دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > مقدمات المحدثين > مقدمة كتاب المجروحين لابن حبان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 رمضان 1435هـ/5-07-2014م, 09:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي ذكر بعض السبب الذي من أجله منع عمر بن الخطاب أصحابه من إكثار الحديث

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ بنِ أَحْمَدَ الْبُسْتِيُّ (ت: 354هـ): (ذكر بعض السبب الذي من أجله منع عمر بن الخطاب أصحابه من إكثار الحديث
حدثنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا أبو الطاهر، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان يحدث عن بيان، قال عن عامر الشعبي، عن قرظة بن كعب، قال: خرجنا نريد العراق، فمشى معنا عمر بن الخطاب إلى صرار، فتوضأ ثم قال: أتدرون لم مشيت معكم؟ قالوا: نعم نحن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيت معنا، قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، امضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا، قال: نهانا عمر بن الخطاب.
قال أبو حاتم: لم يكن عمر بن الخطاب يتهم الصحابة بالتقول على النبي صلى الله عليه وسلم ولا ردهم عن تبليغ ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» وأنه لا يحل لهم كتمان ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه علم ما يكون بعده من التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
[المجروحين: 1/ 37]
لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى ينزل الحق على لسان عمر وقلبه»
وقال: «إن يكون في هذه الأمة محدثون فعمر منهم»
فعمد عمر إلى الثقات المتقنين الذين شهدوا الوحي والتنزيل، فأنكر عليهم كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يجترئ من بعدهم ممن ليس في الإسلام محله كمحلهم فيكثروا الرواية فينزلوا فيها أو يتقول متعمدا عليه صلى الله عليه وسلم لنوال الدنيا، وتبع عمر عليه علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما باستخلاف من يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانوا ثقات مأمونين، ليعلم بهم توقي الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرتدع من لا دين له عن الدخول في سخط الله عز وجل فيه، وقد كان عمر يطلب البينة من الصحابي على ما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة الكذب عليه، لئلا يجئ من بعد الصحابة فيروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله.
حدثني أبو يعلي، قال: حدثنا خلف بن هشام البزار، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن أبي سلمة، أن أبا موسى استأذن على عمر ثلاث مرات، فلم يؤذن له فرجع، فبلغ ذلك عمر، فقال: ما ردك؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا استأذن أحدكم ثلاث مرات فلم يؤذن له فليرجع» فقال: لتجيئن على هذا ببينة وإلا- قال حماد [بن زيد] توعده، قال: فانصرف فدخل المسجد، فقالوا له: لا يقوم معك إلا أصغرنا فقام معه أبو سعيد فشهد، فقال له عمر: إنا لا نتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد.
[المجروحين: 1/ 38]
قال أبو حاتم: قد اخبر عمر بن الخطاب أنه لم يتهم أبا موسى في روايته، وطلب البينة منه على ما أراد تكذيبا له، وإنما كان يشدد فيه لأن يعلم الناس أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد، فلا يجيء من بعدهم من يجترئ فيكذب عليه صلى الله عليه وسلم ويتقول عليه ما لم يقل حتى يدخل بذلك في سخط الله عز وجل.
وهذان أول من فتشا عن الرجال في الرواية، وبحثا عن النقل في الأخبار، ثم تبعهم الناس على ذلك.
والدليل على صحة ما تأولنا فعلهما ذلك ما:
حدثني محمد بن عبد الرحمن السامي، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت ابن أبي ليلي يقول: كنا إذا أتينا زيد بن أرقم، فنقول: حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: إنا قد كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد.
حدثنا احمد بن علي بن المثنى بالموصل، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه.
قال أبو حاتم:: قد أخبر ابن عباس أن تركهم الرواية وتشديدهم فيها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منهم ذلك توقيا للكذب عليه من بعدهم، لا أنه كانوا متهمين في الرواية على ما ذكرنا قبل، قم أخذ مسلكهم واستن بسنتهم واهتدى بهديهم فيما استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين منهم سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن
[المجروحين: 1/ 39]
أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعلي بن الحسين بن علي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، فجدوا في حفظ السنن والرحلة فيها والتفتيش عنها والتفقه فيها ولزوم الدين، ووعوه على المسلمين.
ثم أخذ عنهم العلم وتتبع الطرق وانتحاء الرجال، ورحل في جمع السنن جماعة بعدهم، ومنهم الزهري، ويحي بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وسعد بن إبراهيم في جماعة معهم من أهل المدينة، إلا أن أكثرهم تيقظا وأوسعهم حفظا وأدومهم رحلة وأعلاهم همة الزهري رحمه الله.
حدثنا محمد بن عمرو بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن يحيي، قال: حدثنا أبو صالح، عن الليث، عن جعفر بن ربيعة، قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأبصرهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب.
وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بحرا إلا فجرته.
قال عراك: وأعلمهم جميعا عندي ابن شهاب، لأنه جمع علمهم إلى علمه.
حدثنا الحسين بن عبد الله القطان بالرقة، قال: حدثنا نوح بن حبيب، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن برد، عن مكحول، قال: ما رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الزهري.
حدثني محمد بن المنذر، قال: حدثنا يحيي بن أيوب التجيبي، قال: سمعت ابن بكير، يقول: سمعت الليث بن سعد، يقول: سمعت الزهري يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيت.
[المجروحين: 1/ 40]
قال الليث: وكان بكير يشرب العسل، ولا يأكل شيئا من التفاح.
حدثنا عمر بن سعيد بن سنان بمنبج، ومحمد بن الحسن بن قتيبة بعسقلان، قالا: حدثنا هشام بن خالد الأزرق، قال: حدثنا الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، أن هشام بن عبد الملك أدى عن الزهري سبعة آلاف دينار دينا كان عليه، قم قال: يا زهري لا تعودن تدان، قال: كيف يا أمير المؤمنين وقد حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
قال أبو حاتم: قد ذكرنا مناقب الزهري وأخباره وشمائله في «كتاب العلل» بما أرجو الغنية فيها لمن أراد الوقوف على معرفتها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب.
ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الحديث وانتقاد الرجال وحفظ السنن والقدح في الضعفاء جماعة من أئمة المسلمين والفقهاء في الدين، منهم سفيان بن سعيد الثوري، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة في جماعة معهم، إلا أن من أشدهم انتفاء للسنن وأكثرهم مواظبة عليها، حتى جعلوا ذلك صناعة لهم، لا يشوبونها بشيء آخر ثلاثة أنفس، مالك والثوري وشعبة.
فأما مالك فإن محمد بن المنذر حدثنا، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن مطرف، قال: أشهد لسمعت مالكا يقول: أدركت بهذه البلاد مشيخة من أهل الصلاح والعبادة يحدثون، ما سمعت من واحد منهم حديثا قط، قيل: فلم يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكونوا يعرفون ما يحدثون.
حدثنا عمر بن سعيد، قال: سمعت محمد بن عيسى الطرسوسي، يقول: سمعت ابن أبي أويس يقول: سألت خالي مالكا عن مسألة، فقال
[المجروحين: 1/ 41]
لي: قر ثم توضأ ثم تلبس ثم جلس على السرير، ثم قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، سل، وكان لا يفتى حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل السجستاني بدمشق، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي يقول: إذا ذكر المحدثون فمالك النجم.
حدثنا أحمد بن الحسن المدائني بمصر، قال: حدثنا يحيي بن عثمان بن صالح، قال: سمعت هارون بن سعيد الأيلي، قال: سمعت الشافعي يقول: ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك رحمه الله.
سمعت الحسن بن عثمان بن زياد بتستر، يقول: سمعت بندار، يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: ما نعرف كتاب في الإسلام بعد كتاب الله عز وجل أصح من موطأ مالك.
[حدثنا] محمد بن صالح الطبري، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا حسين بن عروة، قال: لما حج المهدي بعث إلى مالك الفضل بن الريع حاجبه بألف دينار في كيس مختوم، فقصد مالكا، فقال: إن أمير المؤمنين يريد أن تصحبه إلى مدينة السلام، فقال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» وهو ذي الدناينر على حالتها.
سمعت أسامة بن محمد بن أسامة التجيبي بمصر، يقول: سمعت حرملة بن يحيي وعمرو بن السواد السرحي، يقولان، سمعنا ابن وهب، يقول: لقيت ثلاث مائة عالم وستين عالما، ولولا مالك والليث لضللت في العلم.
حدثنا الحسن بن سفيان، قال: سمعت حرملة بن يحي، يقول: قال ابن وهب: اقتدينا في العلم بأربعة اثنان بمصر واثنان بالمدينة، الليث بن
[المجروحين: 1/ 42]
سعد وعمرو بن الحارث بمصر، ومالك والماجشون بالمدينة، لولا هؤلاء لكنا ضالين.
حدثنا عمر بن سعيد، عن بكر بن سهل الدمياطي، قال: سمعت عبد الله بن يوسف، يقول: قال مالك بن أنس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فنزع خاتمه من إصبعه فألبسنيه.
حدثني أسامة بن أحمد بن أسامة التجيبي بالفسطاط، قال: حدثنا أحمد بن سعيد المهداني، قال: حدثنا أصبع بن الفرج، عن الدراوردي، قال: لما حضر مالك ليضرب كنت أقرب الخلق منه، فسمعته يقول كلما ضرب سوطا: اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون، حتى فرغ من ضربه.
حدثنا أحمد بن عبيد الله الدارمي بأنطاكية، قال: حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثني خلف بن عمر، قال: كنت عند مالك، فأتاه ابن أبي كثير قارئ المدينة، فناوله رقعة، فنظر فيها مالك، ثم وضع تحت مصلاه، ثم قام من عنده، وذهبت أتقوم، فقال: اثبت يا خلف، فناولني الرقعة، فإذا فيها: رأيت الليلة في المنام كأنه يقال لي: هذا رسول اله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فإذا ناحية من القبر قد انفرجت، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس والناس يقولون: يا رسول الله أعطنا، يا رسول الله مر لنا، فقال لهم: «إني كنزت تحت المنبر كنزا* وقد أمرت مالكا أن يقسمه فيكم، فاذهبوا إلى مالك» قال: فانصرف الناس، وبعضهم يقول لبعض: ما ترون مالكا فاعلا؟ فقال بعضهم: ينفذ ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرق مالك وبكى، قم قمت وتركته [على تلك الحال].
حدثنا إسماعيل بن داود بن وردان بالفسطاط، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت مالكا يقول: دخلت على أبي جعفر، فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبل يده المرتين والثلاث، ورزقني الله عز وجل العافية من ذلك، فلم أقبل له يدا.
[المجروحين: 1/ 43]
حدثنا سعيد بن هشام بطبرية، قال: حدثنا مؤمل بن إهاب، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: سمعت شعبة، يقول: دخلت المدينة بعد موت نافع بسنة، فإذا لمالك حلقة.
سمعت أسامة بن أحمد بن أسامة التجيبي بمصر يقول: سمعت أحمد بن عمرو بن السرح، يقول: سمعت عبد الرحمن بن القاسم، يقول: سمعت مالك بن أنس، يقول: ما أحد ممن تعلمت منه العلم إلا صار إلي، حتى سألني عن أمر دينه.
حدثنا القاسم بن عيسى العطار بدمشق، قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا يحيي بن حسان، قال: كنا عد وهيب بن خالد، فقال: حدثنا مالك وابن جريج، فقلت لصاحبي: اكتب ابن جريج ودع مالكا، فسمعه وهيب، فقال: تقول اترك مالكا واكتب ابن جريج، ما بشرقها ولا بغربها آمن على الحديث من مالك، وللعرض على مالك أثبت من الحديث من غيره، ولقد حدثني شعبة أنه دخل المدينة بعد موت نافع بسنة ولمالك حلقة.
حدثنا الحسن بن عثمان بن زياد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر رسته، قال: سمعت ابن مهدي، يقول: أئمة الناس في زمانهم أربعة: حماد زيد بالبصرة وسفيان بالكوفة مالك بالحجاز والأوزاعي بالشام.
سمعت بن زياد التجيبي بالفسطاط، يقول: سمعت محمد بن رمح، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله إن الناس قد اختلفوا علينا في الليث ومالك فيمن تأمرنا؟ قال: «مالك مالك ورث حديثي».
حدثنا عمر بن سعيد بن سنان، قال: حدثنا هارون الفروي، قال: سمعت مصعبا يقول: سأل هارون الرشيد مالك بن أنس وهو في منزله ومعه بنوه أن يقرأ عليهم، فقال: ما قرأت على أحد من زمان، وإنما يقرأ علي، فقال هارون: أخرج الناس عني حتى أقرأ عليك، فقال: منع العام لبعض الخاص لم ينتفع الخاص، فأمر معن بن عيسى فقرأ عليه.
[المجروحين: 1/ 44]
حدثنا محمد بن زبان [زياد التجيبي بمصر] قال: حدثنا محمد بن أبي طالب الأسواني، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حضرت يحيي بن يزيد بن عبد الملك النوفلي يوما وهو يتحدث في مجلسه ومعه خلق من الناس، وهو يقول: رأيت في هذه الليلة خيرا، رأيت كأني في موضع نخل وبساتين وخضرة وقصور وأنهار تجري، فاعتمدت إلى قصر رأيت أنها أفضلها وأحسنا، فلما هويت لأدخله إذ على بابه إنسان منعني من الدخول، وقال: حتى استأذن لك، فذهبت، ثم أتى فأدخلني، فإذا بقصر لم ير الرائي مثله حسنا، وإذا مالك ابن أنس جالس وسط القصر في حجره مصحف، عليه ثياب خضر، أشب ما كان وأحمله، فلما وقفت عليه سلمت فقلت: يا أبا عبد الله أليس قد مت؟ قال: بلى، قلت: فبم صرت إلى هذا؟ قال: بعفو الله عز وجل وتجاوزه وسعة رحمته، لا بعملي.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: أما شعبة بن الحجاج فهو أكثر رحلة من مالك في الحديث، وأكثر جولانا في طلب السنن وأكثر تفتيشا في الأقطار عن شمائل الأخبار.
ولقد حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: سمعت حوثرة بن محمد، يقول: سمعت حماد بن مسعدة، يقول: قلنا لابن عون: ما لك لا تحدث عن فلان وقد أدركته؟ قال: أمره أبو بسطام بتركه- يعني شعبة-.
حدثنا محمد بن المسيب، قال: حدثنا سهل بن صالح، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، قال: قال لي سفيان الثوري: يا شعبة أنت أمير المؤمنين في الحديث.
حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت الدارمي، يقول: سمعت النضر، يقول: كان سليمان بن المغيرة إذا ذكر شعبة قال: سيد المحدثين.
حدثنا ممد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن يحيي، قال: سمعت أبا قتيبة، يقول: قدمت الكوفة، فأتيت سفيان الثوري، فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أهل البصرة، فقال: ما فعل أستاذنا شعبة؟
[المجروحين: 1/ 45]
حدثنا محمد بن المنذر، قال: حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: قال لنا أيوب: الآن يقدم عليم رجل من أهل واسط يقال له: شعبة، هو فارس في الحديث، فإذا قدم فخذوا عنه.
قال حماد: فلما قدم شعبة أخذنا عنه.
حدثنا أحمد بين يحيي بن زهير بتستر، قال: حدثنا عيسى بن شاذان، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيي بن سعيد، قال: ما رأيت أزهد من شعبة، ولا أرحم بالمساكين من شعبة، ولقد جاءه سليمان بن المغيرة فدفع إليه حماره.
سمعت محمد بن عبدك بن المهدي، يقول: سمعت أحمد بن عبد الله الحداد، يقول: سمعت أبا الوليد الطيالسي، يقول: ما رأيت أحدا أسخى من شعبة، ولقد جاءه سليمان بن المغيرة، وكان ضعيف الحال فسأله، فقال: والله ما عندي إلا حمار لتأخذنه، فأخذه سليمان فباعه.
حدثنا محمد بن عمر بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: حدثنا حمزة بن زياد الطوسي، قال: سمعت شعبة وكان ألثغ، وكان قد يبس جلده على عظمه من العبادة، قال: والله لو حدثتكم عن ثقة ما حدثتكم عن ثلاثة.
حدثنا محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا ابن قهزد، قال: سمعت عبدان، يقول: سمعت أبي، يقول: قومنا حمار شعبة وسرجه ولجامه وثيابه سبعة عشر درهما أو ثمانية عشر درهما.
حدثني ابن زهير بتستر، قال: حدثنا عيسى بن شاذان، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: كان صبيان الحي وفقراء الحي يسمون شعبة بابا بابا من كثرة ما كان يعطيهم.
حدثنا ابن المسيب، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: حدثنا أبو زيد، قال: رأيت شعبة يصلى حتى ترم قدماه.
سمعت إبراهيم بن نصر العنبري، يقول: سمعت محمد بن علي ثنا
[المجروحين: 1/ 46]
الحسن بن شقيق، يقول: سمعت الحسن بن عيسى النيسابوري، يقول: قال عبد الله بن المبارك: كنت عند سفيان الثوري إذ جاءه موت شعبة، فقال سفيان: مات الحديث.
حدثنا ابن زهير، قال: حدثنا [عيسى بن] شاذان، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: وذكر سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، قال: لم يكن حماد يحسن الصنيع إليه، وذكر من حاجته، قال: أتى شعبة فلم يجد عنده شيئا، قال: خذ ذلك الجذع فأذهب فبعه.
حدثنا إبراهيم بن نصر، قال: حدثنا محمد بن علي، ثنا الحسن بن شيقي، قال: حدثنا عبدان بن عثمان، عن أبيه، قال: قومنا حمار شعبة وسرجه ولجامه ورداءه وإزاره سبعة عشر درهما أو ثمانية عشر درهما.
قال أبو حاتم: وأما سفيان الثوري فإن محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا، قال: حدثنا محمد بن الحسين الأعرابي، قال: سمعت عبيد الله بن عمر، يقول: كان يحيي بن سعيد لا يقدم على الثوري وشعبة يعني أحدا.
حدثنا عمر بن محمد الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: حدثنا أبو خلدة، فقال له رجل: كان ثقة، فقال: كان صدوقا، وكان خيارا، وكان مأمونا، الثقة سفيان وشعبة.
حدثني ابن زهير، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة، يقول: قلت ليحيي بن سعيد القطان: من أحفظ رأيت؟ قال: سفيان بن سعيد ثم شعبة ثم هشيم.
حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المدائني بالفسطاط، قال: حدثنا أحمد بن أبي عمران، قال: سمعت علي بن المديني، قال: سمعت يحيي بن سعيد القطان، يقول: ما رأيت أحدا أحفظ من سفيان الثوري، لو خالفه الناس جميعا لكان القول ما قال سفيان.
حدثنا محمد بن الليث الوراق، قال: حدثنا محمد بن مشكان، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: قال ابن المبارك: كنت أقعد إلى سفيان الثوري
[المجروحين: 1/ 47]
فيحدث، فأقول: ما بقى من علمه شيء إلا وقد سمعته، ثم أقعد عنده مجلسا آخر فيحدث، فأقول: ما سمعت من علمه شيئا.
حدثنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة، قال: حدثنا نوح بن حبيب، قال: سمعت عبد الرزاق، قول: سمعت الثوري، يقول: ما استودعت قلبي شيئا قط، فخانني.
حدثنا إسحاق بن أحمد القطان بتستر، قال: حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: الرجال ثلاثة ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه.
حدثني محمد بن المنذر، قال: حدثنا السري بن يحي، قال: سمعت قبيصة يقول: رأيت زائدة يعرض كتبه على سفيان الثوري، ثم التفت إلى رجل في المجلس، فقال: ما لك لا تعرض كتبك على الجهابذة كما نعرض؟
حدثنا عبد الكبير بن عمر الخطابي بالبصرة، قال: حدثنا أحمد بن سنان، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: لما حدثنا سفيان، عن حماد، عن عمرو بن عطية التيمي، عن سلمان، قال: إذا حككت جسدك... الحديث، قلت لسفيان: هذا عن ربعي، قل: امضه، قلت: حدثنا هشام الدستوائي، عن حماد، عن ربعي، قال هشام: قلت: نعم، قال: فأطرق هنيهة ثم قال: امضه، سمعت حماد يحدث عن عمرو بن عطية، عن سلمان، فإذا هو حماد عن ربعي عن سلمان، قال شعبة: قد قال حماد مرة: عن عمرو بن عطية عن سلمان، فعلمت أن سفيان كان إذا حفظ الشيء لم يبال من خالفه.
حدثنا عمر بن محمد الهمداني، قال: سمعت عمرو بن علي، يقول: سمعت سفيان بن زياد، يقول ليحيي بن سعيد في حديث أشعث بن أبي
[المجروحين: 1/ 48]
الشعثاء، عن زيد بن معاوية العبسي، عن علقمة، عن عبد الله (ختامه مسك) قال: يا أبا سعيد خالفه أربعة قال: من؟ قال: زائدة وأبو الأحوص وإسرائيل وشريك، قال يحيي: لو كانوا أربعة ألف مثل هؤلاء لكان سفيان أثبت منهم.
قال عمرو: سمعت سفيان بن زياد يسأل عبد الرحمن بن مهدي عن هذا، فقال عبد الرحمن: هؤلاء أربعة قد اجتمعوا، وسفيان أثبت منهم، والإنصاف لا بأس به.
حدثني محمد بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن أبي خيثمة، عن علي بن المديني، قال: قال يحيي بن سعيد: سفيان فوق مالك في كل شيء.
حدثنا إسحاق بن أحمد القطان بتستر، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، قال: حدثنا إبراهيم بن أعين، قال: رأيت سفيان الثوري في المنام ولحيته حمراء صفراء، فقلت: يا أبا عبد الله فديتك، ما صنع بك؟ قال: أنا مع السفرة، قلت: وما السفرة؟ قال: الكرام البررة.
قال أبو حاتم رحمه الله: ثم أخذ عن هؤلاء بعدهم الرسم في الحديث والتنقير عن الرجال والتفتيش عن الضعفاء والبحث عن أسباب النقل جماعة: منهم عبد الله بن المبارك ويحيي بن سعيد القطان ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن إدريس المطلبي الشافعي في جماعة معهم، إلا أن من أكثرهم تنقيرا عن شأن المحدثين وأتركهم للضعفاء والمتروكين حتى يجعله [جعلوا] لهذا [هذا] الشأن صناعة لهم لي يتعدوها إلى غيرها مع لزوم الدين والورع الشديد والتفقه في السنن رجلان: يحيي بن سعيد القطان، وعبد الرحم بن مهدي.
أخبرنا محمد بن أحمد المسندي [بهراة] قال: حدثنا محمد بن نصر الفراء، قال: سمعت علي بن المديني يقول: دخلت على امرأة عبد الرحمن بن مهدي، وكنت أزورها بعد موته: فرأيت سوادا في القبلة، فقلت: ما هذا؟ فقالت: هذا موضع استراحة عبد الرحمن، يصلي
[المجروحين: 1/ 49]
بالليل، فإذا غلب النوم وضع جبهته على هذا الموضع.
أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: سمعت محمد بن أبي صفوان الثقفي، يقول: سمعت علي بن عبد الله، يقول: والله لو أخذت فحلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر أحدا أحفظ من عبد الرحمن بن مهدي.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت زياد بن أيوب، يقول: ثمنا من مجلس هشيم، فأخذ أحمد بن حنبل ويحيي بن معين وأصحابنا بيد فتى فأدخلوه مسجدا، وكتبنا عنه، وإذا الفتى عبد الرحمن بن مهدي.
أخبرنا محمد بن المسيب، قال: حدثنا حفص بن عمرو الربالي، قال: سمعت أبا الوليد، يقول: ما رأيت أحد كان أعلم بالحديث ولا بالرجال من يحيي بن سعيد.
أخبرنا عبد الله بن قحطبة بفم الصلح، قال: سمعت عمرو بن علي، يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: ما رأيت شيخا ازكي من يحيي بن سعيد.
حدثنا مكحول، قال: سمعت جعفر بن أبان الحافظ، يقول: سألت أبا الوليد الطيالسي، عن خالد بن الحارث، ويحيي بن سعيد القطان، فقال: يحيي كان أكثر منه كثيرا، وأما خالد فكان ثقة، وكان صاحب كتاب، فقال له رجل كان عنده: ما كان بالبصرة بعد شعبة مثله، فقال: كان شعبة يحسن ما كان يحسن يحيي بن سعيد، فقلت: من أكبر عندك؟ فإن قوما يقدمون عبد الرحمن عليه، فقال: ما ينصفون، هو أكثر [أكبر] من عبد الرحمن.
أخبرنا عبد الله بن قحطبة، قال: سمعت العباس بن عبد العظيم العنبري، يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: لما قدم سفيان البصرة قال لي: يا عبد الرحمن جئني بإنسان أذاكره، فأتيته بحيي بن سعيد القطان فذاكره، فلما خرج قال لي: يا عبد الرحمن قلت لك: جئني بإنسان فجئتني بشيطان.
[المجروحين: 1/ 50]
أخبرني محمد بن الليث الوراق السرخسي، قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن خاقان، يقول: سمعت عمرو بن علي الفلاس، يقول: كان يحيي بن سعيد القطان يختم القرآن كل يوم وليلة، ويدعو لألف إنسان، ثم يخرج بعد العصر فيحدث الناس.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت احمد بن يوسف السلمي، قال: كنت أدخل على يحيي بن يحيي دهرا، أرى كتاب عنده فيه وسألته عن فلان، وسألته عن فلان، فكنت أهابه أن أسأله، فقلت يوما: يا أبا زكريا من هذا الذي تسأل عن المشايخ؟ قال: فتى بالبصرة يقال له: عبد الرحمن بن مهدي.
أخرنا عبد الملك بن محمد بن عدي، قال: حدثنا أحمد بن علي المحرمي، قال: حدثنا حسين بن الحسن المروزي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ذاكرني أبو عوانة بحديث، فقلت: ليس هذا من حديثك، فقال: لا تفعل يا أبا سعيد، هو عندي مكتوب، قلت: فهاته، قال: يا سلامة هاتي الدرج، ففتش لم يجد شيئا، فقال: من أين أتيت يا أبا سعيد؟ قال: هذا ذوكرت به وأنت شاب، فعلق بقلبك فظننت أنك قد سمعته.
أخبرنا محمد بن المسيب، قال: حدثنا سهل بن صالح، قال: سمعت يزيد بن هارون، يقول: وقعت بين أسدين: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيي بن سعيد القطان.
أخبرنا سعيد الملك بن محمد، قال: حدثنا عباس الدوري، قال: سمعت يحيي بن معين، يقول: قال يزيد ين هارون: عن رجل، قال يحيي فقلت عن دخيل، فقال: إنا لله وقعنا.
قال أبو حاتم: ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الحديث والاختبار وانتفاء الرجال في الآثار، حتى رحلوا في جمع السنن إلى الأمصار، وفتشوا المدن والأقطار، وأطلقوا على المتروكين حتى صاروا أعلاما يقتدى بهم في الآثار، وأئمة يسلك مسلكهم في الأخبار جماعة، منهم أحمد بن حنبل
[المجروحين: 1/ 51]
رضي الله عنه، ويحيي بن معين، وعلي ب المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وعبيد الله بن عمر القواريري، وزهير بن حرب أبو خيثمة في جماعة من أقرانهم [أضرابههم] إلا أن من أورعهم في الدين وأكثرهم تفتيشا على المتروكين وألزمهم لهذه الصناعة على دائم الأوقات، منهم كان أحمد بن حنبل ويحيي بن معين وعلي بن المديني رحمة الله عليهم أجمعين.
أخبرنا محمد زياد الزيادي، قال: سمعت العباس بن الوليد، يقول: سمعت القواريري، يقول: سمعت يحيي بن سعيد القطان، يقول- وقام من بين يديه أحمد بن حنبل ويحيي بن معين، فقال: يا عبيد الله ما رأيت مثل هذين قط.
سمعت على بن أحمد بن الجرجاني بحلب، يقول: سمعت حنبل بن إسحاق بن حنبل، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: أحفظنا للمطولات الشاذكوني، وأعرفنا بالرجال يحيي بن معين، وأعلمن بالعلل علي بن المديني، وكأنه أومأ إلى نفسه أنه أفقههم.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت أبا يحيي محمد بن عبد الرحيم، يقول: كان علي بن المديني إذا قدم بغداد جاء يحي وأحمد وخلف والمعيطي والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شيء تكلم فيه علي.
سمعت الحسن بن عثمان بن زياد، يقول: سمعت أبا زرعة، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: دار حديث الثقات على سنة، رجلان من البصرة، ورجلان من الكوفة، ورجلان من الحجاز، فأما الذي [اللذان] بالبصرة فقتادة ويحيي بن أبي كثير، وأما اللذان بالكوفة فأبو إسحاق والأعمش، وأما اللذان بالحجاز فالزهري وعمرو بن دينار.
ثم صار حديث هؤلاء إلى اثني عشر منهم بالبصرة سعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمر وهشام الاستوائي وجرير بن حازم وحماد بن سلمة،
[المجروحين: 1/ 52]
وبالكوفة سفيان الثور وابن عيينة وإسرائيل بن يونس، وبالحجاز ابن جريج ومالك ومحمد بن إسحاق.
قال أبو زرعة: وصار حديث هؤلاء إلى يحيي بن معين.
أخبرنا الضحاك بن هارون، قال: حدثنا أحمد بن محمد الأصفري، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: سمعت يحيي بن سعيد، يقول: تلوموني على حب علي بن المديني وأنا أتعلم منه.
أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري وقلت له: ما تشتهي؟ قال: أشتهي أن أقد العراق وعلي بن المديني حي فأجالسه.
سمعت محمد بن أحمد المسندي، يقول: سمعت محمد بن نصر الفراء، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: اتخذت أحمد بن حنبل إماما فيما بيني وبين الله عز وجل، ومن يقوى على ما يقوى أبو عبد الله؟
أخبرنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا احمد بن علي الأبار، قال: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: قال يحيي بن معين: كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور، فأخرجنا به خبزا نضيجا.
سمعت هارون بن عيسى ببلد، قال: سمعت عباس بن محمد، يقول: رأيت أحمد بن حنبل بين يدي يحيى بن معين جاثيا وهو يقول: يا أبا زكريا ما تقول في فلان؟
أبخرنا محمد بن جعفر الهمداني بصور، قال: حدثنا علي بن سعيد الأنصاري، قال: مات يحيي بن معين في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل على نعش رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم ينادون: معاشر الناس هذا ذاب الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا عاما.

أخبرنا إبراهيم بن عبد الواحد البغدادي، قال: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: سمعت حبيس بن مبشر، يقول: رأيت يحيي بن معين في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وزوجني ثلاث مائة
[المجروحين: 1/ 53]
حوراء، وعمل لي سماطا، وأقعدني بين الناس، وقال لي، يا يحيي تمن ما شئت، قال: قلت: فمن أوثق الناس؟ قال: شعبة وسفيان وزائدة، شيء عبد مرتين أو ثلاثا.
أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد المروزي بالبصرة، قال: حدثنا محمد بن الحسن السملي، قال: سمعت طالوت بن لقمان، يقول: سمعت أبا يحيي السمسار البغدادي، يقول: رأيت أحمد بن حنبل رحمه الله في المنام وعلى رأسه تاج مرصع بالجوهر، وإذا يخطر خطرة لي أعرفها له في دار الدنيا، فقلت له: يا أبا عبد الله ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدناني من نفسه، وتوجني بهذا التاج، وقال: هذا لك بقولك: القرآن كلام الله غير مخلوق، قلت: فما هذا الخطرة التي لم أعرفها لك في الدنيا؟ قال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
أخبرنا أحمد بن محمد الحسن البلخي بجرجان، قال: حدثنا العباس من محمد الخلال، قال: حدثنا إبراهيم بن شماس، قال: سمعت وكيع بن الجراح وحفص بن غياث يقولان: ما قدم الكوفة مثل ذلك الفتى، يعنيان أحمد بن حنبل.
أخبرن محمد بن الليث الوراق، قال: سمعت محمد بن مشكان، يقول: قال عبد الرزاق: ما قدم علي أحد كان يشبه أحمد بن حنبل رحمه الله.
قال أبو حاتم: ثم أخذ عن هؤلاء مسلك الانتقاد في الأخبار وانتقاء الرجال في الآثار جماعة، منهم بن يحيي الهذلي النيسابوري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وأبو زرعة عبيد لله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي، ومحمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، في جماعة من أقرأنهم، أمعنوا في الحفظ، وأكثروا في الكتابة، وأفرطوا في الرحلة، [و] واظبوا على السنن والمذاكرة، والتصنيف والمدارسة حتى أخذ عنهم من نشأ من بعدهم من شيوخنا هذا المذهب، وسلكوا هذا المسلك، حتى أن
[المجروحين: 1/ 54]
أحدهم لو سئل عند عدد الأحرف في السنن لكل سنة منها عدها عدا، ولو زيد فيها ألف أو واو لأخرجها طلوعا [طوعا] ولأظهرها ديانة، ولولاهم لدرست الآثار واضمحلت الأخبار، وعلا أهل الضلالة والهوى، وارتفع أهل البدع والعمى، فهم لأهل البدع قامعون بالسنن شأنهم جامعون [دامغون]، حتى إذا قال وكيع بن الجراح: حدثنا النضر عن عكرمة، ميزوا بين حديث النضر بن عدي الحراني وبين النضر بن عبد الرحمن الخزار، وأحدهما ضعيف والآخر ثقة، وقد رويا جميعا عن عكرمة، وروى وكيع عنهما، حتى إذا قال حفص بن غياث: حدثنا أشعث عن الحسن ميزوا حديث أشعث بن عبد الملك من أشعث بن سوار، وأحدهما ثقة والآخر ضعيف، وقد رويا جميعا عن الحسن، وروى عنهما حفص بن غياث، وحتى إذا قال عبد الرزاق: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع، وعبد الله بن عمر عن نافع ميزوا حديث هذا من حديث ذاك، لأن أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فإن أسقط من اسم عبيد الله ياء علموا أنه ليس من حديث عبد الله بن عمر، وإذا زيد في اسم عبد الله ياء قالوا: ليس هذا من حديث عبيد الله بن عمر، حتى خلصوا الصحيح من السقيم، وإذا قال ابن أبي عدي: حدثنا شعبة عن قتادة، وحدثنا سعيد عن قتادة، فإذا ألزق طرف الدال في بعض الكتب حتى يصير سعيد شعبة، خلصوا وقالوا: ليس هذا من حديث شعبة، إنما هو لسعيد، وإن أنفتح من الهاء فرجة حتى صار شعبة سعيدا ميزوا وقالوا: ليس هذا من حديث سعيد، هذا من حديث شعبة، وإذا كان للحديث عند ابن أبي عدي ويزيد بن زريع وغندر عن سيعد وشعبة جميعا عن قتادة، ميزوه، وحتى خلصوا ما عند يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة مما عند غندر عن شعبة عن قتادة، وفصلوا بين ما عند غندر عن شعبة عن قتادة، وبين ما عند يزيد بن زريع عن شعبة عن قتادة، لأن سعيدا اختلط في آخر عمره، فليس حديث المتأخرين عنه بمستقيم، وشعبة إمام متقن ما اختلط ولا تغير، وإذا قال عبيد الله بن موسى: حدثنا سفيان عن فراس، وحدثنا شيبان عن فراس،
[المجروحين: 1/ 55]
ميزوا بين ما انفرد الثوري عن فراس، وبين ما انفرد شيبان عن فراس، حتى إذا صغرت الفاء من سفيان في الكتابة وأشبهت شيبان، ميزوا وقالوا: هذا في حديث سفيان لا شيبان، وإذا عظمت الياء من شيبان حتى صار شبيها بسفيان، قالوا: هذا من حديث شيبان لا سفيان، وميزوا بين ما روى عبيد الله بين موسى عن شيبان عن جابر، وبين ما روت عن سفيان عن جابر في أشباه هذا مما يكثر ذكره، ومن كانت همته في هذا الشأن ومواظبته على هذه الصناعة بحسب ما ذكرت لم ينكر لواحد منهم أن يخرج الضعيف ويقدح في الواهي من الرواة والمحدثين، ومن لم يطلب العلم من مظانه، ولا دار في الحقيقة على أطرافه يعيبهم إذا قالوا: فلان ضعيف وفلان ليس بشيء لجهلهم بصناعة الأخبار، وقلة معرفتهم بالطرق للآثار، ولو أنهم وفقوا لإصابة الحق علموا أن السنة تصرح بإباحة ما ذهبوا إليه من الإطلاق على من صح عندهم الجرح والقدح.
ذكر الخبر الدال على صحة ما ذهبنا إليه
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري، قال: أخبرنا أحمد بن أبي بكر الزهري، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بين سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب بالشام، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: «ليس لك عليه نفقة» وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدى عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، فإذا حللت فائذنيني» قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد» فقالت: فكرهته، ثم قال: «انكحي أسامة بن زيد» فنكحته، فجعل الله فيه خيرا كثيرا، واغتبطت به.
[المجروحين: 1/ 56]
قال أبو حاتم: في هذا الخبر دليل على إجازة القدح في الضعفاء على سبيل الديانة لأن يتنكب عن الاحتجاج بأخبارهم على سبيل القدح فيهم من جنس الغيبة، ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أبي جهم أنه لا يضع عصاه عن عاتقه، وفي معاوية أنه صلعوك لا ما له عند مشورة استشير فيها، كان ذكر مثله مما كان في الإنسان مكنونا ما لو لم يبين ذلك أحل حراما أو حرم حلالا أجود، وإظهار مثله أولى، لا أنه يكون غيبة كم زعم من اقتنع بالرأي المنكوس والقياس المنحوس.
ذكر خبر يدل على صحته
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة بعسقلان، قال: حدثنا ابن أبي السري، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: حدثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عتبة، عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فذكر الخبر، وقال فيه: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: «يا بريرة هل رأيت شيئا يريبك من عائشة؟ » فقالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليه أمرا قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فيأتي الداجن فيأكله، ثم ذكر باقي الحديث.
[المجروحين: 1/ 57]
قال أبو حاتم: في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة وبريرة عما يعلمون من أهله بيان واضح أن لم يسألهم إلا وعليهم إخباره بما يعلمون منها، فكذلك كل من علم من راوي خبر لا يبلغ مقداره في الدين قدر عائشة، ولا محله من النبي صلى الله عليه وسلم محلها يهي الخبر به أو يبطل الخبر بذكره واجب عليه أن يخبر من لا يعلم ذلك، ولا يكتمه، لئلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وأي مرتبة من مراتب الدين أجل من نصرة الإسلام بذب الكذب عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ يا لها من مرتبة ما أجلها وحالة ما أشرفها، وإن جهلها الجاهلون). [المجروحين: 1/ 58]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ذكر, بعض

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir