دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ربيع الأول 1439هـ/16-12-2017م, 04:18 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي مراجعة تطبيقية لدورة المهارات المتقدّمة في التفسير- المرحلة الخامسة والأخيرة

مراجعة تطبيقية على دروس مهارات التفسير المتقدّمة.
- المرحلة الخامسة والأخيرة -




موضوع البحث:
تعيين المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75)} الواقعة.



المطلوب:

9: العرض النهائي لتحرير المسألة.



إرشادات:
- هذه هي المرحلة الأخيرة في تحرير المسألة، يجمع فيها الطالب ما أتمّه من خطوات سابقة، مراعيا حسن العرض والصياغة، وأن يكون أسلوبه حاضرا بداية من التقديم لمسألته مرورا بعرض مراحل التحرير وصولا إلى خلاصة ما توصّل إليه في بحثه، ثم يختم بذكر مصادره.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ

الصالحات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 جمادى الآخرة 1439هـ/7-03-2018م, 10:06 AM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى : {فلا أقسم بمواقع النّجوم{
أختلفأهل العلم في المراد بمواقع النجوم ،فذهبوا إلى قولين في المراد بالنجوم:
القول الأول : مواقع القرآن ،حيث كان القرآن ينزل مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.والشيء المفرق يسمى منجم .
روي هذا القول الفراء عن ابن مسعود وروي عن ابن عباس ،وعكرمة ومجاهد ومقاتل والسدي وأبي حزرة والكلبي.
روى الفراء عن المنهال بن عمرو مرفوعا إلى عبدالله قال : فيما أعلم شك الفراء،}, قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى اللهعليه نجوما.
قال ابن عبّاسٍ: نزل القرآن في ليلة القدر من السّماء العليا إلىالسّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذهالآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا
-التخريج
ا-ما قول ابن مسعود فرواه الفراء عن المنهال بن عمرو مرفوعا إلى عبدالله .
-إما قول ابن عباس رواه ابن جرير وعبدالرحمن الهمذاني والحاكم في مستدركه والنسائي في سننه عن طريق سعيد بن جبير عنه
-إما قول عكرمة فرواه ابن جرير من طريق يزيد عنه ومن طريق المعتمر عن أبيه ،عنه.
-اما قول مجاهد فرواه ابن جرير عن طريق الاعمش عنه
ورواه من طريق محمد بن سعد العوفي عن آبائه وهو اسناد ضعيف
-أما قول مقاتل قاله في تفسيره
- اما قول السدي فنسبه ابن كثير له ولم نقف عليه مسندا .
–اما قول أبي حزرة فنسبه ابن كثير له ولم نقف عليه مسندا .
-إما قول الكلبي فرواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ عن طريق معمر.
واختلفت أقوالهم بالمراد بالمواقع :
1-:منازل القرآن : وهو قول ابن عباس وعكرمة.
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير عن طريق سعيد بن جبير عنه
وأما قول عكرمة فرواه ابن جرير عن طريق عن يزيد عنه وهوطريق المعتمر عن ابيه عنه .
والروايات عن ابن عباس تحتمل:
- منازل القرآن في السماء الدنيا ،
- ويحتمل أماكن نزوله مفرق حسب الوقائع .
- ويحتمل أوقات نزوله ,مفرقا .
لأن لفظة مواقع إما أنها مصدر أو ظرف مكان أو ظرف زمان
2-: محكم القرآن : روي عن ابن مسعود ‘ ومجاهد
فقد روى الفراء عن ابن مسعود أنه قال: { فلا أقسم بموقع النجوم}, قال: بمحكم القرآن. وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ (مواقع بالإفراد) وهذه القراءة يتضح منها أن مراد ابن مسعود أن المواقع هي محكم القرآن الذي ترد له المتشابهات ، فالموقع قد يراد به أصل الشيء الذي يوقع فيه . والمحكم هو أصل الآيات التي نزلت منجمة مثل قوله تعالى :( فيه آيات محكمات هن أم الكتاب ) أي : أصله ومعظمه ويكون القول من باب إضافة البعض إلى الكل ،وهذا توجيه الشيخ عبدالعزيز المطيري حفظه الله
3-مستقر الكتاب أوله وآخره روي عن ابن عباس
رواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ عن آبائه وهذا السند ضعيف
وهذا القول وإن كان ضعيف فهو يرد لنفس المعنى الأول .فهو بمعنى الثبوت والقرار،أي مكان القرآن في السماء وبمعنى مكان استقرار نزله، كقوله تعالى : (والشمس تجري لمستقر لها )
وبمعنى زمان استقرار نزوله ،قال تعالى :(لكل نبأ مستقر )لكل خبر وقت يقع فيه . والله أعلم.
إذاً هذا القول ((نجومالقرآن )) مبناه على المعنى اللغوي النجوم :جمع نجم والنجم هو قسط الشيء من مال وغير كما يقال نجم الديات والغرامات.فكان القرآن ينزل نجوما مقطعة في مدة عشرين سنة ،وأيضا : الشيء المفرق يسمى نجماً، والقرآن نزل مفرقا.وينعضد بهذا القول مرجع الضمير في قوله تعالى :(إنه لقرآن كريم)قاله ابن عطية والألوسي والقسطلاني .
وكذلك أثر هذا القول عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وقول الصحابي حجة ،كذلك الأثر عن ابن عباس في نزول القرآن جملة إلى بيت العزة ثم نزل منجما ، له ألفاظ متقاربه ومخارج متعددة ، صححه ابن حجر في فتح الباري وغيره .وهذا إخبار بأمر غيبي ،فلا يمكن أن يكون هذا الأثر من قبله ،فالله أعلم أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً سياق الآية حيث ذكر الله أن هذا القسم عظيم .
قال في أضواء البيان :ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله أنسب لذلك من نجوم السماء ونجم الأرض . والعلم عند الله تعالى .
كل هذه الأسباب مما يقوى أن يكون المراد بمواقع النجوم مواقع القرآن.ورجح هذا القول ابن عطية واقتصر القرطبي على ذكره دون القول الثاني مما يدل على ترجيحه له ورجحه عطية سالم في أضواء البيان.
القول الثاني:مواقع النجوم في السماء
هذا القول مبناه على ماهو معهود من كلام العرب فمتى أطلقت النجوم فالمراد بها نجوم السماء.
قال ابن الجوزي :قاله الأكثرون
وقال ابن عطية : وقال جمهور كثير من المفسرين: النجوم هنا: الكواكب المعروفة
قال ابن كثير :وهو اختيار ابن جرير
واختلفوا بالمراد بمواقعها على أقوال:
1- منازل النجوم في السماء
روي عن قتادة،و عطاء
التخريج
-اما قول قتادة فرواه عبد الرزاق وابن جرير عن طريق معمر عنه
-نسبه ابن الجوزي والعيني لعطاء ولم نقف عليه مسندا.
قال قتادة : مواقعها هي مواضعها من السماء.
المراد بمنازلها أبراجها ومحالها وأفلاكها وخطوط سيرها في السماء ، فالوقوع يطلق على الحلول في المكان، والنزول ،أي:حلولها في أبراجها وانتظام سيرها في أفلاكها ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها ، فهي قريبة من قوله تعالى :( والسماء ذات البروج )
والقسم بحالها هذه، لما يدل عليه من عظيم قدرة الله وكمال حكمته وسعة علمه، وبديع تدبيره سبحانه وبحمده
2-مساقط النجوم ومطالعها
روي عن مجاهد وقتادة و أبو عبيدة في مجاز القرآن وقاله اليزيدي .
التخريج:
-اما قول مجاهد فرواه ابن جرير وعبدالرحمن الهمذاني عن طريق ابن أبي نجيح عنه
-وأما قول قتادة فرواه ابن جرير عن طريق سعيد عنه
أما قول اليزيدي فذكره في كتابه غريب القرآن
-اما قول أبي عبيدة فذكره في كتابه مجاز القرآن.
والمراد :أي مكان طلوعها ومغيبها في السماء ، فالموقع يطلق على السقوط ، والهوى قال تعالى:( والنجم إذا هوى )
وأيضا وقت سقوطها ومغيبها عندالغروب ،وهذه الأحوال تكون في الدنيا ، القسم بأحوالها عند سقوطها وعند غروبها مما يدل على وجود الصانع والمؤثر فيها ، وبيان كمال قدرته ،وحكمته وما فيها من العبرة.
قال الألوسي :وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها ، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير ، ولذا استدل الخليل عليه السلام بالأفول على وجود الصانع جل وعلا ، أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه تعالى وأوان نزول الرحمة والرضوان عليهم
3-مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت
ذكره ابن عطية في تفسيره من غير نسبة.
ومواقع هنا بمعنى السقوط ، وهي التي يرجم بها الشياطين عند استراقهم السمع .كما قال تعالى :(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) وقوله :( فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا )
4- انكدار و انتثار النّجوم عند قيام السّاعة
روي عن الحسن ،رواه ابن جرير عن طريق سعيد عن قتادة عنه.
والوقوع بمعنى السقوط، وهذه حاله من حالاتها يوم القيامة قال تعالى :(وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ)
قال الألوسي : والتخصيص( بانكدارها يوم القيامة ) لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث.
القول الثالث: الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا ، قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا.
نسبه ابن كثير إلى الضحاك ولم نقف له عليه مسندا
الأنواء نجوم خاصة فقد يكون المقصود مواقع هذه الأنواء أي مساقطها ومطالعها وقد يراد الأنواء نفسها فتكون هي مواقع القطر الذي ينزل منجما على الأرض.
.وقيل في توجيه هذا القول: لعله مأخوذ من بعض الآثار في سبب النزول ،فعن ابن عباس رضي الله عنهما -: قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النّجوم (75) وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ (76) إنّه لقرآنٌ كريمٌ (77) ...} [الواقعة: 75 -82] أخرجه مسلم.
عن عباس بن عبد العظيم عن النضر بن محمد.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا منزلا فأصابهم العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون: سقينا هذا المطر بنوء كذا)) فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء قال: فصلى ركعتين ودعا الله تبارك وتعالى فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملأوا الأسقية ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغترف بقدح له وهو يقول: سقينا بنوء كذا ولم يقل: هذا من رزق الله سبحانه فأنزل الله سبحانه {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}. فهذه الرويات في سبب نزول في قوله تعالى : (وتجعلون رزقكم أنكم كذبون).أدخل في الرواية الأولى (فلا أقسم بمواقع النجوم ....) والأخرى أقتصر على {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}.وقدنقل النووي عن ابن الصلاح : ليس مراده أن جميع هذا نزل في الأنواء ، وإنما النازل في ذلك قوله تعالى : {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}.والباقي نزل في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك، وذكر أن مما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس في ذلك الاقصار على هذا القدر اليسير فحسب .ذكر ذلك الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.
وبهذا يتبين أن سبب النزول لا يدل عليه فليس خاص به ، ولكن هذا القول مما يشمله معنى الآية .
وهذا القول بأن المراد من مواقع النجوم الكواكب المعروفه وهو قول أكثر المفسرين ذكر ذلك ابن الجوزي وابن عطية منهم ابن جرير وابن القيم .
الترجيح :
وبهذا يبين أن كلا القولين يحتملها اللفظ ،مما يدل على عظمة هذا القرآن واتساع معانيه، وإعجازه.
قال ابن عاشور:وذكر مواقع النجوم على كلا المعنيين تنويه بها وتعظيم لأمرها لدلالة أحوالها على دقائق حكمة الله تعالى في نظام سيرها وبدائع قدرته على تسخيرها.

والله أعلم

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 جمادى الآخرة 1439هـ/13-03-2018م, 06:32 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

المراد بالنجوم في قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم ) الواقعة : 75
اختلف المفسرون في المراد بها على قولين :
القول الأول : أن المراد بالنجوم نجوم السماء ، وهذا هو المتبادر إلى الذهن ولا يحتاج معه إلى تأويل .
قال ابن الجوزي قاله الأكثرون
قال ابن كثير :وهو اختيار ابن جرير
وقال ابن عطية أنه قول أكثر المفسرين
ويرجح هذا القول أيضًا أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى ﴿وَإدْبارَ النُّجُومِ﴾ وقوله ﴿والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ﴾
وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه أحدها أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات
وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه أحدها أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس.
ثم اختلفوا بعد ذلك في مواقعها على عدة أقوال، لإن لفظة الموقع تدل على عدة معانٍ فهي تصلح بأن تكون مصدرا فيراد به النزول أو ظرف زمان فيراد به أزمنة النزول أو ظرف مكان فيراد به أماكن النزول.

فأما القول الأول : 
فالمراد بها : مَطالِعُها ومَساقِطُها، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقتادة ، ونسبه السمعاني إلى ابن عباس ،وقاله البخاري والزجاج وأبو عبيدة ومكي بن أبي طالب والزمخشري وغيرهم .
التخريج :
فأماقول مجاهد فذكره ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح ،وذكره عنه الهمداني في تفسير مجاهد .
وأما قول قتادة فرواه ابن جرير من طريق بشر .
وعلق ابن جريرعلى هذا القول بقوله :

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء، وذلك أن المواقع جمع موقع، والموقع المفعل، من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
وقال ابن عاشور: 
وذلك لأن مَواقِعِ النُّجُومِ جَمْعُ مَوْقِعٍ و يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَكانَ الوُقُوعِ، أيْ: مَحالُّ وُقُوعِها مِن ثَوابِتَ وسَيّارَةٍ. ولأن الوقوع يُطْلَقُ عَلى السُّقُوطِ، أيِ الهَوى، فَمَواقِعُ النُّجُومِ مَواضِعُ غُرُوبِها فَيَكُونُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: 1] والقَسَمُ بِذَلِكَ مِمّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ [المعارج: 40] . وجَعَلَ مَواقِعِ النُّجُومِ بِهَذا المَعْنى مُقْسَمًا بِهِ لِأنَّ تِلْكَ المَساقِطَ في حالِ سُقُوطِ النُّجُومِ عِنْدَها تُذَكِّرُ بِالنِّظامِ البَدِيعِ المَجْعُولِ لِسَيْرِ الكَواكِبِ كُلَّ لَيْلَةٍ لا يَخْتَلُّ ولا يَتَخَلَّفُ، وتُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ الكَواكِبِ وبِتَداوُلِها خِلْفَةً بَعْدَ أُخْرى، وذَلِكَ أمْرٌ عَظِيمٌ يَحِقُّ القَسَمُ بِهِ الرّاجِعُ إلى القَسَمِ بِمُبْدِعِهِ.
وقيل : منازل النجوم ،قاله : عطاء وقتادة.
التخريج :
فأماقول قتادة فرواه ابن جرير وعبد الرزاق عن طريق معمر عنه
ونسبه ابن الجوزي لعطاء ولم أَجِد له سندا .
قال الألوسي:
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ أنَّها مَنازِلُها ومَجارِيها عَلى أنَّ الوُقُوعَ النُّزُولُ كَما يُقالُ: عَلى الخَبِيرِ سَقَطْتَ وهو شائِعٌ والتَّخْصِيصُ لِأنَّ لَهُ تَعالى في ذَلِكَ مِنَ الدَّلِيلِ عَلى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وكَمالِ حِكْمَتِهِ ما لا يُحِيطُ بِهِ نِطاقُ البَيانِ
ويُطْلَقُ الوُقُوعُ عَلى الحُلُولِ في المَكانِ، يُقالُ: وقَعَتِ الإبِلُ، إذا بَرَكَتْ، ووَقَعَتِ الغَنَمُ في مَرابِضِها، ومِنهُ جاءَ اسْمُ الواقِعَةِ لِلْحادِثَةِ كَما تَقَدَّمَ، فالمَواقِعُ مَحالُّ وُقُوعِها وخُطُوطُ سَيْرِها فَيَكُونُ قَرِيبًا مِن قَوْلِهِ ﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ [البروج: 1] .
وقال ابن عاشور :والمَواقِعُ هي: أفْلاكُ النُّجُومِ المَضْبُوطَةِ السَّيْرِ في أُفُقِ السَّماءِ، وكَذَلِكَ بُرُوجُها ومَنازِلُها.
وهذا القول مبناه على التفسير ببعض المعنى وهو : أن لفظ الوقوع يطلق على الحلول في المكان .
وقيل : هو انكدارها وانتثارها يوم القيامة ،وهذا قول الحسن 

التخريج :
رواه عنه ابن جرير من طريق بشر 
وهذا القول فسرت به الاية على بعض المعنى وهو السقوط لكن خصص ذلك بيوم القيامة ، وهو محمول على قوله تعالى : ( وإذا النجوم انكدرت ) .
وقيل : أنه انقضاضهاإثر العفاريت ،ذكره ابن عطية والثعالبي ولَم ينسباه.
حمل هذا القول على قوله تعالى :( إنَّا زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) الملك .
وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) الحجر. 
وذلك لأن من معاني الانقضاض السقوط ،فهو تفسير ببعض المعنى أيضا ، وهو من اجتهاد المفسر لأن المعنى يشمله ،لكن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل يقويه ويستند إليه ، ولَم أَجِد أحدا من المفسرين علق عليه ، ولَم يثبت إسناد هذا القول.


وقيل : أن المراد بها ( السماء) التي هي محل النجوم ،نسبه المارودي لابن جريج .

ويوجه هذا القول إلى قراءة ( مواقع) بالأفراد والله أعلم .

وقيل :أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ إذا مُطِرُوا قالُوا: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذاوكذا ،وهذا القول منسوب إلى الضحاك .
قال الألوسي:
وقِيلَ: مَواقِعُ النُّجُومِ هي الأنْواءُ الَّتِي يَزْعُمُ الجاهِلِيَّةُ أنَّهم يُمْطَرُونَ بِها، ولَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِن بَعْضِ الآثارِ الوارِدَةِ في سَبَبِ النُّزُولِ وهذاليس نَصًّا في إرادَةِ الأنْواءِ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ أنْ يُرادَ المَغارِبُ مُطْلَقًا.
وروى الواحدي في اسباب النزول من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)) فنزلت هذه الآيات: {فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ}حتى بلغ: {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ} رواه مسلم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حزرة قال: نزلت هذه الآيات في رجل من الأنصار في غزوة تبوك، نزلوا الحجر، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحلوا من مائها شيئا، ثم ارتحل ونزل منزلا آخر وليس معهم ماء، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فصلى ركعتين ثم دعا فأرسل الله سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها، فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه يتهم بالنفاق: ويحك أما ترى ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمطر الله علينا السماء، فقال: إنما مطرنا بنوء كذا وكذا). [لباب النقول: 252]
وقد يراد بهذا القول مساقط الأنواء ومطالعها، فإن الأنواء نجوم خاصّة، وقد يراد بالمواقع الأنواء نفسها، فتكون الأنواء مواقع القطر الذي ينزل منجّما على الأرض، أي أصله.

فهذا توجيهه من جهة اللغة كما ذكرت الاستاذة أمل حفظها الله .

أما مناسبة القول فهي كما روى الواحدي في أسباب النزول من طريق عكرمة عن ابن عباس قال :
مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)) فنزلت هذه الآيات: {فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ}حتى بلغ: {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ} رواه مسلم
فيكون مبنى القول على ما ورد في أسباب النزول في هذه الاية والله أعلم
.
القول الثاني:
أن المراد بها نجوم القران 
وقيل في ذلك عدة أقوال :
:
الأول : أنها منازل القرآن 
وهو : قول ابن عباس وعكرمة
التخريج :
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير 
وأما قول عكرمة فرواه ابن جرير عن طريق عن يزيد
ونسب السمعاني هذا القول إلى الحسن وقتادة
وقال : أنه قول جماعة كثيرة من التابعين .

قال الالوسي:
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ أنْ قالَ: ««أُنْزِلَ القُرْآنُ في لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ السَّماءِ العُلْيا إلى السَّماءِ الدُّنْيا جُمْلَةً واحِدَةً ثُمَّ فُرِّقَ في السِّنِينَ»» وفي لَفْظٍ ««ثُمَّ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ الدُّنْيا إلى الأرْضِ نُجُومًا ثُمَّ قَرَأ فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ»» وأُيِّدَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ﴾ يَعُودُ حِينَئِذٍ عَلى ما يُفْهَمُ مِن مَواقِعِ النُّجُومِ حَتّى يَكادَ يُعَدُّ كالمَذْكُورِ صَرِيحًا ولا يَحْتاجُ إلى أنْ يُقالَ يُفَسِّرُهُ السِّياقُ كَما في سائِرِ الأقْوالِ، ووَجْهُ التَّخْصِيصِ أظْهَرُ مِن أنْ يَخْفى، ولَعَلَّ الكَلامَ عَلَيْهِ مِن بابِ «وثَناياكَ إنَّها إغْرِيضٌ».


والثاني: أنها مواقع القرآن، رواه ابن جبير عن ابن عباس .

فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها "وإنه لقسم" الهاء كناية عن القسم . 
يمكن حمل هذا القول على ظاهره، وهو أن يراد به موقع القرآن في السماء الدنيا بعد نزوله إليها ليلة القدر، فيكون القسم هنا بمنازل القرآن



وقيل: أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ هو مُحْكَمُ القُرْآنِ، حَكاهُ الفَرّاءُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ونسب إلى مجاهد . 
أخرج الفِرْيابِيُّ، بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ المِنهالِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: «قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾
قالَ: بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، فَكانَ يَنْزِلُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ نُجُومًا.
وأما قول ابن مسعود: "بمحكم القرآن" فالظاهر أنه يقصد أن مواقع النجوم هي محكم القرآن لا أن النجوم هي محكم القرآن، وابن مسعود كان يقرأ بالإفراد "بموقع النجوم" ويفسّره بمحكم القرآن، والموقع قد يراد به أصل الشيء الذي يوقع فيه، فالظاهر أن محكم القرآن هو موقع الآيات التي نزلت منجّمة، أي هو أصلها، كقوله تعالى: {فيه آيات محكمات هنّ أم الكتاب} أي أصله ومعظمه، ويكون القول من باب إضافة البعض إلى الكل. هذا توجيه الشيخ عبد العزيز حفظه الله
.
وقيل :أنهامستقر الكتاب أوله وآخره ،قاله ابن عباس .
روى ذلك عنه ابن جرير من طريق محمد بن سعيد.
 ولعل المعنى هنا أن المراد بالمواقع مكان نزول القران في السماء الدنيا ليلة القدر ، أي مستقر نزوله فيها،والله أعلم .
ولَم أَجِد أحدا من المفسرين علق على هذا القول .

الترجيح : 
الراجح هو القول بأنها نجوم السماء ، وخصصت بِالقَسَمِ لِما في غُرُوبِها مِن زَوالِ أثَرِها، والدَّلالَةِ عَلى وُجُودِ مُؤَثِّرٍ دائِمٍ لا يَتَغَيَّرُ، ولِذا اسْتَدَلَّ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالأُفُولِ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ جَلَّ وعَلا، أوْ لِأنَّ ذَلِكَ وقْتُ قِيامِ المُتَهَجِّدِينَ والمُبْتَهِلِينَ إلَيْهِ تَعالى وأوانُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ عَلَيْهِمْ.
وقد رجح هذا القول جمهور المفسرين ورجحه ان جرير وابن القيم رحمها الله ، ويتبين لنا من جمع هذه الأقوال أنه لا تعارض بينها ويمكن الجمع بين القولين لكن يقدم القول الأول لما شهدت الآيات على صحته .
هذا والله تعالى أعلم بالصواب .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 جمادى الآخرة 1439هـ/14-03-2018م, 11:36 AM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي


قال تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم }

اختلف العلماء في تعيين المراد بمواقع النجوم على قولين :
-الأول :أن النجوم هى نجوم السماء أي الكواكب المعروفة وهو تفسير بظاهر النص بلا تأويل
واختلفوا في المراد بقوله {مواقع } على أقوال عدة :
-أن المراد بالمواقع : ،مطالعها ومساقطها في المغرب
قال به:مجاهد وقتادة والحسن واليزيدي في غريب القرآن وأبو عبيدة في مجاز القرآن والزجاج في معانى القرآن ومكى بن أبي طالب في العمدة في غريب القرآن والزمخشري
-فأما قول مجاهد :رواه بن جريرقال :حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّث نا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.

-قول قتادة رواه بن جرير:حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها
-قول الحسن: مغايبها ،أخرجه عبد بن حميد كماذكره السيوطي

-وقيل :منازل النجوم وخطوط سيرها في أفق السماء بانضباط ونظام بديع
قال به:قتادة وعطاء والزمخشرى قولا وذكره ابن عاشور من الأقوال
:-قول قتادة :رواه عبد الرزاق عن معمر عنه في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم قال منازل النجوم
ورواه بن جرير من طريق بن ثورأيضا
-قول عطاء :ذكره بن الجوزى والعيني في عمدة القاري ولم يسنداه


و قيل:أن مواقع النجوم ،السماء،ذكره الماوردي ونسبه إلى ابن جريج غير مسندا

-وقيل:انكدارها وانتثارها يوم القيامة
قال به :الحسن البصري، والثعلبي وقال صاحب الدر:سقوطها يوم تنكدر
قول الحسن :
رواه ابن جرير: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة.

-وقيل : هى الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا
ذكره الماوردى وابن كثير عن الضحاك قولا ولم يسنداه
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما -: قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النّجوم (ذكره بن الجزري في شرح الغريب}

-وقيل مواقعها:الانقضاض إثر العفاريت ،ذكره ابن عطية قولا وأبو حيان في البحر المحيط ولم ينسباه

القول الثانى :أن المراد بالنجوم ،نجوم القرآن إذ نزل منجما على السنين مأخوذ من معنى نجم الشىء أي :قسطه
فقيل المراد به:منازل القرآن {أنزل القرآن على الرسول منجما نجوما متفرقة}
قال به:ابن عباس وعكرمة وابن أبي زمنين في التفسير
قول ابن عباس رواه النسائي قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعودٍ، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبي عوانة، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/287]
ورواه بن جرير من طريق هشيم عن حصين عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قول عكرمة

رواه ابن جرير قال:حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرمة: إنّ القرآن نزل جميعًا، فوضع بمواقع النّجوم، فجعل جبريل يأتي بالسّورة، وإنّما نزل جميعًا في ليلة القدر.
ورواه الهمذ
انى من طريق شريك أيضا ورواه الحاكم من طريق عمرو بن عون الواسطي

وقيل :هو محكم القرآن
قال به :ابن مسعود ومجاهد
قال الفرّاء حدّثنا فضيل بن عياضٍ عن منصورٍ عن المنهال بن عمرٍو قال قرأ عبد اللّه فلا أقسم بمواقع النّجوم قال بمحكم القرآن
قول مجاهد رواه بن جرير: حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال
حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: هو محكم القرآن

:

وقيل:مستقر الكتاب أوله وآخره
قال به:ابن عباس
رواه ابن جرير قال: حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ}. قال: مستقرّ الكتاب أوّله وآخره

دراسة الأقوال مع الترجيح:
كما سبق ذكرنا اختلاف العلماء في تعيين المراد بمواقع النجوم على قولين: :
-الأول :أن النجوم هى نجوم السماء أي الكواكب المعروفة وهو تفسير بظاهر النص وهو المتبادر إلى الذهن بلا تأويل
-الثاني:أن المراد بالنجوم نجوم القرآن إذ قد نزل منجما من السماء الدنيا وهو مأخوذ من معنى النجم القسط من الشىء
وبكل قول منهما قال السلف رحمهم الله وكثير من المفسرين ومنهم من جمع بينهما وجعل الآية تحتمل كلا المعنيين

القول الأول :أن المراد بالنجوم ،نجوم السماء ،اختلف في المراد بالمواقع على أقوال:
-فقيل المراد :المساقط (المغارب) والمطالع فإن للنجوم السيارة مطالع تشرق منها ومغارب تغيب فيها

فيكون معنى الآية فلا أقسم بمطالع النجوم ومغايبها كما في قوله تعالى {فلا أقسم برب المشارق والمغارب}،وقد خص القسم بهذا من أجل مافي مغيب النجوم وطلوعها بعد مغيبها من آية على وحدانية الله وعظمته وحكمته الباهرة وكمال قدرته لما في غروبها من زوالِ أثرِها والدلالةِ على وجودِ مؤثرٍ دائمٍ لا يتغيرُ أو لأن ذلكَ وقتُ قيامِ المتهجدينَ والمبتهلينَ إليه تعالى وأوانُ نزولِ الرحمةِ والرضوانِ عليهم
ومحمل هذا القول تفسير المواقع بالمساقط :محمل لغوى مشتق من الوقوع أي السقوط يقال
مواقع القطر أي مساقطه ،والمراد بسقوطها غيابها حيث تغيب
وقيل: المواقع هي المنازل التى تكون فيها النجوم الثوابت وتنزل فيها
فيكون الوقوع بمعنى النزول والحلول كقوله تعالى {والسماء ذات البروج}أي المنازل العالية فالمنازل هى محال النجوم ،كما يقال على الخبير وقعت ويقال وقعت الإبل أي حلت في المكان

وهذا القول قريب مما قبله فهو قسم بمنازل النجوم ومساقطها ومطالعها في السماء وكلها من الآيات الدالة على كمال العظمة والقدرة وهو من تفسير الشىء بمعناه الظاهر

وقيل :المراد بالمواقع انكدارها وانتثارها يوم القيامة،قاله الحسن
وهذا القول مأخوذ من حمل معنى المواقع على : الوقوع أى السقوط أيضا لا الحلول والنزول وأن هذا من الإشتراك اللفظي،وقد فسر الوقوع هنا بوقوع مخصوص يوم القيامة وهذا القول محتمل لكن يحتاج إلى دليل مخصوص لهذه الآية الكريمة وأما من جهة العموم فقد أشارت النصوص بذلك كقوله تعالى {وإذا النجوم انكدرت} وقوله تعالى {وإذا الكواكب انتثرت} مما يكون يوم القيامة
قال ابن عطية: ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث،
وهذا مناسب لسياق ما جاء في السورة قبله في إثبات البعث وكمال القدرة الإلهية التى يجادل فيها المشركون
فيقسم بقدرته على البعث التى يدل عليها انتثار النجوم يوم القيامة على صدق القرآن الذي فيه ذكر البعث والحث على الإيمان به

وقيل :مواقع النجوم ،انقضاضها إثر العفاريت ،ذكره ابن عطية وأبو حيان ولم ينسباه
وهذا القول مبناه على تفسير المواقع بالسقوط نفسه والمواقع مصدر ميمى للوقوع ، فالوقوع يطلق على السقوط كما يطلق على المحل أيضاكما قال ابن عاشور ومواقع النجوم أى سقوطها وانقضاضها إثر محاولة استراق الشياطين السمع من الملأ الأعلى وقد كان الأمر كذلك أي كان منهم من يمكن من الاستراق قبل البعثة فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منع الاستراق تماما وحرست السماء بالحرس الشديد والشهب حفظا للوحى لئلا يختلط بكلام الشياطين والقسم بهذا فيه الدلالة على عظمة شأن القرآن حيث تغيرت من أجله بعض الأمور في الملأ الأعلى من حراسة السماء وارسال الشهب خلف الشياطين وهذا كان معلوما لديهم ومشاهد إذ كانوا يرون الشهب تتساقط من السماء ،وهذا معلوم من القرآن كما فى قوله تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}{ وحفظا من كل شيطان مارد }{إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب}
فإن من وظائف النجوم زينة السماء الدنيا وحفظا من كل شيطان مارد وأيضا علامات يهتدى بها في البر والبحركما روى عن قتادة في صحيح البخاري
والتفسير على هذا المعنى محتمل

وقيل:هى الأنواء التى كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا القول نسبه ابن عطية وابن كثير إلى الضحاك من غير إسناد
والأنواء: نجوم خاصة معروفة عند العرب ؛فقد يراد بالمواقع مساقط الأنواء ومطالعها
وقد يراد بالمواقع :الأنواء نفسها حيث تكون الأنواء هى مواقع القطر الذي ينزل منجما على الأرض أي أصله
وقال القرطبي :فعلى هذا القول يكون القسم منفيا {فلا أقسم}على حقيقته
ومحمل هذا القول إن كان سبب النزول: الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس-: قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النجوم}
وقد ذكره البغوي والقرطبي ولم يتعقباه ،وتعقبه بن عاشور فقال :
في حديث زيد بن خالد :{صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية ....} الحديث وليس فيه زيادة{فنزلت هذه الآية} ولو كان كذلك لذكره الصحابي ،وأما حديث ابن عباس فإنه لم يكن في سن أهل الرواية في مدة نزول هذه السورة بمكة فلعل قوله{ فنزلت} تأويل منه؛ لأنه أراد أن الناس مُطروا في مكة في صدر الإسلام فقال المؤمنون قولاً وقال المشركون قولاً فنزلت آية: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنديدًا على المشركين منهم بعقيدة من العقائد التي أنكرها اللَّه عليهم وأن ما وقع في الحديبية مطر آخر لأن السورة نزلت قبل الهجرة ولم يروا أن هذه الآية أُلحقت بالسورة بعد نزول السورة
ولعل الراوي عنه لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله: (فنزلت) بأن يكون ابن عبَّاسٍ قال: فتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أو نحو تلك العبارة. أما الطبري وابن عطية وابن كثير فلم يذكروا حديث ابن عبَّاسٍ سببًا لنزولها.
وعلى هذا فلو كان محمل هذا القول هو سبب النزول فلايصح والله أعلم وإن كان المراد بالقسم الأنواء التي كان يستسقي بها المشركون إذ الأنواء معروفة عند العرب فيلزم من ذلك أن يكون القسم منفيا كما ذكره القرطبي ،وهذا ليس بصحيح على الأرجح إذ عامة السلف والمفسرون على أن لا صلة للتأكيد على القسم بمواقع النجوم ويؤيده قوله بعده {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}فقد صرح بأنه قسم صريح
و أقول :لعل هذا المعنى الذي نسب للضحاك من كون النجوم هي الأنواء بمعنى مواقع القطر التى تسببت عن الأنواء فلايلزم من ذلك نفي القسم إذ نزول المطر وسقوطه من فعل الرب سبحانه الذي لايقدر عليه غيره وهو من فضله ورزقه كما جاء في حديث زيد بن خالد السابق والأنواء سبب مخلوق يدل على كمال قدرة الله تعالى وعظمته فلايمتنع هذا التفسير من هذا الوجه،والله أعلم

وقيل :مواقع النجوم ،السماء التى هي محل النجوم
وقال بهذا القول ابن جريج أخرجه عبد بن حميد عنه كماذكره السيوطي
وقد يحمل هذا القول على قراءة مواقع بالإفراد أي {فلا أقسم بموقع النجوم}أي السماء فيكون القسم بالسماء كقوله تعالى {والسماء ذات البروج} والله أعلم
ولكن الأولى حمل معنى النص على ظاهره وأن القسم بالنجوم قد تكرر في القرآن كما تكرر القسم بالسماء صراحة كما في قوله {والسماء والطارق }ويلاحظ بالاستقراء أن النجوم كلما ذكرت في القرآن أريد بها النجوم التى هي الكواكب وأن النجم يطلق أيضا على معنى السماء {أضواء البيان}وهو مماتعرفه العرب ولكن بالإفراد لا بالجمع
وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:
أَقُولُ وَالنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ أَوَاخِرُهُ ... إِلَى الْمَغِيبِ تَثَبَّتْ نَظْرَةً حَارِ
فَقَوْلُهُ: وَالنَّجْمِ: يَعْنِي الثُّرَيَّا.
وربما يكون مراد من فسرمواقع النجوم من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل فالنجوم ومواقعها جزء من السماء التى تشتمل على أفلاك وأجرام عظيمة غير النجوم
وخلاصة هذا القول أن المراد بمواقع النجوم منازلها التي تسير فيها أومساقطها عند الغروب أو سقوطها يوم القيامة أو إثر العفاريت أو الأنتواء كله من مظاهر عظيم قدرة الله تعالى في كونه

وأما القول الثانى :وهو أن المراد بالنجوم ،نجوم القرآن فقيل في المراد بمواقعها:

قيل منازل القرآن إذ نزل منجما على السنين على نحو عشرين سنة
قال به:ابن عباس وعكرمة وابن أبي زمنين في التفسير
قال الزجاج:ودليل هذا القول قوله بعده {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ،إنه لقرآن كريم}
وقال عطية سالم في أضواء البيان: كَوْنَ الْمُقْسَمِ بِهِ الْمُعَبَّرِ بِالنُّجُومِ هُوَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ - أَنْسَبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [56 \ 76] ، لَأَنَّ هَذَا التَّعْظِيمَ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَقْسَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ أَنْسَبُ لِذَلِكَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ وَنَجْمِ الْأَرْضِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وقد احتج من عارض هذا القول وهو أن الضمير في قوله {وإنه لقسم }يرجع إلى نجوم القرآن بأن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكره لشهرته ووضوح المعنى كقوله تعالى {حتى توارت بالحجاب} وقوله {كل من عليها فان} ذكره ابن عطية

وقيل :هو محكم القرآن ،قال به ابن مسعود كما حكى الفراء لكنه شك ،ومجاهد
قال محمد بن الهادي السندي: قوله: (بمواقع النجوم بمحكم القرآن) مبني على تشبيه معاني القرآن بالنجوم الساطعة، والأنوار اللامعة، ومحل تلك المعاني هي محكم القرآن، فصار مواقع النجوم
وهذا التأويل مبناه على التشبيه والمجاز لا حقيقة المعنى والأولى والصواب حمل معانى القرآن على الحقيقة لا المجاز
والمحكم عند السلف هو ضد المتشابه والمنسوخ فقد يراد به هذا المعنى،لكن يشكل هذا التخصيص بإخراج المتشابه والمنسوخ من نجوم القرآن،وربما يكون من قال به تأول قوله تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولانبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله مايلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}فيصير الإحكام بهذا المعنى والله أعلم
وقد يراد به الإحكام العام الذي وصف به كل القرآن كما قال تعالى {الر كتاب أحكمت آياته }فيكون قوله محكم القرآن أي القرآن المحكم
وقد وجه شيخنا الفاضل الشيخ عبد العزيز الداخل هذا القول بأن المحكم هو ضد المتشابه وأن الموقع قد يراد به أصل الشيىء الذي يوقع فيه ؛فالظاهر أن محكم القرآن هو موقع الآيات التى نزلت منجمة أى هو أصلها كقوله تعالى {منه آيات محكمات هن أم الكتاب}أي أصله ومعظمه فيكون القول من باب إضافة البعض إلى الكل

وقيل:مستقر الكتاب أوله وآخره وهو قول ابن عباس
وهذا القول مبنى على معرفة المراد بمستقر الكتاب وهو ما انتهى إليه الأمر فقد يرجع إلى القول السابق وهو محكم القرآن وقد يراد بقوله :أوله وآخره أى أول التنجيم وهو نزوله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وآخر التنجيم وهو نزوله مفصلا على نجوم
وهذا القول ربما يفسره قول مقاتل في تفسيره : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } يعني بمساقط النجوم من القرآن كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء السابعة إلى السماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في قوله {بأيدي سفرة كرام بررة} فعلى هذا يكون أوله هو نزوله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم نزوله من السماء الدنيا إلى السفرة يكتبون ما ينزل منه على مدار السنة وذلك في ليلة القدر والله أعلم

الترجيح:
يتبين مماسبق أن كلا القولين محتمل وله توجيهه المعتبر من جهة اللغة ومن جهة المعنى ولكل قول أدلته ومما يلفت النظر أن السلف رحمهم الله قد قال بعض منهم بكلا القولين وليس هذا من قبيل التعارض بل من دقيق الفهم ودقة التأمل ،فنجد أن مجاهد قال بأن مواقع النجوم مطالعها ومساقطها تارة وبأنه محكم القرآن تارة والمتأمل لهذا يخرج بنتيجة وهي:
-أن القول بأن مواقع النجوم مساقطها أو انتثارها يوم القيامة أو منازلها في السماء هو مايدل عليه ظاهر النص وتؤيده النصوص القرآنية الأخرى في أكثر من موضع في القرآن كما سبقت الإشارة لذلك وأنه مناسب لقوله تعالى {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}فإنه حقا قسم عظيم فإن أحوال السماء ومافيها من أجرام وكواكب ثوابت وسيارة ومشارقها ومغاربها وأبراجها من الأمور العجيبة الباهرة التى تدل على كمال العظمة والحكمة والقدرة والرحمة مما يعجز عنه الوصف وما تبين لنا أقل بكثير مما خفي علينا والله أعلم بخلقه وهذا القول هو اختيار عامة السلف وجمهور المفسرين واختاره ابن جرير وابن عاشور وانتصر له ابن القيم في التبيان

-وأن القول بأن مواقع النجوم أوقات نزول نجوم القرآن إذ نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما وهذا القول محتمل من جهة اللغة إذ النجوم من الألفاظ المشتركة لها عدة معان وكلها صحيحة في اللغة ولا تخالف نصا ويدل لها قول ابن عباس وقول مجاهد وكذا قول ابن مسعود وهم من أكابر أهل العلم والفهم كما اختار هذا القول البخاري وغيره واختاره عطية سالم في أضواء البيان واحتج له

فالصواب والله أعلم أنه عند تفسير هذه الآية يقدم ذكر المعنى الأول وهو منازل النجوم أو مساقطها ونحو ماذكر فيها ولايغفل القول الثانى بل يشار إليه ولا يخطأ أو يستبعد خاصة أنه قول معتبر عند السلف والله أعلم بمراده
ونختم بما أورده بن القيم من المناسبة بين القسم بمواقع النجوم وصدق القرآن الكريم:
-أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين
-مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن
-والنجوم آياته المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية
-مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28 جمادى الآخرة 1439هـ/15-03-2018م, 08:04 PM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

اختلف العلماء في تعيين في المراد بمواقع النجوم وقيل فيها :
أولاً: نجومالقرآن ، فالمراد به على أقوال :
1/قيل محكم القرآن، قاله عبدالله بنمسعود ومجاهد
_قال الفراء : حدثني الفضيل بن عياض, عن منصور, عن المنهالبن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم شك الفراء قال: { فلا أقسم بموقع النجوم}, قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه نجوما).، وهذا القول شك بهالفراء فيما رواه .
_وروى ابن جرير الطبري : حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّقال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، {فلا أقسم بمواقعالنّجوم}. قال: هو محكم القرآن._وكما ذكر في صحيح البخاري قوله : بمحكم القرآن،ويقال: بمسقط النّجوم إذا سقطن، ومواقع وموقعٌ واحدٌ ").
وعند السلف رضوان اللهعليهم ،أن المحكم ما ظهر معناه وانكشف كشفا يزيل الإشكال ويرفع الاحتمال وهو موجودفي كلام الله تعالى ويقابله المتشابه . لكن محكم القرآن بصفة عامة يراد به،الإحكام العام لوصف كتاب الله ، فهو محكم القرآن وآياته ومعجزاته ، قال تعالى :( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) ، فكما النجم نهتدي به من ظلمات البحر والبحر ، فكذلكالقرآن هداية للبشر من الظلمات إلى النور وهو أبلغ تشبيه. والله أعلم .
2/وقيل منازل القرآن،، إذ أنزل منجماً على رسول الله سنيناً . قاله ابن عباس ، وعكرمة
_قول ابن عباس
روى ان جرير :حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا حصينٌ، عنحكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل القرآن في ليلة القدر منالسّماء العليا إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا .
قول عكرمة
وروى ابنجرير : حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عنعكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: أنزل اللّه القرآن نجومًا ثلاثآياتٍ وأربع آياتٍ وخمس آياتٍ.
قال الزجاج : وقيل إن مواقع النجوم يعنى به نجومالقرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , ودليل هذا القول : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}).فمعنى ذلكمواقعها هو نزولها ، ونجوماً هو نزولها متفرقة شيئاً بعد شيء في سنين ، فالقرآنأنزل جملة واحدة في السماء ، ثم أنزل متفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم .
فمعنى ذلكمواقعها هو نزولها ، ونجوماً هو نزولها متفرقة شيئاً بعد شيء في سنين ، فالقرآنأنزل جملة واحدة في السماء ، ثم أنزل متفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم3/وقيل مستقر الكتاب أوله وآخره). قاله ابن عباس
روى بن جريرقال حدثني محمد بن سعد قال :ثنى أبي قال : ثنى عمي قال :ثني أبي ,عن أبيه , عن ابن عباس رضيالله عنهما {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: مستقر الكتاب أوله وآخره) .
فكما أنزلالقرآن منجماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا مبتداه ومنتهاه ، فنزولهعلى مراحل من اللوح المحفوظ للسماء الدنيا ثم نزوله متفرقاً على رسول الله صلى اللهعليه وسلم .
قال السدي : وقِيلَ المُرادُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ نُزُولُ القُرْآنِنُجُومًا مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ .
فكما في الأثر عن ابن عباس نزوله منجماًعلى على رسول الله ،فهو من الاخبار مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثانياً: وقيل الكواكب. ومنها نجوم السماء، مما أجمع عليه جمهورالمفسرين لكن الاختلاف في مواقعها على أقوال :
1/مواقعها و مساقطها , ومغايبها .
قاله مجاهد ، وقتادة ، والحسن , وأبو عبيدة في مجاز القرآن
_روى ابنجرير الطبري : حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى،وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عنمجاهدٍ، قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.
_وروى ابنجرير الطبري : حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها.
_قول الحسن : ذكره السيوطي ,بقوله أخرجه عبد بن حمد .
هذه الأحوال تكون في الدنيا ،. منغروبها ، وسقوطها ، ومواقعها ، فهذا دليل عظمة خالقهاوقدرته وبديع صنعه .
قال ابنتيمية : أن الرب تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها إذ فيها وفي أحوالهاالثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) وقال ( والنجم إذا هوى ) وقال ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ,قال الزجاج :ومواقعالنجوم مساقطها، كما قال عزّ وجلّ : {فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب} .
فمعنى ذلكسقوط النجوم سواء في المشارق أو المغارب ، فهو محل الوقوع لخط سيرها ، ومكان مغيبهابعلم الله سبحانه .
2/وقيل منازل النجوم , وانتظام سيرها في الآفاق .
قاله قتادة ، وعطاء بن رباح ,وذكره ابن عاشور قولاً
-رواهعبدالرازق : عن معمر عن قتادة في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم قال منازل النجوم،كذلك قاله عطاء .
_أما قول عطاء ,ذكره ابن الجوزي لكن لم يسنده .
وقال ابن عاشور : والمواقع هي : أفلاك النجوم المضبوطة السير فيأفق السماء ، وكذلك بروجها ومنازلها ،فيقصد بالمنازل هي أماكنها في بروجها ، فهيكسابقتها مواقعها ومحل خط سيرها بمنظومة عالية ،تدل على قدرة الخالق ، وحال غروبهاوزوال أثرها.
3/وقيل انكدارها وانتثارها يوم القيامة.قاله الحسن .
رواه ابنجرير : حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلاأقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
هذا القولهو التفسير باللازم ، وهو دليل على أهوال يوم القيامة من انكدار النجوم لقوله (وإذاالنجوم انكدرت ) . وهو اثبات وقوع يوم القيامة ومافيها من أهوال ورد على الكفارلإنكارهم البعث .
قال ابن عطية : ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة ، والتخصيصلما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل ، وتحقق ما ينكره الكفار من البعث .


4/وقيل هيالأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ مُطِرْنا بِنَوْءِكَذا ,ذكره ابن كثير والماوردي قولاً عنالضحاك .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾يَعْنِي بِذَلِكَ: الْأَنْوَاءَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَامُطِروا، قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا.ولحديث ابن عباس : عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال للناس : ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: اللهورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنابفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذاوكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب) رواه مسلم
وبهذا يتبين أن سبب النزول ليس خاص به , لكن يؤخذ منه مما يشمله معنى الآية , فما نسب للضحاك بقوله كون النجوم هي الأنواء , فذلك لايلزم نفي القسم , لأنه قسم صريح بقوله ( وإنه لقسم لوتعلمون عظيم ) , والأنواء من مخلوقات الله ,ونزول المطر بأمر الخالق وتقديره ,فالتفسير من هذا الجانب لايمنع ذلك . والله أعلم
قال ابن الأثير : المراد بالنوء فيحديث الباب النجم ، وسمي نوءاً ،لأنه إذا سقط الساقط منها في المغرب ناء الطالعبالمشرق ، ينوء نوءاً ، أي :نهض وطلع ،وقيل : سقط وغاب . فالعرب في الجاهليةيعتقدون بالنجوم إذا سقط منها نجم طلع بدله نجم ، فينزل المطر ، فينسبونه للإنواء ،ويقولون مطرنا بنوء كذا .
5/وقِيلَ: مَواقِعُها عِنْدَ الِانْقِضاضِ إثْرَالعَفارِيتِ، ذكره ابن عطية وفخر الدين الرازي قولاً في تفسيرهما ولم ينسباه .
فدلالة هذا القول,قوله تعالى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} (سورة الصافات:6-10], وقال تعالى :( قال تعالى :(وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَوَجَعَلْنَٰهَا رُجُومًا لِّلشَّيَٰطِينِ ) ,فمن وظائف النجوم زينة للسماء , وعلامات يهتدى بها في البحر والبر , وحفظاً من الشياطين .
قال الرازي : مَواقِعُها في اتِّباعِ الشَّياطِينِ عِنْدَ المُزاحَمَةِ.فمن وظائف النجوم رجومللشياطين ، ولكل من يسترق السمع منهم ، فهي من اعجاز الله وحفظه لكتابه من الاستراق .
وقال ابن عاشور : أي لا يتركهم الرمي بالشهب منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوببل تدحرهم قبل وصولهم فلا يتلقفون من عِلم ما يجري في الملأ الأعلى الأشياء مخطوفةغير متبينة ، وذلك أبعد لهم من أن يسمعوا لأنهم لا ينتهون فلا يسمعون .
فالراجحأن المراد بمواقع النجوم ،عند أكثر المفسرين على قولين :
1/نجوم السماء وهي الكواكب المعروفة ، وجريانهاومنازلها ، ومطالعها ، فهي إعجاز من الخالق ، لكل مستقر ومستودع فسبحان الله أحسنالخالقين .
2/نجوم القرآن ,نزوله منجماً من السماء الدنيا .
قال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقعالمفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك،ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
و قال ابن القيم : لأن النجوم حيث وقعت فيالقرآن فالمراد بها الكواكب .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 5 شعبان 1439هـ/20-04-2018م, 02:59 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم المرحلة الخامسة والأخيرة من المراجعة التطبيقية على
دورة مهارات التفسير المتقدّمة




نحمد الله على إتمام هذا التطبيق، ونسأل الله أن ينفعكم بهذه الدورة القيّمة وتطبيقاتها، وأن ينفع بكم الأمة.
وأرجو أن تكون محصّلة تقويمات المراحل السابقة كافية في تصوّر العرض النهائي للتطبيق وتقييم جودته.



1: مضاوي الهطلاني أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- القول بأن النجوم نجوم القرآن هو اختيار الشنقيطي نفسه رحمه الله.
- فرّقي بين من قال المواقع المساقط، وبين من قال المساقط والمطالع، أو اذكري نصّ القول أثناء التخريج ليفهم ما قاله كل واحد منهم.

2: فاطمة الزهراء أحمد ب+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- فرّقي بين من قال المواقع المساقط، وبين من قال المساقط والمطالع، أو اذكري نصّ القول أثناء التخريج ليفهم ما قاله كل واحد منهم.
- اتّفقنا سابقا أننا لا نحتاج إلى المصادر الناقلة في التخريج طالما أمكن التخريج من المصادر الأصلية، إلا إذا كان لذكرها فائدة تتعلّق بالرواية، أما أن يكون الأمر مجرّد إشارة إلى أنهم ذكروا القول فهذا لا يفيد، فإذا تمّ تخريج القول من المصادر الأصلية فلا حاجة أن أقول: وذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير و... وغيرهم من أصحاب التفاسير الناقلة.
وراجعي ما قلناه سابقا في كيفية ذكر السند، لأنك تقتصرين على راو واحد فقط.
- لم توجّهي القول بأن النجوم يراد بها آيات القرآن التي نزلت مفرّقة، وهو أن من إطلاقات النجم في اللغة القسط من الشيء.
- لم أفهم الفرق بين القولين "منازل القرآن" و"مواقع القرآن"، والظاهر أن لا فرق بينهما، ولا أذكر أنك أشرتِ إلى هذا القول في المراحل السابقة.

3: أمل يوسف أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- اتّفقنا سابقا أننا لا نحتاج إلى المصادر الناقلة في التخريج طالما أمكن التخريج من المصادر الأصلية، إلا إذا كان لذكرها فائدة تتعلّق بالرواية، أما أن يكون الأمر مجرّد إشارة إلى أنهم ذكروا القول فهذا لا يفيد، فإذا تمّ تخريج القول من المصادر الأصلية فلا حاجة أن أقول: وذكره الماوردي وابن عطية وابن كثير و... وغيرهم من أصحاب التفاسير الناقلة.
- قول عطاء بن أبي رباح لم يرد في أي من الكتب المسندة، فلا نجزم بأنه قاله، بل نقول: نسبه فلان وفلان إلى عطاء.
- القول بأن النجوم نجوم القرآن هو اختيار الشنقيطي نفسه رحمه الله.

4: بدرية صالح ج
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- راجعي توجيه قول "محكم القرآن" في تقويم المراحل السابقة، ويلاحظ أن كلامك على القول بأن النجوم نجوم القرآن مختصر، فلم تذكري حجّة هذا القول ولا من رجّحه.
وكلامك في التوجيه اللغوي ضعيف في جميع الأقوال، وأحيلك على التطبيقات الجيدة للفائدة.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ

الصالحات

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 7 شعبان 1439هـ/22-04-2018م, 10:52 AM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

يقول الله تعالى في سورة الواقعة (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ )
ما عظّم الله قسماً في كتابه مثل ما عظم هذا القسم حيث أخبر أنه عظيم ، لذا يجب على تالي القرآن أن يتدبر آياته ويتأمل في معانيه ليزداد بصيرة في كتاب ربه فيورث علما وعملاً وخشية ويقيناً فتحصل له النجاة بإذن الله ويفوز برضى ربه وجنته ، ولعظم معاني كتاب الله وسعة دلالته سيكون بحثنا بإذن الله تعالى:
في المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى (فلا أقسم بمواقع النجوم ).
فنقول مستعينين بالله مستمدين منه العون والتوفيق ،لما في لفظة النجوم من شمول وسعة معاني واحتمال من جهة اللغة ،اختلفت أقوال أهل العلم في المراد بمواقع النجوم على قولين
القول الأول : من تأول أن المراد بالنجوم نجوم السماء ،وهو المعهود من كلام العرب وأخذاً بظاهر النص بلا تأويل، وهواختيار عامة السلف وجمهور المفسرين،ورجحه ابن جرير،وانتصر له ابن القيم في التبيان .
القول الثاني :من تأول أن المراد بالنجوم ، نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء، كماروه ابن جرير عن عن ابن عبّاس ، ودل عليه قول مجاهد ، وبن مسعود ، واختاره البخاري وغيره ،وقال به الزجاج مستدلاً بقوله تعالى (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم*إنه لقرآن عظيم ) واختاره صاحب البيان واحتج له ، ولأنه أيضاً محتمل من جهة اللغة لأن لفظة النجوم من الألفاظ المشتركة التي لها معان صحيحة متعددة في اللغة ولا تخالف نصا.
ومن هذين القولين تفرعت أقوال قال بهما عدد من السلف والمفسرين ولكل واحد منهما دليله،فمنه ما يشهد له المعنى ومنه ما يحتمله اللفظ ، وهذا من دلالة بلاغة القرآن وإعجازه حيث احتمل اللفظ عدة معاني متنوعة .
🔹من تأول أن المراد بالنجوم نجوم السماء تعددت أقوالهم فيه ....
فمنهم من قال أن المراد بمواقع النجوم مساقط النجوم ومغاربها حيث تغيب ، قال به مجاهد، وقتادة، والحسن، وقال به أبو عبيدة في مجاز القرآن، والزجاج في معاني القرآن، والمكي في العمدة وغيرهم .
فأما قول مجاهد ، فرواه ابن جرير من طريق
ابن أبي نجيح قال "قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطه" وأما قول قتادة فرواه عبد الرزاق من طريق معمر، وبن جرير من طريق سعيد،) قال " فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها "
وقال الحسن "مغايبها" ذكره السيوطي عن عبد بن حميد ،
وهذا القول هو الذي رجحه ابن جرير وذكر أنه أولى الأقوال بالصّواب ، وذكر البغوي أنه قول أكثر المفسرين .
وقيل : منازل النجوم ، قال به قتادة ،رواه عنه عبد الرزاق ، وبن جرير من طريق معمر ، وأما عطا ذكره عنه بن الجوزي ،والعيني في عمدة القاري ولم يسنداه ،
ولعل هذا القول يدخل بالقول السابق وذلك لمناسبته للسياق ودلالة النص ،وما يؤيده من النصوص الأخرى ، قال أبو السعود : ﴿بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ أيْ: بِمَساقِطِها وهي مَغارِبُها وتَخْصِيصُها بِالقَسَمِ لِما في غُرُوبِها مِن زَوالِ أثَرِها، والدَّلالَةِ عَلى وُجُودِ مُؤَثِّرٍ دائِمٍ لا يَتَغَيَّرُ أوْ لِأنَّ ذَلِكَ وقْتُ قِيامِ المُتَهَجِّدِينَ والمُبْتَهِلِينَ إلَيْهِ تَعالى وأوانُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ عَلَيْهِمْ)
وقيل : انكدارها وانتثارها يوم القيامة، رواه ابن جرير عن قتادة قال: قال الحسن : انكدارها يوم القيامة، وقال به الثعلبي وقال صاحب الدر : سقوطها يوم تنكدر .
وهو من باب الإشتراك اللفظي حيث فسر الوقوع بوقوع مخصوص يوم القيامة ، كما قال تعالى :( وإذا النجوم انكدرت) وذلك لما في ذلك اليوم 
من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث ،وقد يفهم من دلالة الآيات وسياقها، حيث أظهرت عظيم فضله وقدرته على البعث التي يكذب بها المشركون بالقسم على صدق القرآن .
وقيل : مواقع النجوم ،انقضاضها أثر الشياطين
ذكره ابن عطية وأبو حيان ولم يسنداه، والانقضاض هو السقوط بهوى وسرعة، وهذا مما يشمله المعنى وإن لم يؤثر عن السلف، روى البخارى عن ابو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا قَضَى اللَّهُ فِي السَّمَاءِ أَمْرًا ضَرَبَتِ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٍ عَلَى صَفْوَانَ ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ ، وَهُمْ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ الآخَرِ ، وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِأَصَابِعِهِ ، وَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ فَيُحْرِقُهُ ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ ، حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي أَسْفَلَ مِنْهُ وَيَرْمِيَهَا الآخَرُ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ، فَيَلْقِيَهَا عَلَى فَمِ السَّاحِرِ ، أَوِ الْكَاهِنِ فَيَكْذِبُ عَلَيْهَا مَا يُرِيدُ ، فَيُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ ، فَيَقُولُونَ : قَدْ أَخْبَرَنَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا ، فَيُصَدَّقُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ "
قال قتادة رحمه الله تعالى " خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا ؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ : أَخْطَأَ ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ " .
]وقيل : الأنواء التي كان أهل الجاهلية يعتقدون أنهم يمطرون بها .
هذا القول نسبه بن عطية وبن كثير إلى الضحاك، ولم أعثر على اسنادا له، ولعل ماورد له من سبب نزول وتوجيه من اللغة يعضده ،حيث أن الأنواء قد يراد مساقط الأنواء نفسها حيث أنها موقع القطر الذي ينزل منجما إلى الأرض، أو مساقط الأنواء ومطالعها، ومما ورد من سبب للنزول ما أخرجه مسلم عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر))قالوا: هذه رحمة وضعها الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات }فلا أقسم بمواقع النجوم} حتى بلغ: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون )
قال القرطبي : فعلى هذا القول يكون القسم منفياً (فلا أقسم ) على حقيقته .
🔹ومن تأول أن المراد بالنجوم ، نجوم القرآن قال في المراد بالمواقع أنه منازل القرآن حيث نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً على مدى عشرين سنة ، وهومأخوذ من معنى النجم وهو القسط من الشىء،قال به ابن عباس رضي الله عنهما في عدة رويات مؤداها واحد وهو القسم بمنازل القرآن، فالفظة المواقع تحتمل معنى النزول وأماكن النزول وأزمنة النزول سواء في السماء أو في الألاض،وقال به عكرمة ومجاهد وابن أبي زمنين ومقاتل والسدي والكلبي واختاره البخاري .
قول ابن عباس رواه النسائي في السنن الكبرى عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين، فذلك قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}
ورواه ابن جرير من طريق هشيم عن حصين ،وأما عكرمة فرواه ابن جرير من طريق ابن عبد الأعلى قال :إنّ القرآن نزل جميعًا، فوضع بمواقع النّجوم، فجعل جبريل يأتي بالسّورة، وإنّما نزل جميعًا في ليلة القدر ورواه الحاكم من طريق عمرو بن عون .
وأمامقاتل فقد قال به في تفسيره ،وقول الكلبي رواه عبدالرزاق من طريق معمر
، ورجح الشنقيطي هذا القول وقال أنه هو الأقرب للصواب وذلك لأمرين ، أحدهما أن من عادة القرآن أن يقسم على صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صدق القرآن العظيم في آيات كثيرة كقوله تعالى : { يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ العزيز الرحيم } وقوله تعالى : { حم والكتاب المبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }وأن خير مايفسر به القرآن هو القرآن ، وهذه هي عادة الشيخ رحمه الله تعالى .
الثاني: كون المقسم به عبر عنه بالنجوم ،هو القرآن العظيم مناسب لما بعده { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } فلما كان التعظيم من الله دل على أنه في غاية العظمة، وذكر أنه أنسب للقسم من نجوم السماء ونجم الأرض لأنه كلام الله .
وقيل المراد به محكم القرآن قال به ابن مسعود ومجاهد وذكره البخاري في صحيحه ، قال الفراء في معاني القرآن حدثني الفضيل بن عياض, عن منصور, عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم شك الفراء قال: { فلا أقسم بموقع النجوم}, قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه نجوما ) وقال القَسْطَلاَّنيُّ {بمواقع النجوم}) أي (بمحكم القرآن) ويؤيده وإنه لقسم وإنه لقرآن كريم. ولعل في معرفة القراءة التي كان يقرأ بها ابن مسعود يزيل اللبس ويبين وجه هذا القول، وهو أن المراد بمحكم القرآن هو موقع النجوم على قراءته بالأفراد، والمحكم ضد المتشابه منه ، والموقع أصل الشيء الذي يوقع فيه والذي يظهر والله أعلم أن محكم القرآن هو موقع الآيات التي نزلت منجمة وأصلها، كقوله (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب ) من باب إضافة البعض إلى الكل ،كما ذكر الشيخ حفظه الله تعالى
فيكون القسم بالقرآن المحكم الذي لا يعتريه شك ولا ريب ، وأما قول مجاهد فقد رواه ابن جرير من طريق الأعمش .

القول الثالث : : مستقر الكتاب أوله وآخره .
المستقر هو في اللغة :اسم مكان من استقر ،وهو القرار والثبوت وبلوغ الغاية والنهاية، وهذا القول قال ابن عباس ، ورواه ابن جرير عن محمد بن سعيد عن أبيه، وقد علمنا أن لفظة المواقع تحتمل عدة معاني منها مكان النزول وزمنه ومعناه ،فلعل هذا القول يندرج ضمن القول الأول بمنازل القرآن ، فيكون المراد بهذا القول بيان علو هذا الكتاب ومكانته أوله وآخره حيث كان في اللوح المحفوظ ثم أنزل إلى السماء الدنيا ثم فرق على السنين والحوادث كما ورد في حديث ابن عباس الذي رواه ابن جرير .
خلاصة المسألة :
بعد ذكر ماسبق يتبين أن كلا القولين محتمل وله توجيهه المعتبر من جهة اللغة والمعنى ، فمن تأول النجوم بنجوم السماء فقد أخذ بظاهر النص والمتبادر إلى الذهن بلا تأويل كما ذكر ابن القيم"أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب" وهوحقاً قسم عظيم لما في أحوال السماء وما فيها من كواكب وأجرام ما يدل على عظمة خالقها، وبديع صنعه عز وجل وكمال قدرته ، ومن تأول النجوم بنجوم القرآن إذ نزل منجماً على السنين مأخوذاً من نجم الشىء أي قسطه ،ولكل قول دليله وما كان السلف رحمهم ليأتوا بقول إلا وله حظه من النظر والفهم ، مما يجعل طالب العلم أمثالنا يبذل جل طاقته وكل ما في وسعه للنظر في سيرهم ودراسة أقوالهم ومحاولة التأسي بهم ، وكذلك تأصيل العلم في لغة القرآن لأنها مفتاح لتدبر كتاب الله ومعرفة دلالته، كما تبين لنا بقول من فسر مواقع النجوم بنزول القرآن منجما لحتماله للغة ولأنه من الألفاظ المشتركة التي تحمل عدة معاني صحيحة ،، وهذا كله يدل على سعة وتنوع معاني القرآن وعظيم دلالته مما يجعل المتأمل لمعانيه المتدبر لآياته يزداد إيمانه ويعظم يقينه .
المصادر :
استفدت عند بحث هذه المسألة من كتب التفسير المسندة تفسير عبد الرزاق، وبن جرير،
ومن كتب التفسير في دوواين السنة، وجوامع الأحاديث :
ماجمع في جمهرة العلوم ، كاكتاب صحيح البخاري، وفتح الباري، وعمدة القارئ للعييني، وإرشاد الساري للقسطلاني، وحاشية السندي على البخاري، والسنن الكبرى للنسائي .
ومن الكتب التي ورد فيها أسباب النزول ،كتاب اسباب النزول للواحدي، ولباب النقول للسيوطي،
ومن كتب معاني القرآن وغريبه: معاني القرآن للفراء، ،ومعاني القرآن للزجاج،والعمدة في غريب القرآن للمكي ،ومن الكتب التي تعتني بنقل أقوال السلف: الكشف والبيان للثعلبي، والهداية إلى بلوغ النهاية للمكي، والنكت والعيون للمارودوي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير للجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير ابن كثير .
ومن كتب التي تعتني بالمسائل اللغوية : البحر المحيط لأبي حيان، وتفسير ابن القيم ،والألوسي ،والتحرير والتنوير لأبن عاشور .


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 14 شعبان 1439هـ/29-04-2018م, 12:21 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

المرحلة الخامسة

اختلف المفسرون في المراد بمواقع النجوم على قولين :
القول الأول : أن المراد نجوم القرآن ، إذا أنه نزل منجما على مدار ثلاثة وعشرين عاما .
القول الثاني : أن المراد نجوم السماء ، وهي الكواكب المعروفة .
وسوف نتاول هذين القولين بالتفصيل الآتي :
1-أن المراد نجوم القرآن : اختلف أصحاب هذا القول في معنى (المواقع) على قولين :
الأول : أن المراد بها نزوله، فيكون القسم على نزول القرآن مفرّقا ، أو أزمان نزوله أو أماكن نزوله.
وهو قول ابن عباس وعكرمة
وهذا القول مبني على تأول بعض المفسرين النجوم أنها جمع نجم وهو القِسط من الشيء من مال وغيره ، فجعلوا المعنى : الطوائف من الآيات التي تنزل من القرآن ، فهذا تفسير ببعض المعنى .
الثاني : أن يكون القسم على منازله في السماء في اللوح المحفوظ وفي البيت المعمور في السماء الدنيا.
وقد ثبت عن ابن عباس وغيره أن الله سبحانه أنزل القرآن من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث في أمته
فيحمل قول ابن عباس على ظاهره ، وهو أن يراد بالمواقع معنى النزول وأماكن النزول وأزمنة النزول سواء في الدنيا أو في الأرض .
2- هي محكم القرآن
هو قول ابن مسعود ومجاهد وذكره البخاري في صحيحه
وهذا القول مبني على أن الضمير في قوله (إنه لقرآن كريم) بعدها يرجع إلى مواقع النجوم ، وقد رد بعضهم القول بأن الضمير يعود على القرآن ، وإن لم يتقدم ذكره لشهرة الأمر ووضوح المعنى ، كما في قوله تعالى : (كل من عليها فان) ..
والظاهر من قول ابن مسعود رضي الله عنه أن مواقع النجوم هي محكم القرآن لا أن النجوم هي محكم القرآن ، بدليل قراءته (مواقع) بالإفراد .

توجيه الشيخ عبد العزيز الداخل -حفظه الله - : والمحكم عند السلف ضد المتشابه ، وقد يراد به أصل الشيء ، فالظاهر أن محكم القرآن هو موقع الآيات التي هو أصلها ، كقوله تعالى : (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب) فيكون المراد القسم بأصل القرآن .

القول الثاني : أن المراد بالنجوم هي نجوم السماء والكواكب المعروفة ، ثم اختلف من قال بذلك في موقعها على أقوال :
1- هي منازل النجوم
وهو قول قتادة وعطاء .
التوجيه : هذا القول مبني على أن مواقع جمع موقع ويطلق على أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء ، فيكون المعنى منازلها وبروجها ، ويكون معنى الوقوع النزول .

2- مساقطها ومطالعها
وهو قول مجاهد وقتادة والحسن والزجاج في معاني القرآن .
التوجيه : هذا القول مبني على أن الموقع يطلق ويراد به الحلول في المكان ، فيكون المعنى محال وقوعها وطلوعها وخطوط سيرها .
ويكون معنى الآية فلا أقسم بمطالع النجوم ومساقطها ، كما قال تعالى : (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) .

3- مساقطها حيث تغيب
وهو قول الفراء عن ابن مسعود وأبي عبيدة وقتادة وذكر البخاري في صحيحه .
التوجيه : هذا القول مبني على أن المواقع جمع موقع وهو مفعِل من وقع يقع موقعا ، ويطلق على مكان الوقوع أي السقوط فيكون مواقع النجوم أي مواضع غروبها .
وقد رجح الطبري هذا القول ، وقال إن الأغلب في معانيها هذا المعنى .

4- انكدارها وانتثارها يوم القيامة
وهو قول الحسن
التوجيه : هذا القول مأخوذ من حمل معنى المواقع على الوقوع والسقوط ، وليس الحلول والنزول ، ويكون ذلك من علامات يوم القيامة ، كما جاء في قوله تعالى : (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) فهو تفسير ببعض لازم المعنى للتنبيه على أن ذلك يكون يوم القيامة .

5- الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا أمطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا
وهذا القول نسبه الماوردي للضحاك .
التوجيه: هذا القول مبني على أن (فلا أقسم) ‏ مستعملاً على حقيقته في نفي القسم بها‏.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس : ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)).رواه البخاري

6- مواقعها عند الانقضاض على العفاريت
وهو قول ذكره ابن عطية في تفسيره دون نسبة لأحد .
ويكون الوقوع هنا بمعنى السقوط نفسه ، وليس محل السقوط ،
التوجيه : ويؤيد هذا القول قوله تعالى في سورة الصافات : (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد )
فهو تفسير ببعض لازم المعنى ، للتنبه على دخول هذا المعنى في تفسير الآية ، فإن الانقضاض على العفاريت وظيفة من وظائف النجوم ، وليس هي كل الوظائف .

الدراسة والترجيح :
يتبين مما سبق أن أكثر المفسرين -كما قال ابن عطية - على أن المراد بالنجوم هي نجوم السماء وكواكبها ، وأن مواقع النجوم أي مساقطها ومغاربها ومنازلها في السماء ، وانتثارها يوم القيامة ، وكذا انقضاضها على العفاريت ، ويؤيد ذلك النصوص القرآنية الكثيرة .
وقد رجح ابن جرير هذا القول فقال : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء ، وذلك أن المواقع جمع موقع من مفعل ، والأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك ، ولذا قلنا : هو أولى معانيه به .
ورجح القول الأول الشنقيطي في أضواء البيان ، فقال : قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر الأقوال عندي وأقربها للصواب في نظري، أن المراد بالنجم إذا هوى في سورة النجم ، وبمواقع النجوم في الواقعة هو نجوم القرآن التي نزل بها الملك نجماً فنجماً، وذلك لأمرين أحدهما أن هذا الذي أقسم الله عليه بالنجم إذا هوى الذي هو أن النبي صلى الله عليه وسلم على حق وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى موافق في المعنى لما أقسم عليه بمواقع النجوم، وهو قوله
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ}
فالراجح : أن لفظ النجوم من الألفاظ العامّة التي لها أفراد متنوّعة، فصحّ حمل لفظ المواقع على جميع ما ذكر، والجمع بين القولين إذا لا منافاة بين المعنيين ، وفي هذا دلالة سعة معاني القرآن ودلالته على المعاني الكثيرة العظيمة بألفاظ وجيزة.
هذا والله أعلم .

المراجع
تفسير عبدالرزاق الصنعاني
تفسير ابن جرير
تفسير الزجاج
تفسير الماوردي
تفسير البغوي
تفسير ابن عطية
تفسير القرطبي
تفسير ابن كثير
تفسير الألوسي
تفسير ابن عاشور
تفسير السعدي
تفسير الوسيط لطنطاوي

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 شعبان 1439هـ/6-05-2018م, 09:43 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

هناء هلال محمد د
بارك الله فيك ونفع بك.
- بداية الكلام أن نقول: اختلف المفسّرون في المراد بمواقع النجوم لاختلافهم في المراد بالنجوم فذكروا فيها قولين .... إلخ.
- يلاحظ عدم تخريجك للأقوال، والمطلوب في هذه المرحلة عرض التحرير كاملا، وما سبق من المرحل إنما هي تدريب.
- هذه المسألة فيها توجيهان، الأول توجيه معنى النجم، والثاني توجيه معنى المواقع، فلا تخلطي بين المسألتينن، وانتبهي أن المراد بالتوجيه هنا التوجيه اللغوي للقول.
- القول بأن النجوم نجوم القرآن هو قول ابن مسعود وابن عباس، واختلافهما إنما هو في المواقع.
- توجيهات القول الثاني (نجوم السماء) تحتاج منك مراجعة، والموقع على هذا القول إما مصدرا أو ظرف زمان أو ظرف مكان، وعلى المصدر لها توجيهان اثنان فقط إما أن يكون الوقوع بمعنى الحلول في المكان أو يكون بمعنى السقوط وهو الانتقال من علوّ إلى سفل، وتجب العناية بالتوجيه وتوثيق الأقوال فيه بذكر من نقلتِ توجيههم.
- راجعي ما قلناه سابقا في توجيه القول المنسوب للضحاك أن مواقع النجوم هي الأنواء، وقد نبّهنا أن توجيه القول بالاستناد إلى سبب النزول لا يصحّ، لكنه له مستند لغويّ كما بيّنا سابقا.
- تكرّرت عبارة "تفسير المعنى ببعض اللازم" وليس فيما ذكرت لوازم، إنما التفسيرات المذكورة هي من قبيل التفسير بالمثال لمواقع النجوم، ولهذا صحّ الجمع بينها.
- كلامك في الترجيح مختصر جدا، فيجب أولا مناقشة القولين في المراد بالنجوم والترجيح بينهما أو الجمع إن أمكن، ثم بعد ذلك مناقشة الأقوال في المواقع والترجيح بينها أيضا أو الجمع، وأرجو مراجعة التطبيقات الجيّدة للفائدة، وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 شعبان 1439هـ/14-05-2018م, 11:41 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

منيرة محمد أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
والملاحظ على التطبيق اختصار توجيه الأقوال في معنى المواقع على القول الأول، وهو مهمّ جدا، وإن كنت تشيرين له ضمنا أثناء الكلام، لكن الواجب إبراز الكلام في التوجيه وتوثيق أقوال المفسّرين فيه.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 12:14 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

موضوع البحث:
تعيين المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75)} الواقعة.
اختلف أهل العلم في المراد بمواقع النجوم على قولين :
القول الأول :نجوم القرآن
هذا القول قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وعكرمة، والسدي ، ورجحه أبو حيان .
فقول ابن عباس رواه ابن جرير والنسائي والحاكم في مستدركه على شرط الشيخين ، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس .
وقد صحح الحاكم هذا الحديث ، لكن ذكر الهيثمي في الزوائد أن الحديث فيه حكيم بن جبير وهو متروك ، فقال عنه الدارقطني أنه متروك ، وقال عنه يعقوب بن شيبة : ضعيف الحديث .
وأما قول ابن مسعود :
فرواه الفرياني بسند صحيح من طريق فضيل ابن عبّاس عن منصور عن المنهال بن عمرو.
والمنهال قال عنه قال الدارقطني : صدوق ، وقال ابن حزم : ليس بالقوي.
وأما قول عكرمة :
فرواه ابن جرير من طريق يزيد ، عن عكرمة، لم أجد فيه في صحته شيء .
وأما قول مجاهد :فرواه ابن جرير من طريق الأعمش عن مجاهد ،ولم أجد ما يثبت صحة نسبته لمجاهد .
وأما قول السدي : ذكره ابن جرير بدون اسناد ، ولم نجد له أصلا .
وهذا القول مبني على اطلاقات اللغة ، فمن اطلاقات النجم في اللغة على الطائفة والقسم .
قال الزجاج : وقيل إن مواقع النجوم يعنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , ودليل هذا القول : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}).
قال ابن الجوزي : فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها.
قال ابن منظور في لسان العرب : تنجيم الدين : هو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مساناة ، ومنه تنجيم المكاتب ونجوم الكتابة.

القول الثاني : نجوم السماء
فهذا القول على النجم بالمعنى الحقيقي لها ،إن اعتبر أل للعهد الذهني في كلمة ( النجوم ).
فاختلفوا فيه على أقوال :
1)منازلها
وهذا القول قاله قتادة وعطاء والبغوي والزمخشري
فقول قتادة رواه ابن جريروعبد الرزاق من طريق معمر عن قتادة .
ومعمر ضعيف ، قال عنه الدارقطني في العلل : (معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش).
وأما قول عطاء فرواه البغوي .
ولم أجد ما يثبت نسبة القول لعطاء .
وهو قول مبني على معناه الحقيقي من جهة أنها نجوم السماء ، وعلى اطلاقات المواقع في اللغة ، فتطلق في اللغة على الحلول في الأماكن .
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير : يطلق الوقوع على الحلول في المكان ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها ، ومنه جاء اسم الواقعة للحادثة كما تقدم ، فالمواقع محال وقوعها وخطوط سيرها فيكون قريبا من قوله والسماء ذات البروج .
2) انكدارها وتناثرها
وهذا قول الحسن وذكره قتادة .
قول قتادة:
رواه ابن جرير من طريق سعيد ، عن قتادة.
وهذا القول مبني على تفسيرالقرآن بالقرآن ، فلقد جاء في القرآن حال من أحوال النجوم ، فقال تعالى : ( وإذا النجوم انكدرت )
وهو محمول على اطلاقات المواقع في اللغة ، فيطلق في اللغة على السقوط .
قال منظور في لسان العرب : وقع : وقع على الشيء ومنه يقع وقعا ووقوعا : سقط
3) مساقطها ومغيبها ومغاربها :
هذا القول قاله مجاهد وقتادة ، وأبو عبيدة وابن جرير والزجاج والسمين وابن كثير والزمخشري ،والعيني ورجح هذا القول ابن جرير .

وأما قول مجاهد : فرواه ابن جرير من طريق عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد.
وأما قول قتادة فرواه ابن جرير من طريق سعيد ، عن قتادة.
وأبي نجيح ثقة غير أنه قدري .[سير أعلام النبلاء ]
وهذا القول مبني على معنى المواقع في اللغة وهي المساقط
قال ابن منظور: وقع : وقع على الشيء ومنه يقع وقعا ووقوعا : سقط،ومواقع الغيث : مساقطه .
قال العيني في عمدة القاري : وبقراءته قرأ حمزة والكسائيّ، وخلف، والآخر بقوله: (ومسقط النّجوم إذا سقطن) ومساقط النّجوم مغربها.
4)الأنواء
وهذا القول قاله ابن عباس و الضحاك وذكره الماوردي وابن كثير .
وقول ابن عباس رواه مسلم في صحيحه من طريق أبوزميل عن ابن عباس .
فأما قول الضحاك :
فذكره المفسرين بدون سند ، ولم أجد في صحة نسبته له شيئا .
وهذا القول مبني على اطلاقات اللغة للمواقع ، فهي أماكن الطلوع والسقوط ، وباعتبار ( أل ) للعهد فيكون المراد به الأنواء التي عهد العرب في الجاهلية عليها ونسبة الأمور للأنواء .
قال الحميدي في شرحه لغريب مافي الصحيحين : الأنواءجمع نوء وهي نجوم كانوا يستسقون بها أي يوجبون أن السقي لا بد أن يكون منها والنوء الطلوع والنهوض وكأن ذلك النجم إذا ناء ونهض جاء بمطر وذلك من أمور الجاهلية.
قال ابن منظور في لسان العرب : والأنواء واحدها نوء . قال وإنما سمي نوءا ؛ لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءا أي نهض وطلع ، وذلك النهوض هو النوء ، فسمي النجم به ، وذلك كل ناهض بثقل وإبطاء ، فإنه ينوء عند نهوضه ، وقد يكون النوء السقوط .
وقال علي القاري في شرح مرقاة المفاتيح : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا عدوى ولا هامة ولا نوء ) : بفتح فسكون أي : طلوع نجم وغروب ما يقابله . أحدهما في المشرق والآخر بالمغرب ، وكانوا يعتقدون أنه لا بد عنده من مطر أو ريح ينسبونه إلى الطالع أو الغارب ، فنفى - صلى الله عليه وسلم - صحة ذلك
5) انقضاضها ورجمها للشياطين .
هذا القول ذكره ابن عطية والرازي وأبو حيان الأندلسي .
وهذا القول بمبني على على معاني الوقوع في اللغة ، فمن معانيها السقوط ، فسقوطها هنا لغرض وفائدة وهي رجم الشياطين ، وهذا ما ذكره الله في القرآن في مواضع عديدة .
قال تعالى : (( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ( 16 ) وحفظناها من كل شيطان رجيم ( 17 ) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) ،و كما في قوله تعالى : (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين).
قال الرازي : مَواقِعُها في اتِّباعِ الشَّياطِينِ عِنْدَ المُزاحَمَةِ.
قال علي بن سلطان القاري في مرقاة المصابيح : عن قتادة - رضي الله عنه - قال : خلق الله تعالى هذه النجوم لثلاث : جعلها زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن قال فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا يعلم . رواه البخاري تعليقا.

-------------------------

دراسة الأقوال الواردة في المسألة ومناقشتها وبيان القول الراجح:
النجم في اللغة : نجم الشيء ينجم ، بالضم ، نجوما : طلع وظهر، وكل ما طلع وظهر فقد نجم ، وهذا ما ذكره ابن منظور في لسان العرب .
ولكن النجم في اللغة تطلق أيضا على تقسيط الشيء ، وتطلق على النجوم التي تظهر في السماء ، فالقرآن نزل منجما أي مفرقا وبالتقسيط من السماء ، فلا تعارض بين القولين ، فيمكن الجمع بين كونها نجوم القرآن ونجوم السماء بهذا .
قال مكي بن طالب (437 هـ) : مواقع النجوم : منزل القرآن ؛ لأن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم نحوما متفرقة.[وهذا القول الذي رجحه مكي ]
وقال ابن الجوزي ( ت: 597 هـ): فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها.
وفي عمدة القاري للعينى (المتوفى: 855هـ) قال : أقسم قَوْله: ( ومواقع وموقع وَاحِد) لَيْسَ قَوْله: ( وَاحِد) بِالنّظرِ إِلَى اللَّفْظ وَلَا بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى، وَلَكِن بِاعْتِبَار أَن مَا يُسْتَفَاد مِنْهُمَا وَاحِد، لِأَن الْجمع الْمُضَاف والمفرد الْمُضَاف كِلَاهُمَا عامان بِلَا تفَاوت على الصَّحِيح، قَالَ الْكرْمَانِي: إِضَافَته إِلَى الْجمع تَسْتَلْزِم تعدده.
فالمواقع في اللغة كما ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير(ت: 1393 هـ) : (جمع موقع يجوز أن يكون مكان الوقوع ، أي : محال وقوعها من ثوابت وسيارة . والوقوع يطلق على السقوط) .
ويطلق أيضا في اللغة على على الحلول في المكان ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها،فيكون المواقع محال وقوعها وخطوط سيرها فيكون قريبا من قوله والسماء ذات البروج، وهذا ما ذكره ابن عاشور أيضا .
فيكون القول بأنه نجوم السماء داخل في معنى مواقع النجوم .
فالقول الأول : نجوم القرآن.
دل عليه ما ذكره البخاري في صحيحه في باب فضائل القرآن أنه محكم القرآن ، وسياق الآيات تؤيد كونها نجوم القرآن ومحكمه ، لدلالة الضمير في قوله : (إنه لقرآن كريم ) .
وأما كونها محكم القرآن فهو بعض من الذي نزل من القرآن ، لأن القرآن نزل بالمحكم والمتشابه ، فقال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) .
وأما الآثار الأخرى التي وردت ففي صحتها مقال ،وقد ذكرنا عنه سابقا .
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75] : " بمحكم القرآن، ويقال: بمسقط النّجوم إذا سقطن، ومواقع وموقعٌ واحدٌ "). [صحيح البخاري: 6/146]
وقال قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) في ارشاد الساري : ( {بمواقع النجوم}) أي (بمحكم القرآن) ويؤيده وإنه لقسم وإنه لقرآن كريم.)
ولكن جاءت في القرآن أدلة تثبت نزول القرآن مفرقا ، كما في قوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا} [سورة الإسراء: 16].
قال أبو حيان الأندلسي (ت: 745هـ): ويؤيد هذا القول قوله : ( إنه لقرآن ) ، فعاد الضمير على ما يفهم من قوله : ( بمواقع النجوم ) ، أي نجوم القرآن .

وأما القول الثاني : نجوم السماء :
فهي مما تحتملها الآية لدلالة اللغة كما ذكرنا ،ولدلالة الأحاديث على ذلك .
وأما الأقوال التي اختلفوا فيها عن نجوم السماء ،فيمكننا الجمع بينها أيضا :
أولا : على أن الإقسام كان على أحوال تلك النجوم بدلالة معنى الوقوع لغويا كما أسلفنا ذكره ، فيكون بالأنواء أو بمغاربها أو بمساقطها أو انقضاضها أو انكدارها .
ثانيا : لأن الله تعالى ذكر في القرآن أحوال تلك النجوم ، فتارة يذكرها بالسقوط فقال تعالى : ( والنجم إذا هوى ) ، وتارة يذكرها بحال آخر وهو حال انكدارها ، فقال تعالى : ( وإذا النجوم انكدرت ) ، وتارة بمشارقها ومغاربها ، في قوله تعالى : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) وقوله تعالى : ( وإدبار النجوم ) ، وتارة في مغيبها في قوله تعالى : ( فلا أقسم بالخنس ) ، وتارة يذكرها في حال انقضاضها على الشياطين ، فقال تعالى : (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين)، وكلها أحوال تجري للنجوم في السماء .
وجاءت الاحاديث أيضا بذكر حال من حال النجوم وهي الأنواء ، في حديث ( مطرنا بنوء كذا ) ، وهو ما تعارف عليه العرب في الجاهلية أيضا .
قال الماوردي : أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ إذا مُطِرُوا قالُوا: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا، قالَهُ الضَّحّاكُ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ مُسْتَعْمَلًا عَلى حَقِيقَتِهِ في نَفْيِ القَسَمِ بِها.

الخلاصة والراجح :
فالراجح هو أن القولين تحتملها الآية ، لوجوه :
الأول : أن يكون أقسم سبحانه بمواقع النجوم بمعناها الحقيقي لعظم أحوالها وفائدتها ، فقال تعالى في سورة النحل : {وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}، وقد أقسم الله بمثله في آيات آخرى من القرآن ، فأقسم سبحانه بالنجم حال سقوطها في سورة النجم ، فقال تعالى في سورة النحم : ( والنجم إذا هوى ) .
الثاني :أن سياق الآية تحتمل أيضا القول بأنها نجوم القرآن ، لأنه قال في سياق الآية : ( إنه لقرآن كريم) .
الثالث: تناسب ذكر النجوم مع القرآن .
فقال ابن القيم الجوزية في التبيان لأقسام القرآن ( ت: 751ه): (وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه : ( أحدها ) أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن والنجوم آيات المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما فيها مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول) . انتهى من كلامه .
وقال البقاعي في تناسب الايات والدرر ( ت : 885هـ)) : ( قال: بمواقع النجوم أي: بمساقط الطوائف القرآنية المنيرة النافعة المحيية للقلوب، وبهبوطها الذي ينبني عليه ما ينبني من الآثار الجليلة وأزمان ذلك وأماكنه وأحواله، وبمساقط الكواكب وأنوائها وأماكن ذلك وأزمانه في تدبيره على ما ترون من الصنع المحكم والفعل المتقن المقوم، الدال بغروب الكواكب على القدرة على الطي بعد النشر والإعدام بعد الإيجاد، وبطلوعها الذي يشاهد أنها ملجأة إليه إلجاء الساقط من علو إلى سفل لا يملك لنفسه شيئا، لقدرته على الإيجاد بعد الإعدام، وبآثار الأنواء على مثل ذلك بأوضح منه - إلى غير ذلك من الدلالات التي يضيق عنها العبارات- ويقصر دون علياها مديد الإشارات، ولمثل هذه المعاني الجليلة والخطوب العظيمة جعل في الكلام اعتراضا بين القسم وجوابه، وفي الاعتراض اعتراضا بين الموصوف وصفته تأكيدا للكلام، وهزا لنافذ الأفهام تنبيها على أن الأمر عظيم والخطب فادح جسيم .) . انتهى من كلامه .
=================
المراجع :
تهذيب الكمال للمزي
سير أعلام النبلاء للذهبي
تفسير عبد الرزاق الصنعاني
لسان العرب لابن منظور
تفسير ابن جرير
زاد المسير لابن الجوزي
تفسير ابن كثير
أقوال عطاء في التفسير جمعا ودراسة .
التحرير والتنوير لابن عاشور
الدر المصون للسمين
الكشاف للزمخشري
معالم التنزيل للبغوي .
العلل للدارقطني .
مجاز القرآن لأبو عبيدة .
صحيح مسلم
مستدرك الحاكم
سنن النسائي
مجمع الزوائد للهيثمي
النكت والعيون للماوردي
تفسير ابن عطية
الهداية لمكي بن أبي طالب .
تفسير مجاهد
روح المعاني للألوسي
عمدة القاري للعيني
المعجم الكبير للطبراني .
معاني القرآن للزجاج
شرح مرقاة المصابيح للقاري .
تفسير الرازي
الجامع الصحيح للبخاري( فضائل القرآن ) .
ارشاد الساري
البحر المحيط لأبو حيان الأندلسي .
تناسب ألايات والدرر للبقاعي .
التبيان لأقسام القرآن لابن القيم الجوزية
الدرر المنثور للسيوطي
تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم للحميدي .

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 26 صفر 1440هـ/5-11-2018م, 09:29 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم

هيا أبو داهوم ب+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- الأقوال في المراد بالنجوم شيء، وفي المراد بمنازلها -وهو المطلوب الأساسي- شيء آخر، وقول ابن عباس في المواقع يختلف عن قول ابن مسعود، ولكنك لم تفصلي بينهما، وهذه هي الملحوظة الأهمّ على التطبيق، وتراجع التقويمات السابقة للزملاء ففيها تفصيل.

- القول الثاني وهو أن المراد بالنجوم نجوم السماء المعروفة، فقد ذكرتِ فيه:
"انكدارها وتناثرها" وقلتِ إنه مبني على تفسير القرآن بالقرآن،وليس كذلك، وإنما مبناه على أن الانكدار والانتثار فيهما معنى السقوط، فهو مما يدخل في المعنى ويشهد له القرآن.

وقلتِ "الأنواء" قول ابن عباس والضحّاك، فأما ابن عباس فروي عنه سبب النزول وليس في كلامه أنه قصد الأنواء، بل قول ابن عباس في الآية ينصرف إلى نجوم القرآن فقط.
وأما الضحّاك فراجعي ما ورد في أسباب النزول من موقع الجمهرة للوقوف على مستند هذا القول وحقيقة النسبة إليه.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مراجعة, تطبيقية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir