16/652 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ شَارِحُ المَصَابِيحِ: فُسِّرَ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ؛ زَجْراً لَهُ عَنْ صَنِيعِهِ, وَالآخَرُ عَلَى سَبِيلِ الإِخْبَارِ وَالمَعْنَى أَنَّهُ بِمُكَابَدَةِ سَوْرَةِ الجُوعِ وَحَرِّ الظَّمَأِ لِاعْتِيَادِهِ الصَّوْمَ حَتَّى خَفَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الصَّبْرِ عَلَى الجَهْدِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَضِيلَةُ الصَّوْمِ, وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ لِلْإِخْبَارِ قَوْلُهُ:
17/653 - وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِلَفْظِ: ((لا صَامَ وَلا أَفْطَرَ)).
(وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا صَامَ وَلا أَفْطَرَ)، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضاً حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ بِلَفْظِ: ((لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ)).
قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: إنْ كَانَ دُعَاءً فَيَاوَيْحَ مَنْ دَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الخَبَرَ فَيَاوَيْحَ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ وَإِذَا لَمْ يَصُمْ شَرْعاً فَكَيْفَ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابٌ؟!
وَقَد اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي صِيَامِ الأَبَدِ؛ فَقَالَ بِتَحْرِيمِهِ طَائِفَةٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ خُزَيْمَةَ؛لِهَذَا الحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى جَوَازِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ المُنْذِرِ,وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ أَنَّ المُرَادَ مَنْ صَامَهُ مَعَ الأَيَّامِ المَنْهِيِّ عَنْهَا مِن العِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ, وَهُوَ تَأْوِيلٌ مَرْدُودٌ بِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَمْرٍو عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ حَقًّا وَلِأَهْلِهِ حَقًّا وَلِضَيْفِهِ حَقًّا؛ وَلِقَوْلِهِ: ((أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَأُفْطِرُ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)).
فَالتَّحْرِيمُ هُوَ الأَوْجَهُ دَلِيلاً, وَمِنْ أَدِلَّةِ التحريمِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعاً: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ)). وَعَقَدَ بِيَدِهِ.
قَالَ الجُمْهُورُ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ الدَّهْرِ لِمَنْ لا يُضْعِفُهُ عَنْ حَقٍّ. وَتَأَوَّلُوا أَحَادِيثَ النَّهْيِ بتَأْوِيلٍ غَيْرِ رَاجِحٍ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ صَوْمَ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ مَعَ رَمَضَانَ وَشَبَّهَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِصَوْمِ الدَّهْرِ فَلَوْلا أَنَّ صَائِمَهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لَمَا شُبِّهَ بِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَإِنَّهَا تُغْنِي عَنْهُ كَمَا أَغْنَتِ الخَمْسُ الصَّلَوَاتِ عَن الخَمْسِينَ الصَّلاةِ الَّتِي قَدْ كَانَتْ فُرِضَتْ, عَلى أَنَّهُ لَوْ صَلاَّهَا أَحَدٌ لِوُجُوبِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَوَاباً بَلْ يَسْتَحِقُّ العِقَابَ, نَعَمْ أَخْرَجَ ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: ((مَنْ صَامَ الدَّهْرَ فَقَدْ وَهَبَ نَفْسَهُ مِن اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).إلاَّ أَنَّا لا نَدْرِي مَا صِحَّتُهُ؟