دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الحج

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 02:20 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صفة الحج ودخول مكة (1/29) [صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم]


بابُ صِفةِ الْحَجِّ ودُخولِ مَكَّةَ
عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَجَّ، فخَرَجْنَا معه، حَتَّى أَتَيْنَا ذا الْحُلَيْفَةَ، فوَلَدَتْ أسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ، فقالَ: ((اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي)). وصَلَّى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ به عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بالتوحيدِ: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)). حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا البيتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثلاثًا، ومَشَى أربعًا، ثُمَّ أَتَى مَقامَ إبراهيمَ فصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِن البابِ إِلَى الصَّفَا، فلَمَّا دَنَا مِن الصفا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] ((أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ)). فَرَقَى الصَّفَا حَتَّى رأَى البيتَ، فاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وكَبَّرْهُ، وقالَ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [وَحْدَهُ]، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ))، ثُمَّ دعا بَيْنَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَروةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بطنِ الوَادِي [سعى] حَتَّى صَعِدَتَا، مَشَى+ إِلَى الْمَروةِ، فَفَعَلَ عَلَى المروةِ كما فَعَلَ عَلَى الصَّفَا.. فذَكَرَ الحديثَ، وفِيهِ: فلَمَّا كَانَ يومُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، ورَكِبَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فصَلَّى بها الظُّهْرَ والْعَصْرَ والْمَغْرِبَ والْعِشَاءَ والْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قليلًا حَتَّى طَلَعَت الشَّمْسُ. فأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قد ضُرِبَتْ له بنَمِرَةَ فنَزَلَ بها. حَتَّى إِذَا زاغتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بالقَصواءِ فَرُحِّلَتْ له، فأتَى بَطْنَ الوادي فخَطَبَ الناسَ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أقامَ، فصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أقامَ فصَلَّى الْعَصْرَ، ولم يُصَلِّ بَيْنَهما شَيْئًا، ثُمَّ رَكَبَ حَتَّى أتَى الْمَوْقِفَ فجعَلَ بطنَ ناقتِهِ القَصواءِ إِلَى الصَّخْرَاتِ، وجعل حَبْلَ الْمُشاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، واسْتَقْبلَ الْقِبْلَةَ، فلم يَزَلْ واقِفًا حَتَّى غَرَبَت الشَّمْسُ وذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قليلًا، حَتَّى غابَ القُرْصُ، ودَفَعَ وقد شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزمامَ حَتَّى إنَّ رأسَها لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، ويقولُ بيدِهِ اليُمنَى: ((أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ)). كُلَّمَا أتَى حَبْلًا أَرْخَى لها قليلًا حَتَّى تَصْعَدَ. حَتَّى أتَى المُزْدَلِفَةَ فصَلَّى بها الْمَغْرِبَ والْعِشَاءَ بأَذَانٍ واحدٍ وإقامتينِ، ولم يُسَبِّحْ بَيْنَهما شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فصَلَّى الْفَجْرَ حينَ تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ بأَذَانٍ وإقامةٍ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أتَى الْمَشْعَرَ الحرامَ، فاستقبلَ الْقِبْلَةَ فدعاهُ وكَبَّرَهُ وهَلَّلَهُ، فلم يَزَلْ واقفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا. فدَفَعَ قبلَ أن تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أتَى بَطْنَ مِحْسَرٍ فحَرَّكَ قليلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطريقَ الوُسْطَى التي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الكُبرَى حَتَّى أَتَى الْجَمرةَ التي عندَ الشجرةِ، فرَمَاهَا بسبعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مع كلِّ حَصاةٍ منها، مِثلَ حَصَى الْخَذَفِ رَمَى مِن بطنِ الوادي. ثُمَّ انْصَرَف إِلَى الْمَنْحَرِ فنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فأفاضَ إِلَى البيتِ، فصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. رواهُ مسلِمٌ مُطَوَّلًا.

  #2  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 07:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَدُخُولِ مَكَّةَ

أَرَادَ بِهِ بَيَانَ المَنَاسِكِ وَالإِتْيَانَ بِهَا مُرَتَّبَةً وَكَيْفِيَّةَ وُقُوعِهَا، وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَهُوَ وَافٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
1/695 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى إذَا أَتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَقَالَ: ((اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي)).
وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حَتَّى إذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ))، حَتَّى إذَا أَتَيْنَا البَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلاثاً، وَمَشَى أَرْبَعاً، ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ.
ثُمَّ خَرَجَ مِن البَابِ إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِن الصَّفَا قَرَأَ: (({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ))، فَرَقَى الصَّفَا، حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: ((لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ)).
ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى المَرْوَةِ، حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حَتَّى إذَا صَعِدَ مَشَى إلى المَرْوَةِ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا. وَذَكَرَ الحَدِيثَ.
وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، وَرَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَت الشَّمْسُ، فَأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا زَالَت الشَّمْسُ أَمَرَ بِالقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً.
ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَت الشَّمْسُ، وَذَهَبَت الصُّفْرَةُ قَلِيلاً، حَتَّى غَابَ القُرْصُ، وَدَفَعَ.
وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ))، كُلَّمَا أَتَى جَبَلاً أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ.
ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ ودَعَا وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، كُلُّ حَصَاةٍ مِثْلُ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إلَى البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلاً.
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ). عَبَّرَ بِالمَاضِي؛ لأَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ بَعْدَ تَقْضِي الحَجَّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ.
(فَخَرَجْنَا مَعَهُ)؛ أَيْ: مِن المَدِينَةِ، (حَتَّى إذَا أَتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ): بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ؛ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ، يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، (فَقَالَ)؛ أَي: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فمُثَلَّثَةٍ فَرَاءٍ، هُوَ شَدُّ المَرْأَةِ عَلَى وَسَطِهَا شَيْئاً، ثُمَّ تَأْخُذُ خِرْقَةً عَرِيضَةً تَجْعَلُهَا فِي مَحَلِّ الدَّمِ، وَتَشُدُّ طَرَفَيْهَا مِنْ وَرَائِهَا وَمِنْ قُدَّامِهَا إلَى ذَلِكَ الَّذِي شَدَّتْهُ فِي وَسَطِهَا.
وَقَوْلُهُ: (بِثَوْبٍ) بَيَانٌ لِمَا تَسْتَثْفِرُ بِهِ، (وَأَحْرِمِي) فِيهِ أَنَّهُ لا يَمْنَعُ النِّفَاسُ صِحَّةَ عَقْدِ الإِحْرَامِ، (وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المَسْجِدِ) مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ؛ أَيْ: صَلاةَ الفَجْرِ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَالَّذِي فِي الهَدْيِ النَّبَوِيِّ أَنَّهَا صَلاةُ الظُّهْرِ، وَهُوَ الأَوْلَى؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِذِي الحُلَيْفَةِ، الخَامِسَةُ هِيَ الظُّهْرُ، وَسَافَرَ بَعْدَهَا فِي المَسْجِدِ، (ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ): بِفَتْحِ القَافِ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ فَوَاوٍ فَأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ، وَقِيلَ: بِضَمِّ القَافِ مَقْصُورٌ، وَخَطِئَ مَنْ قَالَهُ، لَقَبٌ لِنَاقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى البَيْدَاءِ): اسْمُ مَحَلٍّ، (أَهَلَّ): رَفَعَ صَوْتَهُ (بِالتَّوْحِيدِ)؛ أَيْ: إفْرَادُ التَّلْبِيَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، بِقَوْلِهِ: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ).
وَكَانَت الجَاهِلِيَّةُ تُزِيدُ فِي التَّلْبِيَةِ: إلاَّ شَرِيكاً هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، ((إِنَّ الْحَمْدَ)): بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَالمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّعْلِيلُ ((وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ))، وأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذا اللَّفْظِ الذي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئاً مِنْهُم، ولَزِمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تَلْبِيَتَهُ.
(حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا البَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ)؛ أَيْ: مَسَحَهُ بِيَدِهِ، وَأَرَادَ بِهِ الحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَأَطْلَقَ الرُّكْنَ عَلَيْهِ؛ لأَنَّهُ قَدْ غَلَبَ عَلَى اليَمَانِيِّ.
(فَرَمَلَ)؛ أَيْ: فِي طَوَافِهِ بِالبَيْتِ؛ أَيْ: أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مُهَرْوِلاً، فِيمَا عَدَا الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ فَقَطْ؛ فإِنَّهُ مَشَى فِيمَا بَيْنَهُمَا كَمَا يَأْتِي حِدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ، (ثَلاثاً)؛ أَيْ: مَرَّاتٍ.
(وَمَشَى أَرْبَعاً، ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ فَصَلَّى) رَكْعَتِيِ الطَّوَافِ.
(ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِن البَابِ)؛ أَيْ: بَابِ الحَرَمِ، (إلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا)؛ أَيْ: قَرُبَ، (مِن الصَّفَا قَرَأَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، أَبْدَأُ) فِي الأَخْذِ فِي السَّعْيِ (بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَرَقَى): بِفَتْحِ القَافِ.
(الصَّفَا حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ)، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ) بِإِظْهَارِهِ تَعَالَى لِلدِّينِ.
(وَنَصَرَ عَبْدَهُ)، يُرِيدُ بِهِ نَفْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، (وَهَزَمَ الأَحْزَابَ) فِي يَوْمِ الخَنْدَقِ (وَحْدَهُ)؛ أَيْ: مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ من الآدَمِيِّينَ، وَلا سَبَبَ لانْهِزَامِهِمْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا}، أَو المُرَادُ: كُلُّ مَنْ تَحَزَّبَ لِحَرْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهُ هَزَمَهُمْ.
(ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ -قالَ مِثْلَ هَذَا- ثَلاثَ مَرَّاتٍ)، دَلَّ أَنَّهُ كَرَّرَ الذِّكْرَ المَذْكُورَ ثَلاثاً.
(ثُمَّ نَزَلَ مِن الصَّفَا) مُنْتَهِياً (إلَى المَرْوَةِ، حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى).
قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ إسْقَاطُ لَفْظَةٍ لا بُدَّ مِنْهَا، وَهِيَ: حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ، فَرْمَلَ فِي بَطْنِ الوَادِي، فَسَقَطَ لَفْظُ: "رَمَلَ"، قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَكَذَا ذَكَرَهَا الحُمَيْدِيُّ فِي الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ.
(حَتَّى إذَا صَعِدَ) مِنْ بَطْنِ الوَادِي (مَشَى إلَى المَرْوَةِ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا) مِن اسْتِقْبَالِهِ القِبْلَةَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ.
(فَذَكَرَ)؛ أَيْ: جَابِرٌ، (الحَدِيثَ) بِتَمَامِهِ، وَاقْتَصَرَ المُصَنِّفُ عَلَى مَحَلِّ الحَاجَةِ.
(وَفِيهِ)؛ أَيْ: فِي الحَدِيثِ، (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ): بِفَتْحِ المُثَنَّاةِ الفَوْقِيَّةِ فَرَاءٍ، وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِعَرَفَةَ مَاءٌ.
(تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، وَرَكِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ) بِفَتْحِ الكَافِّ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ: لَبِثَ، (قَلِيلاً)؛ أَيْ: بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ.
(حَتَّى طَلَعَت الشَّمْسُ، فَأَجَازَ)؛ أَيْ: جَاوَزَ المُزْدَلِفَةَ وَلَمْ يَقِفْ بِهَا، (حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ)؛ أَيْ: قَرُبَ مِنْهَا، لا أَنَّهُ دَخَلَهَا؛ بِدَلِيلِ (فَوَجَدَ القُبَّةَ): خَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ، (قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ المِيمِ فَرَاءٍ فَتَاءِ تَأْنِيثٍ: مَحَلٌّ مَعْرُوفٌ، (فَنَزَلَ بِهَا)؛ فَإِنَّ نَمِرَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ.
(حَتَّى إذَا زَالَت الشَّمْسُ أَمَرَ بِالقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ): مُغَيَّرُ صِيغَةٍ مُخَفَّفُ الحَاءِ المُهْمَلَةِ؛ أَيْ: وُضِعَ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، (فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي): وَادِي عَرَفَةَ.
(فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ) جَمْعاً مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ.
(وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئاً، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ). فِيهِ ضَبْطَانِ: بِالجِيمِ وَالحَاءِ المُهْمَلَةِ وَالمُوَحَّدَةِ؛ إمَّا مَفْتُوحَةً أَوْ سَاكِنَةً، (الْمُشَاةِ)، وَبِهَا ذِكْرُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَفَسَّرَهُ بِطَرِيقِهِم الَّذِي يَسْلُكُونَهُ فِي الرَّمَلِ، وَقِيلَ: أَرَادَ صَفَّهُمْ وَمُجْتَمَعَهُمْ فِي مَشْيِهِمْ تَشْبِيهاً بِحَبْلِ الرَّمَلِ.
(بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَت الشَّمْسُ، وَذَهَبَت الصُّفْرَةُ قَلِيلاً، حَتَّى غَابَ القُرْصُ).
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ، وَكَذَا نَقَلَهُ القَاضِي عنْ جَمِيعِ النُّسَخِ.
قَالَ: قِيلَ: صَوَابُهُ: حِينَ غَابَ القُرْصُ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: حَتَّى غَابَ القُرْصُ، بَيَاناً لِقَوْلِهِ: غَرَبَت الشَّمْسُ وَذَهَبَت الصُّفْرَةُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ قَدْ تُطْلَقُ مَجَازاً عَلَى مَغِيبِ مُعْظَمِ القُرْصِ، فَأَزَالَ ذَلِكَ الاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ: حَتَّى غَابَ القُرْصُ.
(وَدَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ: ضَمَّ وَضَيَّقَ، (لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبَ مَوْرِكَ): بِفَتْحِ المِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، (رَحْلِهِ) بِالحَاءِ المُهْمَلَةِ: المَوْضِعُ الَّذِي يَثْنِي الرَّاكِبُ رِجْلَهُ عَلَيْهِ قُدَّامَ وَسَطِ الرَّحْلِ إذَا مَلَّ مِن الرُّكُوبِ، (وَيَقُولُ بِيَدِهِ اليُمْنَى)؛ أَيْ: يُشِيرُ بِهَا قَائِلاً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ) بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: أَلْزَمُوا.
(وكُلَّمَا أَتَى حَبْلاً): بِالمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ المُوَحَّدَةِ، مِنْ حِبَالِ الرَّمَلِ، وَحَبْلُ الرَّمَلِ: مَا طَالَ مِنْهُ وَضَخُمَ، (أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً، حَتَّى تَصْعَدَ): بِفَتْحِ المُثَنَّاةِ وَضَمِّهَا، يُقَالُ: صَعِدَ وَأَصْعَدَ.
(إِذَا أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ)؛ أَيْ: لَمْ يُصَلِّ، (بَيْنَهُمَا شَيْئاً)؛ أَيْ: نَافِلَةً.
(ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَصَلَّى الفَجْرَ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ)، وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ فِي المُزْدَلِفَةِ، يُقَالُ لَهُ: قُزَحٌ، بِضَمِّ القَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ.
(فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَدَعَا وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى أَسْفَرَ)؛ أَي: الفَجْرُ، (جِدًّا): بِكَسْرِ الجِيمِ؛ إسْفَاراً بَلِيغاً.
(فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ): بِضَمِّ المِيمِ وَفَتْحِ المُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ المُشَدَّدَةِ المُهْمَلَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الفِيلِ حُسِرَ هُنَالِكَ، أَيْ: كَلَّ وَأَعْيَا.
(فَحَرَّكَ قَلِيلاً)؛ أَيْ: حَرَّكَ لِدَابَّتِهِ؛ لَتُسْرِعَ فِي المَشْيِ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ مَسَافَةِ رَمْيَةِ حَجَرٍ، (ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى)، وَهِيَ غَيْرُ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَهَبَ فِيهَا إلَى عَرَفَاتٍ.
(الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الكُبْرَى)، وَهِيَ جَمْرَةُ العَقَبَةِ، (حَتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ)، وَهِيَ حَدٌّ لِمِنًى، وَلَيْسَتْ مِنْهَا، وَالجَمْرَةُ: اسْمٌ لِمُجْتَمَعِ الحَصَى، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لاجْتِمَاعِ النَّاسِ، يُقَالُ: أَجْمَرَ بَنُو فُلانٍ، إذَا اجْتَمَعُوا.
(فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، كُلُّ حَصَاةٍ مِثْلُ حَصَى الخَذْفِ): وَقَدْرُهُ مِثْلُ حَبَّةِ الْبَاقِلاءِ، (رَمَى مِنْ بَطْنِ الوَادِي): بَيَانٌ لِمَحِلِّ الرَّمْيِ.
(ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إلَى البَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ). فِيهِ حَذْفٌ؛ أَيْ: فَأَفَاضَ إلَى البَيْتِ، فَطَافَ بِهِ طَوَافَ الإِفَاضَةِ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ.
وَهَذَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ، ثُمَّ أَعَادَهُ بِأَصْحَابِهِ جَمَاعَةً بِمِنًى؛ لِيَنَالُوا فَضْلَ الجَمَاعَةِ خَلْفَهُ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلاً)، وَفِيهِ زِيَادَاتٌ حَذَفَهَا المُصَنِّفُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ الحَاجَةِ هُنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ مِن الفَوَائِدِ، وَنَفَائِسَ مِنْ مُهِمَّاتِ القَوَاعِدِ. قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى مَا فِيهِ مِن الفِقْهِ وَأَكْثَرُوا، وَصَنَّفَ فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ المُنْذِرِ جُزْءاً كَبِيراً، أَخْرَجَ فِيهِ مِن الفِقْهِ مِائَةً وَنَيِّفاً وَخَمْسِينَ نَوْعاً، قَالَ: وَلَوْ تَقَصَّى لَزِيدَ عَلَى هَذَا العَدَدِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ.
قُلْتُ: وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الأَصْلَ فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجِّهِ الوُجُوبُ؛ لأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَفْعَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحَجِّ بَيَانٌ لِلْحَجِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُجْملاً فِي القُرْآنِ، وَالأَفْعَالُ فِي بَيَانِ الوُجُوبِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الوُجُوبِ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ))، فَمَن ادَّعَى عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ فِي الحَجِّ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.
وَلِنَذْكُرْ مَا يَحْتَمِلُهُ المُخْتَصَرُ مِنْ فَوَائِدِهِ وَدَلائِلِهِ: فَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الإِحْرَامِ سُنَّةٌ لِلنُّفَسَاءِ وَالحَائِضِ، وَلِغَيْرِهِمَا بِالأَوْلَى، وَعَلَى اسْتِثْفَارِ الحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَعَلَى صِحَّةِ إحْرَامِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ الإِحْرَامُ عَقِيبَ صَلاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ؛ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إِنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَهَلَّ بَعْدَهُمَا فَرِيضَةَ الفَجْرِ وقَدَّمْنا لكَ أنَّ الأصَحَّ أنَّهما رَكْعَتا الظُّهْرِ؛ لأنَّهُ صَلاَّها قَصْراً، ثُمَّ أهَلَّ، وَأَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ.
قَالَ العُلَمَاءُ: وَيُسْتَحَبُّ الاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْ زَادَ فَلا بَأْسَ، فَقَدْ زَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالفَضْلِ الحَسَنِ، لَبَّيْكَ مَرْهُوباً مِنْكَ، وَمَرْغُوباً إلَيْكَ".
وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: " لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالعَمَلُ ".
وَأَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا، تَعَبُّداً وَرِقًّا "، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاجِّ القُدُومُ أَوَّلاً مَكَّةَ لِيَطُوفَ طَوَافَ القُدُومِ، وَأَنَّهُ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ قَبْلَ طَوَافِهِ، فيَرْمُلُ فِي الثَّلاثَةِ الأَشْوَاطِ الأُوَلِ، وَالرَّمَلُ: إسْرَاعُ المَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الخُطَا، وَهُوَ الخَبَبُ، وهذا الرَّمَلُ يَفْعَلُهُ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَّيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعاً عَلَى عَادَتِهِ.
وَأَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَ تَمَامِ طَوَافِهِ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ، وَيَتْلُو: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، ثُمَّ يَجْعَلُ المَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ طَائِفٍ إذَا طَافَ بِالبَيْتِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَمْ لا؟ فَقِيلَ بِالوُجُوبِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِباً وَجَبَتَا، وَإِلاَّ فَسُنَّةٌ، وَهَلْ يَجِبَانِ خَلْفَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ حَتْماً أَوْ يُجْزِئَانِ فِي غَيْرِهِ؟ فَقِيلَ: يَجِبَانِ خَلْفَهُ، وَقِيلَ: يُنْدَبَانِ خَلْفَهُ، وَلَوْ صَلاَّهُمَا فِي الحَجَرِ أَوْ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ أَوْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مِنْ مَكَّةَ جَازَ وَفَاتَتْهُ الفَضِيلَةُ.
وَوَرَدَ فِي القِرَاءَةِ فِيهِمَا فِي الأُولَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ الكَافِرُونَ، وَالثَّانِيَةِ بَعْدَهَا الصَّمَدُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ الاسْتِلامُ عِنْدَ الخُرُوجِ مِن المَسْجِدِ كَمَا فَعَلَهُ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ الاسْتِلامَ سُنَّةٌ، وَأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ الطَّوَافِ، وَيَبْدَأُ بِالصَّفَا، وَيَرْقَى إلَى أَعْلاهُ وَيَقِفُ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى بِهَذَا الذِّكْرِ، وَيَدْعُو ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
وَفِي المُوَطَّأِ: "حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي سَعَى".
وَقَدْ قَدَّمْنَا لَكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَقْطاً، فَدَلَّتْ رِوَايَةُ المُوَطَّأِ أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي بَطْنِ الوَادِي، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: بَيْنَ المِيلَيْنِ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِن السَّبْعَةِ الأَشْوَاطِ، لا فِي الثَّلاثَةِ الأُوَلِ، كَمَا فِي طَوَافِ القُدُومِ بِالبَيْتِ.
وَأَنَّهُ يَرْقَى أَيْضاً عَلَى المَرْوَةِ كَمَا رَقَى عَلَى الصَّفَا، وَيَذْكُرُ وَيَدْعُو، وَبِتَمَامِ ذَلِكَ تَتِمُّ عُمْرَتُهُ، فَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ صَارَ حَلالاً، وَهَكَذَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَسْخِ الحَجِّ إلَى العُمْرَةِ.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ قَارِناً، فَإِنَّهُ لا يَحْلِقُ وَلا يُقَصِّرُ، وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ. ثُمَّ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الحِجَّةِ يُحْرِمُ مَنْ أَرَادَ الحَجَّ مِمَّنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَيَطْلُعُ هُوَ وَمَنْ كَانَ قَارِناً إلَى مِنًى، كَمَا قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى؛ أَيْ: تَوَجَّهَ مَنْ كَانَ بَاقِياً عَلَى إحْرَامِهِ لِتَمَامِ حَجِّهِ، وَمَنْ كَانَ قَدْ صَارَ حَلالاً أَحْرَمَ وَتَوَجَّهَ إلَى مِنًى، وَتَوَجَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهَا رَاكِباً، فَنَزَلَ بِهَا، وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ.
وَفِيهِ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ مِن المَشْيِ فِي تِلْكَ المَوَاطِنِ، وَفِي الطَّرِيقِ أَيْضاً، وَفِيهِ خِلافٌ، وَدَلِيلُ الأَفْضَلِيَّةِ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمِنًى الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، وَأَنْ يَبِيتَ بِهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ.
وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لا يَخْرُجُوا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ مِنًى إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لا يَدْخُلُوا عَرَفَاتٍ إلاَّ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَأَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمْعاً بِعَرَفَاتٍ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بِنَمِرَةَ، وَلَيْسَتْ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَلَمْ يَدْخُلْ إلَى المَوْقِفِ إلاَّ بَعْدَ الصَّلاتَيْنِ، وَأَنْ لا يُصَلِّيَ بَيْنَهُمَا شَيْئاً.
وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْطُبَ الإِمَامُ النَّاسَ قَبْلَ صَلاةِ العَصْرَيْنِ، وَهَذِهِ إحْدَى الأَرْبَعِ الخُطَبِ المَسْنُونَةِ في الحَجِّ، وَالثَّانِيَةُ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، يَخْطُبُ عِنْدَ الكَعْبَةِ بَعْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ، وَالثَّالِثَةُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَالرَّابِعَةُ يَوْمَ النَّفْرِ، وَهُوَ اليَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، ويَأْتِي الكلامُ عليها.
وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، إلَى آخِرِهِ، سُنَنٌ وَآدَابٌ؛ مِنْهَا: أَنَّهُ يَجْعَلُ الذَّهَابَ إلَى المَوْقِفِ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِن الصَّلاتَيْنِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الوُقُوفَ رَاكِباً أَفْضَلُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ، وَهِيَ صَخَرَاتٌ مُتَفَرِّشَاتٌ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ.
وَمِنْهَا: اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ فِي الوُقُوفِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَبْقَى فِي المَوْقِفِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، وَيَكُونُ فِي وُقُوفِهِ دَاعِياً؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ رَاكِباً يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ فِي دُعَائِهِ رَافِعاً يَدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ، وَأَخْبَرَهُمْ ((أَنَّ خَيْرَ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ))، وَذَكَرَ مِنْ دُعَائِهِ فِي المَوْقِفِ: ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَالَّذِي نَقُولُ، وَخَيْراً مِمَّا نَقُولُ، اللَّهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وَإِلَيْكَ مَآبِي، وَبِكَ تُرَاثِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَوَسْوَاسِ الصَّدْرِ، وَشَتَاتِ الأَمْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ))، ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَمِنْهَا أَنْ يَدْفَعَ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِالسَّكِينَةِ، وَيَأْمُرَ النَّاسَ بِهَا إنْ كَانَ مُطَاعاً، وَيَضُمَّ زِمَامَ مَرْكُوبِهِ لِئَلاَّ يُسْرِعَ فِي المَشْيِ، إلاَّ إذَا أَتَى حَبلاً مِنْ حِبَالِ الرِّمَالِ أَرْخَاهُ قَلِيلاً؛ لِيَخِفَّ عَلَى مَرْكُوبِهِ صُعُودَهُ، فَإِذَا أَتَى المُزْدَلِفَةَ نَزَلَ بِهَا وَصَلَّى المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمْعاً بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ. وَهَذَا الجَمْعُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَف العلماءُ فِي سَبَبِهِ، فَقِيلَ: لأَنَّهُ نُسُكٌ، وَقِيلَ: لأَجْلِ أَنَّهُمْ مُسَافِرُونَ، وَأَنَّهُ لا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا شَيْئاً.
وَقَوْلُهُ (ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرَ)، فِيهِ سُنَنٌ نَبَوِيَّةٌ: المَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ، إنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ؟
وَالأَصْلُ فِيمَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجَّتِهِ الوُجُوبُ كَمَا عَرَفْتَ، وَأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِالمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ يَدْفَعَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَأْتِيَ المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَيَقِفَ بِهِ وَيَدْعُوَ، وَالوُقُوفُ عِنْدَهُ مِن المَنَاسِكِ، ثُمَّ يَدْفَعَ مِنْهُ عِنْدَ إسْفَارِ الفَجْرِ إسْفَاراً بَلِيغاً، فَيَأْتِي بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَيُسْرِعُ السَّيْرَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ مَحَلُّ غَضَبِ اللَّهِ فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ الفِيلِ، فَلا يَنْبَغِي الأَنَاةُ فِيهِ، وَلا البَقَاءُ بِهِ، فَإِذَا أَتَى الْجَمْرَةَ - وَهِيَ جَمْرَةُ العَقَبَةِ - نَزَلَ بِبَطْنِ الوَادِي، وَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، كُلُّ حَصَاةٍ كَحَبَّةِ البَاقِلاَّ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.
ثُمَّ يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى المَنْحَرِ، فَيَنْحَرُ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ بَدَنٌ يُرِيدُ نَحْرَهَا، وَأَمَّا هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ نَحَرَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ثَلاثاً وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَكَانَ مَعَهُ مِائَةُ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْرِ بَاقِيهَا، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى مَكَّةَ فَطَافَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: طَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَمِنْ بَعْدِهِ يَحِلُّ لَهُ كُلَّ مَا حَرُمَ بِالإِحْرَامِ، حَتَّى وَطْءُ النِّسَاءِ، وَأَمَّا إذَا رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وَلَمْ يَطُفْ هَذَا الطَّوَافَ؛ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ مَا عَدَا النِّسَاءَ.
فَهَذِهِ الجُمَلُ مِن السُّنَنِ وَالآدَابِ الَّتِي أَفَادَهَا هَذَا الحَدِيثُ الجَلِيلُ مِنْ أَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ أَعْمَالِ الحَجِّ، وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيثُ الجَلِيلُ مِمَّا سُقْنَاهُ خِلافٌ بَيْنَ العُلَمَاءِ كَثِيرٌ فِي وُجُوبِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَفِي لُزُومِ الدَّمِ بِتَرْكِهِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ، وَفِي صِحَّةِ الحَجِّ إنْ تَرَكَ مِنْها شَيْئاً وَعَدَمِ صِحَّتِهِ، وَقَدْ طَوَّلَ بِذِكْرِ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ، وَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا أَفَادَهُ الحَدِيثُ.
فالآتِي بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هُوَ المُمْتَثِلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ))، وَالمُقْتَدِي بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ.

  #3  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 07:32 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ صِفَةِ الحَجِّ ودُخولِ مَكَّةَ
مُقَدِّمَةٌ
صِفَةُ الحَجِّ بَيانُ مَا شُرِعَ فيهِ من أقوالٍ وأَفْعالٍ، وفيها حَديثُ جَابِرٍ الطويلُ الذي رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فإنَّه وَصَفَ حَجَّةَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حِينَ خَرَجَ مِن المَدِينَةِ حَاجًّا إلى أنْ عَادَ إليها مِن حِجَّتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسَيَكُونُ بَيانُ الحَجِّ وصِفَتُه بذِكْرِ ما سَاقَه المُؤَلِّفُ من هذا الحديثِ الشَّرِيفِ وشَرْحِه إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
وأمَّا مَكَّةُ المُكَرَّمَةُ التي شَرَّفَها اللهُ تعالى ببَيْتِه الحَرَامِ والبِقاعِ المُقَدَّسَةِ، فهي البَلَدُ الحَرَامُ الذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى مَبْعثاً لخَاتَمِ أنبيائِهِ، ومَهْبِطاً لآخِرِ رِسالاتِه، تلك الرِّسالةُ العَامَّةُ الشامِلَةُ الثابِتَةُ الباقِيَةُ، لِمَا جَعَلَ اللهُ تعالى فيها مِن مُقَوِّمَاتِ البَقَاءِ، وعَنَاصِرِ الخُلودِ، مِمَّا يَكْفُلُ لها هذا البَقاءَ الأَبَدِيَّ والشُّمَولَ الذي لا يَنْتَهِي، فكانَ مَصْدَرُها من أُمِّ القُرَى، التي صَارَتْ بهذهِ الرسالةِ عاصِمَةَ الدُّنْيا، وقِبْلَةَ المُسْلِمِينَ.
قالَ الأُستاذُ حُسَيْنٌ كَمَالُ الدِّينِ أَحْمَدُ: إِنَّ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ في الإِسْقَاطِ المِسَاحِيِّ المَكِّيِّ هي مَرْكَزُ العَالَمِ كُلِّه، ولقَدْ أَصْبَحَ مِن البَدِيهِيِّ أَنَّ الأرْضَ كُرَوِيَّةٌ، وأَنَّ الكُرَةَ الأَرْضِيَّةَ تَدُورُ حَوْلَ نَفْسِها دَوْرَةً مُنْتظِمَةً، ولا بُدَّ مِن مِحْوَرٍ ثَابِتٍ دَاخِلَ هذهِ الكُرَةِ يُحَدِّدُ النُّقْطتَيْنِ الثابتتَيْنِ؛ القُطْبَ الشمالِيَّ والقُطْبَ الجُنوبِيَّ، والخَطُّ الدَّائِرِيُّ هو خَطُّ الاسْتِواءِ.
وعندَما تَمَّ تَوْقِيعُ حُدودِ القَارَّاتِ السَّبْعِ على خَريطةِ الإسقاطِ، وجَدْنا أَنَّ الحُدودَ الخَارِجِيَّةَ لهذه القارَّاتِ يَجْمَعُها مُحيطُ دَائِرَةٍ وَاحِدَةٍ، مَرْكَزُها عندَ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ، أي: أَنَّ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ تُعْتَبَرُ مَرْكزاً وَسَطاً للأرضِ اليَابِسَةِ على سَطْحِ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ، فهذا الإسقاطُ المَكِّيُّ الجديدُ يُعْطِي مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ مَرْكزاً خَاصًّا بينَ أمَاكِنِ العَالَمِ، وللهِ في خَلْقِه أَسْرارٌ.

620- عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةَ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فقالَ: ((اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي))، وصلَّى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في المَسْجِدِ، ثمَّ رَكِبَ القَصْواءَ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ علَى البَيْداءِ أهَلَّ بالتَّوْحِيدِ: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكُ، لاَ شَرِيكَ لَكَ)). حَتَّى إِذا أتَيْنَا البيتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فرَمَلَ ثَلاثاً، ومَشَى أَرْبَعاً، ثمَّ أتَى مَقامَ إِبْرَاهِيمَ فصَلَّى، ورَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثمَّ خَرَجَ من البَابِ إلى الصَّفَا، فلَمَّا دَنَا من الصَّفَا قَرَأَ: (({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ}. أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ)). فرَقَى الصَّفَا حَتَّى رَأَى البَيْتَ، فَاسْتَقَبَلَ القِبْلَةَ، فوَحَّدَ اللهَ وكَبَّرَهُ، وقالَ: ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ)). ثمَّ دَعَا بينَ ذلك ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ، حَتَّى إذا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعَدَتَا مَشَى إلى المَرْوَةِ، فَفَعَلَ عَلَى المَرْوَةِ كَمَا فعَلَ على الصَّفَا... وذكَرَ الحديثَ، وفيهِ: فلَمَّا كانَ يومُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، ورَكِبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصَلَّى بها الظُّهْرَ، والعَصْرَ، والمَغْرِبَ، والعِشَاءَ، والفَجْرَ، ثمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فأجَازَ حتَّى عَرَفَةَ، فوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ له بنَمِرَةَ، فنَزَلَ بها، حتَّى إذا زَالَتِ الشَّمْسُ أمَرَ بالقَصْواءِ، فرُحِّلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الوَادِي، فخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أقَامَ، فصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أقَامَ، فصَلَّى العَصْرَ، ولَمْ يُصَلِّ بَيْنَهما شَيْئاً، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إلى الصَّخَرَاتِ، وجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً، حتى إذا غابَ القُرصُ، ودَفَعَ، وقَدْ شَنَقَ للقَصْواءِ الزِّمامَ، حَتَّى إِنَّ رَأْسَها لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، ويَقُولُ بيَدِه اليُمْنَى: ((أَيُّهَا النَّاسُ: السَّكِينَةَ، السّكِينَةَ)). وكُلَّما أتَى حَبْلاً من الحِبالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فصَلَّى بها المَغْربَ والعِشاءَ، بأذانٍ واحدٍ وإقامتَيْنِ، ولَمْ يُسَبِّحْ بينَهما شيئاً، ثمَّ اضْطَجَعَ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وصَلَّى الفَجْرَ حتى تَبيَّنَ له الصُّبْحُ بأذانٍ وإقامةٍ، ثمَّ رَكِبَ حتى أتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فاسْتَقْبَلَ القِبْلةَ، فدعاهُ، وكَبَّرَهُ، وهَلَّلَهُ، ووَحَّدَهُ، فلَمْ يَزَلْ وَاقفاً حتى أسْفَرَ جِدًّا، فدَفَعَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشمسُ حتى أتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فحَرَّكَ قَلِيلاً، ثمَّ سَلَكَ الطريقَ الوُسْطَى التي تَخْرُجُ على الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حَتَّى أتَى الجَمْرَةَ التي عندَ الشَّجَرةِ، فرَمَاها بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ معَ كلِّ حَصاةٍ منها، كلُّ حَصَاةٍ مِثْلُ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى من بَطْنِ الوادي، ثمَّ انْصَرَفَ إلى المَنْحَرِ، فنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسولُ اللهِ، فأفَاضَ إلى البيتِ، فصَلَّى بمَكَّةَ الظُّهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطوَّلاً.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
-أسماءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: بضَمِّ العينِ وفتحِ الميمِ بعدَها ياءٌ ثمَّ سينٌ مُهْملَةٌ، الخَثْعمِيَّةُ كانَتْ تَحْتَ جَعْفَرِ بنِ أبي طَالِبٍ، وأولادُه منها، فقُتِلَ شَهِيداً بغَزْوَةِ مُؤْتَةَ فتَزَوَّجَها أبو بِكْرٍ الصِّدِّيقُ، فوَلَدَتْ له مُحَمَّداً في المِيقاتِ، وبعدَ وَفاةِ أبي بَكْرٍ تَزَوَّجَها عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ.
-اسْتَثْفِرِي: بسينٍ مُهْمَلَةٍ فمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ ثمَّ ثاءٍ ثمَّ فاءٍ ثمَّ راءٍ، واستثفارُ المَرْأةِ أَنْ تَشُدَّ على وَسَطِها شَيْئاً ثمَّ تَأْخُذُ خِرْقَةً عَرِيضةً، تَجْعَلُها في مَحَلِّ الدَّمِ، وتَشُدُّها من وَرائِها وقُدَّامِها، ليَمْنَعَ الخَارِجَ، وفي معناها الحَفَائِضُ الآنَ.
-القَصْوَاءَ: بفتحِ القافِ وسُكونِ الصادِ ثمَّ واوٍ وألفٍ مَمْدودةٍ، قالَ في النهايةِ: القَصْوَاءُ: النَّاقَةُ التي قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِها، وناقةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ مَقْطُوَعَةَ الأُذُنِ، قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْراهيمَ التَّيْمِيُّ: إنَّ القَصْوَاءَ والعَضْبَاءَ والجَدْعَاءَ، اسْمٌ لناقةٍ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واحدةٍ، وهي التي هَاجَرَ عليها النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي التي سُبِقَتْ، فشَقَّ ذلك على الصحابةِ.
-البَيْدَاءِ: بفتحِ الباءِ بعدَها ياءٌ مُثنَّاةٌ ثمَّ دالٌ مُهْمَلَةٌ ثمَّ أَلِفٌ مَمْدُودَةٌ، هي الفَلاةُ، جَمْعُها بِيدٌ.
-أهَلَّ بالتَّوْحِيدِ: رفَعَ صوتَه بالتلبيةِ، التي تَشْتَمِلُ على تَوْحيدِ اللهِ تعالى بألُوهِيَّتِه، ورُبُوبِيَّتِه، وأسمائِه وصِفاتِهِ، فكُلُّ أنواعِ التوحيدِ الثلاثةِ تَشْتَمِلُ عليها التلبيةُ، وفيه تَعْرِيضٌ لِمَا كانَ يَفْعَلُه أهْلُ الجاهِلِيَّةِ من انْضِمامِ قَوْلِهم: إلاَّ شَرِيكاً هو لَكَ تَمْلِكُهُ، وما مَلَكَ.
-لَبَّيْكَ: أصْلُه ألَبَّ بالمكانِ إذا لَزِمَهُ، نُصِبَ على المَصْدَرِ، فهو من المَصادِرِ التي يَجِبُ حَذْفُ فِعْلِها لكونِه وَقَعَ مُثَنًّى، ولذلك يَجِبُ حَذْفُ فِعْلِه قِياساً؛ لأنَّ العربَ لَمَّا ثَنَّوْهُ للتأكيدِ كأنَّهم ذَكَرُوهُ مَرَّتيْنِ.
فمعنَى لَبَّيْكَ: إِجَابَةً لكَ بَعْدَ إِجَابَةٍ، وإقامةً على طَاعَتِكَ دَائِمَةً، والمرادُ بالتثنيةِ التأكيدُ والتكثيرُ.
-إنَّ الحَمْدَ: بفتحِ الهمزةِ وكَسْرِها، فالكَسْرُ على الابتداءِ، والفتحُ على المَصْدَرِيَّةِ، قالَ ثَعْلَبٌ: الاختيارُ الكَسْرُ فهو أجْوَدُ من الفَتْحِ؛ لأنَّ الذي يَكْسِرُ يَذْهَبُ إلى أنَّ الحَمْدَ والنِّعْمةَ للهِ على كلِّ حالٍ، وأمَّا الذي يَفْتَحُ فيَذْهَبُ إلى أنَّه مَعْنَى لَبَّيْكَ؛ لأنَّ الحَمْدَ لَكَ؛ أي: لَبَّيْكَ لهذا السبَبِ.
-والنِّعْمَةَ: بكسرِ النونِ هي المَسَرَّةُ واليَدُ البَيْضاءُ بالعَطاءِ، والأشْهَرُ في إعرابِها الفَتْحُ معطوفٌ على "الحَمْدَ" اسْمِ (إِنَّ)، والخَبَرُ مَحْذوفٌ، والجارُّ والمَجْرورُ (لَكَ) يَتَعَلَّقُ بالخبرِ المحذوفِ، ويَجُوزُ الرَّفْعُ على الابتداءِ.
-الرُّكْنَ: هو الرُّكْنُ الشرقِيُّ من الكعبةِ المُشرَّفَةِ، الذي فيهِ الحَجَرُ الأسْوَدُ، والذي يُمْسَحُ منهُ الحَجَرُ الأسْوَدُ.
-فرَمَلَ: الرَّمَلُ هو الإسراعُ في المَشْيِ والهَرْوَلَةُ، معَ هَزِّ المَنْكِبِ، وذلك في الثلاثةِ الأشواطِ الأُوَلِ من طَوَافِ القُدُومِ.
-مَقامَ إِبْرَاهِيمَ: هو الحَجَرُ الذي كَانَ يقومُ عليهِ إبراهيمُ أثناءَ بِنائِه البيتَ هو وإسماعيلُ، وهو الآنَ في حَاشِيَةِ المَطَافِ، تُجَاهَ بابِ الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ.
-رَقَى: قالَ في (المِصْباحِ) ما خُلاصَتُه: رَقَيْتُ في السُّلَّمِ أَرْقَى رَقْياً، من بَابِ تَعِبَ، ورَقَيْتُ الجَمَلَ عَلَوْتُهُ، وأمَّا رَقَيْتُهُ أَرْقِيهِ مِن بَابِ رَمَى: عَوَّذْتُه باللهِ، والاسْمُ الرُّقْيَا على وَزْنِ فُعْلَى، والجَمْعُ رُقًى.
-الصَّفَا: مَقْصورٌ، جَمْعُ صَفَاةٍ، وهو الحَجَرُ الضَّخْمُ الصَّلْدُ الأمْلَسُ وهكذا, هذا المَشْعَرُ، وهو أصْلُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وهو مِن الشعائِرِ المُقَدَّسَةِ، قالَ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} الآيةَ [البقرة: 158].
-المَرْوَةِ: جَمْعُها مَرْوٌ هي الحِجَارةُ البِيضُ الرِّقاقُ البَرَّاقَةُ في الشمسِ، وهكذا صِفَةُ المَرْوَةِ التي هي أحَدُ المَشاعِرِ المُقَدَّسَةِ، قالَ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [البقرة: 158].
-شَعَائِرِ اللهِ: الشَّعائِرُ جَمْعُ شَعِيرَةٍ وهي أعْلامُ الإسلامِ، والشعائِرُ هنا هي أعلامُ الحَجِّ؛ ليَقُومَ الحاجُّ بتَعْظيمِها، والطَّوافَ بهما.
-أنْجَزَ: نَجَزَ الوَعْدَ نَجْزاً - من بابِ قَتَلَ - تَعَجَّلَ، ويَتَعَدَّى بالهمزةِ وبالحَرْفِ، فيُقالُ: أنْجَزْتُه ونَجَزْتُ بهِ إذا عَجَّلْتَهُ، وقدْ تَحَقَّقَ هذا الوَعْدُ بنَصْرِ اللهِ لنبيِّه، حِينَ هَزَمَ الأحزابَ وحْدَه.
-وَعْدَهُ: وَعَدَ يُسْتَعْمَلُ في الخيرِ والشَّرِّ، فيُقالُ: وَعَدَهُ خَيْراً وبالخَيْرِ، وشَرًّا وبالشرِّ، وقدْ أَسْقَطُوا لَفْظَيِ: الخيرِ والشرِّ، وقالوا في الخيرِ: وَعَدَهُ وَعْداً، وفي الشرِّ: وَعَدَهُ وَعِيداً، فالمصدرُ هو الذي يُفَرِّقُ بينَهما، فالوَعْدُ للخَيْرِ والوعيدُ للشرِّ.
-نَصَرَ عَبْدَهُ: يَنْصُرُهُ نَصْراً، أعانَه وقَوَّاهُ، والمعنى: نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أعدائِه، حتى صارَتْ له الغَلَبَةُ عليهم، وفتَحَ البِلادَ.
-هَزَمَ: يَهْزِمُ هَزْماً - من بابِ ضَرَبَ - كَسَرَهُ وفَلَّه، فالاسْمُ الهَزِيمَةُ، والجَمْعُ هَزَمَاتٌ.
-الأحْزَابَ: الأَحْزَابُ: هم تلك القَبائِلُ الذينَ تَحَزَّبُوا، وتَجَمَّعُوا وحَاصَرُوا المَدِينَةَ، فهَزَمَهُم اللهُ تعالى وحْدَه من غيرِ قِتالِ الآدَمِيِّينَ، قالَ تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]. وقالَ تعالى: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً} [الأحزاب:25].
-انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الوَادِي: انَصَبَّ يَنْصَبُّ انِصِبَاباً، انْحَدَرَ فهو مُسْتعارٌ من انصبابِ الماءِ في بَطْنِ الوادي، فالانْصِبابُ الانحدارُ.
-بَطْنِ الوادي: ما خَفِيَ منه، وانْخَفَضَ.
-سَعَى: يَسْعَى سَعْياً، السَّعْيُ يُطْلَقُ في (لسانِ العربِ) على الإسراعِ، والعَدْوِ الشديدِ، ويُطْلَقُ على الكَسْبِ للخَيْرِ أو الشرِّ، فإنْ كانَ يُعَدَّى بـ(إلى) فالمرادُ منه الجَرْيُ، وإنْ كانَ المرادُ بهِ العَمَلَ والكَسْبَ فيُعَدَّى باللامِ، قالَ تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19]. أي: عَمِلَ لها، وأمَّا قولُه تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9]. فيُعْتَبَرُ بمعنى المُضِيِّ؛ ولذا فإنَّ قِرَاءَةَ عُمَرَ وابنِه وابنِ مَسْعودٍ: (فَامْضُوا)، والمرادُ بالسَّعْيِ هنا العَدْوُ الشديدُ، وَقْتَ شَعيرةِ السَّعْيِ في بَطْنِ الوَادِي، والآنَ مَكانُ العَدْوِ هو ما بينَ العَلَمَيْنِ الأخْضَرَيْنِ، اللَّذَيْنِ هما عَلامَةٌ على ضِفَّتَيِ الوادي.
-يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: بفتحِ المُثنَّاةِ الفَوْقِيَّةِ فرَاءٍ، هو اليومُ الثامِنُ مِن ذِي الحِجَّةِ، سُمِّي بذلك؛ لأنَّهم كَانوا يَتَرَوَّوْنَ فيهِ الماءَ ليَوْمِ عَرَفَةَ؛ ذلك أنَّه لَمْ يَكُنْ فيه حينَذاكَ ماءٌ.
-فأَجَازَ: جازَ المَكانَ يَجُوزُه جَوْزاً وجَوَازاً: سَارَ فيه، وأجازَهُ بالألِفِ: قَطَعَهُ, ومعناهُ هنا: جَاوَزَ المُزْدَلِفَةَ، ولَمْ يَقِفْ بها, بَلْ تَوَجَّهَ إلى عَرَفَاتٍ.
-عَرَفَةَ: هي مَشْعَرٌ حَلالٌ، فهي خَارِجَ حُدودِ الحَرَمِ؛ لأنَّها وَاقِعَةٌ في الحِلِّ, وحُدودُها كالآتي:
الحَدُّ الشَّمالِيُّ: مُلْتَقَى وَادِي وَصِيقٍ بوَادِي عُرَنَةَ.
الحَدُّ الجَنُوبِيُّ: ما بعدَ مَسْجِدِ نَمِرَةَ جَنُوباً بنحوِ كيلو ونصفٍ.
الحَدُّ الغَرْبِيُّ: هو وَادِي عُرَنَةَ، ويَمْتَدُّ هذا الحَدُّ من مُلْتَقَى وَادِي وَصِيقٍ حتى يُحاذِيَ جَبَلَ نَمِرَةَ.
الحَدُّ الشَّرْقِيُّ: هي الجِبالُ المُحِيطَةُ المُقَوَّسَةُ على مَيْدانِ عَرَفاتٍ مِن الثَّنِيَّةِ التي يَنْفُذُ معَها طريقُ الطَّائِفِ، وتَسْتَمِرُّ سِلْسِلَةُ تلك الجِبالِ شَمالاً حَتَّى تَنْتَهِيَ سُفوحُها عندَ مُلْتقَى وَصيقٍ بعُرَنَةَ.
قالَ العَينِيُّ: وأمَّا عَرَفَةُ فإنَّها تُطْلَقُ على الزَّمانِ، وهو اليَوْمُ التاسِعُ من ذِي الحِجَّةِ، وعلَى المَكانِ وهو المَوْضِعُ المَعْروفُ.
حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ: نَقُولُ فِيهِ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ: المُرادُ قَارَبَ عَرَفَاتٍ، فإنَّ نَمِرَةَ لَيْسَتْ مِن عَرَفاتٍ.
-القُبَّةَ: بضمِّ القافِ وتَشْديدِ الباءِ المُوحَّدَةِ التَّحْتِيَّةِ ثمَّ تاءِ التأنيثِ، هي الخَيْمَةُ الصَّغِيرَةُ.
قالَ ابْنُ الأَثِيرِ: القُبَّةُ مِن الخِيامِ بَيْتٌ صَغِيرٌ مُسْتدِيرٌ، والجَمْعُ قُبَبٌ وقِبَابٌ.
-ضُرِبَتْ لَهُ: ضَرْبُ القُبَّةِ نَصْبُها وإقامتُها على أَوْتادٍ مَضْرُوبَةٍ في الأَرْضِ.
-نَمِرَةَ: بفتحِ النُّونِ وكَسْرِ الميمِ فرَاءٍ فتَاءِ تَأْنِيثٍ: جَبَلانِ صَغيرانِ هما مُنْتَهَى حَدِّ الحَرَمِ مِن الجِهَةِ الشَّرْقيَّةِ، فهما مُحاذِيانِ لأنصابِ الحَرَمِ، فنَمِرَةُ تَكُونُ على يَمِينِ الخَارِجِ مِن المَأْزِمَيْنِ والأَنْصَابُ عَنْ يَسَارِهِ، ووادي عُرَنَةَ يَفْصِلُ بينَ نَمِرَةَ وبَيْنَ عَرَفَاتٍ.
-بَطْنَ الوَادِي: أي وَادِي عُرَنَةَ الذي فيهِ مُقَدِّمَةُ مَسْجِدِ نَمِرَةَ، ووادي عُرَنَةَ لَيْسَ مِن مَوْقِفِ عَرَفَاتٍ, بل هو حَدُّها الغَرْبِيُّ كما تَقَدَّمَ.
-الصَّخَرَاتِ: هي صَخَرَاتٌ مُلْتَصِقَةٌ بالأرضِ تَقَعُ خَلْفَ جَبَلِ عَرَفَاتٍ، فهي عَنْه شَرْقاً، فالوَاقِفُ عندَها يَسْتَقْبِلُ جَبَلَ الرَّحْمَةِ، والقِبْلَةَ مَعاً، وهو مَوْقِفُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مَوْقِفُ الوُلاةِ بَعْدَه حتى الآنَ.
-حَبْلَ المُشَاةِ: الأصَحُّ أنَّها بالحاءِ المُهْمَلَةِ وبعدَها باءٌ مُوحَّدَةٌ ثمَّ لامٌ، وهو الطَّرِيقُ الذي يَسْلُكُه المُشَاةُ، ويَكُونُ هذا الحَبْلُ أمَامَ الوَاقِفِ على الصَّخَرَاتِ وبينَ يَدَيْهِ.
-المُشَاةِ: بضَمِّ الشِّينِ، جَمْعُ مَاشٍ.
-الصُّفْرَةُ: بضَمِّ الصَّادِ وسُكونِ الفَاءِ، لَوْنٌ دُونَ الحُمْرَةِ، وهو شُعاعُ الشمسِ بَعْدَ مَغِيبِها.
-حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ: حَتَّى غَابَ القُرْصُ. قالَ النَّوَوِيُّ: هكذا في جَمِيعِ النُّسَخِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُه: "حَتَّى غَابَ القُرْصُ". بياناً لقولِهِ: "غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ". فإنَّ هذهِ تُطْلَقُ مَجازاً على مَغيبِ مُعْظَمِ القُرْصِ، فأزَالَ ذلك الاحتمالَ بقولِهِ: "حَتَّى غَابَ القُرْصُ".
وقالَ القاضي عِياضٌ: ولعَلَّ الصَّوابَ: حِينَ غَابَ القُرْصُ. ويُحْتَمَلُ الأَوَّلُ ويَكُونُ الكَلامُ على ظاهِرِه، وجاءَ بقولِهِ: "حَتَّى غَابَ القُرْصُ". لدَفْعِ تَوَهُّمِ المَجازِ.
-دَفَعَ: يُقالُ دَفَعَ السَّيْلُ مِن الجَبَلِ. إذا انْصَبَّ منه، الدَّفْعُ هنا المُرادُ به: الإِفَاضَةُ من عَرَفَةَ إلى مُزْدَلِفَةَ.
-شَنَقَ: بفتحِ الشينِ المُعجَمَةِ والنونِ الفَوْقِيَّةِ المُوحَّدَةِ مُخَفَّفَةً ثمَّ قَافٍ مُثنَّاةٍ، ضَمَّ وضَيَّقَ.
-الزِّمامَ: بكَسْرِ الزَّايِ المُعْجَمَةِ، هو الخَيْطُ الذي يُشَدُّ إلى الحَلْقَةِ التي في أَنْفِ البَعِيرِ، ليُقَادَ به، ويُمْنَعَ بِهِ.
-مَوْرِكَ: بفتحِ المِيمِ وكَسْرِ الراءِ المَوْضِعُ من الرَّحْلِ، يَجْعَلُ عليهِ الراكِبُ رِجْلَهُ، وتُسَمِّيهَا العَامَّةُ (مِيرَكَةَ).
-رَحْلِهِ: بالحاءِ المُهْملَةِ ما يُوضَعُ على ظَهْرِ البَعيرِ للرُّكوبِ، ويُسَمَّى الكُورَ بضَمِّ الكَافِ وسُكونِ الواوِ، وهي لُغَةٌ فُصْحَى.
-السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ: مَرَّتَيْنِ، الأُولَى مَنْصوبَةٌ بفِعْلٍ مَحْذُوفٍ على الإغْرَاءِ، أي: الْزَمُوا السَّكِينَةَ، والسَّكِينَةُ الثانيةُ تَوْكيدٌ لها، والسَّكِينةُ في السَّيْرِ من السُّكونِ ضِدُّ الحَرَكَةِ، أي: كُونُوا مُطْمَئِنِّينَ خَاشِعِينَ.
-حَبْلاً: بالحاءِ المُهْمَلَةِ وإِسْكَانِ الباءِ، وهو التَلُّ اللَّطِيفُ من الرَّمْلِ الضَّخْمِ.
-حَتَّى تَصْعَدَ: بفتحِ التاءِ المُثنَّاةِ الفَوْقِيَّةِ وَضَمِّها، فإنَّه يُقالُ: صَعَدْتُ الجِبَالَ وأَصْعَدُ إِذَا ارْتَفَعْتَ فِي جَبَلٍ أو غَيْرِه، فالإِصْعَادُ السَّيْرُ في مُسْتَوٍ من الأرضِ, والصُّعُودُ: الارتفاعُ على الجِبالِ والسُّطُوحِ والسَّلالِمِ والدَّرَجِ، ومنه: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
-المُزْدَلِفَةَ: مَأْخُوذٌ مِن الازْدِلافِ، وهو التَّقَرُّبُ، فالحاجُّ يَتَقَرَّبُ بها من عَرَفَةَ إلى مِنًى، أمَّا حُدودُها فهي:
الحَدُّ الشَّرْقِيُّ: من مَفِيضِ المَأْزِمَيْنِ الغَرْبِيِّ.
الحَدُّ الغَرْبِيُّ: وَادِي مُحَسِّرٍ.
الحَدُّ الشَّمَالِيُّ: جَبَلُ ثَبِيرٍ.
الحَدُّ الجَنُوبِيُّ: جِبَالُ المريخياتِ.
فمَا بينَ هذهِ الحُدودِ الأَرْبَعَةِ من شِعابٍ، ووهادٍ، ورَوابٍ، وسُهولٍ كُلُّها مَزْدَلِفَةُ، وتُسَمَّى جَمْعاً، لاجتماعِ الناسِ فيها لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ.
-لَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا: أي لَمْ يُصَلِّ نَافِلَةً بينَ صَلاتَيِ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.
-المَشْعَرَ الحَرَامَ: هو جَبَلٌ صَغِيرٌ فِي المُزْدَلِفَةِ، يُسَمَّى قُزَحَ بضَمِّ القَافِ وفَتْحِ الزَّايِ آخِرَه حَاءٌ مُهْملَةٌ، وقَدْ أُزِيلَ وجُعِلَ مَكانَه المَسْجِدُ الكَبِيرُ المَوْجودُ الآنَ في مُزْدَلِفَةَ.
-أَسْفَرَ جِدًّا: بكَسْرِ الجيمِ، أي إِسْفاراً بَالِغاً، والضميرُ في أَسْفَرَ يَعُودُ إلى الفَجْرِ المَذْكُورِ.
-مُحَسِّرٍ: بضَمِّ المِيمِ وفَتْحِ الحاءِ المُهْمَلَةِ ثمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وآخِرَه رَاءٌ، هو وَادٍ يَقَعُ بينَ مُزْدَلِفَةَ ومِنًى، ولَيْسَ مِن وَاحِدٍ منهما، وإِنَّما هو بَرْزَخٌ حَاجِزٌ بينَهما، ورَوافِدُه جَبَلُ ثَبِيرِ الأثبرةِ، ومُنْتهَاهُ مُلْتقاهُ بسَيْلِ مُزْدَلِفَةَ، ثمَّ يَتَّجِهَانِ حَتَّى يَجْتَمِعَا بوادي عُرَنَةَ المُتَّجِهِ غَرْباً إلى البَحْرِ الأحْمَرِ في جَنوبِ جُدَّةَ.
-حَرَّكَ: أي حَثَّ دَابَّتَهُ، واسْتَخْرَجَ جَرْيَها.
-الطَّرِيقَ الوُسْطَى: هِي الطَّرِيقُ القَاصِدَةُ إلى الجَمَراتِ.
-الجَمْرَةَ: جَمْعُها جِمارٌ، والجِمَارُ عندَ العَرَبِ الحِجَارَةُ الصِّغارُ، وبه سُمِّيَتْ جِمَارُ مِنًى، وسَيَأْتِي الحَديثُ عنها إنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
-حَصَى الخَذْفِ: بفتحِ الخاءِ المُعْجمَةِ ثمَّ ذالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ففَاءٍ مُوحَّدَةٍ، وقَدْرُ الحَصَاةِ مِثْلُ حَبَّةِ البَاقِلاَّءِ، أو الفُولِ.
والخَذْفُ: هو الرَّمْيُ بالحَصَى بالأصَابِعِ، وذلك بأنْ يَجْعَلَ الحَصَاةَ بينَ سَبَّابَتَيْهِ ويَرْمِيَ بها، قالَ ابْنُ الأَثِيرِ: ويُسْتَعْمَلُ في الرَّمْيِ والضَّرْبِ.
-نَحَرَ: النَّحْرُ هو الطَّعْنُ بالسِّكِّينِ، أو الحَرْبَةِ في الوَهْدَةِ، التي بينَ أَصْلِ العُنُقِ والصَّدْرِ، والنَّحْرُ للإِبِلِ خَاصَّةً.
-فأفَاضَ إلى البَيْتِ: قالَ في الفَائِقِ: الإِفَاضَةُ في الأَصْلِ الصَبُّ، فالمُرادُ بها الدَّفْعُ بكَثْرَةٍ تَشْبِيهاً لها بفَيْضِ المَاءِ الكثيرِ، والمعنَى هنا: دَفَعَ مِن مِنًى إلى الكَعْبَةِ المُشَرَّفَةِ لطَوافِ الإِفَاضَةِ.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
قالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِهِ على مُسْلِمٍ: حَديثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ عَظِيمٌ مُشتَمِلٌ على جُمَلٍ مِن الفَوَائِدِ، ونَفَائِسَ مِن مُهِمَّاتِ القَوَاعِدِ، وهو من أفْرَادِ مُسْلِمٍ، لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ في صَحِيحِه، ورَوَاهُ أبو دَاوُدَ كرِوايَةِ مُسْلِمٍ.
قالَ القاضي: وقَدْ تَكَلَّمَ الناسُ على ما فيهِ من الفِقْهِ وأكْثَرُوا، وصَنَّفَ فيهِ ابنُ المُنْذِرِ جُزْءاً كبيراً، وخَرَّجَ مِن الفِقْهِ مِائَةً ونَيِّفاً وخَمْسِينَ نَوْعاً، ولو تَقَصَّى لزِيدَ على هذا القَدْرِ قَرِيبٌ منه. اهـ.
وقالَ شَارِحُ البُلوغِ: وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الأَصْلَ في كُلِّ ما ثبَتَ أنَّه فَعَلَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَجِّه, الوُجوبُ؛ وذلكَ لأمْرَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ أفْعَالَهُ في الحَجِّ بَيانٌ للحَجِّ الذي أمَرَ اللهُ به، والأفعالُ في بَيانِ الوُجوبِ مَحْمولةٌ على الوُجوبِ.
الثاني: قَوْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)). فمَنِ ادَّعَى عَدَمَ وُجوبِ شَيءٍ مِن أفعالِهِ في الحجِّ فعليهِ الدليلُ. اهـ.
وهذهِ جُمَلٌ مِن فوائِدِه، ونَفَائِسِه:
1-أنَّ الحُلَيْفَةَ هي مِيقاتُ أهْلِ المَدِينةِ، ومَن أتَى عليها من غَيْرِ أَهْلِها.
2-استحبابُ اغْتسالِ الحَائِضِ والنُّفَسَاءِ للإحْرَامِ، فغَيْرُهما يَكُونُ أَوْلَى بذلك.
3-استحبابُ اسْتِثْفَارِ الحَائِضِ والنُّفَساءِ في حالةِ الإحرامِ، ويَقُومُ مَقامَها الحَفَائِظُ المُسْتَعْمَلَةُ الآنَ.
4-صِحَّةُ إحْرَامِ الحَائِضِ والنُّفَسَاءِ، فإِذَا طَرَأَ الحَيْضُ والنَّفَاسُ بعدَ الإِحْرَامِ، فجَوازُ المُضِيِّ فيهِ من بابِ أَوْلَى.
5-إذا كانَ الإحْرَامُ وَقْتَ فَرِيضَةٍ أو بعدَ نَافِلَةٍ لها سَبَبٌ؛ كسُنَّةِ الوُضُوءِ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَكُونَ الإحْرَامُ بعدَ تلك الصلاةِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ شيءٌ من ذلك، فبَعْضُ العلماءِ يَرَى اسْتِحْبَابَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الإحرامِ، ومنهم الحَنَابِلَةُ، ومنهم مَن لا يَرَى مَشْرُوعِيَّةَ ذلك؛ لأنَّه لا دَلِيلَ عليه، والعباداتُ تَوْقِيفِيَّةٌ، وهذا اختيارُ شَيْخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ، وهو أَوْلَى.
6-الإهلالُ بالتَّلْبِيَةِ حينَما يَسْتَقِلُّ المُحْرِمُ مَرْكُوبَه، وتَقَدَّمَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهَلَّ بالإحْرَامِ بالمَسْجِدِ بعدَ انْصِرافِه من الصلاةِ، ولعلَّ جَابِراً مِن الذينَ لَمْ يَسْمَعوا إهلالَه إلاَّ بعدَ استوائِه على ناقَتِه فحَدَّثَ بما سَمِعَ ورَأَى.
7-تَسْمِيَةُ التَّلْبِيَةِ تَوْحيداً؛ لاشْتِمالِها عليه، ففيها أنواعُ التوحيدِ الثلاثةُ، فتوحيدُ الإلَهِيَّةِ في: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ, فهو الاستقامةُ على عُبُودِيَّتِه وَحْدَه, وتَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ في إثباتِ أنَّ النِّعْمَةَ لَكَ والمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ, وتَوْحِيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ في إثباتِ الحَمْدِ المُتَضَمِّنِ إثباتَ صِفَاتِه تعالى الكَامِلَةِ.
8-الإِشَارَةُ إلى إهلالِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتوحيدِ؛ مُخالِفَةً لتَلْبِيَةِ المُشْرِكِينَ الشِّرْكِيَّةِ.
9-أنَّ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ البَدْءُ بالطَّوافِ في البيتِ، فأوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطوافُ.
10-شَرْطُ الطوافِ البَدْءُ من الرُّكْنِ الذي فيهِ الحَجَرُ الأسْوَدُ.
11- استحبابُ استلامِ الحَجَرِ الأسْوَدِ في أَوَّلِ الطَّوافِ، وعندَ مُحاذَاتِه في كُلِّ الطوافِ.
12-اسْتِحْبَابُ الرَّمَلِ في الأَشْواطِ الثلاثِ الأُوَلِ، والمَشْيِ في الأَرْبَعَةِ البَاقِيَةِ، والرَّمَلُ خاصٌّ في طَوَافِ القُدومِ.
13-استحبابُ صَلاةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَلْفَ مَقامِ إِبْراهيمَ، وقَدْ تَلاَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قولَه تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125].
فيَكُونُ فِعْلُه تَفْسيراً للصلاةِ المَذْكورةِ في الآيةِ، وتَعْيِينُ مَقامِ إبراهيمَ في هذا الحَجَرِ المَعْرُوفِ.
14-استحبابُ استلامِ الحَجَرِ بعدَ صَلاةِ رَكْعَتَيِ الطوافِ وقَبْلَ السَّعْيِ، وليسَ بوَاجِبٍ بإجماعِ العُلماءِ.
15-قالَ الشيخُ: الحجُّ فيهِ ثَلاثَةُ أَطْوفةٍ:
-طَوَافٌ عندَ دُخولِ مَكَّةَ، ويُسَمَّى طَوَافَ القُدومِ.
-الطوافُ الثَّانِي هو بعدَ عَرَفَةَ، ويُقالُ له: طوافُ الإِفَاضَةِ، وهو طَوافُ الفَرْضِ الذي لا بُدَّ منه.
-الطوافُ الثالِثُ: هو لمَن أَرَادَ الخُروجَ مِن مَكَّةَ، وهو طَوافُ الوَدَاعِ، وإذا سَعَى عَقِبَ واحدٍ منها أجْزَأَهُ، ولو لَمْ يَكُنْ مُتَوَقِّفاً على تَقَدُّمِ الطَّوافِ عليهِ لَمَا أَخَّرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا.
16-كلُّ طَوافٍ بعدَه سَعْيٌ، يُسَنُّ أَنْ يَعُودَ المُحرِمُ إلى الحَجَرِ فَلْيَسْتَلِمْهُ قَبْلَ السَّعْيِ إِنْ أَمْكَنَ؛ لأنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كانَ يُفْتَتَحُ بالاستلامِ فكذا السَّعْيُ، بخلافِ ما إذا لَمْ يَكُنْ بعدَه سَعْيٌ، فلا يَسْتَلِمُ بعدَ الركْعَتَيْنِ.
17-المُعْتَمِرُ - ولَوْ كَانَتْ عُمْرَةَ تَمَتُّعٍ - إذا شَرَعَ في الطوافِ قَطَعَ التلبيةَ؛ لأنَّ التلبيةَ إِجَابَةٌ إلى العبادةِ، فإذا شَرَعَ في الطوافِ فَقَدْ أَخَذَ في التَّحَلُّلِ، والأخْذُ في التحَلُّلِ مُنافٍ للإجابةِ على العِبادةِ واستقبالِها.
ولِمَا رَوَى أبو دَاوُدَ (1551) من حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْسِكُ عن التَّلْبِيَةِ في العُمْرَةِ إِذَا اسْتَلَمَ الحَجَرَ.
قال النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ أنَّه لا يُلَبِّي في الطَّوَافِ والسَّعْيِ؛ لأنَّ لهما أَذْكاراً خَاصَّةً.
18- استحبابُ الخُروجِ للسَّعْيِ من بابِ الصَّفَا إنْ سَهُلَ ذلك.
19-أنَّ السعْيَ يَكُونُ بعدَ طَوافِ النُّسُكِ ولا يَتَقَدَّمُه، قالَ في الحاشيةِ: وإِنْ سَعَى قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَمْ يُجْزِئْهُ السَّعْيُ إِجْماعاً.
20-استحبابُ المُوالاةِ بينَ الطَّوافِ والسَّعْيِ.
21-البَدَاءَةُ بالسَّعْيِ من الصَّفَا، فلو بَدَأَ بالمَرْوَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بالشوْطِ الأوَّلِ، والبَدْءُ بالصَّفَا هو تَفْسِيرٌ لقولِهِ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [البقرة: 158]. فقَدَ بَدَأَ بما قَدَّمَ اللهُ ذِكْرَه.
22-استحبابُ رُقِيِّ الصَّفَا واستقبالِ القِبْلَةِ حِينَما يَطْلُعُ عليه، وهو سُنَّةٌ، فيُوَحِّدُ اللهَ، ويُكَبِّرُهُ، ويَحْمَدُهُ بما وَرَدَ، قالَ الشيخُ: لَوْ تَرَكَ صُعودَهُ فلا شَيْءَ عليهِ إِجْماعاً.
23-الذِّكْرُ المَشْرُوعُ عَلَى الصَّفَا والمَرْوَةَ مُناسِبٌ للمَقامِ؛ لأنَّه في حَجَّةِ الوَدَاعِ التي تَجَلَّتْ فيها قُوَّةُ الإسلامِ بعدَ ضَعْفِه، وظُهورُ الدِّينِ بعدَ خَفَائِه، والجَهْرُ بعبادةِ اللهِ تعالى بعدَ إسرارِها في مَكَّةَ، والقيامُ برُكْنِيَّةِ الحَجِّ ذلك العَامَ خَالِصاً للهِ تعالى، بعدَ أَنْ كانَ الحَجُّ لا يُؤَدَّى إلاَّ مِن المُشْرِكِينَ وحْدَهم.
وقَدِ اشْتَمَلَ على تَوْحيدِ اللهِ تعالى بأُلُوهِيَّتِه ورُبُوبِيَّتِه، وأسمائِهِ وصِفَاتِهِ، والاعترافِ بنِعَمِه بما أنْجَزَ ما وَعَدَهُ المُسلِمِينَ بظُهورِ الدِّينِ، ونَصْرِ رَسُولِهِ، وهَزْمِ أعْدَاءِ الدِّينِ من الأَحْزَابِ، فهو على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
24-الذِّكْرُ المَشْرُوعُ يُكَرِّرُه على الصَّفَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَتَخَلَّلُهُنَّ الدُّعاءُ؛ لأنَّ هذا المَشْعَرَ العَظِيمَ مِن مَظَانِّ الإِجَابَةِ.
25-بعدَ الذِّكْرِ والدُّعاءِ يَتَّجِهُ إلى المَرْوَةِ، فما بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ هو المَسْعَى.
26-ولا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ للسَّعْيِ، بل تُسَنُّ؛ لأنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بالطَّهَارَةِ فيهِ، ولَيْسَ بصلاةٍ, كما لا تُشْتَرَطُ بهِ سَتْرُ العَوْرَةِ.

27-فإِذَا حَاذَى العَلَمَ الأَخْضَرَ هَرْوَلَ حَتَّى العَلَمِ الثانِي؛ لأنَّ ما بَيْنَهما كانَ هو بَطْنَ الوَادِي، والهَرْوَلَةُ خاصَّةٌ للرِّجالِ، وبعدَ مُجاوَزَةِ العَلَمِ الثانِي يَمْشِي حَتَّى يَصِلَ المَرْوَةَ.
قالَ الشَّيْخُ: وإِنْ لَمْ يَسْعَ في بَطْنِ الوَادِي بَلْ مَشَى على هينتِه جميعَ ما بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، أجْزَأَهُ باتِّفاقِ العُلماءِ، ولا شَيْءَ عليهِ.
28-ثُمَّ يَرْقَى على المَرْوَةِ ويقولُ ويَفْعَلُ عليها مثلَ ما قَالَه وفَعَلَه على الصَّفَا؛ مِن قراءَةِ الآيةِ المَذْكُورَةِ، واستقبالِ القِبْلَةِ، والذِّكْرِ، والدُّعاءِ، وبعدَ تَمامِ السَّعْيِ يَحِلُّ مِن عُمْرَتِه إنْ كانَ مُتَمَتِّعاً، وإنْ كانَ يُشْرَعُ له البَقَاءُ في إِحْرامِه بَقِيَ مُحْرِماً حتى يَتَحَلَّلَ مِن حَجِّهِ.
29-قال النَّوَوِيُّ: فيه دَلالَةٌ لمَذْهَبِ الجُمهورِ أَنَّ الذَّهابَ مِن الصَّفَا إلى المَرْوَةِ يُحْسَبُ بعدَ الرُّجوعِ إلى الصَّفَا ثانيةً.
قالَ الوَزِيرُ: اتَّفَقَ الأَئِمَّةُ أنْ يُحْتَسَبَ بالذَّهابِ سَعْيَةٌ، وبالرُّجوعِ سَعْيَةٌ.
30-ثُمَّ قَصَّرَ مِن شَعَرِه وحَلَّ، ما لَمْ يَكُنْ سَاقَ الهَدْيَ.
وبهذا قالَ أهْلُ الحديثِ وإمامُهم أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ، وأهْلُ الظاهِرِ لبِضْعَةَ عَشَرَ حَدِيثاً صَحِيحاً عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها: ((مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ)). رواهُ مُسْلِمٌ (1213).
وسَأَلَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ: هَلْ هِيَ لَنَا خَاصَّةً؟ قالَ: ((بَلْ للأَبَدِ)). رواهُ مُسْلِمٌ (1218).
قالَ ابْنُ القَيِّمِ: كُلُّ مَن طَافَ بالبَيْتِ وسَعَى، مِمَّن لا هَدْيَ مَعَه، من مُفْرِدٍ، أو قَارِنٍ أو مُتَمَتِّعٍ، فقَدْ حَلَّ، هذهِ هي السُّنَّةُ التي لا رَادَّ لها، ولا مُدَافِعَ. اهـ.
31-استحبابُ التوَجُّهِ إلى مِنًى للحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وهو الثامِنُ من ذِي الحِجَّةِ، وصَلاةِ الظُّهْرِ، والعَصْرِ، والمَغْرِبِ، والعِشَاءِ، وفَجْرِ يَوْمِ التَّاسِعِ فيها، ثمَّ البقاءِ فيها حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، واستحبابُه إِجْمَاعُ العُلماءِ.
32-فإذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ تَوَجَّهَ إلى نَمِرَةَ، وأقامَ فيها حتى تَزُولَ الشَّمْسُ.
33-قَوْلُه: "ثُمَّ أَتَى عَرَفَةَ، فوَجَدَ القُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بنَمِرَةَ". هذا الكلامُ يُشْعِرُ بأنَّ نَمِرَةَ فِي عَرَفَةَ، وهي لَيْسَتْ بعَرَفَةَ وإِنَّما (نَمِرَةُ) شِعْبٌ بينَ جَبَلَيْنِ، هما نِهايَةُ حَدِّ الحَرَمِ من الشَّرْقِ الجَنوبِيِّ، وبجَانِبِها أنْصابُ الحَرَمِ المنصوبةُ على طريقِ المَأْزِمَيْنِ، وبينَ عَرَفاتٍ والحَرَمِ وادي عُرَنَةَ الذي لَيْسَ مِن الحَرَمِ ولَيْسَ مِن عَرَفَاتٍ.
فيَكُونُ معنى قولِه: "حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ". كقَوْلِه تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ} [النحل: 1]. أي: قَرُبَ من عَرَفاتٍ، وكِتَابَتُنا هذهِ عن مُشاهَدَةٍ، وتَحَرٍّ، وصُحَبَةٍ لسُكَّانِ تلك المِنْطَقَةِ، معَ تَطْبيقِ النُّصوصِ على المَوْقِعِ.
كانَتْ قُرَيْشٌ في جاهِلِيَّتِها تقولُ: نحنُ أهْلُ الحَرَمِ، وكانوا لا يُجاوِزُونَ مُزْدَلِفَةَ إلى عَرَفَةَ؛ لأنَّ مُزْدَلِفَةَ في الحَرَمِ، وعَرَفَةَ في خَارِجِه، وكانَ الناسُ يَذْهَبُونَ على عَرَفَةَ، ويَقِفُونَ بها، فلَمَّا حَجَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّتْ قُرَيْشٌ بأنَّه سَيَنْهَجُ نَهْجَهم فلا يُجاوِزُ مُزْدَلِفَةَ إلى عَرَفَةَ، إلا أَنَّ اللهَ تعالى أمَرَه بذلك، فقالَ تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199].
34-قالَ الشيخُ: ويُصَلِّي الإمامُ، ويُصَلِّي خَلْفَهُ جَمِيعُ الحُجَّاجِ من أهْلِ مَكَّةَ، وغيرِهم قَصْراً وجَمْعاً، كما جاءَتْ بذلك الأخبارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنَّه لَمْ يَأْمُرْ أَحَداً مِن أَهْلِ مَكَّةَ أنْ يُتِمُّوا، ومَن حَكَى ذلك عنهم فَقَدْ أخْطَأَ باتِّفاقِ أهْلِ الحديثِ، وإِنَّما قالَ ذلك في غَزْوَةِ الفَتْحِ لَمَّا صَلَّى بهم بمَكَّةَ.
ومَن قالَ: لا يَجُوزُ القَصْرُ إلاَّ لمَن كانَ على مَسَافَةِ قَصَرٍ، فهو مُخالِفٌ للسُّنَّةِ.
35-اسْتِحْبَابُ البَقاءِ بنَمِرَةَ إلى ما بَعْدَ الزوالِ وصلاةِ الظُّهْرِ والعَصْرِ فيها جَمْعاً، وهذا الجَمْعُ مُتَّفَقٌ على مَشْرُوعِيَّتِه.

واخْتُلِفَ في سَبَبِه، فذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ وبعضُ الشَّافِعِيَّةِ إلى أنَّ سَبَبَهُ النُّسُكُ، وذهَبَ الشافعِيَّةُ إلى أنَّ سَبَبَهُ السَّفَرُ، وهذا هو الصَّحِيحُ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ الرُّبَاعِيَّتَيْنِ، ولا تُقْصَرَانِ إِلاَّ في السَّفَرِ.
36-استحبابُ الخُطْبَةِ للإمامِ؛ ليُعَلِّمَ الناسَ صِفَةَ الوُقوفِ، ويُذَكِّرَهم بعِظَمِ هذا اليَوْمِ، ويَحُثَّهم على الاجتهادِ فيهِ بالدعاءِ والذِّكْرِ.
37-بعدَ الزوالِ يَذْهَبُ إلى مَسْجدِ نَمِرَةَ، فيُصَلِّي بها معَ الإمامِ الظُّهْرَ والعَصْرَ جمعاً وقَصْراً، واسْتُحِبَّ جَمْعُ التقديمِ هنا ليَتَّسِعَ وَقْتُ الوُقوفِ، ولا يُصَلِّي بينَهما ولا بعدَهما سُنَّةً.
38- على عُلماءِ المُسلمِينَ، وطَلَبَةِ العِلْمِ الاقتداءُ بهَدْيِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ، فيُعَلِّمُونَ الناسَ، ويَعِظُونَهم ويُذَكِّرُونَهم أمْرَ دِينِهم، وكَيْفِيَّةَ أَدَاءِ مَناسِكِهم.
39-ثُمَّ يَتَّجِهُ إلى المَوْقِفِ بعَرَفَةَ، فيَشْتَغِلُ فيهِ بالدُّعاءِ، والذِّكْرِ، والتلبيةِ.
40- اسْتُدِلَّ بالحديثِ على أنَّ وَقْتَ الوُقوفِ لا يَدْخُلُ إلاَّ بالزَّوالِ.
41-الأَفْضَلُ الوُقوفُ بعَرَفَةَ بمَوْقِفِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ سَهُلَ ذلك، وإلاَّ وَقَفَ بحيثُ كانَ مَنْزِلُه.
قال النَّوَوِيُّ: وأمَّا ما اشْتَهَرَ بينَ العَوامِّ من الاعتناءِ بصُعودِ الجَبَلِ، فغَلَطٌ, بل الوُقوفُ في كُلِّ جُزْءٍ من أَرْضِ عَرَفاتٍ.
42-اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ حِينَ الدُّعاءِ والذِّكْرِ أَفْضَلُ من استقبالِ الجَبَلِ لمَن لَمْ يَسْهُلْ عليهِ استقبالُها معاً.
43-مَن وَقَفَ بعَرَفَةَ نَهاراً فيَجِبُ عليهِ الاستمرارُ فيها حتى غُروبِ الشَّمْسِ.
44-الدَّفْعُ من عَرَفَةَ إلى مُزْدَلِفَةَ يَكُونُ بعدَ الغُروبِ، وقبلَ الصلاةِ.
45-استحبابُ الدفْعِ بسَكِينَةٍ ووَقَارٍ وخُضوعٍ، وخُشوعٍ وتَكْبيرٍ، وتلبيةٍ، فإنْ وَجَدَ سَائِقُ السيَّارَةِ طَرِيقاً مَشَى، وإلاَّ انْتَظَرَ حتى يَمْشِيَ الذي أمامَه، ولا يَتَجَاوَزُ السياراتِ، بلْ عليهِ بالنِّظامِ، ومُراعاةِ خُطَّةِ السَّيْرِ، فهو آمَنُ له، وأَسْهَلُ لمَن مَعَه ولغَيْرِهم من الحُجَّاجِ.
46-جوازُ استظلالِ المُحْرِمِ بالخَيْمَةِ.
47-قالَ الشيخُ: ولَمْ يُعَيِّنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَرَفَةَ دُعاءً خَاصًّا، ولا ذِكْراً خَاصًّا، بل يَدْعُو الحَاجُّ بما شَاءَ من الأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، ويُكَبِّرُ، ويُهَلِّلُ، ويَذْكُرُ اللهَ تعالى حتَّى تَغْرُبَ الشمسُ، وقَدْ جَاءَ في (سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ) من حديثِ عَمْرِو ابنِ شُعَيْبٍ, عن أبيهِ, عن جَدِّهِ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
48-قالَ الشيخُ: ويَجْتَهِدُ في الدُّعاءِ والذِّكْرِ هذه العَشِيَّةَ، فهو يَوْمٌ تُرْجَى فيهِ الإِجَابَةُ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعَرَفَاتٍ يَدْعُو وَيَدَاهُ إِلَى صَدْرِهِ". رواهُ أبو دَاوُدَ.
ومَا رُؤِيَ إبليسُ في يَوْمٍ هو فيهِ أَصْغَرُ، ولا أَحْقَرُ، ولا أَغْيَظُ، ولا أَدْحَرُ من عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، لِمَا يَرَى مِن تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وتَجَاوُزِ اللهِ عن الذُّنوبِ العِظَامِ، إِلاَّ مَا رُؤِيَ في يَوْمِ بَدْرٍ.
49-ولا يَسْتَبْطِئُ الإِجَابَةَ؛ لقولِهِ تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
وَلْيُكْثِرْ مِن الاستغفارِ والتضَرُّعِ، والخُشوعِ، وإظهارِ الضَّعْفِ، والافتقارِ، ويُلِحُّ في الدُّعاءِ، فإنَّه مَوْقِفٌ عَظِيمٌ، تُسْكَبُ فيهِ العَبَرَاتُ، وتُقالُ فيهِ العَثَرَاتُ، وهو أعْظَمُ مَجامِعِ الدُّنيا.
فإنَّ تلك أسبابٌ نَصَبَها اللهُ مُقْتَضِيَةٌ لحُصولِ الخَيْرِ، ونُزولِ الرحمةِ، فإنْ لَمْ يَقْدِرْ علَى البُكاءِ فَلْيَتَبَاكَ.
وقَدْ جاءَ في (سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ) من حديثِ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا والنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
قالَ العلماءُ: هذا وإِنْ لَمْ يَكُنْ دُعاءً صَرِيحاً فهو تَعْرِيضٌ به، مُراعاةً للآدَابِ، وأيضاًً فإنَّ اشتغالَهُ بخِدْمَةِ المَوْلَى والإعراضَ عن الطَّلَبِ اعتماداً على كَرَمِه، فإنَّه سُبْحَانَهُ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ، ففي الحديثِ القُدُسِيِّ: ((مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ))، فالذَّاكِرُ وإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بالطَّلَبِ، فهو طَالِبٌ بما هو أبْلَغُ من التَّصْرِيحِ.
50-استحبابُ جَمْعِ صَلاتَيِ المَغْرِبِ والعِشَاءِ بمُزْدَلِفَةَ تَأْخِيراً، وهذا جَمْعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بينَ العلماءِ، على خِلافٍ بينَهم في حُكْمِه: استحباباً، أو وُجوباً.
51-أنْ يُصَلِّيَهُما بأذانٍ وَاحِدٍ، وإقامتَيْنِ، وهذه الروايةُ أصَحُّ الرواياتِ.
52-أنْ لا يُصَلِّيَ بينَهما نافِلَةً، وكذا لا يُصَلِّي قَبْلَهما، ولا بعدَهما.
53-الاضْطِجَاعُ بعدَ الصلاةِ حتى طُلُوعِ الفَجْرِ، ليَتَقَوَّى على أعْمَالِ يومِ العَاشِرِ الكَثيرةِ الكبيرةِ.
54-استحبابُ البَقاءِ بمُزْدَلِفَةَ حَتَّى طُلُوعِ الفَجْرِ والصلاةِ، والبقاءِ إلى قُرْبِ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
55-أَفْضَلِيَّةُ الوُقوفِ عندَ المَشْعَرِ الحرامِ مُسْتَقْبِلاً القِبْلَةَ، والدُّعاءِ، والتكبيرِ، والتهليلِ عندَه حتَّى الإِسْفارِ جِدًّا.
56-استحبابُ الدَّفْعِ من مُزْدَلِفَةَ إلى مِنًى قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ، قالَ ابْنُ القَيِّمِ: أجْمَعَ المُسلِمُونَ على أنَّ الإِفَاضَةَ من مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ سُنَّةٌ.
57-الإسراعُ في وادي مُحَسِّرٍ الفاصِلِ بينَ مُزْدَلِفَةَ وبينَ مِنًى، والإسراعُ هنا جاءَ على صِفَةِ دَفْعِه من عَرَفَةَ من أنَّه إذا وَجَدَ فُرْجَةً أَرْخَى لنَاقَتِه الزِّمامَ وأَسْرَعَ.
58-البَدَاءَةُ برَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ يومَ النَّحْرِ، ويَكُونُ ذلك بعدَ طُلُوعِ الشمسِ، ولا يَرْمِي غيرَها هذا اليومَ.
59-أنْ يَكُونَ الحَصَى بقَدْرِ البَاقِلاَّ‍ءِ أو الفُولِ.
60-وُجوبُ النَّحْرِ على الآفاقي: القارِنِ والمُتَمَتِّعِ.
قالَ ابْنُ المُنْذِرِ وابنُ عَبْدِ البَرِّ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ مَن أَحْرَمَ بعُمْرَةٍ في أَشْهُرِ الحَجِّ وحَلَّ منها، ولَيْسَ من حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، ثُمَّ أقَامَ بمَكَّةَ حَلالاً، ثمَّ حَجَّ من عامِه أنَّه مُتَمَتِّعٌ عليه دَمٌ.
وقَدِ اشْتَرَطَ فُقهاؤُنا لوُجوبِ الدَّمِ على المُتمَتِّعِ سَبْعَةَ شُروطٍ:
الأَوَّلَ: أنْ يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ من المِيقاتِ، أو مِن مَسَافَةِ قَصْرٍ فأكْثَرَ من مَكَّةَ.
الثانِيَ: أَنْ يُحْرِمَ بها في أَشْهُرِ الحجِّ، وقالَ الأَئِمَّةُ الثلاثةُ: يَكُونُ مُتَمَتِّعاً إذا طَافَ لها في شَوَّالٍ.
الثالِثَ: أنْ يَحُجَّ من عَامِه, وقَدِ وَافَقَ عليه الأَئِمَّةُ الثلاثةُ.
الرابِعَ: أنْ لا يُسَافِرَ بينَ الحجِّ والعُمْرَةِ مسافةَ قَصْرٍ، وقدِ وَافَقَ عليه الأَئِمَّةُ الثلاثةُ.
الخامِسَ: أنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ في ابتداءِ إِحْرَامِه، واختارَ الشيخُ المُوَفَّقُ عَدَمَ هذا الشَّرْطِ، وهو مَذْهَبُ الشافعِيِّ.
السادِسَ: أَنْ يَحِلَّ من العُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِه بالحَجِّ.
السابِعَ: أَنْ لا يَكُونَ مِن حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، وهو إِجْماعُ العُلماءِ.
61-قولُه: "ثُمَّ رَكِبَ... فأفَاضَ إلى البيتِ". يعني طافَ طوافَ الإفاضةِ، وهو رُكْنٌ لا يَتِمُّ الحَجُّ إلا بِهِ، فمَن لَمْ يَطُفْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أنْ يَنْفِرَ حتَّى يَطُوفَ، وأوَّلُ وَقْتِه بعدَ نِصْفِ ليلةِ النَّحْرِ لمَن وَقَفَ قَبْلَ ذلك بعَرَفاتٍ، ويُسَنُّ فِعْلُه يَوْمَ النَّحْرِ بعدَ الرَّمْيِ، والنحْرِ، والحَلْقِ، وإنْ أخَّرَهُ عن أيَّامِ مِنًى جَازَ، بلا نِزَاعٍ بينَ العلماءِ.
62-قالَ الوَزِيرُ: اتَّفَقُوا على أنَّ التحَلُّلَ الثانِيَ يُبِيحُ مَحْظُوراتِ الإحرامِ جَمِيعَها، ويَعُودُ المُحْرِمُ حلالاً؛ لِمَا جاءَ في الْبُخَارِيِّ ومُسْلِمٍ: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حُرِّمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يومَ النَّحْرِ، فأفَاضَ بالبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ حُرِّمَ مِنْهُ".

خِلافُ العُلماءِ:
اخْتَلَفَ العُلماءُ: في حُكْمِ السَّعْيِ، هل هو رُكْنٌ، أو وَاجِبٌ، أو سُنَّةٌ؟ وهي ثَلاثَةُ أقْوَالٍ:
في مَذْهَبِ أحْمَدَ، والمَشهورِ من المَذْهَبِ أنَّه رُكْنٌ.
واختارَ القَاضِي أنَّه وَاجِبٌ من واجباتِ الحَجِّ، وليسَ رُكْناً.
قالَ المُوَفَّقُ: وهو أقْرَبُ إلى الحَقِّ إنْ شَاءَ اللهُ تعالى، وقالَ في الشَّرْحِ الكَبِيرِ: وهو أَوْلَى؛ لأنَّ دَلِيلَ مَن أَوْجَبَهُ دَلَّ على مُطْلَقِ الوُجوبِ، لا على أنَّه لا يَتِمُّ الحَجُّ إِلاَّ به، فيُجْبِرُه بدَمٍ، وكونُه وَاجِباً لا رُكْناً هو مَذْهَبُ أبي حَنِيفَةَ، والثَّوْرِيِّ.
قالَ في شَرْحِ العُمْدَةِ: قالَ شَيْخُنا: وقولُ القاضي أقْرَبُ إلى الحَقِّ، فإنَّ ما رُوِيَ عَن عَائِشَةَ، وفِعْلَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابِه دَلِيلٌ عَلَى وُجوبِه؛ كالرَّمْيِ، والحَلْقِ، وغَيْرِهما، ولا يَلْزَمُ منه كَوْنُه رُكْناً.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir