دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 01:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صفة الصلاة (35/38) [أدعية وأذكار يستحب قولها دبر الصلوات]


321- وعن المُغيرةِ بنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يقولُ في دُبُرِ كلِّ صَلَاةٍ مَكتوبةٍ: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
322- وعن سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: إنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)). رواهُ البخاريُّ.
323- وعن ثَوبانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِن صلاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثلاثًا وقالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)). رواهُ مسلِمٌ.
324- وعن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ لُهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)). رواهُ مسلِمٌ. [وفي روايَةٍ أخرَى: أنَّ التكبيرَ أَرْبَعٌ وثلاثونَ].
325- وعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ له: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)). رواهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ والنَّسائيُّ بسَنَدٍ قَوِيٍّ.


  #2  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 03:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


53/304 - وَعَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ((لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ). قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدُّبُرُ بِضَمِّ الدَّالِ وَبِضَمَّتَيْنِ: نَقِيضُ الْقُبُلِ ؛ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَقِبُهُ وَمُؤَخَّرُهُ، وَقَالَ فِي الدَّبَرِ مُحَرَّكَةَ الدَّالِ وَالْبَاءِ بِالْفَتْحِ: الصَّلاَةُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَتُسَكَّنُ الْبَاءُ وَلاَ يُقَالُ بِضَمَّتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ لَحْنِ الْمُحْدَثِينَ.
(كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ) وَوَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ بَعْدَهُ: ((وَلاَ رَادَّ لِمَا قَضَيْتَ)).
(وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَن الْمُغِيرَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ((لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ)): ((يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ)) وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ.
وَثَبَتَ مِثْلُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، لَكِنَّهُ فِي: الْقَوْلُ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى.
وَمَعْنَى: ((لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ)) أَنَّ مَنْ قَضَيْتَ لَهُ بِقَضَاءٍ ؛ مِنْ رِزْقٍ أَوْ غَيْرِهِ، لاَ يَمْنَعُهُ أَحَدٌ عَنْهُ.
وَمَعْنَى: ((ولاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ)) أَنَّهُ مَنْ قَضَيْتَ لَهُ بِحِرْمَانٍ لاَ مُعْطِيَ لَهُ.
وَالْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ كَمَا سَلَفَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مَعْنَاهُ الْغِنَى، وَالْمُرَادُ: لاَ يَنْفَعُهُ وَلاَ يُنَجِّيهِ حَظُّهُ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْعَظَمَةِ وَالسُّلْطَانِ، وَإِنَّمَا يُنَجِّيهِ فَضْلُكَ وَرَحْمَتُك.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا الدُّعَاءِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ؛ لما اشْتَمَلَ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَنِسْبَةِ الْأَمْرِ كُلِّهِ إلَيْهِ، وَالْمَنْعِ، وَالْإِعْطَاءِ، وَتَمَامِ الْقُدْرَةِ.
54/305 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِن الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِك مِن الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ) أي: أَلْتَجِئُ إلَيْك.
(مِن الْبُخْلِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَفِيهِ لُغَاتٌ.
(وَأَعُوذُ بِك مِن الْجُبْنِ) بِزِنَةِ الْبُخْلِ.
(وَأَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُرَدَّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
قَوْلُهُ: دُبُرَ الصَّلاَةِ. هُنَا وَفِي الْأَوَّلِ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ دُبُرَ الْحَيَوَانِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَعْدَهَا وَهُوَ الأَقْرَبُ.
وَالْمُرَادُ بِالصَّلاَةِ عِنْدَ الْإِطْلاَقِ الْمَفْرُوضَةُ.
والتَّعَوُّذُ مِن الْبُخْلِ قَدْ كَثُرَ فِي الْأَحَادِيثِ، قِيلَ: وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ: مَنْعُ مَا يَجِبُ بَذْلُهُ مِن الْمَالِ شَرْعاً أَوْ عَادَةً.
وَالْجُبْنُ: هُوَ الْمَهَابَةُ لِلْأَشْيَاءِ وَالتَّأَخُّرُ عَنْ فِعْلِهَا، ويُقَالُ مِنْهُ: جَبَانٌ كَسَحَابٍ، لِمَنْ قَامَ بِهِ، وَالْمُتَعَوَّذُ مِنْهُ هُوَ التأَخُّرُ عَن الْإِقْدَامِ بِالنَّفْسِ إلَى الْجِهَادِ الْوَاجِبِ، وَالتَّأَخُّرُ عَن الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَن الْمُنْكَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْمُرَادُ مِن الرَّدِّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ: هُوَ بُلُوغُ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ الْأُولَى فِي أَوَانِ الطُّفُولِيَّةِ، ضَعِيفَ البِنْيَةِ، سَخِيفَ الْعَقْلِ، قَلِيلَ الْفَهْمِ.
وَأَمَّا فِتْنَةُ الدُّنْيَا فَهِيَ الِافْتِتَانُ بِشَهَوَاتِهَا وَزَخَارِفِهَا، حَتَّى تُلْهِيَهُ عَن الْقِيَامِ بِالْوَاجِبَاتِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا الْعَبْدُ، وَهِيَ عِبَادَةُ بَارِئِهِ وَخَالِقِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِه تَعَالَى: {إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ}. وَتَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ.


55/306 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلاَثاً، وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْك السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ) أَيْ: سَلَّمَ مِنْهَا (اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلاَثاً) بِلَفْظِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. وَفِي الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ: قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ: كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
(وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْك السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَالِاسْتِغْفَارُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَقُومُ بِحَقِّ عِبَادَةِ مَوْلاَهُ؛ لِمَا يَعْرِضُ لَهُ مِن الْوَسَاوِسِ وَالْخَوَاطِرِ، فَشُرِعَ لَهُ الِاسْتِغْفَارُ؛ تَدَارُكاً لِذَلِكَ، وَشُرِعَ لَهُ أَنْ يَصِفَ رَبَّهُ بِالسَّلاَمِ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَالْمُرَادُ: ذُو السَّلاَمَةِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَآفَةٍ، مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ.
(وَمِنْك السَّلاَمُ) أي: مِنْك نَطْلُبُ السَّلاَمَةَ مِنْ شُرُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ) يَا ذَا الْغِنَى الْمُطْلَقِ، وَالْفَضْلِ التَّامِّ، وَقِيلَ: الَّذِي عِنْدَهُ الْجَلاَلُ وَالْإِكْرَامُ لِعِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ، وَهُوَ مِنْ عَظَائِمِ صِفَاتِهِ تَعَالَى؛ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ)). وَمَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَقُولُ: يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ. فَقَالَ: ((قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ)).
56/307 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ) يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ.
(وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ) يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ.
(وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ) يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
(فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ) عَدَدُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى.
(وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) هُوَ مَا يَعْلُو عَلَيْهِ عِنْدَ اضْطِرَابِهِ.
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى) لِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ) وَبِهِ تَتِمُّ الْمِائَةُ، فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهَذَا تَارَةً وَبِالتَّهْلِيلِ أُخْرَى؛ لِيَكُونَ قَدْ عُمِلَ بِالرِّوَايَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا- كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَسَبَقَهُ غَيْرُهُ- فَلَيْسَ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْعَدَدَ عَن الْمِائَةِ.
هَذَا وَلِلْحَدِيثِ سَبَبٌ، وَهُوَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ: ((ومَا ذَلِكَ؟)) قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟)). قَالُوا: بَلَى. قَالَ: ((سَبِّحُوا اللَّهَ)). الْحَدِيثَ.
وَكَيْفِيَّةُ التَّسْبِيحِ وَأَخَوَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقِيلَ: يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضاً: ((يُسَبِّحُونَ عَشْراً وَيَحْمَدُونَ عَشْراً وَيُكَبِّرُونَ عَشْراً)).
وَفِي صِفَةٍ أُخْرَى: ((يُسَبِّحُونَ خَمْساً وَعِشْرِينَ تَسْبِيحَةً، وَمِثْلَهَا تَحْمِيداً، وَمِثْلَهَا تَكْبِيراً، وَمِثْلَهَا: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَتَتِمُّ مِائَةٌ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ: ((اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَا شَهِيدٌ أَنَّك أَنْتَ الرَّبُّ وَحْدَك لاَ شَرِيكَ لَك، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، إنَّا نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُك وَرَسُولُك، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ ، أنا شَهِيدٌ أَنَّ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ إخْوَةٌ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، اجْعَلْنِي مُخْلِصاً لَك وَأَهْلِي فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِن الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ، اسْتَمِعْ وَاسْتَجِبْ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْأَكْبَرِ، اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، اللَّهُ أَكْبَرُ الْأَكْبَرِ ، حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللَّهُ أَكْبَرُ الْأَكْبَرِ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ مِن الصَّلاَةِ قَالَ: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ : أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ الصَّلاَةِ: ((رَبِّ قِنِي عَذَابَك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ)).
وَوَرَدَ بَعْدَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بِخُصُوصِهِمَا قَوْلُ: ((لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) عَشْرَ مَرَّاتٍ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهِمَا.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. عَشْرَ مَرَّاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَحِرْزٍ مِن الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلاَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)). قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ ، وَزَادَ فِيهِ: ((بِيَدِهِ الْخَيْرُ))، وَزَادَ فِيهِ أَيْضاً: ((وَكَانَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ قَالَهَا عِتْقُ رَقَبَةٍ)) .
وأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَالَ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. عَشْرَ مَرَّاتٍ عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ، بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلاَئِكَةً يَحْفَظُونَهُ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَتَبَ لَهُ بها عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ مُوبِقَاتٍ، وَكَانَتْ لَهُ بعِدْلِ عَشْرِ رَقَبَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ)). قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاَّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَلاَ نَعْرِفُ لِعُمَارَةَ سَمَاعاً مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِنِيَّةِ كَذَا، وَبِنِيَّةِ كَذَا، كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ، فَلَمْ يَرِدْ بِهَا دَلِيلٌ، بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ.
وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ تَمَامِ التَّسْبِيحِ وَأَخَوَيْهِ مِن الثَّنَاءِ فَالدُّعَاءُ بَعْدَ الذِّكْرِ سُنَّةٌ، وَالصَّلاَةُ عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَ الدُّعَاءِ كَذَلِكَ سُنَّةٌ، إنَّمَا الِاعْتِيَادُ لِذَلِكَ، وَجَعْلُهُ فِي حُكْمِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَدُعَاءُ الْإِمَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَدْبِراً لِلْمَأْمُومِينَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ، بَل الَّذِي وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْمَأْمُومِينَ إذَا سَلَّمَ؛ قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامُ النَّاسَ إذَا سَلَّمَ.
وَوَرَدَ حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، أنه كَانَ إذَا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. وَظَاهِرُهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ.


57/308 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لاَ تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ.
(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ) هُوَ نَهْيٌ مِنْ وَدَعَهُ، إلاَّ أَنَّهُ هُجِرَ مَاضِيهِ فِي الْأَكْثَرِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِـ "تَرَكَ" وَقَدْ وَرَدَ قَلِيلاً وَقُرِئَ: (مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ).
(دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ). النَّهْيُ أَصْلُهُ التَّحْرِيمُ، فَيَدُلُّ عَلَى إيجَابِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ دُبُرَ الصَّلاَةِ.
وَقِيلَ: إنَّهُ نَهْيُ إرْشَادٍ وَلاَ بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا فِي حَقِّ مُعَاذٍ نَهْيُ تَحْرِيمٍ. وَفِيهِ بُعْدٌ؛ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ عَامَّةٌ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.


  #3  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 03:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


256 - وَعَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ((لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
دُبُرِ: بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَضَمِّ الْبَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا: ضِدُّ القُبُلِ، فالقُبُلُ وَجْهُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالدُّبُرُ: عَقِبُهُ وَمُؤَخِّرُهُ.
صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: أَيْ: فَرِيضَةٍ، وَجَاءَتْ مُطْلَقَةً فِي إِحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ: (كَانَ يَقُولُهَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ). والمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى المُقَيَّدِ.
لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ: (لا) نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ، (إِلَهَ) اسْمُهَا، أَمَّا خَبَرُهَا فَمَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ (حَقٌّ) وَاسْمُ الجلالةِ بَدَلٌ مِنْهُ، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ بالإجماعِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى النَّفْيِ والإثباتِ، فَقَوْلُهُ: (لا إِلَهَ) نَفْيٌ للأُلُوهِيَّةِ، وَ (إِلاَّ اللَّهُ) تَأْكِيدٌ لإثباتِ الأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَبِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ صَارَتْ هَذِهِ هِيَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ والشهادةِ.
وَحْدَهُ: مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، تَقْدِيرُهُ: يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، وَأَوَّلْنَاهُ هَكَذَا؛ لأَنَّ الْحَالَ لا تَكُونُ إِلاَّ نَكِرَةً.
لا شَرِيكَ لَهُ: تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تَأْكِيداً لِـ (وَحْدَهُ)؛ لأَنَّهُ المُتَّصِفُ بالوَحْدَانِيَّةِ وَأَنْ تَكُونَ تَوْكِيداً لِنَفْيِ الشريكِ، فَكَلِمَةُ الإخلاصِ تَضَمَّنَتْ إِثْبَاتاً وَنَفْياً.
لَهُ الْمُلْكُ: بِضَمِّ الْمِيمِ؛ لِيَعُمَّ، وَيَكُونَ لَهُ جَلَّ وَعَلا مُطْلَقُ المَلَكُوتِ.
وَلَهُ الحَمْدُ: جَمِيعُ أَصْنَافِ الْمَحَامِدِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الأَلِفَ وَاللامَ لاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ.
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ والتَّكْمِيلِ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَتْ لَهُ الوَحْدَانِيَّةُ وَلَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الحمدُ، فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ قَادِراً عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَذِكْرُهُ يَكُونُ للتَّتْمِيمِ والتَّكْمِيلِ.
الْقَدِيرُ: اسْمٌ منْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَصِفَةٌ منْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، فَلَهُ القدرةُ الكاملةُ الباهرةُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ.
لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلِمَا مَنَعْتَ: أَي: الَّذِي أَعْطَيْتَهُ، وَالَّذِي مَنَعْتَهُ بِحِكْمَتِكَ
الْجَدُّ: بِالْفَتْحِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَمَعْنَاهُ: الْغِنَى.
مِنْكَ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (يَنْفَعُ)، وَلا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقاً بِـ (الْجَدُّ) قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - اسْتِحْبَابُ هَذَا الذِّكْرِ بَعْدَ الصلواتِ الخمسِ المكتوباتِ كُلِّهَا، وَيَكُونُ بَعْدَ السَّلامِ مباشرةً، فَإِنَّ دُبُرَ الشَّيْءِ مَا يَلِيهِ، وَظَاهِرُهُ يَأْتِي بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ الصَّلاةِ، وَيَأْتِي تَمَامُ البَحْثِ.
2 - شُرِعَ هَذَا الذِّكْرُ الجليلُ بَعْدَ الصلواتِ المكتوباتِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الطاعاتِ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ منْ إثباتِ الوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَنَفْيِ الشريكِ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وعِبَادَتِهِ، وإثباتِ كمالِ القدرةِ، وَشُمُولِهَا لَهُ وَحْدَهُ، ثُمَّ إِثْبَاتِ التَّصَرُّفِ لَهُ وَحْدَهُ مِنَ الْعَطَاءِ والمَنْعِ، وَأَنَّ أَيَّ مَخْلُوقٍ لا يَنْفَعُهُ جَدُّهُ، وَلا حَظُّهُ، وَلا غِنَاهُ عَن اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ صَاحِبُ المَلَكُوتِ والسلطانِ، فَإِذَا عَرَفَ الْعَبْدُ ذَلِكَ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِرَبِّهِ تَعَالَى، وَصَرَفَ نَظَرَهُ عَنْ غَيْرِهِ.
3 - تَرْتِيبُ هَذَا الذِّكْرِ المشروعِ بَعْدَ الصلواتِ الخمسِ المكتوباتِ: أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ ثَلاثاً، ثُمَّ يَقُولَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ.. إلخ)). ثُمَّ يَأْتِي بذكرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ..). مَرَّةً وَاحِدَةً، إِلاَّ فِي المغربِ والفجرِ فَعَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) وَ(الْحَمْدُ لِلَّهِ) وَ(اللَّهُ أَكْبَرُ) ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً، فَتَكُونُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَتُكْمَلُ الْمِائَةُ: بِـ (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ..).
ثُمَّ يَقْرَأُ آيَةَ الكُرْسِيِّ، والإخلاصِ، والمُعَوِّذَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي المغربِ، والفجرِ خَاصَّةً: (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ) سَبْعَ مَرَّاتٍ.
فَهَذَا الذِّكْرُ وَرَدَ فِي فَضْلِهِ نُصُوصٌ عَظِيمَةٌ معروفةٌ، لا يَتَّسِعُ المقامُ لِنَقْلِهَا، بَعْدَ الذِّكْرِ يَدْعُو مُخْلِصاً فِي دعائِهِ؛ لأَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العبادةُ، وَالإخلاصُ رُكْنُهَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِذَا لَمْ يُخْلِصِ الدَّاعِي فِي الدُّعَاءِ، وَلَمْ يَتَجَنَّبِ الْحَرَامَ تَبْعُدُ إِجَابَتُهُ، إِلاَّ مُضْطَرًّا مَظْلُوماً.
والحاصلُ أَنَّهُ عَقِبَ أذكارِ الصَّلاةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ عَقِبَ هَذِهِ العبادةِ مِنْ أَحْرَى أوقاتِ الإجابةِ، لا سِيَّمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، وَحَمْدِهِ، وَالصَّلاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
257 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
يَتَعَوَّذُ: عَاذَ بِاللَّهِ يَعُوذُ عَوْذاً وَعِيَاذاً: لاذَ وَالْتَجَأَ وَاعْتَصَمَ، تَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَي: أَلْتَجِئُ وَأَعْتَصِمُ بِهِ.
البُخْلِ: يُقَالُ: بَخِلَ الرَّجُلُ يَبْخَلُ بُخْلاً، مِنْ بَابَيْ كَرُمَ وَعَلِمَ، والاسمُ: البُخْلُ. فالبُخْلُ؛ بِضَمِّ الخاءِ وَإِسْكَانِهَا: هُوَ الإمساكُ والشُّحُّ، وَهُوَ ضِدُّ الجُودِ والسَّخَاءِ وَالْكَرَمِ.
وَقِيلَ: البُخْلُ هُوَ نَفْسُ المَنْعِ، وَالشُّحُّ حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَقْتَضِي المَنْعَ.
والبُخْلُ فِي الشَّرْعِ: مَنْعُ الْوَاجِبِ.
وَاسْمُ الْفَاعِلِ: (بَخِيلٌ) والجَمْعُ (بُخَلاءُ).
الجُبْنُ: يُقَالُ: جَبُنَ الرَّجُلُ يَجْبُنُ جُبْناً، مِنْ بَابَيْ نَصَرَ وَكَرُمَ، وَالْجَبَانُ جَمْعُهُ جُبَنَاءُ، وَهُوَ الهَيُوبُ للأشياءِ، فَلا يُقْدِمُ عَلَيْهَا.
قَالَ فِي (المصباحِ): هُوَ جَبَانٌ، أَيْ: ضَعِيفُ الْقَلْبِ.
أُرَدَّ: بالبناءِ للمجهولِ، يُقَالُ: رَدَدْتُ الشَّيْءَ: أَرْجَعْتُهُ، وَأَعَدْتُهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ.
أَرْذَلِ: يُقَالُ: رَذُلَ رَذْلاً، كَانَ رَذِيلاً.
والرَّذِيلُ: الخَسِيسُ، أَو الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، جَمْعُهُ: أَرْذَالٌ وَرُذَلاءُ، والأَرْذَلُ: اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الرَّذَالَةِ، بِمَعْنَى الأَرْدَأ.
الْفِتْنَة: جَمْعُهَا: فِتَنٌ، يُقَالُ: فَتَنَهُ يَفْتِنُهُ فَتْناً وَفُتُوناً، مِنْ بَابِ ضَرَبَ، اسْتَمَالَهُ، وَفُتِنَ فِي دِينِهِ: مَالَ عَنْهُ.
وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الاخْتِبَارُ، ـ لِتَمْيِيزِ الْخَبِيثِ من الطيِّبِ، وللفتنةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ هُنَا إِغْوَاءُ الْمُسْلِمِ عَنْ دِينِهِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - فِيهِ استحبابُ الدُّعَاءِ دُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ؛ لأَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ مَظَنَّةُ الإجابةِ، وَالصَّلاةُ عِنْدَ الإطلاقِ يُرَادُ بِهَا الصلواتُ الخمسُ المَفْرُوضَةُ.
2 - فِيهِ استحبابُ الاستعاذةِ بِاللَّهِ تَعَالَى منْ هَذِهِ الأَخْلاقِ الذميمةِ، وَهِيَ البُخْلُ، والجُبْنُ، والخَوْفُ، وَفِتْنَةُ الدُّنْيَا، وعَذَابُ الْقَبْرِ، فَهَذِهِ الأُمُورُ إِمَّا عَذَابٌ، وَإِمَّا أسبابٌ قَوِيَّةٌ تَجْلِبُ الْعَذَابَ.
3 - مَسَاوِئُ هَذِهِ الأَخْلاقِ هِيَ:
الجُبْنُ: يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِن الإقدامِ فِي المواطنِ الشريفةِ، مِنْ بَذْلِ النَّفْسِ فِي الجهادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، والتَّأَخُّرِ عَن القيامِ بالأمرِ بِالْمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ من المواقفِ الَّتِي فِيهَا عِزُّ الإِسْلامِ والمُسْلِمِينَ.
البُخْلُ: يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ أداءِ الزَّكَاةِ المفروضةِ، وَالنَّفَقَاتِ الوَاجِبَةِ، وَالْمُسْتَحَبَّةِ، وَبَذْلِ الْخَيْرِ، وصِلَةِ الأقاربِ، وَالجِيرَانِ، وَأَصْحَابِ الْحُقُوقِ.
أَرْذَلُ الْعُمُرِ: هُوَ أَرْدَؤُهُ وَأَخَسُّهُ، حِينَمَا تَضْعُفُ قُوَى الإِنْسَانِ الْعَقْلِيَّةُ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الطفلِ والمجنونِ، مِنْ سُخْفِ الْعَقْلِ وقِلَّةِ الإدراكِ.
فِتْنَةُالدُّنْيَا: الانهماكُ فِي شَهَوَاتِهَا وَمَلَذَّاتِهَا، وَجَمْعُهَا منْ طُرُقِ الحلالِ والحرامِ، والافتتانُ بِهَا، بِحَيْثُ تَصُدُّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُلْهِيهِ عَمَّا فِيهِ نَجَاتُهُ وَسَعَادَتُهُ، قَالَ تَعَالَى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}. [التغابن: 15].
عَذَابُ الْقَبْرِ: صَحَّتِ الآثارُ أَنَّ الإِنْسَانَ إِمَّا أَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُنَعَّمَ، فالقبرُ إِمَّا رَوْضَةٌ منْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ منْ حُفَرِ النَّارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ.
فَهَذِهِ دَعَوَاتٌ طَيِّبَاتٌ، وَاسْتِعَاذَاتٌ مُسْتَحَبَّاتٌ، يَحْسُنُ الاستعاذةُ بِهَا فِي المواطنِ الَّتِي حَرِيٌّ للعبدِ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِيهَا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ، وَهِيَ لَمْ تُذْكَرْ فِي حَدِيثِ المُسِيءِ، وَلَكِنْ ثَبَتَتْ بِأَدِلَّةٍ أُخَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
4 - قَوْلُهُ:((دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ)) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الأخيرِ وَقَبْلَ السَّلامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ السَّلامِ، فَدُبُرُ الشَّيْءِ ضِدُّ قُبُلِهِ وَضِدُّ آخِرِهِ.
وَصَنِيعُ المُؤَلِّفِ فِي ترتيبِ الأَحَادِيثِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ هَذَا الدُّعَاءِ يَكُونُ بَعْدَ السَّلامِ.
أَمَّا شَيْخُ الإِسْلامِ: فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الدُّعَاءِ وَفَضِيلَتَهُ تَكُونُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ السَّلامِ، فَقَدْ قَالَ: والدعاءُ فِي آخِرِ الصَّلاةِ قَبْلَ الخروجِ مِنْهَا مشروعٌ بالسُّنَّةِ المُسْتَفِيضَةِ، وإجماعِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ كَانَ غَالِبُ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلامِ، وَعَامَّةُ الأَدْعِيَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِالصلاةِ فَإِنَّهُ فَعَلَهَا فِيهَا، وَأَمَرَ بِهَا فِيهَا، وَهُوَ اللائِقُ بِحَالَةِ المُصَلِّي، فَإِنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى رَبِّهِ يُنَاجِيهِ مَا دَامَ فِي الصَّلاةِ، فَلا يَنْبَغِي للعبدِ أَنْ يَتْرُكَ سُؤَالَ مَوْلاهُ فِي حالةِ مُنَاجَاتِهِ، والقُرْبِ مِنْهُ، والإقبالِ عَلَيْهِ، وَآكَدُهُ قربُ إنهاءِ هَذِهِ العبادةِ الجليلةِ الَّتِي فِيهَا شُرِعَ لَهُ استعطافُهُ بكلماتِ التَّحِيَّةِ، ثُمَّ تَبِعَهَا بالصلاةِ عَلَى مَا نَالَتْ أُمَّتُهُ هَذِهِ النِّعْمَةَ عَلَى يَدَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: تَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَحَبَّهُ إِلَيْكَ.
فَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْكَ، وَهَذَا الْحَقُّ الَّذِي لَكَ، وَلْيَكُنْ بِأَدَبٍ، وَخُشُوعٍ، وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَرَغْبَةٍ، وَرَهْبَةٍ، فَإِنَّهُ لا يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ منْ قَلْبِ غَافِلٍ. ا هـ
قُلْتُ: دُبُرُ الصَّلاةِ يُرَادُ بِهِ مَا بَعْدَ السَّلامِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قريباً بِرَقْمِ (259)، وَلَكِنَّ الراجحَ أَنَّ الْمُرَادَ بالدُّبُرِ ـ هُنَا ـ هُوَ: مَا قَبْلَ السَّلامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
258 - وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ منْ صَلاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلاثاً، وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ: السَّالِمُ من التَّغَيُّرَاتِ والآفاتِ، والسالمُ منْ جَمِيعِ النقائصِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُنَافِي كَمَالَهُ، أَوْ مُعْطِي السلامةَ لِمَنْ يَشَاءُ.
وَمِنْكَ السَّلامُ: أَيْ: مِنْكَ يُرْجَى السَّلامُ، وَيُسْتَوْهَبُ السَّلامُ، فَمَبْدَؤُهُ مِنْكَ يَا رَبِّ.
السَّلامُ: يُقَالُ: سَلِمَ يَسْلَمُ سَلاماً، مِنْ بَابِ عَلِمَ، إِذَا نَجَا وَبَرِئَ، وَالسَّلامُ مَصْدَرٌ مِنْ (سَلِمَ) بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ التَّحِيَّةُ فِي الإِسْلامِ، فَهُوَ دُعَاءٌ لَهُمْ بالسلامةِ من الآفاتِ فِي الدِّينِ، والْعَقْلِ، والنفسِ.
الْجَلالِ: يُقَالُ: جَلَّ يَجِلُّ جَلالاً: عَظُمَ قَدْراً وَشَأْناً، وَضِدُّ صَغُرَ وَدَقَّ، فَهُوَ جَلِيلٌ وَجَلالٌ.
وَالْجَلالُ: التَّنَاهِي فِي عِظَمِ الْقَدْرِ وَالشَّأْنِ.
يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ: فَسَّرَ بَعْضُهُم الجلالَ بالصفاتِ الجليلةِ، فَهُوَ يَجِلُّ عَن النقصِ والعَيْبِ وَمُشَابَهَةِ المَخْلُوقِينَ، وَالإكرامَ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، فَهُوَ مُقَابِلٌ لَهُ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - تَقَدَّمَ بَيَانُ الأذكارِ وَتَرْتِيبِهَا بَعْدَ الصلواتِ الخمسِ المفروضاتِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الدلالةُ عَلَى أَنَّ المُصَلِّيَ ـ بَعْدَ الفراغِ منَ الصَّلاةِ ـ يَقُولُ: (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)).
2 - الْمُرَادُ بالانصرافِ مِنْهَا هُنَا (السَّلامُ)، وَبَيَانُهُ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
3 - قِيلَ لأَحَدِ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ الأَوْزَاعِيُّ: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ: (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ).
4 - الاسْتِغْفَارُ هُوَ طَلَبُ المَغْفِرَةِ، وَطَلَبُهَا لا يَكُونُ إِلاَّ مِنْ شُعُورٍ بالتَّقْصِيرِ، فَالاستغفارُ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِحَقِّ عِبَادَةِ رَبِّهِ، لِمَا يَعْرِضُ لَهُ من الوساوسِ والخواطرِ والمُنْقِصَاتِ، فَشُرِعَ لَهُ الاسْتِغْفَارُ تَكْمِيلاً لهذا النقصِ، واعترافاً بالعَجْزِ والتقصيرِ.
5 - فِيهِ إثباتُ اسْمِ السَّلامِ لِلَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ، فَهُوَ السالمُ منْ كُلِّ نقصٍ وَعَيْبٍ، وَهُوَ وَاهِبُ السلامةِ لعبادِهِ منْ شرورِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
6 - أَمَّا الجلالُ والإكرامُ فَهُمَا منْ صِفَاتِ الغِنَى المُطْلَقِ، وَالفَضْلِ التامِّ، الثَّابِتَةِ وَالمُسْتَحَقَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ جَلَّ ذِكْرُهُ وَفَضْلُهُ يُكْرِمُ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ، وَيُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ المُخْلِصِينَ.
وَذُو الجلالِ والإكرامِ اسْمَانِ عَظِيمَانِ، وَصِفَتَانِ كَرِيمَتَانِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)). وَمَرَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي وَيَقُولُ: يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ. قَالَ: ((اسْتُجِيبَ لَكَ)).
7 - يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ الإمامِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ السَّلامِ مُتَّجِهاً إِلَى الْقبْلَةِ، حَتَّى يَفْرُغَ منْ هَذَا الذِّكْرِ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ فِي (شَرْحِ الإقناعِ): وَيُسْتَحَبُّ للإمامِ أَلاَّ يُطِيلَ الجلوسَ مُسْتَقْبِلَ الْقبْلَةِ، لحديثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ إِلاَّ مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (592).
8 - قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: الإسرارُ بالذِّكْرِ، والدعاءِ، وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الأفضلُ مُطْلَقاً إِلاَّ لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ.
أَمَّا مُرَاءَاةُ النَّاسِ فِي العباداتِ، كالصلاةِ، والصيامِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ والذِّكْرِ ـ فَمِنْ أعظمِ الذنوبِ، وَلا يَكْفِي أَنْ يُبْطِلَ عَمَلَهُ، بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ.
259 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: (أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ).
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ: مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ نَقِيضُ القُبُلِ، وَهُوَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَقِبُهُ وَمُؤَخِّرُهُ.
سُبْحَانَ اللِهِ: (سُبْحَانَ) اسْمُ مَصْدَرٍ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: سَبَّحْتُ اللَّهَ، وَلا يُسْتَعْمَلُ غَالِباً إِلاَّ مُضَافاً، وَالْمَصْدَرُ هُوَ (التَّسْبِيحُ)، وَهُوَ التَّنْزِيهُ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ الَّتِي تَكُونُ مُقَدَّمَةً عَلَى الحَمْدِ، الَّذِي هُوَ التَّحْلِيَةُ.
حَمِدَ اللَّهَ: الحَمْدُ: هُوَ الثناءُ عَلَى اللَّهِ بِصِفَاتِ الكمالِ الوُجُودِيَّةِ، فَهِيَ تَحْلِيَةٌ بِكَمَالِهِ، بَعْدَ تَنْزِيهِهِ عَنْ صِفَاتِ النقصِ السلبِيَّةِ.
لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ: (لا) نافيةٌ لِكُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ هِيَ أَفْضَلُ الذِّكْرِ، فالإيمانُ لا يَصِحُّ إِلاَّ بِهَا، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وكلمةُ الإخلاصِ.
لَهُ الْمُلْكُ: المُطْلَقُ الحَقِيقِيُّ الدَّائِمُ، الَّذِي لا انْتِهَاءَ لِوُجُودِهِ، ثَابِتٌ لَهُ لا لِغَيْرِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تقديمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ.
لَهُ الحمدُ: فالحَمْدُ: هُوَ الوصفُ بالجميلِ الاخْتِيَارِيِّ عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ، ثَابِتٌ لَهُ تَعَالَى، وتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الحَصْرَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ: أَيْ: أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ، وَحُذِفَ الْمَعْمُولُ للتَّعْمِيمِ.
زَبَدِ الْبَحْرِ: بِفَتْحَتَيْنِ، آخِرُهُ دَالٌ، وَزَبَدُ الْبَحْرِ: رَغْوَتُهُ عِنْدَ هَيَجَانِهِ، أَيْ:فِي الْكَثْرَةِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ كِنَايَةٌ عَن المُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ.
وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ: تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى (لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ).
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: صَاحِبُ القدرةِ الْعَامَّةِ الشاملةِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - اسْتِحْبَابُ هَذَا الذِّكْرِ بَعْدَ الصلواتِ الخمسِ المكتوبةِ.
قَالَ فِي (فَتْحِ الْبَارِي): حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الفرضِ، وَقَدْ رُفِعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَلَى التَّقَيُّدِ بالمكتوبةِ، وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا المُطْلَقَاتِ عَلَيْهَا.
2 - إِذَنْ لا يُسْتَحَبُّ التَّقَيُّدُ بِهِ فِي غَيْرِ الصلواتِ المكتوباتِ، وَمِنْهَا الْجُمُعَةُ، وَلَوْ كَانَتْ صَلاةً جَامِعَةً، كَالعِيدَيْنِ، والكسوفِ، والاستسقاءِ، والتروايحِ، وُقُوفاً عِنْدَ الواردِ.
3 - وَرَدَ الإتيانُ بِهَذَا الذِّكْرِ بِأَنْ يُقَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ). وَوَرَدَ بِأَنْ يُقَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ) ثلاثاً وَثَلاثِينَ، ثُمَّ يُقَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) كَذَلِكَ، وَ (اللَّهُ أَكْبَرُ) كَذَلِكَ، والأفضلُ فِعْلُ هَذَا مَرَّةً، وَفِعْلُ هَذَا مَرَّةً، لِيَحْصُلَ الْعَمَلُ بالسُّنَّةِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ العباداتِ الوَارِدَةَ عَلَى وُجُوهٍ مُتَنَوِّعَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تُفْعَلَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، لِيَحْصُلَ الْعَمَلُ بالسُّنَّةِ كُلِّهَا.
4 - تَرْتِيبُ هَذِهِ الْجُمَلِ عَلَى هَذِهِ الصيغةِ بِغَايَةِ المناسبةِ.
(فَسُبْحَانَ اللَّهِ) تَنْزِيهٌ عَنْ كُلِّ نقصٍ وعيبٍ، (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) وَصْفُهُ تَعَالَى بجميعِ المحامدِ، والتَّنْزِيهُ والتَّخْلِيَةُ تَكُونُ قَبْلَ التَّحْلِيَةِ.
ثُمَّ إِذَا وَصَفَ الْعَبْدُ رَبَّهُ بالنَّزَاهَةِ عَن النقصِ والعيبِ، وَوَصَفَهُ بالكمالِ، جَاءَتْ صِفَاتُ التكبيرِ والتعظيمِ المُسْتَحَقَّةِ لِمَنْ تَنَزَّهَ عَن العيوبِ، ووَفَّى بالمَحَامِدِ.
5 - قَوْلُهُ:(غُفِرَتْ خَطَايَاهُ). ظَاهِرُ الْحَدِيثِ العمومُ، وَلَكِنْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ جَمِيعَ الأَحَادِيثِ الواردةِ بمغفرةِ الذنوبِ، أَوْ تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ مِنْ أَجْلِ القيامِ بالأعمالِ الصَّالِحَةِ مُقَيَّدَةٌ بِاجْتِنَابِ الكبائرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}. [النِّسَاء: 31]، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (233).
فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الفرائضُ العظامُ ـ وَمِنْهَا الصلواتُ الخمسُ ـ لا تَقْوَى عَلَى تكفيرِ الكبائرِ، فَمَا دُونَهَا منْ فضائلِ الأَعْمَالِ منْ بَابِ أَوْلَى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرَ رُجِيَ التخفيفُ من الكبائرِ، فَإِنَّ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ.
أَمَّا شَيْخُ الإِسْلامِ فَقَالَ: إِنَّ إطلاقَ التكفيرِ بالْعُمْرَةِ مُتَنَاوِلٌ الْكَبَائِرَ.
6 - يُقَالُ هَذَا الذِّكْرُ بَعْدَ الفراغِ من الصَّلاةِ المكتوبةِ، وكما وَرَدَ فِي الأخبارِ، والظاهرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَهُوَ قاعدٌ، وَلَوْ قَالَهُ بَعْدَ قِيَامِهِ وَفِي ذِهَابِهِ، فالظاهرُ أَنَّهُ مُصِيبٌ للسُّنَّةِ أيضاً، إِذْ لا تَحْجِيرَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ شُغِلَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَذَكَرَهُ، فَالظاهرُ حُصُولُ أجرِهِ الخاصِّ لَهُ أيضاً، إِذَا كَانَ قَرِيباً لِعُذْرٍ.
أَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْداً، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ بَعْدَ زَمَنٍ طويلٍ، فالظاهرُ فَوَاتُ أَجْرِهِ الخَاصِّ، وَبَقَاءُ أَجْرِ الذِّكْرِ المُطْلَقِ لَهُ.
7 - أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذنوبِ، وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ، وَالْمُرَادُ: تَكْفِيرُ صَغَائِرِ الذنوبِ، أَمَّا الكبائرُ فَلا يُكَفِّرُهَا إِلاَّ التوبةُ مِنْهَا، قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النِّسَاء: 31].
قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: الذِّكْرُ منْ أَفْضَلِ العباداتِ، ولذا قَالَتْ عَائِشَةُ: (الذِّكْرُ بَعْدَ الانْصِرَافِ مِنَ الصَّلاةِ هُوَ مِثْلُ مَسْحِ الْمِرْآةِ بَعْدَ صِقَالِهَا، فَإِنَّ الصَّلاةَ تَصْقُلُ الْقَلْبَ).
والذِّكْرُ عَقِبَ الصَّلاةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي للمأمومِ أَلاَّ يَقُومَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الإمامُ عَن الْقِبْلَةِ، وَلا يَنْبَغِي للإمامِ أَنْ يَقْعُدَ بَعْدَ السَّلامِ مُسْتَقْبِلَ الْقبْلَةِ، إِلاَّ بمقدارِ مَا يَسْتَغْفِرُ ثَلاثاً، وَيَقُولُ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ، وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)).
8 - عَدُّ التَّسْبِيحِ بالأصابعِ سُنَّةٌ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساءِ: ((سَبِّحْنَ، وَاعْقِدْنَ بِالأَصَابِعِ، فَإِنَّهُنَّ مَسْؤُولاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ (26549)، والتِّرْمِذِيُّ (3583).
9 - جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ: (أَنَّ تَمَامَ الْمِائَةِ هِيَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ...) إلخ، وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا: (أَنَّ التكبيرَ أَرْبَعٌ وثَلاثُونَ)، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ منْ هَذَا الْحَدِيثِ: ((تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، إِحْدَى عَشْرَةَ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، فَذَلِكَ كُلُّهُ ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ)).
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (6329) مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: ((تُسَبِّحُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ عَشْراً))، وَقَالَ فِي (فَتْحِ الْبَارِي) جَمَعَ البَغَوِيُّ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) بَيْنَ هَذَا الاخْتِلافِ باحتمالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَدَرَ فِي أوقاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، أَوْ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ الأحوالِ.
قَالَ مُحَرِّرُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَمَا دَامَ أَنَّ الأَحَادِيثَ صَحَّتْ بِهَذِهِ الأعدادِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ هَذَا مَرَّةً، وَهَذَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَعَلَّ العددَ الْقَلِيلَ يُؤْتَى بِهِ فِي الأزمنةِ الضَّيِّقَةِ، حَتَّى لا يَفُوتَ المُصَلِّيَ السُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ، وَاللَّهُ لَطِيفٌ بِخَلْقِهِ، أَمَّا الْعَمَلُ بالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي صَلاةٍ وَاحِدَةٍ فَلا يُسْتَحَبُّ.
260 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ.
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
قَالَ الإمامُ النَّوَوِيُّ فِي (الأذكارِ): إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ صِدِّيقٌ حَسَنٌ فِي (نُزُلِ الأَبْرَارِ): رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ (5/364) وَابْنُ خُزَيْمَةَ (1/369) فِي (صَحِيحَيْهِمَا)، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَقَد احْتَجَّ بِهِ المُنْذِرِيُّ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
لا تَدَعَنَّ: بِفَتَحَاتٍ ثَلاثٍ، مِنْ (وَدَعَهُ)؛ إِذَا هَجَرَهُ وَتَرَكَهُ، أَيْ: لا تَتْرُكَنَّ.
أَعِنِّي: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ: صِيغَةُ دُعَاءٍ مِنَ: الإعانةِ إِذَا أُدْغِمَتْ نُونُ الْفِعْلِ فِي نُونِ الوقايةِ، فَصَارَتْ مُشَدَّدَةً، أَي: انْصُرْنِي وَوَفِّقْنِي.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - استحبابُ هَذَا الدُّعَاءِ بَعْدَ الصلواتِ المكتوبةِ، وَتَقْيِيدُهُ بَعْدَ المكتوبةِ؛ لأَنَّهَا هِيَ المرادةُ عِنْدَ الإطلاقِ.
2 - قَوْلُهُ: (دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ) اخْتُلِفَ فِي دُبُرِ الصَّلاةِ، هَل الْمُرَادُ بِهِ قُبَيْلَ السَّلامِ، أَو الْمُرَادُ بَعْدَ السَّلامِ؟
أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الثَّانِي، وَطَائِفَةٌ عَلَى الأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ شَيْخُ الإِسْلامِ.
أَمَّا النصوصُ: فَجَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي بَعْضِ ألفاظِهِ: ((لا تَدَعَنَّ أَنْ تَقُولَ فِي صَلاتِكَ)). مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِدُبُرِ الصَّلاةِ: قَبْلَ السَّلامِ.
وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ..)).
وَجَاءَ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي (الكُبْرَى) (6/30) وَغَيْرُهُ: ((مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ)). وَالْمُرَادُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ: بَعْدَ السَّلامِ.
فَصَارَ الدُّبُرُ يُرَادُ بِهِ: آخِرُ جُزْءٍ مِنَ الصَّلاةِ، وَيُرَادُ بِهِ: مَا بَعْدَ السَّلامِ.
والأفضلُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ فِيمَا قَبْلَ السَّلامِ، وَأَمَّا الذِّكْرُ فَفِيمَا بَعْدَ السَّلامِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ.
3 - قَالَ فِي (الشرحِ) دُبُرُ الصَّلاةِ يَشْمَلُ مَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ، والظاهرُ هُنَا الأَوَّلُ.
أَمَّا شَيْخُ الإِسْلامِ: فَيُرَجِّحُ أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ فِي الصَّلاةِ قَبْلَ السَّلامِ مِنْهَا، فَقَدْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: والدعاءُ فِي آخِرِ الصَّلاةِ قَبْلَ الخروجِ مِنْهَا مَشْرُوعٌ بالسُّنَّةِ المُسْتَفِيضَةِ، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّةُ الأَدْعِيَةِ المُتَعَلِّقَةِ بالصلاةِ إِنَّمَا فَعَلَهَا عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهَا، وَهُوَ اللائِقُ بِحَالِ المُصَلِّي المُقْبِلِ عَلَى رَبِّهِ يُنَاجِيهِ.
4 - فَضِيلَةُ هَذِهِ الكلماتِ المُبَارَكَاتِ الطَّيِّبَاتِ، الْجَامِعَةِ لِخَيْرَي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَفِيهِنَّ طَلَبُ الإعانةِ من اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إقامةِ ذِكْرِهِ، والقيامِ بِشُكْرِهِ، وإحسانِ عِبَادَتِهِ، بِأَنْ يَعْبُدَ الْمُسْلِمُ رَبَّهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ.
فَمَنْ قَامَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوَجْهِ المطلوبِ، وأَدَّى شُكْرَ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَتَى بالعبادةِ مُحْسِناً فِيهَا، مُتْقِناً لَهَا ـ فَقَدْ أَدَّى عِبَادَةَ رَبِّهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، وَمِنَ اللَّهِ القَبُولُ والثَّوَابُ.
5 - الْحَدِيثُ فِيهِ فضيلةٌ ومَنْقَبَةٌ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ جَاءَ فِيهِ: ((يَا مُعَاذُ، إِنِّي أُحِبُّكَ، فَلا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ...)). الْحَدِيثَ، وَمَحَبَّةُ الرَّسُولِ للعَبْدِ عُنْوَانُ سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَهُوَ من الأَحَادِيثِ المسلسلةِ بهذهِ الْكَلِمَةِ اللطيفةِ الكريمةِ.
6 - الْحَدِيثُ فِيهِ التأكيدُ عَلَى الإتيانِ بهذهِ الدعواتِ الكريماتِ، بِمَا جَاءَ فِيهِنَّ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تَرْكِهِنَّ مِمَّا قَدْ يُحْمَلُ عَلَى الْقَوْلِ بالوجوبِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: الحاصلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ للعبدِ إِذَا فَرَغَ منْ صلاتِهِ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَذَكَرَهُ وَهَلَّلَهُ، وَسَبَّحَهُ، وَحَمِدَهُ وَكَبَّرَهُ، بالأذكارِ المشروعةِ عَقِبَ الصَّلاةِ ـ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ عَقِبَ هَذِهِ العبادةِ أَحْرَى الأوقاتِ بالإجابةِ، لا سِيَّمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ وَحْدَهُ، والثناءِ عَلَيْهِ، وَالصَّلاةِ عَلَى رسولِهِ، وَهُوَ أبلغُ الأسبابِ لِجَلْبِ المنافعِ، ودَفْعِ المَضَارِّ، وَيُسْتَحَبُّ إخفاءُ الدُّعَاءِ، فَفِي إِخْفَائِهِ فَوَائِدُ، مِنْهَا:
الإخلاصُ لِلَّهِ تَعَالَى، والبُعْدُ عَن الرِّيَاءِ.
وحضورُ الْقَلْبِ، وَخُشُوعُهُ عِنْدَ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى.
والبُعْدُ عَن القواطعِ وَالمُشَوِّشَاتِ.
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَجْلِبُهُ السِّرِّيَّةُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى.
فالإسرارُ بالذِّكْرِ، والدعاءِ، وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الأفضلُ مُطْلَقاً، إِلاَّ لِعَارِضٍ رَاجِحٍ.
7 - (وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ): المَطْلُوبُ منْ هَذِهِ الجملةِ هُوَ التَّجَرُّدُ عَمَّا يَشْغَلُهُ عَن اللَّهِ، وَيُلْهِيهِ عَنْ ذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ، لِيَتَفَرَّغَ لِمُنَاجَاتِهِ اللَّهَ، فَتَكُونُ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِي الصَّلاةِ، وَيَرْتَاحُ بِهَا منْ هُمُومِهِ وَغُمُومِهِ؛ وَلِيُحَقِّقَ كَمَالَ الإحسانِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1).
8 - فِيهِ حِرْصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يَنْفَعُ أُمَّتَهُ، وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِهِمْ، وَيُعْلِي مَرَاتِبَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ(*) بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأمانةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ.
9 - فِيهِ الحرصُ عَلَى مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ والصالحِينَ، الَّذِينَ يَزِيدُونَ الإِنْسَانَ من الْعِلْمِ النافعِ، وَيُقَوُّونَ فِيهِ الإِيمَانَ وَيُقَرِّبُونَهُ منْ رَبِّهِ.
10 - إِذَا ضَعُفَ الإِنْسَانُ عَن العددِ الْكَثِيرِ، أَوْ كَانَ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ عَنْهُ فَيَكُونُ الْقَلِيلُ مِنْ بَابِ الترخيصِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بالرِّفْقِ فِي حَالِ السفرِ والعُذْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
11 - مَا جَاءَ فِي هَذِهِ النصوصِ الصحيحةِ هُوَ الذِّكْرُ المشروعُ، أَمَّا مَا اسْتُحْدِثَ منْ أذكارٍ، وَمَا جُعِلَ لَهُ منْ هَيْئَاتٍ وَصِفَاتٍ، فَهُوَ من البِدَعِ الَّتِي قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(1718)، وَمِنْ ذَلِكَ الاسْتِغْفَارُ جَمَاعَةً بِصَوْتٍ وَاحِدٍ بَعْدَ السَّلامِ، وَقَوْلُهُمْ بَعْدَهُ: (يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، ارْحَمْنَا). وَتَدْوِيرُ أَصَابِعِ اليدِ اليُمْنَى مَبْسُوطَةً عَلَى الرأسِ، وَجَمْعُ رُؤُوسِ أَصَابِعِ اليدَيْنِ، وَجَعْلُهَا عَلَى الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ الصَّلاةِ، وَقِرَاءَةُ ثَلاثِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَالصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصُّبْحِ والمغربِ، ونحوُ ذَلِكَ منْ أذكارٍ لَمْ تَرِدْ بِهَا سُنَّةٌ، فَلا يَجُوزُ، والواجبُ الاقتصارُ عَلَى الواردِ، وعبادةُ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ بِمَا شَرَعَهُ.
12 - يُسْأَلُ اللَّهُ الإعانةَ عَلَى هَذِهِ المطالبِ الثلاثةِ، وَهِيَ ذِكْرُهُ، وشُكْرُهُ، وَحُسْنُ عِبَادَتِهِ، فَهِيَ غَايَاتٌ فِي بُلُوغِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّتِي هِيَ مُرَادُهُ منْ إِيجَادِ خَلْقِهِ، وَهِيَ وَسَائِلُ إِلَى الحصولِ عَلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إِذَا زَادَ الإِنْسَانُ عَلَى العددِ المحدودِ فِي هَذِهِ الأذكارِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا زَادَ عَلَى العددِ المذكورِ لا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ المخصوصُ، لاحتمالِ أَنْ يَكُونَ لتلكَ الأعدادِ حِكْمَةٌ، وَخَاصِيَّةٌ تَفُوتُ لِمُجَاوَزَةِ ذَلِكَ العددِ، وَبَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي (القواعدِ) فَقَالَ: مِنَ البِدَعِ المَكْرُوهَةِ الزيادةُ فِي المَنْدُوبَاتِ المُحَدَّدَةِ شَرْعاً، وَمَثَّلَهُ بَعْضُهُمْ بالدواءِ إِذَا تَخَلَّفَ الانتفاعُ بِهِ.
وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا أَتَى بالمقدارِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الإتيانِ بِهِ حَصَلَ الثَّوَابُ بَعْدَ حصولِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَعَلَيْهِ أَنْ تَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بالنِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الانتهاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الأَمْرِ الواردِ، ثُمَّ أَتَى بالزيادةِ فَلا تَكُونُ الزيادةُ مُزِيلَةً للثوابِ المَخْصُوصِ، وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَيُتَّجَهُ للقَوْلِ الأَوَّلِ.


(*) كذا بالأصل ولكن السياق يقتتضي أن تكون (قد).



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:13 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir