دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 ربيع الأول 1439هـ/15-12-2017م, 02:57 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي مراجعة تطبيقية لدورة المهارات المتقدّمة في التفسير- المرحلة الرابعة

مراجعة تطبيقية على دروس مهارات التفسير المتقدّمة.
- المرحلة الرابعة -




موضوع البحث:
تعيين المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75)} الواقعة.



المطلوب:

8: دراسة الأقوال الواردة في المسألة ومناقشتها وبيان القول الراجح.



إرشادات:
- مرحلة الدراسة والنقد هي لبّ مراحل التحرير، لذا لا يقبل من الطالب أن يختصر فيها أو يكتفي فيها بالنقل المجرّد لترجيحات المفسّرين، بل يجب ظهور شخصية الباحث واجتهاده في الموازنة بين الأقوال والتعرّف على عللها ومآخذها، ويوصى بالعناية بالتفاسير التي يشتهر أصحابها بنقد الأقوال وإعمال قواعد الجمع والترجيح كالطبري وابن عطية وابن عاشور والشنقيطي، ويرجع لكتابات ابن تيمية وابن القيّم إن وجد للمسألة ذكر في كتبهم.
- سيتمّ وضع تعليق عامّ على كل تطبيق في موعده -بإذن الله- حتى يستدرك الطالب ما فاته في المرحلة التالية.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح
وجعلكم للمتّقين إماما

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ربيع الثاني 1439هـ/24-12-2017م, 08:53 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي


دراسة الأقوال مع الترجيح:

اختلف العلماء في تعيين المراد بمواقع النجوم على قولين :
-الأول :أن النجوم هى نجوم السماء أي الكواكب المعروفة وهو تفسير بظاهر النص وهو المتبادر إلى الذهن بلا تأويل
-الثاني:أن المراد بالنجوم نجوم القرآن إذ قد نزل منجما من السماء الدنيا وهو مأخوذ من معنى النجم القسط من الشىء
وبكل قول منهما قال السلف رحمهم الله وكثير من المفسرين ومنهم من جمع بينهما وجعل الآية تحتمل كلا المعنيين

القول الأول :أن المراد بالنجوم ،نجوم السماء ،اختلف في المراد بالمواقع على أقوال:
-فقيل المراد :المساقط (المغارب) والمطالع فإن للنجوم السيارة مطالع تشرق منها ومغارب تغيب فيها
وقال بهذا القول: مجاهد وقتادة والحسن واليزيدي في غريب القرآن وأبو عبيدة في مجاز القرآن والزجاج في معانى القرآن ومكى بن أبي طالب في العمدة في غريب القرآن والزمخشري
فيكون معنى الآية فلا أقسم بمطالع النجوم ومغايبها كما في قوله تعالى {فلا أقسم برب المشارق والمغارب}،وقد خص القسم بهذا من أجل مافي مغيب النجوم وطلوعها بعد مغيبها من آية على وحدانية الله وعظمته وحكمته الباهرة وكمال قدرته لما في غروبها من زوالِ أثرِها والدلالةِ على وجودِ مؤثرٍ دائمٍ لا يتغيرُ أو لأن ذلكَ وقتُ قيامِ المتهجدينَ والمبتهلينَ إليه تعالى وأوانُ نزولِ الرحمةِ والرضوانِ عليهم
ومحمل هذا القول تفسير المواقع بالمساقط :محمل لغوى مشتق من الوقوع أي السقوط يقال مواقع القطر أي مساقطه ،والمراد بسقوطها غيابها حيث تغيب
وقيل: المواقع هي المنازل التى تكون فيها النجوم الثوابت وتنزل فيها
فيكون الوقوع بمعنى النزول والحلول كقوله تعالى {والسماء ذات البروج}أي المنازل العالية فالمنازل هى محال النجوم ،كما يقال على الخبير وقعت ويقال وقعت الإبل أي حلت في المكان
وقد قال بهذا القول: :قتادة وعطاء والزمخشرى
وهذا القول قريب مما قبله فهو قسم بمنازل النجوم ومساقطها ومطالعها في السماء وكلها من الآيات الدالة على كمال العظمة والقدرة وهو من تفسير الشىء بمعناه الظاهر

وقيل :المراد بالمواقع انكدارها وانتثارها يوم القيامة،قاله الحسن
وهذا القول مأخوذ من حمل معنى المواقع على : الوقوع أى السقوط أيضا لا الحلول والنزول وأن هذا من الإشتراك اللفظي،وقد فسر الوقوع هنا بوقوع مخصوص يوم القيامة وهذا القول محتمل لكن يحتاج إلى دليل مخصوص لهذه الآية الكريمة وأما من جهة العموم فقد أشارت النصوص بذلك كقوله تعالى {وإذا النجوم انكدرت} وقوله تعالى {وإذا الكواكب انتثرت} مما يكون يوم القيامة
قال بن عطية: ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث،
وهذا مناسب لسياق ما جاء في السورة قبله في إثبات البعث وكمال القدرة الإلهية التى يجادل فيها المشركون
فيقسم بقدرته على البعث التى يدل عليها انتثار النجوم يوم القيامة على صدق القرآن الذي فيه ذكر البعث والحث على الإيمان به

وقيل :مواقع النجوم ،انقضاضها إثر العفاريت ،ذكره بن عطية وأبو حيان ولم ينسباه
وهذا القول مبناه على تفسير المواقع بالسقوط نفسه والمواقع مصدر ميمى للوقوع ، فالوقوع يطلق على السقوط كما يطلق على المحل أيضاكما قال بن عاشور ومواقع النجوم أى سقوطها وانقضاضها إثر محاولة استراق الشياطين السمع من الملأ الأعلى وقد كان الأمر كذلك أي كان منهم من يمكن من الاستراق قبل البعثة فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منع الاستراق تماما وحرست السماء بالحرس الشديد والشهب حفظا للوحى لئلا يختلط بكلام الشياطين والقسم بهذا فيه الدلالة على عظمة شأن القرآن حيث تغيرت من أجله بعض الأمور في الملأ الأعلى من حراسة السماء وارسال الشهب خلف الشياطين وهذا كان معلوما لديهم ومشاهد إذ كانوا يرون الشهب تتساقط من السماء ،وهذا معلوم من القرآن كما فى قوله تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}{ وحفظا من كل شيطان مارد }{إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب}
فإن من وظائف النجوم زينة السماء الدنيا وحفظا من كل شيطان مارد وأيضا علامات يهتدى بها في البر والبحركما روى عن قتادة في صحيح البخاري
والتفسير على هذا المعنى محتمل

وقيل:هى الأنواء التى كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا القول نسبه بن عطية وبن كثير إلى الضحاك من غير اسناد
وقال القرطبي :فعلى هذا القول يكون القسم منفيا {فلا أقسم}على حقيقته
ومحمل هذا القول سبب النزول الذي رواه مسلم في صحيحه عن بن عباس-: قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النجوم}
وقد ذكره البغوي والقرطبي ولم يتعقباه ،وتعقبه بن عاشور فقال :
في حديث زيد بن خالد :{صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية ....} الحديث وليس فيه زيادة{فنزلت هذه الآية} ولو كان كذلك لذكره الصحابي ،وأما حديث بن عباس فإنه لم يكن في سن أهل الرواية في مدة نزول هذه السورة بمكة فلعل قوله فنزلت تأويل منه لأنه أراد أن الناس مُطروا في مكة في صدر الإسلام فقال المؤمنون قولاً وقال المشركون قولاً فنزلت آية: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنديدًا على المشركين منهم بعقيدة من العقائد التي أنكرها اللَّه عليهم وأن ما وقع في الحديبية مطر آخر لأن السورة نزلت قبل الهجرة ولم يروا أن هذه الآية أُلحقت بالسورة بعد نزول السورة ولعل الراوي عنه لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله: (فنزلت) بأن يكون ابن عبَّاسٍ قال: فتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أو نحو تلك العبارة. أما الطبري وابن عطية وابن كثير فلم يذكروا حديث ابن عبَّاسٍ سببًا لنزولها.
وعلى هذا فلو كان محمل هذا القول هو سبب النزول فلايصح والله أعلم وإن كان المراد بالقسم الأنواء التي كان يستسقي بها المشركون فيلزم من ذلك أن يكون القسم منفيا وهذا ليس بصحيح على الأرجح إذ عامة السلف والمفسرون على أن لا صلة للتأكيد على القسم بمواقع النجوم ويؤيده قوله بعده {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}فقد صرح بأنه قسم صريح

وقيل :مواقع النجوم ،السماء التى هي محل النجوم

وقال بهذا القول بن جريج أخرجه عبد بن حميد عنه كماذكره السيوطي
وقد يحمل هذا القول على قراءة مواقع بالإفراد أي {فلا أقسم بموقع النجوم}أي السماء فيكون القسم بالسماء كقوله تعالى {والسماء ذات البروج} والله أعلم
ولكن الأولى حمل معنى النص على ظاهره وأن القسم بالنجوم قد تكرر في القرآن كما تكرر القسم بالسماء صراحة كما في قوله {والسماء والطارق }ويلاحظ بالاستقراء أن النجوم كلما ذكرت في القرآن أريد بها النجوم التى هي الكواكب وأن النجم يطلق أيضا على معنى السماء {أضواء البيان}وهو مماتعرفه العرب ولكن بالإفراد لا بالجمع
وَمِنْهُ قَوْلُ نَابِغَةِ ذُبْيَانَ:
أَقُولُ وَالنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ أَوَاخِرُهُ ... إِلَى الْمَغِيبِ تَثَبَّتْ نَظْرَةً حَارِ
فَقَوْلُهُ: وَالنَّجْمِ: يَعْنِي الثُّرَيَّا.
وربما يكون مراد من فسرمواقع النجوم من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل فالنجوم ومواقعها جزء من السماء التى تشتمل على أفلاك وأجرام عظيمة غير النجوم
وخلاصة هذا القول أن المراد بمواقع النجوم منازلها التي تسير فيها أومساقطها عند الغروب أو سقوطها يوم القيامة أو إثر العفاريت

وأما القول الثانى :وهو أن المراد بالنجوم ،نجوم القرآن فقيل في المراد بمواقعها:
قيل منازل القرآن إذ نزل منجما على السنين على نحو عشرين سنة
قال به:بن عباس وعكرمة وبن أبي زمنين في التفسير
قال الزجاج:ودليل هذا القول قوله بعده {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ،إنه لقرآن كريم}
وقال عطية سالم في أضواء البيان: كَوْنَ الْمُقْسَمِ بِهِ الْمُعَبَّرِ بِالنُّجُومِ هُوَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ - أَنْسَبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [56 \ 76] ، لَأَنَّ هَذَا التَّعْظِيمَ مِنَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَقْسَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ أَنْسَبُ لِذَلِكَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ وَنَجْمِ الْأَرْضِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وقد احتج من عارض هذا القول وهو أن الضمير في قوله {وإنه لقسم }يرجع إلى نجوم القرآن بأن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكره لشهرته ووضوح المعنى كقوله تعالى {حتى توارت بالحجاب} وقوله {كل من عليها فان} ذكره بن عطية

وقيل :هو محكم القرآن ،قال به بن مسعود كما حكى الفراء لكنه شك ،ومجاهد
قال محمد بن الهادي السندي: قوله: (بمواقع النجوم بمحكم القرآن) مبني على تشبيه معاني القرآن بالنجوم الساطعة، والأنوار اللامعة، ومحل تلك المعاني هي محكم القرآن، فصار مواقع النجوم
وهذا التأويل مبناه على التشبيه والمجاز لا حقيقة المعنى والأولى والصواب حمل معانى القرآن على الحقيقة لا المجاز
والمحكم عند السلف هو ضد المتشابه والمنسوخ فقد يراد به هذا المعنى،لكن يشكل هذا التخصيص بإخراج المتشابه والمنسوخ من نجوم القرآن،وربما يكون من قال به تأول قوله تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولانبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله مايلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}فيصير الإحكام بهذا المعنى والله أعلم
وقد يراد به الإحكام العام الذي وصف به كل القرآن كما قال تعالى {الر كتاب أحكمت آياته }فيكون قوله محكم القرآن أي القرآن المحكم

وقيل:مستقر الكتاب أوله وآخره وهو قول بن عباس
وهذا القول مبنى على معرفة المراد بمستقر الكتاب وهو ما انتهى إليه الأمر فقد يرجع إلى القول السابق وهو محكم القرآن وقد يراد بقوله :أوله وآخره أى أول التنجيم وهو نزوله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وآخر التنجيم وهو نزوله مفصلا على نجوم
وهذا القول ربما يفسره قول مقاتل في تفسيره : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } يعني بمساقط النجوم من القرآن كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء السابعة إلى السماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في قوله {بأيدي سفرة كرام بررة} فعلى هذا يكون أوله هو نزوله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم نزوله من السماء الدنيا إلى السفرة يكتبون ما ينزل منه على مدار السنة وذلك في ليلة القدر والله أعلم

الترجيح:
يتبين مماسبق أن كلا القولين محتمل وله توجيهه المعتبر من جهة اللغة ومن جهة المعنى ولكل قول أدلته ومما يلفت النظر أن السلف رحمهم الله قد قال بعض منهم بكلا القولين وليس هذا من قبيل التعارض بل من دقيق الفهم ودقة التأمل ،فنجد أن مجاهد قال بأن مواقع النجوم مطالعها ومساقطها تارة وبأنه محكم القرآن تارة والمتأمل لهذا يخرج بنتيجة وهي:
-أن القول بأن مواقع النجوم مساقطها أو انتثارها يوم القيامة أو منازلها في السماء هو مايدل عليه ظاهر النص وتؤيده النصوص القرآنية الأخرى في أكثر من موضع في القرآن كما سبقت الإشارة لذلك وأنه مناسب لقوله تعالى {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}فإنه حقا قسم عظيم فإن أحوال السماء ومافيها من أجرام وكواكب ثوابت وسيارة ومشارقها ومغاربها وأبراجها من الأمور العجيبة الباهرة التى تدل على كمال العظمة والحكمة والقدرة والرحمة مما يعجز عنه الوصف وما تبين لنا أقل بكثير مما خفي علينا والله أعلم بخلقه وهذا القول هو اختيار عامة السلف وجمهور المفسرين واختاره بن جرير وبن عاشور وانتصر له بن القيم في التبيان
-وأن القول بأن مواقع النجوم أوقات نزول نجوم القرآن إذ نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما وهذا القول محتمل من جهة اللغة إذ النجوم من الألفاظ المشتركة لها عدة معان وكلها صحيحة في اللغة ولا تخالف نصا ويدل لها قول بن عباس وقول مجاهد وكذا قول بن مسعود وهم من أكابر أهل العلم والفهم كما اختار هذا القول البخاري وغيره واختاره عطية سالم في أضواء البيان واحتج له

فالصواب والله أعلم أنه عند تفسير هذه الآية يقدم ذكر المعنى الأول وهو منازل النجوم أو مساقطها ولايغفل القول الثانى بل يشار إليه ولا يخطأ أو يستبعد خاصة أنه قول معتبر عند السلف والله أعلم بمراده
ونختم بما أورده بن القيم من المناسبة بين القسم بمواقع النجوم وصدق القرآن الكريم:
-أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين
-مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن
-والنجوم آياته المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية
-مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 ربيع الثاني 1439هـ/4-01-2018م, 08:27 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

اختلف العلماء في تعيين المراد بمواقع النجوم على قولين :
-الأول :أن النجوم هى نجوم السماء أي الكواكب المعروفة وهو تفسير بظاهر النص وهو المتبادر إلى الذهن بلا تأويل
-الثاني:أن المراد بالنجوم نجوم القرآن إذ قد نزل منجما من السماء الدنيا وهو مأخوذ من معنى النجم القسط من الشىء
وبكل قول منهما قال السلف رحمهم الله وكثير من المفسرين ومنهم من جمع بينهما وجعل الآية تحتمل كلا المعنيين

القول الأول :أن المراد بالنجوم ،نجوم السماء ،اختلف في المراد بالمواقع على أقوال:
-فقيل المراد :المساقط (المغارب) والمطالع فإن للنجوم السيارة مطالع تشرق منها ومغارب تغيب فيها
وقال بهذا القول: مجاهد وقتادة والحسن واليزيدي في غريب القرآن وأبو عبيدة في مجاز القرآن والزجاج في معانى القرآن ومكى بن أبي طالب في العمدة في غريب القرآن والزمخشري
فيكون معنى الآية فلا أقسم بمطالع النجوم ومغايبها كما في قوله تعالى {فلا أقسم برب المشارق والمغارب}،وقد خص القسم بهذا من أجل مافي مغيب النجوم وطلوعها بعد مغيبها من آية على وحدانية الله وعظمته وحكمته الباهرة وكمال قدرته لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير أو لأن ذلك وقت قيام المتهجدين بالليل وهو أوان نزول الرحمات كما في قوله تعالى {ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم}
ومحمل هذا القول تفسير المواقع بالمساقط :محمل لغوى مشتق من الوقوع أي السقوط يقال مواقع القطر أي مساقطه ،والمراد بسقوطها غيابها حيث تغيب
وقيل المواقع هي المنازل التى تكون فيها النجوم الثوابت وتنزل فيها فيكون الوقوع بمعنى النزول والحلول كقوله تعالى {والسماء ذات البروج}أي المنازل العالية فالمنازل هى محال النجوم ،كما يقال (على الخبير وقعت )ويقال (وقعت الإبل )أي إذا بركت في المكان
وقد قال بهذا القول: :قتادة وعطاء والزمخشرى
وهذا القول قريب مما قبله فهو قسم بمنازل النجوم ومساقطها ومطالعها في السماء وكلها من الآيات الدالة على كمال العظمة والقدرة وهو من تفسير الشىء بمعناه
قال ابو السعود :أو بمنازلها ومجاريها فإنَّ له تعالَى في ذلك من الدليل عاى عظمِ قُدرتِه وكمالِ حكمتِه مالا يحيطُ به البيانُ

وقيل :المراد بالمواقع انكدارها وانتثارها يوم القيامة،قاله الحسن
وهذا القول مأخوذ من حمل معنى المواقع على : الوقوع أى السقوط أيضا لا الحلول والنزول وأن هذا من الإشتراك اللفظي،وقد فسر الوقوع هنا بوقوع مخصوص يوم القيامة وهذا القول محتمل لكن يحتاج إلى دليل مخصوص لهذه الآية الكريمة وأما من جهة العموم فقد أشارت النصوص بذلك كقوله تعالى{وإذا النجوم انكدرت}
قال بن عطية: ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث.
وهذا مناسب للسياق قبله في إثبات البعث وكمال القدرة الإلهية التى يجادل فيها المشركون ،فيقسم بقدرته على البعث على صدق القرآن الذي فيه ذكر البعث والحث على الإيمان به

وقيل :مواقع النجوم ،انقضاضها إثر العفاريت ،ذكره بن عطية وأبو حيان ولم ينسباه
وهذا القول مبناه على تفسير المواقع بالسقوط نفسه والمواقع مصدر ميمى للوقوع ، فالوقوع يطلق على السقوط كما قال بن عاشور ومواقع النجوم أى سقوطها وانقضاضها إثر محاولة استراق الشياطين السمع من الملأ الأعلى وقد كان الأمر كذلك أي كان منهم من يمكن من الاستراق قبل البعثة فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منع الاستراق تماما وحرست السماء بالحرس الشديد والشهب حفظا للوحى لئلا يختلط بكلام الشياطين والقسم بهذا فيه الدلالة على عظمة شأن القرآن حيث تغيرت من أجله بعض الأمور في الملأ الأعلى من حراسة السماء وارسال الشهب خلف الشياطين وهذا كان معلوما لديهم ومشاهد إذ كانوا يرون الشهب تتساقط من السماء ،وهذا معلوم من القرآن كما فى قوله تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}{ وحفظا من كل شيطان مارد }{لايسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب }وقوله تعالى{إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب}

وقيل:هى الأنواء التى كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا القول نسبه بن عطية وبن كثير إلى الضحاك من غير اسناد
والأنواء لغة : نجوم خاصة تعرفها العرب ،قال صاحب اللسان: وَقِيلَ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ نَوْءاً لأَنَّه إِذَا سَقَطَ الغارِبُ ناءَ الطالِعُ، وَذَلِكَ الطُّلوع هُوَ النَّوْءُ. وبعضُهم يَجْعَلُ النَّوْءَ السُّقُوطَ، كأَنه مِنَ الأَضداد وقد يكون المراد بمواقع النجوم الأنواء نفسها إذ مواقع القطر منها ينزل منجما على الأرض إذ العرب تضيف الأمطار والرياح إلى الساقط منها وكان بن الأعرابي يقول لانوء إلا ومعه مطر فإن لم يكن مطر فلانوء وعلى هذا فقد يكون محمل هذا القول ممايشمله معنى النجوم في الآية مماتعرفه العرب
وقال القرطبي :فعلى هذا القول يكون القسم منفيا {فلا أقسم}على حقيقته
وقد يكون محمل هذا القول سبب النزول الذي رواه مسلم في صحيحه عن بن عباس-: قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النجوم}
وقد ذكره البغوي والقرطبي ولم يتعقباه ،وتعقبه بن عاشور فقال :
في حديث زيد بن خالد :{صلى لنا رسول الله صلاة الصبح بالحديبية ....} الحديث وليس فيه زيادة{فنزلت هذه الآية} ولو كان كذلك لذكره الصحابي ،وأما حديث بن عباس فإنه لم يكن في سن أهل الرواية في مدة نزول هذه السورة بمكة فلعل قوله {فنزلت }تأويل منه لأنه أراد أن الناس مُطروا في مكة في صدر الإسلام فقال المؤمنون قولاً وقال المشركون قولاً فنزلت آية: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنديدًا على المشركين منهم بعقيدة من العقائد التي أنكرها اللَّه عليهم وأن ما وقع في الحديبية مطر آخر لأن السورة نزلت قبل الهجرة ولم يروا أن هذه الآية أُلحقت بالسورة بعد نزول السورة ولعل الراوي عنه لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله: (فنزلت) بأن يكون ابن عبَّاسٍ قال: فتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أو نحو تلك العبارة. أما الطبري وابن عطية وابن كثير فلم يذكروا حديث ابن عبَّاسٍ سببًا لنزولها.
وعلى هذا فلو كان محمل هذا القول هو سبب النزول فلايصح والله أعلم
وقد ذكر النووي كلاما حسنا نقله عن أبي عمرو بن الصلاح في سبب نزول الآية المروى عن بن عباس فقال: ليس مراده أن جميع هذا نزل في قوله في الأنواء فإن الأمر في ذلك وتفسيره يأبى ذلك، وإنما النازل في ذلك قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} والباقي نزل في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك، قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: ومما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب. هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله)
ومعنى كلامه رحمه الله أن سبب النزول المذكور في الرواية مختص بقوله تعالى {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}وأما قوله تعالى {فلا أقسم بمواقع النجوم}فليس نازلا لنفس السبب ولكن لغير ذلك ولكنه تزامن مع سبب النزول فذكرا جميعا من أجل هذا وهذا توجيه حسن وليس فيه مايدل على تأويل كلام بن عباس أو خطأ من نقل عنه والحمد لله رب العالمين

وقيل :مواقع النجوم ،السماء التى هي محل النجوم

وقال بهذا القول بن جريج أخرجه عبد بن حميد عنه كماذكره السيوطي
وقد يحمل هذا القول على قراءة مواقع بالإفراد أي {فلا أقسم بموقع النجوم}أي السماء فيكون القسم بالسماء كقوله تعالى {والسماء ذات البروج} والله أعلم


وأما القول الثانى :وهو أن المراد بالنجوم ،نجوم القرآن فقيل في المراد بمواقعها:
قيل منازل القرآن إذ نزل منجما على السنين على نحو عشرين سنة
قال به:بن عباس وعكرمة وبن أبي زمنين في التفسير
ولما كانت لفظة المواقع تحتمل معنى النزول وأماكن النزول وأزمنة النزول سواء في السماء أو في الأرض
فإن قول ابن عباس: "فوضع بموقع النجوم" يمكن حمله على ظاهره، وهو أن يراد به موقع القرآن في السماء الدنيا بعد نزوله إليها جملة في ليلة القدر.
قال الزجاج:ودليل هذا القول قوله بعده {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم،إنه لقرآن كريم}
وقال عطية سالم في أضواء البيان:
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ أَنْسَبُ لِذَلِكَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ وَنَجْمِ الْأَرْضِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى
وقد احتج من عارض هذا القول وهو أن الضمير في قوله {وإنه لقسم }يرجع إلى نجوم القرآن بأن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكره لشهرته ووضوح المعنى كقوله تعالى {حتى توارت بالحجاب} وقوله {كل من عليها فان} ذكره بن عطية
فائدة: المناسبة بين المقسم به وهو النجوم، وبين المقسم عليه وهو القرآن الكريم في هذه الآية أن النجوم جعلها الله سبحانه ليهتدي بها الناس في ظلمات البر والبحر، وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والضلالة، وتلك ظلمات حسية، وهذه ظلمات معنوية. فالقسم هنا جاء جامعًا بين الهدايتين: الحسية للنجوم، والمعنوية للقرآن. فهذا وجه المناسبة.(حدائق الروح والريحان)

وقيل :هو محكم القرآن ،قال به بن مسعود كما حكى الفراء لكنه شك ،ومجاهد

قال الفراء: حَدَّثَنِي الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فيما أعلم -شك الفراء -قَالَ: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، قَالَ: بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه نُجُومًا.
والمحكم عند السلف هو ضد المتشابه والمنسوخ ،
وقراءة بن مسعود {موقع النجوم}وقوله {بمحكم القرآن} له وجهه إذ تفسر بأن المراد بموقع القرآن محكمه مأخوذ من أن الموقع بمعنى أصل الشىء ومعظمه فيكون المراد القسم بأصل القرآن وأمه وهو الآيات المحكمة كماقال تعالى {منه آيات محكمات هن أم الكتاب} فيكون من باب إضافة البعض إلى الكل
وقيل:مستقر الكتاب أوله وآخره وهو قول بن عباس
وهذا القول مبنى على معرفة المراد بمستقر الكتاب وهو ما انتهى إليه الأمر فقد يرجع إلى القول السابق وهو محكم القرآن وقد يراد بقوله :أوله وآخره أى أول التنجيم وهو نزوله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وآخر التنجيم وهو نزوله مفصلا على نجوم
وهذا القول ربما يفسره قول مقاتل في تفسيره : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } يعني بمساقط النجوم من القرآن كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء السابعة إلى السماء الدنيا إلى السفرة، وهم الكتبة من الملائكة ،نظيرها في قوله {بأيدي سفرة كرام بررة} فعلى هذا يكون أوله هو نزوله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة ثم نزوله من السماء الدنيا إلى السفرة يكتبون ما ينزل منه على مدار السنة وذلك في ليلة القدر والله أعلم
الترجيح:
يتبين مماسبق أن كلا القولين محتمل وله توجيهه المعتبر من جهة اللغة ومن جهة المعنى ولكل قول أدلته ومما يلفت النظر أن السلف رحمهم الله قد قال بعض منهم بكلا القولين وليس هذا من قبيل التعارض بل من دقيق الفهم ودقة التأمل ،فنجد أن مجاهد قال بأن مواقع النجوم مطالعها ومساقطها تارة وبأنه محكم القرآن تارة والمتأمل لهذا يخرج بنتيجة وهي:
-أن القول بأن مواقع النجوم مساقطها أو انتثارها يوم القيامة أو منازلها في السماء هو مايدل عليه ظاهر النص من جهة اللغة وتؤيده النصوص القرآنية الأخرى في أكثر من موضع في القرآن كما سبقت الإشارة لذلك وأنه مناسب لقوله تعالى {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}فإنه حقا قسم عظيم فإن أحوال السماء ومافيها من أجرام وكواكب ثوابت وسيارة ومشارقها ومغاربها وأبراجها من الأمور العجيبة الباهرة التى تدل على كمال العظمة والحكمة والقدرة والرحمة مما يعجز عنه الوصف وما تبين لنا أقل بكثير مما خفي علينا والله أعلم بخلقه وهذا القول هو اختيار عامة السلف وجمهور المفسرين واختاره بن جرير وبن عاشور وانتصر له بن القيم في التبيان
-وأن القول بأن مواقع النجوم أوقات نزول نجوم القرآن إذ نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما وهذا القول محتمل من جهة اللغة إذ النجوم من الألفاظ المشتركة لها عدة معان وكلها صحيحة في اللغة ولا تخالف نصا ويدل لها قول بن عباس وقول مجاهد وكذا قول بن مسعود وهم من أكابر أهل العلم والفهم كما اختار هذا القول البخاري وغيره واختاره عطية سالم في أضواء البيان واحتج له


فالصواب والله أعلم أنه عند تفسير هذه الآية يقدم ذكر المعنى الأول وهو منازل النجوم أو مساقطها ولايغفل القول الثانى بل يشار إليه ولا يخطأ أو يستبعد خاصة أنه قول معتبر عند السلف والله أعلم بمراده
ونختم بما أورده بن القيم من المناسبة بين القسم بمواقع النجوم وصدق القرآن الكريم:
-أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين
-مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن
-والنجوم آياته المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية
-مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 ربيع الثاني 1439هـ/5-01-2018م, 05:13 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

أختلفأهل العلم في المراد بمواقع النجوم ،فذهبوا إلى قولين في المراد بالنجوم:
القول الأول : مواقع القرآن ،حيث كان القرآن ينزل مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.والشيء المفرق يسمى منجم .
عن سعيدبن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السّماء العليا إلىالسّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذهالآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا
روي هذا القول الفراء عن ابن مسعود وروي عن ابن عباس ،وعكرمة ومجاهد ومقاتل والسدي وأبي حزرة والكلبي.
واختلفت أقوالهم بالمراد بالمواقع :
1-:منازل القرآن : وهو قول ابن عباس وعكرمة.
والروايات عن ابن عباس تحتمل:
منازل القرآن في السماء الدنيا ،
ويحتمل أماكن نزوله مفرق حسب الوقائع .
ويحتمل أوقات نزوله ,مفرقا .
لأن لفظة مواقع إما أنها مصدر أو ظرف مكان أو ظرف زمان
2-: محكم القرآن : روي عن ابن مسعود ‘ ومجاهد
فقد روى الفراء عن ابن مسعود أنه قال: { فلا أقسم بموقع النجوم}, قال: بمحكم القرآن. وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ (مواقع بالإفراد) وهذه القراءة يتضح منها أن مراد ابن مسعود أن المواقع هي محكم القرآن الذي ترد له المتشابهات ، فالموقع قد يراد به أصل الشيء الذي يوقع فيه . والمحكم هو أصل الآيات التي نزلت منجمة مثل قوله تعالى :( فيه آيات محكمات هن أم الكتاب ) أي : أصله ومعظمه ويكون القول من باب إضافة البعض إلى الكل ،وهذا توجيه الشيخ عبدالعزيز المطيري حفظه الله
3-مستقر الكتاب أوله وآخره روي عن ابن عباس
رواه ابن جرير عن محمّد بن سعدٍ عن آبائه وهذا السند ضعيف
وهذا القول وإن كان ضعيف فهو يرد لنفس المعنى الأول .فهو بمعنى الثبوت والقرار،أي مكان القرآن في السماء وبمعنى مكان استقرار نزله، كقوله تعالى : (والشمس جري لمستقر لها )
وبمعنى زمان استقرار نزوله ،قال تعالى :(لكل نبأ مستقر )لكل خبر وقت يقع فيه . والله أعلم.
إذاً هذا القول مبناه على المعنى اللغوي النجوم :جمع نجم والنجم هو قسط الشيء من مال وغير كما يقال نجم الديات والغرامات.فكان القرآن ينزل نجوما مقطعة في مدة عشرين سنة ،وأيضا : الشيء المفرق يسمى نجماً، والقرآن نزل مفرقا.وينعض بهذا القول مرجع الضمير في قولهعالى :(إنه لقرآن كريم)قاله ابن عطية والألوسي والقسطلاني .
وكذلك أثر هذا القول عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وقول الصحابي حجة ،كذلك الأثر عن ابن عباس في نزول القرآن جملة إلى بيت العزة ثم نزل منجما ، له ألفاظ متقاربه ومخارج متعددة ، صححه ابن حجر في فتح الباري وغيره .وهذا إخبار بأمر غيبي ،فلا يمكن أن يكون هذا الأثر من قبله ،فالله أعلم أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً سياق الآية حيث ذكر الله أن هذا القسم عظيم .
قال في أضواء البيان :ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله أنسب لذلك من نجوم السماء ونجم الأرض . والعلم عند الله تعالى .
كل هذه الأسباب مما يقوى أن يكون المراد بمواقع النجوم مواقع القرآن.ورجح هذا القول ابن عطية واقتصر القرطبي على ذكره دونالقول الثاني مما يدل على رجيحه له ورجحه عطية سالم في أضواء البيان
القول الثاني:مواقع النجوم في السماء
هذا القول مبناه على ماهو معهود من كلام العرب فمتى أطلقت النجوم فالمراد بها نجوم السماء.
واختلفوا بالمراد بمواقعها على أقوال:
1- منازل النجوم في السماء
روي عن قتادة،و عطاء
قال قتادة : مواقعها هي مواضعها من السماء.
المراد بمنازلها أبراجها ومحالها وأفلاكها وخطوط سيرها في السماء ، فالوقوع يطلق على الحلول في المكان، والنزول ،أي:حلولها في أبراجها وانتظام سيرها في أفلاكها ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها ،
فهي قريبة من قوله تعالى :( والسماء ذات البروج )
والقسم بحالها هذه لما يدل عليه من عظيم قدرة الله وكمال حكمته وسعة علمه، وبريع تدبيره سبحانه وبحمده
2-مساقط النجوم ومطالعها
روي عن مجاهد وقتادة و أبو عبيدة في مجاز القرآن وقاله اليزيدي .
والمراد :أي مكان طلوعها ومغيبها في السماء ، فالموقع يطلق على السقوط ، والهوى قال تعالى:( والنجم إذا هوى )
وأيضا وقت سقوطها ومغيبها عندالغروب ،ووهذه الأحوال تكون في الدنيا ، القسم بأحوالها عند سقوطها وعند غروبها مما يدل على وجود الصانع والمؤثر فيها ، وبيان كمال قدره ،وحكمته وما فيها من العبرة.
3-مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت
ذكره ابن عطية في تفسيره من غير نسبة.
ومواقع هنا بمعنى السقوط ، وهي الي يرجم بها الشياطين عند استراقهم السمع .كما قال تعالى :(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) وقوله :( فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا )
- انكدار و انتثار النّجوم عند قيام السّاعة
روي عن الحسن
والوقوع بمعنى السقوط، وهذه حاله من حالاتها يوم القيامة قال تعالى :(وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ)
القول الثالث: الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا ، قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا.
نسبه ابن كثير إلى الضحاك ولم نقف له عليه مسندا
الأنواء نجوم خاصة فقد يكون المقصود مواقع هذه الأنواء أي مساقطها ومطالعها وقد يراد الأنواء نفسها فتكون هي مواقع القطر الذي ينزل منجما على الأرض.
.وقيل في توجيه هذا القول: لعله مأخوذ من بعض الآثار في سبب النزول ،فعن ابن عباس رضي الله عنهما -: قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فنزلت: هذه الآية: {فلا أقسم بمواقع النّجوم (75) وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ (76) إنّه لقرآنٌ كريمٌ (77) ...} [الواقعة: 75 -82] أخرجه مسلم.
عن عباس بن عبد العظيم عن النضر بن محمد.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا منزلا فأصابهم العطش وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون: سقينا هذا المطر بنوء كذا)) فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء قال: فصلى ركعتين ودعا الله تبارك وتعالى فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية وملأوا الأسقية ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغترف بقدح له وهو يقول: سقينا بنوء كذا ولم يقل: هذا من رزق الله سبحانه فأنزل الله سبحانه {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}. فهذه الرويات في سبب نزول في قوله تعالى : (وتجعلون رزقكم أنكم كذبون).أدخل في الرواية الأولى (فلا أقسم بمواقع النجوم ....) والأخرى أقتصر على {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}.وقدنقل النووي عن ابن الصلاح : ليس مراده أن جميع هذا نزل في الأنواء ، وإنما النازل في ذلك قوله تعالى : {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ}.والباقي نزل في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع من أجل ذلك، وذكر أن مما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس في ذلك الاقصار على هذا القدر اليسير فحسب .ذكر ذلك الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله.
وبهذا يتبين أن سبب النزول لا يدل عليه فليس خاص به ، ولكن هذا القول مما يشمله معنى الآية .
وهذا القول بأن المراد من مواقع النجوم الكواكب المعروفه وهو قول أكثر المفسرين ذكر ذلك ابن الجوزي وابن عطية منهم ابن جرير وابن القيم .
الترجيح :
وبهذا يبين أن كلا القولين يحتملها اللفظ ،مما يدل على عظمة هذا القرآن واتساع معانيه، وإعجازه.
والله أعلم

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 ربيع الثاني 1439هـ/9-01-2018م, 01:36 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

أمل يوسف
مضاوي الهطلاني

أحسنتما، بارك الله فيكما وسدّد الخطى.
وفي انتظار العرض النهائي للمسألة، مع الأخذ في الاعتبار بملاحظات التقويم على المراحل السابقة.
وفقكما الله.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 جمادى الأولى 1439هـ/17-01-2018م, 04:21 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

التطبيق الرابع :


في المسألة قولان :


القول الأول : أن المراد بالنجوم نجوم السماء ، وهذا هو المتبادر إلى الذهن ولا يحتاج معه إلى تأويل ،واختلفوا في مواقعها على عدة أقوال لإن لفظة الموقع تدل على عدة معانٍ فهي تصلح بأن تكون مصدرا فيراد به النزول أو ظرف زمان فيراد به أزمنة النزول أو ظرف مكان فيراد به أماكن النزول.
فأما القول الأول : 
فالمراد بها : مَطالِعُها ومَساقِطُها، قالَهُ مُجاهِدٌ، والزجاج وأبو عبيدة ومكي بن أبي طالب والسمعاني والزمخشري وغيرهم .
التعليقات :

قال ابن جرير ت:310هـ)
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء، وذلك أن المواقع جمع موقع، والموقع المفعل، من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.

وقال السمعاني (ت:489هـ)
عن ابْن عَبَّاس: أَن معنى مواقع النُّجُوم أَي: مساقط النُّجُوم.
وَيُقَال: مساقطها ومطالعها أقسم بهَا لما علق بهَا من مصَالح الْعباد.

قال ابن عاشور ( ت:1393هـ)
مَواقِعِ النُّجُومِ جَمْعُ مَوْقِعٍ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَكانَ الوُقُوعِ، أيْ: مَحالُّ وُقُوعِها مِن ثَوابِتَ وسَيّارَةٍ. والوُقُوعُ يُطْلَقُ عَلى السُّقُوطِ، أيِ الهَوى، فَمَواقِعُ النُّجُومِ مَواضِعُ غُرُوبِها فَيَكُونُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: 1] والقَسَمُ بِذَلِكَ مِمّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ [المعارج: 40] . وجَعَلَ مَواقِعِ النُّجُومِ بِهَذا المَعْنى مُقْسَمًا بِهِ لِأنَّ تِلْكَ المَساقِطَ في حالِ سُقُوطِ النُّجُومِ عِنْدَها تُذَكِّرُ بِالنِّظامِ البَدِيعِ المَجْعُولِ لِسَيْرِ الكَواكِبِ كُلَّ لَيْلَةٍ لا يَخْتَلُّ ولا يَتَخَلَّفُ، وتُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ الكَواكِبِ وبِتَداوُلِها خِلْفَةً بَعْدَ أُخْرى، وذَلِكَ أمْرٌ عَظِيمٌ يَحِقُّ القَسَمُ بِهِ الرّاجِعُ إلى القَسَمِ بِمُبْدِعِهِ.
ومَن تَأوَّلَ النُّجُومَ عَلى أنَّها الكَواكِبُ، جَعَلَ الضَّمِيرَ في إنَّهُ يُفَسِّرُهُ سِياقُ الكَلامِ، كَقَوْلِهِ: ﴿حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ﴾ [ص: 32] .
الحجج:

قال ابن القيم رحمه الله :
ومن حجة قول من قال هي مساقطها عند الغروب أن الرب تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها إذ فيها وفي أحوالها الثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ الجَوارِ الكُنَّسِ﴾ وقال ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ وقال ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ)
ويرجح هذا القول أيضًا أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى ﴿وَإدْبارَ النُّجُومِ﴾ وقوله ﴿والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ﴾
وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه أحدها أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس.
وقال الالوسي:
وتَخْصِيصُها بِالقَسَمِ لِما في غُرُوبِها مِن زَوالِ أثَرِها، والدَّلالَةِ عَلى وُجُودِ مُؤَثِّرٍ دائِمٍ لا يَتَغَيَّرُ، ولِذا اسْتَدَلَّ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالأُفُولِ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ جَلَّ وعَلا، أوْ لِأنَّ ذَلِكَ وقْتُ قِيامِ المُتَهَجِّدِينَ والمُبْتَهِلِينَ إلَيْهِ تَعالى وأوانُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ عليهم .
وكذلك لما علق بهَا من مصَالح الْعباد.

التوجيه :

فيكون على هذا القول معنى قوله تعالى :( فلا أقسم بمواقع النجوم ) أي: فلا أقسم بمطالع النجوم ومغايبها كما في قوله تعالى ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) ، وفعل القسم يجب أن يكون للحال بِمَواقِعِ النُّجُومِ بمساقطها ومغاربها،لعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالا مخصوصة عظيمة، أو للملائكة عبادات موصوفة، أو لأنه وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه من عباده الصالحين، ونزول الرحمة والرضوان عليهم، فلذلك أقسم بمواقعها، واستعظم ذلك بقوله وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ.كما ذكر الزمخشري
.
- وقيل : مساقط النجوم ، وهذا قول قتادة والبخاري ونسب السمعاني هذا القول لابن عباس، ونسب النحاس والالوسي هذا القول إلى الحسن .

التعليقات :

قال السمعاني (ت:489هـ)
عن ابْن عَبَّاس: أَن معنى مواقع النُّجُوم أَي: مساقط النُّجُوم. وَيُقَال: مساقطها ومطالعها أقسم بهَا لما علق بهَا من مصَالح الْعباد.

قال ابن عاشور ( ت:1393هـ)
مَواقِعِ النُّجُومِ جَمْعُ مَوْقِعٍ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَكانَ الوُقُوعِ، أيْ: مَحالُّ وُقُوعِها مِن ثَوابِتَ وسَيّارَةٍ. والوُقُوعُ يُطْلَقُ عَلى السُّقُوطِ، أيِ الهَوى، فَمَواقِعُ النُّجُومِ مَواضِعُ غُرُوبِها فَيَكُونُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: 1] والقَسَمُ بِذَلِكَ مِمّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ [المعارج: 40] . وجَعَلَ مَواقِعِ النُّجُومِ بِهَذا المَعْنى مُقْسَمًا بِهِ لِأنَّ تِلْكَ المَساقِطَ في حالِ سُقُوطِ النُّجُومِ عِنْدَها تُذَكِّرُ بِالنِّظامِ البَدِيعِ المَجْعُولِ لِسَيْرِ الكَواكِبِ كُلَّ لَيْلَةٍ لا يَخْتَلُّ ولا يَتَخَلَّفُ، وتُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ الكَواكِبِ وبِتَداوُلِها خِلْفَةً بَعْدَ أُخْرى، وذَلِكَ أمْرٌ عَظِيمٌ يَحِقُّ القَسَمُ بِهِ الرّاجِعُ إلى القَسَمِ بِمُبْدِعِهِ.
التوجيه :

وذلك لأن مَواقِعِ النُّجُومِ جَمْعُ مَوْقِعٍ و يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَكانَ الوُقُوعِ، أيْ: مَحالُّ وُقُوعِها مِن ثَوابِتَ وسَيّارَةٍ. ولأن الوقوع يُطْلَقُ عَلى السُّقُوطِ، أيِ الهَوى، فَمَواقِعُ النُّجُومِ مَواضِعُ غُرُوبِها فَيَكُونُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿والنَّجْمِ إذا هَوى﴾ [النجم: 1] والقَسَمُ بِذَلِكَ مِمّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشارِقِ والمَغارِبِ﴾ [المعارج: 40] . وجَعَلَ مَواقِعِ النُّجُومِ بِهَذا المَعْنى مُقْسَمًا بِهِ لِأنَّ تِلْكَ المَساقِطَ في حالِ سُقُوطِ النُّجُومِ عِنْدَها تُذَكِّرُ بِالنِّظامِ البَدِيعِ المَجْعُولِ لِسَيْرِ الكَواكِبِ كُلَّ لَيْلَةٍ لا يَخْتَلُّ ولا يَتَخَلَّفُ، وتُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ الكَواكِبِ وبِتَداوُلِها خِلْفَةً بَعْدَ أُخْرى، وذَلِكَ أمْرٌ عَظِيمٌ يَحِقُّ القَسَمُ بِهِ الرّاجِعُ إلى القَسَمِ بِمُبْدِعِهِ. 
كما ذكر ابن عاشور .


وقيل : منازل النجوم ،قاله : عطاء وقتادة.
التعليقات :

قال ابن عاشور ( ت:1393هـ)
والمَواقِعُ هي: أفْلاكُ النُّجُومِ المَضْبُوطَةِ السَّيْرِ في أُفُقِ السَّماءِ، وكَذَلِكَ بُرُوجُها ومَنازِلُها.
الحجج:

قال الألوسي:
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ أنَّها مَنازِلُها ومَجارِيها عَلى أنَّ الوُقُوعَ النُّزُولُ كَما يُقالُ: عَلى الخَبِيرِ سَقَطْتَ وهو شائِعٌ والتَّخْصِيصُ لِأنَّ لَهُ تَعالى في ذَلِكَ مِنَ الدَّلِيلِ عَلى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وكَمالِ حِكْمَتِهِ ما لا يُحِيطُ بِهِ نِطاقُ البَيانِ
ويُطْلَقُ الوُقُوعُ عَلى الحُلُولِ في المَكانِ، يُقالُ: وقَعَتِ الإبِلُ، إذا بَرَكَتْ، ووَقَعَتِ الغَنَمُ في مَرابِضِها، ومِنهُ جاءَ اسْمُ الواقِعَةِ لِلْحادِثَةِ كَما تَقَدَّمَ، فالمَواقِعُ مَحالُّ وُقُوعِها وخُطُوطُ سَيْرِها فَيَكُونُ قَرِيبًا مِن قَوْلِهِ ﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ [البروج: 1] .
ا
التوجيه :

هذا القول مبناه على التفسير ببعض المعنى وهو : أن لفظ الوقوع يطلق على الحلول في المكان كما قال الألوسي :
ويُقالُ: وقَعَتِ الإبِلُ، إذا بَرَكَتْ، ووَقَعَتِ الغَنَمُ في مَرابِضِها، ومِنهُ جاءَ اسْمُ الواقِعَةِ لِلْحادِثَةِ كَما تَقَدَّمَ، فالمَواقِعُ مَحالُّ وُقُوعِها وخُطُوطُ سَيْرِها فَيَكُونُ قَرِيبًا مِن قَوْلِهِ ﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ [البروج: 1]
وقيل : هو انكدارها وانتثارها يوم القيامة ،وهذا قول الحسن 
.
التوجيه : 

هذا القول فسرت به الاية على بعض المعنى وهو السقوط لكن خصص ذلك بيوم القيامة ، وهو محمول على قوله تعالى : ( وإذا النجوم انكدرت ) .
وقيل : أنه انقضاضهاإثر العفاريت ،ذكره ابن عطية والثعالبي ولَم ينسباه.

التوجيه :

وحمل هذا القول على قوله تعالى :( إنَّا زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) الملك .
وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) الحجر. 
وذلك لأن من معاني الانقضاض السقوط ،فهو تفسير ببعض المعنى أيضا ، وهو من اجتهاد المفسر لأن المعنى يشمله ،لكن هذا التخصيص يحتاج إلى دليل يقويه ويستند إليه ، ولَم أَجِد أحدا من المفسرين علق عليه ، ولَم يثبت إسناد هذا القول.

وقيل : أن المراد بها ( السماء) التي هي محل النجوم ،نسبه المارودي لابن جريج .

التوجيه: 

ويوجه هذا القول إلى قراءة ( مواقع) بالأفراد والله أعلم .
وقيل :أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ إذا مُطِرُوا قالُوا: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذاوكذا ،وهذا القول منسوب إلى الضحاك .

التعليقات :

قال الألوسي:
وقِيلَ: مَواقِعُ النُّجُومِ هي الأنْواءُ الَّتِي يَزْعُمُ الجاهِلِيَّةُ أنَّهم يُمْطَرُونَ بِها، ولَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِن بَعْضِ الآثارِ الوارِدَةِ في سَبَبِ النُّزُولِ وسَنَذْكُرُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى ولَيْسَ نَصًّا في إرادَةِ الأنْواءِ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ أنْ يُرادَ المَغارِبُ مُطْلَقًا.
وروى الواحدي في اسباب النزول من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)) فنزلت هذه الآيات: {فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ}حتى بلغ: {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ} رواه مسلم .


وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حزرة قال: نزلت هذه الآيات في رجل من الأنصار في غزوة تبوك، نزلوا الحجر، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحلوا من مائها شيئا، ثم ارتحل ونزل منزلا آخر وليس معهم ماء، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فصلى ركعتين ثم دعا فأرسل الله سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها، فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه يتهم بالنفاق: ويحك أما ترى ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمطر الله علينا السماء، فقال: إنما مطرنا بنوء كذا وكذا). [لباب النقول: 252]
التوجيه :
قد يراد بهذا القول مساقط الأنواء ومطالعها، فإن الأنواء نجوم خاصّة، وقد يراد بالمواقع الأنواء نفسها، فتكون الأنواء مواقع القطر الذي ينزل منجّما على الأرض، أي أصله.
فهذا توجيهه من جهة اللغة كما ذكرت الاستاذة أمل حفظها الله .
أما مناسبة القول فهي كما روى الواحدي في أسباب النزول من طريق عكرمة عن ابن عباس قال :
مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا)) فنزلت هذه الآيات: {فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ}حتى بلغ: {وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ} رواه مسلم
فيكون مبنى القول على ما ورد في أسباب النزول في هذه الاية والله أعلم
القول الثاني:
أن المراد بها نجوم القران 
وقيل في ذلك عدة أقوال :
الأول : أنها منازل القرآن 

التعليقات :
قال السمعاني (ت:489هـ)
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أُخْرَى وَهُوَ قَول جمَاعَة كَثِيرَة من التَّابِعين (مِنْهُم) : الْحسن، وَقَتَادَة، وَعِكْرِمَة، وَغَيرهم أَن مواقع النُّجُوم هَاهُنَا نُجُوم الْقُرْآن، وَمعنى المواقع نُزُوله نجما نجما. وَفِي الْخَبَر: أَن الله تَعَالَى أنزل الْقُرْآن جملَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ أنزل نجما نجما فِي ثَلَاث وَعشْرين سنة إِلَى النَّبِي.
قال الالوسي:
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنْهُ أنْ قالَ: ««أُنْزِلَ القُرْآنُ في لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ السَّماءِ العُلْيا إلى السَّماءِ الدُّنْيا جُمْلَةً واحِدَةً ثُمَّ فُرِّقَ في السِّنِينَ»» وفي لَفْظٍ ««ثُمَّ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ الدُّنْيا إلى الأرْضِ نُجُومًا ثُمَّ قَرَأ فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ»» وأُيِّدَ هَذا القَوْلُ بِأنَّ الضَّمِيرَ في قَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ﴾ يَعُودُ حِينَئِذٍ عَلى ما يُفْهَمُ مِن مَواقِعِ النُّجُومِ حَتّى يَكادَ يُعَدُّ كالمَذْكُورِ صَرِيحًا ولا يَحْتاجُ إلى أنْ يُقالَ يُفَسِّرُهُ السِّياقُ كَما في سائِرِ الأقْوالِ، ووَجْهُ التَّخْصِيصِ أظْهَرُ مِن أنْ يَخْفى، ولَعَلَّ الكَلامَ عَلَيْهِ مِن بابِ «وثَناياكَ إنَّها إغْرِيضٌ».
ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن تَأوَّلَ النُّجُومَ أنَّها جَمْعُ نَجْمٍ وهو القِسْطُ الشَّيْءُ مِن مالٍ وغَيْرِهِ كَما يُقالُ: نُجُومُ الدِّياتِ والغَراماتِ وجَعَلُوا النُّجُومَ، أيِ: الطَّوائِفَ مِنَ الآياتِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ القُرْآنِ وهو عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةَ فَيُؤَوَّلُ إلى القَسَمِ بِالقُرْآنِ عَلى حَقِيقَتِهِ عَلى نَحْوِ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والكِتابِ المُبِينِ﴾ [الزخرف: 2] ﴿إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف: 3]
قال الزمخشري:
وقيل: مواقع النجوم: أوقات وقوع نجوم القرآن، أى: أوقات نزولها كريم حسن مرضى في جنسه من الكتب. 
قال القاسمي:

والثاني: أنها نجوم القرآن، رواه ابن جبير عن ابن عباس .
فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها "وإنه لقسم" الهاء كناية عن القسم . 
وفي الكلام تقديم وتأخير، تقديره: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه . ثم ذكر المقسم عليه فقال تعالى: إنه لقرآن كريم .
الحجج:
قال أبو حيّان (ت:745هـ)
قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وعِكْرِمَةُ ومُجاهِدٌ وغَيْرُهم: هي نُجُومُ القُرْآنِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلى رَسُولِ اللَّهِ، ﷺ، ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ﴾، فَعادَ الضَّمِيرُ عَلى ما يُفْهَمُ مِن قَوْلِهِ: ﴿بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾، أيْ نُجُومِ القُرْآنِ
قال الزجاج:
هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن ، والضمير في " إنه " على القسم الذي يدل عليه " أقسم " ، والمعنى إن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون .

التوجيه :

يمكن حمل هذا القول على ظاهره، وهو أن يراد به موقع القرآن في السماء الدنيا بعد نزوله إليها ليلة القدر، فيكون القسم هنا بمنازل القرآن


وقيل: أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ هو مُحْكَمُ القُرْآنِ، حَكاهُ الفَرّاءُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ورواه ابن جرير عن مجاهد
التعليقات :

وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ المِنهالِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: «قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾
قالَ: بِمُحْكَمِ القُرْآنِ، فَكانَ يَنْزِلُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ نُجُومًا» .
التوجيه :

وأما قول ابن مسعود: "بمحكم القرآن" فالظاهر أنه يقصد أن مواقع النجوم هي محكم القرآن لا أن النجوم هي محكم القرآن، وابن مسعود كان يقرأ بالإفراد "بموقع النجوم" ويفسّره بمحكم القرآن، والموقع قد يراد به أصل الشيء الذي يوقع فيه، فالظاهر أن محكم القرآن هو موقع الآيات التي نزلت منجّمة، أي هو أصلها، كقوله تعالى: {فيه آيات محكمات هنّ أم الكتاب} أي أصله ومعظمه، ويكون القول من باب إضافة البعض إلى الكل. هذا توجيه الشيخ عبد العزيز حفظه الله
.
وقيل :أنهامستقر الكتاب أوله وآخره ،قاله ابن عباس .

التوجيه : 

فمعناه القسم بمنازل القران ، ولعل المعنى هنا أن المراد بالمواقع مكان نزول القران في السماء الدنيا ليلة القدر ،والله أعلم .
ولَم أَجِد أحدا من المفسرين علق على هذا القول .
الترجيح :
الراجح هو القول بأنها نجوم السماء ، وخصصت بِالقَسَمِ لِما في غُرُوبِها مِن زَوالِ أثَرِها، والدَّلالَةِ عَلى وُجُودِ مُؤَثِّرٍ دائِمٍ لا يَتَغَيَّرُ، ولِذا اسْتَدَلَّ الخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالأُفُولِ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ جَلَّ وعَلا، أوْ لِأنَّ ذَلِكَ وقْتُ قِيامِ المُتَهَجِّدِينَ والمُبْتَهِلِينَ إلَيْهِ تَعالى وأوانُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ عَلَيْهِمْ.
وقد رجح هذا القول جمهور المفسرين ورجحه ان جرير وابن القيم رحمها الله ، ويتبين لنا من جمع هذه الأقوال أنه لا تعارض بينها ويمكن الجمع بين القولين لكن يقدم القول الأول لما شهدت الآيات على صحته .
هذا والله تعالى أعلم بالصواب .


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الأولى 1439هـ/29-01-2018م, 11:24 PM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

المرحلة الرابعة.

موضوع البحث:
تعيين المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75)} الواقعة.
المطلوب:
8: دراسة الأقوال الواردة في المسألة ومناقشتها وبيان القول الراجح.

اختلف في المراد بمواقع النجوم وقيل فيها :

أولاً: نجوم القرآن ، فالمراد به على أقوال :

1/ قيل محكم القرآن، قاله عبدالله بن مسعود وابن عباس ومجاهد 
_روى الفراء : حدثني الفضيل بن عياض, عن منصور, عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم شك الفراء قال: { فلا أقسم بموقع النجوم}, قال: بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه نجوما).، وهذا القول شك به الفراء فيما رواه . 
_وروى ابن جرير الطبري : حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: هو محكم القرآن.
_وكما ذكر في صحيح البخاري قوله : بمحكم القرآن، ويقال: بمسقط النّجوم إذا سقطن، ومواقع وموقعٌ واحدٌ "). 
عند السلف رضوان الله عليهم ،أن المحكم ما ظهر معناه وانكشف كشفا يزيل الإشكال ويرفع الاحتمال وهو موجود في كلام الله تعالى ويقابله المتشابه . 
لكن محكم القرآن بصفة عامة يراد به ،الإحكام العام لوصف كتاب الله ، فهو محكم القرآن وآياته ومعجزاته ، قال تعالى :( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) ، فكما النجم نهتدي به من ظلمات البحر والبحر ، فكذلك القرآن هداية للبشر من الظلمات إلى النور وهو أبلغ تشبيه. والله أعلم .

2/ وقيل منازل القرآن،، إذ أنزل منجماً على رسول الله سنيناً . قاله ابن عباس ، وعكرمة 
_روى ان جرير :حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا حصينٌ، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السّماء العليا إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا . وروى ابن جرير : حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: أنزل اللّه القرآن نجومًا ثلاث آياتٍ وأربع آياتٍ وخمس آياتٍ. 
قال الزجاج : وقيل إن مواقع النجوم يعنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , ودليل هذا القول : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}).
فمعنى ذلك مواقعها هو نزولها ، ونجوماً هو نزولها متفرقة شيئاً بعد شيء في سنين ، فالقرآن أنزل جملة واحدة في السماء ، ثم أنزل متفرقاً على النبي صلى الله عليه وسلم .

3/وقيل مستقر الكتاب أوله وآخره). قاله ابن عباس 
روى بن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {فلا أقسم بمواقع النجوم} قال: مستقر الكتاب أوله وآخره) .
فكما أنزل القرآن منجماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا مبتداه ومنتهاه ، فنزوله على مراحل من اللوح المحفوظ للسماء الدنيا ثم نزوله متفرقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
قال السدي : وقِيلَ المُرادُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ نُزُولُ القُرْآنِ نُجُومًا مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ .
فكما في الأثر عن ابن عباس نزوله منجماً على على رسول الله ،فهو من الاخبار مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم 
ثانياً: وقيل الكواكب. ومنها نجوم السماء، مما أجمع عليه جمهور المفسرين لكن الاختلاف في مواقعها على أقوال :

1/مواقعها و مساقطها , ومغايبها ،قاله أبو عبيدة ، ومجاهد ، وقتادة ، وقاله عطاء بن رباح ، وقاله الحسن . 
_قال أبو عبيدة : (فأقسم بمواقع النجوم , ومواقعها مساقطها , ومغايبها). 
_روى ابن جرير الطبري : حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.
_وروى ابن جرير الطبري : حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها.
هذه الأحوال تكون في الدنيا ،. من غروبها ، وسقوطها ، ومواقعها ، فهذا دليل عظمة خالقهاوقدرته وبديع صنعه .
قال ابن تيمية : أن الرب تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها إذ فيها وفي أحوالها الثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى ( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) وقال ( والنجم إذا هوى ) وقال ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب 
قال الزجاج :ومواقع النجوم مساقطها، كما قال عزّ وجلّ : {فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب} . 
فمعنى ذلك سقوط النجوم سواء في المشارق أو المغارب ، فهو محل الوقوع لخط سيرها ، ومكان مغيبها بعلم الله سبحانه .

2/ وقيل منازل النجوم 
قاله قتادة ، وعطاء بن رباح 
-رواه عبدالرازق : عن معمر عن قتادة في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم قال منازل النجوم ،كذلك قاله عطاء . 
وقال ابن عاشور : والمواقع هي : أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء ، وكذلك بروجها ومنازلها ،فيقصد بالمنازل هي أماكنها في بروجها ، فهي كسابقتها مواقعها ومحل خط سيرها بمنظومة عالية ،تدل على قدرة الخالق ، وحال غروبها وزوال أثرها.

3/وقيل انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
قاله الحسن .
رواه ابن جرير : حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
هذا القول هو التفسير باللازم ، وهو دليل على أهوال يوم القيامة من انكدار النجوم لقوله (وإذا النجوم انكدرت ) . 
وهو اثبات وقوع يوم القيامة ومافيها من أهوال ورد على الكفار لإنكارهم البعث .
قال ابن عطية : ولعل وقوعها ذلك اليوم ليس دفعة واحدة ، والتخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل ، وتحقق ما ينكره الكفار من البعث .

4/وقيل هي الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا.
قاله الضحاك .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ: الْأَنْوَاءَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مُطِروا، قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا.
ولحديث ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس : ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب) رواه مسلم 
قال ابن الأثير : المراد بالنوء في حديث الباب النجم ، وسمي نوءاً ،لأنه إذا سقط الساقط منها في المغرب ناء الطالع بالمشرق ، ينوء نوءاً ، أي :نهض وطلع ،وقيل : سقط وغاب . 
فالعرب في الجاهلية يعتقدون بالنجوم إذا سقط منها نجم طلع بدله نجم ، فينزل المطر ، فينسبونه للإنواء ، ويقولون مطرنا بنوء كذا .
.
5/ وقِيلَ: مَواقِعُها عِنْدَ الِانْقِضاضِ إثْرَ العَفارِيتِ، ذكره ابن عطية وفخر الدين الرازي قولاً في تفسيرهما . 
قال الرازي : مَواقِعُها في اتِّباعِ الشَّياطِينِ عِنْدَ المُزاحَمَةِ.
فمن وظائف النجوم رجوم للشياطين ، ولكل من يسترق السمع منهم ، فهي من اعجاز الله وحفظه لكتابه من الاستراق ،قال تعالى :(وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُومًا لِّلشَّيَٰطِينِ ۖ) ، وقال سبحانه :( لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ). 
قال ابن عاشور : أي لا يتركهم الرمي بالشهب منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوب بل تدحرهم قبل وصولهم فلا يتلقفون من عِلم ما يجري في الملأ الأعلى الأشياء مخطوفة غير متبينة ، وذلك أبعد لهم من أن يسمعوا لأنهم لا ينتهون فلا يسمعون .
فالراجح أن المراد بمواقع النجوم ،عند أكثر المفسرين هي الكواكب المعروفة ، وجريانها ومنازلها ، ومطالعها ، فهي إعجاز من الخالق ، لكل مستقر ومستودع فسبحان الله أحسن الخالقين .
قال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
و قال ابن القيم : لأن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد بها الكواكب .

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 جمادى الآخرة 1439هـ/14-03-2018م, 10:50 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

فاطمة الزهراء أحمد
بارك الله فيك ونفع بك.
على هذا التطبيق عدة ملاحظات:
- أنه كله عبارة عن تجميع وترتيب لفقرات خاصّة من التفاسير، حتى إنك نقلتِ كلاما بلسان الألوسي في القول بالأنواء.
- لا يظهر مما كتبتيه فرقا بين التوجيه والحجج، كما أنك تذكري توجيهين لنفس القول أحيانا، وتكررين الكلام في أكثر من فقرة من التطبيق، وكل ذلك بسبب الاعتماد على النسخ واللصق.
- نحن نحتاج إلى أقوال السلف في المسألة، ولا داعي لذكر غيرهم من المفسّرين الذين ليس لأقوالهم فصل في المسألة كالزمخشري، فإن هذا تطويل لا فائدة منه.
- قد تمّ تخريج الأقوال في التطبيقات السابقة، فكيف نعود إلى قول "نسبه السمعاني إلى ابن عباس"؟ وهل ثبت عن ابن عباس أنه فسّر مواقع النجوم بمساقط نجوم السماء؟
فأرجو كتابة التحرير النهائي بأسلوبك والاستفادة من بعض النصوص للضرورة فقط، وإحسان عرض التحرير، وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 جمادى الآخرة 1439هـ/14-03-2018م, 11:25 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

بدرية صالح
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وأرجو مراعاة حسن التنسيق والعرض في التحرير النهائي.
مع مراجعة التعليقات على تقويم التطبيقات السابقة خاصة توجيه القول بمحكم القرآن، ومراجعة الأقوال في سبب نزول الآية من موقع الجمهرة.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 رجب 1439هـ/22-03-2018م, 12:10 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

المرحلة الرابعة
اختلف المفسرون في المراد بمواقع النجوم على قولين :
القول الأول : أن المراد نجوم القرآن ، إذا أنه نزل منجما على مدار ثلاثة وعشرين عاما .
القول الثاني : أن المراد نجوم السماء ، وهي الكواكب المعروفة .
القول الأول : أن المراد نجوم القرآن : اختلف من قال بذلك على قولين :
1- هي نجوم القرآن ، إذ أن القرآن نزل منجما من السماء الدنيا على نحو ثلاثة وعشرين عاما .
وهو قول ابن عباس وعكرمة
وهذا القول مبني على تأول بعض المفسرين النجوم أنها جمع نجم وهو القِسط من الشيء من مال وغيره ، فجعلوا المعنى : الطوائف من الآيات التي تنزل من القرآن ، فهذا تفسير ببعض المعنى .
وقد ثبت عن ابن عباس وغيره أن الله سبحانه أنزل القرآن من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث في أمته
ويمكن حمل قول ابن عباس على ظاهره ، وهو أن يراد بالمواقع معنى النزول وأماكن النزول وأزمنة النزول سواء في الدنيا أو في الأرض .
2- هي محكم القرآن
هو قول ابن مسعود ومجاهد وذكره البخاري في صحيحه
وهذا القول مبني على أن الضمير في قوله (إنه لقرآن كريم) بعدها يرجع إلى مواقع النجوم ، وقد رد بعضهم القول بأن الضمير يعود على القرآن ، وإن لم يتقدم ذكره لشهرة الأمر ووضوح المعنى ، كما في قوله تعالى : (كل من عليها فان) ..
والظاهر من قول ابن مسعود رضي الله عنه أن مواقع النجوم هي محكم القرآن لا أن النجوم هي محكم القرآن ، بدليل قراءته (مواقع) بالإفراد .
قال الشيخ عبد العزيز الداخل -حفظه الله - : والمحكم عند السلف ضد المتشابه ، وقد يراد به أصل الشيء ، فالظاهر أن محكم القرآن هو موقع الآيات التي هو أصلها ، كقوله تعالى : (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب) فيكون المراد القسم بأصل القرآن .

القول الثاني : أن المراد بالنجوم هي نجوم السماء والكواكب المعروفة ، ثم اختلف من قال بذلك في موقعها على أقوال :
1- هي منازل النجوم
وهو قول قتادة وعطاء .
وهذا القول مبني على أن مواقع جمع موقع ويطلق على أفلاك النجوم المضبوطة السير في أفق السماء ، فيكون المعنى منازلها وبروجها ، ويكون معنى الوقوع النزول .

2- مساقطها ومطالعها
وهو قول مجاهد وقتادة والحسن والزجاج في معاني القرآن .
وهذا القول مبني على أن الموقع يطلق ويراد به الحلول في المكان ، فيكون المعنى محال وقوعها وطلوعها وخطوط سيرها .
ويكون معنى الآية فلا أقسم بمطالع النجوم ومساقطها ، كما قال تعالى : (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) .
3- مساقطها حيث تغيب
وهو قول الفراء وأبي عبيدة وقتادة وذكر البخاري في صحيحه .
وهذا القول مبني على أن المواقع جمع موقع وهو مفعِل من وقع يقع موقعا ، ويطلق على مكان الوقوع أي السقوط فيكون مواقع النجوم أي مواضع غروبها .
وقد رجح الطبري هذا القول ، وقال إن الأغلب في معانيها هذا المعنى .
4- انكدارها وانتثارها يوم القيامة

وهو قول الحسن
وهذا القول مأخوذ من حمل معنى المواقع على الوقوع والسقوط ، وليس الحلول والنزول ، ويكون ذلك من علامات يوم القيامة ، كما جاء في قوله تعالى : (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) فهو تفسير ببعض لازم المعنى للتنبيه على أن ذلك يكون يوم القيامة ، فيكون انتثار النجوم يوم القيامة هو أحد معاني وقوعها، فإن للنجوم مواقع في السماء ومواقع في الأرض، فأما مواقعها في السماء فهي محالّها ومطالعها ومساقطها وأفلاكها التي تسير فيها، وأما مواقعها على الأرض فتشمل انقضاضها لرجم مسترقي السمع من الشياطين وهذا يكون في الدنيا، وتشمل انتثارها يوم تنكدر وتتلاشى عند قيام الساعة. .

5- الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا أمطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا

وهذا القول نسبه الماوردي للضحاك .
وهذا القول مبني على أن (فلا أقسم) ‏ مستعملاً على حقيقته في نفي القسم .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس : ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأما مَن قال: مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب)).رواه البخاري
ولمسلم من حديث ابن عباس: فنزلت هذه الآية: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ [الواقعة: 75]، حتى بلغ: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82].
6- مواقعها عند الانقضاض على العفاريت
وهو قول ذكره ابن عطية في تفسيره دون نسبة لأحد .
ويكون الوقوع هنا بمعنى السقوط نفسه ، وليس محل السقوط ،
ويؤيد هذا القول قوله تعالى في سورة الصافات : (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد )
فهو تفسير ببعض لازم المعنى ، للتنبه على دخول هذا المعنى في تفسير الآية ، فإن الانقضاض على العفاريت وظيفة من وظائف النجوم ، وليس هي كل الوظائف .

الترجيح
يتبين مما سبق أن أكثر المفسرين على أن المراد بالنجوم هي نجوم السماء وكواكبها ، وأن مواقع النجوم أي مساقطها ومغاربها ومنازلها في السماء ، وانتثارها يوم القيامة ، وكذا انقضاضها على العفاريت ، ويؤيد ذلك النصوص القرآنية الكثيرة .
وقد رجح هذا القول جمهور المفسرين واختاره ابن جرير وابن عاشور .
أما القول الأول بأن المراد بمواقع النجوم هو نجوم القرآن ، ونزوله على مدار أكثر من عشرين عاما فهو قول محتمل في اللغة ، كما اختاره ابن عباس ومجاهد أيضا والبخاري وغيرهم ، لذا فإننا نرجح الجمع بين القولين لعدم وجود ما يمنع الجمع ، فلا منافاة بين المعنيين .
هذا والله أعلم .


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 13 رجب 1439هـ/29-03-2018م, 02:20 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

هناء هلال
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- يبدو أنه حصل سهو في القول الأول، فنقول إن أصحابه اختلفوا في المواقع على قولين: الأول أن المراد بها نزوله، فيكون القسم على نزول القرآن مفرّقا، أو أزمان نزوله أو أماكن نزوله، وقد يكون القسم على منازله في السماء في اللوح المحفوظ وفي البيت المعمور في السماء الدنيا.
- سبق وأن ذكرنا أن الاستناد إلى سبب النزول في القول بأن مواقع النجوم هي الأنواء لا يصحّ، ولكن يمكن توجيه القول لغويا.
والراجح أن قوله تعالى: {فلا أقسم} يراد به حقيقة القسم.
والملاحظ على التطبيق أن غالبه في توجيه الأقوال، أما فقرة الدراسة والترجيح فمختصرة جدا، والمطلوب ذكر ترجيحات المفسّرين المعتبرين كلهم وبيان ما استندوا إليه في ترجيحاتهم، ثم الخلوص إلى الراجح في المسألة.
والصحيح في المسألة أن لفظ النجوم من الألفاظ العامّة التي لها أفراد متنوّعة، فصحّ حمل لفظ المواقع على جميع ما ذكر، وهذا من دلائل سعة معاني القرآن ودلالته على المعاني الكثيرة العظيمة بألفاظ وجيزة.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 18 رجب 1439هـ/3-04-2018م, 10:03 AM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي



تعيين المراد بمواقع النجوم في قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم (75)} الواقعة.
المطلوب:
8: دراسة الأقوال الواردة في المسألة ومناقشتها وبيان القول الراجح.
- القول الأول : المراد بها نجوم القرآن .

- ويتفرع عنه قولان .

1- أن المراد نجوم القرآن وأنه كان ينزل منجما على حسب الوقائع.

قال به ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد والسدي وأبو حزرة.
ما رواه قتادة رواه عبد الرزاق (عن معمر عن قتادة في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم قال منازل النجوم قال معمر وقال الكلبي هو القرآن كان ينزل نجوما).
وما رواه ابن عباس رواه النسائي عن إسماعيل بن مسعودٍ، عن المعتمر بن سليمان، عن أبي عوانة، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " نزل القرآن جميعًا في ليلة القدر إلى السّماء الدّنيا، ثمّ فصّل فنزل في السّنين)
ورواه ابن حرير بنحو هذا اللفظ من طريق حكيم بن جبير .
- وذكر السيوطي قال حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. قال: أنزل اللّه القرآن نجومًا ثلاث آياتٍ وأربع آياتٍ وخمس آياتٍ.



التوجيه
قال الزجاج إن مواقعِ النجومِ يعنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نُجُوماً شيئاَ بَعْدَ شَيءٍ ودليل هذا القول (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)
وقال ابن عاشور ومن المفسرين من تأول النجوم أنها جمع نجم وهو القسط الشيء من مال وغيره كما يقال: نجوم الديات والغرامات وجعلوا النجوم، أي الطوائف من الآيات التي تنزل من القرآن وهو ما روي عن ابن عباس وعكرمة فيؤول إلى القسم بالقرآن على حقيقته على نحو ما تقدم في قوله تعالى:( والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا)

2- محكم القرآن .
قال به عبد الله بن مسعود ومجاهد
روى ابن جرير وذكر أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ والعيني و القسطلاني والسيوطي (قوله بمواقع النّجوم) أي بمحكم القرآن و قال الفرّاء حدّثنا فضيل بن عياضٍ عن منصورٍ عن المنهال بن عمرٍو قال قرأ عبد اللّه فلا أقسم بمواقع النّجوم قال بمحكم القرآن.
وقال العَيْنِيُّ قوله (ومواقع وموقعٌ واحدٌ, وفسره بشيئين أحدهما قوله: (بمحكم القرآن) واستدل القسطلاني عليه بقوله ( إنه لقرآن كريم )

التوجية
هذا القول لابن مسعود و كان يقرأ بالإفراد "بموقع النجوم" ويفسّره بمحكم القرآن، فهو من الصحابة الكبار الذين عاصروا التنزيل وقرأوا على النبي صلى الله عليه وسلم
فالمحكم من القرآن موقع القرآن الذي نزلت منه الآيات منجمة كما في قوله تعالى: {فيه آيات محكمات هنّ أم الكتاب} أي أصله ومعظمه ,كما وجه ذلك شيخنا الفاضل .



القول الثاني : أنها نجوم السماء:
وتوجيه هذا القول أن الأصل أن يحمل كلام الله على ظاهره وهذا هو المعروف في استعمال اللفظ وأنه متى أطلق أريد به نجوم السماء , لكن المعنى يحتمله فلذلك فسره بعض الصحابة بالقرآن وكذلك لدلالة السياق عليه .

وفيه أقوال :
1- مساقط النجوم ومطالعها .

قاله مجاهد وقتادة والحسن .
فما قاله مجاهد رواه ابن جرير عن محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ عن عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.
وما قاله قتادة رواه ابن جرير عن بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها.

التوجيه:
قال ابن جرير الطبري أن المراد بذلك مواقعها ومغايبها ومساقطها لإن مواقع جمع موقع والموقع المفعل من وقع يقع موقعا وهو الأظهر من معانيه.
ويؤيده ما قاله الفراء عندما فسر قوله موقع بمسقط النجوم إذا سقطن, على إحدى القراءتين في الآية .
واستدل عليه بقوله (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ).

قال ابن جزي قول كثير من المفسرين: أن النجوم الكواكب ومواقعها مغاربها ومساقطها.


2- وقيل أن مواقع النجوم مواقعها وأفلاكها في السماء.

قاله قتادة رواه ابن جرير الطبري عن ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: بمنازل النّجوم.
التوجيه :
وقال ابن عاشور (ويطلق الوقوع على الحلول في المكان، يقال: وقعت الإبل، إذا بركت، ووقعت الغنم في مرابضها، ومنه جاء اسم الواقعة للحادثة , فالمواقع: محال وقوعها وخطوط سيرها فيكون قريبا )من قوله: (والسماء ذات البروج).


3- وقيل انكدارها وانتثارها يوم القيامة .
قاله الحسن .

رواه ابن جرير عن بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
التوجيه
ويدل عليه قوله تعالى ( وإذا النجوم انكدرت)

4-الأنواء التي كانوا في الجاهلية يقولون مطرنا بنوء كذا
ونسب هذا القول إلى الضحاك
التوجيه :
قد يكون المراد به مساقط الأنواء ومطالعها، سواء كانت النجوم نفسها التي يطلق عليها الأنواء أو مواقع وقوع القطر على الأرض منجما .
وأما بالنسبة لسبب النزول قال النووي رحمه الله قال ابن الصلاح كل الروايات التي ذكرت في سبب النزول إنما هي في قوله تعالى ( وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون )وإنما ذكرت في غير ذلك ولكن اجتمعا في وقت النزول فذكر الجميع , وقد ذكر هذا الحديث بعض المفسرين بلا تعقب كالبغوي والقرطبي، ومنهم من تعقبه كابن عاشور.
قال البغوي: (وهذا في الاستسقاء بالأنواء وذلك أنهم كانوا يقولون إذا مطروا: مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من فضل اللَّه تعالى فقيل لهم: أتجعلون رزقكم أي شكركم بما رزقتم يعني شكر رزقكم التكذيب). اهـ.
أما ابن عاشور فإنه لما ذكر حديث زيد بن خالد الجهني في صلاة الصبح في الحديبية مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (وليس فيه زيادة فنزلت هذه الآية ولوكان نزولها يومئذٍ لقاله الصحابي الحاضر ذلك اليوم، ثم ذكر حديث ابن عبَّاسٍ حتى قال: وابن عبَّاسٍ لم يكن في سن أهل الرواية في مدة نزول هذه السورة بمكة فلعل قوله فنزلت تأويل منه لأنه أراد أن الناس مُطروا في مكة في صدر الإسلام فقال المؤمنون قولاً وقال المشركون قولاً فنزلت آية: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) تنديدًا على المشركين منهم بعقيدة من العقائد التي أنكرها اللَّه عليهم وأن ما وقع في الحديبية مطر آخر لأن السورة نزلت قبل الهجرة ولم يروا أن هذه الآية أُلحقت بالسورة بعد نزول السورة ولعل الراوي عنه لم يحسن التعبير عن كلامه فأوهم بقوله: (فنزلت (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) بأن يكون ابن عبَّاسٍ قال: فتلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) أو نحو تلك العبارة. وقد تكرر مثل هذا الإيهام في أخبار أسباب النزول ويناكد هذا صيغة (تكذبون) لأن قولهم مطرنا بنوء كذا ليس فيه تكذيب بشيء) اهـ.
أما الطبري وابن عطية وابن كثير فلم يذكروا حديث ابن عبَّاسٍ سببًا لنزولها. ذكره خالد المزيني في المحرر في أسباب النزول .

5- مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت.
ذكره ابن عطية من غير إسناد.
التوجيه :
أن رجم الشياطين شكل من أشكال وقوع النجوم.
يؤيد هذا القول قوله تعالى ( وجعلناها رجوما للشياطين ) والحكمة التي خلق الله من أجلها النجوم أنها مصابيح وحفظا .

الدراسة والبحث:
رجح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي القول بأن المراد نجوم القرآن سواء كان المراد محكمه الذي هو أصله في اللوح المحفوظ أو نزوله منجما على حسب الوقائع فكلها ترجع لمعنى واحد وذكر سبب ترجيحه لأمرين فقال :
أحدهما: أن هذا الذي أقسم الله عليه بالنجم إذا هوى الذي هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - على حق وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى - موافق في المعنى لما أقسم عليه بمواقع النجوم، وهو قوله: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون إلى قوله: تنزيل من رب العالمين.
والثاني: أن كون المقسم به المعبر بالنجوم هو القرآن العظيم - أنسب لقوله بعده: وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ، لأن هذا التعظيم من الله يدل على أن هذا المقسم به في غاية العظمة.
ولا شك أن القرآن الذي هو كلام الله أنسب لذلك من نجوم السماء ونجم الأرض. والعلم عند الله تعالى.أه

(ومواقع ) وقعت مصدر فتحمل على معنى النزول وأماكن النزول وزمن النزول .

ويحمل قول ابن عباس بموقع النجوم على ظاهره، وهو أن يراد به موقع القرآن في السماء الدنيا بعد نزوله إليها جملة في ليلة القدر.
ورجح الطبري القول الثاني أن المراد به نجوم السماء مواقعها ومغايبها ومساقطها لإن مواقع جمع موقع والموقع المفعل من وقع يقع موقعا وهو الأظهر من معانيه.
ويؤيده ما قاله الفراء عندما فسر قوله موقع بمسقط النجوم إذا سقطن, على إحدى القراءتين في الآية .
وأن الله عز وجل قال (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ).
وأحسن ابن القيم عندما جمع بين الروايتين في التبيان في أقسام القرآن فقال (أنّ النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الغي والجهل، فتلك هداية في الظلمات الحسية، وآيات القرآن هداية في الظلمات المعنوية، فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الزينة الظاهرة للعالم وفي القرآن من الزينة الباطنة، ومع ما في النجوم من الرجوم للشياطين، وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن، والنجوم آياته المشهودة العيانية، والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النّزول).
















رد مع اقتباس
  #13  
قديم 4 شعبان 1439هـ/19-04-2018م, 03:06 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

دراسة الأقوال مع الترجيح :
اختلف العلماء في تعيين المراد بمواقع النجوم على قولين :[/size]
🔹[blue"]القول الأول[/color]
: من تأول أن المراد بالنجوم نجوم السماء ،وهو المعهود من كلام العرب أخذاً بظاهر النص بلا تأويل، وهواختيار عامة السلف وجمهور المفسرين،ورجحه ابن جرير،وانتصر له ابن القيم بقوله:(ويرجح هذا القول أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى:(وإدبار النجوم) وقوله (والشمس والقمر والنجوم ...) وذكر أن لذلك مناسبة، وهو أن القرآن يهتدى به في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل فجمع بين الهدايتين، ومع ما في النجوم من الرجوم من الشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الأنس .
🔹[size="5"]القول الثاني [/size]:من تأول أن المراد بالنجوم ، نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء،كماروى ابن جرير عن حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس قال : نزل القرآن في ليلة القدر من السّماء العليا إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرّق في السّنين بعد قال: وتلا ابن عبّاسٍ هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: نزل متفرّقًا.
ويدل عليه قول مجاهد ،وبن مسعود ،وهوالذي اختاره البخاري وغيره ،وقال به الزجاج مستدلاً بقوله تعالى (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم*إنه لقرآن عظيم ) واختاره صاحب البيان واحتج له ، وهو أيضاً محتمل من جهة اللغة لأن لفظة النجوم من الألفاظ المشتركة التي لها معان صحيحة متعددة
في اللغة ولا تخالف نصا.
ومن هذين القولين الذي قال بهما عدد من السلف والمفسرين تفرعت أقوال لكل واحد منهما دليله،فمنه ما يشهد له المعنى ومنه ما يحتمله اللفظ ، وهذا من دلالة بلاغة القرآن وإعجازه حيث احتمل اللفظ عدة معاني متنوعة .
🔹[size="5"]من تأول أن المراد بالنجوم نجوم السماء تعددت أقوالهم فيه ، [/size]
فمنهم من قال أن المراد بمواقع النجوم مساقط النجوم ومغاربها حيث تغيب ، قال به مجاهد، وقتادة، والحسن، وقال به أبو عبيدة في مجاز القرآن، والزجاج في معاني القرآن، والمكي في العمدة وغيرهم ، وهذا القول رجحه ابن جرير وذكر أنه أولى الأقوال بالصّواب، وقال أبو السعود : ﴿بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ أيْ: بِمَساقِطِها وهي مَغارِبُها وتَخْصِيصُها بِالقَسَمِ لِما في غُرُوبِها مِن زَوالِ أثَرِها، والدَّلالَةِ عَلى وُجُودِ مُؤَثِّرٍ دائِمٍ لا يَتَغَيَّرُ أوْ لِأنَّ ذَلِكَ وقْتُ قِيامِ المُتَهَجِّدِينَ والمُبْتَهِلِينَ إلَيْهِ تَعالى وأوانُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ والرِّضْوانِ عَلَيْهِمْ)
ولعل قول قتادة وعطا بمنازل النجوم يندرج بهذا القول ويشمله ولا يفرد له قول مستقل، لأنه مناسب لقوله تعالى(وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) ويدل عليه النص وتؤيده النصوص في مواضع أخر.
وقيل : انكدارها وانتثارها يوم القيامة، وهو من باب الإشتراك اللفظي قال به الحسن حيث فسر الوقوع بوقوع مخصوص يوم القيامة ، كما قال تعالى :( وإذا النجوم انكدرت) وذلك لما في ذلك اليوم
من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث ،وقد يفهم من دلالة الآيات وسياقها، حيث أظهرت عظيم فضله وقدرته على البعث التي يكذب بها المشركون بالقسم على صدق القرآن .
وقيل :مواقع النجوم ،انقضاضها أثر الشياطين .
ذكره ابن عطية وأبو حيان ولم يسنداه، والانقضاض هو السقوط بهوى وسرعة، وهذا مما يشمله المعنى وإن لم يؤثر عن السلف، روى البخارى عن ابو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا قَضَى اللَّهُ فِي السَّمَاءِ أَمْرًا ضَرَبَتِ الْمَلائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٍ عَلَى صَفْوَانَ ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذِي قَالَ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ ، وَهُمْ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ الآخَرِ ، وَأَشَارَ سُفْيَانُ بِأَصَابِعِهِ ، وَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ فَيُحْرِقُهُ ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ ، حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي أَسْفَلَ مِنْهُ وَيَرْمِيَهَا الآخَرُ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ، فَيَلْقِيَهَا عَلَى فَمِ السَّاحِرِ ، أَوِ الْكَاهِنِ فَيَكْذِبُ عَلَيْهَا مَا يُرِيدُ ، فَيُحَدِّثُ بِهَا النَّاسَ ، فَيَقُولُونَ : قَدْ أَخْبَرَنَا بِكَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا ، فَيُصَدَّقُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ "
قال قتادة رحمه الله تعالى " خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا ؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ : أَخْطَأَ ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ " .
]وقيل : الأنواء التي كان أهل الجاهلية يعتقدون أنهم يمطرون بها .
هذا القول نسبه بن عطية وبن كثير إلى الضحاك، ولم أعثر على اسنادا له، ولعل ماورد له من سبب نزول وتوجيه من اللغة يعضده ،حيث أن الأنواء قد يراد مساقط الأنواء نفسها حيث أنها موقع القطر الذي ينزل منجما إلى الأرض، أو مساقط الأنواء ومطالعها، ومما ورد من سبب للنزول ما أخرجه مسلم عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر))قالوا: هذه رحمة وضعها الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات }فلا أقسم بمواقع النجوم} حتى بلغ: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون )
قال القرطبي : فعلى هذا القول يكون القسم منفياً (فلا أقسم ) على حقيقته .
🔹[size="5"]ومن تأول أن المراد بالنجوم ، نجوم القرآن[/size]، قال في المراد بالمواقع أنه منازل القرآن حيث نزل على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً على مدى عشرين سنة ، وهومأخوذ من معنى النجم وهو القسط من الشىء،وقد وردت عن ابن عباس رضي الله عنهما عدة رويات مؤداها واحد وهو القسم بمنازل القرآن، فالفظة المواقع تحتمل معنى النزول وأماكن النزول وأزمنة النزول سواء في السماء أو في الألاض،ومما ورد في هذا ما رواه الهَمَذَانِي في تفسير مجاهد، عن ابن عباس أن المراد بمواقع النجوم نجوم القرآن وذلك أنه نزل القرآن إلى السماء الدنيا جميعه جملة واحدة ثم نجم على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما فرقا قطعا الآية والآيتان وأكثر). وفي رواية للنَّيْسابوريُّ في المستدرك لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنه قال: " أنزل القرآن في ليلة القدر من السّماء العليا إلى السّماء الدّنيا جملةً واحدةً، ثمّ فرق في السّنين قال: وتلا هذه الآية {فلا أقسم بمواقع النّجوم} [الواقعة: 75] قال: «نزل متفرّقًا» وكذا روى ابن جرير، ورجح الشنقيطي هذا القول وقال أنه هو الأقرب للصواب وذلك لأمرين ، أحدهما أن من عادة القرآن أن يقسم على صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صدق القرآن العظيم في آيات كثيرة كقوله تعالى : { يس والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ العزيز الرحيم } وقوله تعالى : { حم والكتاب المبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }وأن خير مايفسر به القرآن هو القرآن ، وهذه هي عادة الشيخ رحمه الله تعالى .
الثاني: كون المقسم به عبر عنه بالنجوم ،هو القرآن العظيم مناسب لما بعده { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } فلما كان التعظيم من الله دل على أنه في غاية العظمة، وذكر أنه أنسب للقسم من نجوم السماء ونجم الأرض لأنه كلام الله .
وقال ابن عاشور، ومن تأول النجوم على أنها الطوائف من الآيات فيؤول إلى القسم بالقرآن على حقيقته على نحو قوله تعالى : { والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربي لعلكم تعقلون ) .
وقيل المراد به محكم القرآن قال به ابن مسعود ومجاهد وذكره البخاري في صحيحه ولعل في معرفة القراءة التي كان يقرأ بها ابن مسعود يزيل اللبس ويبين وجه هذا القول، وهو أن المراد بمحكم القرآن هو موقع النجوم على قراءته بالأفراد، والمحكم ضد المتشابه منه ، والموقع أصل الشيء الذي يوقع فيه والذي يظهر والله أعلم أن محكم القرآن هو موقع الآيات التي نزلت منجمة وأصلها، كقوله (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب ) من باب إضافة البعض إلى الكل ،كما ذكر الشيخ حفظه الله تعالى
فيكون القسم بالقرآن المحكم الذي لا يعتريه شك ولا ريب .
القول الثالث : : مستقر الكتاب أوله وآخره .
المستقر هو في اللغة :اسم مكان من استقر ،وهو القرار والثبوت وبلوغ الغاية والنهاية، وهذا القول قال ابن عباس ، ورواه ابن جرير عن محمد بن سعيد عن أبيه، وقد علمنا أن لفظة المواقع تحتمل عدة معاني منها مكان النزول وزمنه ومعناه ،فلعل هذا القول يندرج ضمن القول الأول بمنازل القرآن ، فيكون المراد بهذا القول بيان علو هذا الكتاب ومكانته أوله وآخره حيث كان في اللوح المحفوظ ثم أنزل إلى السماء الدنيا ثم فرق على السنين والحوادث كما ورد في حديث ابن عباس الذي رواه ابن جرير .
(هذا ما توصلت له اجتهادا حيث لم اجد في كتب التفسير ذكر له إلا ما اشار له مقاتل في تفسيره عند تفسير الآية جملة .

[size="5"][/sizeالترجيح :
وبعد ذكر ماسبق يتبين أن كلا القولين محتمل وله توجيهه المعتبر من جهة اللغة والمعنى ولكل قول دليله وما كان السلف رحمهم ليأتوا بقول إلا وله حظه من النظر والفهم ، مما يجعل طالب العلم أمثالنا يبذل جل طاقته وكل ما في وسعه للنظر في سيرهم ودراسة أقوالهم ومحاولة التأسي بهم ، وكذلك تأصيل العلم في لغة القرآن لأنها مفتاح لتدبر كتاب الله ومعرفة دلالته، كما تبين لنا بقول من فسر مواقع النجوم بنزول القرآن منجما لحتماله للغة ولأنه من الألفاظ المشتركة التي تحمل عدة معاني صحيحة ،ومن فسره بنجوم السماء أخذ بظاهر النص والمتبادر إلى الذهن بلا تأويل كما ذكر ابن القيم"أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب" وهوحقاً قسم عظيم لما في أحوال السماء وما فيها من كواكب وأجرام ما يدل على عظمة خالقها، وهذا كله يدل على سعة وتنوع معاني القرآن وعظيم دلالته مما يجعل المتأمل لمعانيه المتدبر لآياته يزداد إيمانه ويعظم يقينه .

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 13 صفر 1440هـ/23-10-2018م, 03:42 PM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

دراسة الأقوال الواردة في المسألة ومناقشتها وبيان القول الراجح:

النجم في اللغة : نجم الشيء ينجم ، بالضم ، نجوما : طلع وظهر، وكل ما طلع وظهر فقد نجم ، وهذا ما ذكره ابن منظور في لسان العرب .
ولكن النجم في اللغة تطلق أيضا على تقسيط الشيء ، وتطلق على النجوم التي تظهر في السماء ، فالقرآن نزل منجما أي مفرقا وبالتقسيط من السماء ، فلا تعارض بين القولين ، فيمكن الجمع بين كونها نجوم القرآن ونجوم السماء بهذا .
قال مكي بن طالب (437 هـ) : مواقع النجوم : منزل القرآن ؛ لأن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم نحوما متفرقة.[وهذا القول الذي رجحه مكي ]
وقال ابن الجوزي ( ت: 597 هـ): فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة، ومواقعها: نزولها.
وفي عمدة القاري للعينى (المتوفى: 855هـ) قال : أقسم قَوْله: ( ومواقع وموقع وَاحِد) لَيْسَ قَوْله: ( وَاحِد) بِالنّظرِ إِلَى اللَّفْظ وَلَا بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى، وَلَكِن بِاعْتِبَار أَن مَا يُسْتَفَاد مِنْهُمَا وَاحِد، لِأَن الْجمع الْمُضَاف والمفرد الْمُضَاف كِلَاهُمَا عامان بِلَا تفَاوت على الصَّحِيح، قَالَ الْكرْمَانِي: إِضَافَته إِلَى الْجمع تَسْتَلْزِم تعدده.
فالمواقع في اللغة كما ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير(ت: 1393 هـ) : (جمع موقع يجوز أن يكون مكان الوقوع ، أي : محال وقوعها من ثوابت وسيارة . والوقوع يطلق على السقوط) .
ويطلق أيضا في اللغة على على الحلول في المكان ، يقال : وقعت الإبل ، إذا بركت ، ووقعت الغنم في مرابضها،فيكون المواقع محال وقوعها وخطوط سيرها فيكون قريبا من قوله والسماء ذات البروج، وهذا ما ذكره ابن عاشور أيضا .
فيكون القول بأنه نجوم السماء داخل في معنى مواقع النجوم .

فالقول الأول : نجوم القرآن.
دلت عليه الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أنه محكم القرآن ، وهي بعض من الذي نزل من القرآن ، لأن القرآن نزل بالمحكم والمتشابه ، فقال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) .
وأما حديث ابن عباس الذي رواه ابن جرير والحاكم وقال عنه صحيح بشرط الشيخين ، فقد ذكر الهيثمي عنه أنه حديث متروك .
ولكن جاءت في القرآن أدلة تثبت نزول القرآن مفرقا ، كما في قوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا} [سورة الإسراء: 16].
وأما القول الثاني : نجوم السماء ، فهي تحتملها الآية لدلالة اللغة كما ذكرنا ،ولدلالة الأحاديث على ذلك .
وأما الأقوال التي اختلفوا فيها عن نجوم السماء ،فيمكننا الجمع بينها أيضا على أن الإقسام كان على أحوال تلك النجوم بدلالة معنى الوقوع لغويا كما أسلفنا ذكره ، فيكون بالأنواء أو بمغاربها أو بمساقطها أو انقضاضها أو انكدارها .
ولأن الله تعالى ذكر في القرآن أحوال تلك النجوم فتارة يذكرها بالسقوط فقال تعالى : ( والنجم إذا هوى ) ، وتارة يذكرها بحال آخر وهو حال انكدارها ، فقال تعالى : ( وإذا النجوم انكدرت ) ، وتارة بمشارقها ومغاربها ، في قوله تعالى : ( فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) وقوله تعالى : ( وإدبار النجوم ) ، وتارة في مغيبها في قوله تعالى : ( فلا أقسم بالخنس ) ، وتارة يذكرها في حال انقضاضها على الشياطين ، فقال تعالى : (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين)، وكلها أحوال تجري للنجوم في السماء .
وجاءت الاحاديث أيضا بذكر حال من حال النجوم وهي الأنواء ، في حديث ( مطرنا بنوء كذا ) ، وهو ما تعارف عليه العرب أيضا .
قال الماوردي : أنَّ مَواقِعَ النُّجُومِ الأنْواءُ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ إذا مُطِرُوا قالُوا: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذا، قالَهُ الضَّحّاكُ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ مُسْتَعْمَلًا عَلى حَقِيقَتِهِ في نَفْيِ القَسَمِ بِها.
فالراجح هو أن القولين تحتملها الآية ، لوجوه :
الأول : أن يكون أقسم سبحانه بمواقع النجوم بمعناها الحقيقي لعظم أحوالها وفائدتها ، فقال تعالى في سورة النحل : {وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}، وقد أقسم الله بمثله في آيات آخرى من القرآن ، فأقسم سبحانه بالنجم حال سقوطها في سورة النجم ، فقال تعالى في سورة النحم : ( والنجم إذا هوى ) .
الثاني :أن سياق الآية تحتمل أيضا القول بأنها نجوم القرآن ، لأنه قال في سياق الآية : ( إنه لقرآن كريم) .
الثالث: تناسب ذكر النجوم مع القرآن .
فقال ابن القيم الجوزية في التبيان لأقسام القرآن ( ت: 751ه): (وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه : ( أحدها ) أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن والنجوم آيات المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما فيها مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول) . انتهى من كلامه .
وقال البقاعي في تناسب الايات والدرر ( ت : 885هـ)) : ( قال: بمواقع النجوم أي: بمساقط الطوائف القرآنية المنيرة النافعة المحيية للقلوب، وبهبوطها الذي ينبني عليه ما ينبني من الآثار الجليلة وأزمان ذلك وأماكنه وأحواله، وبمساقط الكواكب وأنوائها وأماكن ذلك وأزمانه في تدبيره على ما ترون من الصنع المحكم والفعل المتقن المقوم، الدال بغروب الكواكب على القدرة على الطي بعد النشر والإعدام بعد الإيجاد، وبطلوعها الذي يشاهد أنها ملجأة إليه إلجاء الساقط من علو إلى سفل لا يملك لنفسه شيئا، لقدرته على الإيجاد بعد الإعدام، وبآثار الأنواء على مثل ذلك بأوضح منه - إلى غير ذلك من الدلالات التي يضيق عنها العبارات- ويقصر دون علياها مديد الإشارات، ولمثل هذه المعاني الجليلة والخطوب العظيمة جعل في الكلام اعتراضا بين القسم وجوابه، وفي الاعتراض اعتراضا بين الموصوف وصفته تأكيدا للكلام، وهزا لنافذ الأفهام تنبيها على أن الأمر عظيم والخطب فادح جسيم .) . انتهى من كلامه .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مراجعة, تطبيقية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir