسْنِ وَكَأَنَّهُ فِي نُسْخَةٍ وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ سِيَاقِهِ لِلْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ: قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ قَالَ: وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. انْتَهَى.
قُلْتُ: قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: إنَّهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: سَعْدُ بنُ سَعِيدٍ ضَعِيفُ الحَدِيثِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالقَوِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ. انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيِّ: وَقَد اعْتَنَى شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ بِجَمْعِ طُرُقِهِ فَأَسْنَدَهُ عَنْ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً رَوَوْهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَأَكْثَرُهُمْ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ مِنْهُم السُّفْيَانَانِ, وَتَابَعَ سَعْداً عَلَى رِوَايَتِهِ أَخُوهُ يَحْيَى وَعَبْدُ رَبِّهِ وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ، وَرَوَاهُ أَيْضاً عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَعَائِشَةُ.
وَلَفْظُ ثَوْبَانَ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرُهُ بِعَشَرَةٍ وَمَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الفِطْرِ فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.