دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 12:11 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي صفة الاستواء

وَمِنْ ذَلِك قَوْلُ الله تَعَالَى: {الرَّحمَنُ عَلَى الْعَرشِ اسْتَوَى} [طه:15] .


  #2  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 07:28 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن عثيمين

(4) الصفةُ الثالثةَ عَشْرَةَ : الاستواءُ على العرشِ

استواءُ اللهِ على العرشِ منْ صفاتِهِ الثابتَةِ لهُ بالكتابِ والسنَّةِ وإجماعِ السلَفِ ، قالَ اللهُ تعالَى: {الرَّحَمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 15] وذَكَرَ استواءَهُ على عرْشِهِ فى سَبْعَةِ مواضِعَ مِن القرآنِ.
وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: (( إِنَّ اللهَ لَمَّا قضَى الخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي )) ، رواهُ البخاريُّ.
وقالَ النبَّيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فيما رواهُ أبو داودَ في سُنَنِهِ: ((إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إلى سَمَاءٍ إمَّا وَاحِدةٌ، أَو اثْنَتانِ، أَوْ ثَلاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً)) ، إلى أَنْ قالَ في العَرْشِ: ((بينَ أسْفَلِهِ وأَعْلاَهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إلى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللهُ تعالَى فوقَ ذَلكَ)) ، وأخْرَجَهُ أيضًا التِّرْمِذِيُّ وابنُ ماجَه ، وفيهِ عِلَّةٌ أجابَ عنها ابنُ القَيِّمِ - رحِمَهُ اللهُ - في ( تهذيبِ سُنَنِ أبِي داودَ) (4) (ص 92، 93) (ج/ 7) ، وأجْمَعَ السلَفُ على إثباتِ استواءِ اللهِ على عرْشِهِ ، فيَجِبُ إثباتُهُ منْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ .
وهو استواءٌ حقيقيٌّ معناهُ العُلُوُّ والاسْتِقْرارُ على وجهٍ يَلِيقُ باللهِ تعالَى ، وقدْ فسَّرَهُ أهلُ التعطيلِ بالاسْتِيلاءِ ، ونَرُدُّ عليهم بما سَبَقَ في القاعدةِ الرابعةِ ،ونَزيدُ وَجْهًا رابِعًا :

أنَّهُ لا يُعْرَفُ فى اللغةِ العربيَّةِ بهذا المعنَى.

ووجهًا خامسًا: أنَّهُ يَلْزَمُ عليهِ لوازِمُ باطِلَةٌ ، مثلَ أنَّ العرشَ لم يكنْ مِلْكًا للهِ ثمَّ اسْتَوْلَى عليهِ بَعْدُ.

والعرْش لُغَةً: السَّرِيرُ الخاصُّ بالمَلِكِ ، وفي الشَّرْعِ: العرشُ العظيمُ(5) الذي اسْتَوَى عليهِ الرحمنُ جلَّ جلالُهُ ، وهو أَعْلَى المخلوقاتِ وأكبَرُها ، وصَفَهُ اللهُ بأنَّهُ عظيمٌ ، وبأنَّهُ كريمٌ ، وبأنَّهُ مَجِيدٌ.

والكرسيُّ غيرُ العرشِ ؛ لأنَّ العرشَ هوَ ما اسْتَوَى عليهِ اللهُ تعالَى ، والكرسيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ لقولِ ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ( الكرسيُّ مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ ، والعرشُ لاَ يُقَدِّرُ أَحَدٌ قَدْرَهُ ) رواهُ الحاكِمُ فى مُسْتَدْرَكِهِ ، وقالَ : صحيحٌ على شَرْطِ الشيخيْنِ ، ولم يُخَرِّجَاهُ(6).


حاشية الشيخ صالح العصيمي حفظه الله :
(4) كأنه أراد جنس العلة ففي كلام ابن القيم بحث في أكثر من علة ، ومع جلالة ابن القيم وتقدمه إلا أن في المسامحة في تثبيت هذا الحديث من جهة الرواية نظراً فقد وهاه الحفاظ كابن عدي وغيره ، أما من جهة ما دل عليه من الدراية فالقرآن والسنة الصحيحة شاهدان بثبوت ما دل عليه من علو الله واستوائه على العرش.
(5) لو قيل هو في الشرع : السرير العظيم الذي استوى عليه الرحمن جل جلاله لكان أصح ؛ لئلا يكون دَوراً بإعادة المُعرَّف في تعريفه.
(6) وقد وقع للمصنف ـ رحمه الله ـ في تفسير آية الكرسي (ص24 ـ 26) ما يخالف ظاهر قوله هنا حيث أشار هناك إلى رد أثر ابن عباس لاحتمال كونه من الإسرائيليات ، على أنَّ آخر قوليه ـ رحمه الله ـ الجزم بعدم تلقي ابن عباس رضي الله عنهما عن أهل الكتاب فلا يحكم بما قاله مما لا مجال للرأي فيه بأنه من الإسرائيليات.


  #3  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 07:53 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن جبرين

(6) هذا ابتداءُ كلامِ المُصَنِّفِ في صفةِ العُلُوِّ ، وهيَ مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ الَّتي كَثُرَ فيها النزاعُ ، وكَثُرَ فيها المُخَالِفُ ، وطالَ فيها الكلامُ والجِدَالُ بينَ أهلِ السُّنَّةِ والمُبْتَدِعَةِ ، وَأَنْكَرَهَا أَغْلَبُ الأشاعرةِ والمُعْتَزِلَةِ ، وغالِبُ الفِرَقِ الضَّالَّةِ .
وما ذاكَ إلاَّ أنَّ إثباتَ صفةِ العُلُوِّ في زَعْمِهِم يَسْتَلْزِمُ التَّحديدَ أو التَّجْسِيمَ ، وَيَسْتَلْزِمُ التَّحَيُّزَ ، وهم يَسْتَعْظِمُونَ أنْ يكونَ اللهُ في حَيِّزٍ أوْ في جِهَةٍ ، أوْ أنْ يَكُونَ الرَّبُّ مَوْصُوفًا بأنَّهُ في هذهِ الجهةِ ، يُخَيَّلُ إِلَيْهِم أنَّهُ إذا وُصِفَ بذلكَ فهوَ مَحْصُورٌ ، وأنَّ الجهةَ تَحْوِيهِ ، أوْ نَحْوَ ذلكَ .
ونحنُ نقولُ : إنَّهُ أَثْبَتَ لنفسِهِ هذهِ الصِّفةَ ، ولا يَلْزَمُ منْ ذلكَ ما تَخَيَّلُوهُ ، بلْ هوَ فَوْقَ العِبَادِ كُلِّهِم ، ومعَ ذلكَ لا تَحْوِيهِ الجِهَةُ الَّتي يُشَارُ إليها ، وليسَ هناكَ مَحْذُورٌ منْ إثباتِ هذهِ الجهةِ ، أوْ هذهِ الصِّفةِ.
الدَّليلُ الأوَّلُ: قولُهُ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
ذَكَرَ العلماءُ أنَّ صفةَ العلوِّ دَلَّ عليها العقلُ ، وصفةَ الاستواءِ دَلَّ عليها السَّمْعُ .
فالعقلُ والفطرةُ يَضْطَرَّانَ كلَّ عاقلٍ أنْ يَطْلُبَ رَبَّهُ منْ فَوْقِهِ ، إذا دَعَا اللهَ تَعَالَى فإنَّهُ يَجِدُ مِنْ قَلْبِهِ ارْتِفَاعًا وَنَظَرًا إلى العُلُوِّ ، ولا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، ولا يَطْلُبُ عنْ يَمِينِهِ ولا عنْ يَسَارِهِ ، ولا تَحْتَ ولا أَمَامَ ولا خَلْفَ .

بلْ فِطْرَتُهُ وَعَقْلُهُ تَضْطَرُّهُ إلى أنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ ، وَيَرْفَعَ نَظَرَهُ ، وَيَرْفَعَ قَلْبَهُ ، وَيَسْتَحْضِرَ أنَّ رَبَّهُ فَوْقَهُ ، فهذهِ الفطرةُ فِطْرَةٌ عَقْلِيَّةٌ لا يَسْتَطِيعُ أحدٌ أن يَجْحَدَهَا ، بلْ ذَكَرُوا أنَّها أيضًا في البَهَائِمِ ؛ إذا أَجْدَبَت الأرضُ فإنَّها تَرْفَعُ رُءُوسَهَا إلى السَّماءِ تَسْتَقِي ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُم .

بلْ إنَّها فِطْرَةٌ كذلكَ في الجاهِلِيِّينَ ، كما ذَكَرَ ذلكَ ابنُ القَيِّمِ في اجتماعِ الجيوشِ الإسلاميَّةِ ، قالَ : (إنَّها مَقَالَةٌ معروفةٌ حتَّى عندَ الجاهليَّةِ في قولِ بعضِهِم:
... إن كانَ رَبِّي في السَّماءِ قَضَاهَا
وَبِكُلِّ حالٍ ؛ فصفةُ العُلُوِّ صفةٌ ذاتيَّةٌ ، ثمَّ هيَ أيضًا صفةٌ ثابتةٌ ، أَدِلَّتُهَا متواترةٌ لا مَجَالَ لإَِّنْكَارِهَا إلاَّ معَ المُكَابَرَةِ والمُعَانَدَةِ.
وقدْ ذَكَرَ العلماءُ أنَّ الأدلَّةَ عليها أنواعٌ كثيرةٌ ، وبعضُ الأنواعِ أَفْرَادُهُ قدْ تَصِلُ إلى عِشْرِينَ دَلِيلاً أوْ أَكْثَرَ ، وقدْ يَصِلُ مجموعُ الأفرادِ إلى أَلْفِ دليلٍ ؛ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا في الاضْطِرَارِ إلى الإقرارِ بهذهِ الصِّفةِ .

وقدْ حَصَرَهَا ابنُ القَيِّمِ في واحدٍ وعشرينَ نَوْعًا في مَنْظُومَتِهِ النُّونِيَّةِ (الكافِيَةِ الشَّافِيَةِ) .

ولمَّا قَسَّمَهَا إلى واحدٍ وعشرينَ نَوْعًا بَدَأَ بآياتِ الاستواءِ .

وآياتُ الاستواءِ وَرَدَتْ في سبعةِ مواضعَ : في سورةِ الأعرافِ ، ويُونُسَ ، والرَّعدِ ، وطه ، والسَّجْدَةِ ، والفُرْقَانِ ، وفي سورةِ الحديدِ ، كُلُّهَا ذَكَرَ فيها الاستواءَ ، وَخَصَّ الاستواءَ بالعرشِ.
وقدْ ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ أنَّ هذا إجماعٌ من العلماءِ منْ أهلِ السُّنَّةِ ، قالَ في (النُّونِيَّةِ) في الدَّليلِ السَّادسَ عَشَرَ:
هـَذَا وَسَادِسَ عَشْرَهَا إِجْمَاعُ أَهـْ = ـلِ الْعِلْمِ أَعْنِي حُجَّةَ الأَزْمَانِ

مـِنْ كـُلـِّ صَاحِبِ سُنَّةٍ شَهِدَتْ لَهُ = أَهْلُ الحَدِيثِ وَشِيعَةُ الرَّحْمَنِ
لاَعــِبــْرَةَ بــــِمــُخــَالِف لَهُمُ = وَلَوْ كـَانـُوا عـَدِيـدَ الـشَّاءِ وَالـْبُعـْرَانِ

ثمَّ ذَكَرَ تَفْسِيرَهُم لآياتِ الاستواءِ بقولِهِ:

وَلــَهــُمْ عــِبـَارَاتٌ عـــَلـــَيْهــَا أَرْبـَعٌ = قــَدْحــَصــَلــَتْ لـِلـْفَارِسِ الطَّعَّانِ
وَهـيَ اسـْتـَقـَرَّ وَقــَدْ عـَلاَ وَكَذَلِكَ = ارْتــَفــَعَالـَّذِي مـَا فــِيهِ مـِنْ نُكْرَانِ
وَكَذَاكَ(قدْ صَعِدَ) الَّذِي هوَ رَابِعٌ = فـأَبـُوعـُبــَيْدَةَ صَاحِبُ الشَّيْبـَانِيِّ

يـَخـْتـَارُ هـَذَا الـْقـَوْلَ فـِي تـَفـْسِيـرِهِ = أَدْرَى مــِن الــْجــَهــْمـــِيِّ بـِالـــْقُرْآن
وَالأَشْعَرِيُّ يقولُ: تَفْسِيرُ (اسْتَوَى) = بـِحـَقـِيـقــَةِاسـْتـَوْلـَى مِن الـْبـُهْتـَانِ


فَذَكَرَ أنَّهم فَسَّرُوا الاستواءَ، ثمَّ المَشْهُورُ عِنْدَهُ، والكثيرُ منهم يقولونَ: اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ.


ولكنْ لَمَّا كانَ الاستواءُ لهُ مَعَانٍ ؛ فإنَّهم فَسَّرُوهُ ، وَسَيَأْتِي قولُ الإمامِ مَالِكٍ : (الاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ) وإذا كانَ مَعْلُومًا ؛ فإنَّهُ فَصِحٌ وَبِلُغَةٍ فصيحةٍ ، ولا بُدَّ أنَّهُ مُفَسَّرٌ ، ولا بُدَّ أنَّهُ مُتَرْجَمٌ منْ لغةٍ إلى أُخْرَى ، ولا بُدَّ أنْ يَكُونَ لهُ مَعْنًى ؛ فلذلكَ فَسَّرُوهُ بأربعِ تَفْسِيرَاتٍ: التَّفسيرُ الأوَّلُ: اسْتَوَى: اسْتَقَرَّ ، وذلكَ مشهورٌ عَنْهُم.


ومعَ ذلكَ فالنُّفاةُ قدْ أَخَذُوا يُورِدُونَ عليهِ إيراداتٍ وَحْشِيَّةً فَرْضِيَّةً ؛ أَوْرَدَهَا ابنُ خَطِيبِ الرِّيِّ؛ الَّذي هوَ الرَّازِيُّ صَاحِبُ (التَّفسيرِ الكَبِيرِ) ، عندما أَتَى على هذهِ الآيَةِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ، قالَ: إنَّ هناكَ مَنْ فَسَّرَهُ بالاستقرارِ وَزَيَّفَهُ بِوُجُوهٍ ، ثمَّ أَطَالَ في ذِكْرِهَا.


وكذلكَ صَاحِبُ (الكَشَّافِ) ؛ الَّذي هوَ الزَّمَخْشَرِيُّ ، ونَحْوُهُمَا من المعتزلةِ والأشاعرةِ .



ولكنْ لا عِبْرَةَ في تَزْيِيفِهِم ؛ فإنَّ تلكَ التَّزْيِيفَاتِ الَّتي زَيَّفُوهُ بها ، والَّتي طَعَنُوا فيهِ بها ، كُلُّهَا تَخَيُّلاَتٌ وَعَقْلِيَّاتٌ لا يُلْتَفَتُ إليها معَ وُجُودِ النَّصِّ ، ومعَ الَّذي تُؤَيِّدُهُ اللُّغةُ الفُصْحَى.

وإذا قُلْنَا: اسْتَوَى وَاسْتَقَرَّ ، فَلاَ مَحْذُورَ في ذلكَ ؛ فاللهُ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ على عرشِهِ ، ولكنْ لا يَلْزَمُ منْ ذلكَ مَحْذُورٌ.

والتَّفسيرُ الثَّاني: هوَ الَّذي يَذْكُرُهُ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ كثيرٍ أيضًا عندَ تفسيرِ الاستواءِ ، يقولُ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، أيْ : عَلاَ ، هكذا يقولُ وهوَ صريحٌ في العُلُوِّ الَّذي هوَ العُلُوُّ الحقيقيُّ.


التَّفسيرُ الثَّالثُ: الارتفاعُ ، {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي: ارْتَفَعَ.


التَّفسيرُ الرَّابعُ: الصُّعُودُ، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ، أيْ: صَعَدَ.


وذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ أنَّ أبا عُبَيْدَةَ يَخْتَارُ هذا القولَ.


وأبو عُبَيْدَةَ هوَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى الشَّيْبَانِيُّ ؛ هُوَ منْ علماءِ اللُّغةِ ، فَسَّرَ (اسْتَوَى) بِمَعْنَى صَعِدَ.


وَذَكَرُوا عنهُ أنَّهُ نَقَلَ عنْ بعضِ فُصَحَاءِ العربِ ، أنَّهُ طَرَقَ عليهِ البابَ بَعْضُ أصحابِهِ ، وكانَ في عُلِّيَّةٍ مُرْتَفِعًا ، فقالَ لهم: اسْتَوُوا ، يَعْنِي : ارْتَفِعُوا ، فَكَأَنَّهُ يقولُ : إنَّ الاستواءَ بِمَعْنَى الصُّعودِ ، ومعلومٌ أيْضًا أنَّ الكلمةَ وَرَدَتْ بِعِدَّةِ عِبَارَاتٍ ، فَوَرَدَتْ في القرآنِ غيرَ مُقَيَّدَةٍ بِحَرْفٍ ، قالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14] لمْ يَكُنْ بَعْدَهَا حَرْفٌ ، فَتُفَسَّرُ هُنَا بِمَعْنَى الكمالِ ، يَعْنِي كَمُلَ .



كما وَرَدَتْ مُقَيَّدَةً بِإِلَى ، وَمُقَيَّدَةً بِعَلَى ؛ قالَ تَعَالَى : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فُصِّلَت: 11] ، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29] ، هُنَا قُدِّرَتْ بِإِلَى ، وَتُفَسَّرُ أَيْضًا بِمَعْنَى ارْتَفَعَ إِلَيْهَا.

وأمَّا إِذَا قُيِّدَتْ بِعَلَى ، فلا خِلاَفَ أنَّها بِمَعْنَى العُلُوِّ ، ومنهُ قولُهُ تَعَالَى : {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود: 44] ، يَعْنِي: ارْتَفَعَتْ عَلَيْهِ وَاسْتَقَرَّتْ ، وهوَ جَبَلٌ رفيعٌ لَمَّا نَضَبَ الماءُ اسْتَوَت السَّفينةُ على ذلكَ الجَبَلِ ، فها هُنَا اسْتَقَرَّتْ وَصَارَتْ مُرْتَفِعَةً فَوْقَهُ.



وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزُّخرف: 13] .


وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29] ، يَعْنِي: ارْتَفَعَ السُّنْبُلُ على سُوقِهِ.


فَعَرَفْنَا أنَّ هذا دليلٌ واضحٌ على أنَّها إذا قُيِّدَتْ بِعَلَى ؛ فهيَ دالَّةٌ على الارتفاعِ.


إذًا فَهِيَ دليلٌ واضحٌ على أنَّ اللهَ فَوْقَ العرشِ كما وَصَفَ نَفْسَهُ.


أمَّا المعتزلةُ وَنَحْوُهُم من النُّفاةِ فَكَبُرَتْ عليهم هذهِ الآيَةُ فَأَوَّلُوهَا بِعِدَّةِ تَأْوِيلاَتٍ:


التَّأويلُ الأوَّلُ: يُقَالُ: إنَّ الجَهْمَ الَّذي هوَ رَئِيسُهُم لَمَّا قَرَأَ هذهِ الآيَةَ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ قالَ: لوْ تَمَكَّنْتُ لَمَحَوْتُ هذهِ الآيَةَ مِن المصاحفِ.

ولمَّا كانتْ صَرِيحَةً في الرَّدِّ عليهم لمْ يَجِدُوا بُدًّا من الخَوْضِ في تَأْوِيلِهَا، وَأَكْثَرُهُم فَسَّرَ اسْتَوَى باسْتَوْلَى، وَاسْتَدَلُّوا ببيتٍ يقولُ فيهِ الشاعرُ:



" قَد اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ = مـِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أَوْ دَمٍ مِهْرَاقِ

ولا يُدْرَى مَن الَّذي قالَ هذا البيتَ، وبَعْضُهُم يقولُ: إنَّهُ للأخطلِ ، والأَخْطَلُ نَصْرَانِيٌّ لم يَدْخُل الإسلامَ ، ولوْ كانَ عَرَبِيًّا منْ بَنِي تَغْلِبَ ، وَلَعَلَّ ذلكَ هوَ الَّذي أَرَادَهُ ابنُ القَيِّمِ بقولِهِ في (النُّونِيَّةِ):

وَدَلـِيـلــُهُم في ذاكَ بَيـْتٌ قَالـَهُ = فيما يُقَالُ الأَخْطَلُ النَّصْرَانِي

وَفِي لاَمِيَّةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ يقولُ فيها:
قـُبـْحٌ لـِمـَنْ نـَبـَذَ الـْكِتَابَ وَرَاءَهُ = وإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ: قَالَ الأَخْطَلُ
ثمَّ نقولُ: هذا البيتُ على تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ ؛ فَالاستواءُ فيهِ بمعنَى العُلُوّ ، اسْتَوَى على العراقِ ، يَعْنِي : اسْتَقَرَّ على سَرِيرِهَا ، فهوَ دَالٌّ على العُلُوِّ ، فلا يَكُونُ دَلِيلاً على الاستيلاءِ .
ثمَّ نَقُولُ : إنَّ الاستيلاءَ لَيْسَ خَاصًّا بالعرشِ ، وهذا هوَ الَّذي ذَكَرَهُ ابنُ القيِّمِ عن الأَشْعَرِيِّ:
والأَشْعَرِيُّ يَقُولُ: تَفْسِيرُ اسْتَوَى = بـِحـَقـِيـقــَةِ اسـْتَوْلَى مِن الْبـُهْتَانِ
الأشعريُّ : هوَ أبو الحسنِ ؛ الَّذي تَنْتَسِبُ الأشاعرةُ إلى مَذْهَبِهِ الأوسطِ ، وقدْ رَجَعَ عنهُ في كتابِهِ (الإِبَانَةِ)، فَيَقُولُ فيها : إنَّهُم فَسَّرُوا الاستواءَ بالاستيلاءِ ، ولوْ كانَ الأَمْرُ كما يَقُولُونَ لمْ يَكُنْ للعرشِ مِيزَةٌ ؛ فإنَّ اللهَ تَعَالَى مُسْتَوْلٍ على كلِّ شَيْءٍ ، ولا يَجُوزُ أنْ يُوصَفَ بأنَّهُ اسْتَوْلَى على غيرِ العرشِ ، فلا يَجُوزُ أنْ تَقُولَ : إنَّ اللهَ اسْتَوَى على الجبالِ ، إنَّ اللهَ اسْتَوَى على الأرضِ ، إنَّ اللهَ اسْتَوَى على الْحُشُوشِ ، إنَّ اللهَ اسْتَوَى على الأشجارِ وعلى القُصُورِ.

وحيثُ إنَّهُ خَصَّ الاستواءَ بالعرشِ فإنَّهُ يَخْتَصُّ بهِ ، فلوْ كانَ الاستواءُ بِمَعْنَى الاستيلاءِ ، فَلِمَاذَا يَخُصُّ العرشَ وحدَهُ ؟! اللهُ مُسْتَوْلٍ على الجميع ، هذا مِنْ جِهَةٍ .


ومنْ جِهَةٍ ثانيَةٍ: فإنَّ الاستيلاءَ لا يكونُ إلاَّ بعدَ مُنَازَعَةٍ.



سَمِعْتُ حكايَةً أنَّ بعضَ المبتدعةِ قامَ في أحدِ المساجدِ وَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ عن الاستواءِ ، وَأَخَذَ يُقَرِّرُ أنَّ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى ، واللهُ هوَ المُسْتَوْلِي ، وَاسْتَوْلَى على العرشِ ، ثمَّ إنَّ بعضَ الحاضرينَ أَمَرَ غُلاَمًا لهُ أنْ يَخْرُجَ وَيُطِلَّ من النَّافذةِ ويقولَ لهُ: قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ على العرشِ ، مَن العرشُ لهُ ؟! فَبُهِتَ ذلكَ الَّذي يَتَكَلَّمُ ، فَقَالُوا لهُ : صَحِيحٌ هذا السُّؤالُ وَاضِحٌ ، نحنُ نَقُولُ وَغَيْرُنَا : لِمَنْ كانَ العرشُ قَبْلَ أنْ يَسْتَوْلِيَ اللهُ عليهِ؟! وبهذا نَعْرِفُ بُطْلاَنَ هذا التَّفسيرِ.



التَّأويلُ الثَّاني: قالُوا: إنَّ العرشَ بِمَعْنَى المُلْكِ، قالَ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3] ، أي: اسْتَوَى على المُلْكِ ، وَتَفْسِيرُهُم العَرْشَ بأنَّهُ المُلْكُ كُلُّهُ إِبْطَالٌ للعرشِ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى وَوَصَفَهُ بصفاتٍ خاصَّةٍ ، واللهُ تَعَالَى وَصَفَ هذا العرشَ بقولِهِ تَعَالَى : {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] ، {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] ، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ} [البروج: 15].


وذَكَرَ أنَّ العرشَ محمولٌ ، قالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: 7] ، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقَّة: 17] ، {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزُّمَر: 75] ، {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر: 15] ، في آياتٍ كثيرةٍ ، أَفَتَبْطُلُ هذهِ كُلُّها ، وَيُقَالُ: العرشُ هوَ المُلْكُ ؟! هذا مِن الخطأِ .


زيادةٌ على النُّصوصِ الكثيرةِ الَّتي فيها إثباتُ حَمَلَةِ العرشِ ، وكيفَ حَمَلُوهُ وَعَدَدُهُم ، وبأيِّ شيءٍ حَمَلُوهُ ، وما أَشْبَهَ ذلكَ ، كلُّ ذلكَ يَدُلُّ على أنَّ العرشَ مَخْلُوقٌ كبيرٌ لا يَعْلَمُ قَدْرَهُ إلاَّ اللهُ تَعَالَى.


وَرَدَ في بعضِ الأحاديثِ أنَّ ((الْكُرْسِيَّ فِي الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ)).

الْحَلْقَةُ هيَ الحديدةُ المُتَلاَقِيَةُ الطَّرَفَيْنِ ، ماذا تَشْغَلُ منْ أرضٍ وَاسِعَةٍ ؟ فكذلكَ نِسْبَةُ العرشِ والْكُرْسِيِّ ؛ فالعرشُ لا يَعْلَمُ قَدْرَهُ إلاَّ اللهُ ، والكرسيُّ هذهِ نِسْبَتُهُ ، معَ أنَّ الكرسيَّ قَدْ وَسِعَ السَّماواتِ والأرضَ كما نَصَّ اللهُ على ذلكَ.

ورُوِيَ في حديثٍ مرفوعٍ: ((مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلاَّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ)) ، التُّرسُ هوَ المِجَنُّ الَّذي يُوضَعُ على الرَّأْسِ في القتالِ ، ماذا تَشْغَلُ السَّبعةُ فيهِ؟ فإذا كانَتْ هذهِ نسبةَ المخلوقاتِ العُلْوِيَّةِ والسُّفْلِيَّةِ العظيمةِ إلى الكُرْسِيِّ ، وهذهِ نسبةَ الكُرْسِيِّ إلى العرشِ، فما تكونُ نسبةُ العرشِ ، وما هوَ مقدارُهُ ؟ لا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إلاَّ اللهُ تَعَالَى.


إذًا ؛ فَهَذَانِ تَأْوِيلاَنِ بَاطِلاَنِ ، والأوَّلُ منهما هوَ الأشهرُ ؛ (اسْتَوَى) بِمَعْنَى : اسْتَوْلَى ، فإنَّهم زَادُوا فيها (لاَمًا) ، وَيُسَمَّى هذا تَحْرِيفًا لَفْظِيًّا .


وزيادةُ هذهِ اللاَّمِ شَبِيهَةٌ بالنُّونِ الَّتي زَادَهَا اليهودُ لَمَّا قِيلَ لهم قُولُوا: (حِطَّةٌ) ، فَقَالُوا: (حِنْطَةٌ) ، هكذا شَبَّهَهَا ابنُ القَيِّمِ بِقَوْلِهِ:

نـُونُ الـيـهـُودِ ولامُ جَهـْمِيٍّ هُمَا = فِي وَحْيِ رَبِّ العرشِ زَائِدَتَانِ

شَبَّهَهَا بِنُونِ اليَهُودِ.

إِذًا فَنَحْنُ نَعْرِفُ أنَّ هذا النَّصَّ من الأدلَّةِ الواضحةِ على العُلُوِّ للهِ تَعَالَى ، ولا نَخُوضُ في أكثرَ مِنْ ذلكَ.


  #4  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 08:04 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ :صالح آل الشيخ

لا يوجد شرح للشيخ على هذا الموضوع


  #5  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 08:30 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)


المتن:
(ومن ذلك قوله تعالى: { الرحمن على العرش استوى } )

الشرح:
رجع رحمه الله إلى الآيات التي تثبت الصفات،
من الآيات الدالة على إثبات الصفات، هذه الآيات السبع في كتاب الله عز وجل: { الرحمن على العرش استوى } ,{ ثم استوى على العرش الرحمن } وغيرها من الآيات ,كلها تثبت الاستواء لله جل وعلا.

والعرش: هو سقف المخلوقات ,وهو أعظم المخلوقات، فالمخلوقات بالنسبة له صغيرة جداً ,{ وسع كرسيه السماوات والأرض } ,والكرسي غير العرش ,وقد جاء وصفه بأنه كحلقة بالنسبة إلى العرش ,كحلقة ملقاة في أرض فلاة، الكرسي وسع السماوات والأرض ,ومع هذا فنسبته إلى العرش كحلقة في أرض فلاة ,ماذا تستغرق الحلقة من الفلاة؟! أتستغرق شيئاً؛ فالعرش مخلوق عظيم وهو أعلى المخلوقات، وتحته جنة الفردوس؛ لأن جنة الفردوس سقفها عرش الرحمن سبحانه وتعالى.

والعرش في اللغة: السرير الذي يجلس عليه الملك ,ويختص به، هذا بالنسبة للمخلوق ,سريره هو كرسيه، أو سريره الذي يجلس عليه، لكن عرش الله جل وعلا لا يتصور ولا يتخيل، فهو عظيم ,وقد ذكره الله في كثير من الآيات ,ووصفه بالعظمة: { العرش العظيم }، { العرش الكريم { ذو العرش المجيد } ,فدل على عظم هذا المخلوق ,وهو العرش ,هذا معنى العرش.
أما الاستواء معناه - كما فسره السلف العلو ,استوى على العرش يعني: علا على العرش , استقر ,صعد ,ارتفع، كل هذه تفاسير استوى , قال ابن القيم رحمه الله على هذه الآيات ,آيات الاستواء:

ولهم عليها عبــارات أربع قد حُصِّلت للفـارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلـك ارتفع الذي ما فيه من نكران

إلى أن قال: وكذلك صعد الذي هو رابع

فهي أربعة تفسيرات: علا ,ارتفع ,صعد، استقر ,هذه تفسيرات السلف للاستواء على العرش.
أما أهل الضلال فيفسرون الاستواء بالاستيلاء ,فيقولون: استوى على العرش يعني: استولى عليه ,وهذا التفسير ليس له وجه في اللغة، ولا هو معروف عند العرب ,أن الاستواء يفسر بالاستيلاء أبداً، إلا بيتاً نسبوه للأخطل الذي يقول:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

والأخطل مع أنه نصراني لا يحتج بكلامه , النصارى أهل ضلال لكن مع هذا لم يثبت عن الأخطل ,وليس هو في ديوانه المعروف ,فليس في لغة العرب تفسير الاستواء بالاستيلاء أبداً، هذا تفسير محدث ,وهذا البيت منتحل ومكذوب على لغة العرب، هذا من وجه.

الوجه الثاني: يلزم على هذا- والعياذ بالله - لازم باطل، وهو أنه يلزم أنا إذا فسرنا استوى باستولى على العرش، أن العرش في الأول لم يكن لله جل وعلا ,ثم استولى عليه سبحانه ,وغلب عليه ,وأخذه من يد المستولي عليه الأول، وهذا فيه من الكفر والضلال ما فيه، أيضا لو فُسر الاستواء بالاستيلاء ,لم يختص هذا بالعرش ,فالله مستول على كل ملكه سبحانه وتعالى ,على كل مخلوقاته ,هو مستولٍ عليها، فما ميزة العرش؟

يقال: استوى على العرش ,استولى على العرش، الله مستولٍ على كل شيء ,فلا يبقى للعرش ميزة في هذا.
وقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا التفسير من عشرين وجهاً في مجموع الفتاوى , رد هذا التفسير الباطل ودحضه؛ لأنه هو عمدة هؤلاء المخرفين، فهذا تفسير باطل من عدة وجوه، أيضاً الاستواء اطرد في سبع آيات كله بهذا اللفظ ,استوى على العرش ,وليس فيها لفظة واحدة ,قال: استولى حتى يفسر بعضها ببعض ,فلما اطرد كله بلفظ واحد ؛ دل على أن معناه واحد ,وهو العلو والارتفاع.
والاستواء يقولون: هو من صفات الأفعال , ولذلك عطفه على خلق السماوات والأرض بثم: { خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } ,فهو من صفات الأفعال التي يفعلها الله جل وعلا متى شاء وإذا شاء.
أما العلو: فإنه صفة ذات لا ينفك عن الله جل وعلا، فالله لا يزال في العلو سبحانه وتعالى ,أما الاستواء فهو صفة فعل، يفعله سبحانه وتعالى متى شاء، فأهل السنة والجماعة يؤمنون باستوائه على عرشه .
ويقولون: الاستواء يأتي في القرآن على معاني ,يأتي لازما غير متعد.
وذلك كما في قوله عن موسى عليه السلام: { ولما بلغ أشده واستوى } هذا لازم ,ومعناه الكمال والتمام ,لما بلغ أشده واستوى يعني: تكامل نموه وتكاملت هيئته عليه الصلاة والسلام ,تكامل من كل وجه.
وإذا عدي بإلى في: { استوى إلى السماء } ,فمعناه القصد ,أي: قصد إلى خلق السماء سبحانه وتعالى.

وقيل: إنه لا فرق بين استوى إلى ,أو استوى على ,المعنى واحد وهو العلو، لكن من العلماء من فسر { استوى إلى السماء } بمعنى قصد إلى خلقها ,بعد أن خلق الأرض، خلق الأرض أولاً ثم قصد إلى السماء ,خلقها ثم دحا الأرض وأخرج منها ماءها ومرعاها بعد ذلك { والأرض بعد ذلك } أي: بعد خلق السماء { دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها }.
وإن عدي بالواو فمعناه المساواة ,تقول: استوى الماء والخشبة بمعنى تساويا، استوى فلان وفلان بمعنى تساويا في شيء من الأشياء، تقول: أنتم سواء.
وإذا عدي بعلى فمعناه الارتفاع ,كما قال تعالى: { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون، لتستووا على ظهورها } معنى تستووا على ظهورها؟ ترتفعوا عليها ,وتستقروا على ظهورها ,على ظهور الفلك ,وظهور الأنعام للسفر، { لتستووا على ظهورها } يعني: ترتفعوا عليها، وتصعدوا عليها ,وتستقروا على ظهورها، ومنه قوله تعالى: { ثم استوى على العرش } يعني: ارتفع وعلا وصعد سبحانه وتعالى.
فكل هذا على ما يليق بجلاله ,ليس مثل صعود المخلوق، أو علو المخلوق على المخلوق، أو استواء المخلوق على المخلوق،بل مع الفرق بين استواء المخلوق ,واستواء الخالق جل وعلا.


  #6  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 08:37 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ :عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله ( مفرغ )


ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى : (( ومن ذلك قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} )) الضمير في قوله : (( ومن ذلك )) عائد إلى ما سبق قبل قليل وخاصة قوله : (( وكل ما تُخُيل في الذهن أو خطر بالبال , فإن الله تعالى بخلافه )) وصفة الاستواء لله سبحانه وتعالى دل عليها قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} , وآيات أخرى كثيرة .
وهذه الصفة قد يخطر ببال الإنسان أن استواء الله على العرش كاستواء المخلوق, أو أن الله محتاج إلى العرش كاحتياج الخلق أو احتياج الملك إلى سرير ملكه, فقال هنا : ((ومن ذلك )) أي ومن ذلك الذي نثبته لله ولا يكون شبيهاً بصفات المخلوقين , ولا نتخيل ولانتوهم هذه الصفة بأي خيال أو بأي توهم, لأن الله بخلاف ذلك - صفة الاستواء لله سبحانه وتعالى التي دل عليها قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} .
كذلك أيضاً صفة الاستواء دالة على أن الله سبحانه وتعالى متصف بالصفات الفعلية, أي أنه سبحانه وتعالى مستوٍ على العرش كما يليق بجلاله وعظمته , وان استواءه تبارك وتعالى من صفات فعله, ولهذا فإن استواءه بعد خلق السموات وبعد خلق العرش , كما يدل على ذلك التعبير بقوله { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الفرقان: من الآية59), وكلمة ((ثم )) تتدل على التأخير, فإن الله سبحانه وتعالى ليس مستوياً على العرش في الأزل , وإنما استوى على العرش بعد خلق العرش وبعد
خلق السموات والأرض كما قال : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الفرقان: من الآية59) , وهذا الإثبات لهذه الصفة هو إثبات من غير تكييف, ولا تمثيل , ومن غير تحريف , ولا تعطيل , وإنما هو إثبات لصفة الاستواء كما يليق بجلاله وعظمته .
أما المخالفون لأهل السنة والجماعة فإنهم حرفوا وأوَّلوا فقالوا : صفة الاستواء يلزم منها مشابه الله للمخلوقين, فيلزم منه أن يكون الله سبحانه وتعالى شبيهاً بالمخلوق إذا جلس على كرسي أو نحو ذلك. فصاروا إلى التأويل وقالوا : معنى قول الله تبارك وتعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : استوى بمعنى استولى .
ولكن اللغة العربية لا تسعفهم في هذا التأويل ولو بوجه بعيد ؛ حيث إن الاستواء في اللغة جاء معنى العلو والارتفاع على الشيء,
وهو نوعان : مطلق ومقيد .
فالمطلق: ما لم يتعد بحرف كقوله تعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} (القصص: من الآية14) فهذا معناه : كمل وتم,
والمقيد : بإلى كقوله : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} (البقرة: من الآية29) ,أو بعلى كقوله : {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِه} (الزخرف: من الآية13) فهذه بمعنى العلو والارتفاع بإجماع أهل اللغة, أو بالواو التي هي واو مع نحو قولك : استوى الماء والخشبة أي : ساواها .

فليس في اللغة العربة استوى بمعنى استولى . فما ضاقت بالمتكلمين المضايق اخترعوا بيتاً من الشعر نسبوه للأخطل النصراني ليس مشهوراً عنه ولا يوجد في ديوانه وهو قوله :

قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراقِ

قالوا : أن معنى قوله : قد استوى بشر على العراق, أن بِشْراً الأمير مَلَكَ العراق واستولى عليه فيكون الاستواء بمعنى الاستيلاء ,
وهذا التأويل الذي تأولوه لهذه الصفة الثابتة لله تأويل باطل لأمور منها :
أولا : إذا كان لفظ الاستواء, أي استواء الله على العرش ورد في القرآن العظيم في سبعة مواضع , فماذا لم يأت في موضع واحد منها يبين فيه أن استوى بمعنى استولى ؟
ثانياً : إن تأويلهم استوى بمعنى استولى , تأويل بعيد ومخالف لما تقتضيه اللغة العربية, لأنه لم يرد في اللغة العربية هذا اللفغظ بهذا المعنى, أما بيت الشعر الذي استشهدتم به فمن قاله ؟ وأين يوجد ؟ وإلى أي عربي ينسب؟ ليس عندهم جواب إلا : قيل وروي . ثم يوردون هذا البيت .
بل لو قاله أحد العرب أو أحد الشعراء المعروفين فإنه لا حجة فيه في مقابل أدلة كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : إن قولكم استوى بمعنى استولى لا يصح في سياق الآية, لأنه لا يقال : استولى, إلا إذا كان هناك مغالب, فإذا قلنا : استوى بشر على العراق بمعنى استولى عل العراق بيدل على أنه كان قبله حاكم آخر فغلبه واستولى عليه .
فإذا كان هذا صحيحاً فإن قوله تعالى : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} إذا تأولوه بمعنى استولى عليه , يدل على أن العرش كان مملوكاً قبل ذلك لغير الله, ثم إن الله ملكه بعد ذلك واستولى عليه, فهل يمكن أن يقول بذلك عاقل ؟
فالقول بذلك يؤدي إلى أن يكون هناك مغالب لله تبارك وتعالى في ملكه, فغلبه الله واستولى على هذا العرش منه , سواء قيل أن العرش مخلوق معين, أوأنه هو الملك كما يدعي هؤلاء - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
فلهذه كالأمور ولغيرها - وقد فصلها العلماء, ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى حيث نقض هذا التأويل بأكثر من عشرة أوجه (1) - يتبين بها أن تأويل هؤلاء لا ستوى بمعنى استولى إنما هو تأويل باطل, وزيادة زادوها , ولهذا شبهها بعض العلماء بزيادة بني إسرائيل من اليهود حين قال الله لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} (البقرة: من الآية58). فأمرهم الله أن يدخلوا ساجيدن أي راكعين, وأن يقولوا : حِطَّة : أي حُطَّ عنا خطايانا, فعكس هؤلاء اليهود الأمر الإلهي وعصوا؛ حيث دخلوا من قبل أستاهم أي من خلفهم وهم يقولون : حنطةٌ في شعير . فَنُون اليهود زادوها في حطة, ولام المتكلمين زادوها في استوى فقالوا : استوى بمعنى استولى , وهذا يدل على أن المنبع

وقوله : {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} (الملك: من الآية16) .
قريب من بعضه , نسأل الله السلامة والعافية؛ فهو تحريف للكتاب , وتأويل لـه, وبعد عما كان فيه السلف الصالح رحمهم الله تعالى .
والعرش في اللغة العربية سرير الملك, وفي الاصطلاح : هو عرش الله تبارك وتعالى , وهو مخلوق عظيم جدا , خلقه الله تبارك وتعالى , وهو أعلى المخلوقات, وهو سقفها, وتحمل الملائكة, كما قال الله تبارك تعالى :{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } (غافر: من الآية7) , وكما قال ربنا عن يوم القيامة :{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: من الآية17), فهو عرش عظيم جدا, أعظم من السموات وما فيها , وهو أعلى المخلوقات وهو سقفها .
والله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه استوى على هذا العرش, استواءً يليق بجلاله وعظمته , لا يلزم من أي لازم باطل , فلا يلزم منه أن الله محتاج إلى هذا العرش , ولا أنه إذا عدم هذا العرش يسقط من عليه, تعالى الله عما يتوهمه المتوهمون علواً كبيراً , بل هو اسواء يليق بلجلاله وعظمته .



_____________________________
(1) انظر مجموع الفتاوى 5\144-149




  #7  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:04 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
افتراضي شرح لمعة الاعتقاد,الشيخ الغفيص

شرح هذه الفقرة في الدرس التالي
صفة العلو ..


  #8  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:05 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر

العناصر
- إثبات صفة الاستواء على العرش .
- دلائل إثبات صفة (الاستواء) لله تعالى .
- منهج أهل السنة في إثبات صفة (الاستواء) .
- تأويل المبتدعة لصفة (الاستواء) .
- الرد على من أنكر صفة (الاستواء) .
- آيات الاستواء على العرش من أدلة العلو .
- وردت آيات الاستواء في سبعة مواضع في القرآن الكريم .
- ذكر أقوال السلف في تفسير لفظ الاستواء .
- الرد على من أنكر صفة (الاستواء) .
- الإيمان بالكرسي .
- الإيمان بالعرش .
- تعريف العرش .
- الكرسي غير العرش .
- صفة العرش .

  #9  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:07 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Question الأسئلة


الأسئلة
س1: عرف العرش لغة، وما المراد به في قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} ؟
س2: هل الكرسي هو العرش ؟

س3: اذكر ما يدل على ثبوت صفة الاستواء لله تعالى .
س4: اذكر أقوال السلف في تفسير لفظ الاستواء .
س5: كيف ترد على من أول صفة الاستواء ؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاستواء, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir