دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 12:13 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي صفة الكلام

وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى : أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ غير مخلوق ، يَسْمَعُهُ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ، سَمِعَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَسَمِعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ومَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكتِهِ وَرُسُلِهِ.
وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المُؤْمِنينَ في الآخِرَةِ ويُكَلِّمُونَهُ ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَزُورُونَهُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يا مُوسَى إِنـِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى النَّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلاَمي} [الأعراف: 144].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مِنْهُم مَّنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلـِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيـًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51].
وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْني} [طه: 14].
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بالوَحْي، سَمِع صَوتَهُ أَهْلُ السَّماءِ)) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ الخَلائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً غُرْلاً بُهمًا، فَيُنَادِيهِم بِصَوتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُب: أَنا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَانُ)). رَوَاهُ الأَئِمَّةُ واسْتشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ.
وَفِي بَعْضِ الآثارِ: (أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ رَأَى النَّارَ فَهَالَتْهُ وَفَزِعَ مِنْهَا، نَادَاهُ رَبُّهُ: ((يَا مُوسَى))، فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَكَ وَلاَ أَرَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ: ((أَنَا فَوْقَكَ وَأَمَامَكَ وورائك وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ))، فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لاَ تَنْبَغي إلاَّ للهِ تَعَالَى، قَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهي، أَفَكَلاَمُكَ أَسْمَعُ، أَمْ كَلاَمُ رَسُولِكَ؟ قَالَ: ((بَلْ كَلاَمِي يَا مُوسَى))).


  #2  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 09:28 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى

(1) الصِّفَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: الكَلامُ.

الكَلامُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ الثَّابِتَةِ لَهُ بالكِتابِ والسنَّةِ وإِجْمَاعِ السَّلَفِ.

قَالَ اللهُ تَعالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّساء: 164] {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253]، وقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ)) أَخْرجَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ جَرِيرٍ، وابنُ أَِبي حَاتَمٍ(1).
وأَجمَعَ السَّلَفُ علَى ثُبُوتِ الكَلامِ للهِ ، فَيَجِبُ إِثْبَاتُهُ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ ولاَ تَعْطِيلٍ، ولاَ تَكْيِيفٍ ولاَ تَمْثِيلٍ.

وهُوَ كَلامٌ حَقِيقيٌّ يَلِيقُ باللهِ، يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتهِ بِحُرُوفٍ وأَصوَاتٍ مَسْمُوعَةٍ.

والدَّلِيلُ علَى أَنَّهُ بِمشيئَتِهِ:

قَوْلُهُ تَعالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] فَالتَّكْلِيمُ حَصَلَ بَعْدَ مَجيءِ مُوسَى؛ فَدَلَّ علَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بمشيئتِهِ تَعالَى.

المُخالِفونَ لأِهْلِ السُّنَّةِ فِي كَلامِ اللهِ تَعَالَى:
خَالَفَ أَهلَ السُّنَّةِ فِي كَلامِ اللهِ طَوَائِفُ، نَذْكُرُ مِنهُمْ طَائِفَتيْنِ:
الطَّائِفَةُ الأُولَى: الجَهْمِيَّةُ، قَالُوا: لَيسَ الْكَلامُ مِنَ صِفَاتِ اللهِ ، وإِنَّما هُو خَلْقٌ مِنْ مَخلُوقَاتِ اللهِ ، يَخْلُقُهُ اللهُ فِي الهَواءِ ، أَوْ فِي المَحَلِّ الْذِي يُسْمَعُ مِنْهُ ، وإضَافَتُهُ إلى اللهِ إضَافَةُ خَلْقٍ أَو تَشْريفٍ ، مِثلُ: ناقَةُ اللهِ، وبَيْتُ اللهِ ، ونَرُدُّ عَليهمْ بما يَلِي:

1 -أَنَّهُ خِلاَفُ إِجْمَاعِ السَّلَفِ.

2 -خِلافُ الَمَعْقُولِ ؛ لأَنَّ الكَلامَ صِفَةٌ لِلمُتكَلِّمِ ولَيسَ شِيئًا قائِمًا بنِفْسِهِ، مُنْفصِلاً عَن الُمتَكَلِّمِ.

3 -أَنَّ مُوسَى سَمِعَ اللهَ يَقُولُ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ، ومُحَالٌ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ أَحدٌ إِلاَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالَى.

الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ: الأَشْعَرِيَّةُ، قَالوا: كَلامُ اللهِ مَعنًى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لاَ يَتَعلَّقُ بِمشِيئَتِهِ ، وهَذهِ الحُروفُ والأَصْواتُ الَمَسْمُوعةُ مَخْلوقَةٌ لِلتَّعبيرِ عَن المَعنَى القَائمِ بِنفْسِ اللهِ.

ونَرُدُّ عَلَيهِمْ بِمَا يَلِي:
1 -أَنَّهُ خِلاَفُ إِجماعِ السَّلَفِ.

2 -خِلاَفُ الأَدِلَّةِ؛ لأَنَّها تَدُلُّ علَى أَنَّ كَلامَ اللهِ يُسْمَعُ، ولاَ يُسْمَعُ إِلاَّ الصَّوتُ، لاَ يُسْمَعُ المَعنَى القَائِمُ بِالنَّفْسِ.

3 -خِلاَفُ المَعهُودِ(2)؛ لأَنَّ الكَلامَ المَعهُودَ هُو ما يَنطِقُ بِهِ المُتَكَلِّمُ، لاَ مَا يُضْمِرُهُ فِي نَفسِهِ.

والدَّلِيلُ علَى أَنَّهُ حُرُوفٌ:

قَولُهُ تعَالَى: {يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12] ، فَإِنَّ هذِهِ الكَلمَاتِ حُرُوفٌ ، وهِيَ كَلامُ اللهِ.

والدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ بِصَوْتٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52]

والنِّداءُ والمُنَاجاةُ لا تَكُونُ إِلاَّ بِصَوْتٍ.
ورَوَى عَبدُ اللهِ بنُ أُنَيْسٍ، عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ الخَلاَئِقَ فَيِنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ))، عَلَّقَهُ البُّخاريُّ بِصِيغَةِ التَّمريِضِ ، قَالَ فِي (الفَتحِ) : وأَخْرَجَهُ المُصَنِّفُ فِي (الأَدَبِ المُفْرَدِ) ، وأَحمدُ، وأَبو يَعْلَى فِي مُسندَيْهِما وذَكَرَ لَهُ طَرِيقَيْنِ آخرَيْنِ(3).
وكلامُ اللهِ تعالَى قديمُ النوعِ ، حادثُ الآحادِ ؛ ومعنَى (قديمُ النوعِ): أنَّ اللهَ لم يَزَلْ وَلا يزالُ مُتَكَلِّمًا، لَيْسَ الكلامُ حَادِثًا منهُ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ، ومَعْنَى (حادِثُ الآحادِ): أنَّ آحَادَ كلامِهِ - أي: الكلامَ المُعَيَّنَ المخصوصَ - حادِثٌ(4)؛ لأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بمَشِيئَتِهِ، مَتى شَاءَ تَكَلَّمَ بمَا شاءَ كيفَ شاءَ.
تعليقٌ على كَلامِ المؤَلِّفِ في فَصْلِ الكلامِ:
قولُهُ: (مُتَكَلِّمٌ بكلامٍ قَدِيمٍ): يعنِي: قَدِيمِ النوعِ ، حَادِثِ الآحادِ ، لا يَصْلُحُ إلاَّ هذا المَعْنَى على مَذْهَبِ أَهْلِ السنَّةِ والجَمَاعَةِ، وإنْ كَانَ ظَاهِرُ كلامِهِ أنَّهُ قديمُ النوعِ والآحَادِ


(5). قولُهُ: (سَمِعَهُ مُوسَى مِنْ غيرِ واسِطَةٍ): لقولِهِ تَعَالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى}[طَه: 13]

قولُهُ: (وسَمِعَهُ جِبْرِيلُ): لقولِهِ تَعَالَى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَّبِّكَ} [النحل: 102]
قولُهُ: (وَمَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ ورُسُلِهِ):
أمَّا الملائِكَةُ: فلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((وَلَكِنَّ رَبَّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثمَّ يُسَبِّحُ أَهْلُ السَّماءِ الَّذين يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنيَا، فيقولُ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ الْعَرْشِ لِحَمَلَةِ الْعَرْشِ: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمُ}؟ [سَبَأ: 23] فَيُخْبِرُونَهُمْ)) الحديثَ، رَوَاهُ مسلِمٌ.

وأمَّا الرُّسُلُ: فقدْ ثَبَتَ أنَّ اللهَ كَلَّمَ محمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ.

قولُهُ: (وإنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المؤمنينَ ويُكَلِّمُونَهُ): لحديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يَقُولُ اللهُ لأَِهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ)) الحديثَ، مُتَّفَقٌ عليهِ.
قولُهُ: (ويَأْذَنُ لَهُمْ فيَزُورُونَهُ): لحديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوا فِيهَا نَزَلُوا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيَّامِ الدَّنْيا فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ...)) الحديثَ، رواهُ ابنُ مَاجَه، والتِّرْمِذِيُّ وقال: غَريبٌ، وضَعَّفَهُ الأَلْبَانيُّ.

وقولُهُ: (وقالَ ابنُ مَسْعُودٍ: (إذا تَكَلَّمَ اللهُ بالوَحْيِ سَمِعَ صَوْتَهُ أَهَلُ السماءِ، وَرُوِيَ ذلكَ عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ): أَثرُ ابنِ مَسْعُودٍ لم أَجِدْهُ بهذا اللَّفْظِ، وذَكَرَ ابنُ خُزَيْمَةَ طُرُقَهُ في (كتابِ التوحيدِ) بأَلفاظٍ مِنْها:((سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ لِلسَّمَاوَاتِ صَلْصَلةً)).

وأَمَّا المَرْوِيُّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فهوَ مِنْ حديثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ مَرْفُرعًا: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بأَمْرِهِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، فَإذَا تكلَّمَ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ - أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ - شَدِيدةٌ مِنْ خَوْفِ اللهِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَعِقُوا...)) الحديثَ، رَوَاهُ ابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ أَبي حَاتِمٍ(6).


حاشية الشيخ صالح العصيمي حفظه الله :

(1) أخرجه ابن خزيمة في (التوحيد) (ص414) وابن جرير في (تفسيره) (22/63) وابن أبي حاتم في (تفسيره) ـ كما في (تفسير ابن كثير) (3/537) ـ.
وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ودحيم الدمشقي.
(2) أي: المعروف في لسان العرب هو أن الكلام نطق مفهم كما قال ابن فارس في (مقاييس اللغة).
(3) قد علقه البخاري بصيغة الجزم كما علقه بصيغة التمريض، ووصله من ذكر ابن حجر في (الفتح) كما في كلامه المنقول هنا ومال إلى تقويته، وقد صححه الحاكم أيضاً.
(4) فتتجدد أفراده ويحدث شيئاً بعد شيء.
(5) وهذا الظاهر وقع مثله لابن قدامة ـ رحمه الله ـ في (البرهان) و (المناظرة)، ولم أجد في كلامه التصريح بما عليه أهل السنة من قدم النوع وحدوث الآحاد؛ لكن حمل كلامه على ما يوافق قولهم أحرى. والله أعلم.
(6) أما الموقوف على ابن مسعود رضي الله عنه فهو عند البخاري معلقاً وقد وصله ابن خزيمة في (التوحيد) (ص146 ـ 147) وابن جرير (22/90) وإسناده صحيح.

وأما المرفوع من حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عند أبي داود (4738)، والموقوف أصح.


  #3  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 09:29 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن جبرين

(1) هذهِ من الأدلَّةِ على أنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ وَيَتَكَلَّمُ إذا شَاءَ، والدَّليلُ قولُهُ تَعَالَى:

{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ، واضحٌ في أنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسَى وأنَّهُ أَسْمَعَهُ كَلاَمَهُ.

وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ} ، يَعْنِي: مُوسَى، أوْ يَعْنِي: من الرُّسلِ مَنْ كَلَّمَهُ اللهُ.
وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]، إلى قولِهِ تَعَالَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: 144]، واضحٌ في أنَّ اللهَ كَلَّمَهُ ، وأنَّهُ اصْطَفَاهُ وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ ، وَبِتَكْلِيمِهِ لهُ ، وأنَّ اللهَ أَسْمَعَهُ الكلامَ.
وقدْ ذُكِرَ أنَّ أَحَدَ الجَهْمِيَّةِ جاءَ إلى أبي عَمْرِو بنِ العلاءِ ؛ أَحَدُ القُرَّاءِ السَّبعةِ في العراقِ ، وقالَ: أُرِيدُ منكَ أنْ تَقْرَأَ هذهِ الآيَةَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النِّساء: 164] بِنَصْبِ (اللهَ)، وَقَصْدُهُ أنْ يَكُونَ مُوسَى هوَ الَّذي كَلَّمَ رَبَّهُ ، لاَ أَنَّ اللهَ هوَ الَّذي كَلَّمَ مُوسَى ، يُرِيدُ بذلكَ نَفْيَ كلامِ اللهِ لِمُوسَى ، ولكنَّ أَبَا عَمْرٍو رَحِمَهُ اللهُ قالَ لهُ: هَبْ أَنِّي قَرَأْتُ أَنَا أوْ أَنْتَ هذهِ الآيَةَ هكذا، فكيفَ تَفْعَلُ بقولِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}، هلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُغَيِّرَهَا ؟ هلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُقَدِّمَ فيها أوْ تُؤَخِّرَ ؟ فَتَحَيَّرَ ذلكَ الجَهْمِيُّ ، وَعَرَفَ أنَّهُ لا حِيلَةَ لهُ في تَغْيِيرِ هذهِ الكلمةِ.
أَرَادَ أنْ يُحَرِّفَهَا تَحْرِيفًا لَفْظِيًّا ، وَيَجْعَلَ الكلامَ منْ مُوسَى لا مِن اللهِ في قولِهِ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} فجاءَتْ هذهِ الآيَةُ الَّتي تُبْطِلُ تَحْرِيفَهُ: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}، فَقُدِّمَ الضَّميرُ المفعولُ بهِ ، والرَّبُّ هوَ المُكَلِّمُ ، فَلَمْ يَكُنْ لهُ فيها حِيلَةٌ.
ثمَّ ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ أنَّ المعتزلةَ والجهميَّةَ تَأَوَّلُوا هذهِ الكلمةَ فَحَرَّفُوهَا تَحْرِيفًا عَجِيبًا، فقالُوا: التَّكليمُ: التَّجريحُ، قالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} ، {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253]، يَعْنِي: جَرَحَهُ بِأَظَافِرِ الحِكْمَةِ.
وقالُوا: إنَّ الجَرْحَ هوَ الكَلْمُ كما في قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ)).
فَذَهَبُوا مَذْهَبًا بَعِيدًا ، وَفَسَّرُوا التَّكْلِيمَ بأنَّهُ التَّجريحُ - سُبْحَانَ اللهِ! - وَهَل التَّجريحُ شَرَفٌ ؟! وهلْ فيهِ مِيزَةٌ لِمُوسَى ؟! ولماذا اخْتَصَّهُ بقولِهِ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، بعْدَمَا ذَكَرَ أنَّهُ أَوْحَى إلى النَّبِيِّينَ بقولِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النِّساء: 163] ؟ لوْ كانَ ذلكَ هوَ التَّجريحَ ما كانَ فيهِ فَضِيلَةٌ ، كيفَ يَكُونُ جَرْحُهُ بِأَظَافِيرِ الحِكْمَةِ ؟ فإنَّ التَّجريحَ عذابٌ ، سَوَاءٌ كانَ حِسِّيًّا أوْ مَعْنَوِيًّا.
ثمَّ يُبْطِلُهُ أيضًا قولُهُ تَعَالَى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: 144]، وَلَمْ يَقُلْ: بِتَكْلِيمِي ، والكلامُ واضحٌ في أنَّهُ أَرَادَ ما سَمِعَهُ منْ كلامِ اللهِ لهُ ، فَبَطَلَ بذلكَ تَأْوِيلُهُ.
كذلكَ أَيْضًا قَولُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا} [الشُّورى: 51] ليسَ المرادُ أنْ يَجْرَحَهُ إلاَّ وَحْيًا، وهل الوَحْيُ تَجْرِيحٌ بأظافيرِ الحِكْمَةِ؟!

فَعُرِفَ بذلكَ أنَّ التَّكليمَ هوَ الكلامُ؛ ولهذا قالَ تَعَالَى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشُّورى: 51] ، يَعْنِي: أوْ يُكَلِّمَهُ منْ وراءِ حجابٍ كما حَصَلَ لِمُوسَى.
(2) مِن الأَدِلَّةِ أيضًا آياتُ النداءِ ؛ فالنِّداءُ لا يُعْرَفُ إلاَّ بالكلامِ.

وقدْ ذَكَرَ اللهُ النداءَ في عِدَّةِ آياتٍ، فَفِي سُورَةِ القصصِ ذَكَرَهُ في ثلاثِ آياتٍ، قالَ تَعَالَى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62]، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، فالنِّدَاءُ لا يكونُ إلاَّ بصوتٍ وبكلامٍ مسموعٍ، قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشُّعراء: 10]، وقالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [النَّازعات: 15 - 16]، وفي هذهِ الآيَةِ: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} إلى قولِهِ تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 11- 14]، وكذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52].

فلا شَكَّ أنَّ النِّداءَ كَلاَمٌ مسموعٌ ، فلا بُدَّ أنْ يَكُونَ كلامُ اللهِ الَّذي تَكَلَّمَ بهِ من الكلامِ المسموعِ الَّذي فَهِمَهُ مُوسَى ؛ ولهذا لَمَّا سَمِعَ كلامَ اللهِ سَأَلَ النَّظَرَ إليهِ وقالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] الآيَةَ ، فَدَلَّ على أنَّهُ سَمِعَ كلامَ اللهِ.
ولا شَكَّ أنَّ مُوسَى سَمِعَ قولَ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14]، مَن الَّذي قالَ هذا لِمُوسَى ؟ هلْ قَالَتْهُ الشَّجَرَةُ ؟!
ولَمَّا رَأَى النَّارَ فقالَ: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29]، {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: 8]، يَعْنِي: سَمِعَ نِدَاءَ اللهِ: {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} [القصص: 30 - 31].
هلْ تقولُ الشَّجرةُ هذا الكلامَ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 12 - 14] ، {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ} [النَّمل: 9 - 10]، هذا كلامٌ لا يَقُولُهُ إلاَّ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ الَّذي نَادَاهُ.
(3) يَكْفِينَا أنَّهُ رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدْ ذُكِرَ في (كتابِ التوحيدِ) في بابِ قولِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] ، حديثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُوحِيَ بِالأَمْرِ تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ، أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ - أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ، خَوْفًا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ- فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا للهِ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ، فَيُكَلِّمُهُ اللهُ - وهذا صريحٌ في أنَّهُ يُكَلِّمُهُ اللهُ منْ وَحْيِهِ بِمَا يَشَاءُ - فَيَنْتَهِي جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ)).
وفي هذا دليلٌ واضحٌ على أنَّ مُوسَى وجبريلَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ كُلاًّ مِنْهُمَا سَمِعَ كلامَ اللهِ، وَلاَ بُدَّ أنْ يَكُونَ المَسْمُوعُ مَفْهُومًا لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ.

(4) وهذا أَيْضًا من الأدلَّةِ ، وهو مِمَّا يَكُونُ في يومِ القيامةِ ؛ عِنْدَمَا يُبْعَثُونَ منْ قُبُورِهِم يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا، كما في بعضِ الرِّوَايَاتِ.
(حُفَاةً): أيْ: غيرَ مُنْتَعِلِينَ، ليسَ عليهم أَحْذِيَةٌ.
(عُرَاةً): أيْ: ليسَ عليهِمْ أَكْسِيَةٌ، عُرَاةَ الأجسادِ.
(غُرْلاً): أي: الرِّجَالُ منهم غيرُ مُخَتَّنِينَ ؛ أيْ أنَّهم كما بَدَأَ خَلْقَهُم ، وكما خَرَجُوا إلى الدُّنيا يَكُونُ خَلْقُهُم كَامِلاً يَعُودُ إليهم ما أُزِيلَ عنهم منْ تِلْكَ الْقَلَفَةِ الَّتي تُقْطَعُ منْ مَذَاكِيرِهِم في الصِّغَرِ، فيكونونَ (غُرْلاً).
(بُهْمًا): قيلَ: إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُم يَغْلِبُ عليهم السَّوادُ منْ شِدَّةِ الحَرِّ ومِن العَرَقِ ونحوِهِ.

البُهْمُ: هوَ السَّوادُ، ومنه: الكَلْبُ البَهِيمُ.

وقيلَ: إنَّ معناهُ أنَّهُم لا يَتَكَلَّمُونَ كالبهائمِ ؛ ولهذا قالَ في آيَةٍ أُخْرَى: {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا} [طه: 108] ؛ يَعْنِي أنَّهُم شاخِصَةٌ أَبْصَارُهُم، كما في قولِهِ: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِم طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم: 43].

وقدْ ذُكِرَ في هذا الحديثِ أنَّهم إذا حُشِرُوا يَسْمَعُونَ نِدَاءَ اللهِ تَعَالَى ، يُنَادِي بِنِدَاءٍ يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ كما يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ ، يُخْبِرُهُمْ بأنَّهُ ربُّهُم ، وبأنَّهُ سَوْفَ يُحَاسِبُهُم.
وقدْ وَرَدَ في حديثٍ آخَرَ: ((فَيُنَادِي آدَمَ بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ))، فهذا وَنَحْوُهُ دليلٌ واضحٌ على أنَّ كلامَ اللهِ تَعَالَى مَسْمُوعٌ ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ وَيَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ.
(5) هذا من الآثارِ الإسرَائِيلِيَّةِ الَّتي تُرْوَى للاسْتِئْنَاسِ لا للاستدلالِ بها، وقدْ قالَ عليهِ السَّلامُ:((لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إلَيْنَا وَأُنْزِلَ إلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46]... الآيَةَ))، وكذلكَ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ …)) الحديثَ.
فهذا الأثرُ فيهِ: أنَّ مُوسَى لَمَّا أَتَى إلى الشَّجرةِ نَادَاهُ مُنَادٍ، فَقَالَ: ((لَبَّيْكَ …)) إِلَى: ((فَعِنْدَ ذلكَ سَأَلَ: أَكَلاَمَكَ أَسْمَعُ أمْ كَلاَمَ رَسُولِكَ؟ قالَ: بلْ كَلاَمِي يَا مُوسَى)).
وأمَّا قولُهُ: ((أنا فَوْقَكَ، وَأَمَامَكَ، وعنْ يَمِينِكَ، وعنْ شِمَالِكَ))، فإنَّهُ يُذَكِّرُهُ بِقُرْبِهِ؛ يَعْنِي: إنِّي قَرِيبٌ مِنْكَ، وإنِّي أَرَاكَ، وإنَّكَ لا تَخْفَى عَلَيَّ.
ولا يُنَافِي ذلكَ صِفَةَ العُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ ؛ حيثُ إنَّهُ أَرَادَ بذلكَ القُرْبَ والمَعِيَّةَ وَعَدَمَ الغَيْبُوبَةِ عنهُ؛ أيْ: أنا عِنْدَكَ ، وأنا قَرِيبٌ منكَ ، ولا يَخْفَى عَلَيَّ مِنْ أَمْرِكَ شَيْءٌ ، وَبِكُلِّ حَالٍ ؛ فهذا دليلٌ على أنَّ اللهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ ، وأنَّهُ أَسْمَعَ كَلاَمَهُ لِمَنْ شَاءَ ، وَمِنْهُم مُوسَى عليهِ السَّلامُ.


  #4  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 09:31 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ صالح آل الشيخ

القارئ:

(وَمِنْ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى: أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلاَمٍ قَدِيمٍ غير مخلوق ، يَسْمَعُهُ مِنْهُ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، سَمِعَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، وَسَمِعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، ومَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْ مَلاَئِكتِهِ وَرُسُلِهِ.

وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُكَلِّمُ المُؤْمِنينَ في الآخِرَةِ ويُكَلِّمُونَهُ ، وَيَأْذَنُ لَهُمْ فَيَزُورُونَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {يا مُوسَى إِنـِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلى النَّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلاَمي} [الأعراف: 144].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {مِنْهُم مَّنْ كَلَّمَ اللهُ} [البقرة: 253].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلـِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيـًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51].
وَقَالَ تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11، 12].
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْني} [طه: 14].
وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بالوَحْي، سَمِع صَوتَهُ أَهْلُ السَّماءِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَحْشُرُ اللهُ الخَلائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ عُرَاةً حُفَاةً غُرْلاً بُهمًا، فَيُنَادِيهِم بِصَوتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُب: أَنا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَانُ)). رَوَاهُ الأَئِمَّةُ واسْتشْهَدَ بِهِ البُخَارِيُّ.
وَفِي بَعْضِ الآثارِ: (أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ رَأَى النَّارَ فَهَالَتْهُ وَفَزِعَ مِنْهَا، نَادَاهُ رَبُّهُ: ((يَا مُوسَى))، فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَكَ وَلاَ أَرَى مَكَانَكَ، فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ قَالَ: ((أَنَا فَوْقَكَ وَأَمَامَكَ وورائك وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ))، فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لاَ تَنْبَغي إلاَّ للهِ تَعَالَى، قَالَ: كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهي، أَفَكَلاَمُكَ أَسْمَعُ، أَمْ كَلاَمُ رَسُولِكَ؟ قَالَ: ((بَلْ كَلاَمِي يَا مُوسَى)) ).
الشيخ:

صفةُ الكلامِ ثابتةٌ للهِ -جلَّ وعلا- بالعقلِ وبالسَّمعِ ، ولهذا الَّذين يثبتون الصِّفاتِ السَّبعَ أو الثَّمانِ ، يجعلون صفةَ الكلامِ من تلك الصِّفاتِ الَّتي يثبتونها ؛ لأنَّهُ دلَّ عليها العقلُ ، كما أنَّهُ دلَّ عليها النَّقلُ.

أمَّا دليلُ العقلِ على هذه الصّفةِ:
فهو أنَّهُ -جلَّ وعلا- ذكرَ الآلهةَ الَّتي ادُّعِيَت ، وجعلَ عدمَ كلامِهَا دليلاً على عجزِهَا، وأنَّهَا لا تصلح آلهةً، قال جلَّ وعلا: {أفلا يروْنَ ألاَّ يرجِعُ إليهم قولاً ولا يملِكُ لهم ضرّاً ولا نفعاً}.

وكذلك في قولِهِ جلَّ وعلا: {فَاسْأَلُوهُمْ إن كانُوا ينطِقُون} وذلك أنَّ الفارقَ بين الحيِّ ومن ليست فيه حياةٌ هو الكلامُ ، فإذا كان متكلِّماً كان هذا أكملَ ، بل كان هذا من صفاتِ الكمالِ ، فالكلامُ من صفاتِ الكمالِ ، وعدمُ الكلامِ من صفاتِ النَّقصِ ، ولهذا كانَ هذا يصلحُ دليلاً عقليّاً.

كما أنَّ السَّمعَ أثبتَ صفةَ الكلامِ ، فنصوصُ الكتابِ والسّنَّةِ -كما سمعتم من إيرادِ المؤلِّفِ- ظاهرةٌ في الدِّلالةِ على صفةِ الكلامِ ؛ قال -جلَّ وعلا-: {وكلّمَ اللهُ موسى تكليماً} وقال -جلَّ وعلا-: {ولمَّا جاءَ موسَى لميقاتِنَا وكلَّمَهُ ربُّهُ}

وقد سألَ بعضُ أهلِ البدعِ أحدَ أئمَّةِ اللغةِ عن قولِهِ تعالى: {وكلَّمَ اللهُ موسى تكليماً} سألَهُ أن يقرأَها بنصبِ لفظِ الجلالةِ، يعني: (وكلَّمَ اللهَ موسى تكليماً) يعني: أن يجعلَ المتكلِّمَ هو موسى، وأن يجعلَ اللهَ -جلَّ وعلا- هو المُكلَّم ، رغبةً منه أن ينفيَ الصِّفةَ ، صفةَ الكلامِ للهِ جلَّ وعلا ، وذلك الرَّجلُ هو أحدُ رؤوسِ المعتزلةِ أظنه عَمرو بنَ عبيدٍ ، فقالَ هذا الإمامُ: (هَبْنِي قرأتُهَا كذلك ، فما تصنعُ بقولِ اللهِ جلَّ وعلا: {ولمَّا جاء موسى لميقاتِنَا وكلَّمَهُ ربُّهُ}؟).

وهذا يدلُّكَ على أنَّ أهلَ البدعِ لهم رغبةٌ في نفي ما دلَّ عليه الكتابُ والسّنَّةُ ، فصفةُ الكلامِ ثابتةٌ للهِ جلَّ وعلا.


والمعتزلةُ يجعلون كلامَ اللهِ مخلوقاً منفصِلاً ، فيقولون: (موسى سمعَ كلامَ الشَّجرةِ) والجهميَّةُ يجعلونه مخلوقاً منفصلاً مطلقاً.

وأمَّا الأشاعرةُ والماتريديَّةُ فهم يثبتون صفةَ الكلامِ ؛ لأنَّهَا من الصِّفاتِ السَّبعِ عندَ الأشاعرةِ ، ومن الصِّفاتِ الثَّمانِ عند الماتريديَّةِ ، ولكن يقولون هو متكلِّمٌ بكلامٍ نفسيّ قديمٍ.

وأهلُ السّنَّةِ والجماعةِ يتميَّزون عن أولئك جميعاً بقولِهِم : إنَّهُ -جلَّ وعلا- يتكلَّمُ بكلامٍ يُسمعُ بحرفٍ وصوتٍ ، إذ الَّذي يُسمع هو ما كانَ بحروفٍ، وما كانَ بصوتٍ.

وكذلك إنَّ كلامَ اللهِ -جلَّ وعلا- صفةٌ له -جلَّ وعلا- قديمةُ النَّوعِ حادثةُ الآحادِ ، فهو -جلَّ وعلا- يتكلَّمُ إذا شاء ، كيف شاء ، وليس كلامُهُ صفةً نفسيَّةً ، بل هو يتكلَّمُ بصوتٍ يسمعُهُ من بَعُد كما يسمعُهُ من قَرُب يومَ القيامةِ ، وصوتُهُ ينفذُ في ملائكتِهِ في السَّماءِ ، وصوتُهُ سمعَهُ موسى عليه السَّلامُ.

ولهذا اعترفَ بعضُ حُذَّاقِ الأشاعرةِ والمتكلِّمين -وهو الآمديُّ في بعضِ كتبِهِ- بأنَّ سماعَ موسى لكلامَ اللهِ -جلَّ وعلا- من الشَّجرةِ أنَّهُ دليلٌ لا يَقبلُ التَّأويلَ، قال: (لأنَّنَا إذا قلنا إنَّ كلامَ اللهِ -جلَّ وعلا- قديمٌ، فهل سمعَ موسى الكلامَ القديمَ؟!)
وإذا كان كلامُ اللهِ -جلَّ وعلا- قديماً فقولُهُ جلَّ وعلا: {قد سمعَ اللهُ قولَ الَّتي تجادِلُكَ في زوجِهَا} يكونُ اللهُ -جلَّ وعلا- يُخبر عن نفسِهِ بأنَّهُ سمعَ كلام المجادِلةَ قبل أن توجدَ المجادِلةُ وقبل أن يوجدَ ذلك الكلامُ؟!
يقولُ: (إنَّهُ لا مفرَّ إمَّا من إثباتِ صفةِ الكلامِ المسموعُ حادثُ الآحادِ، وإمَّا أن يُعتقدَ في اللهِ -جلَّ وعلا- الاعتقاداتُ الباطلةُ) يعني: من الإخبارِ بخلافِ الواقعِ ؛ كما عليه مذاهبُ الفلاسفةِ.
المقصودُ: أنَّهُ اعترفَ بأنَّهُ لا محيدَ من إثباتِ صفةِ الكلامِ.


فأهلُ السّنَّةِ والجماعةِ يتميَّزون بأنَّهُم يثبتون صفةَ الكلامِ ، وأنَّ كلامَهُ -جلَّ وعلا- بصوتٍ يُسمَعُ ، وأنَّهُ بحرفٍ ، إذ إنِّمَا يفهمُ العبادُ الحروفَ ، وأنَّهُ ليس معنى نفسيّاً قائماً به -جلَّ وعلا- يُلقى في روعِ جبريلَ فيأخذُهُ جبريلُ ويعبِّرُ عنه.

ولهذا يقولُ أولئك المبتدعةُ: (إنَّ كلامَ اللهِ -جلَّ وعلا- معنىً واحدٌ قائمٌ بالنَّفسِ ، إن عُبِّر عنه بالعربيَّةِ كان قرآنا ، أو عُبِّر عنه بالسّريانيَّةِ كان إنجيلا ، أو عُبِّر عنه بالعبرانيَّةِ كان توراةً) فيجعلون كلامَ اللهِ -جلَّ وعلا- شيئاً واحداً ويجعلونه هو عينُ الأمرِ ، وهو عينُ النهي، وهو عينُ الخبرِ ، وهو عينُ بقيَّةِ أنواعِ الكلامِ.

وهذا -والعياذُ باللهِ- فيه تنقُّصٌ للهِ جلَّ وعلا.
والاعتقادُ الحقُّ ظاهرٌ بما دلَّ عليه الكتابُ والسّنَّةُ من مثلِ قولِهِ تعالى: {وكلّمَ اللهُ موسى} ثمَّ أكَّدَ بالمصدرِ الَّذي ينفي احتمالَ معنىً آخرَ لغيرِ التكليمِ؛ فقالَ: {تكليماً} يعني: إذا كان (كلَّم) لها معنى غيرُ الكلامِ الَّذي يُسمع فإنَّهُ رفعَ ذلك التَّوهُّمَ بقولِهِ: {تكليماً} ولهذا خُصَّ موسى _ عليه السَّلامُ _ بهذه الخاصيَّةِ، وهو أنَّهُ مُكلَّمٌ، وأنَّهُ كليمُ الرَّحمنِ، يعني: منْ كلَّمَهُ اللهُ -جلَّ وعلا- بلا واسطةٍ.


  #5  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 09:33 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)


المتن:
(ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم ,يسمعه منه من شاء من خلقه).


الشرح:
لما تكلم عن بعض الصفات فيما سبق , أفرد صفة الكلام بفصل خاص؛ وذلك لأهمية هذه المسألة , وكثرة ما وقع فيها من الضلال والانحراف ,فهو أفردها بفصل عما قبلها؛ وصفة الكلام لله عز وجل كسائر الصفات ,الله موصوف ,بأنه يتكلم كيف شاء سبحانه , ومتى شاء، فكلامه من الصفات الفعلية التي يفعلها متى شاء سبحانه وتعالى، تكلم في الماضي ,ويتكلم في المستقبل ,ويتكلم في يوم القيامة متى شاء سبحانه وتعالى ,أن يتكلم؛فإنه يتكلم ,وكلام الله,قديم النوع حادث الآحاد يعني: صفة الكلام من حيث هي قديمة , فالله ما زال يتكلم؛ لأنه سبحانه بصفاته قديم أزلي ,لا بداية له سبحانه وتعالى ,ولا بداية لأسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى وأما آحاد الكلام فإنها تتجدد وتحدث شيئاً فشيئاً ,يتكلم متى شاء سبحانه وتعالى كسائر صفاته الفعلية فالكلام صفة ذاتية فعليه.
وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة، سيورد المصنف رحمه الله جملة منها , ولم يخالف في صفة الكلام إلا الجهمية ,ومن شرب مشربهم من الفرق الضالة ,فالجهمية يقولون: إن الله لا يتكلم ,وإنما خلق الكلام في غيره ,إما في جبريل وإما في محمد ,وإضافة الكلام إلى الله من إضافة المخلوق إلى خالقه، فالله جل وعلا لا يوصف عندهم بالكلام أبداً، وإنما الذي يتكلم مخلوق ,خلق الله الكلام فيه، إما جبريل وإما محمد، هذا كلامهم.
وهذا أيضاً مذهب المعتزلة ,مذهب المعتزلة والجهمية سواء ,ينفون الكلام عن الله ,ويقولون: إن كلام الله مخلوق ,هذا مذهب الجهمية والمعتزلة ,الأشاعرة أرادوا أن يجمعوا بين المتناقضات ,فقالوا: إن الله موصوف بالكلام النفسي فقط ,ولم يتكلم بحرف يسمع , ولا بصوت يسمع ,وإنما هو كلام نفسي عبر عنه جبريل ,أو عبر عنه محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا القرآن عند الأشاعرة هو عبارة عن كلام الله ,وليس هو كلام الله، عبر به جبريل ,أو عبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن المعنى النفسي، فالمعنى معنى القرآن من عند الله ,وأما ألفاظه فهي من عند المخلوق ,فهم جمعوا بين المتناقضات ,جعلوا القرآن مخلوقاً وغير مخلوق، مخلوق من حيث اللفظ والحروف ,وغير مخلوق من حيث المعنى ,وهذا باطل وتناقض.
أهل السنة والجماعة يقولون: القرآن كلام الله ,لفظه ومعناه ,ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني ,دون الحروف ,فالقرآن هو كلام الله لفظه ومعناه ,تكلم الله به حقيقة ,سمعه جبريل ,وبلغه لمحمد صلى الله عليه وسلم ,وسمعه موسى عليه السلام ,الله كلم موسى تكليما من غير واسطة ,وسمعه موسى عليه السلام في غير ما مرة، ولهذا خُص موسى بأنه كليم الله: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } وهو موسى عليه السلام ,فموسى اخُتص من بين الرسل بأنه كليم الله ,كلمه ربه تكليما من غير ما واسطة ,وسمع موسى كلامه.
وكذلك الله جل وعلا يكلم عباده يوم القيامة ,يكلم أهل الجنة , ويسلم عليهم ,ويردون عليه السلام ,بكلام يسمعونه ,يرونه عياناً بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر ,وكما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب ,ويكلمهم ويسلم عليهم ,ويسمعون كلامه , ويردون عليه السلام.
فالله جل وعلا تكلم ويتكلم , إذا شاء سبحانه وتعالى بكلام حقيقي؛لفظه ومعناه ,وأما كيف يتكلم ,فهذا لا نعلمه، هذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ,فليس كلامه ككلام المخلوق، لا نقول: إنه يتكلم كما يتكلم المخلوق، بل نقول: إنه يتكلم كما يشاء سبحانه وتعالى، وكيف يشاء ,ولا يعلم كيفية كلامه إلا هو سبحانه وتعالى ,كسائر صفاته.


المتن:
(ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم).


الشرح:
بكلام قديم النوع ,فلا يقال , قديم مطلق كذا ,يقال: قديم النوع حادث الآحاد، يعني: جنس الكلام قديم , وأما أنواعه فهي تتجدد وتحدث متى شاء الله سبحانه وتعالى.


المتن:
(يسمعه منه من شاء من خلقه).

الشرح:
يسمعه منه من شاء من خلقه، يسمعه جبريل عليه السلام , فيحمله ويبلغه إلى أنبيائه، وسمعه موسى عليه الصلاة والسلام.


المتن:
(سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة).

الشرح:
هذا لا شك فيه، أن موسى عليه السلام سمع كلام ربه من غير واسطة ,من غير واسطة بينه وبين الله، وبذلك اختص موسى بهذه الميزة العظيمة من بين إخوانه النبيين.

المتن:
(وسمعه جبريل عليه السلام).

الشرح:
كذلك اختص الله جبريل عليه السلام بأنه يسمعه كلامه ,ويسمعه أهل السماء ,فإذا سمعوه صعقوا كما جاء في حديث النواس بن سمعان وغيره، قال: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات من رجفة أو رعدة شديدة، فإذا سمعها أهل السماء صعقوا وخروا لله سجداً).

المتن:
(ومن أذن له من ملائكته ورسله).

الشرح:
ومن أذن الله بسماعه من ملائكته ورسله ,مثل موسى عليه السلام ,ومثل جبريل.

المتن:
(وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه).

الشرح:
يكلم المؤمنين في الجنة , ويكلمونه من غير واسطة ,يسمعون كلامه ويرونه سبحانه وتعالى ,وهذا في الجنة.

المتن:
(ويأذن لهم فيزورونه).

الشرح:
يزورونه في يوم معين ,يجتمعون في مكان في الجنة ,ثم يتجلى لهم سبحانه وتعالى بذاته ,ويرونه ويكلمهم ,ويكلمونه؛لأن الله يعطيهم يوم القيامة قوة وقدرة يقدرون بها على رؤية الله جل وعلا وعلى سماع كلامه، أما في هذه الدنيا فلا أحد يستطيع أن يرى الله جل وعلا.

المتن:
(قال الله تعالى: { وكلم الله موسى تكليماً } ).

الشرح:
{ وكلم الله موسى تكليماً } كلم الله موسى ,كلمه يعني: مباشرة من غير واسطة ,ثم أكد ذلك فقال: { تكليماً } المصدر مؤكد ينفي أن يكون هناك معنى للتكليم غير ما يظهر منه، بأن يقال: كلمة بواسطة، بل رفع هذا بقوله: { تكليماً }.

المتن:
(وقال سبحانه: { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي } ).

الشرح:
{ يا موسى } هذا نداء الله جل وعلا , ينادي موسى عليه السلام: { إني اصطفيتك } أي: اخترتك { على الناس برسالاتي وبكلامي } الشاهد قوله: { وبكلامي } أي: تكليمي لك من غير واسطة.

المتن:
(وقال سبحانه: { منهم من كلم الله } ).

الشرح:
{ تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله } وهو موسى عليه الصلاة والسلام كلمه الله مباشرة من غير واسطة.

المتن:
(وقال سبحانه: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب } ).

الشرح:
وقال سبحانه وتعالى: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } يعني: ليس أحد يكلمه الله من غير حجاب بينه وبينه، هذا في الدنيا فإن أحداً لم ير الله جل وعلا في الدنيا أبدا، ولهذا لما سأل موسى ربه أن يراه { قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا }، وصار تراباً من عظمة الله سبحانه وتعالى ,ولم يستطع الصمود والثبات , فكيف البشر المكون من لحم ودم؟كيف يستطيع أن يرى الله جل وعلا عياناً في الدنيا؟ { وخر موسى صعقا } غشي عليه من شدة الهول، { فلما أفاق } يعني: ذهب عنه الغشي والروع { قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين } فهذا موسى سأل الرؤية في الدنيا.


الشريط الخامس


ولكن ما من أحد من البشر يكلم الله قبل الآخرة من غير حجاب ,و يرى الله سبحانه وتعالى عياناً: { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً } ,وحياً: بأن يلهمه إلهاماًكما ألهم أم موسى أن تعمل مع ولدها ما عملت ,وكما يحصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أحياناً من وحي الإلهام ,هذا يسمى بالإلهام ,وهو يحصل للعبد بدون واسطة الملك ,إلهام يلهمه الله من يشاء من عباده.
{ إلا وحياً أو من وراء حجاب } ,كما حصل لموسى عليه الصلاة والسلام؛فإن الله كلمه بدون واسطة ,لكن من وراء حجاب؛لأن موسى لم ير الله جل وعلا في الدنيا كما ذكر الله ذلك في سورة الأعراف: { رب أرني أنظر إليك قال لن تراني } فهو كلمه من وراء حجاب.
{ أو يرسل رسولاً } من الملائكة إلى ذلك البشر ,فيوحي بإذنه ما يشاء ,وهذا بواسطة الملك.
فإذن تكليم الله إما أن يكون إلهاماً ,وإما أن يكون تكليماً من وراء حجاب ,وإما أن يكون تكليماً بواسطة الملك ,وأما أن يكلم الله جل وعلا أحداً من خلقه في الدنيا من غير حجاب ,ويرى ربه رؤية عيان , فهذا لم يحصل لأحد , وإنما هذا في الآخرة للمؤمنين خاصة.
فالشاهد من الآية أن الله أثبت لنفسه الكلام ,وأنه يكلم من يشاء من وراء حجاب ,أو بالوحي ,أو بواسطة الملك.


المتن:
(وقال سبحانه: { فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك } ).

الشرح:
موسى عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله قصته ,أنه خرج هارباً من فرعون ,لما قتل الرجل القبطي , وتآمروا على قتله ,جاءه النذير فخرج عليه الصلاة والسلام ,وتوجه تلقاء مدين ,وبقي في مدين عشر سنين يرعى الغنم على أن يتزوج ابنة الشيخ الكبير , تزوجها برعي الغنم ثمان سنين أو عشر سنين ,فتزوجها على هذا المهر ,وبقي يرعى الغنم عشر سنين.
{ فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا } رجع بزوجته إلى مصر بلاد أهله , وضل الطريق ,وكانت ليلة باردة ,شديدة البرودة ,فأبصر ناراً ,ففرح بها؛لأنه كما تعلمون أن المسافر التائه إذا رأى ناراً يفرح بها ,خصوصاً إذا كان جائعاً ومحتاجاً.
فأجلس أهله ينتظرونه وذهب إلى النار , { فلما أتاها } على أنها ناراً عادية سيطلب منهم أن يدلونه على الطريق ,أو يأتي منهم بشهاب قبس يصطلي به هو وزوجته من البرد ,هذا غرضه عليه الصلاة والسلام ,لكن الله أراد غير ذلك , { فلما أتاها } وصل إلى النار , { نودي يا موسى } ,نودي ,من الذي ناداه؟ الله جل وعلا.
{ نودي يا موسى إني أنا ربك } , هذا نداء مشافهة ,من غير واسطة ,{ فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى }... إلى آخر الآيات التي جاءت في هذا السياق.
وفي الآية الأخرى: { فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأن ألق عصاك }.
فهذه الآيات صريحة , (أن الله كلم موسى من غير واسطة ,وسمع موسى كلامه حقيقة غير مجاز), لم يتضح لي معنى هذه الجملة!ومن غير ما يشكل على أن هذا الكلام كلام حقيقي بحرف وصوت ,وسمعه موسى ,وأنه نداء ,{ فلما أتاها نودي يا موسى } ,أهل الضلال يقولون: إن الله خلق الكلام في الشجرة فتكلمت ,هي التي تكلمت.هل الشجرة تقول: { يا موسى إني أنا ربك }؟
هذا كلام فظيع والعياذ بالله.
هل الشجرة تقول: { يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى، وأنا اخترتك }؟! هل الشجرة تقول: { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى، إنني أنا الله }؟! الشجرة تقول: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري } ؟! هل هذا كلام الشجرة؟!
هذا كلام رب العالمين ,تعالى الله عما يقولون , فالآيات واضحة وضوحاً لا شك فيهفي أن الله هو الذي تكلم سبحانه ,وأن موسى سمع كلام الله ,ففيها إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى ,وأنه كلام يسمع.


المتن:
(وقال سبحانه وتعالى: { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } ).

الشرح:
الشجرة تقول:{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني }؟! تعالى الله عما يقولون.


المتن:
(وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله).

الشرح:
غير جائز أن يقول هذا أحد ,هذا رد على الجهمية ,أن تقول الشجرة: { إنني أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى } ,فلا يليق أن يكون هذا الكلام من مخلوق ,وإنما هو كلام الخالق جل وعلا.


المتن:
(وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء.روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم).

الشرح:
إذا تكلم الله بالوحي سمع ذلك أهل السماء.أي الملائكة الذين في السماء وهذا موقوف على ابن مسعود ,لكن جاء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماوات منه رعدة - أو رجفة - شديدة فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا لله سجداً ,فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ,فيكلمه الله من وحيه بما شاء ,ثم يمر جبريل كلما مر بأهل السماء سأله أهلها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق ,وهو العلي الكبير).
فهذا فيه أن الله يتكلم بكلام ترتجف له السماوات من هيبته ,وأن الملائكة يصعقون ويخرون لله سجداً ,وأنهم يسألون إذا أفاقوا ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير ,ففيه إثبات الكلام لله وأنه يسمع ,تسمعه السماوات ,ويسمعه أهل السماوات ,ويحمله جبريل ,يسمعه جبريل من الله ,ويبلغه لمن أمره الله بتبليغه من الرسل ,من رسل البشر.


المتن:
(وروى عبد الله بن ُأنيس ,عن النبي صلى الله عليه وسلم ,أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلاً بهماً، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب:أنا الملك ,أنا الديان). رواه الأئمة ,واستشهد به البخاري).

الشرح:
(إن الله سبحانه وتعالى إذا كان يوم القيامة ينادي بصوت). هذا فيه أن الكلام من الله جل وعلا متجدد الآحاد ,وأنه يتكلم إذا شاء , فهذا كلام يحدث منه سبحانه وتعالى يوم القيامة ,كلام بصوت هذا نفي للمجاز , يسمعه من قرب ومن بعد , هذا دليل على أن هذا الكلام حقيقي، وأنه بصوت، وأنه يُسمع، وذلك في المحشر ,إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة ينادي بصوت: أنا الملك، أنا الديان.هذا صريح في أن هذا الكلام صادر من الله جل وعلا ,وأنه بصوت ,وأنه يسمع ,فهل بعد هذا التفصيل ,وهذا البيان بيان في أن الله جل وعلا يتكلم كلاماً حقيقياً ,وأنه يتكلم إذا شاء ,وأن كلامه يتجدد سبحانه وتعالى متى شاء ,يأمر وينهى ,ويخلق ويرزق ,كل ذلك بكلامه جل وعلا.
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }.


المتن:
(وفي بعض الآثار ,أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار ,فهالته ,ففزع منها ,فناداه ربه: يا موسى. فأجاب سريعاً، استئناساً بالصوت ,فقال: لبيك لبيك ,أسمع صوتك ولا أرى مكانك ,فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك وأمامك ,وعن يمينك وعن شمالك.فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى ,قال: كذلك أنت يا إلهي ,أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى).

الشرح:
هذا يوضح ما سبق من تكليم الله لموسى عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة ,الليلة التي كان في الطريق سائرا بأهله إلى بلده ,وأصابه شيء من الضياع عن الطريق ,وشيء من البرد , فذهب إلى النار التي تراءت له ,يريد منها الخبر عن الطريق ,ويريد منها الجذوة؛ ليقتبس منها لأهله؛لعلهم يصطلون.
فالله جل وعلا ناداه وكلمه ,لما جاء إلى هذه النار ,بكلام سمعه موسى عليه الصلاة والسلام ,وقال: أسمع كلامك ولا أرى مكانك؛لأن الله جل وعلا لا يرى في الدنيا ,محتجب عن خلقه في الدنيا؛لأنهم لا يطيقون رؤيته سبحانه وتعالى؛لعظمته وكبريائه ,فلا أحد يطيق النظر إليه في الدنيا ,وإنما هذا يحصل للمؤمنين يوم القيامة؛إكراماً من الله لهم.


المتن:
(فقال: لبيك لبيك ,أسمع صوتك ولا أرى مكانك ,فأين أنت؟قال: أنا فوقك وأمامك).

الشرح:
أنا فوقك.هذا فيه إثبات العلو ,"أنا فوقك وأمامك... ".


المتن:
(وعن يمينك وعن شمالك).


الشرح:
" وعن يمينك وعن شمالك ".أي: أن الله جل وعلا محيط ,وهو وإن كان جل وعلا في العلو فإنه محيط بخلقه من أي جهة ,لا يخفى عليه من أمرهم شيء ,فهو في السماء ,ومع هذا هو محيط بخلقه سبحانه وتعالى ,لا يخفي عليه شيء من أمورهم ,بل هو مطلع عليهم ,وشاهد عليهم سبحانه وتعالى.
فالشاهد منها أن فيها إثبات الكلام لله عز وجل ,وفيها إثبات الفوقية لله والإحاطة ,وأن فوقيته لا تتنافى مع إحاطته بخلقه سبحانه وتعالى.


  #6  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 09:34 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ :عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله ( مفرغ )

ثم بدأ الشيخ يتكلم عن إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى فقال :
(( ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم))

إطلاق لفظ القديم على الله وقع فيه خلاف, فبعض العلماء يرى أن الله سبحانه وتعالى لم يرد وصفه بالقدم؛ لأن القديم في اللغة العربية هو المتقدم على غيره ومن ثم قالوا :إن الأولى وصفه تعالى بالاسم الشرعي الوارد ((الأول )) الذي ليس قبله شيء, ولكن ورد في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سنن أبي داود أنه كان يقول حين يدخل المسجد : ((أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم , وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ))(1) فهذا يدل على أن القديم قد يستعمل أحياناً بمعنى الأزلي .

فقول الشيخ : (( أنه متكلم بكلام قديم )).
أي (( أزلي )), وأهل السنة والجماعة يثبتون لله سبحانه وتعالى صفة الكلام على ما يليق بجلاله وعظمته , لكنهم يقولون : إن كلامه تبارك وتعالى قديم النوع حادث الآحاد؛ لأن الكلام من صفات الأفعال , أي أنه تبارك وتعالى يتكلم إذا شاء متى شاء, فهو سبحانه وتعالى متصف بصفة الكلام أزلاً, وهو سبحانه وتعالى يتكلم بإرادته ومشيئته .

فقول العلماء : "إن كلامه سبحانه وتعالى قديم النوع حادث الآحا د" :
قديم النوع : أي أن الله متصف بهذه الصفة أزلاً .
حادث الآحاد : أي أن الله يتكلم إذا شاء متى شاء .

وهذه الصفة التي أثبتها السلف رحمهم الله تعالى أثبتها ألأشاعرة في الجملة, لأنهم يثبتون الصفات السبع ومنها صفة الكلام, لكن إثبات السلف رحمهم الله تعالى لها هو الإثبات الموافق للنصوص, أما إثبات أولئك لها فهو مخالف لما دلت عليه النصوص.
وحتى نبين مذهب السلف في كلام الله فإننا نذكر قول المعتزلة وقول الأشاعرة , لأن هذه القضية هي التي بني عليها القول بخلق القرآن .

فعند المعتزلة أن الله تعالى لا تقوم به صفة الكلام, وكلام الله شيء منفصل عنه فهو مخلوق , ولذلك قالوا : إن هذا القرآن الذي هو كلام الله تعالى من جنس مخلوقاته, فكما أنه خلق السموات , والسموات منفصلة عنه, فكذلك أيضاً تكلم بالقرآن والقرآن مخلوق منفصل عنه, فجاءت مقالتهم الضالة المشهورة بخلق القرآن لأنهم لا يثبتون لله صفة الكلام التي تقوم به تبارك وتعالى . هذا مذهب المعتزلة .

والأشاعرة قالوا في مقابل ذلك : نثبت لله صفة الكلام , لكن الكلام الذي نثبته لله هو الكلام النفسي القائم بذاته ولا ينفصل عنه, فالله سبحانه وتعالى متصف بصفة الكلام أزلاً, وكلامه قائم بذاته , لكن الكلام عندهم هو المعنى القائم في النفس فقط , ومن ثم قالوا : إنه بغير حرف وصوت
وقالوا : إنه لا يتكلم بإرادته ومشيئته هذا كلام الأشاعرة .

فالكلام عندهم هو المعنى القائم بالنفس, كخواطر النفس وما أشبه ذلك, لكن ليس هناك كلام بحرف وصوت مسموع, ومن ثم قالوا بأنه لا يمكن أن ينقل أو يتلقى عن الله تبارك وتعالى .

فلما قال لهم أهل السنة : إذن فما تقولون في هذا القول الذي يتلى ويحفظ ويكتب ؟
أنتم تقولو ن : إن كلام الله تعالى يقوم به ولا ينفصل عنه فما الذي في هذه المصاحف , وهل هو كلام الله ؟
قالوا : هذا القرآن الذي بين أيدينا ليس كلام الله, وإنما هو عبارة عن كلام الله أو حكاية عن كلام الله عبر عنه جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم - على اختلاف فيما بينهم في ذلك - وليس هو كلام الله حقيقة .
فانظر كيف أدى بهم مذهبهم وتأصيلهم الفاسد إلى مثل هذه الضلالات, وإذا كنا نطعن في المستشرقين وغيرهم لأنهم يزعمون أن القرآن كلام محمد صلى الله عليه وسلم, فقد وجد في بعض متكلمي الأشاعرة من يقول بذلك .
كما أنه ليس هناك فرق بين قول المعتزلة وقول الأشاعرة في هذا القرآن الموجود بين أيدينا؛ فالمعتزلة يقولون : مخلوق, والأشاعرة يقولون : هو من كلام محمد أو جبريل أو غيرهما ؛ لأن القرآن العربي عندهم مخلوق, وهو كونه بهذه اللغة العربية , وكذا بالنسبة للتوراة باللغة العبرانية , والإنجيل باللغة السريانية , هذه الكتب كلها مخلوقة على زعمهم ؛ لأنها ليست هي كلام الله, وإنما كلام الله هو المعنى القائم بذاته الذي لا ينفصل عنه, فليس
بين المعتزلة والأشاعرة في القرآن العربي خلاف في أنه مخلوق, فالفريقان كلامهما في النهاية واحد وهو أن القرآن الذي بين أيدينا مخلوق, وهذا ما صرح به بعض متكلمي الأشاعرة كما في شرح المواقف وغيره .
أما أهل السنة والجماعة - وهم الوسط بين الطائفتين - فقد وفقهم الله سبحانه وتعالى إلى القول الوسط لسيرهم على المنهاج الحق في هذه المسألة .
حيث قالوا : القرآن هو كلام الله تكلم به حقيقة, والله سبحانه وتعالى يتكلم إذا شاء متى شاء, والقرآن من جملة كلام الله سبحانه وتعالى , فيثبتون صفة الكلام القائم بذاته, ويثبتون الله أيضاً ما ورد الدليل على أنه كلام الله مثل هذا القرآن العظيم, ومن ثم فإن أهل السنة والجماعة يقولون : إن الله متصف بصفة الكلام أزلاً, ا وإنه تبارك وتعالى كلَّم موسى في ذلك الوقت الذي وجد فيه موسى وفي هذا المكان , لما كان بجانب الطور, إذن هو سبحانه وتعالى يكلم عباده ويتكلم إذا شاء متى شاء .
وقد تخبط الفريقان المخالفان في مسألة تكليم الله لموسى, فقالت المعتزلة : إن الذي تكلم هو الشجرة وبكلام مخلوق في الشجرة .
وقالت الأشاعرة : إن موسى سمع كلام الله الأزلى القائم به تعالى , وهذا كله ضلال نشأ عن ضلالهم في مذهبهم في صفة الكلام لله تعالى كما سبق .
فأهل السنة يقولون : إن الله يتكلم , وكلامه سبحانه وتعالى تسمعه الملائكة ويبلغونه , وكلامه تبارك وتعالى قد يكتب في اللوح المحفوظ, وهذا
القرآن هو كلام الله مكتوب في المصاحف ؛ لأن الكلام إنما هو لمن تكلم به مبتدئاً لا لمن قاله مبلغا, فالقارئ للقرآن مثلاً مع أنه يتلوه كلام الله بصوته, إلا أن ذلك ليس معناه أن القرآن هو كلام هذا القارئ, بل هو كلام الله تعالى وإن تكلم به غيره بصوته .
هب أن أحد من الناس أتى بصحيفة كتبت فيه معلقة امرئ القيس وأخذ يقرؤها فهل يقول عاقل إنه هو صاحب تلك المعلقة ؟ من البدهي أن يقال : إن صاحبها هو الشاعر امرؤ القيس, أما هذا القارئ فقد نقلها إلينا أوقرأها علينا أونحو ذلك؛ لأن الكلام ينسب لمن قاله مبتدئاً ومثله لما يقال عن متن أو نظم في العقيدة ونحوها : هذه عقيدة فلان, والله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن, وهذا القرآن نقل إلينا وحفظه جبريل وتلقاه محمد صلى الله عليه وسلم وتلقاه الصحابة وكتبوه, فهو كلام الله سبحانه وتعالى حقيقة, محفوظ في الصدور, ومكتوب في السطور, ومتلو بالألسن .
فالله سبحانه وتعالى متصف بصفة الكلام أزلاً , وهو يتكلم إذا شاء متى شاء , كلم آدم في وقت خلق آدم, وكلم موسى في وقت وجود موسى, وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم في وقت وجود محمد ليلة المعراج, ويكلم أهل الجنة يوم القيامة حينما يدخلون الجنة, ومن ثم فلا يأتي قائل ويقول : كلامه سبحانه وتعالى أزلي أو مخلوق وينفي كلامه بمشيئته , فمنهج أهل السنة والجماعة إثبات أن الله يتكلم إذا شاء متى شاء, وهذا هو الكمال .
وصفة الكلام إنما تكون كمالاً لله تعالى إذا قامت به وتكلم بشيئته وإرادته
كما دلت على ذلك النصوص, ولله المثل الأعلى,
هب أنه يوجد بيننا ثلاثة رجال؛ أحدهم أخرس لا يتكلم, والثاني يتكلم ليلاً ونهاراً لا يسكت أبداً , والثالث عنده قدرة على الكلام, لكنه يتكلم بعقل إذا شاء متى شاء وحين تكون هناك حاجة للكلام , فلا شك أن هذا الأخير هو أكمل الثلاثة؛ لأن الأول أخرس والخرس صفة نقص .
والثاني الذي يتكلم أبداً ولا يسكت قامت به صفة نقص وهي عد المشيئة والإرادة, أما الثالث الذي يتكلم إذا كان الكلام خيراً ويسكت إذا كان السكوت خيراً, بمعنى أنه يتكلم إذا شاء متى شاء, فهذا بلا شك هو الأكمل .
هذا بالنسبة للمخلوق ولله المثل الأعلى الذي يقتضي أن كل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجه ثبت لمخلوق بالله أولى به, كيف وقد دلت النصوص الكثيرة على أن الله سبحانه وتعالى متصف بصفة الكلام , وأنه يتكلم إذا شاء متى شاء, وان هذا من كماله سبحانه وتعالى, فمن كماله تبارك وتعالى أنه كلم موسى في هذا الوقت الذي كان فيه موسى بجانب الطور كلاماً سمعه موسى, عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
أما القو ل بانه لا يتكلم ولا تقوم به صفة الكلام فهذا صفة نقص, وكذلك القولا بأنه لا يتكلم بمشيئته وإرادته ,هو أيضاً صفة نقص , والله سبحانه وتعالى منزه عن النقائص. ثم قال ابن قدامة : (( يسمعه منه من شاء من خلقه )) فإذا أراد الله سبحانه وتعالى كلم عباده وأسمعهم كلامه , ثم مثل الشيخ رحمه الله لذلك بقوله : (( سمعه موسى عليه السلام من غير واسطة)) وهذا صحيح , فقد دل القرآن العظيم على أن الله كلم موسى , وجاءت بصيغة التأكيد كما في قول تعالى : (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (النساء: من الآية164), ومع هذا الوضوح في إثبات صفة الكلام لله عز وجل , فإن بعض أهل البدع بلغ به الأمر أن يقول : وددت أن أجد من يقرأ هذه الآية بنصب لفظ الجلالة حتى يثبت أن موسى هو لذي كلم ربه , يريد بذلك أن ينفي عن الله صفة الكلام , فقال لـه أحد أئمة القراء من أهل السنة : هب أننا وجدنا من قرأها على هذا النحو أي بنصب لفظ الجلالة, فما ذا ستصنع بقوله تعالى, (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ) (لأعراف: من الآية143) فبهت هذا المفتري؛ لأنها صريحة في أن الله تبارك وتعالى هو المتكلم .

فموسى إذن سمع كلام الله مباشرة, وهو بجانب الطور في هذا الوقت , كما دلت الأدلة الأخرى على أن جبريل عليه السلام سمع كلام الله , وكذلك من أذن لـه من ملائكته ورسله, وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ومنه ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : (( ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبح حملة العر ش, ثم يسبح أهل السماء الذين يلونهم , حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا,فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم )) (2).

فهذا يدل على أن جبريل والملائكة يسمعون كلام الله سبحانه وتعالى . إذن هو تبارك وتعالى يتكلم بكلام مسموع . وكذلك فإن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم سمعوا كلامه كما في قصة موسى, وكما في قصة محمد صلى الله عليه وسلم , فإن الله كلمه كفاحاً ليلة المعراج , وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما .
ثم قال : (( وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة )) وهذا أيضاً ورد في الصحيحين وغيرهما حيث وردت في ذلك, أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم , منها أن الله عزوجل يقول لأهل الجنة : (( يا أهل الجنة , فيقولون : لبيك وسعديك )) (3) .إلى آخر الحديث .
فهذا نص صريح في أن الله يخاطب أهل الجنة ويكلمهم ويكلمونه, وهي أحاديث صحيحة صريحة, دالة دلالة قاطعة على هذه الصفة .
وقول المؤلف - رحمه الله - (( يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه )) يقولون : لبيك وسعديك (( ويأذن لهم فيزورونه )).
ورد هذا في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن أهل الجنة إذا دخلوا فيها نزلوا بفضل أعمالهم, ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم )) (4).
وهذا رواه الترمذي وابن ماجه لكنه حديث ضعيف, إنما الثابت أن الله يكلم أهل الجنة ويكلمونه , حيث ورد في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر الأدلة على ذلك فقال : (( قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيما) , وقوله : تكليماً مصدر تأكيدي يدل على أن هذا التكليم إنما هو تكليم حقيقي, وقال سبحانه وتعالى : (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي),
وهذا يدل على أمرين :
الأمر الأول : أن الله كلمه بذلك وقال له : يا موسى إني اصطفيتك .
الأمر الثاني : أن الله اصطفاه برسالته, واصطفاه بكلامه, ولهذا سمي موسى كليم الله سبحانه وتعالى .
ولعل العلة- والعلم عند الله سبحانه وتعالى - في تسمية موسى كليم الله, مع أن الله كلم محمداً صلى الله عليه وسلم وكلم آدم؛ أن الله كلمه على الأرض وهو على طبيعته البشرية, بخلاف تكليم الله لآدم فإنه كلمه وهو في السماء, وتكليم الله لمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه كلمه وقد عرج بروحه وجسده إلى السماء , أما تكليمه لموسى فهو على الأرض, وهذا فيه خصوصية لموسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم .
وقال سبحانه وتعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ) أي من رسل الله من كلم الله أي كلمه الله تعالى كموسى ومحمد وغيرهما عليهم الصلاة و السلام. وقال سبحانه وتعالى : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) (الشورى: من الآية51)
فقد اشتملت هذه الآية على أنواع الوحي الثلاثة:
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً) هذا أول الأقسام , وذلك بأن يلقي الوحي في قلب الرسول من غير إرسال ملك ولا مخاطبة منه شفاهةً .
والثاني: ( أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) أي يكلمه الله ويوحي إليه شفاهة, لكن من وراء حجاب كما حصل لموسى عليه والصلاة والسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حين فرض عليه الصلاة مباشرة دون واسطة , وهذا هو الشاهد من الآية .
ثم قال عن الثالث : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) يبلغ عن الله كلامه كجبريل- عليه السلام - وقال سبحانه تعالى : (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى* إِنِّي أَنَا رَبُّك) فلما أتاها : أي النار (( نودي )) والنداء إنما يكون بصوت , ولا يمكن أن يكونه النداء إلا بصوت, والذي نادى موسى وكلمه هو الله سبحانه وتعالى , وهذه الآية نص صريح في إثبات كلام الله لموسى, وأن كلامه له إنما هو بصوت سمعه موسى , ولهذا قال سبحانه وتعالى مبيناً أنه هو المتكلم لا غيره : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي).
ومن تكليم الله لموسى أنه قال له : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (طـه: من الآية12) وأيضاً من تكليم الله له أنه قال له : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي).

ومع هذه النصوص الصريحة يأتي بعض الذين تأولوا صفة الكلام لله تعالى فيقول : إن هذا الكلام كلام ملك, جعله الله تبارك وتعالى واسطة بينه وبين موسى , ويقول بعضهم : إن الواسطة هي الشجرة , فهي التي سمع منها موسى هذا الكلام وهذا التأويل باطل ولا يمكن أن يقول به عاقل أبداً, إذ كيف يقول الملَكُ أو الشجرة : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي). لو كان هذا الكلام كلام الملك أو الشجرة لقال : إنه هو الله لا إله إلا هو فاعبده. أو إن ربك الله فاعبده , أما أن يقول : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي). فهذا نص صريح لا يمكن تأويله .
وقد ذكر هذا الدليل ابن قدامة نفسه فقال : (( وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله )) وهذا صحيح صريح لأنه لا يجوز أن يقول هذا الكلام أحد غير الله سبحانه وتعالى .
ثم ذكر ابن قدامة رحمه الله بعض الأدلة الأخرى في إثبات صفة الكلام لله تعالى , أن الله تعالى يتكلم متى شاء كيف شاء , فيكلم عباده بكلام حقيقي يسمعونه , ومن هذه الأدلة قوله : (( وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (( إذا تكل الله بالوحي سمع صوته أهل السماء كسلسلة على صفوان )) )) إلى آخر الحديث فيسألون جبريل : ماذا
قال ربكم ؟ فيجيبهم بقوله : قال الحق وهو العلي الكبير سبحانه وتعالى .
وقد أورد الشيخ رحمه الله تعالى هذا الأثر موقوفاً فقال : (( وقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : إذا تكلم الله بالوحي )).
وهذا الأثر روي موقوفاً على ابن مسعود بإسناد صحيح, وروي أيضاً برواية أخرى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه الرواية المرفوعة أيضاً واردة بإسناد صحيح, وممن رفعها : ابو داود رحمه الله تعالى في سننه (5) .
فكل من المرفوع والموقوف صحيح, لكن لما كان الموقوف أصح علقه البخاري في صحيح (6) .
وقد ذكر الشيخ الألباني هذا الحديث في (( سلسلة الأحاديث الصحيحة )) ثم قال حفظه الله (7) : (( والموقوف- أي على ابن مسعود - وإن كان أصح من المرفوع, ولذلك علقه البخاري في صحيحه فإنه لا يعل المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر )) .
فلا يمكن أن يقوله ابن مسعود من عند نفسه, فيكون حكمه حكم المرفوع, وما دام روي مرفوعاً وموقوفاً فالأمر فيه واضح , وهو مم يحتج به عل كلا الحالين والحمد لله .
فقوله في هذا الحديث : (( إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء )).
يدل على إثبات كلام الله وأن كلام الله مسموع , وهذا يرد على من قال بالكلام النفساني , أو أن كلام الله ليس بحرف ولاصوت, بل الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم وكلامه مسموع, وأن أهل السماء يسمعون صوته وكلامه , وكذلك أيضاً لما كلم موسى وكلم محمداً وكلم آدم وغيرهم ممن كلمهم الله سبحانه وتعالى , سمعوا ذلك .
ثم قال : (( روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم )) كأن الشيخ هنا يشير إلى المرفوع وإلى الموقوف. ثم قال : (( وروى عبد الله بن أنيس )) الجهني المدني المتوفى سنة 54 رضي الله تعالى عنه, أحد الصحابة المعروفين المشهورين : (( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يحشر الله الخلائق يوم القيامة حفاةُ عراةً غرلا بُهْماً )) )) .
يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة؛ أي ليس عليهم ما يغطون به أجسامهم من كساء أو لباس أو غطاء .
حفاة : أي غير منتعلين .
غرلاً : أي غير مختونين بُهماً :
يعني طليقي الأيدي ليس معهم شيء ولا يحملون معهم أي شيء.

وهذا لبيان أن الناس يبعثون من قبورهم ويحشرون إلى ربهم سبحانه وتعالى وهم على هذه الحالة من الفقر والضعف .
وقد جاء في قصة عائشة رضي الله عنها وأرضاها , حين قالت للرسول صلى الله عليه وسلم : يارسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمر أكبر وأعظم واشد من أن يهتموا بهذا.
فقال : (( يا عائشة الأمر اعظم من أن يهمهم ذلك )) .
(( فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك, أنا الديان )) (8) . هذا هو الشاهد من هذا الحديث .

والنداء كما نعلم لا يكون إلا بصوت, وهذا فيه إثبات أن الله سبحانه وتعالى يتكلم, وأنه تبارك وتعالى إذا نادى الخلائق يوم القيامة, يناديهم بصوت يسمعونه جميعاً .
وهذا الحديث ذكره البخاري تعليقا (9) , ورواه الإمام أحمد , وأبو يعلى من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه, وهو المشهور الوارد في قصة رحلة جابر بن عبد الله رضي الله عنه وارضاه , حين التقى بعبد الله بن أنَيسْ في مصر , حيث رحل إليه شهراً كاملاً, ولهذا ذكره البخاري في كتاب العلم في الباب الذي عقده في مسألة الرحلة في طلب الحديث, لكنه رحمه الله تعالى ذكره معلقاً .

وهذا الحديث رواه البيهقي والبخاري في الأدب المفرد , وهو حديث صحيح وإن كان البخاري رحمه الله تعالى علقه , ولما تعرض الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى لمسألة إثبات صفة الكلام لله وأنه بصوت, نقل كلام بعض الأشاعرة وتأويلهم للأحاديث الواردة في ذلك, وتضعيفهم لهذه الرواية, وان كلامه تعالى ليس بصوت, وبعد أن نقل كلامهم علق عليه بقول : (( وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به, ثم إما التفويض وإنا التأويل)) (10) .
يريد أن إثبات الصوت لله تعالى ما دام ثبت بالأحاديث الصحيحة فإنه يجب قبوله.
وكأن ابن حجر رحمه الله تعالى يرد على أولئك الذين ضعفوا هذه الرواية بناء على مذهبهم في إثبات الكلام النفساني لله وانه ليس بحرف ولا صوت , فبحثوا عن على لهذا الحديث ووجدوا البخاري رواه معلقاً , فضعفوا هذه الرواية لهذا السبب .

اما ابن حجر وهو المحدث فقد غلب عليه هنا جانب الحديث فرد على أولئك وقال لهم : لا تتعرضوا لتضعيفه من أجل ذلك المعنى الكلامي الذي تريدونه , وإذا ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله تعالى يتكلم بصوت فيجب أن تقولوا به , ثم بعد ذلك ابحثوا لـه عن التفويض أو التأويل, أما أن تضعفوا الحديث وتردوه لأجل أنه خالف ما عندكم فإن هذا لا يجوز, وموقف ابن حجر هذا عظيم جداً , مع انه رحمه الله تعالى ممن يميل إلى مذهب الأشاعرة في كثير من المسائل, إلا انه وقف في هذا الموضع وقفة الإمام المحدث, وهذا هو الصحيح.
وقوله بعد ذلك : (( ثم إما التفويض وإما التأويل )) لا يسلم له لأن كلا من التفويض والتأويل باطل .
وهذا الذي فعله ابن حجر من ناحية قبول الرواية الثابت هو الموقف الذي ينبغي وقوفه في كل مسائل الاعتقاد, وكون البخاري رحمه الله علق مثل هذه الرواية لا يطعن فيها؛ لأنها رويت عند غيره بأسانيد صحيحة , بل إن إثبات أن كلام الله بصوت وارد بأدلة كثيرة جداً , فالنداء والمناجاة والكلام والقول في كتاب الله تعالى كل ذلك يدل على إثبات الصوت لله سبحانه وتعالى , فلا يمكن أن يقول قائل : إن موسى عليه الصلاة والسلام سمع كلام الله بلا صوت, ومن قال غير ذلك فإنه قال ما لا يعقل ابداً .

ثم إن الشيخ رحمه الله تعالى قال : (( وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلامُ ليلة راى النار فهالتْهُ وفزِعَ منها , ناداه ربُّه : (( يا موسى فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت : لبيك لبيك- ولبيك معناها استجابة بعد استجابة- أسمعُ صوتك , ولا أرى مكانك, فأين أنت ؟ فقال : أنا فوقك , ووراءَك, وعن يمينك وعن شمالك )).
قال ابن قدامة : (( فَعَلِمَ أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى )) أي أن موسى علم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى فتيقن أن المكلم لـه هو الله تعالى, فقال : (( فكذلك أنتَ يا إلهي, أفكلامك أسمع أم كلام رسولك ؟ )) قال : (( بل كلامي ياموسى )) )) (11). انتهى الأثر .
هذا الأثر أثر إسرائيلي ضعيف لا يؤخذ به, وهو من رواية وهب بن منبه , ووهب بن منبه معروف برواية الإسرائيليات, وقد أورد هذا المقطع من قصة موسى السيوطي في تفسيره (( الدر المنثور)) في تفسير سورة (( طه)) الآية العاشرة , حيث ذكر أثراً طويلاً جداً بلغ صفحات, وذكر منه هذا , وقال السيوطي : أخرجه احمد في الزهد, وعبد بن حميد, وابن المنذر , وابن ابي حاتم عن وهب ابن منبه , فإذاً هذا الأثر هو من كلام وهب بن منبه , وهو أثر إسرائيلي لا يعتدّ به .
والأولى بمثل هذا الأثر أن يُطرح ولا يؤخذ به .
والقضية التي أشار إليها ابن قدامة رحمه الله تعالى قد وردت لها ادلة اخرى في الأحاديث الصحيحة , مثل هذه الآثار الإسرائيلية لا حاجة إليها, والله أعلم .















________________________________
(1) أخرجه أبو داود رقم (466) كتاب الصلاة وصححه الألباني كما في المشكاة رقم (749) هامش رقم (1) وصحيح سنن أبي داود رقم (485) وتمام الحديث أنه (( إذا قال ذلك قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم ))
(2) أخرجه مسلم رقم (2229) كتاب السلام
(3) اخرجه البخاري رقخم (7518) كتاب التوحيد ومسلم رقم (2829) كتاب الجنة

(4) اخرجه الترمذي رقم ( 2549) كتاب الجنة وابن ماجه رقم (4336) كتاب الزهد وقال الترمذي : غريب
(5) أخرجه ابو داود رقم ( 4738) كتاب السنة .

(6) في كتاب التوحيد باب رقم (32) انظر الفتح (13\461) .

(7) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم ( 1293) .
(8) اخرجه أحمد في المسند ( 3\495) والحاكم في المستدرك ( 2\437,438) وصححه ووافقه الذهبي واخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم (970) حسنه الألباني في صحيح الأدب رقم (131,600) وهو في السلسلة الصحيحة رقم (160) واخرجه ايضا البهقي في الأسماء والصفات رقم (131,.600) وقال الحافظ وفي الفتح (1\209) إسناده صالح

(9) صحيح البخاري كتاب العلم باب (19) الخروج في طلب العلم انظر الفتح (1\208) وصحيح البخاري كتاب التوحيد باب (32) الفتح (13\461)
(10) فتح الباري 13\458 عند شرحه للحديث السابق لحديث رقم 7481 من صحيح البخاري باب قوله تعالى (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )(سـبأ: من الآية23)
(11) اخرجه أحمد في الزهد ص(103,104) رقم (342) وهو من كلام وهب بن منبه




  #7  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:51 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
افتراضي شرح لمعة الاعتقاد,الشيخ الغفيص


يعتقد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى موصوف بصفة الكلام كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال السلف، وأنه سبحانه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بإرادته ومشيئته، فهو يتكلم بما شاء وكيف شاء و متى شاء، ويعتقدون أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.


إثبات صفة الكلام لله تعالى

قال الموفق رحمه الله:
[ومن صفات الله تعالى: أنه متكلم بكلام قديم] .

أهل السنة يقولون: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بهذه الصفة، وأنه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بمشيئته وإرادته، فهو يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء، كما يعتقد أهل السنة أن القرآن كلام الله حقيقةً وليس مجازاً. كما أن دلائل اتصاف الرب سبحانه وتعالى بالكلام متواترة في القرآن. فإن قيل: كيف يحصلون هذا؟ قيل: لأن كل آية نداء في القرآن يجعلونها دليلاً على إثبات الكلام؛ وذلك لأن المنادي لا بد أن يكون متكلماً، فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذه الآيات نداء، فيجعلونها من أدلة إثبات الكلام، وكذلك آيات القول: (وَقَالَ رَبُّكُمْ) فإذا أضيف القول إليه سبحانه دل على أنه متكلم، إلى أمثال ذلك. وقد خالف أهل السنة في هذه العقيدة الأشاعرة فقالوا: إنه معنى قائم بالنفس، ويرد عليهم بقوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) [الأعراف:143]. فدل على أن الله تعالى تكلم بهذا الكلام بعد مجيء موسى لميقات ربه، وموسى حادث بعد أن لم يكن، وهذا الميقات متأخر عن زمنٍ سَلَفَ، إلى أمثال ذلك. فمع أن كلامه سبحانه أزلي، فهو مع ذلك متعلق بالإرادة والمشيئة.

قوله: [بكلام قديم] هذا مما أخذه بعضهم على المصنف، أنه يقول عن الله: إنه متكلم بكلام قديم. وهذا مأخذ لفظي، فلو أن المصنف عبر بما هو أجود منه لكان حسناً. أما أنه يقال: إن كلامه هنا غلط بيِّن، وأنه من كلام أهل البدع ومصطلحاتهم معانيهم وما إلى ذلك، فهذا فيه تكلف،
فإنه رحمه الله قال: [متكلم بكلام قديم]، أي: أن كلامه أزلي، وأراد بذلك الرد على بعض أهل البدع الذين يقولون: إن كلامه حادث بعد أن لم يكن، يريدون بذلك تعطيل أو تأويل صفة الكلام.
وكلام الله صفة من صفاته بدلائل الكتاب والسنة، وبدليل العقل. أما دليل العقل؛ فلأن الله هو الإله المعبود فضلاً عن كونه الرب المدبر للكون يلزم منه أن يكون، متكلماً، ولو لم يكن متكلماً لما صح كونه رباً، ولا صح كونه إلهاً، هذا دليل عقلي. أما دلائل الكتاب والسنة، فهي أكثر من أن تحصر في هذا المقام، ومنها على سبيل المثال: قول الله تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ ) [الأعراف:148]. فكان الرد عليهم دليلاً شرعياً وعقلياً في نفس الوقت، وهو قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) [الأعراف:148]، وهذا نقض عقلي لألوهية العجل، فدل على أن الإله الحق لا بد أن يكون متكلماً. ولهذا فإن دلائل القرآن في الصفات وغيرها بعضها خبري وبعضها عقلي؛ فالخبر المحض كقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5]، وأما الدليل الخبري من جهة كونه قرآناً؛ ولكنه سياق عقلي، كمثل آية العجل، وكمثل قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً) [إبراهيم:24]. فإذا ذكر هذه السياقات فهي أتم الأقيسة يقيناً في العقل، وهي الأمثلة المضروبة في القرآن.. (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم:28]إلى غير ذلك. ......

معنى سماع كلام الله
قال الموفق رحمه الله:
[يسمعه منه من شاء من خلقه، سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة] .

قوله:[من غير واسطة] ، هذا رد على من قال: إن موسى سمع العبارة، أو خلق فيه الإدراك للمعنى الأزلي، كما يقول ابن كلاب، وأمثاله، ممن يجعلون الكلام معنىً في النفس.


قال الموفق رحمه الله:
[وسمعه جبريل عليه السلام ، ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه سبحانه يكلم المؤمنين في الآخرة ويكلمونه، ويأذن لهم فيزورونه] .

حديث الزيارة ليس من الأحاديث المنضبطة في الصحة، إنما المنضبط هو لقاؤه سبحانه وتعالى ورؤيته وكلامه للمؤمنين، فهذه مذكورة في القرآن وصحيح السنة بينة منضبطة. وأما حديث الزيارة فقد جاء في المسند وغيره؛ ولكنه ليس من الأحاديث المنضبطة.

بعض الأدلة النقلية على إثبات صفة الكلام


قال الموفق رحمه الله:
[ قال الله تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) [النساء:164]، وقال سبحانه: (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) [الأعراف:144]، وقال سبحانه: (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) [البقرة:253]، وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الشورى:51]، وقال سبحانه: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه:11-12]، وقال سبحانه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي) [طه:14]، وغير جائز أن يقول هذا أحدٌ غير الله] .

أي: وهذا الكلام يمتنع أن يكون المتكلم به غيره سبحانه وتعالى ؛ لأن الله نسبه لنفسه مباشرة، فقال: (أَنَا رَبُّكَ)، (أَنَا الله)، (إِلَّا أَنَا).


قال الموفق رحمه الله:
[وقال عبد الله بن مسعود : (إذا تكلم الله بالوحي، سمع صوته أهل السماء) روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً بهماً، فيناديهم بصوت يسمعه مَنْ بَعُدَ كما يسمه مَنْ قَرُبَ: أنا الملك، أنا الديان) رواه الأئمة واستشهد به البخاري .
وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار، فهالته ففزع منها، فناداه ربه: يا موسى! فأجاب سريعاً استئناساً بالصوت، فقال: لبيك، لبيك، أسمع صوتك ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ قال: (أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك)، فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال: كذلك أنت يا إلهي، أفكلامَك أسمع، أم كلامَ رسولك؟ قال: (بل كلامي يا موسى)] .

هذا الأثر ليس صحيحاً من جهة السند، ولا يحتاج إلى ذكره؛ لأن هذا بيِّن في القرآن في قوله تعالى:( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي) [الأعراف:143].
فكونه حصل السؤال والجواب، وأدرك موسى هذا الجواب دليل على أنه سمع كلام الرب سبحانه وتعالى ، ولا يلزم منها التصحيح لمثل هذا الأثر، الذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك هو بيّن في قوله تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) [النساء:164]، وقوله: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) [طه:14].


  #8  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:52 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر

العناصر
- إثبات صفة الكلام لله تعالى .
- دلالة العقل والنقل على ثبوت صفة الكلام لله تعالى .
- عقيدة أهل السنة والجماعة في صفة الكلام .
- كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد .
- بيان أن كلام الله تعالى بحرف وصوت .
- ذكر الطوائف المخالفة لأهل السنة في إثبات صفة الكلام لله تعالى والرد عليهم .
- عقيدة المعتزلة والأشاعرة والماتريدية في صفة الكلام .
- تعقيب على قول المؤلف: (متكلم بكلام قديم) .
- شرح قوله: (سمعه موسى من غير واسطة) .
- شرح قوله: (وسمعه جبريل) .
- شرح قوله: (ومن أذن له من ملائكته ورسله) .
- شرح قوله: ( ويأذن لهم فيزورونه ) .
- تفسير قول الله تعالى: {وكلم الله موسى تكليما} .
- تفسير قول الله تعالى:{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب} .
- شرح قول ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء) .
- شرح حديث النواس بن سمعان مرفوعاً: (إذا أراد الله أن يوحي بالأمر ...) .
- شرح حديث عبد الله بن أنيس مرفوعاً: (فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب) .
- شرح الأثر الإسرائيلي .

  #9  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 11:53 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Question الأسئلة

الأسئلة
س1: اذكر أدلة إثبات صفة الكلام لله تعالى .
س2: اذكر الطوائف المخالفة لأهل السنة في إثبات صفة الكلام لله تعالى ، وكيف ترد على كل طائفة ؟
س3: اذكر ما يدل على أن كلام الله تعالى بحرفٍ وصوتٍ .
س4: (كلام الله تعالى قديم النوع حادث الآحاد) اشرح هذه العبارة مبيناً من خلالها منهج أهل السنة في إثبات صفة الكلام لله تعالى.
س5: قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن صفات الله تعالى أنه متكلم بكلام قديم) اذكر ما انتقد به المؤلف في هذه العبارة، وكيف يوجه قوله ؟ وما هو التعبير الأسلم ؟
س6: اذكر تفسيراً مختصراً لقول الله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً}.
س7: هل كلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بلا واسطة ؟
س8: اختص الله تعالى بعض خلقه بتكليمه إياهم بلا واسطة ، اذكر ما تعرف من هؤلاء مع الاحتجاج لما تقول.
س9: اذكر تفسيراً مختصراً لقول الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً} الآية. مع بيان وجه استدلال المؤلف رحمه الله بهذه الآية .
س10: اذكر تفسيراً مختصراً لقول الله تعالى: {فلما أتاها نودي يا موسى} مع بيان وجه استدلال المؤلف بهذه الآية.
س11: ما وجه إيراد المؤلف للأثر الإسرائيلي ؟ وهل فيه ما ينافي صفة العلو ؟ وضح إجابتك.
س12: ما وجه استدلال المؤلف بقول الله تعالى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} ؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكلام, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir