دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 12:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صفة الصلاة (29/38) [صيغ التشهد في الصلاة]


314- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: الْتَفَتَ إلينا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فقالَ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطِّيِّبَاتِ السَّلَامُ، عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللفظُ للبخاريِّ. وللنَّسائيِّ: كُنَّا نَقولُ قبلَ أنْ يُفْرَضَ علينا التَّشَهُّدُ. ولأحمدَ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، وأَمَرَهُ أن يُعَلِّمَهُ الناسَ.
315- ولمسلِمٍ: عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: كَانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُعَلِّمُنا التَّشَهُّدَ: ((التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ...)). إِلَى آخِرِه.


  #2  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 03:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


46/297 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: الْتَفَتَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِن الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ.
وَلِأَحْمَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ.
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْتَفَتَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ). جَمْعُ تَحِيَّةٍ، وَمَعْنَاهَا: الْبَقَاءُ وَالدَّوَامُ، أَو الْعَظَمَةُ ، أَو السَّلاَمَةُ مِن الْآفَاتِ، أَوْ كُلُّ أَنْوَاعِ التَّعْظِيمِ.
(لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ) قِيلَ: الْخَمْسُ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِن الْفَرْضِ ، أو النَّفْلُ، أَو الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا، أَو الدَّعَوَاتُ، أَو الرَّحْمَةُ ، وَقِيلَ: التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ، وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ.
(وَالطَّيِّبَاتُ) أي: مَا طَابَ مِن الْكَلاَمِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ، أو ذِكْرُ اللهِ، أَو الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ، أَو الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَطَيَّبَهَا كَوْنُهَا كَامِلَةً خَالِصَةً عنِ الشَّوَائِبِ.
وَالتَّحِيَّاتُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهَا (لِلَّهِ)، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُهُمَا مَحْذُوفٌ ، وَفِيهِ تَقَادِيرُ أُخَرُ.
(السَّلاَمُ) أي: السَّلاَمُ الَّذِي يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ.
(عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) خَصُّوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلاً بِالسَّلاَمِ عَلَيْهِ؛ لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى التَّسْلِيمِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَتْبَعُوهُ بِالسَّلاَمِ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: (السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ).
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَفُسِّرَ الصَّالِحُ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَدَرَجَاتُهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ.
(أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ) لاَ مُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ بِحَقٍّ غَيْرُهُ، فَهُوَ قَصْرُ إفْرَادٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ.
(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) هَكَذَا هُوَ بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ، وَوَهِمَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ فَسَاقَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ: (وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ) وَنَسَبَهُ إلَى الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَتَبِعَهُ عَلَى وَهْمِهِ صَاحِبُ تَيْسِيرِ الْوُصُولِ، وَتَبِعَهُمَا عَلَى الْوَهْمِ الْجَلاَلُ فِي ضُوءِ النَّهَارِ، وَزَادَ أَنَّهُ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَتَنَبَّهْ.
(ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِن الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ).
قَالَ الْبَزَّارُ: أَصَحُّ حَدِيثٍ عِنْدِي فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ، يُرْوَى عَنْهُ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقاً، وَلاَ نَعْلَمُ رُوِيَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ، وَلاَ أَصَحَّ إسْنَاداً ، وَلاَ أَثْبَتَ رِجَالاً، وَلاَ أَشَدَّ تَضَافُراً بِكَثْرَةِ الْأَسَانِيدِ وَالطُّرُقِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: إنَّمَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ لاَ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، وَغَيْرُهُ قَد اخْتَلَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي التَّشَهُّدِ. وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ التَّشَهُّدِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، اخْتَارَ الْجَمَاهِيرُ مِنْهَا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى وُجُوبِ التَّشَهُّدِ ؛ لِقَوْلِهِ: ((فَلْيَقُلْ)). وَقَدْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِهِ أَئِمَّةٌ مِن الْآلِ، وَغَيْرُهُمْ مِن الْعُلَمَاءِ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ؛ لِعَدَمِ تَعْلِيمِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ الْمُسِيءَ صَلاَتَهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَجِبُ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ أَوْ عِنْدَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ. وَقَدْ سَمِعْتَ أَرْجَحِيَّةَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَد اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ ؛ فَهُوَ الْأَرْجَحُ.
وَقَدْ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ غَيْرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ الْوَارِدَةِ عَن الصَّحَابَةِ، وَزَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَوْلَ: ((وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ)) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، لَكِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ فِي الْمُوَطَّإِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، إلاَّ أَنَّهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: زِدْتُ فِيهِ: ((وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ)) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ .
وَقَوْلُهُ: ((ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِن الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ)) زَادَ أَبُو دَاوُدَ: ((فَيَدْعُوَ بِهِ)).
وَنَحْوُهُ للنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخرَ بِلَفْظِ: ((فَلْيَدْعُ))، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ أَيْضاً ؛ لِلْأَمْرِ بِهِ، وَأَنَّهُ يَدْعُو بِمَا شَاءَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ الْآتِيَةِ طَاوُسٌ؛ فَإِنَّهُ أَمَرَ ابْنَهُ بِالْإِعَادَةِ لِلصَّلاَةِ لَمَّا لَمْ يَتَعَوَّذْ مِن الْأَرْبَعِ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَيَجِبُ أَيْضاً فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَالظَّاهِرُ مَعَ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالنَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ إلَى أَنَّهُ لاَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ إلاَّ بِمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَدْعُو إلاَّ بِمَا كَانَ مَأْثُوراً. وَيَرُدُّ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِن الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ)). وَفِي لَفْظٍ: ((مَا أَحَبَّ)). وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ)).
فَهُوَ إطْلاَقٌ للدَّاعِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا أَرَادَ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ إلاَّ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَعَلَّمَنَا التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاَةِ- أي: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَقُولُ: ((إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِن التَّشَهُّدِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِن الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَك مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً})). الْآيَةَ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ وُجُوبِ التَّشَهُّدِ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (وَلِلنَّسَائِيِّ) أي: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ : (كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ) حَذَفَ الْمُصَنِّفُ تَمَامَهُ، وَهُوَ: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَقُولُوا هَذَا وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ...)). إلَى آخِرِهِ.
فَفِي قَوْلِهِ: يُفْرَضَ عَلَيه، دَلِيلٌ عَلَى الْإِيجَابِ، إلاَّ أَنَّهُ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: تَفَرَّدَ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِذَلِكَ، وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَاهُ.
(وَلِأَحْمَدَ) أي: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ أَيْضاً: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. وَذَكَرَهُ. إلَخْ.


47/298 - وَلِمُسْلِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: ((التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ...)) إلَى آخِرِهِ.
(وَلِمُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ. إلَخْ).
تَمَامُهُ: ((السَّلاَمُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ)). هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ السَّلاَمَ مُنَكَّراً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ قَالَ: ((وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)) .
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِتَنْكِيرِ السَّلاَمِ أَيْضاً وَقَالاَ فِيهِ: ((وَأَنَّ مُحَمَّداً)) وَلَمْ يُذْكَرْ ((أَشْهَدُ)) ، وَفِيهِ زِيَادَةُ الْمُبَارَكَاتِ، وَحَذْفُ الْوَاوِ مِن الصَّلَوَاتِ وَمِن الطَّيِّبَاتِ.
وَقَد اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ صِرْتَ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّشَهُّدِ؟ قَالَ: لَمَّا رَأَيْتُهُ وَاسِعاً، وَسَمِعْتُه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحاً، كَانَ عِنْدِي أَجْمَعَ، وَأَكْثَرَ لَفْظاً مِنْ غَيْرِهِ، فَأَخَذْتُ بِهِ غَيْرَ مُعَنِّفٍ لِمَنْ أَخَذَ بِغَيْرِهِ مِمَّا صَحَّ.


  #3  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 03:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


250 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللَّفْظُ للبُخَارِيِّ.
وللنَّسَائِيِّ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ....
ولأحمدَ: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ.
وَلِمُسْلِمٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ... إِلَى آخرِهِ.
* مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- التَّحِيَّاتُ للهِ: جَمْعُ (تَحِيَّةٍ)، جُمِعَتْ؛ لِتَشْمَلَ مَعَانِيَ التَّعْظِيمِ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَفِيهَا الثَّنَاءُ المُطْلَقُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْوَاعُ التَّعْظِيمِ لَهُ جَلَّ وَعَلا.
- وَالتَّحِيَّاتُ: مُبْتَدَأٌ، وَلَفْظُ الجلالةِ (لِلَّهِ) خَبَرُهُ.
- الصَّلَوَاتُ: هِيَ جنسُ الصَّلاةِ، وَأَوَّلُ مَا يَدْخُلُ فِيهَا الصلواتُ المكتوباتُ الخمسُ.
- الطَّيِّبَاتُ: تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، فَجَمِيعُ الأَقْوَالِ، والأفعالِ، والأوصافِ الطَّيِّبَةِ هِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
- السلامُ: قَالَ النَّوَوِيُّ: يَجُوزُ فِي (السَّلامُ) فِي المَوْضِعَيْنِ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا، والإثباتُ أَفْضَلُ، وَهُوَ الموجودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ.
والأصلُ: سَلَّمْتُ عَلَيْكَ، ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ، وأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مُقَامَهُ، وَعُدِلَ عَن النَّصْبِ إِلَى الرفعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ؛ للدلالةِ عَلَى ثبوتِ الْمَعْنَى.
أَمَّا التعريفُ فِي المَوْضِعَيْنِ فَهُوَ إِمَّا للتعريفِ التقديريِّ الْمُوَجَّهِ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّابِقِينَ عَلَيْنَا، وَعَلَى إِخْوَانِنَا، وَإِمَّا لِلْجِنْسِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ حَقِيقَةَ السَّلامِ الْمَعْرُوفِ هُوَ عَلَيْكَ.
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ؛ أي: السَّلامُ مِنَ النقصِ، والعيبِ، وأيِّ آفةٍ أَوْ فَسَادٍ، فَهُوَ دُعَاءٌ مِنَ المُصَلِّي لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: السَّلامُ اسْمٌ منْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي: السالمَ مِنَ النَّقَائِصِ، والسالمَ مِنَ المَكَارِهِ، والآفاتِ، والعيوبِ، وغيرِهَا، فَمَبْدَأُ السَّلامِ مِنْهُ تَعَالَى.
- عليكَ: لَمْ يَقْصِدْ بهذهِ الْكَافِ المُخَاطَبَ الحاضِرَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهَا مُجَرَّدَ السَّلامِ، سَوَاءٌ كَانَ حَاضِراً أَوْ غَائِباً، بَعِيداً أَوْ قَرِيباً، حَيًّا أَوْ مَيِّتاً؛ ولذا فَإِنَّهَا تُقَالُ سِرًّا، وَإِنَّمَا اخْتُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْخِطَابِ؛ لِقُوَّةِ اسْتِحْضَارِ المَرْءِ هَذَا السَّلامَ، الَّذِي كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِراً، وَاخْتُصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكافِ الْخِطَابِ بالصلاةِ، وَكُلُّ هَذَا منْ عُلُوِّ شَأْنِهِ، وَمِنْ رَفْعِ ذِكْرِهِ وَاسْمِهِ.
- النَّبِيُّ: إِمَّا مُشْتَقٌّ مِنَ (الإِنْبَاءِ)، وَهُوَ الإِخْبَارُ، وَإِمَّا مِنَ (النَّبْوَةِ)، وَهِيَ الرِّفعةُ، وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنَى – مُفْعِلٍ – اسْمُ فَاعِلٍ، فَهُوَ مُنْبِئٌ عَن اللَّهِ، وَإِمَّا بِمَعْنَى (مُفْعَلٍ) اسْمُ مَفْعُولٍ، فَهُوَ مُنْبَأٌ مِنَ اللَّهِ، وَكِلا المَعْنَيَيْنِ صَالِحٌ.
- رَحْمَةُ اللهِ: صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، تَلِيقُ بِجَلالِهِ، بِهَا يَرْحَمُ عِبَادَهُ، ويُنْعِمُ عَلَيْهِمْ.
- وَبَرَكَاتُهُ: جَمْعُ (بَرَكَةٍ)، وَهُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ منْ كُلِّ شَيْءٍ قَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ} [الأنبياء: 50].تَنْبِيهاً عَلَى مَا تُفِيضُ عَنْهُ الخَيْرَاتُ الإِلَهِيَّةُ.
- السَّلامُ عَلَيْنَا: أَرَادَ بهِ: الْحَاضِرِينَ من الإمامِ، والمَأْمُومِينَ، وَالملائكةِ.
- أَشْهَدُ... إلخ؛ أيْ: أَقْطَعُ بالإخبارِ، فالشهادةُ هِيَ الْعِلْمُ القاطعُ.
قَالَ الراغبُ: الشهادةُ قولٌ صَادِرٌ عَنْ علمٍ حَصَلَ بمشاهدةِ بَصِيرةٍ أَوْ بَصَرٍ.
- الرسولُ: أَصْلُ الإرسالِ: الابْتِعَاثُ، ومنهُ: الرَّسُولُ المُبْتَعَثُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ والجَمْعِ، وجَمْعُ الرَّسُولِ رُسُلٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ مِنَ البَشَرِ: رَجُلٌ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَأُمِرَ بالتَّبْلِيغِ، والرسولُ: لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ مَنْ أَرْسَلَهُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} [غافر]. وجهةُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر: 83].
- محمداً: قَالَ علماءُ اللغةِ: مُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ اسْمُ مَفْعُولٍ، مِنَ: (حَمَّدَ) بِالتَّشْدِيدِ؛ لِخِصَالِهِ الحَمِيدَةِ.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: و(بذلكَ سُمِّيَ نَبِيُّنَا: مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بكثرةِ خِصَالِهِ المحمودةِ).
وللنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ، هِيَ أَسْمَاءٌ مِنْ حَيْثُ دَلالَتُهَا عَلَى الذَّاتِ، وَأَوْصَافٌ مِنْ حَيْثُ دَلالَتُهَا عَلَى الْمَعْنَى.
وَلا شُبْهَةَ للنَّصَارَى فِي أَنَّ اسْمَهُ فِي الإِنْجِيلِ: ( أَحْمَدُ )، فَأَحْمَدُ اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَمُحَمَّدٌ اسْمُ مَفْعُولٍ، فَهُوَ أَحْمَدُ النَّاسِ لِرَبِّهِ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ لِخِصَالِ الْخَيْرِ فِيهِ، وَهُمَا مُتَصَرِّفَانِ منْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ.
- أَيُّهَا النَّبِيُّ: فِيهِ عدولٌ عَن الغيبةِ إِلَى الْخِطَابِ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الغيبةِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ بِهِمَا، عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا هَذَا الْخَيْرَ إِلاَّ بِوَاسِطَتِهِ، فَوَجَّهُوا إِلَيْهِ الْخِطَابَ تَصْرِيحاً، لا عُمُوماً فَقَطْ، وعُدِلَ عَن الرِّسَالَةِ إِلَى النُّبُوَّةِ ـ مَعَ أَنَّ الرِّسَالَةَ أَفْضَلُ ـ لِيُجْمَعَ لَهُ الوَصْفَانِ.
- الصَّالِحِينَ: هُم القَائِمُونَ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ خَلْقِهِ، وَدَرَجَاتُهُم مُتَفَاوِتَةٌ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - هَذَا الذِّكْرُ يُسَمَّى (التَّشَهُّدَ)، مَأْخُوذٌ منْ لَفْظِ الشَّهَادَتَيْنِ فِيهِ، فَهُمَا أَهَمُّ مَا فِيهِ.
2 - يُقَالُ هَذَا التَّشَهُّدُ فِي الصَّلاةِ الثنائِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَمَّا الصَّلاةُ الثلاثِيَّةُ والرباعيَّةُ فَفِيهَا تَشَهُّدَانِ:
الأوَّلُ: بَعْدَ الركعةِ الثَّانِيَةِ.
والأخيرُ: الَّذِي يَعْقُبُهُ السَّلامُ، وَسَيَأْتِي قَرِيباً.
3 - التَّشَهُّدُ الأوَّلُ وَاجِبٌ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ والحنابلةِ، مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الخلافِ فِيهِ.
4 - التَّشَهُّدُ وَرَدَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ.
قَالَ شَيْخُ الإسلامِ: كُلُّهَا سَائِغَةٌ باتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَصْلُ الإمامِ أَحْمَدَ اسْتِحْسَانُ كُلِّ مَا يَثْبُتُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعَ هَذَا فَقَدْ قَالَ العلماءُ: أَثْبَتُهَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ الْوَارِدُ فِي هَذَا الْبَابِ.
5 - قَالَ البَزَّارُ: (أَصَحُّ حَدِيثٍ عِنْدِي فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، يُرْوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقاً، وَلا يُعْلَمُ فِيمَا رُوِيَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَلا أَصَحُّ إِسْنَاداً، وَلا أَثْبَتُ رِجَالاً، وَلا أَشَدُّ تَضَافُراً بِكَثْرَةِ الأسانيدِ وَالطُّرُقِ).
وَقَالَ مُسْلِمٌ: (إِنَّمَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لأَنَّ أَصْحَابَهُ لا يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بعضاً، وَغَيْرُهُ قَد اخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِهِ).
وَقَالَ الذُّهْلِيُّ: (هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي التَّشَهُّدِ).
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: (الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ من الصحابةِ والتَّابِعِينَ.)
وَقَالَ مُسْلِمٌ: (اتَّفَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ).
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: (تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَفْضَلُ، لَهُ مُرَجِّحَاتٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا الاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَوَاتُرِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ التَّشَهُّدَاتِ وَأَشْهَرُهَا، ولأمرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ، وَكَوْنِهِ مَحْفُوظَ الألفاظِ).
6 - شَرَحَ ألفاظَ التَّشَهُّدِ بِأَوْسَعَ منْ شَرْحِهِ فِي المفرداتِ، لأَجْلِ أَنْ يُلاحِظَ المُصَلِّي مَعَانِيَهُ.
التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ: جَمْعُ (تَحِيَّةٍ)، والتحيَّةُ هِيَ: التَّعْظِيمُ فَهِيَ تَعْظِيمَاتٌ مُسْتَحَقَّةٌ وَمَمْلُوكَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَهِيَ تَشْمَلُ كُلَّ التَّحَايَا الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُسْلِمُونَ المُصَلُّونَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الجلسةِ الخاشعةِ.
الصَّلَوَاتُ: هِيَ الصلواتُ الفَرَائِضُ والنَّوَافِلُ، وَسَائِرُ العباداتِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ، كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ المُسْتَحِقُّ لَهَا، المَعْبُودُ بِهَا، وَلا تَلِيقُ لأَحَدٍ سِوَاهُ.
الطَّيِّبَاتُ: هِيَ جَمِيعُ الأَعْمَالِ والأقوالِ الصَّالِحَةِ، فَهِيَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَجَمِيعُ مَا صَدَرَ مِنْهُ تَعَالَى منْ فِعْلٍ وَقَوْلٍ فَهُوَ طَيِّبٌ، وَجَمِيعُ مَا صَدَرَ منْ خَلْقِهِ منْ أفعالٍ وأقوالٍ طَيِّبَةٌ، فَهُوَ المُسْتَحِقُّ لَهَا، فَإِنَّهُ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً، وَلا يَكُونُ الْعَمَلُ وَالْقَوْلُ طَيِّباً حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ.
الإخلاصُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمُتَابَعَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
السَّلامُ: اسْمٌ منْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنَى، فَهُوَ السالمُ من النقائصِ والعيوبِ، الْمُسَلِِّمُ خَلْقَهُ، مِنَ الْمَصَائِبِ، والآفاتِ، فَهَذَا الاسْمُ الكريمُ الْجَامِعُ للخَيْرَاتِ، يَكُونُ (عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ)، فَهُوَ دعاءٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسلامِ منْ كُلِّ نَقْصٍ وَآفَةٍ، وَخُوطِبَ بالنُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ مَأْخُوذَةٌ إِمَّا منْ إخبارِهِ وَإِنْبَائِهِ عَن اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ منْ رِفْعَتِهِ وَمَقَامِهِ، وَهُمَا مُتَلازِمَانِ.
وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاتُهُ: جَمْعُ (بَرَكَةٍ)، وَهِيَ الزيادةُ وَالنَّمَاءُ، لِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَحَبَاهُ إِيَّاهُ، وَخُصَّ بِذَلِكَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
والبركةُ: كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ، وَسَعَةُ الإحسانِ والإفضالِ، وَاسْتِمْرَارُ ذَلِكَ وَثُبُوتُهُ لِعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهِمْ، فَأَعْظَمُ خَيْرٍ وَصَلَ إِلَيْهِمْ منْ رَبِّهِمْ كَانَ بِوَاسِطَةِ دَعْوَتِهِ المُبَارَكَةِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ.
السَّلامُ عَلَيْنَا: نَحْنُ الْمُصَلِّينَ، وَالْمَلائِكَةَ.
عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ: هُمْ مَنْ صَلُحَ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ، وَهُم الْقَائِمُونَ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ منْ حُقُوقِهِ، وَحُقُوقِ عِبَادِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلْقُ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَكُنْ عَبْداً صَالِحاً، وَإِلاَّ حُرِمَ هَذَا الفضلَ الْعَظِيمَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: ((فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)). رَوَاهُ (الْبُخَارِيُّ) (831) وَ(مُسْلِمٌ) (402).
فَعَلَى المُصَلِّي أَنْ يُلاحِظَ هَذَا الْمَعْنَى الْعَامَّ.
أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ: أَيْ: أَجْزِمُ وَأَقْطَعُ أَنْ لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللَّهُ، فالشهادةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ، وَالقَطْعُ منْ فِعْلِ الْقَلْبِ، وَاللسانُ مُخْبِرٌ بِذَلِكَ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ هِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَهِيَ كَلِمَةُ التَّقْوَى والصراطِ المستقيمِ، وَالْمُرَادُ مَعْرِفَتُهَا والعَمَلُ بِهَا، لا مُجَرَّدُ نُطْقِهَا.
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: بِصِدْقٍ وَيَقِينٍ وَمَحَبَّةٍ وَمُتَابَعَةٍ، فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَخِيرَتُهُ منْ خَلْقِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَسَيَأْتِي عَنْ هَذِهِ الشهادةِ كَلِمَةٌ أَوْسَعُ منْ هَذَا.
عبدُهُ وَرَسُولُهُ: فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ تَعَالَى، أَكْمَلُ الْخَلْقِ عِبَادَةً لِرَبِّهِ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ.
وَكَلِمَتَا (عَبْدٌ، وَرَسُولٌ) فِيهِمَا الرَّدُّ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ضَالَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: طَائِفَةُ الْغُلاةِ مِمَّنْ أَعْطَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً منْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَبَعْضُهُمْ أَعْطَاهُ حَقًّا من الرُّبُوبِيَّةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الكونِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلا يَقُولُ: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ}. [النَّمْل: 65] وَأَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَتْلُوَ عَلَى النَّاسِ قَوْلَهُ: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ}. [الأَعْرَاف: 188] وَجَعَلُوا لَهُ قُدْرَةً عَلَى الضرِّ والنفعِ، وَاللَّهُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُبَلِّغَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً}. [الجن: 21]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الجن: 22].
الطائفةُ الثَّانِيَةُ: مَلاحِدَةٌ، كَذَّبُوهُ فِي بَعْضِ مَا أَتَى بِهِ، وَكَذَّبَتْ رَسُولَنَا الْيَهُودُ، بِأَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي يَأْتِي فِي آخِرِ الزمانِ المذكورِ فِي التوارةِ، لا يَأْتِي إِلاَّ بَعْدَ عِيسَى، وَعِيسَى حَتَّى الآنَ لَمْ يَأْتِ فَهُمْ كَذَّبُوا عِيسَى وَمُحَمَّداً عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
وَالنَّصَارَى: كَذَّبُوا رَسُولَنَا، وَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى لَمْ يَأْتِ.
وَفِي هَذِهِ العصورِ الأَخِيرَةِ ظَهَرَتْ طَوَائِفُ تَكِيدُ لرسالةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكِيدُ للإسلامِ بالطعنِ فِيهِ، مِنْهَا (المَاسُونِيَّةُ) الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّداً نَبِيٌّ مَزْعُومٌ، وَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِجَدِيدٍ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ فَرْعٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَخَذَ منْ أَحْكَامِهَا وَتَعَالِيمِهَا.
وَ (الْمَاسُونِيَّةُ) مَذْهَبٌ خَبِيثٌ مَاكِرٌ، لَهُ أَسَالِيبُ فِي الدَّهَاءِ وَالْخِدَاعِ وَالْمَكْرِ ـ يُضِلُّ بِهَا بُسَطَاءَ الْعُقُولِ.
وَمِنْ ذَلِكَ النِّحْلَةِ الكاذبةِ المُنْحَرِفَةِ (الْقَادْيَانِيَّةُ) وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهَا مِنَ (الْبَابِيَّةِ) وَ (الْبَهَائِيَّةِ) فَكُلُّ نِحْلَةٍ منْ هَذِهِ النِّحَلِ تَدَّعِي أَنَّهَا طَائِفَةٌ إسلاميَّةٌ، وَأَنَّ الرِّسَالَةَ لَمْ تُخْتَمْ بِمُحَمَّدٍ، وَأَنَّ زَعِيمَهَا المُسَمَّى (غُلامَ أَحْمَدَ الْقَادْيَانِيَّ) نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْهِ.
وَالقصدُ أَنَّ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ الطَّيِّبَتَيْنِ (عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ) هُمَا رَدٌّ وَإِنْكَارٌ لِمِثْلِ هَذِهِ الطوائفِ من الغُلاةِ والجُفَاةِ، وَأَنَّهُمَا نُورٌ وَسَعَادَةٌ لِمَنْ دَانَ بِهِمَا عَقِيدةً، وَسُلُوكاً وَقَوْلاً وَعَمَلاً.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ، وَأَنْ يُثَبِّتَ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِهِ، وَأَلاَّ يُزِيغَ قُلُوبَنَا عَنِ الْحَقِّ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
7 - قَوْلُهُ: ((ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو)).
لا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ هُوَ الدُّعَاءُ فِي الصَّلاةِ، بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلامِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ، بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وتَمْجِيدِهِ، فِي التَّشَهُّدِ، وَبَعْدَ الصَّلاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَالِ مُنَاجَاةِ المُصَلِّي رَبَّهُ قَبْلَ انْصِرَافِهِ عَنْهُ، فَالدُّعَاءُ المَشْرُوعُ يَكُونُ فِي سجودِهِ، وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ السَّلامِ مِنْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَوَاطِنُهُ فِيهَا، فالمشروعُ بَعْدَ السَّلامِ هُوَ الذِّكْرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النِّسَاء: 103].
أَمَّا رَفْعُ اليَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلاةِ النافلةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الفريضةِ أَوْ بَعْدَهَا ـ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ، فَإِنْ فُعِلَ أَحْيَاناً فَلا بَأْسَ، أَمَّا أَنْ يُتَّخَذَ عِبَادَةً رَاتِبَةً فَلا يَنْبَغِي؛ لأَنَّ الواجبَ فِي العباداتِ كُلِّهَا الاتِّبَاعُ، وألاَّ يَتَعَبَّدَ الإِنْسَانُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَقَد اعْتَادَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ هَذَا الْفِعْلَ، فَكُلَّمَا سَلَّمُوا منْ نافلةٍ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ، فَبَعْضُهُمْ لا يَدْعُو، وَإِنَّمَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ.
وَمَسْحُ الْوَجْهِ باليَدَيْنِ بَعْدَ الدُّعَاءِ فِيهِ حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ، لا تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
خِلافُ الْعُلَمَاءِ:
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، والجلوسِ لَهُ فِي الصَّلاةِ ذَاتِ التَّشَهُّدَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِمَا.
فَذَهَبَ الإمامُ أَحْمَدُ، واللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، والشَّافِعِيُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إِلَى وُجُوبِهِمَا مُسْتَدِلِّينَ بالأحاديثِ الواردةِ فِي التَّشَهُّدِ وَالأَمْرِ بِهِ، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِتَشَهُّدٍ آخَرَ، ولأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (208) وَلأَنَّهُ قَالَ لابْنِ مَسْعُودٍ: ((فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ... إلخ)).
وَالأَصْلُ فِي الأَمْرِ الوجوبُ.
وَذَهَبَ الحنفيَّةُ إِلَى: أَنَّ القعودَ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ لِلتَّشَهُّدِ وَاجِبٌ، وَيَجِبُ بِتَرْكِهِ سُجُودُ السَّهْوِ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ والشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُمَا إِلَى: اسْتِحْبَابِهِ دُونَ وُجُوبِهِ.
وَدَلِيلُهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُمَا سَهْواً، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى الصَّحَابَةِ حِينَ تَابَعُوهُ عَلَى تَرْكِهَا.
والجوابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ الرجوعَ إِلَيْهِمَا إِنَّمَا يَجِبُ إِذَا ذَكَرَ المُصَلِّي تَرْكَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ قَائِماً، فَلا يَجْلِسُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ (1036) عَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِماً، فَلا يَجْلِسْ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ)).
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِي سندِهِ (جَابِرٌ الجُعْفِيُّ) وَهُوَ شِيعِيٌّ، إِلاَّ أَنَّ الْحَدِيثَ لا يَمُتُّ إِلَى التَّشَيُّعِ بِشَيْءٍ.
وَعَلَى ضَعْفِهِ بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَرْوِ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ إِلاَّ هَذِهِ المَرَّةَ، فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ الأَدِلَّةَ الأُخَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir