دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صفة الصلاة (7/38) [وجوب قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد والنهي عن القراءة خلف الإمام]


279- وعن عُبادَةَ بنِ الصامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وفي روايَةٍ لابْنِ حِبَّانَ والدارَقُطْنِيِّ: لا تَجْزِي صَلَاةٌ لا يُقْرَأُ فِيهَا بفَاتِحَةِ الكتابِ. وفي أُخْرَى لأحمدَ وأبي دَاوُدَ والتِّرْمِذِيِّ وابنِ حِبَّانَ: ((لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟)). قلنا: نعم. قالَ: ((لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا)).


  #2  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 01:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


13/264 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ: ((لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).
- وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ حِبَّانَ: ((لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟)) قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: ((لاَ تَفْعَلُوا إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا)).
(وَعَنْ عُبَادَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَ الْأَلْفِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ. وَهُوَ أَبُو الْوَلِيدِ عُبَادَةُ بْنِ الصَّامِتِ بْنِ قَيْسٍ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ، كَانَ مِنْ نُقَبَاءِ الْأَنْصَارِ، وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ، وَشَهِدَ بَدْراً وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وَجَّهَهُ عُمَرُ إلَى الشَّامِ قَاضِياً وَمُعَلِّماً، فَأَقَامَ بِحِمْصَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى فِلَسْطِينَ وَمَاتَ بِهَا فِي الرَّمْلَةِ ، وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِينَ، وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
هُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَفْيِ الصَّلاَةِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا الْمُصَلِّي بِالْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلاَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ، وَالْمُرَكَّبُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَبِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ، وَلاَ حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ صِدْقِ نَفْيِ الذَّاتِ، إلاَّ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُهُ: (وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ). فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْإِجْزَاءِ، وَهُوَ كَالنَّفْيِ لِلذَّاتِ فِي الْمَآلِ ؛ لِأَنَّ مَا لاَ يُجْزِئُ فَلَيْسَ بِصَلاَةٍ شَرْعِيَّةٍ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَلاَ يَدُلُّ عَلَى إيجَابِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، بَلْ فِي الصَّلاَةِ جُمْلَةً.
وَفِيهِ احْتِمَالُ أَنَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُسَمَّى صَلاَةً، وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلاَتَهُ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ تُسَمَّى صَلاَةً؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ مَا يَفْعَلُهُ فِي رَكْعَةٍ: ((وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِك كُلِّهَا)). فَدَلَّ عَلَى إيجَابِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.
وَإِلَى وُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَآخَرِينَ: أَنَّهَا لاَ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، بَلْ فِي جُمْلَةِ الصَّلاَةِ.
وَالدَّلِيلُ ظَاهِرٌ مَعَ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ بَعْدَ تَعْلِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له مَا ذَكَرَهُ مِن الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاطْمِئْنَانِ إلَى آخِرِهِ، أَنَّهُ قَالَ الرَّاوِي: فَوَصَفَ- أي: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلاَةَ هَكَذَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ قَالَ: ((لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ)).
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: يَفْعَلُ ذَلِكَ. أي: كُلَّ مَا ذَكَرَهُ مِن الْقِرَاءَةِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِقَوْلِهِ: فَوَصَفَ الصَّلاَةَ هَكَذَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
والثَّانِي: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقِرَاءَةِ مِنْ صِفَاتِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالِاعْتِدَالِ، وَنَحْوِهِ، مَأْمُورٌ بِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا يُفِيدُهُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَالْمُخَالِفُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لاَ يَقُولُ: إنَّهُ يَكْفِي الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالِاطْمِئْنَانُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلاَتِهِ، أَوْ يُفَرِّقُهَا فِي رَكَعَاتِهَا.
فَكَيْفَ يَقُولُ: إنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ تَنْفَرِدُ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ بِأَنَّهَا لاَ تَجِبُ إلاَّ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ؟ وَهَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ أَجْزَاءِ الدَّلِيلِ بِلاَ دَلِيلٍ. فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: ((ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِك كُلِّهَا)) فِي رَكَعَاتِهَا.
ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ كَتْبِ هذا أَنَّهُ أَخْرَجَ أحمدُ والْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَلاَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَهُوَ الْمُسِيءُ صَلاَتَهُ: ((ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ)). وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).
ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا فِي سِرِّيَّةٍ وَجَهْرِيَّةٍ، لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُؤْتَمِّ؛ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُؤْتَمُّ فَدُخُولُهُ فِي ذَلِكَ وَاضِحٌ، وَزَادَه إيضَاحاً فِي قَوْلِهِ: (وَفِي أُخْرَى) مِنْ رِوَايَةِ عُبَادَةَ (لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: لاَ تَفْعَلُوا إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا). فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَخْصِيصاً، كَمَا دَلَّ اللَّفْظُ الَّذِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِعُمُومِهِ.
وَهُوَ أَيْضاً ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ الصَّلاَةِ الْجَهْرِيَّةِ وَالسِّرِّيَّةِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْضاً، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ.
وَذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّه لاَ يَقْرَؤُهَا الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ إمَامِهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ، وَيَقْرَؤُهَا فِي السِّرِّيَّةِ، وَحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ فِي الْجَهْرِيَّةِ.
وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَقْرَؤُهَا الْمَأْمُومُ فِي سِرِّيَّةٍ وَلاَ جَهْرِيَّةٍ. وَحَدِيثُ عُبَادَةَ حُجَّةٌ عَلَى الْجَمِيعِ. وَاسْتِدْلاَلُهُمْ بِحَدِيثِ: ((مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ)) مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفاً، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّهُ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ. انْتَهَى.
وفي المُنْتَقَى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا ضِعَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لاَ يَتِمُّ بِهِ الِاسْتِدْلاَلُ لِأَنَّهُ عَامٌّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ يَعُمُّ كُلَّ مَا يَقْرَؤُهُ الْإِمَامُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}. وَحَدِيثُ: ((إذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))؛ فَإِنَّ هَذِهِ عُمُومَاتٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ خَاصٌّ بِالْفَاتِحَةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامَّةُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا خَلْفَ الْإِمَامِ؛ فَقِيلَ: فِي مَحَلِّ سَكَتَاتِهِ بَيْنَ الْآيَاتِ، وَقِيلَ: في سُكُوتِه بَعْدَ تَمَامِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ، بَلْ حَدِيثُ عُبَادَةَ دَالٌّ أَنَّهَا تُقْرَأُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ الْفَاتِحَةَ.
وَيَزِيدُهُ إيضَاحاً مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ: أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَجَعَلَ عُبَادَةُ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِن الصَّلاَةِ قَالَ لِعُبَادَةَ بَعْضُ مَنْ سَمِعَهُ يَقْرَأُ: سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ؟ قَالَ: أَجَلْ، صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ. قَالَ: فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: ((هَلْ تَقْرَؤُونَ إذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ؟)) فَقَالَ بَعْضُنَا: نَعَم، إنَّا نَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ: ((فَلاَ، وَأَنَا أَقُولُ: مَالِي يُنَازِعُنِي الْقُرْآنُ؟! فَلاَ تَقْرَؤُوا بِشَيْءٍ إذَا جَهَرْتُ إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)).
فَهَذَا عُبَادَةُ رَاوِي الْحَدِيثِ قَرَأَ بِهَا جَهْراً خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلاَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُقْرَأُ بِهَا خَلْفَ الْإِمَامِ جَهْراً، وَإِنْ نَازَعَهُ.
وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ صَلَّى صَلاَةً لاَ يَقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ، فَهِيَ خِدَاجٌ، فَهِيَ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ)). قَالَ لَهُ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إنِّي أَكُونُ أَحْيَاناً وَرَاءَ الْإِمَامِ. فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ. الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا. ثُمَّ قَالَ مَكْحُولٌ: اقْرَأْ بِهَا فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَكَتَ سِرًّا، فَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ قَرَأْتهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ، لاَ تَتْرُكْهَا عَلَى حَالٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ.
وَفِي لَفْظٍ: إلاَّ بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ.
إلاَّ أَنَّهُ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ: وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ.
ولابنِ خُزَيْمَةَ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لم يَقْرَأْ فيهما إلا بفاتحةِ الكتابِ. يُحْمَلُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ؛ جَمْعاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عُبَادَةَ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ إلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ.


  #3  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 01:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


220 - وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لابْنِ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ: ((لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).
وَفِي أُخْرَى لأحمدَ وَأَبِي دَاوُدَ والتِّرْمِذِيِّ وابنِ حِبَّانَ: ((لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟)) قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: ((لا تَفْعَلُوا إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا)).

· دَرَجَةُ الحديثِ:

الْحَدِيثُ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فَقَدْ أَخْرَجَهَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْقَطَّانِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أحمدَ فَقَالَ الحافظُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، والبُخَارِيُّ فِي جزءِ الْقِرَاءَةِ، وصَحَّحَهُ.
قُلْتُ: وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ عَنْ رِوَايَةِ الصحيحَيْنِ: وهذا أَصَحُّ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ منْ طَرِيقِ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ رَجُلٍ منْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الحافظُ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
· مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- بِأُمِّ الْقُرْآنِ: الْفِعْلُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا عُدِّيَ بِحَرْفِ الْجَرِّ عَلَى مَعْنَى: لَمْ يَبْدَأِ الْقِرَاءَةَ إِلاَّ بِهَا.
- لا صَلاةَ: (لا) تَأْتِي بِعِدَّةِ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً لِلْجِنْسِ، كَمَا هِيَ هُنَا.
- قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: صِيغَةُ النَّفْيِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ فِي ألفاظِ الشارعِ، فَالأَوْلَى حَمْلُهَا عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ((لا صَلاةَ)) نَفْياً للصلاةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لأَنَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ الجِنْسِيِّ - وَهُوَ غَيْرُ مُنْتَفٍ - احْتَجْنَا إِلَى إِضْمَارٍ؛ لِتَصْحِيحِ اللَّفْظِ، فَحِينَئِذٍ يُضْمِرُ بَعْضُهُمُ الصِّحَّةَ، وَبَعْضُهُمُ الْكَمَالَ.
- أُمُّ الْقُرْآنِ: قَالَ البُخَارِيُّ: سُمِّيَتْ أُمَّ الكِتَابِ؛ لأَنَّهُ يُبْتَدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي المصاحفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلاةِ. وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: لأَنَّهَا مُتْضَمِّنَةٌ لجميعِ علومِ الْقُرْآنِ.
- فَاتِحَةُ الْكِتَابِ: قَالَ القُرْطُبِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لأنَّهُ لا تُفْتَحُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إِلاَّ بِهَا لَفْظاً، وَتُفْتَحُ بِهَا الكتابةُ فِي الْمُصْحَفِ خَطًّا، وَتُفْتَحُ بِهَا الصَّلَوَاتُ.
· مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- أُمُّ الْقُرْآنِ، وفاتحةُ الْكِتَابِ منْ أَسْمَاءِ سُورَةِ{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فَهِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ؛ لرجوعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ، وَهِيَ فاتحةُ الْكِتَابِ؛ لأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا الْقُرْآنُ، ولأنَّ الصحابةَ افْتَتَحُوا كِتَابَةَ الْمُصْحَفِ الأُمِّ بِهَا.
وَلَهَا عِدَّةُ أَسْمَاءٍ، كُلُّهَا تُشِيرُ إِلَى فَضْلِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا، فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (4474) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي)).
2- يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الفاتحةِ فِي الصَّلاةِ، وَأَنَّهَا رُكْنٌ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا، والصحيحُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي كُلِّ ركعةٍ؛ لحديثِ المُسِيءِ فِي صلاتِهِ، ((ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (724)، ومسلمٌ (397).
3- لا صَلاةَ: ( لا ) النافيةُ تَكُونُ لِنَفْيِ الذَّاتِ، وَهُوَ مَعْنَاهَا الحقيقيُّ، وَلا تَكُونُ لِنَفْيِ الصفاتِ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ نَفْيُ الذَّاتِ، وَنَفْيُ الذَّاتِ لَيْسَ هُنَا بِمُتَعَذِّرٍ؛ لأَنَّ الصَّلاةَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنَ الأَقْوَالِ والأفعالِ، مُنْتَفٍ بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قولُهُ: ((لا تُجْزِئُ صَلاةٌ لا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).
4 - قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي تَفْسِيرِهِ القَيِّمِ: اشْتَمَلَتِ الْفَاتِحَةُ عَلَى أُمَّهَاتِ المَطَالِبِ الْعَالِيَةِ أَتَمَّ اشْتِمَالٍ، وَتَضَمَّنَتْهَا أَكْمَلَ تَضَمُّنٍ، فَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّعْرِيفِ بالمعبودِ تَبَارَكَ وتَعَالَى بِثلاثةِ أَسْمَاءٍ، هِيَ مَرْجِعُ الأسماءِ الحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى، وَهِيَ: اللهُ، الرَّبُّ، الرحمنُ، وَبُنِيَت الصورةُ عَلَى الإِلَهِيَّةِ في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.وَعَلَى الرُّبُوبِيَّةِ في: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وَطَلَبِ الْهِدَايَةِ، وَتَضَمَّنَتِ التصديقَ بالرسالةِ، وَإِثْبَاتَ المعادِ في: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.وَتَضَمَنَّتْ إِثْبَاتَ النُّبُوَّاتِ منْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأَمَّا الصراطُ المستقيمُ فَهُوَ الطَّرِيقُ الواضحُ الَّذِي لا اعْوِجَاجَ فِيهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قيلَ: هُوَ كِتَابُ اللَّهِ. وقيلَ: الْحَقُّ. وقيلَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ متلازمةٌ، وَحَاصِلُهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ المتابعةُ للرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ فَازَ بِمَعَانِيهَا فَقَدْ فَازَ منْ كَمَالِهِ بِأَوْفَرِ نَصِيبٍ.
5 - قَالَ شَيْخُ الإسلامِ: والعبدُ مُضْطَرٌّ دَائِماً إِلَى أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ المستقيمَ، فَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَى مقصودِ هَذَا الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّهُ لا نَجَاةَ من الْعَذَابِ، وَلا وُصُولَ إِلَى السَّعَادَةِ إِلاَّ بهذهِ الهدايةِ، فَمَنْ فَاتَتْهُ فَهُوَ إِمَّا من المغضوبِ عَلَيْهِمْ، وَإِمَّا مِن الضَّالِّينَ.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَلَمَّا كَانَ سؤالُ الهدايةِ إِلَى الصِّرَاطِ المستقيمِ أَجَلَّ المطالبِ، وَنَيْلُهُ أَشْرَفَ الْمَوَاهِبِ عَلَّمَ اللَّهُ عِبَادَهُ كَيْفِيَّةَ سُؤَالِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْهِ حَمْدَهُ، وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ، وَتَمْجِيدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عُبُودِيَّتَهُمْ وَتَوْحِيدَهُمْ، فَهَاتَانِ وَسِيلَتَانِ إِلَى مَطْلُوبِهِمْ، لا يَكَادُ يُرَدُّ مَعَهُمَا الدُّعَاءُ.
· خِلافُ العلماءِ:
أَجْمَعَ الأَئِمَّةُ الأربعةُ وأتباعُهُم عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الفاتحةِ، للإمامِ والمُنْفَرِدِ، وَأَنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ بدونِهَا، عَدَا الحنفيَّةَ فِي إِجْزَاءِ الصَّلاةِ، وَتَقَدَّمَ خِلافُهُم.
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ قِرَاءَتِهَا عَلَى المأمومِ:
فَذَهَبَ الإمامُ الشافعيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ إلى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى المأمومِ فِي الصَّلاةِ السِّرِّيَّةِ وَالجَهْرِيَّةِ، مَعَ الإمكانِ، وَيُسْتَثْنَى من الْقَوْلِ بوجوبِ قِرَاءَةِ الفاتحةِ إِذَا أَدْرَكَ الإمامَ رَاكِعاً، فَيُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ مَعَ الإمامِ، وَيَكُونُ مُدْرِكاً للرَّكْعَةِ، فَتَسْقُطُ عَنْهُ الفاتحةُ حِينَئِذٍ، وكذا لَوْ أَدْرَكَ الإمامَ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ منْ إكمالِ الفاتحةِ، فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَوَجْهٌ من النَّظَرِ - مَعَ الأَثَرِ - أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمْ يُدْرِكِ الْقِيَامَ، الَّذِي هُوَ مَحَلُّ قِرَاءَةِ الفاتحةِ، فَسَقَطَ عَنْهُ الذِّكْرُ لِسُقُوطِ مَحَلِّهِ، كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ اليَدَيْنِ فِي الوُضُوءِ إِذَا قُطِعَتْ.
كَمَا اسْتَدَلَّ الجمهورُ – وَهُم الْمَانِعُونَ منْ قِرَاءَةِ المأمومِ خَلْفَ الإمامِ - بِمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (404)، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)). وَجَاءَ فِي مسندِ الإمامِ أَحْمَدَ (14233)، وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ، رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَتُهُ قِرَاءَةٌ لَهُ)).
وَثَبَتَ النهيُ عَن الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإمامِ عَنْ عَشَرَةٍ مِنَ الصحابةِ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا، كُلُّهُمْ يَمْنَعُونَ المَأْمُومَ من الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإمامِ.
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الَّذِي مَعَنَا، وَأَجَابُوا عَنْ حديثِ: ((مَنْ صَلَّى خَلْفَ الإِمَامِ، فَقِرَاءَتُهُ قِرَاءَةٌ لَهُ)). بِمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ منْ أَنَّ طُرُقَهُ كُلَّهَا مَعْلُولَةٌ، لا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَأَمَّا الآيَةُ والحديثُ: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)).فَهِيَ عُمُومَاتٌ تَصْدُقُ عَلَى أَيِّ قِرَاءَةٍ، وحديثُ عُبَادَةَ خَاصٌّ بالفاتحةِ، وَالدَّلِيلُ الخاصُّ يَقْضِي عَلَى الدليلِ العامِّ.
أَمَّا الإمامُ مَالِكٌ، فَيَرَى وُجُوبَ قِرَاءَةِ الفاتحةِ فِي السِّرِّيَّةِ، وَعَدَمَ مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي الجَهْرِيَّةِ، وَيَرَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ تَجْتَمِعُ فِيهِ أَدِلَّةُ الْفَرِيقَيْنِ.
فَإِذَا كَانَتِ الصَّلاةُ جَهْرِيَّةً، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإمامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، بِمَا يَحْصُلُ لَهُ منْ أجرِ السماعِ والإنصاتِ، وَفَائِدَةِ فَهْمِ الْمَعْنَى من التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، ولذا رَجَّحَهُ الإمامُ المُحَقِّقُ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ؛ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الإمامِ أَنْصَتَ، فَإِنَّ استماعَهُ لقراءةِ الإمامِ خَيْرٌ منْ قِرَاءَتِهِ، فَإِنَّ الإنصاتَ إِلَى قِرَاءَةِ الإمامِ منْ تَمَامِ الائْتِمَامِ بِهِ، فَإِنَّ مَنْ قَرَأَ على قَوْمٍ لا يَسْتَمِعُونَ لقراءتِهِ، لَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عَن المأمومِ، فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ لإِمَامِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، حَتَّى فِي الأفعالِ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْقِرَاءَةُ مَعَ جَهْرِ الإمامِ مُنْكَرٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا عَلَيْهِ الصحابةُ.
وَمِمَّنْ مَالَ إِلَى هَذَا التفصيلِ الَّذِي يَرَاهُ الإمامُ مَالِكٌ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَثِيرٌ منْ عُلَمَاءِ الدعوةِ، مِنْهُم الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، والشيخُ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، والشيخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِيٍّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ فِي (شَرْحِ العمدةِ): قَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى وُجُوبَهَا عَلَى العمومِ؛ لأَنَّ صَلاةَ المأمومِ صَلاةٌ، فَتَنْتَفِي قِرَاءَتُهَا، فَإِنْ وُجِدَ دَلِيلٌ يَقْضِي تَخْصِيصَهُ منْ هَذَا العمومِ قُدِّمَ، وَإِلاَّ فالأصلُ الْعَمَلُ بِهِ، بَلْ صَحَّ مَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ؛ فإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي صَلاةِ الفجرِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: ((لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ)). قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: ((لا تَفْعَلُوا إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا)). اهـ كَلامُ ابْنِ المُلَقِّنِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir