دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الأولى 1431هـ/3-05-2010م, 07:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الباب الرابع: في ذكر الأئمة الستة وأسمائهم وأنسابهم وأعمارهم ومناقبهم وآثارهم

الباب الرابع: في ذكر الأئمة الستة - رضي الله عنهم- وأسمائهم، وأنسابهم، وأعمارهم، ومناقبهم وآثارهم.
هذا باب واسع، إن أتينا فيه بالواجب من ذكر هؤلاء القوم طال وخرج عن حد المقدمات، وتجاوز قدر المختصرات، وتركنا الغرض المقصود إليه.
وإنما نذكر فيه طرفاً مما أشرنا إليه، ونكتاً مما نبهنا عليه، ليعرف بالمذكور قدر المتروك، ويستدل بالشاهد على الغائب، فإن القوم كانوا أعلام الهدى، ومعادن الفضائل، واللسان في وصفهم مطلق العنان.
وقد بدأنا بذكر مالك رحمه الله، لأنه المقدم زماناً وقدراً، ومعرفة وعلماً، ونباهة وذكراً، وهو شيخ العلم، وأستاذ الأئمة، وإن كنا في ذكر تخريج الحديث قدمنا عليه البخاري ومسلماً للشرط الذي لكتابيهما، فلا نقدمهما عليه في الذكر، إذ هو أحق وأولى، وكتاباهما أجدر بالتقديم من كتابه وأحرى.
الإمام مالك
هو أبو عبد الله: مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان ابن خثيل بن عمرو بن الحارث - وهو ذو أصبح - بن سويد، من بني حمير ابن سبأ الأكبر، ثم من بني يشجب بن قحطان، وفي نسبه خلاف غير هذا.
ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة، ومات بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، وله أربع وثمانون سنة.
وقال الواقدي: مات وله تسعون سنة، وله ولد اسمه يحيى، ولا يعلم له غيره.
هو إمام أهل الحجاز، بل إمام الناس في الفقه والحديث، وكفاه فخرًا أن الشافعي من أصحابه.
أخذ العلم: عن محمد بن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ونافع مولى عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما]، ومحمد بن المنكدر، وهشام بن عروة بن الزبير، وإسماعيل بن أبي حكيم، وزيد بن أسلم، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، ومخرمة بن سليمان، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأفتى معه، وعبد الرحمن بن القاسم، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر - وليس بالقاضي - وخلق كثير سواهم.
وأخذ العلم عنه خلق كثير لا يحصون كثرة. وهم أئمة البلاد.
منهم: الشافعي، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وأبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو عبد الله عبد العزيز بن أبي حازم، وعثمان بن عيسى بن كنانة - هؤلاء نظراؤه من أصحابه - ومعن بن عيسى القزاز، وأبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ويحيى بن يحيى الأندلسي - ومن طريقه
روينا «الموطأ» - وعبد الله بن مسلمة القعنبيّ، وعبد الله بن وهب، وأصبغ بن الفرج، وغير هؤلاء ممن لا يحصى عدده.
وهؤلاء مشايخ البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهم من أئمة الحديث.
قال مالك رحمة الله عليه: قلّ من كتبت عنه العلم، ما مات حتى يجيئني ويستفتيني.
وقال بكر بن عبد الله الصنعاني: أتينا مالك بن أنس، فجعل يحدثنا عن ربيعة ابن عبد الرحمن وكنا نستزيده من حديثه، فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة، وهو نائم في ذلك الطاق؟ فأتينا ربيعة فأنبهناه، وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال: نعم. قلنا: الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم. قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟ ! قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم؟.
وكان مالك مبالغًا في تعظيم العلم والدين، حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرّح لحيته، واستعمل الطيب، وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة، ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظّم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومر يومًا على أبي حازم وهو جالس، فجازه، فقيل له، فقال: إني لم أجد موضعًا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم.
قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثًا من مالك.
وقال الشافعي رحمه الله: إذا ذكر العلماء فمالكٌ النجم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك رحمة الله عليه.
وروي أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره، ثم دس عليه من يسأله، فروى على ملأ من الناس «ليس على مستكره طلاق» فضربه بالسياط، ولم يترك رواية الحديث.
وروي أن الرشيد سأل مالكًا فقال: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها ولم ينفقها. فلما أراد الرشيد الشخوص، قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على «الموطأ» كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال: أمّا حمل الناس على «الموطأ» فليس إلى ذلك سبيل، لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا بعده في الأمصار فحدثوا، فعند أهل كل مصر علم، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اختلاف أمتي رحمة» وأما الخروج معك فلا سبيل إليه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» وقال: «المدينة تنفي خبثها» وهاذي دنانيركم كما هي، إن شئتم فخذوها، وإن شئتم فدعوها.يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إليّ، فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال الشافعي رحمه الله: رأيت على باب مالك كراعًا من أفراس خراسان، وبغال مصر، ما رأيت أحسن منه، فقلت له: ما أحسنه، فقال: هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله، فقلت: دع لنفسك منها دابة تركبها، فقال: أنا أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحافر دابة. وكم مثل هذه المناقب لهذا الطّود الأشم، والبحر الزاخر.
الإمام البخاري
هو أبو عبد الله: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري.
وإنما قيل له: الجعفي، لأن المغيرة - أبا جده كان مجوسيًا، أسلم على يد يمان البخاري، وهو الجعفي والي بخارى، فنسب إليه حديث أسلم على يده.
وجعفي: أبو قبيلة من اليمن، وهو جعفي بن سعد العشيرة بن مذحج، والنسبة إليه كذلك.
ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، وعمره اثنتان وستون سنة، إلا ثلاثة عشر يومًا، [ولم يعقب ذكرًا].
والبخاري - الإمام في علم الحديث - رحل في طلب العلم إلى جميع محدّثي الأمصار، وكتب بخراسان والجبال، والعراق والحجاز، والشام ومصر، وأخذ الحديث عن المشايخ الحفاظ.
منهم: مكي بن إبراهيم البلخي، وعبدان بن عثمان المروزي، وعبيد الله بن موسى العبسي، وأبو عاصم الشيباني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن يوسف الفرباني، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسماعيل بن أبي أويس المدني، وغير هؤلاء من الأئمة. وأخذ عنه الحديث خلقٌ كثير في كل بلدة حدّث بها.
قال الفربري: سمع كتاب البخاري تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يروي عنه غيري، وكذلك لا يروى اليوم - «صحيح البخاري» - عن أحد سواه. ورد على المشايخ وله إحدى عشرة سنة، وطلب العلم وله عشر سنين.قال البخاريّ: خرّجت كتاب الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث، وما وضعت فيه حديثًا إلا صليت ركعتين.وقدم البخاري بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوها على البخاري، فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث، فلم اطمأن المجلس بأهله، انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال: لا أعرفه، فأما العلماء فعرفوا بإنكاره أنه عارف، وأما غيرهم فلم يدركوا ذلك منه، ثم انتدب رجل آخر من العشرة فكان حاله معه كذلك، ثم انتدب آخر بعد آخر، إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه.
فلما فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول، فهو كذا، والثاني كذا، على النسق، إلى آخر العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، ثم فعل بالباقين مثل ذلك، فأقر له الناس بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل.
الإمام مسلم
هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أحد الأئمة الحفاظ.
ولد سنة ست ومائتين، وتوفي عشية يوم الأحد لست بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين.رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر.
وأخذ الحديث عن يحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن الجعد، وأحمد بن حنبل، وعبيد الله القواريري، وشريح بن يونس، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وحرملة بن يحيى. وخلف بن هشام، وغير هؤلاء من أئمة الحديث وعلمائه.وقدم بغداد غير مرة وحدث بها.روى عنه خلق كثير.
منهم: إبراهيم بن محمد بن سفيان - ومن طريقه روينا «صحيحه» - وكان آخر قدومه بغداد سنة سبع وخمسين ومائتين.
قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على أهل عصرهما.
وقال الحسن بن محمد الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت مسلمًا يقول: صنفت «المسند الصحيح» من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال محمد بن إسحاق بن مندة، سمعت أبا علي بن علي النيسابوري يقول: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث.
وقال أبو عمرو محمد بن حمدان الحيري: سألت أبا العباس بن عقدة عن محمد ابن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري: أيهما أعلم.
فقال: كان البخاري عالمًا، وكان مسلم عالمًا، فكررت عليه مرارًا وهو يجيبني بمثل هذا الجواب، ثم قال: يا أبا عمرو، قد يقع للبخاري الغلط في أهل الشام، وذلك أنه أخذ كتبهم، فنظر فيها، فربما ذكرا والواحد منهم بكنيته. ويذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهم أنهما اثنان، فأما مسلم، فقلما يقع له الغلط، لأنه كتب المقاطيع والمراسيل.
وقال محمد بن يعقوب الأخرم - وذكر كلامًا معناه -: قلما يفوت البخاري ومسلمًا مما يثبت في الحديث حديث.
قال الخطيب أبو بكر البغدادي: إنما قفا مسلم طريق البخاري، ونظر في علمه وحذا حذوه.
ولما ورد البخاري نيسابور في آخر مرة، لازمه مسلم، وأدام الاختلاف إليه.
وقال الدارقطني: لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء.
الإمام أبو داود
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني، أحد من رحل وطوف، وجمع وصنف، وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والجزريين.
ولد سنة اثنتين ومائتين، وتوفي بالبصرة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين.
وقدم بغداد مرارًا، ثم خرج منها آخر مرّاته سنة إحدى وسبعين.
وأخذ الحديث عن مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب، وعثمان بن أبي شيبة وأبي الوليد الطيالسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ومسدد بن مسرهد، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وقتيبة بن سعيد، وأحمد بن يونس، وغير هؤلاء من أئمة الحديث، ممن لا يحصى كثرة.
وأخذ الحديث عنه: ابنه عبد الله، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأحمد بن محمد الخلال، وأبو علي محمد بن عمرو اللؤلؤي، ومن طريقه نروي كتابه.وكان أبو داود سكن البصرة.
وقدم بغداد، وروى كتابه المصنف في «السنن» بها. ونقلها أهلها عنه، وصنفه قديمًا، وعرضه على أحمد بن حنبل، فاستجابه واستحسنه.
قال أبو بكر بن داسة: قال أبو داود: كتبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب «السنن» - جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث. ذكرت الصحيح، وما يشبهه ويفاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث.
أحدها: قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات».
والثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
والثالث: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه».
والرابع: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات...» الحديث.
وقال أبو بكر الخلال: أبو داود، سليمان بن الأشعث، الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعها أحد في زمانه، رجل ورع مقدم.
وكان إبراهيم الأصفهاني، وأبو بكر بن صدقة، يرفعان من قدره، ويذكرانه بما لا يذكران أحدًا في زمانه بمثله.
وقال أحمد بن حنبل بن ياسين الهروي: كان سليمان بن الأشعث، أبو داود، أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمه وعلله وسنده، وكان في أعلى درجة من النسك والعفاف، والصلاح والورع، من
فرسان الحديث.
وقال محمد بن أبي بكر بن عبد الرزاق: كان لأبي داود كمّ واسع وكمّ ضيّق، فقيل له: يرحمك الله ! ما هذا؟ قال: الواسع للكتب، والآخر لا نحتاج إليه.
وقال أبو سليمان الخطابي: كتاب «السنن» لأبي داود، كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس، على اختلاف مذاهبهم، فصار حكمًا بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء، فلكل فيه ورد، ومنه شرب، وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب، وكثير من مدن أقطار الأرض، فأما أهل خراسان، فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل البخاري، وكتاب مسلم بن الحجاج النيسابوري.
وقال: قال أبو داود: ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه.
وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود: «الجوامع» و«المسانيد»، ونحوهما، فتجمع تلك الكتب - إلى ما فيها من «السنن» و«الأحكام» -:
أخبارًا وقصصًا، ومواعظ وأدبًا. فأما «السنن» المحضة، فلم يقصد أحد منهم إفرادها واستخلاصها من أثناء تلك الأحاديث، ولا اتفق له ما اتفق لأبي داود، ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محلّ العجب، فضربت إليه أكباد الإبل، ورامت إليه الرحل.
قال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود هذا الكتاب: ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود عليه السلام الحديد.
وقال ابن الأعرابي عن كتاب أبي داود: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي في كتاب الله عز وجل، ثم هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة.
الإمام الترمذي
هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي ولد [سنة تسع ومائتين].
وتوفي بـ «ترمذ» ليلة الاثنين الثالث عشر من شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، وهو أحد العلماء الحفاظ الأعلام، وله في الفقه يد صالحة.
أخذ الحديث عن جماعة من أئمة الحديث، ولقي الصدر الأول من المشايخ.
مثل قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن موسى، ومحمود بن غيلان، وسعيد بن عبد الرحمن، ومحمد بن بشار، وعلي بن حجر، وأحمد بن منيع، ومحمد بن المثنى، وسفيان بن وكيع، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وغير هؤلاء، وأخذ عن خلق كثير لا يحصون كثرة.
وأخذ عنه خلق كثير، منهم محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي، ومن طريقه روينا كتابه «الجامع».
وله تصانيف كثيرة في علم الحديث، وهذا كتابه «الصحيح» أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيبًا، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره: من ذكر المذاهب، ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح، والحسن، والغريب، وفيه جرح وتعديل، وفي آخره كتاب «العلل»، قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها من وقف عليها.
قال الترمذي [رحمه الله تعالى]: صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب، فكأنما في بيته نبي يتكلم.
وقال الترمذي: كان جديي مروزيًا انتقل من مرو، أيام الليث بن سيار.
الإمام النسائي
هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان النسائي.
ولد سنة خمس وعشرين ومائتين
ومات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة، وهو مدفون بها.
قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يذكر أربعة من أئمة المسلمين رآهم، فيبدأ بأبي عبد الرحمن.
وهو أحد الأئمة الحفاظ العلماء، لقي المشايخ الكبار.
وأخذ الحديث عن قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن إبراهيم، وحميد بن مسعدة، وعلي ابن خشرم، ومحمد بن عبد الأعلى، والحارث بن مسكين، وهناد بن السري، ومحمد بن بشار، ومحمود بن غيلان، وأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وغير هؤلاء من المشايخ الحفاظ.
وأخذ عنه الحديث خلق كثير، منهم: أبو بشر الدولابي - وكان من أقرانه - وأبو القاسم الطبراني، وأبو جعفر الطحاوي، ومحمد بن هارون بن شعيب، وأبو الميمون بن راشد، وإبراهيم بن محمد بن صالح بن سنان، وأبو بكر أحمد بن إسحاق السّني الحافظ، ومن طريقه روينا كتابه «السنن».
وله كتب كثيرة في الحديث والعلل، وغير ذلك.
قال مأمون المصري الحافظ: خرجنا مع أبي عبد الرحمن إلى طرسوس سنة الفداء، فاجتمع جماعة من مشايخ الإسلام، واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن إبراهيم مربّع، وأبو الآذان، وكيلجه وغيرهم. فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ؟ فاجتمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.
وقال الحاكم النيسابوري: أما كلام أبي عبد الرحمن على فقه الحديث فأكثر من أن يذكر. ومن نظر في كتابه «السنن» له تحير في حسن كلامه.
وقال: سمعت علي بن عمر الحافظ غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم في زمانه.
وكان شافعي المذهب، له مناسك، ألفها على مذهب الشافعي، وكان ورعًا متحريًا، ألا تراه يقول في كتابه «الحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع» ولا يقول فيه: «حدثنا» ولا «أخبرنا» كما يقول عن باقي مشايخه.
وذلك: أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن خشونة، لم يمكنه حضور مجلسه، فكان يستتر في موضع، ويسمع حيث لا يراه، فلذلك تورع وتحرى، فلم يقل: «حدثنا وأخبرنا».
وقيل: إن الحارث كان خائضًا في أمور تتعلق بالسلطان، فقدم أبو عبد الرحمن فدخل إليه في زي أنكره، قالوا: كان عليه قباء طويل، وقلنسوة طويلة، فأنكر زيه، وخاف أن يكون من بعض جواسيس السلطان، فمنعه من الدخول إليه، فكان يجيء فيقعد خلف الباب، ويسمع ما يقرؤه الناس عليه من خارج، فمن أجل ذلك لم يقل فيما يرويه عنه: «حدثنا، وأخبرنا».
وسأل بعض الأمراء، أبا عبد الرحمن عن كتابه «السنن»: أكلّه صحيح؟ فقال: لا، قال: فاكتب لنا الصحيح منه مجردًا، فصنع المجتبى، فهو «المجتبى من السنن»، ترك كل حديث أورده في «السنن». مما تكلّم في إسناده بالتعليل.
والله أعلم بالصواب.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الباب, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir