أبوعائشة
تابعيٌ جليل من كبار التابعين، عُرف بزهده وورعه وعبادته، اسمه مسروق ابن الأجدع، ويكنّى بأبي عائشة، ورغم أنه أدرك زمن النبوة مسلماّ إلا أنه لم يرَ النّبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لقي الصحابة وتربى وتتلمذ على يد كبارهم، فقد قدم المدينة وهو صغير فنشأ بينهم وتعلًم وحرص على طلب العلم، فكان محدِّثاّ ومفسّراّ، لقي أبا بكرِ وصلى خلفه وكان هذا منقبة له، وشهد القادسية وفتوح فارس زمن عمر وجرح فيها، وكان مع علي وقعه الخوارج واعتزل الفتنة ونصح الناس ووعظهم في صفين، وكان من أجلّ تلامذة الصحابي الجليل عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه فأخذ منه وروى عنه، يقول مسروق رحمه الله : " لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجدتهم كالإخاذ. فالإخاذ يروي الرجل والإخاذ يروي الرجلين والإخاذ يروي العشرة والإخاذ يروي المائة والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم. فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ)، وقال عنه الشعبي- وهو من تلامذته- : (ما علمت أن أحداً كان أطلب للعلم في أفقٍ من الآفاق من مسروقٍ).
سمى ابنته عائشة من شدة حبه وإجلاله لعائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يلازمها ويأخذ عنها علماً غفيراً، ويروي عنها، حتى أنّها قالت له يوماً: (يا مسروق إنّك من ولدي، وإنّك لمن أحبِّهم إلي، فهل لك علم بالمخدج)،
قال عنه ابن المديني : "ما أقدِّم على مسروق أحداً من أصحاب عبدالله "
كان رحمه الله من عباد الكوفة وزهادها، وكان عالماّ بالفتوى والقضاء، ولما ولي القضاء لم يأخذ عليه أجراّ، عاش كريماّ عفيف النّفس، ولما مات لم يترك ثمن كفنه،
ومن وصاياه ومآثره: ( كفى بالمرء علما أن يخشى الله ،كفى بالمرء جهلاً، أن يعجب بعمله )
ومن تفسيره تفسيرُهُ لقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) قال: يعني:مواقيت الصلاة
ومنه أيضاّ في قوله ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )
قال: (يعلم أن الله إن شاء منع، وإن شاء أعطى،( مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) أي من حيث لا يدري).
روى عن أبي بكر ،وعمر ،وعلي ،وعبد الله بن مسعود ،وعائشة ،وعبدالله بن عمر ،وخباب بن الأرت ، وأبي بن كعب وغيرهم.
وروى عنه الشعبي ، وابراهيم النخعي، وابو الضحى ،وسعيد بن جبير وغيرهم.
وكان حريصاّ على اتِّباع السُّنّة، قال حين حضرته الوفاة : (اللهم لا أموت على أمر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر والله ما تركت صفراء ولا بيضاء عند أحد من الناس غير ما في سيفي هذا فكفنوني به).