1. (عامّ لجميع الطلاب)
اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)} البقرة.
- تعليق القلب بالله وحده, واليقين بنصره لدينه وأوليائه, وإن لم نر النصر, وإن تأخر, فهذا يوجب العودة للنفس ومحاسبتها بل اتهامها, والعمل على إصلاحها. وهذا من قوله:(وأيدناه بروح القدس).
- رحمة الله بعباده, ورأفته بهم سبحانه, مما يوجب محبته وشكره على ما أنعم علينا, وأعظم النعم معرفته سبحانه, فقد أرسل لهذ الغرض الرسل, وأنزل الكتب. وهذا من قوله:(آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ).
- محبة رسل الله واحترامهم, وإنزالهم منازلهم, ومعرفة قدرهم, وتذكر ما لاقوه من الصعوبات لتبليغ دين الله للناس, ومحبتهم تثمر في قلب العبد زيادة في الإيمان. وهذا من قوله:(آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ).
- محبة الملائكة عليهم السلام, فهم موكلون بالقيام بمصالح الناس, وهم بررة, أتقياء, مكرمون عند الله, وهذا يستوجب محبتهم, كذلك معرفة عظمة الله من عظم خلقهم. وهذا من قوله:(وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).
- تربية النفس بمخالفة الهوى, فاتباع الهوى من أعظم اسباب هوان العبد على ربه. وهذا من قوله:(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ).
- البعد عن الكبر, وتطهير القلب منه, فهو من أعظم اسباب رد الحق واحتقار الناس, بل والبعد عن من يتصف بهذه الخصال البغيظة إن أصر عليها بعد بيان الحق له. وهذا من قوله:(أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ).
- ضرورة معرفة العبد للغاية التي خلق لها حتى تصلح له الدنيا, فيعمل فيها كما على مراد الله, فلا تضيع حياته ويكون من الخاسرين. وهذا من قوله تعالى:(وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ).
المجموعة الثانية:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
يذكر الله سبحانه وتعالى, بني إسرائيل بما أخذ عليهم من عهود ومواثيق والتي أمرهم أن يأخذوها بحزم, ويتمسكوا بها أيما تمسك, وهذا كقوله تعالى:"يا يحيى خذ الكتاب بقوة", فالسير على صراط الله في الدنيا تتطلب من العبد قوة وشدة وحزم, حتى لا تأخذه المغريات ويسحبه هوى النفس فيميل عن الصراط.
وقوله:( وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ): وهذا لما أمرهم الله بالطاعة فأبوا وفسقوا عن أمر ربهم, ورفضوا الانقياد له, فرفع عليهم سبحانه بقدرته جبل الطور فانصاعوا وأذعنوا, وهذا كقوله تعالى:(وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون), فهم قوم بهت لا يساقون إلا بالخوف.
وقوله:(خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا): وهذا أمر منه -سبحانه- كما تقدم, فما كان منهم بعد أن وعدوا بالطاعة, وقالوا بعدما رفع الطور عليهم: استجبنا لك ربنا, ما كان منهم إلا أن عصوا بأفعالهم ما التزمت بهم ألسنتهم, ولا يبعد بأنهم قالوها بألسنتهم وجوارحهم معا.
وقوله:(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ): أي: بسبب عصيانهم وكفرهم بما أمر الله به, كان أن حجب الله عنهم الحق بظلمهم, وهذا كقوله تعالى:(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم), فتخلل وتغلغل حب العجل الذي عبدوه في قلوبهم, فأصبح كأنهم جزء منه لا ينفصل عنه, فزادهم عمى على عماهم, وضلالا على ضلالهم, وهوانا على هوانهم فاستحقوا به العقاب, ولو كان ما تغلغل في قلوبهم حب الله لوجدوا نعيم الدنيا قبل نعيم الآخرى, ولرضي الله عنهم, ولقربهم.
وقوله:(قلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): في الآية أمر للنبي عليه الصلاة والسلام, ومن يصلح له الخطاب, أن يوبخهم أشد التوبيخ, فقد كذبوا وادعوا بقولهم:(نؤمن بما أنزل علينا) وهم قد بدر منهم ما بدر من تكذيبهم لأنبيائهم, وعصيانهم لأوامر الله, وعبادتهم العجل, فأي إيمان يأمر بمثل هذه الأمور؟!
وقوله(إن كنتم مؤمنين) إقامة للحجة عليهم, لأن المؤمن محب لربه, مطيع لأمره, منقاد لحكمه, فهذا من لوازم إيمانه, أما هم فلم يصدر منهم إلا الكفر والعصيان, فبئس هذه الأشياء التي فعلوها وزعموا بأن إيمانهم أمرهم بها, فكذبوا بالنبي عليه الصلاة والسلام, وناصبوه العداء.
2. حرّر القول في كل من:
أ: المراد بروح القدس.
الأول: المراد بروح القدس اسم من أسماء الله, جاء هذا عن الربيع ومجاهد: «القدس: اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس», وقال ابن عباس: الاسم الذي به كان يحيي الموتى, وقاله سعيد ابن جبير, وعبيد بن عمير. ذكره ابن عطية وابن كثير.
الثاني: إن المراد به الإنجيل, قاله ابن زيد, حيث قال: «هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحا». وهو كقوله تعالى:(وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا). ذكره ابن عطية وابن كثير.
الرابع: إن المراد بروح القدس حفظة على الملائكة. قاله ابن أبي نجيح. ذكره ابن كثير.
الخامس: إن المراد بروح القدس روح عيسى عليه السلام, أي نفسه المقدسة المطهرة, قاله الزمخشري حيث قال: {بروح القدس} بالروح المقدسة، كما يقول: حاتم الجود ورجل صدقٍ، ووصفها بالقدس كما قال: {وروح منه} فوصفه بالاختصاص والتّقريب تكرمة. وقيل: لأنّه لم تضمّه الأصلاب والأرحام الطوامث. ذكره ابن كثير
الخامس: إن المراد بروح القدس جبريل عليه السلام, وهو أصح الأقوال كما ذكر ذلك ابن كثير, وقال بهذا القول الزجاج وابن عطية, وقد نص على ذلك ابن مسعود في تفسير هذه الآية، وتابعه على ذلك ابن عباس, ومحمد بن كعب القرظي، وإسماعيل بن أبي خالد، والسدي، والضحاك, والربيع بن أنس، وعطية العوفي.
ودليل هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «اهج قريشا وروح القدس معك»، ومرة قال له: «وجبريل معك»،
وحديث ابن مسعودٍ أن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «إنّ روح القدس نفخ في روعي: إن نفسا لن تموت حتّى تستكمل رزقها وأجلها فاتّقوا اللّه وأجملوا في الطّلب» رواه ابن حبان في صحيحه.
وقيل (القدس) اسم من أسماء الله والروح هو جبريل, قال الربيع بن أنس: «القدس هو الرب تبارك وتعالى». وهو قول كعب.
وقال ابن كثير: والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك، وتوجهت لما كان جبريل عليه السلام من عباد الله تعالى.
ورجح هذا القول أيضا ابن جرير حيث قال: وأولى التّأويلات في ذلك بالصواب قول من قال: الروح في هذا الموضع جبريل، لأن اللّه -عز وجل- أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: {إذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل}. فذكر أنّه أيّده به، فلو كان الرّوح الذي أيده به هو الإنجيل، لكان قوله: {إذ أيّدتك بروح القدس}، {وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل} تكرير قول لا معنى له، واللّه أعز أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به.
ب: معنى قوله تعالى: {فباؤوا بغضب على غضب}.
معنى {باءوا} في اللغة: احتملوا. والمعنى: استوجبوا، واستحقوا، واستقروا بغضب على غضب. ذكره ابن كثير.
واختلف المفسرون في معنى {بغضب على غضب}:
فمن المفسرين من قال إن المراد بقوله: {بغضبٍ على غضبٍ} التأكيد وتشديد الحال عليهم, لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين. وهذا ذكره ابن عطية.
ومنهم من جعل حصول الغضب الأول والغضب الثاني معللين, ثم منهم من ذكر علة الغضب ومنهم من لم يذكر :
فقال بعضهم: (بغضب) كان بإثم استحقوا به النار، ويكون الغضب الثاني إثم تقدم استحقوا به أيضا النّار. ذكره الزجاج
أما من ذكر علة الغضب فقد قالوا:
- إن معنى (بغضب) أي: لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم, والقرآن الذي أنزل عليه, أما (على غضب), فهو غضب متقدم من الله تعالى عليهم.
قال ابن عطية: فالمعنى: على غضب قد باء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها.
ثم اختلفوا في سبب هذا الغضب على أقوال:
الأول: غضب عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم، قاله ابن عباس, ذكره ابن كثير.
الثاني: غضب عليهم بسبب عبادتهم العجل. وهو قول ثان لابن عباس, وقاله السدي. ذكره ابن كثير.
الثالث: غضب عليهم على الكفر بعيسى صلى الله عليه وسلم, والإنجيل الذي أنزله الله عليه. قاله أبو العالية, وجاء عن عكرمة وقتادة مثله. ذكره الزجاج.
الرابع: غضب عليهم لقولهم عزير ابن الله. ذكره ابن عطية.
والراجح والله أعلم, قول من علل الغضبين بما صدر منهم من أفعال قبيحة, ومن ثم فلا تعارض بين هذه الأقوال, فكل ما فعله أسلافهم من أعمال شنيعة قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام, مثل عبادتهم للعجل, وقولهم بأن عزير ابن الله, هي أعمال عرفوها وأقروها ولم ينكروها البتة, فكانت موافقتهم لإقرار منهم ونوع مشاركة لأسلافهم, وهذا يستوجب حلول غضب الله عليهم ودخولهم النار, كذلك ماقع منهم بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام, من كفر به وبالقرآن, ومحاربة لله ولرسوله ولدينه, هي أيضا جميعها أعمال تستوجب حلول غضب الله عليهم ودخولهم النار.
3. بيّن ما يلي:
أ: دلالة استعمال فعل القتل في صيغة المضارع في قوله تعالى: {ففريقا كذّبتم وفريقا تقتلون}.
لإرادة وصفهم في المستقبل, فقتلهم للأنبياء لم ينته بعد, فقد حاولوا قتل النني صلى اللّه عليه وسلم بالسم والسحر، وقد قال عليه السلام, في مرض موته: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري»، رواه البخاري.
وقد ذكر هذا القول الزمخشري.
ب: دليلا على حسد اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: ( بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين )
أي: ما حملهم على الكفر إلا حسدهم للنبي عليه الصلاة والسلام (بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده), مع إقرارهم بنبوته, لكنهم حسدوه ولم يؤمنوا بأن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء سبحانه.