المجموعة الثالثة:
1. حرّر القول في المسائل التالية:
أ: هل كان إبليس من الملائكة؟
ورد فيه قولان
القول الأول:
أن إبليس كان من الملائكة؛ وعليه يكون الاستثناء متصلا؛ وهو قول الجمهور كما قال ابن عطية
وهو ما يفيده ظاهر الآية (فَسَجَدُوا إلا إبلِيسَ أبَى)؛ وجهه أن إبليس كان من الملائكة لهذا صح أن يستثنى منهم في السجود . وهو قول ابن عباس و سعيد ابن جبير والضحاك
قال ابن عباس : كان خازناً وملكاً على سماء الدنيا والأرض ، والأرض ، واسمه عزازيل ،.. ذكره ابن عطية.
وقد أورد ابن كثير مجموعة من الآثار عن ابن عباس ما يفهم منه أن إبليس كان من الملائكة
عن ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ وَأَكْرَمُهُمْ قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الْأَرْضِ. رواه سُنَيْد
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبيلا يقال لهم الجن وكان إبليس مِنْهُمْ، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَعَصَى، فَمَسَخَهُ اللَّهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
و عن ابن عباس قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الجِنّ، خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ، مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحَارِثُ، وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ غَيْرَ هَذَا الْحَيِّ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ. ذكره ابن كثير. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وروى السدي بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَعَنْ مُرّة، عن ابن مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، فَجَعَلَ إِبْلِيسَ عَلَى مُلْك السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لِأَنَّهُمْ خُزَّانُ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكه خَازِنًا. .
قال ابن كثيرا تعليقا على هذه المرويات
فَهَذَا الْإِسْنَادُ إِلَى هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مَشْهُورٌ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّي وَيَقَعُ فِيهِ إِسْرَائِيلِيَّاتُ كَثِيرَةٌ، فَلَعَلَّ بَعْضَهَا مُدْرَج . لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابَةِ، أَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوهُ مِنْ بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .
و أما قوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)، فيحمل على عدة محامل:
- أن إبليس كان عاملا بأعمال الجن و كان ضالًا كما كانوا ضالين لهذا جعل منهم .. حاصل كلام الزجاج و ابن عطية.
-. أو على أن الملائكة قد تسمى جناً لاستتارها، قال تعالى: { وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } [ الصافات : 158 ] . لأن العرب يقولون: ما الجنّ إلا كل من اجتَنَّ فلم يُرَ. وما سمّي بني آدم الإنس إلا أنهم ظهروا فلم يجتنوا. فما ظهر فهو إنس، وما اجتنّ فلم يُرَ فهو جنّ.
وقال الأعشى في ذكر سليمان عليه السلام : [ الطويل ]
وسخّر من جن الملائك تسعة ... قياماً لديه يعملون بلا أجْرِ
- أو أن المراد" بالجن" في الآية الجنة ؛ و إنما يسمى بالجنان لكونه كان خازنًا عليها، كما يقال للرجل مكي ومدَنيّ وكوفيّ وبصري..نسبة لمكة و المدينة و الكوفة والبصرة..حاصل كلام ابن عطية
القول الثاني:
أن إبليس لم يكن من الملائكة؛ بل هو من الجن ؛ وعليه يكون الاستثناء منقطع
وهذا القول عزاه الزجاج لقوم من أهل اللغة؛وهو قول عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ والحسن ورواية عن ابن عباس. ، وحكاه الطبري عن ابن مسعود.كما ذكره ابن عطية
قال شهر بن حوشب : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيراً ، وتعبد وخوطب معها..ذكره ابن عطية
وفي رواية ابن جرير عن شهر بن حوشب: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ طَرَدَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فَأَسَرَهُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ذكره ابن كثير
واسُتدل لذلك بقوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)،؛ وهو واضح الدلالة أنه كان الجن.
ومن أدلتهم أيضا قوله تعالى « لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون » . وجهه أن الله أخبر أن من صفات الملائكة أنهم يُطِيعُونَ الله وَلَا تَصْدُرُ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ.....وإبليس قد عصى الله ولم يفعل ما يؤمر فظهر من ذلك أنه ليس منهم إذ لم يتصف بصفاتهم وإن قلنا بخلاف ذلك لزم منه تكذيب خبر القران وهذا محال.
.
روى ابن جرير بسنده عن الحسن قال : مَا كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَط، وَإِنَّهُ لَأَصْلُ الْجِنِّ، كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ.
قال ابن كثير : وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنِ الْحَسَنِ. وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَوَاءً.
والمقصود بهذا أن لإبليس نسل وذرية والملائكة لا تتناسل و لا تتوالد فغير جائز أن ينسب إلى غير ما نسبه الله إليه.
وأما جوابهم على قوله تعالى {فَسَجَدُوا إلا إبلِيسَ أبَى}؛
- فهو جار على أن الجميع – الملائكة و إبليس -أمروا بالسجود جميعا لهذا صح أن يستثنى منهم.والذي يقوى هذا المعنى قوله تعالى : (إِلا إبْلِيسَ أبى)، فلم يأب إلا وهو مأمور.
وهذا القول هو اختيار الزجاج ؛ وقال : مع أن القول الأول غير ممتنع
الترجيح
من الأمور المتقررة
-.أن إبليس ليس من جنس الملائكة من جهة أصل خلقة...لما هو متقرر أن الملائكة خلقت من نور و أن إبليس خلق من نار..وأيضا أن آدم خلق من الطين..كما ثبت ذلك في النصوص الصحيحة
- لفظة الجن لغة تطلق على كل ما اجتتن فلم ير لهذا سميت الجنة جنة للاستتار من فيها و سمى الجنين جنينا لاستتاره.. وسمى الله الجن لاستتارهم فلم يروا وكذلك الملائكة اجتنوا فصح إطلاق لفظ الجن عليهم..ثم صار لفظ الجن لقبا على طائفة معين وهم إبليس و ذريته
- الأمر بالسجود كان موجها للجميع للملائكة و إبليس بدليل أن إبليس لم يعترض على الله عزوجل لكون الخطاب لم يشمله وأنه ليس من الملائكة.بل اعترض بأمر آخر وهو أصل الخلقة
*ثم يقال هل إبليس كان من الملائكة من جهة كونه كان يعمل بأعمالهم؛ يتشبه بهم ويتوسم بأفعالهم فلهذا صح دخوله في الخطاب معهم......هذا الذي ذكره ابن كثير.ويشعر أنه اختياره
*أم يقال أن إبليس كان نوعا من الملائكة ؛صنف من أصنافهم؛ حي من أحياء الملائكة خلقوا من نار وخلقت سائر الملائكة من نور غير هذا الحي.. على ما ذكره ابن عباس
ولا يمتنع أن يكون هذا النوع خص ببعض الصفات والخصال التي ليس عند باق الملائكة..كأن يكون له نسل و ذرية..وليس ذلك للملائكة...وركب فيه من الشهوة و اللذة التي نزعت من سائر الملائكة
وهو اختيار ابن جرير كما قال:..... وليس في ترك الله جل ثناؤه الخبر عَما خَلق منه ملائكته ، وإخبارِه عما خلق منه إبليس - ما يوجب أن يكون إبليس خارجًا عن معناهم. إذْ كان جائزًا أن يكون خلق صِنفًا من ملائكته من نار كان منهم إبليس، وأن يكون أفرد إبليس بأنْ خَلقه من نار السموم دون سائر ملائكته. وكذلك غيرُ مخرجه أن يكون كان من الملائكة بأنْ كان له نسل وذرية، لِمَا ركَّب فيه من الشهوة واللذة التي نُزعت من سائر الملائكة، لِمَا أراد الله به من المعصية..اهـ
*أو يقال أن لفظ الجن تحمل على معناه اللغوي العام.فيصح إطلاقها على الملائكة.
فخلاصة الكلام يقال أن إبليس كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعاً أو لأن الملائكة قد يسمون جناً لاختفائهم. والله أعلم
***
ب: علّة تكرار الأمر بالهبوط لآدم وحواء.
ذكر ابن عطية في ذلك أقوالا:
-لأجل اختلاف الحكم؛ فالحكم المعلق بالأمر بالهبوط في الأول غير الحكم المعلق بالهبوط في الثاني فعلق بالأول العداوة، وعلق بالثاني إتيان الهدى.
-وقيل: كرر الأمر بالهبوط على جهة تغليظ الأمر وتأكيده، كما تقول لرجل قم قم.
-وحكى النقاش: أن الهبوط الثاني إنما هو من الجنة إلى السماء، والأول في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض، وهو الآخر في الوقوع، فليس في الأمر تكرار على هذا.
.
3. بيّن ما يلي:
أ: أيهما خلق أولا: الأرض أم السماء؟
اختلفوا فيها على قولين:
الأول:..أن الأرض خلقت قبل السموات
لقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} البقرة 29.. وقوله في سورة حم السجدة:{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ }
فظَاهِرُ الآيات أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا خُلِقَ بِالْفِعْلِ قَبْلَ السَّمَاءِ .وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله ثمّ أعاليه بعد ذلك
و أجيب على قوله تعالى {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)}
بأن الأرض خلقت أولا ثم خلقت السماء ثم دحيت الأرض ، فالمتأخر عن خلق السماء هو دحو الأرض
لكن يشكل على هذا الجمع
أن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد الدحو والآية المذكورة في سورة البقرة { خلق لكم ما في الأرض ثم استوى إلى السماء}دلت على أنه خلق ما في الأرض قبل خلق السماء، وهذا يقتضي بقاء الإشكال وعدم التخلص عنه بمثل هذا الجمع، .
رد على هذا الشكال بأن أن " ثم " هي لعطف الخبر على الخبر، لا لعطف الفعل على الفعل، كما قال الشّاعر:
قل لمن ساد ثمّ ساد أبوه.......ثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه
و القول بأن الدحي كان بعد خلق السموات هو قول ابن أبي طلحة عن ابن عباس ابن مسعود وعبد الله ابن سلام
وقال ابن كثير وهذا ما لا أعلم فيه نزاعًا بين العلماء إلّا ما نقله ابن جريرٍ عن قتادة: أنّه زعم أنّ السّماء خلقت قبل الأرض
وروى ابن جرير بسنده عن عبد اللّه بن سلّامٍ أنّه قال: «إنّ اللّه بدأ الخلق يوم الأحد، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرّواسي في الثّلاثاء والأربعاء، وخلق السّماوات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم على عجل، فتلك السّاعة الّتي تقوم فيها السّاعة».
وقال مجاهدٌ في قوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا}قال: «خلق اللّه الأرض قبل السّماء، فلمّا خلق الأرض ثار منها دخانٌ، فذلك حين يقول:{ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ}»،{فسوّاهنّ سبع سماواتٍ}قال: «بعضهنّ فوق بعضٍ، وسبع أرضين، يعني بعضهنّ تحت بعضٍ».
وفي صحيح البخاريّ: أنّ ابن عبّاسٍ سئل عن هذا بعينه،- يعنى آيات سورة النازعات - فأجاب بأنّ الأرض خلقت قبل السّماء وأنّ الأرض إنّما دحيت بعد خلق السّماء، وكذلك أجاب غير واحدٍ من علماء التّفسير قديمًا وحديثًا، وقد قرّرنا ذلك في تفسير سورة النّازعات.
ومعنى دحى الأرض
هو إخراج ما كان مودعًا فيهابالقوّة إلى الفعل لمّا اكتملت صورة المخلوقات الأرضيّة ثمّ السّماويّة دحى بعد ذلك الأرض، فأخرجت ما كان مودعًا فيها من المياه، فنبتت النّباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثّوابت والسّيّارة، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
القول الثاني:
أن السموات خلقت قبل الأرض. وهو قول قتادة
واحتجوا بقوله تعالى :{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)} .
القول الثالث
مذهب التوقف...هو قول القرطبي ذكره ابن كثير
ب: معنى قوله تعالى: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين}.
واختلف المتأولون في قوله تعالى: {يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً
على أقوال
الأول:
**قيل أن قوله :{ يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً } : هو من قول الكافرين، أي: ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟
الثاني
وقيل أن قوله :{ يضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً } هو خبر من الله تعالى أخبر أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق. وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم: «إن الله لا يخلق الضلال» ولا خلاف أن قوله تعالى: {وما يضلّ به إلّا الفاسقين}من قول الله تعالى.
والمعنى أنه يزيد هؤلاء ضلالةً إلى ضلالهم لتكذيبهم بما قد علموه حقًّا يقينًا، من المثل الّذي ضربه اللّه بما ضربه لهم وأنّه لما ضربه له موافقٌ، فذلك إضلال اللّه إيّاهم به{ويهدي به}يعني بالمثل كثيرًا من أهل الإيمان والتّصديق، فيزيدهم هدًى إلى هداهم وإيمانًا إلى إيمانهم، لتصديقهم بما قد علموه حقًّا يقينًا أنّه موافقٌ ما ضربه اللّه له مثلًا وإقرارهم به، وذلك هدايةٌ من اللّه لهم به
الثالث:
قيل أن قوله:{ يضلّ به كثيراً} هو من قوله الكفار
وأن قوله: {ويهدي به كثيراً}إلى آخر الآية ردا من الله تعالى على قول الكفار يضلّ به كثيراً.
ج: معنى "الفسق" لغة وشرعا.
وَالْفَاسِقُ فِي اللُّغَةِ :الخروج عن الشيء
تَقُولُ الْعَرَبُ: فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ: إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرَتِهَا ؛ ويقال فسقت الفارة إذا خرجت من جحرهاح لهذا تسمى فُوَيْسِقَةٌ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَمْسُ فَوَاسَقَ يُقتلن فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ العقور" ..
الفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة الله عز وجل، وهو يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان
وَلَكِنَّ فسْق الْكَافِرِ أَشَدُّ وَأَفْحَشُ
والدليل على أن الفسق يطلق على العاصي قوله تعالى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أ} الحجرات6. مع ما ورد في سبب نزولها
والله أعلم