دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 01:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب صفة الصلاة (36/38) [فضل قراءة آية الكرسي دبر الصلاة المكتوبة]


326- وعن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَن قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ)). رواهُ النَّسائيُّ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ. وزادَ فِيهِ الطبرانيُّ: ((وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)).


  #2  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 03:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


58/309 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلاَّ الْمَوْتُ)).
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: ((وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ})).
(وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ) هُوَ إيَاسٌ ، عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، ابْنُ ثَعْلَبَةَ الْحَارِثِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ، لَمْ يَشْهَدْ بَدْراً إلاَّ أَنَّهُ عَذَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن الْخُرُوجِ لِعِلَّتِهِ بِمَرَضِ وَالِدَتِهِ؛ وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا، وَإِذَا أُرِيدَ الْبَاهِلِيُّ قُيِّدَ بِهِ.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ) أي: مَفْرُوضَةٍ (لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلاَّ الْمَوْتُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
وَقَدْ وَرَدَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِزِيَادَةِ: ((مَنْ قَرَأَهَا حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ أَمَّنَهُ اللَّهُ عَلَى دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ وَأَهْلِ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ)). رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَضَعَّفَ إسْنَادَهُ.
وَقَوْلُهُ: ((لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلاَّ الْمَوْتُ)) هُوَ على حَذْفِ مُضَافٍ؛ أي: لاَ يَمْنَعُهُ إلاَّ عَدَمُ مَوْتِهِ؛ حُذِفَ لِدَلاَلَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
وَاخْتَصَّتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ بِذَلِكَ ؛ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ أُصُولِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْحَيَاةِ، وَالْقَيُّومِيَّةِ، وَالْعِلْمِ، وَالْمُلْكِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْإِرَادَةِ. وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مُتَمَحِّضَةً بذِكْرِ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى.


  #3  
قديم 5 محرم 1430هـ/1-01-2009م, 03:29 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


261 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلاَّ الْمَوْتُ)). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: ((وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ})).
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
قَالَ الشَّيْخُ صِدِّيقٌ حَسَنٌ فِي (نُزُلِ الأَبْرَارِ): أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَفِي إسنادِهِ: الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ: لا بَأْسَ بِهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ، أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ.
وَأَمَّا زِيَادَةُ الطَّبَرَانِيِّ: ((وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ})) ـ فَقَالَ المُنْذِرِيُّ: وَإِسْنَادُهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ جَيِّدٌ.
وَقَالَ فِي (مجمعِ الزوائدِ): لِهَذِهِ الزيادةِ إِسْنَادَانِ: أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
إِلاَّ الْمَوْتُ: هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ، (إِلاَّ عَدَمُ مَوْتِهِ) حُذِفَ لدلالةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
مَكْتُوبَةٍ: كَتَبَ يَكْتُبُ كِتَاباً، مَصْدَرٌ سَيَّالٌ، لَهُ عِدَّةُ مِعَانٍ.
مِنْهَا: فَرْضٌ، وَهِيَ المرادةُ هُنَا، فَمَعْنَى المَكْتُوبَاتِ، أَي: المَفْرُوضَاتُ.
آيَةُ الكُرْسِيِّ: هِيَ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}. [الْبَقَرَةَ: 255]
أَمَّا الكُرْسِيُّ: فَقَدْ جَاءَت الأَحَادِيثُ أَنَّهُ مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ للرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
آيَةٌ: أَصْلُهَا (أَوَيَةٌ) قُلِبَت الْوَاوُ أَلِفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ: أَوِيٌّ، جَمْعُهَا: آيَاتٌ وَآيٌ، قَالَ أَبُو البقاءِ: الأَصْلُ فِي الآيَةِ: العَلامةُ الظاهرةُ، وَتُطْلَقُ عَلَى طَائِفَةِ حُرُوفٍ مِنَ الْقُرْآنِ عُلِمَ بالتوقيفِ انْقِطَاعُهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا مِنَ الْكَلامِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - فَضْلُ هَذِهِ الآيَةِ العظيمةِ؛ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ من الأسماءِ الحُسْنَى والصفاتِ العُلَى، وَالوَحْدَانِيَّةِ، وَالْحَيَاةِ الكاملةِ، وَالقَيُّومِيَّةِ الدَّائِمَةِ، وَالعِلْمِ الواسِعِ، وَالْمَلَكُوتِ الْمُحِيطِ، والقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالسُّلْطَانِ الْقَوِيمِ، وَالإِرَادَةِ النَّافِذَةِ.
وَقَدْ رَوَى الإمامُ أَحْمَدُ (20771) ومسلمٌ (810) (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ:((أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟)) قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَرَدَّدَهَا عَلَيْهِ مِرَاراً، قَالَ أُبَيٌّ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ. قَالَ: ((لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ!)).
2 - مِنْ مَعَانِي الآيَةِ الْعَظِيمَةِ:
{اللَّهُ}. لفظةُ الجلالةِ جَمَعَتْ مَعَانِيَ الأُلُوهِيَّةِ الَّتِي لا يَسْتَحِقُّهَا إِلاَّ هُوَ فَعِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ جَلَّ وَعَلا صَاحِبُ الْحَيَاةِ الكاملةِ من السَّمْعِ والبصرِ، والقدرةِ والإرادةِ وَغَيْرِهَا منَ الصفاتِ الحميدةِ.
{الْقَيُّومُ}. الَّذِي قَامَ بِنَفْسِهِ،وَاسْتَغْنَى عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَقَامَتْ بِهِ جَمِيعُ الموجوداتِ، فَهُوَ الَّذِي أَوْجَدَهَا، وَأَبْقَاهَا وَأَمَدَّهَا بِجَمِيعِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي وُجُودِهَا وَبَقَائِهَا.
{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}. السِّنَةُ: النُّعَاسُ فِي الْعَيْنِ، وَأَمَّا النومُ فَهُوَ الاسترخاءُ وَالثِّقَلُ، الَّذِي يَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ فَيَزُولُ مَعَهُ الذِّهْنُ، فَالسِّنَةُ وَالنَّوْمُ إِنَّمَا يَعْرِضَانِ لِلْمَخْلُوقِ، النَّاقِصِ، الَّذِي يَعْتَرِيهِ الضَّعْفُ والعَجْزُ، وَيَحْتَاجُ للراحةِ والاستجمامِ، أَمَّا صَاحِبُ القوَّةِ الكاملةِ والقَيُّومِيَّةِ التامَّةِ فَلا يَعْرِضَانِ لَهُ.
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}. فَالْكُلُّ عَبِيدُهُ، والجميعُ مِلْكُهُ لا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}. فَمِنْ تَمَامِ مُلْكِهِ: وَمِنْ عظمةِ سلطانِهِ، وَمِنْ جلالِ أَمْرِهِ ـ أَنَّهُ لا يَتَجَرَّأُ أَيُّ مَخْلُوقٍ عَلَى أَنْ يَشْفَعَ لأَحَدٍ، إِلاَّ بإذنِهِ وَرِضَاهُ عَن الشافعِ والمُشَفَّعِ فِيهِ، وَإِذْنٍ مِنْهُ فِي الشفاعةِ، فَكُلُّ وَجِيهٍ، وَشَفِيعٍ مِنْ عَبِيدِهِ لا يَشْفَعُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}. فَعِلْمُهُ المحيطُ الواسعُ، وَاطِّلاعُهُ عَلَى شُؤُونِ خَلْقِهِ، وَعِلْمُهُ بِمَاضِيهِمْ، وَحَاضِرِهِمْ، وَمُسْتَقْبَلِهِمْ ـ لا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الوُسَطَاءِ والشُّفَعَاءِ فِي أَمْرِ خَلْقِهِ، إِلاَّ فِي حالةٍ هُوَ يَرْضَاهَا، فَيَأْذَنُ فِيهَا إِكْرَاماً للشَّافِعِ وَرَحْمَةً للمَشْفُوعِ لَهُ.
{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ}. أَمَّا خَلْقُهُ العُلْوِيُّ وَالسُّفْلِيُّ فَلا يُحِيطُونَ بِقَلِيلٍ، أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْلُومَاتِهِ إِلاَّ أَنْ تَقْتَضِيَ حِكْمَتُهُ تَعَالَى إِطِّلاعَهُم عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَنْفَعُهُمْ منْ مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِم، مِن الأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ والأمورِ القَدَرِيَّةِ، وَهِيَ نِسْبَةٌ ضَئِيلَةٌ قَلِيلَةٌ فِي جَانِبِ عِلْمِ اللَّهِ الواسعِ، وإحاطتِهِ الشاملةِ، ولذا قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}. [الْبَقَرَةَ: 32] وَتَقُولُ الرُّسُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109].
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}. مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُلْكِهِ الْوَاسِعِ، وَجَلالِهِ الْعَظِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القويمِ، وَإِحَاطَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ، وَإِرَادَتِهِ النافذةِ، وَأَنَّهُ الْحَافِظُ للسماواتِ وَمَنْ فِيهَا، وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا، بالأسبابِ القَوِيَّةِ، والنِّظَامِ المُحْكَمِ، والتَّرْتِيبِ العَجِيبِ.
{وَهُوَ الْعَلِيُّ}. بِذَاتِهِ عَلَى جَمِيعِ مخلوقاتِهِ، والعَلِيُّ بِعَظَمَتِهِ، وَصِفَاتِهِ، والعَلِيُّ بِقَهْرِهِ لمخلوقاتِهِ، فَقَدْ عَنَتْ لَهُ الوجوهُ، وَخَضَعَتْ لَهُ الرقابُ، وذَلَّتْ لَهُ الصعابُ، وَدَانَتْ لَهُ الموجوداتُ، سُبْحَانَهُ مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ.
{الْعَظِيمُ}. الْجَامِعُ لصفاتِ الْعَظَمَةِ والكبرياءِ، والمَجْدِ والبَهَاءِ، فَهُوَ المَحْبُوبُ المُعَظَّمُ، الكريمُ المُمَجَّدُ.
فآيةٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الجَلِيلَةِ، وَالصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ الحَمِيدَةِ والمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ الْعَظِيمَةِ ـ لَهِيَ أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَالكلامُ يَشْرُفُ، وَيَعْظُمُ بِشَرَفِ وَعِظَمِ مَعَانِيهَا، وَمَعَارِفُ اللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتُهُ العُلَى، وَأَسْمَاؤُهُ الحُسْنَى هِيَ أشرفُ العلومِ، وَأَجَلُّ الْمَعَارِفِ.
وَإِنَّ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَصْحَابَ الْقُلُوبِ الْوَاعِيَةِ لَيُدْرِكُونَ منْ هَذِهِ الآيَةِ العظيمةِ وَأَمْثَالِهَا منْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ـ مِمَّا يَتَعَرَّضُ لِبَيَانِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ ـ مَا لا يُدْرِكُهُ غَيْرُهُمْ.
3 - أَمَّا سُورَةُ الإخلاصِ: فَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ، لا يَسَعُ المقامُ إِلاَّ لِنَقْلِ بَعْضِهَا، فَفِي (صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ) (5015) مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: ((أَيَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ؟)). فَقَالُوا: أَيُّنَا يَطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ)).
وَفِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) (811) مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. جُزْءاً مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ)).
4 - قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: وَأَمَّا السؤالُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ المعادلةِ، مَعَ الاشتراكِ فِي كونِ الْجَمِيعِ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهَا، أَوْ مِثْلِهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الآيَاتِ تَتَمَاثَلُ تَارَةً، وَتَتَفَاضَلُ تَارَةً أُخْرَى.
وأيضاً: التَّوْرَاةُ وَالإنجيلُ والقرآنُ، جَمِيعُهَا كَلامُ اللَّهِ، مَعَ عِلْمِ الْمُسْلِمِينَ، بِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ الكُتُبِ الثلاثةِ، فالقولُ بِأَنَّ كَلامَ اللَّهِ بَعْضُهُ أَفْضَلُ منْ بَعْضٍ هُوَ الْقَوْلُ المَأْثُورُ عَن السَّلَفِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الفقهاءِ من الطوائفِ الأربعةِ وغيرِهِم، وكلامُ القَائِلِينَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ، وَالمُثْبِتُ لِتَفَاضُلِ كَلامِ اللَّهِ مُعْتَصِمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآثارِ، وَمَعَهُ من المعقولاتِ الصريحةِ الَّتِي تُبَيِّنُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَإِثْبَاتُ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْكَلامِ عَلَى بَعْضٍ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ أَنَّ المَفْضُولَ مَعِيبٌ، أَوْ نَاقِصٌ.
فَإِذَا عُلِمَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ، مَعَ قَوْلِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ منْ بَعْضٍ، بَقِيَ الْكَلامُ فِي كونِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، مَا وَجْهُ ذَلِكَ؟
الْجَوَابُ: قِيلَ: فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ، أَحْسَنُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:
ثُلُثٌ أَحْكَامٌ، وَثُلُثٌ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَثُلُثٌ الأسماءُ وَالصِّفَاتُ، وَهَذِهِ السُّورَةُ جَمَعَتِ الأسماءَ والصفاتِ.
5 - أَمَّا الإشارةُ إِلَى مَعَانِي هَذِهِ السُّورَةِ الْجَلِيلَةِ، فَهِيَ:
{قُلْ}. انْطِقْ جَازِماً مُعْتَقِداً عَارِفاً بِمَا تَقُولُ:
{هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. فَهُوَ صَاحِبُ الأَحَدِيَّةِ، وَالفَرْدِيَّةِ المُطْلَقَةِ، وَهُوَ صَاحِبُ الصفاتِ الكاملةِ، والأسماءِ الْحَسَنَةِ، والأفعالِ الحكيمةِ.
{اللَّهُ الصَّمَدُ}. الَّذِي تَقْصِدُهُ جَمِيعُ المخلوقاتِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا وَأُمُورِهَا، فَلا مُعْطِيَ وَلا مَانِعَ إِلاَّ هُوَ.
{لَمْ يَلِدْ}. لكمالِ غِنَاهُ عَن الوَلَدِ وَالمُعِينِ.
{وَلَمْ يُولَدْ}. لأَزَلِيَّتِهِ المُطْلَقَةِ، فَهُوَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}. فَلَيْسَ لَهُ شَبِيهٌ، وَلا نَظِيرٌ، وَلا مَثِيلٌ، لا فِي ذَاتِهِ، وَلا فِي صفاتِهِ، وَلا فِي أفعالِهِ، فَهَذِهِ الآيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
6 - وَفِي الْحَدِيثِ استحبابُ قِرَاءَةِ تِلْكَ الآيَةِ العظيمةِ، وَهَذِهِ السُّورَةِ الشريفةِ بَعْدَ كُلِّ صَلاةٍ مَفْرُوضَةٍ؛ لِيَكْتَمِلَ بهما ذِكْرُهُ لِرَبِّهِ، وَيَرْفَعَ بِهِمَا مَا نَقَصَ منْ صلاتِهِ، وَلِيُجَدِّدَ إِيمَانَهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، بِتِلاوةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ العُلَى.
7 - فِيهِ إثباتُ الْجَزَاءِ الأُخْرَوِيِّ، وَأَنَّ أَوَّلَهُ نَعِيمُ الْقَبْرِ أَوْ عَذَابُهُ، وَأَنَّ نَعِيمَ الْقَبْرِ جُزْءٌ منْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ، كَمَا أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ جزءٌ منْ عَذَابِ النَّارِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
وَفِيهِ أَنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. [السجدة: 17] وَلا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي (الْبُخَارِيِّ) (5673) و(مسلمٍ) (2816) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمُ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ)). فَقِيلَ: وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: ((وَلا أَنَا، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ)). وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ ابْنُ القَيِّمِ فِي النُّونِيَّةِ بِقَوْلِهِ:

وَتَأَمَّلِ الْبَاءَ الَّتِي قَدْ عَيَّنَتْ = سَبَبَ الْفَلاحِ لِحِكْمَةِ الْفُرْقَانِ
وَأَظُنُّ بَاءَ النَّفْيِ قَدْ غَرَّتْكَ فِي = ذَاكَ الْحَدِيثِ أَتَى بِهِ الشَّيْخَانِ
لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّاتِ أَصْلاً كَادِحٌ = بِالسَّعْيِ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى الأَجْفَانِ
وَاللَّهِ مَا بَيْنَ النُّصُوصِ تَعَارُضٌ = وَالْكُلُّ مَصْدَرُهَا عَنِ الرَّحْمَنِ
لَكِنَّ (بِـ) الإثباتِ لِلتَّسْبِيبِ = و(الْبَاءُ) الَّتِي لِلنَّفْيِ بِالأَثْمَانِ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَفَرْقٌ ظَاهِرٌ = يَدْرِيهِ ذُو حَظٍّ مِنَ الْعِرْفَانِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَاءَيْنِ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْجَنَّةَ إِنَّمَا تُنَالُ وَتُدْخَلُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْبَاءُ فِي النصوصِ سَبَبٌ.
وَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَهَا بالأعمالِ، بِقَوْلِهِ: ((لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (5349) ومسلمٌ (2816)، عَلَى أَنَّ الْبَاءَ ثَمَنِيَّةٌ فَلا تَنَافِيَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, صفة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:43 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir