بابُ وَلِيمَةِ العُرْسِ
مُقَدِّمَةٌ
الوَلِيمَةُ: مُشْتَقَّةٌ مِن الوَلْمِ، وهو الجَمْعُ؛ لاجتماعِ الزوجيْنِ, قالَه الأزهريُّ.
قالَ ثَعْلَبٌ: الوليمةُ اسْمٌ لطعامِ العُرْسِ خاصَّةً، لا يَقَعُ على غَيْرِه.
والعُرْسُ: بضَمِّ العَيْنِ، وسكونِ الراءِ، هو الزِّفافُ والتزويجُ، جَمْعُه أَعْراسٌ.
العِرْسُ: بكسرِ العَيْنِ، يُقالُ: هو عِرْسُها، وهي عِرْسُه، وهما عِرْسانِ.
العَرُوسُ: بفتحِ العينِ: المرأةُ ما دَامَتْ في عُرْسِها، وكذلك الرجُلُ، وتُسَمَّى عَرُوسَةً ما دَامَتْ في عُرْسِها.
قالَ في (اللِّسانِ): والزوجانِ لا يُسَمَّيانِ عَروسَيْنِ إلاَّ أيامَ البِناءِ.
قالَ المُفْتِي الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ: إعلانُ النكاحِ بالدُّفِّ سُنَّةٌ، وفيهِ مَصْلَحَةٌ لا تَخْفَى، فهو مَشروعٌ لإظهارِ النِّكاحِ.
قالَ في (سُبلِ السلامِ): دَلَّتِ الأحاديثُ على مَشْرُوعِيَّةِ الإعلانِ للنكاحِ، وعلى الأمْرِ بضَرْبِ الغِرْبالِ، والأحاديثُ فيه واسعةٌ، لكن بشرطِ أنْ لا يَصْحَبَه مُحَرَّمٌ، مِن التَّغَنِّي بصوتٍ رَخيمٍ مِن امرأةٍ أجنبيةٍ.
قالَ المُفْتِي الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ آلُ الشيخِ: الأغاني قِسمانِ:
الأولُ: ما اشْتَمَلَ على حِكَمٍ، ومَواعِظَ، وحَمَاسٍ، ونَصَائِحَ، ونحوِ ذلك, فهو جَائِزٌ.
الثاني: مَا فيهِ غَرامٌ, ويَشْتَمِلُ على صوتِ مِزْمارٍ، وما أَشْبَهَ ذلك, فهو حَرامٌ.
903- عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَأَى على عَبْدِ الرحمنِبنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فقالَ: ((مَا هَذَا؟)). قالَ: يَا رَسولَ اللهِ, إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قالَ: ((بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)). مُتَّفَقٌ عليهِ، واللَّفْظُ لمُسْلِمٍ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- أَثَرَ: الأَثَرُ: هو العَلامةُ، وبَقِيَّةُ الشيءِ، والمرادُ هنا: بَقِيَّةُ الطِّيبِ الذي اسْتُعْمِلَ عندَ الزِّفافِ.
- مَا هَذَا: يَسْتَفْهِمُ عن سَببِ الطِّيبِ، ويَحْتَمِلُ أنه للإنكارِ، فَقَدْ نهَى عن تَضَمُّخِ الرجالِ بالخَلُوقِ، فأجَابَه بأنه تَزَوَّجَ، فإِنْ كانَ جواباً عن السؤالِ، فهو إِفَادَةٌ عن سببِه، وإنْ كانَ جَواباً عن الإنكارِ، فهو خَبَرٌ بأنه أصابَه من مُخالَطَتِه لزَوْجَتِه.
- صُفْرَةٍ: بضَمِّ الصادِ المُهْملَةِ، وسكونِ الفاءِ المُوحَّدَةِ، ثم راءٍ، فتاءِ تأنيثٍ، أَثَرُ الزَّعْفَرانِ كما صَرَّحَ به في بَعْضِ الرواياتِ بأنه أَثَرُ زَعْفَرانٍ.
- وَزْنِ: وَزَنْتُ الشيءَ أَزِنُه وَزْناً، والوَزْنُ: القَدْرُ والمُعادَلَةُ.
- مِن: للبيانِ.
- نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ: النواةُ مِعيارٌ للذهَبِ معروفٌ لديهم، قالَ في (المِصباحِ): النَّواةُ: اسْمٌ لخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، هكذا هو عندَ العربِ، قالَ الخَطَّابِيُّ: ذَهَباً أو فِضَّةً.
- أَوْلِمْ: فِعْلُ أَمْرٍ، أي: اتَّخِذْ وَلِيمَةً، وهي الطعامُ الذي يُصْنَعُ في العُرْسِ.
- ولو بَشَاةٍ: (لو) هذه ليسَتْ الامْتِنَاعِيَّةَ، وإنَّما هي التي للتقليلِ.
قالَ في (المِصباحِ): الشاةُ مِن الغَنَمِ: يَقَعُ على الذَّكَرِ والأُنْثَى، والجمعُ: شَاءٌ وشِيَاهٌ، رُجوعاً إلى الأصْلِ، وتصغيرُها شُوَيْهَةٌ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثِ:
1- كَرَاهَةُ التَّطَيُّبِ بالزَّعْفَرانِ، وما يَظْهَرُ أَثَرُه من الطِّيبِ للرِّجالِ.
2- تَفَقُّدُ الوالي أصحابَه، وسؤالُه عن أحوالِهم، وأعمالِهم التي تَعْنيهِ فيهم.
3- استحبابُ تخفيفِ الصَّداقِ، فهذا عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ الغَنِيُّ لَمْ يُصْدِقْ زَوْجَتَهُ إلاَّ وَزْنَ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ من ذَهَبٍ.
4- الدعاءُ للمُتزَوِّجِ بالبركةِ، وتَقَدَّمَ نَصُّه، وهو: ((بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ)).
5- مَشروعيةُ وَليمةِ العُرسِ، وأنْ لا تَقِلَّ عن شاةٍ إذا كُنْتَ مِن ذوي اليَسارِ، والأَوْلَى الزيادةُ على الشاةِ، وعَمَلُ الوَليمةِ هي مِن جَانِبِ الزوجِ، ولَيْسَ لعملِه من قِبَلِ أهْلِ الزوجةِ مُسْتَنَدٌ إلاَّ أنَّه يُمْكِنُ أنْ يَكُونَللعمومَ.
6- أنْ يُدْعَى إليها أَقَارِبُ الزوجيْنِ، والجيرانُ، والفقراءُ، وأهلُ الخيرِ؛ ليَحْصُلَ التآلُفُ، وتَحِلَّ البَرَكَةُ، وأنْ يُجْتَنَبَ السَّرَفُ والمُباهاةُ.
7- استحبابُ تَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ في عَقْدِ النِّكاحِ، وإذا جَرَتْ عَادَةُ بعضِ الأُسرِ عَدَمَ ذِكْرِه، فلا بَأْسَ.
أمَّا عَقْدُ النكاحِ على مَهْرِ ريالٍ، إذا لم يُريدُوا تسميةَ الصداقِ، فإنَّه لم يَرِدْ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولا عن أَحَدٍ من أصْحَابِه، والعاداتُ المُباحَةُ لا بَأْسَ بها في غَيْرِ الأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ، أمَّا الأحكامُ الشَّرْعِيَّةُ: فالناسُ مُقيَّدونَ فيها بأحكامِ الشريعةِ.
8- قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السِّعْدِيُّ: التهاني في المُناسباتِ مَبْنِيَّةٌ على أصْلٍ عَظِيمٍ نَافِعٍ، هو أنَّ الأَصْلَ في جَميعِ العاداتِ القَوْلِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ الإباحةُ والجوازُ، فلا يَحْرُمُ منها ولا يُكْرَهُ إلاَّ ما نَهَى عنه الشارِعُ، أو تَضَمَّنَ مَفْسَدَةً، وعلى هذا الأصْلِ، فإنَّ الناسَ لم يَقْصِدوا التَّعَبُّدَ بها، وإنَّما هي عَوائِدُ جَرَتْ بينَهم في مُناسباتٍ، لا مَحْذُورَ فيها
9- قالَ الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ: إعلانُ النكاحِ بالدفِّ سُنَّةٌ، وأمَّا الأغاني المُشتمِلَةُ على مَواعِظَ وحَمَاسٍ، ونحوِ ذلك، فلا مَحْذورَ فيها، وأمَّا الأغاني التي فيها غرامٌ، أو مَعَها آلةُ طَرَبٍ، فهي حَرامٌ.