دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الحج

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 04:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صفة الحج ودخول مكة (17/29) [فصل في رمي الجمار]


وعن ابنِ عَبَّاسٍ وأسامةَ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم قالَا: لم يَزَلِ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. رواهُ البخاريُّ.
وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه جَعَلَ البيتَ عن يَسارِهِ، ومِنًى عن يَمينِهِ، ورَمَى الْجَمْرَةَ بسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وقالَ: هذا مَقامُ الذي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سورةُ البَقَرَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: رَمَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْجَمْرَةَ يومَ النَّحْرِ ضُحًى، وأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ. رواهُ مسلِمٌ.
وعن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه كَانَ يَرْمِي الْجَمرةَ الدنيا بسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، ثُمَّ يُسْهِلُ، فيَقومُ فيَستقبلُ الْقِبْلَةَ فيقومُ طَويلًا ويَدْعو ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذاتَ الشِّمالِ فيُسْهِلُ ويَقومُ مُستقبلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو فيَرْفَعُ يَدَيْهِ ويَقومُ طَويلًا، ثُمَّ يَرْمِي جَمرةَ ذاتِ العَقبةِ مِن بَطْنِ الوادي ولا يَقِفُ عندَها، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فيقولُ: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَفعلُه. رواهُ البخاريُّ.

  #2  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 08:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


20/714 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالا: لَمْ يَزَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالا: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الاسْتِمْرَارِ فِي التَّلْبِيَةِ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ حَتَّى يَرْمِيَ الجَمْرَةَ. وَهَلْ يَقْطَعُهُ عِنْدَ الرَّمْيِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ أَوْ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهَا؟ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلَى الأَوَّلِ، وَأَحْمَدُ إلَى الثَّانِي، وَدَلَّ لَهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ، فَلَمَّا رَجَعَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ.
وَمَا رَوَاهُ أَيْضاً ابْنُ خُزَيْمَةَ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن الفَضْلِ أَنَّهُ قَالَ: أَفَضْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ.
وَهُوَ يُبَيِّنُ المُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: " حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ "؛ أَيْ: أَتَمَّ رَمْيَهَا. وَلِلْعُلَمَاءِ خِلافٌ مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ قَدْ بَيَّنَتْ وَقْتَ تَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا.


21/715 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ جَعَلَ البَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى الجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ جَعَلَ البَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ) عِنْدَ رَمْيِهِ جَمْرَةَ العَقَبَةِ (وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى الجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
قَامَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الكَيْفِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهَذَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَدًّا عَلَى مَنْ يَرْمِيهَا مِنْ فَوْقِهَا، وَاتَّفَقُوا أَنَّ سَائِرَ الجِمَارِ تُرْمَى مِنْ فَوْقِهَا، وَخَصَّ سُورَةَ البَقَرَةِ بِالذِّكْرِ؛ لأَنَّ غَالِبَ أَعْمَالِ الحَجِّ مَذْكُورَةٌ فِيهَا، أَوْ لأَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى أَكْثَرِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَالمُعَامَلاتِ، وَفِيهِ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ: سُورَةُ البَقَرَةِ؛ خِلافاً لِمَنْ قَالَ: يُكْرَهُ، وَلا دَلِيلَ لَهُ.
22/716 - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَت الشَّمْسُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالَت الشَّمْسُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَى وَقْتِ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ رَمْيِ الثَّلاثِ الجِمَارِ مِنْ بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ العُلَمَاءِ.


23/717 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ ثُمَّ يُسْهِلُ، فَيَقُومُ فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا): بِضَمِّ الدَّالِ وَبِكَسْرِهَا؛ أَي: الدَّانِيَةِ إلَى مَسْجِدِ الخَيْفِ، وَهِيَ أَوَّلُ الجَمَرَاتِ الَّتِي تُرْمَى ثَانِيَ يَوْمِ النَّحْرِ.
(بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ ثُمَّ يُسْهِلُ): بِضَمِّ حَرْفِ المُضَارَعَةِ وَسُكُونِ المُهْمَلَةِ؛ أَيْ: يَقْصِدُ السَّهْلَ مِن الأَرْضِ، (فَيَقُومُ فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ)؛ أَيْ: يَمْشِي إلَى جِهَةِ شِمَالِهِ؛ لِيَقِفَ دَاعِياً فِي مَقَامٍ لا يُصِيبُهُ الرَّمْيُ.
(فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلا يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
فِيهِ مَا قَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَدِلَّةُ المَاضِيَةُ مِن الرَّمْيِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ لِكُلِّ جَمْرَةٍ، وَالتَّكْبِيرِ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ. وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ بَعْدَ الرَّمْيِ لِلْجَمْرَتَيْنِ، وَيَقُومُ طَوِيلاً يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى.
وَقَدْ فَسَّرَ مِقْدَارَ القِيَامِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُومُ عِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ بِمِقْدَارِ مَا يَقْرَأُ سُورَةَ البَقَرَةِ، وَأَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلافاً، إلاَّ مَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ لِخِلافِ مَا قَالَ مَالِكٌ.

  #3  
قديم 16 محرم 1430هـ/12-01-2009م, 08:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


فَصْلٌ فِي رَمْيِ الجِمارِ
مُقَدِّمَةٌ
التَّجَمُّرُ هو التَّجَمُّعُ، وسُمِّيَتِ الجِمَارُ، لاجتماعِ الناسِ حَوْلَه أو لاجتماعِ الحَصَا عندَها، وهي مِن الشعائِرِ المُقدَّسَةِ، ومن مَناسِكِ الحَجِّ، والجِمارُ ثَلاثٌ:
الأُولَى: وتَلِي مَسْجِدَ الخَيْفِ، ثمَّ الوُسْطَى، ثمَّ جَمْرَةُ العَقَبَةِ: التي تلي مَكَّةَ، والتي هي نِهَايَةُ حَدِّ مِنًى الغَرْبِيِّ.
قالَ الشيخُ حَسَنُ مَكْرَمٌ في كتابِ غُنْيَةِ النَّاسِكِ: الجَمْرَةُ مَوْضِعُ الشاخِصِ، لا الشاخِصَ، فإنَّه عَلامَةُ الجَمْرةِ.
وقالَ الشافعِيُّ: الجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الحَصَى، لا ما سَالَ من الحَصَى.
وقالَ المُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: حَدُّه ما كانَ بينَه وبينَ أَصْلِ الجَمْرَةِ ثَلاثَةُ أَذْرُعٍ.
وقالَ الشيخُ سُليمانُ بنُ علِيِّ بنِ مشرفٍ: المَرْمَى هو الأَرْضُ المُحِيطَةُ بالميلِ المَبْنِيِّ.
قالَ مُحَرِّرُه: بَقِيَ مَكانُ الرمْيِ طِوالَ القُرُونِ المَاضِيَةِ غيرَ مُحَاطٍ بشيءٍ، ولا مُعَلَّمٌ عليه بشيءٍ، وفي عامِ (1292هـ) وُضِعَ شَبَكٌ حَدِيدِيُّ لمَنْعِ الزِّحامِ، وذلك بفَتْوَى من بعضِ عُلماءِ مَكَّةَ، فاعْتَرَضَ على هذا العَمَلِ بعضُ العلماءِ، وأشَدُّهم اعْتِراضاً الشيخُ عَلِيٌّ باصرينَ عَالِمُ جُدَّةَ، وقالَ: إنَّ هذا الشَّبَكَ يُوهِمُ بأنَّ ما أحَاطَ بهِ الشَّبَكُ كُلُّه مَرْمًى، فأُزِيلَ ووُضِعَ الحائِطُ المُحِيطُ بالجَمَرَاتِ الآنَ، وذلك عامَ (1293هـ).
أمَّا جَمْرَةُ العَقَبَةِ فهي نِصْفُ دَائِرَةٍ، ولَمْ تَزَلِ العَقَبةُ التي تُسْنَدُ عليها الجَمْرَةُ حتى عامِ (1377هـ)، وجَرَى العَمَلُ في تَوْسِعةِ شوارعِ مِنًى، فأُزِيلَتِ العَقَبةُ المَذْكورةُ، فصارَتْ تُرْمَى مِن سَهْلِ الأَرْضِ من جَميعِ جِهاتِها الأربعِ، وإزالتُها بإذْنٍ مِن مُفْتِي البلادِ الشيخِ مُحَمَّدِ بنِ إبراهيمَ آلِ الشَّيْخِ بمُوجِبِ خِطَابِهِ المُؤَرَّخِ في 1/9/1375هـ، ثمَّ في عامَ (1383هـ) أُنْشِئَ دَوْرٌ ثَانٍ للجَمَراتِ الثلاثِ، وصارَتْ تُرْمَى مِن الأَرْضِ، ومن الدَّوْرِ الثاني، ووَضْعُه بمُوافَقَةٍ مِن مُفْتِي الدِّيارِ بمُوجِبِ خِطَابِهِ المُؤَرَّخِ في 25/6/1382هـ.
ويَرْجِعُ أَوَّلُ تاريخِ الجِمَارِ الثلاثِ إلى عَهْدِ إبراهيمَ الخليلِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، حينَما عَرَضَ له الشيطانُ في هذهِ المَوَاقِفِ الثلاثَةِ، ليُثْنِيَهُ عَنْ أَمْرِ اللهِ تعالى في ذَبْحِ ابنِه إسماعيلَ، فحَصَبَهُ وطَرَدَهُ، فأَغْلَبُ المَشاعِرِ والشَّعائِرِ في الحَجِّ هي عِبَادَاتٌ للهِ تعالى، وتَذْكِيرٌ بأحوالِ عِبَادِ اللهِ الصالِحِينَ.

638- وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ وأُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم قالا: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-اسْتِمْرَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التَّلْبِيَةِ مُدَّةَ إِحْرَامِهِ؛ لأنَّها ذِكْرُ الحَجِّ وشَعَائِرُه.
2-أنَّ وَقْتَ التَّلْبِيَةِ يَنْتَهِي بابتداءِ رَمْيِ جَمْرةِ العَقَبةِ، لا في نِهَايَتِه، على خِلافٍ في ذلك.
3-والحِكْمَةُ في ذلك أَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُ الحَجِّ وإجابةُ المُنادِي إليه، وفي البَدْءِ برَمْيِ الجَمَرَةِ شُرُوعٌ في التَّحَلُّلِ والانتهاءِ من أعمالِ الحَجِّ، فيَنْتَهِي وَقْتُها ومُناسَبَتُها.
4-قَطْعُ التَّلْبِيَةِ عندَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ، هو مَذْهَبُ جُمهورِ العُلماءِ،
ومنهم الأَئِمَّةُ: أبو حَنِيفَةَ، والشافعِيُّ، وأحمدُ، وسُفْيانُ الثَّوْرِيُّ، وإسحاقُ، وأَتْبَاعُهم، اسْتِناداً إلى فِعْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، المُؤَيَّدِ بقَوْلِه: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "حَجَجْتُ معَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إحْدَى عَشْرَةَ حَجَّةً، وكانَ يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ الجَمْرَةَ".
5-بعضُهم قالَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عندَ دُخولِ الحَرَمِ.
6-بعضُهم قالَ: يَقْطَعُ التلبيةِ عندَ ذَهابِه يومَ التاسعِ إلى عَرَفَةَ.
وكِلاَ القوليْنِ خِلافُ ما صَحَّ من هَدْيِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
7-قالَ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عنه تَرْكُ التلبيةِ مِن يومِ عَرَفةَ، إِنَّما تَرَكَها للاشتغالِ بغيرِها من الذِّكْرِ، لا على أنَّها تَشْريعٌ.
ويُؤَيِّدُ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ ما رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ, عَنِ ابنِ مَسْعودٍ قالَ: لقدْ خَرَجْتُ معَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مِنًى إلى عَرَفَةَ، فما تَرَكَ التلبيةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبةَ، إِلاَّ أنَّه يَخْلِطُها بتَكْبيرٍ وتَهْليلٍ.

639- وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّه جعَلَ البيتَ عن يَسارِهِ، ومِنًى عن يَمينِهِ، ورَمَى الجَمْرةَ بسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وقالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
-مَقَامُ: أي: مَكَانُ قِيامِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَما رَمَى الجَمْرَةَ.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-صِفَةُ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبةِ المُفَضَّلُ هو جَعْلُ مَكَّةَ عن اليَسارِ، ومِنًى عن اليَمِينِ من بَطْنِ الوادِي، قالَ القَسْطَلانِيُّ: وتُرْمَى مِن أَسْفَلِها، وقَدْ اتَّفَقُوا على أنَّه مِن حَيْثُ رَمَاهَا جَازَ.
2-الحِكْمَةُ في هذا - واللهُ أعْلَمُ - أنَّ مَرْمَى جَمْرَةِ العَقَبةِ وَاقِعٌ في جِهَةِ الجَنُوبِ، ومَسْدُودٌ مِن جِهَةِ الشَّمَالِ بالعَقَبَةِ التي أُزِيلَتْ، فالرَّامِي على الصِّفةِ التي ذَكَرَها ابنُ مَسْعودٍ مُسْتَقْبِلٌ للمَرْمَى، ومُتَسَهِّلٌ عن سَفْحِ العَقَبةِ، وآمِنٌ في ذلك الوَقْتِ مِن أَنْ يُصِيبَه حَصَى الرامِينَ، بخِلافِ الجَمْرَتَيْنِ الأُخْريَيْنِ فإنَّ كلَّ جِهَةٍ سَهْلَةٌ، فاسْتُحِبَّ استقبالُ القِبْلَةِ فيهما كسَائِرِ العِبَادَاتِ.
3- هذا وقَدْ أُزِيلَتِ العَقَبَةُ التي في سَفْحِها جَمْرَةُ العَقَبةِ عَامَ (1377هـ)، لتَوْسِعَةِ شَوارِعِ مِنًى، وأصْبَحَتِ الجَمْرَةُ بَارِزَةً في بَطْنِ الوَادِي تُؤْتَى مِن أَيِّ جِهَةٍ قُصِدَتْ، إلاَّ أَنَّ المَرْمَى لا يَزالُ بَاقِياً على صِفَتِهِ الأُولَى، نِصْفِ دَائِرَةٍ على شَاخِصِ المَرْمَى.
4- فيه دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الرَّمْيَ يَكُونُ بسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُتَتابِعَاتٍ، وَاحِدَةً بعدَ الأُخْرَى مُتَوالِيَاتٍ عُرْفاً.
5-قالَ العُلماءُ: إِنَّما أشَارَ ابنُ مَسْعودٍ إلى سُورَةِ البَقَرَةِ؛ لأنَّ أحْكَامَ المَنَاسِكِ كَثِيرَةٌ فيها.
6- فيه دَلِيلٌ عَلَى تَسْمِيَةِ سُوَرِ القُرآنِ بما ذُكِرَ فيها من أَسْمَاءٍ وأخبارٍ، كالبَقَرَةِ والفِيلِ، والإِسْرَاءِ، والشُّعَرَاءِ، وغيرِ ذلك، فإنَّ ابنَ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من عُلماءِ الصحابَةِ بالقُرْآنِ الكَرِيمِ.
7- قالَ القَسْطَلانِيُّ: امْتَازَتْ جَمْرَةُ العَقَبةِ عن الجمرتَيْنِ بأرْبَعَةِ أشياءَ: اختصاصِها برَمْيِها يَوْمَ النَّحْرِ، وأَلاَّ يُوقَفَ عندَها، وتُرْمَى ضُحًى، وتُرْمَى مِن أسفلِها استحباباً.

640- وعن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: رَمَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وأمَّا بعدَ ذلك، فإذا زَالَتِ الشمسُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-تَقَدَّمَ أَنَّ المُسْتَحَبَّ هو رَمْيُ جَمْرَةِ العَقَبَةِ بعدَ طُلوعِ الشمسِ؛ عَمَلاً بحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ السابِقِ، وأنَّ وَقْتَ الجوازِ في رَمْيِها يَدْخُلُ قَبْلَ طُلوعِ الفَجْرِ مِن ليلةِ النَّحْرِ.
وهذا الحديثُ شَاهِدٌ ومُؤَيِّدٌ لحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ، فهذا فِعْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُؤَيَّدُ بقولِه: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).
2- فيهِ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ رَمْيَ الجِمارِ الثلاثِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لا يَكُونُ إِلاَّ بعدَ الزَّوَالِ.
قالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: ومَذْهَبُنا الشافِعِيَّةَ، ومَذْهَبُ مَالِكٍ وأَحْمَدَ وجَمَاهِيرِ العُلماءِ أنَّه لا يَجُوزُ الرمْيُ في الأيَّامِ الثلاثَةِ إلاَّ بعدَ الزوالِ، وقالَ أبو حَنِيفَةَ وإِسْحَاقُ: يَجُوزُ في اليومِ الثالِثِ قَبْلَ الزوالِ ودليلُنا: أنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمَى كما ذكَرْنا، وقالَ: ((لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).

خِلافُ العُلماءِ:
تَقَدَّمَ أنَّ قَوْلَ جُمهورِ العُلماءِ أنَّ ابتداءَ وَقْتِ الرمْيِ في أيَّامِ التَّشْريقِ الثلاثةِ هو بزَوالِ الشمسِ، والإجماعُ مُنْعَقِدٌ إلى امتدادِه إلى الغُروبِ، والاختلافُ في انتهاءِ وَقْتِ الجوازِ فهل يَنتهِي بالغُروبِ أو يَمْتَدُّ ليلاً حتى طُلُوعِ الفَجْرِ؟
فالقولُ الأوَّلُ: هو المَشْهورُ من مَذْهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ، والقولُ الثاني: هو مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ والشافِعِيَّةِ، إلاَّ أنَّ المَشْهورَ عن المالكيَّةِ هو أنَّ الرمْيَ ليلاً قَضَاءٌ. والحَنَفِيَّةُ والشافِعِيَّةُ يَقولُونَ: أَدَاءٌ.
ونَظَراً للزِّحَامِ العَظيمِ عندَ رَمْيِ الجَمَراتِ لازديادِ عَدَدِ الحُجَّاجِ الكبيرِ، فقَدْ أصْدَرَتْ رَابِطَةُ العالِمِ الإسلامِيِّ عَامَ (1394هـ) برِئَاسَةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ بَازٍ، وعَدَدٍ كبيرٍ من أعضاءِ المَجْلِسِ التأسيسِيِّ للرابطةِ، الذينَ يُمثِّلونَ بُلْداناً كثيرةً من بُلدانِ العالَمِ الإسلامِيِّ، ويَعْتَنِقُ مُجموعُهم مَذَاهِبَ الأَئِمَّةِ الأربعةِ، أُصْدِرَتْ فَتْوَى بجَوازِ الرمْيِ ليلاً في أيَّامِ التشريقِ الثلاثةِ، مُسْتَأْنِسِينَ برَأْيِ هؤلاء الأَئِمَّةِ الثلاثةِ، وبتَرْخِيصِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرُّعاةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا الرَّمْيَ عن وَقْتِه؛ لحاجتِهم لذلك، وعَمَلاً بعُمومِ نُصوصِ الشريعةِ السَّمْحَةِ في التَّيْسِيرِ والتسهيلِ، وباللهِ التوفيقُ.



قَرارُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ بشَأْنِ رَمْيِ الجِمارِ، ونَصُّه ما يلي:
1-جَوازُ رَمْيِ جَمْرةِ العَقَبةِ بعدَ مُنْتصَفِ ليلةِ النحْرِ للشَّفَقَةِ على النِّساءِ، وكبارِ السِّنِّ، والعاجزِينَ، ومَن يَكُونُ مَعَهم للقيامِ بشُؤونِهم، لِمَا وَرَدَ من الأحاديثِ الصحيحةِ، والآثارِ الدالَّةِ على جوازِ ذلك.
2-عَدَمُ جوازِ رَمْيِ الجِمارِ الثلاثِ أيَّامَ التشريقِ قبلَ الزوالِ.
3-يُقرِّرُ المَجلِسُ بالأكثريَّةِ جوازَ الرَّمْيِ لَيْلاً عن اليومِ السابِقِ، بحَيْثُ يَمْتَدُّ وَقْتُ الرَّمْيِ حتى طُلوعِ فَجْرِ اليومِ الذي يَليهِ؛ دَفْعاً للمَشَقَّةِ التي تَلْحَقُ بالحُجَّاجِ؛ عَمَلاً بقولِه تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185].
وقولِه تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
ولعَدَمِ الدَّليلِ الصحيحِ الصريحِ الدالِّ على مَنْعِ الرمْيِ لَيْلاً، وباللهِ التوفيقُ.
ويَجُوزُ تأخيرُ الرمْيِ كلِّه إلى آخِرِ يومٍ من أيامِ التشريقِ. وهل الرمْيُ المُؤَخَّرُ أداءٌ أو قضاءٌ؟ قالَ الشيخُ مُحَمَّدُ أمينُ الشِّنْقِيطِيُّ في تفسيرِه: التحقيقُ أنَّ أيَّامَ التَّشْريقِ كاليومِ الواحِدِ بالنِّسْبَةِ إلى الرمْيِ، وهو مذهَبُ أحمدَ والشافعِيِّ.

641- وعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّه كانَ يَرْمِي الجَمْرَةَ الدُّنْيَا بسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ على إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثمَّ يَتَقَدَّمُ، ثمَّ يُسْهِلُ، فيَقُومُ، فيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ثمَّ يَدْعُو، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَقُومُ طَوِيلاً، ثمَّ يَرْمِي الوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ، فيُسْهِلُ، ويَقُومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْعُو، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ العَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عندَها، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فيَقولُ: هَكَذا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
-الدُّنْيَا: بضمِّ الدالِ وكَسْرِها، أي: القَرِيبَةَ إلى جِهَةِ مَسْجِدِ الخَيْفِ.
-إِثْرِ: بكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكونِ المُثلَّثةِ، أي: عَقِبَ كُلِّ حَصَاةٍ.
-يُسْهِلُ: بضَمِّ الياءِ وسُكونِ السِّينِ المُهْملَةِ وكَسْرِ الهَاءِ، مُضَارِعٌ من "أَسْهَلَ" الرُّبَاعِيِّ، أي: يَقْصِدُ المَكانَ السَّهْلَ مِن الأرْضِ.
-يَقُومُ طَوِيلاً: أي: قياماً طَويلاً للدُّعاءِ، حالَ كَوْنِه مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.
-ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمالِ: بكَسْرِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ، أي: يَمْشِي إلى جِهَةِ الشِّمالِ.
-ذَاتِ العَقَبَةِ: بفَتْحِ العَيْنِ والقَافِ والبَاءِ، اسْمٌ للجَبَلِ الصغيرِ، فيهِ ثَنِيَّةٌ، كانَتِ الجَمْرَةُ الكُبْرَى في سَفْحِه الجَنوبِيِّ، فأُزِيلَتْ تلك العَقَبَةُ عَامَ 1377هـ، لغَرَضِ تَوْسِعَةِ شارِعِ الجَمَرَاتِ.

ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1-مَشْرُوعِيَّةُ رَمْيِ الجِمَارِ الثَّلاثِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ، فهُنَّ وَقْتُ الرَّمْيِ، فإنْ لَمْ يَرْمِ فيهِنَّ لعُذْرٍ أو غيرِه؛ فاتَهُ الرَّمْيُ، وعليهِ دَمٌ.
2-البَدَاءَةُ بالجَمْرَةِ التي تلي مَسْجِدَ الخَيْفِ، ثمَّ الثانيةِ، ثمَّ العَقَبَةِ، وهذا الترتيبُ وَاجِبٌ، فإنِ اخْتَلَّ لَمْ يَصِحَّ الرَّمْيُ.
3-أنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بسَبْعِ حَصَياتٍ لكُلِّ جَمْرَةٍ، وهذا مَذْهَبُ جُمهورِ العُلماءِ خِلافاً لقِلَّةٍ، منهم عَطَاءٌ ومُجَاهِدٌ، فقَدْ أجَازُوا الرَّمْيَ بالخَمْسِ والسِّتِّ.
4-التكبيرُ عَقِبَ كُلِّ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا.
5-التَّقَدُّمُ عن مَكانِ الرَّمْيِ في الجَمْرَةِ الأُولَى، والانصرافُ إلى جِهَةِ الشِّمالِ في الجَمْرَةِ الوُسْطَى، ثمَّ استقبالُ القِبْلَةِ، والدُّعاءُ طَوِيلاً رَافِعاً يدَيْهِ، مُتحَرِّياً للإجابةِ والقَبُولِ؛ لأنَّ هذا المَوْطِنَ من مَوَاطِنِ قَبُولِ الدُّعاءِ.
6-أَمَّا جَمْرَةُ العَقَبَةِ فيَرْمِيهَا مِن بَطْنِ الوَادِي، أي: يَجْعَلُ مَكَّةَ عَن يَسَارِهِ، ومِنًى عن يَمِينِه، ولا يَقِفُ عندَها للدُّعاءِ.
وقدْ عَلَّلَ العُلماءُ عَدَمَ مَشْرُوعِيَّةِ الوُقوفِ هنا لضِيقِ المَكانِ في ذلك الوَقْتِ، على أَنَّ سَعَةَ المَكانِ عندَ جَمْرَةِ العَقَبَةِ الآنَ لا يُبَرِّرُ الوُقوفَ عندَها للدُّعاءِ؛ إذْ أنَّ العِلَلَ والأَسْرَارَ ظَنِّيَّةٌ، والخَيْرُ في الاتِّباعِ، وخَيْرُ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
7-الرَّمْيُ على الصِّفَةِ المَذْكورةِ في الحديثِ هي الصِّفَةُ الوَارِدَةُ، فتكونُ المُفَضَّلَةَ، على أنَّ رَمْيَ الجِمَارِ الثلاثِ جَائِزٌ من أيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، ما دَامَ الحَصَى يَقَعُ في المَرْمَى.
قالَ النَّوَوِيُّ في شرحِ مُسْلِمٍ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أنَّه مِن حَيْثُ رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ جَازَ، سَواءٌ استقبَلَها، أو جعَلَها عن يَمينِه، أو عن يَسارِهِ، أو رَمَاهَا من فوقِها، أو أَسْفَلِها، أو وَقَفَ في وَسَطِها ورَمَاهَا.
8-قالَ الشافِعِيُّ: الجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الحَصَى، لا ما سَالَ مِن الحَصَى.
وقالَ الطَّبَرِيُّ: حَدُّ مُجْتَمَعِ الحَصَى ثَلاثةُ أَذْرُعٍ من أصْلِ الجَمْرَةِ.
قالَ ابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ: والمُشاهَدَةُ تُؤَيِّدُ ذلك، فإنَّ مُجْتَمَعَه غَالباً لا يَنْقُصُ عن ذلك.
قالَ مُحَرِّرُ هذا الكتابِ: إِنَّه لَمْ يَكُنْ مَرْمَى الجِمارِ الثلاثِ مُحاطاً بجِدارٍ إِلاَّ في الزمَنِ القريبِ، وأوَّلُ مَن ذَكَرَ إحداثَ هذهِ الحِيطَانِ على الجِمارِ هو الشيخُ عَلِيُّ بنُ سَالِمٍ الحَضْرَمِيُّ في مَنْسَكِهِ المُسَمَّى: دَلِيلَ الطَّرِيقِ لحُجَّاجِ بيتِ اللهِ العَتِيقِ، فقَدْ قالَ في صحيفةِ (87): المَرْمَى المَحَلُّ المَبْنِيُّ فيهِ العَلَمُ، وضُبِطَ بثَلاثَةِ أَذْرُعٍ من جَميعِ جَوانِبِه، وَقَدْ حُوِّطَ على هذا المِقْدارِ بجِدارٍ قَصِيرٍ. فالرَّمْيُ يَكُونُ دَاخِلَه. وتقدَّمَ بَحْثُه.

قَرارُ مَجْلِسِ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلماءِ بشَأْنِ حَوْضِ الجِمَارِ:
وخُلاصَتُه مَا يَلِي:
تَقَرَّرَ بالاتِّفاقِ أنَّه لا يَجُوزُ بِنَاءُ حَوْضٍ زَائِدٍ عن الحوضِ الموجودِ حالياً، وأنْ يَبْقَى على مَا كَانَ، ومَعْلُومٌ أنَّ الحَصَى مَتَى وَصَلَ إلى الحَوْضِ أَجْزَأَ، ولو لَمْ يَسْتَقِرَّ فيه وتَدَحْرَجَ وسَقَطَ خَارِجَه.
هَيْئَةُ كِبَارِ العُلماءِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir