دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > ألفية العراقي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:01 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الرابع: المناولة

الرابعُ: الْمُنَاوَلَةُ

ثم الْمُنَاوَلاتُ إمَّا تَقْتَرِنْ = بالإذْنِ أو لا، فالتي فيها أَذِنْ
(500) أَعْلَى الإجازاتِ وأَعلاَها إذا = أَعْطَاهُ مِلْكاً فإعارةً كذَا
أنْ يَحْضُرَ الطالِبُ بالكتابِ لَهْ = عَرْضاً وهذا العَرْضُ للمناوَلَهْ
والشيخُ ذو مَعْرِفَةٍ فيَنْظُرَهْ = ثم يُنَاوِلَ الكتابَ مُحْضِرَهْ
يقولُ هذا مِن حَدِيثِي فارْوِهِ = وقد حَكَوْا عن مالِكٍ ونَحْوِهِ
بأنها تُعَادِلُ السَّمَاعَا = وقد أبَى الْمُفْتُونَ ذا امْتِنَاعَا
(505) إسحاقُ والثورِي مع النُّعمانِ = والشافعِي وأحمَدَ الشَّيْبَانِي
وابنِ المبارَكِ وغيرِهم رَأَوْا = بأنها أَنْقَصُ قلتُ قد حَكَوْا
إِجماعَهم بأنها صحيحهْ = مُعْتَمَداً وإنْ تَكُنْ مَرجوحهْ
أمَّا إذا ناوَلَ واسْتَرَدَّا = في الوقْتِ صَحَّ والْمُجازُ أَدَّى
مِن نُسخةٍ قد وافَقَتْ مَرْوِيَّهْ = وهذه ليست لها مَزِيَّهْ
(510) على الذي عَيَّنَ في الإجازَهْ = عندَ الْمُحَقِّقِينَ لكنْ مازَهْ
أهلُ الحديثِ آخِراً وقِدْمَا = أمَّا إذا ما الشيخُ لم يَنْظُرْ مَا
أحْضَرَه الطالِبُ لكن اعْتَمَدْ = مَن أَحْضَرَ الكتابَ وَهْوَ مُعْتَمَدْ
صَحَّ وإلاَّ بَطَلَ استِيقَانَا = وإنْ يَقُلْ أجَزْتُهُ إنْ كانَا
ذا مِن حَدِيثِي فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ = يُفيدُ حيثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ
(515) وإنْ خَلَتْ مِن إِذْنٍ الْمُنَاوَلَهْ = قيلَ تَصِحُّ والأصَحُّ باطِلَهْ


  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:53 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الناظم

الرابعُ: المناوَلَةُ
(499) ثم الْمُنَاوَلاتُ إمَّا تَقْتَرِنْ بالإذْنِ أو لا، فالتي فيها إِذَنْ
(500) أَعْلَى الإجازاتِ، وأَعلاَها إذا أَعْطَاهُ، مِلْكاً فإعارةً كذَا
(501) أنْ يَحْضُرَ الطالِبُ بالكتابِ لَهْ عَرْضاً وهذا العَرْضُ للمناوَلَهْ
(502) والشيخُ ذو مَعْرِفَةٍ فيَنْظُرَهْ ثم يُنَاوِلَ الكتابَ مُحْضِرَهْ
(503) يقولُ هذا مِن حَدِيثِي فارْوِهِ وقد حَكَوْا عن مالِكٍ ونَحْوِهِ
(504) بأنها تُعَادِلُ السَّمَاعَا وقد أبَى الْمَفتونُ ذا امْتِنَاعَا
(505) إسحاقُ والثورِي مع النُّعمانِ والشافعِي وأحمَدُ الشَّيْبَانِي
(506) وابنُ المبارَكِ وغيرُهم رَأَوْا بأنها أَنْقَصُ قلتُ قد حَكَوْا
(507) إِجماعَهم بأنها صحيحهْ مُعْتَمَداً وإنْ تَكُنْ مَرجوحهْ
(القِسمُ الرابعُ مِن أقسامِ الأَخْذِ والتَّحَمُّلِ) المناوَلَةُ، وهي على نوعينِ:
(الأَوَّلُ) الْمُناوَلَةُ الْمَقرونةُ بالإجازةِ، وهي أَعْلَى أنواعِ الإجازةِ على الإطلاقِ، ثم لهذه الْمُناوَلَةِ العاليةِ صُوَرٌ، أَعْلاَهَا أنْ يُناوِلَه شيئاً مِن سَمَاعِه أصْلاً أو فَرْعاً مُقَابَلاً به ويقولُ: هذا مِن سَمَاعِي أو رِوَايَتِي عن فلانٍ فارْوِهِ عني. ونحوَ ذلك، وكذا لو لم يَذْكُرْ شيخَه وكان اسمُ شيخِه في الكتابِ الْمُنَاوَلِ، وفيه بيانُ سَمَاعِه منه أو إجازتِه منه ونحوُ ذلك، ويُمَلِّكُه الشيخُ له، أو يقولُ له: خُذْهُ وانْتَسِخْهُ وقابِلْ به ثم رُدَّهُ إلَيَّ. ونحوَ ذلك.
ومنها أن يُنَاوِلَه له ثم يَرْتَجِعَهُ منه في الحالِ، وسيأتِي حُكْمُ هذه الصورةِ في الأبياتِ التي تَلِي هذه.
ومنها أنْ يُحْضِرَ الطالِبُ الكتابَ أصْلَ الشيخِ أو فَرْعَه المقابَلَ به فيَعْرِضَه عليه، وسَمَّاهُ غيرُ واحدٍ مِن الأئِمَّةِ عَرْضاً، فيكونُ هذا عرْضَ المناوَلَةِ وقد تَقَدَّمَ عرْضُ السماعِ.
فإذا عَرَضَ الطالِبُ الكتابَ على الشيخِ تَأَمَّلَهُ الشيخُ وهو عارِفٌ مُتَيَقِّظٌ، ثم يُناوِلُه للطالِبِ ويقولُ: هو رِوايتي عن فُلانٍ أو عمَّن ذَكَرَ فيه - أو نحوَ ذلك- فارْوِه عني. ونحوَ ذلك.
ولم يَتَعَرَّضِ ابنُ الصلاحِ لكونِ الصورةِ الأُولَى مِن صُوَرِ الْمُنَاوَلَةِ أعْلَى، ولكنه قَدَّمَها في الذكْرِ، وقالَ القاضي عِياضٌ: أَرْفَعُها أنْ يَدْفَعَ الشيخُ كتابَه للطالِبِ فيَقولَ: هذه رِوايتِي فارْوِها عَنِّي. ويَدْفَعُها إليه، أو يَقولَ له: خذها فانْسَخْها وقابِلْ بها ثم اصْرِفْها إلَيَّ. أو يَأتيَه الطالِبُ بنُسخةٍ صحيحةٍ. إلى آخِرِ كلامِه.
وهذه المناوَلَةُ الْمَقرونةُ بالإجازةِ حالَّةٌ مَحَلَّ السماعِ عندَ بعضِهم، كما حكاه الحاكِمُ عن ابنِ شِهابٍ ورَبيعةَ الرأيِ ويحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ ومالِكٍ في آخَرينِ مِن أهلِ المدينةِ ومكَّةَ والكوفةِ والبصرةِ والشامِ ومِصرَ وخُراسانَ.
وفي كلامِه بعضُ تخليطٍ ؛ إذ خَلَطَ عرْضَ المناوَلَةِ بعرْضِ السماعِ، وقالَ الحاكِمُ في هذا العَرْضِ: أمَّا فُقهاءُ الإسلامِ الذين أَفْتَوْا في الحلالِ والحرامِ فإنهم لم يَرْوُوهُ سَمَاعاً، وبه قالَ الشافعِيُّ والأوزاعيُّ والبُوَيْطِيُّ والْمُزَنِيُّ وأبو حَنيفةَ وسُفيانُ الثَّوْرِيُّ وأحمدُ بنُ حَنبلٍ وابنُ المبارَكِ ويحيى بنُ يحيى وابنُ رَاهَوَيْهِ قالَ: وعليه عَهِدْنَا أئِمَّتَنا وإليه ذَهَبُوا وإليه نَذهبُ.
وقالَ ابنُ الصَّلاحِ: إنه الصحيحُ، وإنَّ هذا منْحَطٌّ عن التحديثِ والإخبارِ.
وقولِي: (قلتُ قد حَكَوْا إجماعَهم) أيْ: إجماعَ أهْلِ النقْلِ، وإنما زِدْتُ نقْلَ اتِّفاقِهم هنا لأنَّ الشيخَ حَكَى الْخِلافَ الْمُتَقَدِّمَ في الإجازةِ ولم يَحْكِ هنا إلاَّ كونَها مُوازيةً للسماعِ أو لا، فأردْتُ نقْلَ اتِّفاقِهم على صِحَّتِها، وقد حكاه القاضِي عِياضٌ في (الإلماعِ) بعدَ أنْ قالَ: وهي روايةٌ صحيحةٌ عندَ مُعْظَمِ الأئمَّةِ والْمُحَدِّثِينَ وسَمَّى جماعةً ثم قالَ: وهو قولُ كافَّةِ أهْلِ النقْلِ والأداءِ والتحقيقِ مِن أهْلِ النظَرِ. انتهى.
وقولِي: (مُعْتَمَداً) هو بفَتْحِ الميمِ وهو تمييزٌ أيْ: صحيحةٌ اعتماداً.
(508) أمَّا إذا ناوَلَ واسْتَرَدَّا في الوقْتِ صَحَّ والْمُجازُ أَدَّى
(509) مِن نُسخةٍ قد وافَقَتْ مَرْوِيَّهْ وهذه ليست لها مَزِيَّهْ
(510) على الذي عَيَّنَ في الإجازَهْ عندَ الْمُحَقِّقِينَ لكنْ مازَهُ
(511) أهلُ الحديثِ آخِراً وقِدْمَا أمَّا إذا ما الشيخُ لم يَنْظُرْ مَا
(512) أحْضَرَه الطالِبُ لكنْ واعْتَمَدْ مَن أَحْضَرَ الكتابَ وهو مُعْتَمَدْ
(513) صَحَّ وإلاَّ بَطَلَ استِيقَانَا وإنْ يَقُلْ أجَزْتُهُ إنْ كانَا
(514) ذا مِن حَدِيثِي فهو فِعْلٌ حَسَنُ يُفيدُ حيث وَقَعَ التَّبَيُّنُ
هذا أحَدُ صُوَرِ الْمُناوَلَةِ الذي تَقَدَّمَ الوعْدُ بذِكْرِه، وهو أنْ يُناوِلَه الشيخُ الكتابَ ويُجيزَ له رِوايتَه ثم يَرتجِعَه منه في الحالِ، فالْمُناوَلَةُ صحيحةٌ ولكنها دُونَ الصُّوَرِ المتقَدِّمَةِ لعَدَمِ احتواءِ الطالِبِ عليه وغَيْبَتِه عنه.
وقولِي: (والْمُجَازُ) أيْ والْمُجازُ له وهو مُبتدأٌ خَبَرُه أَدَّى، أيْ: ومَن تَنَاوَلَ على هذه الصورةِ فله أَنْ يُؤَدِّيَ مِن الأصْلِ الذي ناوَلَهُ له الشيخُ واسترَدَّهُ إذا ظَفَرَ به مع غَلَبَةِ ظَنِّهِ بسَلامتِه مِن التغييرِ أوْ مِن فَرْعٍ مقابَلٍ به كذلك، وهو الْمُرادُ بقولِي (قد وافَقْتُ مَرْوِيَّهْ) أي الكتابَ الذي تَناوَلَه، إمَّا بكونِه مِن الكتابِ المناوَلِ نَفْسِه مع غَلبةِ السلامةِ، أو مِن نُسخةٍ تُوافِقُه بِمُقابَلَتِه، أو إخبارِ ثِقةٍ بِمُوَافَقَتِها ونحوِ ذلك.
وقولِي: (وهذه) أيْ: وهذه الصُّورةُ مِن صُوَرِ الْمُناوَلَةِ ليستْ لها مَزِيَّةٌ على الإجازةِ بكتابٍ مُعَيَّنٍ، قالَ القاضي عِياضٌ: وعلى التحقيقِ فليس هذا بشيءٍ زائدٍ على معنى الإجازةِ للشيءِ الْمُعَيَّنِ مِن التصانيفِ المشهورةِ والأحاديثِ المعروفةِ الْمُعَيَّنَةِ، ولا فَرْقَ بينَ إجازتِه إيَّاهُ أنْ يُحَدِّثَ عنه بكتابِ الْمُوَطَّأِ وهو حاضِرٌ أو غائبٌ، إذ المقصودُ تَعيينُ ما أجازَه له، لكن قديماً وحديثاً شيوخُنا مِن أهلِ الحديثِ يَرَوْنَ لهذا مَزِيَّةً على الإجازةِ، قالَ: ولا مَزِيَّةَ له عندَ مَشَايِخِنا مِن أهْلِ النظَرِ والتحقيقِ بخِلافِ الوُجوهِ الأُوَلِ، فقولِي (عندَ الْمُحَقِّقِينَ) مما زِدْتُه على ابنِ الصلاحِ مِن كلامِ القاضي عِياضٍ.
وابنُ الصلاحِ إنما حَكَى هذا عن غيرِ واحدٍ مِن الفُقهاءِ والأُصُولِيِّينَ لا عن أهْلِ التحقيقِ كما قالَ القاضي عِياضٌ واللهُ أعلَمُ.
ومِن صُوَرِ المناوَلَةِ أنْ يُحْضِرَ الطالِبُ الكتابَ للشيخِ فيقولَ: هذا رِوايتُكَ فنَاوِلْنِيهِ وأَجِزْ لي رِوايتَه. فلا يَنْظُرُ فيه الشيخُ ولا يَتحقَّقُ أنه روايتُه ولكنِ اعتَمَدَ خبرَ الطالِبِ، والطالِبُ ثِقةٌ يُعْتَمَدُ على مِثْلِه، فأجابَه إلى ذلك صَحَّت الْمُنَاوَلَةُ والإجازةُ، وإنْ لم يَكنِ الطالِبُ مَوثوقاً بخبَرِه ومَعرفتِه فإنه لا تَجوزُ هذه الْمُناوَلَةُ ولا تَصِحُّ ولا الإجازةُ، فإنْ ناوَلَه وأَجازَه ثم تَبَيَّنَ بعدَ ذلك بخَبَرِ ثِقةٍ يُعتمدُ عليه أنَّ ذلك كان مِن سماعِ الشيخِ أو مِن مَروِيَّاتِه فهل يُحكَمُ بصحَّةِ المناوَلَةِ والإجازةِ السابقتينِ؟ لم يَنُصَّ على هذه صَريحاً ابنُ الصلاحِ، وعمومُ كلامِه يَقتضِي أنَّ ذلك لا يَصِحُّ، ولم أَرَهَا أيضاً في كلامِ غيرِه إلاَّ في عمومِ كلامِ الخطيبِ الآتي، والظاهرُ الصحَّةُ؛ لأنه تَبَيَّنَ بعدَ ذلك صِحَّةُ سماعِ الشيخِ لِمَا نَاوَلَه وأجازَه وزَالَ ما كنا نَخْشَى مِن عَدَمِ ثقةِ الْمُخْبِرِ، واللهُ أعْلَمُ.
قالَ الخطيبُ: ولو قالَ: حَدِّثْ بما في هذا الكتابِ عَنِّي إنْ كانَ مِن حديثي مع بَراءتِي مِن الغَلَطِ والوَهْمِ. كان ذلك جائزًا حَسَناً. انتهى.
ويَدخلُ في كلامِ الخطيبِ الصورتانِ ما إذا كانَ مَن أَحْضَرَ الكتابَ ثِقةً مُعْتَمَداً، وما إذا كان غيرَ مَوثوقٍ به، فإنْ كانَ ثِقَةً جازَتِ الروايةُ بهذه الْمُناوَلَةِ والإجازةِ وإنْ كانَ غيرَ موثوقٍ به، ثم تَبَيَّنَ بعدَ الإجازةِ بخبَرِ مَن يُوثَقُ به أنَّ ذلك الذي ناوَلَه الشيخُ كان مِن مَرْوِيَّاتِه جَازَتْ رِوايتُه بذلك، وأَشَرْتُ إلى ذلك بقولِي (يُفيدُ حيثُ وَقَعَ التبينُ) وهذا النصْفُ الأخيرُ مِن الزوائدِ على ابنِ الصلاحِ.
(515) وإنْ خَلَتْ مِن إِذْنِه الْمُنَاوَلَهْ قيلَ تَصِحُّ والأصَحُّ باطِلَهْ
هذا النوعُ الثاني مِن نَوْعَي المناوَلَةِ، وهو ما إذا تَجَرَّدَت الْمُناوَلَةُ عن الإجازةِ بأنْ يُناوِلَه الكتابَ ويقولَ: هذا مِن حديثي أو مِن سَماعاتِي ولا يَقولُ له: ارْوِهِ عَنِّي ولا أَجَزْتُ لك رِوايتَه. ونحوَ ذلك، وقد اخْتُلِفَ فيها، فحكى الخطيبُ عن طائفةٍ مِن أهْلِ العلْمِ أنهم صَحَّحُوها وأجازُوا الروايةَ بها.
وقالَ ابنُ الصَّلاحِ: هذه إجازةٌ مُخْتَلِفَةٌ لا تَجوزُ الروايةُ بها. قالَ: وعابَها غيرُ واحدٍ مِن الفُقهاءِ والأُصُولِيِّينَ على الْمُحَدِّثِينَ الذين أجَازُوها وسَوَّغُوا الروايةَ بها.
وقالَ النوويُّ في (التقريبِ والتيسيرِ) لا تَجوزُ الروايةُ بها على الصحيحِ الذي قالَه الفُقهاءُ وأصحابُ الأصولِ.
قلتُ: ما أَطْلَقَه مِن أنه قالَه الفُقهاءُ وأصحابُ الأصولِ مع كونِه مُخَالِفاً لكلامِ ابنِ الصلاحِ في حكايتِه لذلك عن غيرِ واحِدٍ فهو مخالِفٌ لِمَا قالَه جماعةٌ مِن أهْلِ الأصولِ، منهم صاحبُ (المحصولِ)، فإنه لم يَشترِط الإذْنَ بل ولا الْمُناوَلَةَ، بل إذا أشارَ الشيخُ إلى كتابٍ وقالَ: هذا سَمَاعِي مِن فُلانٍ. جازَ لِمَن سَمِعَه أنْ يَرْوِيَهُ عنه، سواءٌ ناوَلَه أمْ لا ، خِلافاً لبعضِ الْمُحَدِّثِينَ، وسواءٌ قالَ له: ارْوِهِ عَنِّي أمْ لا، نعم مُقْتَضَى كلامِ السيفِ الآمِدِيِّ اشتراطُ الإذْنِ في الروايةِ، وقد قالَ ابنُ الصلاحِ بعدَ هذا: إنَّ الروايةَ بها تَتَرَجَّحُ على الروايةِ بِمُجَرَّدِ إعلامِ الشيخِ لِمَا فيه مِن المناوَلَةِ، فإنها لا تَخْلُو مِن إشعارٍ بالإذْنِ في الروايةِ.

  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 12:00 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح الباقي لأبي زكريا الأنصاري

الرابعُ: المناوَلَةُ

الرابعُ مِن أقسامِ التَّحَمُّلِ: الْمُنَاوَلَةُ:
وهي إعطاءُ الشيخِ الطالِبَ شيئًا مِن مَرْوِيَّاتِه، ويقولُ له: (هذا مِن حَدِيثِي، أو: مَرْوِيَّاتِي) أو نحو ذلك.

ثم الْمُنَاوَلاتُ إمَّا تَقْتَرِنْ بالإذْنِ أو لا فالتي فيها إِذْنْ
أَعْلَى الإجازاتِ وأَعلاَها إذا أَعْطَاهُ مِلْكاً فإعارةً كذَا
أنْ يَحْضُرَ الطالِبُ بالكتابِ لَهْ عَرْضاً وهذا العَرْضُ للمناوَلَهْ
والشيخُ ذو مَعْرِفَةٍ فيَنْظُرَهْ ثم يُنَاوِلَ الكتابَ مُحْضِرَهْ
يقولُ هذا مِن حَدِيثِي فارْوِهِ وقد حَكَوْا عن مالِكٍ ونَحْوِهِ
بأنها تُعَادِلُ السَّمَاعَا وقد أبَى الْمُفتونَ ذا امْتِنَاعَا
إسحاقُ والثورِي مع النُّعمانِ والشافعِي وأحمَدُ الشَّيْبَانِي
وابنُ المبارَكِ وغيرُهم رَأَوْا بأنها أَنْقَصُ قلتُ قد حَكَوْا
إِجماعَهم بأنها صحيحهْ مُعْتَمَداً وإنْ تَكُنْ مَرجوحهْ

(ثم المنَاوَلاتُ) المجموعةُ باعتبارِ صُوَرِها الآتيةِ على نَوعينِ؛ لأنها (إمَّا) أنْ (تَقترِنْ بالإذْنِ) أي: الإجازةُ (أو لا) بأنْ تَخْلُوَ عنها.
(فالتي فيها إذْنْ) وهي النوعُ الأوَّلُ (أَعْلَى الإجازاتِ) مطْلَقًا لِمَا فيها مِن تَعيينِ الْمَرْوِيِّ وتَشخيصِه، وفي هذا النوْعِ صُوَرٌ مُتفاوِتَةٌ عُلُوًّا:
(وأَعلاها إذا أَعطاهُ) أي: الشيخُ الطالِبَ مُؤَلَّفًا له، أو أَصْلاً مِن مَسموعاتِه مَثَلاً، أو فَرْعًا مقابَلاً به (مِلْكًا) أيْ: على وَجْهِ التمليكِ له بِهِبَةٍ أو بَيعٍ أو غيرِ ذلك، قائلاً له: (هذا مِن تَأليفِي، أو: سَماعِي، أو: رِوايتِي عن فُلانٍ، وأنا عالِمٌ بما فيه، فارْوِهِ أو: حَدِّثْ به عَنِّي). أو نحوَ ذلك.
وكذا لو لم يَذْكُرِ اسمَ شيخِه، وكان مذكورًا في الكتابِ المناوَلِ مع بَيانِ سَماعِه منه أو إجازتِه، أو نحو ذلك.
ولم يُصَرِّح ابنُ الصلاحِ بكونِ هذه الصورةِ أعْلَى، لكنه قَدَّمَها كالقاضِي سعِياضٍ في الذِّكْرِ، وهو مِنه مُشْعِرٌ بذلك.
(فإعارةً) أيْ: ويَلِيهَا ما يُناوِلُه مِن ذلك أيضًا إعارةً، أيْ: على وَجْهِ الإعارةِ أو الإجازةِ قائلاً له مع ما مَرَّ: (فانْتَسِخْهُ ثم قابِلْ به، أو فقابِلْ به نُسخَتَكَ التي انْتَسَخْتَها). أو نحوَ ذلك، ثم رُدَّهُ إِلَيَّ.
و(كذا) يَلِيهَا (أنْ يَحْضُرَ الطالِبُ بالكتابِ) الذي هو أصْلٌ للشيخِ أو فَرْعُه المقابَلُ به (لهْ) أيْ: للشيخِ (عَرْضًا) أيْ: للعرْضِ عليه، ويُقَيَّدُ للتمييزِ عن عَرْضِ السماعِ السابِقِ في مَحِلِّهِ فيُقالُ: عَرْضُ المناوَلَةِ كما ذَكَرَه بقولِه: (وهذا العرْضُ للمُنَاوَلَهْ).
(والشيخُ) أيْ: يَحْضُرُ الطالِبُ بالكتابِ للشيخِ، والحالةُ أنَّ الشيخَ (ذو معرفةٍ) ويَقَظَةٍ (فيَنْظُرَهْ) متَصَفِّحًا مُتَأَمِّلاً له ليَعْلَمَ صِحَّتَه، أو فيُقابِلَهُ بأَصْلِه إنْ لم يَكنْ عارِفًا.
(ثم يُناوِلَ) الشيخُ (الكتابَ مُحْضِرَهْ) له، (ويَقولُ) له: (هذا مِن حَدِيثِي) أو نحوه (فَارْوِهِ) أو: حَدِّثْ به عَنِّي)، أو نحو ذلك.
ونَصْبُ (يَنْظُرَ) و(يُناوِلَ) بالعطْفِ على (يَحْضُرَ).
(وقد حَكَوْا) أيْ: جماعةٌ مِن الْمُحَدِّثِينَ مِنهم الحاكمُ (عن مالِكٍ) رَحِمَه اللهُ (ونحوِهِ) مِن أئِمَّةِ الْمَدَنِيِّينَ والْمَكِّيِّينَ والكُوفيِّينَ والبَصرِيِّينَ وغيرِهم القولَ (بأنها) أي: المناوَلَةَ المقرونةَ بالإجازةِ (تُعادِلُ السماعَا).
بل ذَهَبَ جماعةٌ إلى أنها أَعلى منه، ووُجِّهَ بأنَّ الثقةَ بالكتابِ مع الإجازةِ أكثَرُ مِن الثقةِ بالسماعِ وأَثْبَتُ، لِمَا يَدْخُلُ مِن الوَهْمِ على السامِعِ والْمُسْمِعِ.
(و) لكنْ (قد أَبَى الْمُفْتُونَ) جَمْعُ (مُفْتٍ)، مَن أَفْتَى في الحلالِ والحرامِ (ذا) أي: القولَ بأنها تُعَادِلُ السماعَ، فَضْلاً عن تَرْجِيحِها عليه، حيث امْتَنَعُوا مِن القولِ به (امتناعَا).
وأَبْدَلَ مِن (الْمُفْتُون) (إسحاقُ) بنُ رَاهُويَهِ، (و) سُفيانُ (الثوري) بالمثَلَّثَةِ وبالإسكانِ، لِمَا مَرّ،َ نِسبةً لـ (ثَوْرٍ) بطْنٍ مِن تَميمٍ.
(مع) باقِي الأئمَّةِ أبي حَنيفةَ (النعمانِ، والشافعِي) بالإسكانِ لِمَا مَرَّ، (وأحمدُ) بنُ حَنبلٍ (الشيبانِي) نِسبةً لشَيبانَ بنِ ثَعلبةَ، (و) عبدُ اللهِ (ابنُ المبارَكِ وغيرُهم) كالبُوَيْطِيِّ والْمُزَنِيِّ حيثُ (رَأَوْا) القولَ (بأنها أَنْقَصُ) مِن السماعِ، وصَحَّحَه ابنُ الصلاحِ.
(قلتُ) و(قد حَكَوْا) أيْ: جَماعةٌ مِنهم القاضِي عِياضٌ (إجماعَهم) أيْ: أهْلُ النقْلِ على القولِ (بأنها صحيحهْ) واختُلِفَ في صِحَّةِ الإجازةِ المجرَّدَةِ (مُعْتَمَدَا) بفتْحِ الميمِ - وهو كما قالَ الناظِمُ: تَمييزٌ، أيْ: صحيحةٌ اعتمادًا.
والحاصِلُ أنهم حَكَوُا الإجماعَ فيها (وإنْ تَكُنْ) بالنسبةِ للسماعِ (مَرجوحهْ) على المعتمَدِ كما مَرَّ.

أمَّا إذا ناوَلَ واسْتَرَدَّا في الوقْتِ صَحَّ والْمُجازُ أَدَّى
مِن نُسخةٍ قد وافَقَتْ مَرْوِيَّهْ وهذه ليست لها مَزِيَّهْ
على الذي عُيِّنَ في الإجازَهْ عندَ الْمُحَقِّقِينَ لكنْ مازَهْ
أهلُ الحديثِ آخِراً وقِدْمَا أمَّا إذا ما الشيخُ لم يَنْظُرْ مَا
أحْضَرَه الطالِبُ لكنْ واعْتَمَدْ مَن أَحْضَرَ الكتابَ وهْو مُعْتَمَدْ
صَحَّ وإلاَّ بَطَلَ استِيقَانَا وإنْ يَقُلْ أجَزْتُهُ إنْ كانَا
ذا مِن حَدِيثِي فهْو فِعْلٌ حَسَنُ يُفيدُ حيث وَقَعَ التَّبَيُّنُ
وإنْ خَلَتْ مِن إِذْنِه الْمُنَاوَلَهْ قيلَ تَصِحُّ والأصَحُّ باطِلَهْ

ومِن صُوَرِ هذا النوعِ ما ذَكَرَه بقولِه:
(أمَّا إذا ناوَلَ) الكتابَ للطالِبِ مع إجازتِه له به (واستَرَدَّا) ذلك منه (في الوقتِ) وأَمْسَكَه عنه، (فقد صَحَّ) ذلك كما لو لم يُمْسِكْه عنه.
(والْمُجازُ) له بهذه المناوَلَةِ (أَدَّى) إمَّا (مِن نُسخةٍ قد وَافَقَتْ مَرْوِيَّه) الْمُجازَ به بمقابَلَتِها به، أو بإخبارِ ثِقةٍ بموافقَتِها له، أو نحو ذلك.
أو مِن مَرْوِيِّهِ الذي اسْتَرَدَّهُ منه، إنْ ظَفَرَ به وغَلَبَ على ظَنِّه سَلامتُه مِن التغييرِ، كما فُهِمَ بالأَوْلَى.
(و) لكنَّ (هذه) الصورةَ مع أنها دونَ الصورةِ المتقدِّمةِ، لعَدَمِ احتواءِ الطالِبِ على مَرْوِيِّهِ وغَيْبَتِه عنه (ليستْ لها مَزِيَّهْ على) الكتابِ (الذي عُيِّنَ في الإجازَه) المجرَّدَةِ عن المناوَلَةِ (عندَ الْمُحَقِّقِينَ) مِن الفُقهاءِ والأُصُولِيِّينَ، إذ المقصودُ تَعيينُ الْمُجازِ به، فلا فَرْقَ بينَ حُضورِه وغَيْبَتِه.
والتصريحُ بنِسبتِه للمُحَقِّقِينَ مِن زِيادتِه.
(لكنْ مَازَهْ) أيْ: جَعَلَ له مَزِيَّةً على ذلك (أهْلُ الحديثِ آخِرًا وقِدْمَا) أيْ: حَديثًا وقَديمًا، كما لو لم يُمْسِكْ مَرْوِيَّهُ عن الطالِبِ.
ومِن صُوَرِه أيضًا ما ذَكَرَه بقولِه:
(أمَّا إذا ما) زائدةٌ (الشيخُ لم يَنْظُرْ ما أَحْضَرَهُ) له (الطالِبُ)، وقالَ له: (هذا مَرْوِيُّكَ فنَاوِلْنِيهِ وأَجِزْ لِي رِوايتَه). وهو لا يَعْلَمُ أنه مَروِيَّهُ (لكنْ) ناوَلَهُ له و(اعتمَدْ) في ذلك (مَن أَحْضَرَ الكتابَ وهْو) أيْ: مُحْضِرُه (معتمَدْ)، ثِقةٌ، فقد (صَحَّ) ذلك كما يَصِحُّ في القراءةِ عليه الاعتمادُ على الطالِبِ.
(وإلا) وإنْ لم يكنْ مُحْضِرُه ثِقةً (بَطَلَ) كلٌّ مِن المناوَلَةِ والإذْنِ (استيقانَا).
نعم، إنْ تَبَيَّنَ بعدَ ذلك بخبَرِ ثِقةٍ أنَّ ذلك مِن مَرْوِيِّهِ، فالظاهِرُ - كما قالَ الناظِمُ - الصحَّةُ أخْذًا مما يَأْتِي؛ لزَوالِ ما كُنَّا نَخْشَى مِن عَدَمِ ثِقةِ الْمُخْبِرِ.
(و) أمَّا (إنْ يَقُلْ) لِمُحْضِرِه ولو غيرَ ثِقةٍ: (أَجَزْتُهُ) لك (إنْ كانَا ذا) أيْ إنْ كانَ الْمُجازُ به (مِن حَديثِي)، أو مَرْوِيِّي، أو نحوه، مع بَرَاءَتِي مِن الغَلَطِ والوهْمِ. (فهْو فِعْلٌ حَسَنٌ).
فإنْ كانَ المحضِرُ ثِقةً جازَتْ رِوايتُه بذلك، أو غيرَ ثِقةٍ ثم تَبَيَّنَ بخبرِ ثِقةٍ أنه مِن مَرْوِيِّ الشيخِ فكذلك، لتبيُّنَ كونِه مِن مَرْوِيِّه، كما زادَه بقولِه: (يُفيدُ حيثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ).
النوعُ الثاني: ما ذَكَرَه بقولِه:
(وإنْ خَلَتْ مِن إذْنِه الْمُنَاوَلَهْ) بأنْ ناوَلَه مَرْوِيَّهُ واقْتَصَرَ على قولِه: (هذا مِن مَرْوِيِّي، أو حَديثِي). أو نحوه.
(قيلَ: تصِحُّ) فتَجوزُ الروايةُ بها لإشعارِها بالإذْنِ في الروايةِ.
(والأصَحُّ) أنها (باطِلَهْ) فلا تجوزُ الروايةُ بها، لعدَمِ التصريحِ بالإذْنِ فيها.
وفيه نَظَرٌ يُؤْخَذُ مِن كلامِ ابنِ أبي الدَّمِ الآتي في السابعِ.


  #4  
قديم 27 ذو الحجة 1429هـ/25-12-2008م, 10:07 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي

الرابِعُ: المُنَاوَلَةُ
ثمَّ الْمُنَاوَلاتُ إمَّا تَقْتَرِنْ بالإذْنِ أوْ لا، فالَّتِي فيها أَذِنْ
أَعْلَى الإجَازاتِ وأَعلاها إذا أَعْطَاهُ مِلْكاً فإِعَارَةً كذَا
أنْ يَحْضُرَ الطَّالِبُ بالكِتَابِ لَهْ عَرْضاً وهذا العَرْضُ للمُنَاوَلَهْ
والشيخُ ذُو مَعْرِفَةٍ فيَنْظُرَهْ ثمَّ يُنَاوِلَ الكتابَ مُحْضِرَهْ
يقولُ: هذا مِن حَدِيثِي فارْوِهِ وقد حَكَوْا عن مالِكٍ ونَحْوِهِ
بأنَّها تُعَادِلُ السَّمَاعَا وقدْ أَبَى الْمُفْتُونَ ذا امْتِنَاعَا
إسحاقُ والثَّوْرِي مَعَ النُّعمانِ والشَّافعِي وأحمَدَ الشَّيْبَانِي
وابنِ المُبارَكِ وغَيْرِهم رَأَوْا بأنَّها أَنْقَصُ، قُلْتُ: قدْ حَكَوْا
إِجماعَهم بأنَّها صَحِيحَهْ مُعْتَمَداً وإنْ تَكُنْ مَرجُوحَهْ
أمَّا إذا ناوَلَ واسْتَرَدَّا في الوقْتِ صَحَّ والْمُجازُ أَدَّى
مِن نُسخةٍ قدْ وافَقَتْ مَرْوِيَّهْ وهذهِ ليْسَتْ لها مَزِيَّهْ
علَى الذي عَيَّنَ في الإجازَهْ عندَ الْمُحَقِّقِينَ لَكِنْ مَازَهْ
أهلُ الحديثِ آخِراً وقِدْمَا أمَّا إذا ما الشيخُ لم يَنْظُرْ مَا
أحْضَرَهُ الطالِبُ لَكِن اعْتَمَدْ مَنْ أَحْضَرَ الكتابَ وَهْوَ مُعْتَمَدْ
صَحَّ وإلاَّ بَطَلَ استِيقَانَا وإنْ يَقُلْ: أجَزْتُهُ إنْ كانَا
ذا مِن حَدِيثِي فَهْوَ فِعْلٌ حَسَنُ يُفيدُ حيثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ
وإنْ خَلَتْ مِن إِذْنٍ الْمُنَاوَلَهْ قيلَ: تَصِحُّ، والأصَحُّ باطِلَهْ
القِسمُ (الرابعُ) مِنْ أقسامِ التحمُّلِ: (المُنَاوَلَةُ)، وهيَ لُغةً: العَطِيَّةُ، ومنهُ في حديثِ الْخَضِرِ: ((فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ))؛ أيْ: إِعطاءٍ. واصطلاحاً: إعطاءُ الشيخِ الطالبَ شيئاً مِنْ مَرْوِيِّهِ معَ إجازَتِهِ بهِ صَريحاً أوْ كِنايَةً.
وأُخِّرَ عن الإجازةِ معَ كَونِهِ عَلَى المُعْتَمَدِ أَعْلَى؛ لأنَّها جُزءٌ لأوَّلِ نَوْعَيْهِ، حتَّى قالَ ابنُ سَعيدٍ: إنَّهُ في مَعْنَاهَا، لكنْ يَفترِقانِ في أنَّهُ يَفتَقِرُ إلى مُشافَهَةِ الْمُجيزِ للمُجازِ لهُ وحُضورِهِ، بلْ بالَغَ بعضُ الأُصُولِيِّينَ كما سيأتي في آخِرِ النوْعِ الثاني فأَنْكَرَ مَزيدَهُ فائدةً فيهِ، وقالَ: هوَ راجِعٌ إليها. بل اشترَطَ أحمَدُ بنُ صالِحٍ كما مَضَى قَريباً الْمُناوَلَةَ لصحَّةِ الإجازةِ.
وعلى كلِّ حالٍ، فَاحْتِيجَ لِسَبْقِ مَعْرِفَتِها، أوْ قُدِّمَتْ لكَوْنِها تَشملُ الْمَرْوِيَّ الكثيرَ بخِلافِ الْمُناوَلَةِ على الأغلَبِ فيهما، أوْ لقِلَّةِ استعمالِ الْمُناوَلَةِ على الوجهِ الفاضِلِ، أوْ لاشتمالِ كُلٍّ مِن القِسمَيْنِ على فاضِلٍ ومَفضولٍ؛ إذْ أوَّلُ أنواعِ الإجازةِ أعْلَى مِنْ ثانِي نَوْعَي الْمُناوَلَةِ، فلم يَنحصِرْ لذلكَ التقديمُ في واحِدٍ، وحينئذٍ فقُدِّمَتْ لكثرةِ استعمالِها، والأصْلُ فيهِ ما عَلَّقَهُ البُخاريُّ حيثُ تَرجمَ لهُ في العلْمِ مِنْ صَحيحِهِ، أنَّهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كتَبَ لأميرِ السَّرِيَّةِ كِتاباً، وقالَ لهُ: ((لا تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا))، فلَمَّا بَلَغَ المكانَ قَرَأَهُ على الناسِ، وأَخْبَرَهم بأمْرِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وعَزَى البُخاريُّ الاحتجاجَ بهِ لبعضِ أهْلِ الْحِجازِ، وهذا قدْ أَوْرَدَهُ ابنُ إسحاقَ في (الْمَغازِي)، فقالَ: حَدَّثَني يَزيدُ بنُ رُومانَ، عنْ عُروةَ بنِ الزُّبيرِ قالَ: بعَثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عبدَ اللَّهِ بنَ جَحْشٍ إلى نَخْلَةَ، فقالَ لهُ: ((كُنْ بِهَا حَتَّى تَأْتِيَنَا بِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ))، ولم يَأمُرْهُ بقِتالٍ، وذلكَ في الشهْرِ الحرامِ، وكتَبَ لهُ كِتاباً قَبْلَ أنْ يُعْلِمَهُ أنْ يَسيرَ، فقالَ: ((اخْرُجْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ حَتَّى إِذَا سِرْتَ يَوْمَيْنِ فَافْتَحْ كِتَابَكَ، وَانْظُرْ فِيهِ، فَمَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَامْضِ لَهُ، وَلا تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى الذَّهَابِ مَعَكَ))، فلمَّا سارَ يَومَيْنِ فتَحَ الكتابَ، فإذا فيهِ: ((أَنِ امْضِ حَتَّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ فَتَأْتِيَنَا مِنْ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ)).
فذَكَرَ الحديثَ بطُولِهِ، وهوَ مُرْسَلٌ جَيِّدُ الإسنادِ، قدْ صرَّحَ فيهِ ابنُ إسحاقَ بالتحديثِ معَ أنَّهُ لم يَنْفَرِدْ بهِ، فقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيضاً عنْ عُروةَ، بلْ رُوِّينَاهُ مُتَّصِلاً في (المُعْجَمِ الكبيرِ) للطَّبَرَانيِّ، و(المدخَلِ) للبَيهقِيِّ مِنْ طريقِ أبي السَّوَّارِ عنْ جُنْدَبِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، رفَعَهُ وهوَ حُجَّةٌ، ولذَا جَزَمَ البُخارِيُّ بهِ إذْ عَلَّقَهُ، وأَوْرَدَهُ الضِّياءُ في (الْمُختارَةِ) لا سِيَّما ولهُ شاهِدٌ عندَ الطَّبَرِيِّ وغَيْرِهِ في التفسيرِ مِنْ طُرُقٍ عن ابنِ عبَّاسٍ.
(ثُمَّ الْمُنَاوَلاتُ) على نَوعَيْنِ: (إمَّا تَقترِنْ بالإذْنِ)؛ أيْ: بالإجازةِ، (أوْ لا)، بأنْ تَكونَ مُجَرَّدَةً عنها، (فَـ) المناوَلَةُ (الَّتِي فيها أُذِنْ)؛ أيْ: أُجِيزَ، وهيَ النوْعُ الأوَّلُ، (أَعْلا الإجازاتِ) مُطْلَقاً؛ لِمَا فيها مِن التَّعيينِ والتشخيصِ بلا خِلافٍ بينَ الْمُحَدِّثينَ فيهِ، حتَّى كانَ ممَّنْ حَكاهُ عنْ أصحابِ الحديثِ الغَزاليُّ في (الْمُسْتَصْفَى)، فقالَ: وهيَ عندَهم أَعْلَى دَرَجَةً منها.
وقولُ ابنِ الأَثِيرِ: الظاهِرُ أنَّها أَخْفَضُ مِن الإجازةِ؛ لأنَّ أَعْلَى دَرجاتِها أنَّها إِجازَةٌ مَخصوصةٌ في كِتابٍ بعَيْنِهِ بخِلافِ الإجازةِ، ليسَ بِجَيِّدٍ؛ فإنَّها وإنْ كانتْ غالِباً في كتابٍ بعَيْنِهِ فهيَ مقْتَرِنَةٌ بما فيهِ مَزيدُ ضَبْطٍ، بلْ والتخصيصُ أَبْلَغُ في الضبْطِ.
وتحتَ هذا النوْعِ صُوَرٌ، فالجمْعُ أوَّلاً بالنظَرِ لذلكَ، وهيَ – أَعْنِي الصُّوَرَ – مُتفاوِتَةٌ في العُلُوِّ، (وأَعْلاهَا إذا أَعْطَاهُ)؛ أيْ: أَعطَى الشيخُ الطالِبَ على وَجْهِ الْمُناوَلَةِ تَصنيفاً لهُ، أوْ أَصْلاً مِنْ سَمَاعِهِ، وكذا مِنْ مُجازِهِ، أوْ فرْعاً مُقَابَلاً بالأصْلِ، (مِلْكاً)؛ أيْ: على جِهةِ التمليكِ لهُ بالْهِبَةِ، أوْ بالبَيْعِ، أوْ ما يَقومُ مَقامَهما، قائلاً لهُ: هذا مِنْ تَصنيفِي، أوْ نَظْمِي، أوْ سَمَاعِي، أوْ رِوايتِي عنْ فُلانٍ، أوْ عن اثْنَيْنِ أوْ أكثَرَ، وأنا عالِمٌ بما فيهِ، فارْوِهِ أوْ حَدِّثْ بهِ عنِّي، ونَحْوَ ذلكَ ممَّا هوَ بمعنى الإجازَةِ، فضْلاً عنْ لَفْظِها كأَجَزْتُكَ بهِ، بلْ وكذا لوْ لم يَذْكُر اسمَ شيخِهِ واكتَفَى بكونِهِ مُبَيَّناً في الكتابِ الْمُناوَلِ.
قالَ يحيى بنُ الزُّبَيْرِ بنِ عَبَّادٍ الزُّبَيْرِيُّ: طَلَبْتُ مِنْ هِشامِ بنِ عُروةَ أحاديثَ أبيهِ، فأَخرَجَ إِلَيَّ دَفْتَراً، فَقَالَ لي: هذهِ أحاديثُ أبي قدْ صَحَّحْتُهُ وعَرَفْتُ ما فيهِ فَخُذْهُ عنِّي، ولا تَقُلْ كما يَقولُ هؤلاءِ حتَّى أَعْرِضَهُ. ولم يُصَرِّح ابنُ الصلاحِ بكَونِ هذهِ الصورةِ أَعْلَى، ولكنَّهُ قَدَّمَها في الذِّكْرِ كما فعَلَ عِيَاضٌ، وهوَ منهما مُشْعِرٌ بذلكَ.
(فَـ) يَلِيهَا ما يُناوِلُهُ الشيخُ لهُ مِنْ أصْلٍ أوْ فرْعٍ أيضاً (إِعَارَةً)؛ أيْ: على جِهَةِ الإعارةِ، أوْ إجارَةً ونحوَها، فيقولُ لهُ: خُذْهُ، وهوَ رِوَايَتِي على الحُكْمِ الْمَشروحِ أوَّلاً فَانْتَسِخْهُ، ثمَّ قابِلْ بهِ، أوْ قَابِلْ بهِ نُسخَتَكَ التي انتَسَخْتَهَا، أوْ نَحْوَ ذلكَ، ثمَّ رُدَّهُ إِلَيَّ. وهلْ تَكفِي الإشارةُ إلى نُسخةٍ مُعَيَّنَةٍ، أوْ أَمْرُ بَعْضِ مَنْ حَضَرَ بالإعطاءِ؟ الظاهِرُ نعَمْ، وبهِ صرَّحَ الرازِيُّ في الإشارةِ غيرِ الْمُقتَرِنَةِ بالإجازةِ كما سيأتي في النوعِ الثاني.
بلْ قالَ الخطيبُ: إنَّهُ لوْ أَدْخَلَهُ خِزانةَ كُتُبِهِ وقالَ: ارْوِ جميعَ هذهِ عنِّي؛ فإنَّها سَمَاعاتِي مِن الشيوخِ المكتوبةِ عنهم، كانَ بِمَثابَةِ ما ذَكَرْنَاهُ في الصحَّةِ؛ لأنَّهُ أَحالَهُ على أَعيانٍ مُسَمَّاةٍ مُشاهَدَةٍ، وهوَ عالِمٌ بما فيها، وأَمَرَهُ برِوايَةِ ما تَضمَّنَتْ مِنْ سَمَاعاتِهِ، فهوَ بِمَنْزِلةِ ما لَوْ قالَ لهُ: تَصَدَّقْتُ لهُ عَلَيْكَ بما في هذا الصُّنْدُوقِ، أوْ نَحْوَهُ، وهوَ عالِمٌ بما فيهِ، فقالَ: قَبِلْتُ. وإليهِ أَشارَ بعضُ الْمُتأخِّرينَ بقولِهِ: إنَّهُ نَبَّهَ بقولِهِ: أَعْطَاهُ إلى آخِرِهِ، على أنَّ الشيخَ لوْ سَمِعَ في نُسخةٍ مِنْ كتابٍ مَشهورٍ، فليسَ لهُ أنْ يُشيرَ إلى نُسخةٍ أُخرى مِنْ ذلكَ الكتابِ، ويَقولُ: سَمِعْتُ هذا؛ لأنَّ النُّسَخَ تَختلِفُ ما لم يُعْلَم اتِّفاقُهما بالْمُقَابَلَةِ؛ فإنَّهُ يَقتضِي أنَّهُ لوْ عُلِمَ اتِّفَاقُهما كَفَى.
ويَقْرُبُ مِنْ هذا لوْ عَلَّقَ طَلاقَها على إِعطاءِ كذا، فوَضَعَتْهُ بينَ يَدَيْهِ طُلِّقَتْ، قالَ بعضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ويَنبغِي أنْ يُجْعَلَ هذا قِسْماً مُسْتَقِلاًّ يُسمَّى بالإشارةِ، ويكونُ أيضاً على نَوْعَيْنِ كالْمُنَاوَلَةِ، فلا فَرْقَ، ثمَّ إنَّهُ قدْ يكونُ في صُوَرِ العَارِيَةِ ما يُوازِي التمليكَ بأنْ يُناوِلَهُ إيَّاهُ عارِيَةً؛ ليُحَدِّثَ بهِ منهُ، ثمَّ يَرُدَّهُ إليهِ.
و(كذا) ممَّا يُوَازِي الصورةَ الْمَرجوحةَ في العُلُوِّ (أنْ يَحْضُرَ الطالِبُ بالكتابِ) الذي هوَ أصْلُ الشيخِ أوْ فَرْعٌ مُقابَلٌ عليهِ (لَهْ)؛ أيْ: للشيخِ، (عَرْضاً)؛ أيْ: لأجْلِ عَرْضِ الشيخِ لهُ، وقدْ سَمَّى هذهِ الصُّورةَ عرْضاً غيرُ واحِدٍ مِن الأئمَّةِ، ولِقَصْدِ التَّمييزِ لذلكَ مِنْ عَرْضِ السَّمَاعِ الْمَاضِي في مَحَلِّهِ يُقَيَّدُ، ولذا قالَ ابنُ الصلاحِ ما مَعناهُ: (وَهَذَا العرْضُ للمُنَاوَلَةِ والشيخُ)؛ أيْ: والحالُ أنَّ الشيخَ الذي أُعْطِيَ الكتابَ، (ذُو مَعرِفَةٍ) وحِفْظٍ ويَقَظَةٍ، (فيَنْظُرَهْ) ويَتَصَفَّحَهُ مُتَأَمِّلاً؛ لِيَعْلَمَ صِحَّتَهُ وعَدَمَ الزِّيادةِ فيهِ والنقْصِ منهُ، أوْ يُقابِلَهُ بأصْلِ كِتابِهِ إنْ لم يَكُنْ عارِفاً، كلُّ ذلكَ كما صرَّحَ بهِ الخطيبُ على جِهةِ الوُجوبِ.
(ثمَّ يُناوِلَ) الشيخُ ذاكَ (الكتابَ) بعدَ اعتبارِهِ (مُحْضِرَهْ) الطالِبَ لرِوايتِهِ منهُ، و(يَقُولُ) لهُ: (هَذَا مِنْ حَديثِي)، أوْ نحوَ ذلكَ، (فارْوِهِ)، أوْ حَدِّثْ بهِ عَنِّي، أوْ نحوَ ذلكَ على الحُكْمِ الْمَشروحِ أوَّلاً حتَّى في الاكتفاءِ بكَوْنِ سَنَدِهِ بهِ مُبَيَّناً فيهِ. وممَّنْ فَعَلَهُ عبدُ اللَّهِ، إمَّا ابنُ عُمرَ أو ابنُ عمرِو بنِ العاصِ، قالَ أبو عبدِ الرحمنِ الْحُبُلِيُّ: أَتَيْتُ عبدَ اللَّهِ بكِتابٍ فيهِ أَحاديثُ، فَقُلْتُ لهُ: انظُرْ في هذا الكِتابِ، فما عَرَفْتَ منهُ اتْرُكْهُ، وما لم تَعرِفْهُ امْحُهُ.
وابنُ شِهابٍ قالَ: عُبيدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ حفْصٍ أَشْهَدُ أنَّهُ كانَ يُؤْتَى بالكِتَابِ مِنْ كُتُبِهِ فيَتَصَفَّحُهُ ويَنظُرُ فيهِ، ثمَّ يَقولُ: هَذَا مِنْ حَديثِي أَعْرِفُهُ، خُذْهُ عَنِّي.
ومالِكٌ جَاءَهُ رَجُلٌ فقالَ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، الرُّقْعَةُ، فأَخْرَجَ رُقْعَةً وقالَ: قدْ نَظَرْتُ فيها، وهيَ مِنْ حَديثِي فَارْوِها عَنِّي.
وأحمدُ جاءَهُ رَجُلٌ بِجُزْئَيْنِ وسَأَلَهُ أنْ يُجيزَهُ بهما، فقالَ: ضَعْهُما وانصرِفْ. فلَمَّا خرَجَ أخَذَهما فعَرَضَ بهما كِتابَهُ وأَصلَحَ لهُ بخَطِّهِ، ثمَّ أَذِنَ لهُ فِيهِما.
والأَوزَاعِيُّ كما سَيَأْتِي، والذُّهْلِيُّ وآخَرونَ.
(وقَد) اختَلَفُوا في مُوازَاةِ هذا النَّوْعِ للسَّماعِ، فَـ(حَكَوْا) كالحاكِمِ ومَنْ تَبِعَهُ (عَن) الإمامِ (مالِكٍ) رَحِمَهُ اللَّهُ (ونَحْوِهِ) مِنْ أَئِمَّةِ الْمَدَنِيِّينَ؛ كأبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارِثِ بنِ هِشامٍ، أحَدِ الفُقهاءِ السبْعَةِ، وابنِ شِهابٍ، ورَبيعةِ الرَّأْيِ، ويحيى بنِ سعيدٍ الأَنصاريِّ، وعنْ جَماعةٍ مِن الْمَكِّيِّينَ؛ كمُجاهِدٍ، وأبي الزُّبَيْرِ، ومُسلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وابنِ عُيَيْنَةَ، ومِن الكُوفِيِّينَ كَعَلْقَمَةَ، وإبراهيمَ النَّخَعِيَّيْنِ، والشَّعْبِيِّ، ومِن البَصْرِيِّينَ كَقَتادةَ، وأبي العَالِيَةِ، وأبي الْمتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، ومِن الْمِصْرِيِّينَ؛ كابنِ وهْبٍ، وابنِ القاسِمِ، وأَشهَبَ، ومِن الشامِيِّينَ والْخُرَاسَانِيِّينَ وجَماعةٍ مِنْ مَشايِخِ الحاكِمِ، القَوْلَ (بأنَّها)؛ أي: الْمُناوَلَةَ الْمَقرونةَ بالإجازةِ.
(تُعادِلُ السَّمَاعَا)، ولم يَحْكِ الحاكِمُ لفْظَ مالِكٍ في ذلكَ، وقدْ روَى الْخَطيبُ في (الكِفايَةِ) مِنْ طَريقِ أحمدَ بنِ إسحاقَ بنِ بُهْلُولٍ قالَ: تَذاكَرْنَا بحَضْرَةِ إسماعيلَ بنِ إسحاقَ السَّمَاعَ، فقالَ: قالَ إسماعيلُ بنُ أُوَيْسٍ: السَّمَاعُ على ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ: القِراءةُ على المحدِّثِ، وهوَ أَصَحُّها، وقِراءةُ المحَدِّثِ، والمُنَاوَلَةُ، وهوَ قولُهُ: أَرْوِيهِ عَنْكَ وَأَقولُ: ثَنَا.
وذُكِرَ عنْ مالِكٍ مِثلُهُ، فَهَذَا مُشْعِرٌ عنْ مالِكٍ وابنِ أبي أُوَيْسٍ بتَسويَةِ السَّمَاعِ لفْظاً والْمُناوَلَةِ، وحينئذٍ فكَأَنَّ عرْضَ السمَاعِ وعرْضَ الْمُناوَلَةِ عندَ مَالِكٍ سِيَّانِ، فقدْ تَقَدَّمَ هناكَ عنهُ القولُ باستواءِ عَرْضِ السمَاعِ والسمَاعِ لفْظاً.
وكذا ممَّنْ ذَهَبَ إلى التسوِيَةِ بينَ السَّماعِ وعرْضِ المناوَلَةِ أحمدُ، فَرَوى الخطيبُ أيضاً مِنْ طَرِيقِ الْمَرُوَّذِيِّ عنهُ أنَّهُ قالَ: إذا أعطيتُكَ كِتابي وقُلْتُ لكَ: ارْوِهِ عَنِّي وهوَ مِنْ حَديثي، فما تُبَالِي أَسَمِعْتَهُ أوْ لم تَسمَعْهُ، وأَعطانِي أنا وأبا طالِبٍ المُسنَدَ مُناوَلَةً. ونَحْوُهُ قولُ أبي اليَمانِ: قالَ لي أحمَدُ: كيفَ تُحَدِّثُ عنْ شُعيبٍ؟ فقُلتُ: بعضُها قِراءةٌ، وبعضُها أَنَا، وبعضُها مُناوَلَةٌ، فقالَ: قُلْ في كُلٍّ: أَنَا. وسيأتي مِثلُهُ في التَّرجمةِ الآتِيَةِ.
وعن ابنِ خُزيمةَ قالَ: الإجازةُ والْمُنَاوَلَةُ عِندِي كالسمَاعِ الصحيحِ، بلْ أَعْلَى مِن القوْلِ بالاستواءِ ما نَقَلَهُ ابنُ الأثيرِ في مُقَدِّمَةِ (جامِعِ الأصولِ) مِنْ أنَّ مِنْ أصحابِ الحديثِ مَنْ ذَهَبَ إلى أنَّ الْمُناوَلَةَ أوْفَى مِن السمَاعِ، وكأنَّهُ يُشيرُ بذلكَ إلى ما أَسْنَدَهُ عِيَاضٌ مِنْ حديثِ محمَّدِ بنِ الضَّحَّاكِ عنْ مالِكٍ قالَ: كَلَّمَني يحيى بنُ سَعيدٍ الأنصاريُّ، فكَتَبْتُ لهُ أحاديثَ ابنِ شِهابٍ، فقالَ لهُ قائِلٌ: فسَمِعَها مِنكَ؟ قالَ: كانَ أَفْقَهَ مِنْ ذلكَ، وفي لفْظٍ: بلْ أَخَذَها عنِّي وحَدَّثَ بها، فقدْ قالَ عِيَاضٌ عَقِبَهُ: وهذا بَيِّنٌ؛ لأنَّ الثِّقَةَ بكِتابِهِ معَ إذْنِهِ أكثَرُ مِن الثِّقَةِ بالسمَاعِ وأَثْبَتُ؛ لِمَا يَدْخُلُ مِن الوَهْمِ على السامِعِ والْمُسْمِعِ.
(وَ) لكنْ (قدْ أَبَى الْمُفْتُونَ)، جَمْعُ مُفْتٍ؛ اسمُ فاعِلٍ مِنْ أَفْتَى، فلَمَّا جُمِعَ جَمْعَ تَصحيحٍ التَقَى ساكنانِ: الياءُ التي آخِرَ الكَلِمَةِ وواوُ الجمْعِ، فحُذِفَت الياءُ، في الحلالِ والحرامِ، (ذَا)؛ أي: القولَ بأنَّها حَالَّةٌ مَحَلَّ السمَاعِ، فضْلاً عنْ تَرجيحِها، حيثُ امتَنَعَ مِن القَوْلِ بهِ (امْتناعاً)، منهم (إِسْحَاقُ) بنُ رَاهَوَيْهِ.
(وَ) سُفيانُ (الثَّوْرِي) بالْمُثَلَّثَةِ نِسبةً لِثَوْرٍ، بَطْنٍ مِنْ تَميمٍ، (مَعَ) باقِي الأئمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ: أبي حَنيفةَ (النُّعمانِ وَ) إمامِنا (الشافِعِي وأحمدَ) بنِ حَنْبَلٍ (الشَّيْبَانِي)، نِسبةً لشَيبانَ بنِ ثَعلبَةَ، (وابنِ المُبَارَكِ) عبدِ اللَّهِ (وغَيْرِهِم)؛ كالبُوَيْطِيِّ، والْمُزَنِيِّ، ويحيى بنِ يحيى حَسْبَمَا حَكاهُ الحاكِمُ عنهم، حيثُ (رَأَوا) القولَ (بأنَّها)؛ أي: الْمُناوَلَةَ، (أَنْقَصُ) مِن السَّمَاعِ. والذي حَكاهُ الحاكِمُ عنهم أنَّهُم لم يَرَوْها سَمَاعاً فقطْ، ولكنَّ مُقابَلَتَهَ الأوَّلَ بهِ مُشعِرٌ بأنَّها أَنْقَصُ، وَهُوَ الذي صَحَّحَهُ ابنُ الصلاحِ قَبلَ ذكْرِهِ كلامَ الحاكِمِ فقالَ: والصحيحُ أنَّ ذلكَ غيرُ حَالٍّ مَحَلَّ السَّمَاعِ، وأنَّهُ مُنْحَطٌّ عنْ دَرجةِ التحديثِ لَفْظاً، والإخبارِ قِراءةً.
ثمَّ حَكَى عن الحاكِمِ العَزْوَ للمَذْكُورِينَ إلى أنْ قالَ: قالَ الحاكِمُ: وعليهِ عَهِدْنا أَئِمَّتَنا، وإليهِ ذَهَبُوا، وإليهِ نَذهَبُ، واحتَجَّ لذلكَ بقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى مَنْ يَسْمَعُهَا))، وبقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ))؛ فإنَّهُ لم يَذْكُرْ فيهما غيرَ السَّمَاعِ، فدَلَّ على أفْضَلِيَّتِهِ. لكنْ قالَ البُلقينيُّ: إنَّ ذلكَ لا يَقتضِي امتناعَ تَنزيلِ المُناوَلَةِ على ما تَقَدَّمَ مَنْزِلَةَ السَّماعِ في القوَّةِ، قالَ: علَى أَنِّي لم أَجِدْ مِنْ صَريحِ كلامِهم ما يَقْتَضِيهِ. انتهى، وفيهِ نَظَرٌ.
وممَّن قالَ: إنَّها أَنْقَصُ مالِكٌ، فأخرَجَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ مِنْ حديثِ ابنِ أبي أُوَيْسٍ قالَ: سأَلْتُ مالِكاً عنْ أصَحِّ السمَاعِ، فقالَ: قِراءَتُكَ على العالِمِ أو المُحَدِّثِ، ثمَّ قِراءَةُ المحدِّثِ عليكَ، ثمَّ أنْ يَدفَعَ إليكَ كِتابَهُ فيَقولَ: ارْوِ هذا عَنِّي. وهذا يَقتضِي انْحِطاطَ دَرَجَتِها عن القِراءَةِ، لكنَّهُ مُشعِرٌ بتَسْمِيَتِها سَمَاعاً، لِيَكُونَ مُطابِقاً للسؤالِ، إلاَّ أنْ يَكونَ زادَ في الْجَوابِ.
وحِينئذٍ فاختلَفَ الْمَرْوِيُّ عنْ مالِكٍ، إلاَّ أنْ تَكونَ " ثُمَّ " لِمُجَرَّدِ العطْفِ، وكذا بمُقْتَضَى ما سلَفَ اخْتَلَفَ الْمَروِيُّ عنْ أحمدَ إنْ لم يَكُن الْخَلَلُ مِن الحاكِمِ في النَّقْلِ عنهُ، فقدْ قالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّ في كلامِهِ بعضَ التَّخليطِ مِنْ حيثُ كَوْنُهُ خَلَطَ بعضَ ما وَرَدَ في عَرْضِ القِراءةِ بما وَرَدَ في عَرْضِ الْمُناوَلَةِ، وساقَ الجميعَ مَسَاقاً واحِداً، أوْ تُحْمَلُ الروايَةُ الأُولَى عنْ أحمَدَ باسْتِوَائِهما على أَصْلِ الْحُجِّيَّةِ، لا عَلَى القُوَّةِ، وهوَ أَوْلَى؛ فقَدْ حكَى الخطيبُ عنْ أحمدَ أنَّهُ كانَ رُبَّما جَاءَهُ الرجُلُ بالرُّقْعَةِ مِن الحديثِ فيَأْخُذُها فيُعارِضُ بها كتابَهُ، ثمَّ يَقرؤُها على صاحِبِها.
وكذا لا يَخْدِشُ في حِكايتِهِ عن الشافعِيِّ بما حَكاهُ البَيهقيُّ عنهُ أنَّهُ نَصٌّ في كتابِ القاضي إلى القاضِي على عدَمِ القَبولِ إلاَّ بشَاهِدَيْنِ معَ فَتْحِهِ وقِراءَتِهِ عليهما، قالَ: كَالصُّكُوكِ للنَّاسِ على النَّاسِ لا نَقبَلُها مَخْتُومَةً، وهما لا يَدْرِيَانِ ما فيها؛ لأنَّ الخاتَمَ قدْ يُصنَعُ على الخاتَمِ، ويُبَدَّلُ الكتابُ.
وحَكَى في تَبديلِ الكتابِ حِكايتَهُ، ولا في حِكَايَتِهِ عن الثوريِّ بكَراهِيَةِ شَهادَةِ الرجُلِ على الوَصِيَّةِ في صَحيفةٍ مَختومَةٍ حتَّى يَعلَمَ ما فيها؛ لأنَّا نَقُولُ: بَابُ الروايَةِ أَوْسَعُ، وأَيضاً فالتبديلُ غيرُ مُتَوَهَّمٌ في صُورةِ المناوَلَةِ، ومسألةُ الوصيَّةِ - وإنْ حُكِيَت الكراهةُ فيها أَيضاً عن الحسَنِ البَصريِّ وأبي قِلابَةَ الْجَرْمِيِّ وإبراهيمَ النَّخَعِيِّ كما عندَ البَيهقيِّ في (المدخَلِ)، وهوَ مَذهَبُ الشافعيِّ وأبي حَنيفةَ تَمَسُّكاً بقولِهِ تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} - فقدْ حُكِيَ أيضاً فيها الجوازُ عنْ مالِكٍ، بلْ وعنْ حفْصِ بنِ عاصمِ بنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ أنَّهُ كانَ يَفعلُ ذلكَ إذا أرادَ سَفَراً، ويَدْفَعُها إلى ابنِ عَمِّهِ سالمِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، ويقولُ: اشْهَدْ على ما فيها.
وبها استَدَلَّ ابنُ شِهابٍ، حيثُ قِيلَ لهُ في جَوازِ المناوَلَةِ، فقالَ: ألَمْ تَرَ الرجُلَ يَشهدُ على الوَصِيَّةِ ولا يَفتحُها؟ فيَجوزُ ذلكَ ويُؤخَذُ بهِ.
وأمَّا النِّزاعُ معهُ في إِدراجِ أبي حَنيفةَ في الْمُجِيزينَ بأنَّ صاحِبَ القِنْيَةِ حُكِيَ عنهُ وعنْ صاحبِهِ مُحَمَّدٍ في إِعطاءِ الشيخِ الكتابَ للطالِبِ وإجازتِهِ لهُ بهِ عَدَمُ الجوازِ إذا لم يَسمعْ ذلكَ ولم يَعرِفْهُ، خِلافاً لأبي يُوسُفَ، ففيهِ نظَرٌ؛ إذ الظاهِرُ أنَّهُما إنَّما مَنَعَا إذا لم يَكُنْ أحَدَ شَيْئَيْنِ؛ إمَّا السمَاعُ أوْ معرِفةُ الطالِبِ، بما في الكتابِ؛ أيْ: بصِحَّتِهِ. وهذا لا يَمنَعُ ما قَدَّمْنَاهُ في أوَّلِ أنواعِ الإجازةِ عنْ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسُفَ مِنْ بُطلانِ الإجازةِ؛ لجوازِ اختصاصِهِ بالمُجرَّدَةِ عن الْمُناوَلَةِ، أفادَ حاصِلَهُ المؤلِّفُ.
وما حَكاهُ أبو سُفيانَ مِن الْحَنفيَّةِ، ولعلَّهُ الرَّازِيُّ، عنْ إمامِهِ وصاحبِهِ أبي يُوسُفَ أنَّهُما مَنَعَا الإجازةَ والمناوَلَةَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ على المناوَلَةِ المجرَّدَةِ.
وكذا في ذِكْرِ ابنِ رَاهَوَيْهِ معهم بما سيأتي في القِسْمِ الخامِسِ مِن احتجاجِهِ على الشافِعِيِّ في مَسألةٍ بحديثٍ احتَجَّ الشافِعِيُّ عليهِ فيها بغَيْرِهِ، وقالَ لهُ: هذا سَمَاعٌ، وذاكَ كِتابٌ، يَعني: فهوَ مقَدَّمٌ، فقالَ لهُ إسحاقُ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كتَبَ إلى كِسْرَى وقَيصرَ بإرادةِ أَصْلِ الاحتجاجِ.
ولأجْلِ ما نُسِبَ للحاكِمِ قالَ بعضُ المتأخِّرينَ عقِبَ حِكايتِهِ الاستواءَ: وكانَ هَؤلاءِ الأئمَّةُ الْمَحْكِيُّ عنهم جَوَّزُوا الروايَةَ بها، لا أنَّهُم نَزَّلُوها مَنْزِلَةَ السمَاعِ. ونَحْوُهُ جَمْعُ بَعْضِهِم بينَ الْمَذْهَبَيْنِ بأنَّ الْمِثْلِيَّةَ في الحُكْمِ والإجمالِ، وعَدَمَها في التفصيلِ والتحقيقِ، فصارَ الْخِلافُ في الحقيقةِ لفْظِيًّا.
وفي المسألةِ قَولٌ رابِعٌ أوْرَدَهُ البَيهقيُّ في المدخَلِ مِنْ طَريقِ يحيى بنِ مَعِينٍ، قالَ: قالَ الأَوْزَاعِيُّ: يقولُ في العَرْضِ: قَرَأْتُ وقُرِئَ، وفي المناوَلَةِ يَتَدَيَّنُ بهِ ولا يُحَدِّثُ بهِ. وهذا قدْ لا يُنافِيهِ إِدراجُ الحاكِمِ لهُ فِيمَنْ يَراها دونَ السَّمَاعِ، لَكِنْ قدْ رَوَى البَيهقيُّ أيضاً مِنْ طريقِ محمَّدِ بنِ شُعيبِ بنِ شَابورٍ قالَ: لَقِيتُ الأوزاعيَّ ومَعي كتابٌ كَتبتُهُ مِنْ حَديثِهِ، فقُلتُ: يا أبا عَمرٍو، هذا كتابٌ كتَبْتُهُ مِنْ أحاديثِكَ، فقالَ: هَاتِهِ، فأَخَذَهُ وانصرَفَ إلى مَنْزِلِهِ، وانصرَفْتُ أنا، فلَمَّا كانَ بعْدَ أيَّامٍ لَقِيَنِي بهِ فقالَ: هذا كِتَابُكَ قدْ عَرَضْتُهُ وصَحَّحْتُهُ، فَقُلْتُ: يا أبا عمرٍو، فأَرْوِيهِ عنكَ؟ قالَ: نعمْ، قُلْتُ: أذْهَبُ فأقولُ: أخْبَرَنِي الأَوزاعيُّ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ ابنُ شُعيبٍ: وأنا أقولُ كما قالَ.
وبالجُمْلَةِ، فعَلَى القولِ الثالثِ مَنْ يَرُدُّ عَرْضَ القراءةِ يَرُدُّ عَرْضَ الْمُناوَلَةِ مِنْ بابِ أَوْلَى.
(قُلْتُ): ولكنْ (قدْ حَكَوْا)؛ أي: القاضي عِيَاضٌ ومَنْ تَبِعَهُ، (إجماعَهُم)؛ أيْ: أهلِ النقْلِ، على القولِ (بأنَّها)؛ أي: المناوَلَةَ، (صَحِيحَهْ مُعْتَمَداً)؛ أيْ: مِنْ أجْلِ اعتمادِها وتَصديقِها، يَعني وإن اختُلِفَ في صِحَّةِ الإجازةِ المُجَرَّدَةِ. وعبارةُ عِياضٍ بعدَ أنْ قالَ: وهيَ رِوايَةٌ صَحيحةٌ عندَ مُعظَمِ الأئمَّةِ والمحدِّثينَ، وسَمَّى جماعةً: وهوَ قولُ كافَّةِ أهْلِ النقْلِ والأداءِ والتحقيقِ مِنْ أهْلِ النظَرِ، (وإنْ تَكُن) المناوَلَةُ كما تَقرَّرَ بالنِّسْبَةِ للسماعِ (مَرْجُوحَهْ) على المعتَمَدِ.
ثمَّ إنَّهُ قدْ بَقِيَ مِنْ صُوَرِ هذا النوْعِ صُورَتَانِ، (أَمَّا) الأُولَى (إذا نَاوَلَ) الشيخُ الكتابَ أو الْجُزءَ للطالِبِ معَ إِجازَتِهِ لهُ بهِ، (واستَرَدَّا) ذلكَ منهُ (فِي الوَقْتِ)، ولم يُمَكِّنْهُ منهُ، بلْ أَمْسَكَهُ الشيخُ عندَهُ، فقَدْ (صَحَّ) هذا الصنيعُ، وتَصِحُّ بهِ الروايَةُ والعمَلُ، (وَ) لكنَّ الْمُجَازَ لهُ إذا أَرادَ الروايَةَ لذلكَ (أَدَّى مِنْ نُسخةٍ قدْ وافَقَتْ مَرْوِيَّهْ) الْمُجازَ بهِ بمُقابَلَتِها، أوْ بإخبارِ ثِقَةٍ بِمُوافَقَتِها، ونَحْوِ ذلكَ على ما هوَ مُعتَبَرٌ في الإجازاتِ المجرَّدَةِ عن المناوَلَةِ، أوْ مِن الأصْلِ الذي استَرَدَّهُ منهُ شيخُهُ إنْ ظَفِرَ بهِ، وغَلَبَ على ظَنِّهِ سَلامتُهُ مِن التغييرِ مِنْ بابِ أَوْلَى.
(وَ) لكنْ (هذهِ) (لَيْسَتْ لهَا)، وعِبارةُ ابنِ الصلاحِ: لا يَكادُ يَظهَرُ لها، (مَزِيَّهْ عَلَى) الكتابِ (الَّذِي عَيَّنَ في الإِجازَهْ) مُجَرَّداً عن المناوَلَةِ (عندَ الْمُحَقِّقِينَ)؛ أيْ: مِن الفُقهاءِ والأُصُولِيِّينَ كما هيَ عِبارةُ ابنِ الصلاحِ، وسبَقَهُ لحاصِلِ ذلكَ عِياضٌ فقالَ: ولا مَزِيَّةَ لهُ عندَ مَشَايِخِنا مِنْ أهْلِ النظَرِ والتحقيقِ؛ لأنَّهُ لا فَرْقَ بينَ إِجازَتِهِ إيَّاهُ أنْ يُحَدِّثَ عنهُ بكِتابِ (الْمُوَطَّأِ) وهوَ غائبٌ أوْ حاضِرٌ؛ إذ المقصودُ تَعيينُ ما أَجازَ لهُ. انتهى.
فهيَ مُتقاعِدَةٌ عمَّا سَبَقَ، والْخِلافُ فيها أَقْوَى؛ لِعَدَمِ احتواءِ الطالِبِ على الْمَرْوِيِّ الذي تَحَمَّلَهُ وغَيْبَتِهِ عنهُ، (لَكِنْ مَازَهُ)؛ أيْ: جَعَلَ لهُ مَزِيَّةً مُعتبَرَةً على ذلكَ، (أَهْلُ الحَدِيثِ)، أوْ مَنْ حَكَى ذلكَ عنهُ منهم (آخِراً وقِدْمَا).
وَسَبَقَ ابنَ الصلاحِ لذلكَ عِيَاضٌ، وعِبارتُهُ معَ ما تَقَدَّمَ عنهُ: لَكِنْ قَديماً وحَديثاً شُيوخُنا مِنْ أهْلِ الحديثِ يَرَوْنَ لهذا مَزِيَّةً على الإجازةِ، يعني: فإنَّ كلَّ نَوْعٍ مِنْ أنواعِ التَّحَمُّلِ كيفَ ما كانَ لا تَصِحُّ الروايَةُ بهِ إلاَّ مِن الأصْلِ أو المُقَابَلِ بهِ مُقابَلَةً يُوثَقُ بِمِثْلِها، ورُبَّما يَستفيدُ بها معرِفَةً المُنَاوِلُ، فيَرْوِي منهُ أوْ مِنْ فَرْعِهِ بَعْدُ. بلْ قالَ ابنُ كثيرٍ: إنَّهُ في الكتابِ المشهورِ؛ كالبُخاريِّ ومسلِمٍ، كصورةِ التمليكِ أو الإعارةِ. انتهى.
إذا عُلِمَ هذا فَقَدْ قالَ السُّهَيْلِيُّ: جَعَلَ الناسُ المناوَلَةَ اليومَ أنْ يَأتيَ الطالِبُ الشيخَ فَيَقُولَ: ناوِلْنِي كتابَكَ، فيُنَاوِلُهُ، ثمَّ يُمْسِكُهُ ساعةً، ثمَّ يَنصرِفُ الطالبُ فيقولُ: حَدَّثَني فلانٌ مُناوَلَةً، وهذهِ رِوايَةٌ لا تَصِحُّ على هذا الوجهِ حتَّى يَذهَبَ بالكتابِ معهُ، وقدْ أَذِنَ لهُ أنْ يُحَدِّثَ عنهُ بما فيهِ، وهوَ مُحْتَمِلٌ لاقترانِهِ بالإجازةِ، فيكونُ مِنْ هذا النوْعِ، أوْ تَجَرُّدِهِ عنها، وهوَ ظاهِرُ اللفْظِ، فيكونُ مِنْ ثاني النوعَيْنِ، ويكونُ حِينئذٍ على قِسمَيْنِ أيضاً، فاللَّهُ أعلَمُ.
و(أمَّا) الثانيَةُ (إذَا مَا)؛ أيْ: إذا، (الشيخُ لم يَنْظُرْ مَا أَحْضَرَهُ) إليهِ الطالِبُ ممَّا ذَكَرَ لهُ أنَّهُ مَرْوِيُّهُ؛ ليَعْلَمَ صِحَّتَهُ ويَتحقَّقَ أنَّهُ مِنْ مَرْوِيِّهِ، و(لَكِنْ) نَاوَلَهُ لهُ (واعْتَمَدْ) في صِحَّتِهِ وثُبوتِهِ في مَرْوِيِّهِ (مَنْ أَحْضَرَ الْكِتَابَ وَهْوَ)؛ أي: الطالِبُ الْمُحْضِرُ، (مُعتَمَدْ)؛ لإتقانِهِ وثِقَتِهِ، فقَدْ (صَحَّ) ذلكَ كما يَصِحُّ في القِراءةِ على الشيخِ الاعتمادُ على الطالِبِ حتَّى يَكونَ هوَ القارِئَ مِن الأصْلِ إذا كانَ مَوثوقاً بهِ مَعرِفَةً ودِيناً، ولم يَحْكِ ابنُ الصلاحِ فيهِ اختلافاً، وقدْ حَكَى الخطيبُ في (الكِفايَةِ) عنْ أحمدَ التَّفْرِقَةَ؛ فإنَّهُ رَوَى مِنْ طريقِ حَنْبَلَ بنِ إسحاقَ قالتْ+: سَأَلْتُ أبا عبدِ اللَّهِ عن القِراءةِ، فقالَ: لا بَأسَ بها إذا كانَ رجُلٌ يَعْرِفُ ويَفهمُ، قُلْتُ لهُ: فالمناوَلَةُ؟ قالَ: ما أَدْرِي ما هذا حتَّى يَعْرِفَ المحدِّثُ حَديثَهُ، وما يُدْرِيهِ ما في الكتابِ؟
وهذا ظاهِرُهُ أنَّهُ ولوْ كانَ المُحْضِرُ ذا مَعرِفَةٍ وفَهْمٍ لا يَكفِي، قالَ: وأهْلُ مِصرَ يَذهبونَ إلى هذا، وأنا لا يُعْجِبُني. قالَ الخطيبُ: وأُراهُ عَنَى - يَعْنِي بما نَسَبَهُ لأهْلِ مِصرَ - الْمُناوَلةَ للكتابِ وإجازتَهُ رِوايتَهُ مِنْ غيرِ أنْ يَعلمَ هَلْ ما فيهِ مِنْ حديثِهِ أمْ لا.
وحَمَلَ ما جاءَ عن ابنِ شِهابٍ مِنْ أنَّهُ كانَ يُؤْتَى بالكتابِ فيُقَالُ لهُ: يا أبا بَكْرٍ، هذا كتابُكَ نَرْوِيهِ عنكَ؟ فيَقولُ: نَعَمْ، وما رَآهُ ولا قُرِئَ عليهِ، على أنَّهُ كانَ قدْ تَقَدَّمَ نَظَرُهُ لهُ، وعَرَفَ صِحَّتَهُ وأنَّهُ مِنْ حديثِهِ، وجاءَ بهِ إليهِ مَنْ يَثِقُ بهِ، ولذلكَ استجازَ الإذْنَ في رِوايتِهِ مِنْ غيرِ أنْ يَنْشُرَهُ ويَنظُرَ فيهِ، ويُؤَيِّدَهُ ما تَقدَّمَ عنهُ أنَّهُ كانَ يَتصفَّحُ الكتابَ ويَنظرُ فيهِ. وكذا يُحْمَلُ عليهِ ما وَرَدَ عنْ هِشامِ بنِ عُروةَ أنَّهُ قالَ: جاءَنِي ابنُ جُرَيْجٍ بصَحيفةٍ مَكتوبةٍ فقالَ لي: يا أبا الْمُنذِرِ، هذهِ أحاديثُ أَرْوِيها عنكَ؟ قالَ: قُلْتُ: نعمْ.
(وإلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يَكُن الطالِبُ ممَّنْ يُعتَمَدُ خَبَرُهُ، ولا يُوثَقُ بخِبْرَتِهِ، فقدْ (بَطَلَ) الإذْنُ (استِيقَانَا)، ولم تَصِحَّ الإجازةُ فضْلاً عن المناوَلَةِ.
نَعَمْ، إنْ تَبَيَّنَ بعدَ ذلكَ بطَريقٍ مُعْتَمَدٍ صِحَّتُهُ وثُبوتُهُ في مَرْوِيِّهِ فالظاهِرُ كما قالَ المصنِّفُ الصحَّةُ أخْذاً مِن المسألةِ بعدَهُ؛ لأنَّهُ زالَ ما كُنَّا نَخْشَى مِنْ عَدَمِ ثِقَةِ الطالِبِ المُخْبِرِ معَ إمكانِ الفَرْقِ بينَهما.
(وَ) إمَّا (إنْ يَقُلْ)؛ أي: الشيخُ للطالِبِ المُعْتَمَدِ وغيرِهِ: (أَجَزْتُهُ إنْ كانَا ذَا)؛ أي: الْمُجازُ بهِ، (مِنْ حَدِيثِي) معَ بَراءَتِي مِن الغَلَطِ والوهْمِ، (فَهْوَ)؛ أي: القولُ، (فِعْلٌ) جائزٌ (حَسَنُ) كما قالَهُ الخطيبُ.
وممَّنْ فَعَلَهُ مالِكٌ؛ فإنَّ ابنَ وَهْبٍ قالَ: كُنَّا عندَهُ فجَاءَهُ رجُلٌ يَكْتُبُ على يَدَيْهِ، فقالَ: يا أبا عبدِ اللَّهِ، هذهِ الكتُبُ مِنْ حديثِكَ أُحَدِّثُ بها عنكَ؟ فقالَ لهُ مالِكٌ: إنْ كانتْ مِنْ حَديثي فحَدِّثْ بها عَنِّي، وكذا فعَلَهُ غيرُ واحدٍ، وزادَ الناظِمُ أنَّهُ (يُفِيدُ حَيْثُ وَقَعَ التَّبَيُّنُ)؛ لصحَّةِ كونِهِ مِنْ حديثِ الشيخِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: (إِنْ خَلَتْ مِنْ إِذْنٍ الْمُنَاوَلَهْ) بأنْ يُناوِلَ الشيخُ الطالِبَ شيئاً مِنْ مَرْوِيِّهِ مِلْكاً أوْ عَارِيَةً ليَنْتَسِخَ منهُ، أوْ يَأْتِيَ إلى الشيخِ بشَيءٍ مِنْ حديثِهِ فيَتَصَفَّحُهُ ويَنظُرُ فيهِ معَ مَعْرِفَتِهِ، ثمَّ يَدْفَعُهُ إليهِ ويقولُ لهُ في الصُّوَرِ كلِّها: هذا مِنْ رِواياتِي على الحُكْمِ المَشْرُوحِ في النَّوْعِ الأوَّلِ، لَكِنْ لا يُصَرِّحُ لهُ بالإذْنِ برِوايتِهِ عنهُ.
وقد اخْتُلِفَ فيها فَـ(قِيلَ) كما حَكاهُ الخطيبُ عنْ طَائفةٍ مِن العُلماءِ: (تَصِحُّ) وتَجوزُ الروايَةُ بها؛ كالرَّجُلِ يَجِيءُ إلى آخَرَ بصَكٍّ فيهِ ذِكْرُ حَقٍّ، فيَقولُ لهُ: أَتَعْرِفُ هذا الصَّكَّ؟ فيَقولُ: نَعَمْ، هوَ دَيْنٌ عَلَيَّ لفُلانٍ، أوْ يقولُ لهُ ابتداءً: في هذا الصَّكِّ دَيْنٌ عَلَيَّ لفُلانٍ، أوْ يَجِدُ في يَدِهِ صَكًّا يَقرؤُهُ، فيَقولُ لهُ: ما في هذا الصَّكِّ؟ فيقولُ: ذِكْرُ حَقٍّ عَلَيَّ لفُلانٍ، ثمَّ يَسمَعُهُ بعدُ يُنْكِرُهُ؛ فإنَّ لهُ أنْ يَشهَدَ عليهِ بإقرارِهِ على نفْسِهِ معَ كونِهِ لم يَأذَنْ لهُ في أَدائِهِ، كما ذهَبَ إليهِ مالِكٌ وغيرُهُ مِنْ أهْلِ الْحِجازِ، وبهِ قالَ أصحابُ الشافعِيِّ.
وإذا جازَ في الشَّهادَةِ بدُونِ إذْنِ الْمُقِرِّ فَفِي الروايَةِ مِنْ بابِ أَوْلَى، وَلَعَلَّ هؤلاءِ ممَّن يُجيزُ الروايَةَ بِمُجَرَّدِ إِعلامِ الشيخِ الطالِبُ بأنَّ هذا مَرْوِيَّهُ، أو الروايَةَ بِمُجرَّدِ إرسالِهِ إليهِ بالكتابِ مِنْ بلَدٍ إلى بلَدٍ كما سيَأتِي فِيهِمَا، بلْ هوَ هنا أَوْلَى لِتَرَجُّحِهِ بزِيادَةِ المُناوَلَةِ بالنِّسبةِ لمسألةِ الإعلامِ، وبالمواجَهَةِ بها بالنِّسبةِ للإرسالِ؛ فإنَّ المناوَلَةَ كما قالَ ابنُ الصلاحِ: لا تَخْلُو مِن الإشعارِ بالإذْنِ في الروايَةِ، فحصَلَ الاكتفاءُ في هذهِ الصُّوَرِ كُلِّها بالقَرينةِ، وبالَغَ بعضُهم فقالَ: إنَّها قَريبٌ مِن السَّمَاعِ على الشيخِ إذا لم يَأْذَنْ لهُ في الروايَةِ؛ لاشتراكِهما في العِلْمِ بالْمَرْوِيِّ.
وقيلَ: يَصِحُّ العمَلُ بها دُونَ الروايَةِ. حُكِيَ عنْ بعضِهم، ويُشبِهُ أنْ يَكونَ الأوزاعِيُّ قائلاً بهِ؛ لأنَّهُ رُوِيَ عنهُ أنَّهُ أَجازَ المناوَلَةَ وفعَلَها، ورُوِيَ عنهُ أنَّهُ يَعملُ بها ولا يُحَدِّثُ بها، فقالَ عِيَاضٌ: ولعلَّ قَوْلَهُ، يَعني: الثانيَ، فيمَنْ لم يَأذَنْ في الحديثِ بهِ عنهُ.
(والأَصَحُّ) أنَّها بِدُونِ إذْنٍ (بَاطِلَهْ)، لم نَرَ – كما قالَ الْخَطيبُ – مَنْ فعَلَها لعَدَمِ التصريحِ بالإذْنِ فيها، فلا تَجوزُ الروايَةُ بها، قالَ ابنُ الصلاحِ: وعابَ غيرُ واحِدٍ مِن الفُقهاءِ والأُصولِيِّينَ على الْمُحَدِّثينَ تَجويزَها وإساغَةَ الروايَةِ بها، قُلْتُ: مِنهم الغَزَالِيُّ؛ فإنَّهُ قالَ في (الْمُسْتَصْفَى): مُجَرَّدُ الْمُنَاوَلَةِ دُونَ قولِهِ: حَدِّثْ بهِ عَنِّي، لا معنَى لهُ، وإذا قالَ: حَدِّثْ بهِ عنِّي، فلا مَعنى للمناوَلَةِ، بلْ هوَ زِيادةُ تَكَلُّفٍ أَخَذَ بهِ بعضُ الْمُحَدِّثِينَ بلا فَائِدَةٍ.
بلْ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ في تَقريبِهِ حِكايَةَ البُطلانِ عن الفُقهاءِ وأصحابِ الأصولِ، وهوَ مُقتضَى كَلامِ السَّيْفِ الآمِدِيِّ؛ حيثُ اشترَطَ الإذْنَ في الروايَةِ، ولكنَّ صَنيعَ ابنِ الصلاحِ في عَدَمِ التَّعميمِ أحسَنُ؛ لعَدَمِ اشتراطِ جماعةٍ مِن الأُصُولِيِّينَ - مِنهم الرازِيُّ في (المحصولِ) - الإذْنَ، بلْ ولا الْمُنَاوَلَةَ، حتَّى قَالُوا: إنَّ الشيخَ لوْ أَشارَ إلى كتابٍ وقالَ: هذا سَمَاعِي مِنْ فُلانٍ، جَازَ لِمَنْ سَمِعَهُ أنْ يَرْوِيَهُ عنهُ، سَوَاءٌ نَاوَلَهُ إيَّاهُ أمْ لا، خِلافاً لبعضِ الْمُحَدِّثينَ، وسواءٌ قالَ لهُ: ارْوِهِ عَنِّي، أمْ لا.
وقِيلَ: إنَّهُ لم يَقُلْ بهِ مِن الأُصُولِيِّينَ سِوَى القاضي أبي بكرٍ البَاقِلاَّنِيِّ وأَتباعِهِ، ووَجَّهَهُ القاضي أبو بكرٍ بأنَّهُ يَجوزُ أنْ يُناوِلَ الكتابَ الذي يَشُكُّ فيما فيهِ، وقدْ يَصِحُّ عندَ الغيرِ مِنْ حَديثِهِ ما يُعتَقَدُ في كثيرٍ منهُ أنَّهُ لا يُحَدِّثُ بهِ لعِلَلٍ في حديثِهِ هوَ أَعْرَفُ بها، كما أنَّهُ قدْ يَتحمَّلُ الشَّهادةَ مَنْ لا يَجوزُ عندَهُ أنْ يُقيمَها، ولا أنْ يَشهَدَ عليها، فإذا أَشْهَدَ على شَهادتِهِ كانَ ذلكَ بِمَثابَةِ أدائِهِ لها، وعَلِمَ أنَّهُ في نفْسِهِ على صِفَةٍ تَجُوزُ إقامتُهُ لها، فكذلكَ الإجازةُ والمُناوَلَةُ مِن العَدْلِ الثِّقَةِ. انتهى.
وقدْ مَالَ شَيْخُنا للتَّسويَةِ بينَ هذا النوْعِ وبينَ ثاني النَّوعَيْنِ أيضاً مِن القِسمِ بعدَهُ، وقالَ: إنَّهُ لم يَظهرْ لي فرْقٌ قَوِيٌّ بينَهما إذا خَلا كُلٌّ مِنهما عن الإذْنِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المناولة, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir