دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 جمادى الأولى 1431هـ/3-05-2010م, 10:27 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي كتاب البيع

الكتاب الثاني: في البيع
الباب الأول: في آدابه
الفصل الأول: في الصدق والأمانة
239 - (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «التّاجر الأمين الصّدوق: مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء». أخرجه الترمذي.

240 - (ت) رفاعة بن رافع - رضي الله عنه - قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: «يا معشر التّجّار»، فاستجابوا، ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: «إنّ التّجّار يبعثون يوم القيامة فجّارًا إلا من اتّقى الله، وبرّ وصدق» أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
فاستجابوا: استجبت لفلان: إذا دعاك، فأجبت دعاءه، وأطعته فيما أمرك.
فجارًا: الفجار: جمع فاجر، والفاجر: المنبعث في المعاصي والمحارم.

241 - (ت د س) قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال: كنّا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسمّى - قبل أن نهاجر - السّماسرة، فمرّ بنا يومًا بالمدينة فسمّانا باسمٍ هو أحسن منه، فقال: «يا معشر التّجّار، إنّ البيع يحضره اللّغو والحلف».
وفي رواية: «الحلف والكذب».
وفي أخرى: «اللّغو والكذب، فشوبوه بالصدقة». هذه رواية أبي داود.
ورواية الترمذي نحوه، وفيه «إن الشيطان والإثم يحضران البيع، فشوبوا بيعكم بالصدقة».
ورواية النسائي قال: كنا بالمدينة نبيع الأوساق ونبتاعها، و[كنّا] نسمّي أنفسنا السّماسرة، ويسمينا النّاس، فخرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمّانا باسم هو خيرٌ من الذي سمّينا به أنفسنا، فقال: «يا معشر التّجّار، إنه يشهد بيعكم الحلف واللّغو، فشوبوه بالصدقة».

[شرح الغريب]
السماسرة: لفظ أعجمي، وكان أكثر من يعالج البيع، والشراء فيهم: العجم، فلقّبوا هذا الاسم عندهم، فسمّاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمًا من التجارة التي هي اسم عربي.
اللّغو: الكلام الرديء المطروح، وهو في الأصل: من لغا: إذا قال: هذرًا.
فشوبوه: الشّوب: الخلط، قال الخطابي: إنما أمرهم فيه بالصدقة، وأراد: صدقة غير معينةٍ في تضاعيف الأيام، لتكون كفارة لما يجري بينهم من اللغو والحلف، وليست بالصدقة الواجبة التي هي الزكاة.

242 - (م س) أبو قتادة - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إيّاكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفّق، ثم يمحق». أخرجه مسلم والنسائيّ.
243 - (خ م د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحلف منفقةٌ للسّلعة، ممحقةٌ للكسب». هذه رواية البخاري ومسلم.
وعند أبي داود: «ممحقةٌ للبركة».

[شرح الغريب]
يمحق: المحق: النقص، ومنه قوله تعالى: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} [البقرة: 276] أي: ينقص هذا ويزيد هذه، وقوله: «ممحقةٌ ومنفقة» أي مظنة للمحق والنفاق، ومجراة بهما.

244 - (خ م ت د س) حكيم بن حزام - رضي الله عنهما - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا»، أو قال: «حتى يتفرّقا، فإن صدقا وبيّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما».
وفي رواية أخرى للبخاري: «فإن صدق البيّعان وبيّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، فعسى أن يربحا ربحًا ما، ويمحقا بركة بيعهما، اليمين الفاجرة: منفقةٌ للسّلعة، ممحقةٌ للكسب».أخرجه الجماعة إلا «الموطأ».

[شرح الغريب]
اليمين الفاجرة: هي الكاذبة التي يفجر بها حالفها، أي: يعصي ويأثم.

الفصل الثاني: في التساهل والتسامح في البيع والإقالة
245 - (خ ت) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى». أخرجه البخاري.
وعند الترمذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «غفر الله لرجل كان قبلكم: سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى».

246 - (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله يحبّ سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء». أخرجه الترمذي.
247 - (س) عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أدخل الله عزّ وجلّ رجلاً كان سهلاً - مشتريًا، وبائعًا، وقاضيًا، ومقتضيًا - الجنة». أخرجه النسائي.
248 - (خ م) حذيفة، وأبو مسعود البدري، وعقبة بن عامر - رضي الله عنهم - قال ربعيّ بن خراش: قال حذيفة: أتى الله عز وجل بعبدٍ من عباده آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: {ولا يكتمون الله حديثًا} [النساء: 41]. قال: يا رب، آتيتني مالاً، فكنت أبايع النّاس، وكان من خلٍقي الجواز، فكنت أتيسّر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال الله عز وجل: أنا أحقّ به منك، تجاوزوا عن عبدي، فقال عقبة بن عامر الجهني، وأبو مسعود الأنصاري - رضي الله عنهما - هكذا سمعناه من فيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه مسلم موقوفًا على حذيفة، ومرفوعًا على عقبة بن عامر الجهنيّ، وأبي مسعود الأنصاري.
وقد أخرج البخاريّ ومسلم عن حذيفة مرفوعًا، في جملة حديث يتضمن ذكر الدّجال - وسيجيء في موضعه - هذا المعنى، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنّ رجلاً ممن كان قبلكم، أتاه الملك، ليقبض روحه. فقال: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع النّاس في الدّنيا، فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الجنة».
فقال أبو مسعود: وأنا سمعته يقول ذلك.
وأخرج مسلم عن أبي مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حوسب رجلٌ ممّن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيءٌ، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرًا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه».
وفي رواية لمسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تلقّت الملائكة روح رجلٍ ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ قال: لا. قالوا: تذكّر. قال: كنت أداين الناس، فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوّزوا عن الموسر، قال: قال الله تعالى: تجاوزوا عنه».
وله في أخرى قال: اجتمع حذيفة وأبو مسعود، فقال حذيفة رجلٌ لقي ربّه، فقال: ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير، إلا أني كنت رجلاً ذا مالٍ، فكنت أطالب به النّاس، فكنت أقبل الميسور، وأتجاوز عن المعسور، قال: تجاوزوا عن عبدي.
قال أبو مسعود: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول.
وله في أخرى، عن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنّ رجلاً مات، فدخل الجنّة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ قال: - فإمّا ذكر، وإمّا ذكّر - فقال: إني كنت أبايع النّاس، فكنت أنظر المعسر، وأتجوّز في السّكّة، أو في النقد، فغفر له.
فقال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

[شرح الغريب]
الجواز: في الشيء: المساهلة والتجاوز فيه.
أتيسر: أي: أتسهل، وهي أتفعل، من اليسر، ضد العسر.
وأنظر: الإنظار: الإمهال والتأخير.

249 - (ط) عمرة بنت عبد الرحمن قالت: ابتاع رجلٌ ثمرة حائطٍ في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعالجه. وقام فيه، حتى تبيّن له النقصان، فسأل ربّ الحائط أن يضع له، أو يقيله، فحلف أن لا يفعل، فذهبت أمّ المشتري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك له، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تألّى أن لا يفعل خيرًا»، فسمع بذلك ربّ الحائط، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، هو له. أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
حائطًا: الحائط هاهنا: النخل المجتمع.
فعالجه: المعالجة الممارسة والمعاناة.
تألّى: أي: حلف، وهي تفعّل من الأليّة، وهي اليمين.

250 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أقال مسلمًا، أقاله الله عثرته». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
أقال مسلمًا: الإقالة في البيع: هي فسخه، وإعادة المبيع إلى مالكه، والثمن إلى المشتري، إذا كان قد ندم أحدهما أو كلاهما.

الفصل الثالث: في الكيل والوزن
251 - (د س) ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة».
وفي رواية: «وزن المدينة، ومكيال مكة».
أخرجه أبو داود والنسائي، وأخرجه أبو داود أيضًا عن ابن عباس، عوض ابن عمر.

[شرح الغريب]
الوزن وزن أهل مكة: قال الخطابي: معنى هذا القول: أن الوزن الذي يتعلق به حق الزكاة في النقود، وزن أهل مكة، وهي دراهم الإسلام المعدلة، كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، فإذا ملك رجل منها مائتي درهم، وجب عليه ربع عشرها؛ لأن الدراهم مختلفة الأوزان في البلاد، كالبعلي والطّبري والخوارزمي، وغير ذلك، مما يصطلح عليه الناس.
وكان أهل المدينة يتعاملون بالدراهم عند مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعدد، فأرشدهم إلى وزن مكة، وهو هذا الوزن المعروف، في كل درهم ستة دوانيق، وفي كل عشرة دراهم، سبعة مثاقيل، وأما الدنانير، فكانت تحمل إلى العرب من الروم، وكانت العرب تسميها: الهرقلية، ثم ضرب عبدالملك بن مروان الدنانير في زمانه، وهو أول من ضربها في الإسلام، فأما أوزان الأرطال والأمناء، فبمعزل عن ذلك. وللناس فيه عادات مختلفة، قد أقروا في أحكام الشرع، والإقرارات عليها.
وأما قوله: «المكيال مكيال أهل المدينة» فإنما هو الصاع الذي تتعلق به الكفارات والفطرة والنفقات، فصاع أهل المدينة، بل أهل الحجاز: خمسة أرطال وثلث بالعراقي، وبه أخذ الشافعي، وصاع العراق: ثمانية أرطال، وبه أخذ أبو حنيفة -رحمهما الله تعالى-.
والصاع والمد قد ذكرناهما هنا وفي كتاب البر، فلا حاجة إلى إعادتهما.

252 - (خ) المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه» أخرجه البخاري.
253 - (ت) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل الكيل والميزان: «إنّكم قد ولّيتم أمرين، هلكت فيهما الأمم السّالفة قبلكم». أخرجه الترمذي، وقال: وقد روي بإسناد صحيح موقوفًا عليه.
254 - (د) أم حبيب بنت ذؤيبٍ بن قيس المزنية - رضي الله عنها - قال ابن حرملة: «وهبت لنا أمّ حبيبٍ صاعًا، حدّثتنا عن ابن أخي صفيّة، عن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنّه صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أنسٌ: فجرّبته مدّين ونصفًا بمدّ هشام». أخرجه أبو داود.
255 - (خ م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: بعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا في سفرٍ، فلما أتينا المدينة قال: «ائت المسجد فصلّ ركعتين»، قال: فوزن لي فأرجح، فما زال منها شيءٌ حتّى أصابها أهل الشّام يوم الحرّة. أخرجه البخاريّ ومسلم.
وهو طريق من طرق عدة، أخرجاها بأطول من هذا، وسيجيء ذكرها في الفصل الثاني من الباب الثالث، من كتاب البيع.

[شرح الغريب]
بعيرًا: البعير في الإبل: يقع على الذكر والأنثى، كالإنسان في بني آدم.
يوم الحرة: الحرة: الأرض ذات الحجارة السود، ويوم الحرة: يوم مشهور في الإسلام، وهو يوم أنهب المدينة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان عسكره من أهل الشام، الذين ندبهم لقتال أهل المدينة مع الصحابة والتابعين في ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وقال ابن الكلبي: سنة اثنتين وستين، وأمّر عليهم مسلم بن عقبة المري.
والحرّة هذه: أرض بظاهر المدينة، بها حجارة سود كثيرة، وكانت الوقعة بها شرقي المدينة.

256 - (خ) السائب بن يزيد - رضي الله عنهما - قال: «كان الصاع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدًّا وثلثًا بمدّكم اليوم، وقد زيد [فيه] في زمن عمر بن عبد العزيز».
257 - (خ) عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل»، أخرجه البخاري.
الفصل الرابع: في أحاديث متفرقة
258 - (م) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ أحبّ البلاد إلى الله المساجد، وأبغض البلاد إلى الله الأسواق». أخرجه مسلم.

259 - (م) سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: «لا تكوننّ - إن استطعت - أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته». أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
معركة الشيطان: المعركة والمعترك: موضع القتال، والمراد: موطن الشيطان ومحله.
وقوله: وبها ينصب رايته: كناية عن قوة طمعه في إغوائهم؛ لأن الرايات في الحروب لا تنصب إلا مع قوة الطمع في الغلبة، وإلا فهي مع اليأس من الغلبة تحطّ ولا ترفع.

260 - (ت) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «لا يبع في سوقنا، إلا من قد تفقّه في الدّين»، أخرجه الترمذي.
261 - أبو الدرداء - رضي الله عنه - قال: «ما أودّ أنّ لي متجرًا على درجة جامع دمشق، أصيب فيه كل يوم خمسين دينارًا أتصدّق بها في سبيل الله، وتفوتني الصلاة في الجماعة، وما بي تحريم ما أحلّ الله، ولكن أكره أن لا أكون من الذين قال الله فيهم: {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله} إلى {القلوب والأبصار} [النور: 36]».
هذا من الأحاديث التي أخرجها رزين، ولم أجدها في الأصول، والله أعلم.

الباب الثاني: فيما لايجوز بيعه ولا يصح
الفصل الأول: في النجاسات
262 - (خ م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - عام الفتح بمكة -: «إنّ الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة، والخنزير، الأصنام». فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؟ فإنّها تطلى بها السّفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرامٌ».
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: «قاتل اللّه اليهود، إنّ الله لمّا حرّم عليهم شحومها أجملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه».أخرجه الجماعة إلا«الموطأ».

[شرح الغريب]
ويستصبح بها: الاستصباح: استفعال من المصباح، وهو السراج، أي: يشعل بها الضوء.

263 - (خ م د س) عائشة - رضي الله عنها - قالت: لما نزلت الآيات من أواخر سورة البقرة [275 - 281] في الربا، قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس، ثم حرّم التجارة في الخمر.
وفي رواية: لما نزلت، تلاهنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فحرّم التجارة في الخمر.
وفي أخرى: قالت: خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «حرّمت التجارة في الخمر». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود. وأخرج النسائي الرواية الأولى.

264 - (م ط ط) عبد الرحمن بن وعلة - رحمه الله - سأل ابن عباس - رضي الله عنهما - عمّا يعصر من العنب؟ فقال: إنّ رجلاً أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - راوية خمرٍ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل علمت أنّ الله حرّمها؟» قال: لا، قال: فسارّ إنسانًا إلى جنبه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بن ساررته؟» قال: أمرته ببيعها، فقال: «إن الذي حرّم شربها، حرّم بيعها، ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها». أخرجه مسلم و«الوطأ» والنسائي.
[شرح الغريب]
المزاد: جمع مزادة: وهي الرّاوية.

265 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الله حرّم الخمر وثمنها، وحرّم الميتة، وثمنها، وحرّم الخنزير وثمنه». أخرجه أبو داود.
266 - (خ م س) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بلغ عمربن الخطاب - رضي الله عنه - أنّ فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم، فجملوها، فباعوها». هذه رواية البخاري ومسلم.
وأخرجه النسائي قال: بلغ عمر أن سمرة بن جندبٍ باع خمرًا، فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم؟... الحديث.

[شرح الغريب]
قاتل الله سمرة: أي قتله، وهو في الأصل: فاعل من القتل، ويستعمل في الدعاء على الإنسان، وقيل: معناه: عاداه الله، والأصل الأول.
فجملوها: جملت الشحم وأجملته: إذا أذبته، وجملته أكثر.

267 - (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قاتل الله اليهود، حرّم الله عليهم الشّحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها».أخرجه البخاري ومسلم.
268 - (د) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسًا عند الرّكن، فرفع بصره إلى السماء فضحك، وقال: «لعن الله اليهود - ثلاثًا - إنّ الله حرّم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرّم على قومٍ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه».أخرجه أبو داود.
269 - (د) المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من باع الخمر فليشقّص الخنازير». أخرجه أبو داود.
270 - (ط) عبد الله بن أبي بكر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قاتل الله اليهود، نهوا عن أكل الشحم، فباعوه، فأكلوا ثمنه» أخرجه «الموطأ».
271 - (ت د) أبو طلحة - رضي الله عنه - قال: يا نبي الله، إني اشتريت خمرًا لأيتامٍ في حجري، فقال: «أهرق الخمر، واكسر الدّنان»، هذه رواية الترمذي.
قال الترمذي: وقد روي عن أنسٍ، أنّ أبا طلحة كان عنده خمرٌ لأيتام، وهو أصح.
ورواية أبي داود: أنّ أبا طلحة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أيتامٍ ورثوا خمرًا؟ فقال: «أهرقها»، قال: ألا أجعلها خلاًّ؟ قال: «لا».

[شرح الغريب]
أهرق: أي: أراق.

272 - (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «كان عندنا خمرٌ ليتيم، فلما نزلت المائدة [90 - 93] سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه، وقلت: إنه ليتيم، قال: أهرقه». أخرجه الترمذي.
273 - عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني اشتريت حمرًا لأيتامٍ في حجري، فقال: «أهرقها، واكسر الدّنان».
هذا أخرجه رزين، ولم أجده في الأصول.

الفصل الثاني: في بيع ما لم يقبض، أو ما لم يملك
274 - (خ م ط د س) ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اشترى طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه» قال: وكنا نشتري الطعام من الرّكبان جزافًا، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه.
وفي رواية إلى قوله: «حتى يستوفيه».
وفي رواية قال: كنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه، إلى مكانٍ سواه، قبل أن نبيعه.
وفي أخرى قال: كانوا يشترون الطعام من الرّكبان على عهد النبي فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه، حيث يباع الطعام.
وفي أخرى قال: كنا نتلقّى الرّكبان، فنشتري منهم الطّعام، فنهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام.
وفي أخرى قال: من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه.
وفي أخرى قال: رأيت الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ابتاعوا الطعام جزافًا، يضربون أن يبيعوه في مكانه، حتى يؤووه إلى رحالهم.
وفي رواية: يحوّلوه.
وفي رواية: أنه كان يشتري الطعام جزافًا فيحمله إلى أهله. هذه روايات البخاري ومسلم.
وأخرجه «الموطأ» منه ثلاث روايات: الثانية، والثالثة، والسادسة.
وأخرج أبو داود: الثانية، والثالثة، والسابعة.
وله في أخرى: أنّهم كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانه، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعه في مكانه حتى ينقلوه. وأخرج النسائي نحوًا من هذه الروايات.

[شرح الغريب]
الركبان: جمع راكب، وهو الذي يركب الإبل خاصة، هذا في الأصل، ثم اتسع فيه حتى صار يقال لكل من يركب دابة: راكب مجازًا، وإن لم يكن معروفًا، والمراد به في الحديث: الذين يجلبون الأرزاق وغيرها من المتاجر والبضائع للبيع.
جزافًا: الجزاف والجزف: المجهول القدر.
يؤووه: أي: يضموه ويجمعوه، من آواه يؤويه: إذا ضمه إليه.

275 - (د) ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «ابتعت زيتًا في السّوق، فلما استوجبته لقيني رجلٌ، فأعطاني به ربحًا حسنًآ، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجلٌ من خلفي بذراعي، فالتفتّ، فإذا زيد بن ثابتٍ»، فقال: «لا تبعه حيث ابتعته، حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السّلع حتى يحوزها التّجّار إلى رحالهم»، أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
استوجبته: استوجبت المبيع: إذا صار في ملكك بعقد التبايع.
ضرب على يده: أي: عقد معه البيع؛ لأن من عادة المتبايعين أن يضع أحدهما يده في يد الآخر عند عقد البيع.
تحوزه: حزت الشيء أحوزه، إذا ضممته إليك، وصار في يدك.

276 - (ت د س) حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله: إنّ الرجل ليأتيني، فيريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب، أفأبيع منه، ثم أبتاعه من السوق؟ قال: «لا تبع ما ليس عندك». هذه رواية الترمذي وأبي داود. وللترمذي في أخرى قال: نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أبيع ما ليس عندي. وفي رواية للنسائي قال: ابتعت طعامًا من طعام الصدقة، فتربّحت فيه قبل أن أقبضه، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك له، فقال: «لا تبعه حتّى تقبضه».
وأخرجه الرواية الأولى.

277 - (م ت د س) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أمّا الذي نهى عنه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: فهو الطعام: أن يباع حتّى يقبض، قال ابن عباس: ولا أحسب كلّ شيءٍ إلا مثله.
وفي رواية قال: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه».
وفي رواية طاووس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع الرجل طعامًا حتّى يستوفيه، قال: قلت لابن عباس: كيف ذاك؟ قال: «ذاك دراهم بدراهم، والطّعام مرجأ».
وفي رواية: من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يقبضه، ومنهم من قال: حتّى يكتاله. هذه روايات البخاري ومسلم.
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى، وأخرجه أبو داود مثل الأولى أيضًا، وله في أخرى: من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يكتاله.
وفي أخرى له قال: قلت لابن عباس: لم؟ قال: ألا ترى أنهم يبتاعون الذّهب بالذّهب، والطعام مرجأ؟. وأخرج النسائي الرواية الأولى والرابعة.

[شرح الغريب]
مرجأ: أي مؤجّل، قال الخطابي: يتكلّم به مهموزًا وغير مهموز، قال: وذلك مثل أن تشتري منه طعامًا إلى أجل، فتبيعه قبل أن تقبضه منه بدينارين، وهو غير جائز؛ لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب، والطعام غائب غير حاضر؛ لأن المسلف إذا باعه الطعام الذي لم يقبضه، وأخذ منه ذهبًا، فكأنه قد باعه ديناره الذي أسلفه بدينارين، وذلك غير جائز؛ لأنه ربا؛ ولأنه بيع غائب بناجز، ولا يصح.

278 - (ط) القاسم بن محمد: قال: سمعت عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ورجلٌ يسأله عن رجلٍ سلّف في سبائب فأراد بيعها قبل أن يقبضها، فقال ابن عباسٍ: تلك الورق بالورق، وكره ذلك، أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
سبائب: جمع سبيبة، وهي شقة كتان رقيقة.

279 - (ط) رافع - رحمه الله -: قال: إنّ حكيم بن حزام باع طعامًا، أمر به عمر للنّاس في أعطياتهم، قبل أن يستوفيه، فسمع به عمر - رضي الله عنه - فردّه عليه، وقال: لا تبع طعامًا ابتعته حتّى تستوفيه، أخرجه «الموطأ».
280 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله يقول: «إذا ابتعت طعامًا، فلا تبعه حتى تستوفيه». أخرجه مسلم.
281 - (م) سليمان بن يسار - رحمه الله -: قال: إنّ أبا هريرة قال لمروان بن الحكم: أحللت بيع الرّبا؟ فقال: ما فعلت؟ قال أبو هريرة: آأحللت بيع الصّكاك، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يستوفى، فخطب مروان، فنهى عن بيعه.
قال سليمان بن يسار: فنظرت إلى حرسٍ يأخذونها من أيدي الناس.
وفي رواية مختصرًا: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اشترى طعامًا، فلا يبعه حتى يكتاله» أخرجه مسلم.

[شرح الغريب]
الصكاك: جمع صك، وهو الكتاب، وذلك أنهم كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم فيبيعونها قبل أن يقبضوها، ويعطون المشتري الصك بما ابتاعه، فمنعوا من ذلك.

282 - (ط) مالك بن أنس - رحمه الله -: بلغه أنّ صكوكًا خرجت للنّاس في زمن مروان بن الحكم من طعام الجار، فتبايع الناس تلك الصّكوك بينهم قبل أن يستوفوها، فدخل زيد بن ثابت ورجلٌ معه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مروان بن الحكم، فقالا: أتحلّ بيع الربا يا مروان؟ فقال: أعوذ بالله، وما ذاك؟ قالا: هذه الصكوك، تبايعها الناس، ثم باعوها قبل أن يستوفوها، فبعث مروان الحرس يتتبّعونها، ينتزعونها من أيدي الناس، ويردّونها إلى أهلها.
قال ابن وضّاح: الرجل الصحابي: رافع بن حديج، أخرجه «الموطأ».

[شرح الغريب]
الحرس: المستخدمون لحفظ السلطان، وأحدهم: حرسي.

283 - (ط) مالك بن أنس - رحمه الله -: بلغه أن رجلاً أراد أن يبتاع طعامًا من رجلٍ، فذهب به إلى الرجل الذي يريد أن يبيعه الطعام إل«السوق، فجعل يريه الصّبر، ويقول له: من أيّها تحبّ أن أبتاع لك؟ فقال المبتاع: أتبيعني ما ليس عندك؟ فأتيا عبد الله ابن عمر - رضي الله عنهما - فذكرا ذلك له، فقال عبد الله بن عمر للمبتاع: لا تبتع منه ما ليس عنده، وقال للبائع: لا تبع ما ليس عندك» أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
الصّبر: جمع صبرةٍ، وهو: الكومة من الطعام.

284 - (خ) ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فكنت على بكرٍ صعبٍ لعمر، فكان يغلبني، فيتقدّم أمام القوم فيزجره عمر، ويردّه، ثمّ يتقدّم فيزجره، ويقول لي: أمسكه، لا يتقدّم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بعنيه يا عمر». فقال: هو لك يا رسول الله، فباعه منه، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هو لك يا عبد الله، فاصنع به ما شئت».أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
البكر: الفتيّ من الإبل.
صعب: الصعب: الذي لم يذلل بالركوب.

الفصل الثالث: في بيع الثمار والزروع
الفرع الأول: في بيعها قبل إدراكها وأمنها من العاهة
285 - (خ م ط د س ت) ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبيعوا الثّمر حتّى يبدو صلاحه، ولا تبيعوا الثّمر بالتّمر».
قال سالمٌ: وأخبرني عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رخّص بعد ذلك في بيع العريّة بالرّطب أو بالتّمر، ولم يرخّص في غيره.
وفي رواية: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ونهى البائع والمبتاع.
وفي أخرى: نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثّمرة حتى يبدو صلاحها، وكان إذا سئل عن صلاحها قال: «حتى تذهب عاهته». هذه رواية البخاري ومسلم.
ووفاقهما الموطأ وأبو داود على الرواية الثانية، وقال: «نهى البائع والمشتري».
ووافقهما النسائي على الأولى والثانية.
وفي رواية لمسلم والترمذي وأبي داود والنسائي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع النّخل حتى يزهو، وعن السّنبل حتى يبيضّ ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري.
وفي أخرى لمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبتاعوا الثّمر حتّى يبدو صلاحه، وتذهب عنه الآفة»، قال: يبدو صلاحه: حمرته وصفرته.
وفي أخرى له وللنسائي: حتى يبدو صلاحه، ولم يزد.

[شرح الغريب]
الثّمر: من كل شجرة معروف، وهو بثمر النخل أخص.
العريّة: وجمعها عرايا، وقد مرّ تفسيرها في متن الحديث، ونحن نذكر هنا ما يزيدها بيانًا: كان من لا نخل له من ذوي الحاجة، يفضل له من قوته تمر، فيدرك الرطب، ولا نقد في يده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: بعني ثمرة نخلةٍ أو نخلتين بخرصها تمرًا، فيعطيه ذلك الفضل من التمر الذي فضل عنده بثمر تلك النخلات، ليصيب رطبها مع الناس، فرّخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيعها وواحدة العرايا: عريّةٌ، فعيلةٌ بمعنى مفعولة من عراه يعروه: إذا قصده وغشيه، أو من عرى يعرى، كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت، أي خلت وخرجت، وهي فعيلة بمعنى: فاعلة.
وقيل: العرية: النخلة التي يعريها الرجل محتاجًا، أي يجعل له ثمرتها، فرخص للمعري أن يبتاع له ثمرتها من المعري بثمرها لموضع حاجته، وسميت عريّة؛ لأنه إذا وهب ثمرتها فكأنه جردها من الثمرة، وعرّاها منها.
عاهته: العاهة: العيب، والآفة التي تصيب الثمر.
يزهو: زها النخل يزهو: إذا ظهرت ثمرته.
وروي: «حتى تزهي» يقال: أزهى البسر: إذا احمرّ أو اصفرّ، وذهب قوم إلى أنه لا يقال في النخل: يزهو، وإنما يقال: يزهي لا غير.
قال الخطابي: هكذا روي الحديث «يزهو» والصواب في العربية «يزهي».
قلت: هذا القول منه ليس عند كل أحد، فإن اللغتين قد جاءتا عند بعضهم.
وبعضهم لا يعرف في النخل إلا «أزهى» كما قال إذا احمرّ أو اصفرّ». ومنهم من قال: زها النخل: إذا طال واكتمل، وكذلك النبات.

286 - (خ م ط س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثّمار حتّى تزهو، فقلنا لأنسٍ: ما زهوها؟ قال: تحمرّ وتصفرّ، قال: أرأيت إن منع الله الثّمرة، بم تستحلّ مال أخيك؟.
وفي رواية: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لم يثمرها الله، فبم تستحلّ مال أخيك؟» أخرجه البخاري ومسلم و«الموطأ» والنسائي.

287 - (م س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبتاعوا الثّمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبتاعوا الثّمر بالتّمر».أخرجه مسلم والنسائي.
288 - (خ م د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله نهى أن تباع الثّمرة حتى تشقح، قيل: وما تشقح؟ قال: «تحمارّ وتصفارّ، ويؤكل منها»، هذه رواية البخاري ومسلم وأبي داود، إلا أنّ مسلمًا زاد في أوله زيادة تجيء في الفرع الثالث من هذا الفصل مع الحديث تامًّا، ورواية النسائي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يطعم.
وفي رواية لمسلم قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثّمر حتى يبدو صلاحه، وفي أخرى قال: نهى عن بيع الثّمر حتى يطيب.
وفي أخرى لأبي داود قال: نهى عن بيع الثّمر حتى يبدو صلاحه، ولا يباع إلا بالدّينار والدرهم إلا العرايا.

[شرح الغريب]
تشقح: إذا تغير البسر إلى الحمرة أو الصفرة قيل: قد أشقح يشقح وهي الشّقحة، وشقح يشقّح.

289 - (خ د) زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: «كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبايعون الثّمار، فإذا جدّ الناس، وحضر تقاضيهم، قال المبتاع: إنّه أصاب الثّمر الدّمان، أصابه مراضٌ، أصابه قشامٌ، عاهاتٌ يحتجّون بها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- لمّا كثرت عنده الخصومة في ذلك -: «إمّا لا، فلا تبايعوا حتّى يبدو صلاح الثّمر» كالمشورة يشير بها، لكثرة خصومتهم». هذه رواية البخاري.
وأخرجه أبو داود بزيادة في أوله، بعد قوله: «يتبايعون الثّمار»، فقال: «قبل أن يبدو صلاحها» وزاد في آخره بعد قوله: «وخصومتهم» فقال: «واختلافهم».

[شرح الغريب]
جدّ الناس: الجداد: صرام النخل، وهو قطع ثمرتها، وأخذها من الشجر.
الدّمان: الدّمان - بفتح الدال وتخفيف الميم -: عفن يصيب النخل فيسود ثمره.
المراض: داء يقع في الثمرة فتهلك، يقال: أمرض الرجل: إذا وقع في ماله العاهة.
قشام: القشام: هو أن ينتقص ثمر النخل قبل أن يصير بلحًا.
إمالاً: أصل قولهم: إمّالاً: «إن، وما، ولا» فأدغمت النون في الميم، وما في اللفظ زائدة لا حكم لها، والمعنى: إن لم تفعل هذا فليكن هذا، وقد أمالتها العرب إمالة خفيفة، فقالت: إمالي، والعوام يشبعون إمالتها. وهو خطأ.

290 - (خ م) ابن عباس - رضي الله عنهما -: سأله سعيد بن فيروز، عن بيع النخل؟ فقال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتّى يأكل منه، أو يؤكل، وحتّى يوزن، قال: فقلت: ما يوزن؟ فقال رجلٌ عنده: حتى يحزر. أخرجه البخاري ومسلم.
291 - (ط) عمرة - رحمها الله -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثّمار حتّى تنجو من العاهة. أخرجه «الموطأ».
292 - (ت د) أنس - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع العنب حتّى يسودّ، وعن بيع الحبّ حتّى يشتدّ. أخرجه الترمذي وأبو داود.
[شرح الغريب]
يتشد: اشتداد الحب: قوّته وصلابته، والحبّ: الطعام.

293 - (ط) خارجة بن زيد [بن ثابت] - رضي الله عنه - أنّ أباه كان لا يبيع ثماره حتى تطلع الثّريّا. أخرجه «الموطأ».
ٍ
[شرح الغريب]
الثريا تطلع طلوع الثريا في النصف الآخر من أيار، وحينئذ يبدو صلاح الثمر ويظهر

الفرع الثاني: في بيع العرايا
294 - (خ م ت د س) سهل بن أي حثمة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثّمر بالتّمر، ورخّص في العريّة أن تباع بخرصها، يأكلها أهلها رطبًا.
وفي رواية عن سهلٍ ورافع بن خديج - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المزابنة: بيع الثّمر بالتّمر، إلا أصحاب العرايا، فإنه أذن لهم.
وفي رواية عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أهل دارهم - منهم سهل بن أبي حثمة -، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثّمر بالتّمر، وقال: ذلك الرّبا، تلك المزابنة، إلا أنه رخّص في بيع العريّة: النّخلة والنخلتين، يأخذها أهل البيت بخرصًها تمرًا، يأكلونها رطباً.
وفي أخرى عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنّهم قالوا: رخّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيع العريّة بخرصها تمرًا. هذه روايات البخاري ومسلم.
ولمسلم عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل داره، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى - فذكر مثله - إلا أنّه جعل مكان «الرّبا»: «الزّبن»، ووافقهما أبو داود على الأولى.
وأخرجه الترمذي، وهذه روايته: قال: إن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة حدّثا بشير بن يسارٍ: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المزابنة: الثّمر بالتّمر، إلا أصحاب العرايا، فإنه قد أذن لهم، وعن العنب بالزّبيب، وعن كل ثمرةٍ بخرصها.
وأخرج النسائي الرواية الأولى، ورواية مسلم والترمذي.

[شرح الغريب]
بخرصها: الخرص: حزر الثمرة وتقديرها. المزابنة: قد مر تفسير المزابنة في متون الأحاديث، وأصله من الزّبن: وهو الدفع، كأن كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه، أي: يدفعه، وهو بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر.

295 - (خ م ط د س ت) زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخّص لصاحب العريّة: أن يبيعها بخرصها من التّمر.
وفي أخرى: رخّص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا، يأكلونها رطبًا.
قال يحيى بن سعيد: والعريّة: النّخلة تجعل للقوم فيبيعونها بخرصها تمرًا.
وقال في أخرى: العريّة: أن يشتري الرجل ثمر النّخلات لطعام أهله رطبًا بخرصها تمرًا. هذه روايات البخاري ومسلم، ووافقهما الترمذي على الرواية الأولى.
وللترمذي أيضًا: أنه نهى عن المحاقلة والمزابنة، إلا أنه أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بمثل خرصها.
ورواية أبي داود: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رخّص في بيع العرايا بالتّمر والرّطب، وأخرج النسائي نحوًا من هذه الروايات.
ٍ
[شرح الغريب]
المحاقلة قد مر تفسيرها في متن الحديث، وهي مفاعلة من الحقل، وهو الأرض المعدة للزراعة، ويسميه العراقيون: القراح، وقد ذكر في الحديث: " أنها كراء الأرض بالحنطة " وقيل: هي المزارعة بالثلث والربع، وأقل من ذلك أو أكثر، وقيل: هي بيع الطعام في سنبله بالبر، وإنما وقع الحزر في المحاقلة والمزابنة لأنهما من الكيل، ولا يجوز شيء من الوزن والكيل إذا كانا من جنس واحد، إلا مثلا بمثل، يداً بيد، وهذا مجهول لا يدرى: أيهما أكثر؟ وفيه النساء.
وقيل: الحقل: الزرع إذا تشعب قبل أن تغلظ سوقه، فإن كانت المحاقلة من هذا، فهو بيع الزرع قبل إدراكه.

296 - (خ م ط ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخّص في بيع العرايا بخرصها من التّمر فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق.
شكّ داود بن الحصين في «خمسة» أو «دون خمسة» أخرجه الجماعة.

الفرع الثالث: في المحاقلة والمزابنة والمخابرة وما يجري معها
297 - (خ م ط س) أو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة: اشتراء التّمر في رؤوس النخل، والمحاقلة: كراء الأرض. هذه رواية البخاري ومسلم.
وعند «الموطأ»: المزابنة: اشتراء الثّمر بالتّمر في رؤوس النخل، والمحاقلة: كراء الأرض بالحنطة.وعند النسائي: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن المحاقلة والمزابنة ولم يزد.

[شرح الغريب]
أوسق: الوسق: وجمعه أوسق على القلة: ستون صاعًا بصاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو خمسة أرطال وثلث، أو ثمانية أرطال، على اختلاف المذهبين، فيكون الوسق ثلاثمائة رطل وعشرين رطلاً، أو أربعمائة رطل وثمانين رطلاً.

298 - (م ت س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة»، أخرجه مسلم والترمذي والنسائي.
299 - (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة والمزابنة». أخرجه البخاري.
300 - (خ م ط د ت س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة، والمزابنة: بيع الثّمر بالتّمر كيلاً، وبيع الكرم بالزّبيب كيلاً.
وفي رواية قال: نهى رسوا الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع الرجل ثمر حائطه، إن كان نخلا بتمر كيلاً، وإن كان كرماً: أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كان زرعا: أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله.
وفي أخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، قال: " والمزابنة: أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر مسمى، إن زاد فلي، وإن نقص فعلي" هذه روايات البخاري ومسلم
وزاد مسلم في بعضها، وعن كل ثمر بخرصة.
وأخرجه الموطأ أيضا قال: نهى عن المزابنة؟ والمزابنة أن يبيع الثمر بالتمر كيلاً، والكرم بالزبيب كيلاً.
وأخرجه الترمذي، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المحاقلة والمزابنة ولم يزد.وأخرجه أبو داود وقال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمر بالتمر كيلاً، وعن بيع العنب بالزبيب كيلاً، وعن بيع الزرع بالحنطة كيلاً.
وأخرجه النسائي الرواية الأولى والأخيرة من روايات البخاري ومسلم.

301 - (خ م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة والمحاقلة، وعن الممزابنة، وعن بيع الثّمر حتى يبدو صلاحه، وأن لا يباع إلا بالديّنار والدّرهم، إلا العرايا، وفي رواية: وعن بيع الثّمرة حتّى تطعم.
قال عطاء: فسّر لنا ذلك جابر قال: أمّا المخابرة، فالأرض البيضاء يدفعها الرّجل إلى الرجل، فينفق فيها. ثم يأخذ من الثمر.
وزعم أنّ: المزابنة بيع الرطب في النخل بالتّمر كيلاً.
والمحاقلة في الزرع على نحو ذلك، يبيع الزرع القائم بالحب كيلاً.
وفي أخرى قال: نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، وأن يشتري النخل حتى يشقه.
و«الإشقاه»: أن يحمرّ أو يصفرّ، أو يؤكل منه شيءٌ، والمحاقلة: أن يباع الحقل بكيلٍ من الطعام معلوم، والمزابنة: أن يباع النخل بأوساقٍ من التمر. والمخابرة: بالثّلث والربع، وأشباه ذلك.
قال زيد بن أبي أنيسة: قلت لعطاء: أسمعت جابرًا يذكر هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. هذه روايات البخاري ومسلم.
ولمسلم أيضًا قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المزابنة والمحاقلة والمخابرة، وعن بيع الثمر حتى تشقح، قال: قلت لسعيد: ما تشقح؟ قال: تحمارّ، أو تصفارّ، ويؤكل منها. ووافقه البخاري على الفصل الأخير، دون الأول من هذه الرواية.
وفي أخرى له قال: نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمعاومة، والمخابرة، قال: بيع السنين هي المعاومة، وعن الثّنيا، ورخّص في العرايا.
وفي أخرى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السنين، وأخرجه الترمذي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والثّنيا، إلا أن يعلم.وفي أخرى قال: نهى عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة، ورخّص في العرايا.
وأخرجه أبو داود، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن بيع السنين، ووضع الجوائح.
وفي أخرى له، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن المعاومة، وقال أحد رواته: بيع السنين.
وفي أخرى له قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة، والمخابرة، والمزابنة، والمعاومة.زاد في رواية: وبيع السنين، ثم اتّفقا، وعن الثّنيا، ورّخص في العرايا.
وفي أخرى له وللنسائي، قال: نهى عن المزابنة والمحاقلة، وعن الثّنيا، إلا أن يعلم.
وفي أخرى للنسائي: نهى عن المزابنة والمحاقلة، وبيع الثمر حتى يطعم، إلا العرايا.وفي أخرى له قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن المزابنة، والمحاقلة والمخاضرة والمخابرة.
قال: «المخاضرة: بيع الثّمر قبل أن يزهو، والمخابرة: بيع الكدس بكذا وكذا صاعًا». وله في أخرى: نهى عن بيع الثمر سنين، لم يزد. وأخرج نحو الرواية الأولى، وفي أخرى: نهى عن بيع السّنين.

[شرح الغريب]
المخابرة: المزارعة على نصيب معين، من الخيار، وهي الأرض اللينة، وقيل: إن أصلها من خيبر؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرّ خيبر في يد أهلها: على النصف من ثمارهم وزرعهم، فقيل: خابرهم، أي: عاملهم في خيبر.
يشقه: قد جاء في متن الحديث تفسيره، قال: والإشقاه: أن يحمرّ أو يصفر، وهو من أشقح يشقح: إذا صار كذلك، فأبدل من الحاء هاء لتقاربهما.
المعاومة: بيع النخل والشجر المثمر سنتين أو ثلاثًا، ونحو ذلك، يقال: عاومت النخلة: إذا حملت سنة، ولم تحمل أخرى.
بيع السنين: بيع الثمرة للسنين: هو أن يبيعها لأكثر من سنة في عقد واحد، وهو بيع غرر؛ لأنه بيع ما لم يخلقه الله تعالى بعد.
الثّنيا إلا أن تعلم: الثنيا: أن يستثني من المبيع شيئًا مجهولاً، فيفسد البيع، وقيل: هو أن يبيع الشيء جزافًا، فلا يجوز أن يستثني منه شيئًا قلّ أو كثر، وتكون الثّنيا في المزارعة: أن يستثني بعد النصف أو الثلث كيلاً معلومًا.

302 -(خ) أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال نهى رسول الله عن المحاقلة، والمخاضرة، والملامسة، والمنابذة. أخرجه البخاري
[شرح الغريب]
المخاضرة: اشتراء الثمار وهي مخضرة قبل أن يبدو صلاحها.

303 - (س) رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المحاقلة، والمزابنة»، أخرجه النسائي.
304 - (م س) سعيد بن المسيب - رحمه الله -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن المزابنة، والمحاقلة، والمزابنة: اشتراء الثّمر بالتّمر، والمحاقلة: اشتراء الزرع بالقمح، واستكراء الأرض بالقمح.
قال: وأخبرني سالم بن عبد الله [بن عمر] عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تبتاعوا الثّمر حتى يبدوصلاحه، ولا تبتاعوا الثّمر بالتّمر».
وقال سالم: أخبرني عبد الله عن زيد بن ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رخّص بعد ذلك في بيع العريّة بالرّطب، أو بالتمر، ولم يرخّص في غير ذلك. أخرجه مسلم.
وفي رواية النسائي، أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن المحاقلة والمزابنة.

الفصل الرابع: في أشياء متفرقة لا يجوز بيعها أمهات الأولاد
305 - (ط) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «أيّما وليدةٍ ولدت من سيّدها فإنّه لا يبيعها، ولا يهبها، ولا يورّثها، و[هو] يستمتع بها ما عاش، فإذا مات فهي حرّة». أخرجه «الموطأ».

306 - جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «بعنا أمّهات الأولاد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا». ذكره رزينٌ ولم أجده في الأصول.
الولاء

الولاء
307 - (خ م ط ت د س) ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
أخرجه الجماعة وأنكر ابن وضّاح أن يكون «وعن هبته» من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الماء والملح والكلأ والنّار
308 - (ت د س) إياس بن عبد - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الماء»، أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي.
وقال في رواية أخرى: نهى عن بيع فضل الماء.

309 - (م س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع فضل الماء». أخرجه مسلم والنسائي.
310 - (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يباع فضل الماء، ليباع به الكلأ». أخرجه البخاري ومسلم.
[شرح الغريب]
ليباع به الكلأ: العشب، ومعنى الحديث: أن البئر تكون في بادية أو صحراء، ويكون قريبًا منها كلأ، فإذا ورد على مائها وارد، ومنع من يجيء بعده من الاستقاء منها، كان بمنعه الماء مانعًا له من الكلأ؛ لأنه متى أرعى ماشيته ذلك الكلأ، ثم لم يسقها قتلها العطش، فالذي يمنع ماء البئر يمنع الكلأ القريب منها، وكذلك إذا باع ماء تلك البئر ليبيع به الكلأ.

311 - (خ م ط ت د) وعنه - رضي الله عنه -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ»، أخرجه الجماعة إلا النسائي.
312 - (ط) عمرة بنت عبد الرحمن - رحمها الله -: قالت: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع نقع البئر». أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
نقع البئر: هو فضل مائها الذي يخرج منها، وقيل له: نقع؛ لأنه ينقع به، أي يروى به.

313 - (د) رجل من المهاجرين - رضي الله عنهم -: من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا، أسمعه يقول:
- وفي أخرى: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوةٍ فسمعته يقول: - «المسلمون شركاء في ثلاثٍ: في الماء، والكلأ، والنار».
أخرجه أبو داود.

[شرح الغريب]
وقوله: «الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار» أراد بالماء: ماء السماء، والعيون التي لا مالك لها، وأراد بالكلأ: مراعي الأرضين التي لا يملكها أحد، وأراد بالنار: الشجر الذي يحتطبه الناس، فينتفعون به، وقد ذهب قوم إلى أن الماء لا يملك، ولا يصح بيعه مطلقًا، وذهب آخرون إلى العمل بظاهر الحديث في الثلاثة، والصحيح الأول.

314 - (د) بهية: قالت: استأذن أبي النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبّل ويلتزم، ثم قال: يا رسول الله، حدّثني: ما الشّيء الذي لا يحلّ منعه؟ قال: «الماء»، قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: «الملح». [قال: ثم ماذا؟ قال: «النّار»] قال: يا نبيّ الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: «أن تفعل الخير خيرٌ لك»، أخرجه أبو داود.
القينات
315 - (ت) أبو أمامة - رضي الله عنه -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبيعوا القينات المغنّيات، ولا تشتروهنّ، ولا تعلّموهنّ، ولا خير في تجارةٍ فيهن، وثمنهنّ حرامٌ، وفي مثل هذا أنزلت: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث...} [لقمان: 6] الآية». أخرجه الترمذي.

[شرح الغريب]
القينات: جمع قينة: وهي الأمة المغنية.

الغنائم
316 - (ت) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شراء الغنائم حتى تقسم». أخرجه الترمذي.

317 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن بيع النّخل حتى يحرز من كل عارضٍ، وأن يصلّي الرجل بغير حزام». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
بغير حزام: هذا مثل الحديث الآخر: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» وإنما أمر به؛ لأنهم كانوا قلما يتسرولون، ومن لم يكن عليه سراويل، وكان جيبه واسعًا، ولم يتلبّب، ربما وقع بصره أو بصر غيره على عورته.

حبل الحبلة
318 - (خ م ط ت د س) ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلةٍ، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية. وكان الرجل يبتاع لحم الجزور أي أن تنتج النًّاقة، ثم تنتج التي في بطنها. هذه رواية «الموطأ». وفي رواية البخاري ومسلم قال: كان أهل الجاهلية ببتاعون لحوم الجزور إلى حب الحبلة، وحبل الحبلة: أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل التي نتجت، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
وفي أخرى له قال: كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة، فنهى - صلى الله عليه وسلم - عنه. ثم فسّره نافع: أن تنتج النّاقة ما في بطنها.
وأخرجه مسلم أيضًآ، والترمذي، وأبو داود مختصرًا: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع حبل الحبلة. ولأبي داود أيضًا مثل البخاري ومسلم تاماً. وأخرج النسائي رواية الموطأ، وأخرج الرواية الأخرية.

[شرح الغريب]
حبل الحبلة: مصدر سمي به المحمول، كما سمي بالحمل، وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه، وذلك أن معناه: أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، على تقدير أنه يكون أنثى، وإنما نهي عنه؛ لأنه غرر، والحبل الأول: يراد به ما في بطن النوق، والثاني: حبل الذي في بطن النوق.

319 - (س) ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «السّلف في حبل الحبلة ربًا» أخرجه النسائي.
ضراب الجمل
320 - (م س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ضراب الجمل، وعن بيع الماء، وكراء الأرض ليحرثها»، فعن ذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم والنسائي.

[شرح الغريب]
ضراب الحمل: يقال: ضرب الفحل الأنثى: إذا ركبها للوقاع، وعلا عليها.

الصدقة
321 - (خ) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «باع حسّان حصّته من بيرحاء من صدقة أبي طلحة»، فقيل له: «أتبيع صدقة أبي طلحة؟» فقال: «ألا أبيع صاعًا من تمرٍ بصاع من دراهم؟» قال: «وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني جديلة الذي بناه معاوية»، قال: «فباع حصته منها، واشترى بثمنها حدائق خيرًا منها مكانها»، أخرجه البخاري.

[شرح الغريب]
بيرحاء: اسم أرض كانت لأبي طلحة، وكأنها فيعلى، من البراح: وهي الأرض المنكشفة الظاهرة، وكثيرًا ما يجيء في كتب الحديث: بيرحاء، بضم الراء والمد، فإن صحت الرواية، فإنها تكون فيعلاء من البراح، والله أعلم.
حدائق: جمع حديقة، وهي القطعة من النخل التي قد أحدق بها بناءٌ، أي: أحاط بها.

الحيوان باللحم
322 - (ط) سعيد بن المسيب - رحمه الله -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن بيع الحيوان باللّحم. أخرجه الموطأ.

الباب الثالث: فيما لايجوز فعله في البيع
الفصل الأول: في الخداع
الفرع الأول: في مطلق الخداع
323 - (خ م ط د س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: «أنّ رجلاً ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه يخدع في البيوع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من بايعت فقل: لا خلابة». زاد في رواية للبخاري: فكان إذا بايع قال: لا خلابة، وفي رواية لمسلم: فكان إذا بايع قال: لا خيابة، وأخرجه الموطأ، وأبو داود، والنسائي مثلهما.

[شرح الغريب]
لا خلابة: الخلابة: الخداع، ومنه يقال: خلبت المرأة قلب الرجل: إذا خدعته بألطف وجه.
لا خيابة: يجوز أن يكون ذلك لثغة من الراوي، أبدل اللام ياء.

324 - (ت د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن رجلاً كان يبتاع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي عقدته ضعفٌ، فأتى أهله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، احجر على فلانٍ فإنه يبتاع وفي عقدته ضعفٌ. فنهاه، فقال الرجل: إني لا أصبر عن البيع. فقال: إن كنت غير تاركٍ للبيع، فقل: هاء وهاء، ولا خلابة. وأخرجه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، ولم يذكر النسائي: هاء وهاء.
[شرح الغريب]
عقدته: في عقدته ضعف: يعني في رأيه ونظره في مصالح نفسه.
احجر: الحجر: المنع من التصرف، ومنه حجر القاضي على فلان إذا منعه من التصرف في ماله.
هاء وهاء: هو أن يقول كل واحد من المتبايعين: هاء، فيعطيه ما في يده، وقيل: معناه: هاك وهات، أي: خذ وأعط، مثل الحديث الآخر: «إلا يدًا بيدٍ» قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه: «ها وها» ساكنة الألف، والصواب مدها وفتحها؛ لأن أصلها: هاك، أي: خذ، فحذفت الكاف، وعوضت عنها المدة، يقال للواحد: هاء، وللاثنين: هاؤما، بزيادة الميم، والجمع: هاؤم.

325 - (خ ت) العداء بن خالد: قال عبد المجيد بن وهب: قال لي العدّاء بن خالد ابن هوذة: ألا أقرئك كتابًا كتبه لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: بلى، فأخرج إليّ كتابًا: «هذا ما اشترى العدّاء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اشترى منه عبدًا أو أمةً، لا داء، ولا غائلة، ولا خبثة، بيع المسلم المسلم».
أخرجه الترمذي، وأخرجه البخاري، قال: ويذكر عن العدّاء بن خالد، قال: كتب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ما اشترى محّمدٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم، لا داء، ولا خبثة، ولا غائلة، قال قتادة: الغائلة: الزنا، والسرقة، والإباق.

[شرح الغريب]
لا داء: الداء: المرض والعاهة.
ولا خبثة: والخبثة: نوع من أنواع الخبيث، أراد به: الحرام، عبروا بالخبيث عن الحرام، كما عبروا بالطيب عن الحلال. والخبثة: نوع من أنواع الخبيث.
ولا غائلة: الغائلة: الخصلة التي تغول المال، أي: تهلكه من إباق وغيره.

326 - (خ) ابن أبي أوفى - رضي الله عنه -: «أنّ رجلاً أقام سلعةً في السوق، فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً...} إلى آخر الآية، [آل عمران: 77]». أخرجه البخاري.
327 - (خ) عمرو بن دينار - رحمه الله -: قال: «كان ها هنا رجل اسمه نوّاسٌ، وكان عنده إبلٌ هيمٌ، فذهب ابن عمر واشترى تلك الإبل من شريك له، فجاء إليه شريكه»، فقال: «بعنا تلك الإبل»، قال: «ممّن؟» قال: «من شيخٍ كذا وكذا»، قال: «ويحك؛ والله ذاك ابن عمر»، فجاءه، فقال: «إنّ شريكي باعك إبلاً هيمًا، ولم يعرّفك»، قال: «فاستقها». فلما ذهب ليستاقها، قال: «دعها، رضينا بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا عدوى». أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
إبل هيم: الهيم: العطاش، والهيام: داء يأخذ الإبل فتعطش وتهلك.
فاستقها: أمر بالسوق.
لا عدوى: فعلى من عداه يعدوه: إذا تجاوز إلى غيره، والمراد به: ما يعدي كالجرب ونحوه.

328 - (م ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ في السوق على صبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»، قال: يا رسول الله أصابته السماء، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ !»، وقال: «من غشّنا فليس منا»، وهذه رواية مسلم، والترمذي.
وفي رواية أبي داود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجلٍ يبيع طعامًا، فسأله: «كيف تبيع؟» فأخبره، فأوحي إليه: أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه، فإذا هو مبلول، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من غشّ».
[شرح الغريب]
السماء أراد بالسماء: المطر، فسماه باسم مكانه
من غشنا الغش: ضد النصح، وهو من الغشش المشرب الكدر

329 - (خ) عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: قال: «لا يحلّ لامريءٍ مسلمٍ يبيع سلعةً يعلم أنّ بها داءً إلا أخبر به» ذكره البخاري في ترجمة باب.
330 - (خ م ط ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصرّوا».
وفي رواية: «لا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردّها وصاعًا من تمرٍ». وفي رواية للبخاري قال: «من اشترى غنمًا مصرّاةً فاحتلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاعٌ من تمر».
وفي أخرى لمسلم قال: «من الشترى شاةً مصرّاةٌ فلينقلب بها فليحلبها، فإن رضي حلابها أمسكها، وإلا ردّها ومعها صاعٌ من تمرٍ». وفي أخرى له قال: «من اشترى شاة مصراةً فهو فيها بالخيار ثلاثة أيّامٍ، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردّها، وردّ معها صاعًا من تمرٍ». وفي أخرى له: «ردّ معها صاعًا من طعامٍ، لا سمراء».
وفي أخرى: «من تمرٍ، لا سمراء». وفي أخرى لهما بزيادةٍ في أوله قال: «لا تتلقّى الرّكبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضرٌ لبادٍ، ولا تصرّوا الإبل والغنم... الحديث».
أخرج الموطأ هذه الرواية الآخرة.
وأخرجه الترمذي، وأبو داود، والنسائي بنحو من هذه الطرق، إلا أنّ للنسائي في بعض طرقه: «من ابتاع محفّلةً أو مصرّاةً...» الحديث.
وفي أخرى له: «إذا باع أحدكم الشاة أو النّعجة فلا يحفّلها».

[شرح الغريب]
لا تصرّوا: الصّرّ: الجمع والشّدّ، وقد تقدم شرحها في متن الحديث، وقال الأزهري: ذكر الشافعي المصرّاة، وفسرها: أنها التي تصرّ أخلافها، ولا تحلب أيّامًا، حتى يجتمع اللبن في ضرعها، فإذا حلبها المشتري استغزرها، قال الأزهري: جائز أن يكون سمّيت مصرّاةً، من صرّ أخلافها كما ذكر، إلا أنهم لما اجتمع لهم في الكلمة ثلاث راءات، قلبت إحداها ياء، كما قالوا: تظنّيت في تظنّنت من الظن، فقلبوا إحدى النونات ياء، قال: وجائز أن يكون سميت مصراة من الصّرى- وهو الجمع- يقال: صريت الماء في الحوض: إذا جمعته، ويقال لذلك الماء: صريّ.
قال أبو عبيدة: المصراة: هي الناقة أو البقرة أو الشاة يصرّى اللبن في ضرعها، أي: يجمع ويحبس، فإن كان من الأول، فيكون: «لا تصرّوا» بفتح التاء، وضم الصاد، وإن كان من الثاني، فيكون بضم التاء، وفتح الصاد.
قوله: «لا تصروا الإبل» أي: لا تفعلوا بها ذلك، وإنما نهى عن بيعها وهي كذلك لأنه خداع.
بخير النظرين: هو إمساك المبيع أو ردّه، أيهما كان خيرًا له فعله.
حلابها: الحلاب، والمحلب: الإناء الذي تحلب فيه الألبان، وإنما أراد به في الحديث: اللبن نفسه.
صاعًا من طعام: قد تقدم تفسيره، والطعام يطلق على ما يقتات به ويؤكل، ويدخل فيه الحنطة، وحيث استثناها، فقد أطلق الصاع في باقي الأطعمة، إلا أنه لم يرد به إلا التمر لأمرين:
أحدهما: أنه كان الغالب على أطعمتهم.
والثاني: أن معظم روايات الحديث إنما جاءت: «وصاعًا من تمر» وفي بعضها قال: «من طعام»، ألا ترى أنه لما قال: «من طعام» استثنى فقال: «لا سمراء» حتى إن الفقهاء قد ترددوا فيها لو أخرج بدل التمر زبيبًا، أو قوتًا آخر، فمنهم من تبع التوقيف، ومنهم من رآه في معناه إجراء له مجرى صدقة الفطر.
وهذا الصاع الذي يرده مع المصراة، فهو بدل عن اللبن الذي كان في الضرع عند العقد، وإنما لم يجب رد عين اللبن أو مثله أو قيمته؛ لأن عين اللبن لا تبقى غالبًا، وإن بقيت فتمتزج بآخر اجتمع في الضرع بعد جريان العقد إلى تمام الحلب.
وأما المثلية؛ لأن القدر إذا لم يكن معلومًا بمعيار الشرع كانت المقابلة من باب الربا، وإنما قدّر من التمر، لا من جنس النقد؛ لفقد النقد عندهم غالبًا؛ ولأن التمر يشارك اللبن في المالية، وكونه قوتًا، وهو قريب منه، إذ يؤكل معه في بلادهم.
ولفهم هذا المعنى نصّ الشافعي - رحمه الله - على أنه لو ردّ الشاة المصراة بعيب آخر سوى التصرية، ردّ معها صاعًا من التمر لأجل اللبن.
تلقي الركبان: قد تقدم تفسيره في الباب.
وصورة ما نهي عنه: أن يستقبل الركبان، ويكذب في سعر البلد، ويشتري بأقل من ثمن المثل، وذلك تغرير محرم، ولكن الشراء منعقد، ثم إن كذب وظهر الغبن، ثبت الخيار للبائع، وإن صدق، ففيه وجهان، على مذهب الشافعي.
لا يبع بعضكم على بيع بعض: قال في موضع آخر: «لا يبع بعضكم على بيع أخيه» والمعنى فيهما واحد، وفيه قولان:
أحدهما: أن يشتري الرجل السلعة ويتم البيع، ولم يفترق المتبايعان عن مقامهما ذلك، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعرض رجلٌ آخر سلعةً أخرى على ذلك المشتري، تشبه السلعة التي اشتراها ليبيعها له، لما في ذلك من الإفساد على البائع الأول، إذ لعله يرد للمشتري التي اشتراها أولاً، ويميل إلى هذه، وهما وإن كان لهما الخيار ما لم يتفرقا على هذا المذهب، فهو نوع من الإفساد.
والقول الثاني: أن يكون المتبايعان يتساومان في السلعة، ويتقارب الانعقاد، ولم يبق إلا اشتراط النقد أو نحوه، فيجيء رجل آخر يريد أن يشتري تلك السلعة، ويخرجها من يد المشتري الأول، فذلك ممنوع عند المقاربة، لما فيه من الإفساد، ومباح أول العرض والمساومة.
هذا تأويل أصحاب الغريب، وهو تأويل الفقهاء، إلا أن لفظ الفقهاء هذا:
قالوا: إذا كان المتعاقدان في مجلس العقد، فطلب طالب السلعة بأكثر من الثمن ليرّغب البائع في فسخ العقد، فهذا هو البيع على بيع الغير، وهو محرّم لأنه إضرار بالغير؛ ولكنه منعقد؛ لأن نفس البيع غير مقصود بالنهي، فإنه لا خلل فيه، وكذلك إذا رغب المشتري في الفسخ بعرض سلعة أجود منها بمثل ثمنها، أو مثلها بدون ذلك الثمن، فإنه مثله في النهي.
وأما السوم على سوم أخيك: فأن تطلب السلعة بزيادة على ما استقر الأمر عليه بين المتساومين قبل البيع، وإنما يحرم على من بلغه الخبر فإن تحريمه خفي، قد لا يعرفه.
لا تناجشوا: النجش في الأصل: المدح والإطراء، والمراد به في الحديث الذي ورد النهي عنه: أنه يمدح السلعة، ويزيد فيها وهو لا يريدها ليسمعه غيره فيزيده، وهذا خداع محرم، ولكن العقد صحيح من العاقدين، والآثم غيرهما.
وقيل: هو تنفير الناس عن الشيء إلى غيره.
والأصل فيه: تنفير الوحش من مكان إلى مكان، والأول هو الصحيح، وهو تأويل الفقهاء وأهل العلم.
حاضر لباد: الحاضر: المقيم في المدن والقرى، والبادي: المقيم بالبادية، والمنهي عنه: هو أن يأتي البدوي البلدة، ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصًا، فيقول له الحاضر: اتركه عندي لأغالي في بيعه، فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإضرار بالغير، والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد، فهذا إذا كانت السلعة مما تعم الحاجة إليها، فإن كانت سلعة لا تعم الحاجة إليها، أو كثر بالبلد القوت، واستغني عنه، ففي التحريم تردد. يعوّل في أحدهما على عموم ظاهر النهي وحسم باب الضرر. وفي الثاني: على معنى الضرر، وقد جاء في بعض الأحاديث عن ابن عباس: أنه سئل عن معنى: لا يبع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارًا.
محفّلة: الناقة أو البقرة أو الشاة لا يحلبها صاحبها أيّامًا حتى يجتمع لبنها في ضرعها، فإذا حلبها المشتري حسبها غزيرة فزاد في ثمنها، فإذا حلبها بعد ذلك نقص لبنها عن الحالة الأولى، والمحفلة: هي المصراة، وقد تقدم شرحها.

331 - (خ م) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قال: من اشترى محفّلةً فردّها، فليردّ معها صاعًا، قال: ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن «تلقّي البيوع». أخرجه البخاري، ووافقه مسلم على «تلقي البيوع» وحده.
332 - (د) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من باع محفّلةً فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردّها ردّ معها مثل، أو مثلي لبنها قمحًا». أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
قمح: القمح: الحنطة.

الفرع الأول: في النجش
333 - (خ م ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تناجشوا». هذا لفظ الترمذي، وأبو داود.
وقد أخرج هذا القدر البخاري، ومسلم في الحديث الطويل الذي في الفرع الثاني قبل هذا، فيكون هذا القدر أيضًا متفقًا عليه بينهم.

334 - (خ م ط س) ابن عمر - رضي الله عنهما -: قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «عن النّجش». أخرجه البخاري، ومسلم، والموطأ، والنسائي، وزاد الموطأ، قال: «والنّجش: أن تعطيه بسلعته أكثر من ثمنها، وليس في نفسك اشتراؤها فيقتدي بك غيرك».
335 - (خ) عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -: قال: النّاجش آكل ربًا خائنٌ، وهو خداعٌ باطل لا يحلّ. ذكره البخاري تعليقًا.
الفصل الثاني: في الشرط والإستثناء
336 - (ط) ابن مسعود - رضي الله عنه -: اشترى جاريةً من امرأته زينب الثّقفيّة، واشترطت عليه: أنّك إن بعتها فهي لي بالثّمن الذي تبيعها به، فاستفتى في ذلك ابن مسعود عمر بن الخطاب، فقال له عمر: لا تقربها وفيها شرطٌ لأحدٍ. أخرجه الموطأ.

337 - (ط د) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهما -: قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العربان.
قال مالك: وذلك فيما نرى - والله أعلم - أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة، أو يتكارى الدّابة، ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه: أعطيك دينارًا أو درهمًا أو أكثر من ذلك أو أقلّ، على أنّي إن أخذت السّلعة أو ركبت ما تكاريت منك، فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة، أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة، أو كراء الدّابّة، فما أعطيتك باطل بغير شيء، أخرجه الموطأ وأبو داود.

[شرح الغريب]
عربان: يقال: عربان، وعربون، وعربون، وهو أن يشتري شيئًا فيدفع إلى البائع مبلغًا، على أنه إن تم البيع احتسب من الثمن، وإن لم يتم كان للبائع ولم يجمع منه، يقال: أعرب عن كذا وعرّب وعربن؛ كأنه سمي بذلك؛ لأن فيه إعرابًا لعقد البيع، أي: إصلاحًا، وإزالة فساد، وقد ذكر تفسيره أيضًا في متن الحديث.

338 - (ط) عبد الله بن أبي بكر: أنّ جده محمد بن عمرو بن حزم باع ثمر حائطٍ له، يقال له: «الأفرق، بأربعة آلاف درهم، واستثنى بثمانمائة درهم تمرًا». أخرجه الموطأ.
339 - (ط) مالك بن أنس - رضي الله عنه -: بلغه أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بي وسلفٍ.
قال مالك: وتفسير ذلك: أن يقول الرجل للرجل: آخذ سلعتك بكذا وكذا، على أن تسلفني كذا وكذا فإن عقدا بيعهما على هذا، فهو غير جائز. أخرجه الموطأ.

340 - (خ م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرٍ، وكنت على جملٍ ثفالٍ، إنما هو في آخر القوم، فمرّ بي النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «من هذا؟». قلت: جابر بن عبد الله، قال: «مالك؟» قلت: إن على جمل ثفالٍ، قال: أمعك قضيبٌ؟ قلت: نعم. قال: «أعطنيه»، فأعطيته، فضربه وزجره، فكان من ذلك المكان في أول القوم، قال: «بعنيه»، فقلت: بل هو لك يا رسول الله، قال: «بل بعنيه، قد أخذته بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة»، فلما دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال: أين تريد؟ قلت: تزوجت امرأةً قد خلا منها، قال: «فهلا جاريةً تلاعبها وتلاعبك؟» قلت: إنّ أبي توفّي وترك بناتٍ، فأردت أن أتزوّج امرأةً قد جرّبت، وخلا منها، قال: «فذلك»، قال: فلما قدمنا المدينة، قال: «يا بلال، اقضه، وزده»، فأعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطًا، قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر بن عبد الله. هذا لفظ البخاري.
وفي رواية له، ولمسلم قال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلاحق بي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا على ناضحٍ لنا قد أعيى، قال: فتخلّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل، قدّامها يسير، فقال لي: «كيف ترى بعيرك؟» فقلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال: «أفتبيعنيه؟»، قال: فاستحييت، ولم يكن لنا ناضحٌ غيره، قال: فقلت: نعم! فبعته إيّاه، على أنّ لي فقار ظهره، حتى أبلغ المدينة. قال: فقلت: يا رسول الله، إنّي عروسٌ، فاستأذنته، فأذن لي، فتقدمت الناس إلى المدينة، حتى أتيت المدينة، فلقيني خالي، فسألني عن البعير، فأخبرته بما صنعت فيه فلامني، قال: وقد كان قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - حين استأذنته -: هل تزوجت بكرًا أم ثيبًا؟ قلت: تزوجت ثيبًا، فقال: «هلا تزوجت بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟» قلت: يا رسول الله: توفّي والدي، أو استشهد، ولي أخواتٌ صغارٌ، فكرهت أن أتزوّج مثلهنّ، فلا تؤدّبهنّ، ولا تقوم عليهنّ، فتزوجت ثيّبًا لتقوم عليهنّ، وتؤدّبهنّ، قال: فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدوت عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، وردّه عليّ.
وفي أخرى: أنه كان يسير على جمل له قد أعيى، فمرّ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فضربه، ودعا له، فسار بسيرٍ ليس يسير مثله، ثم قال: «بعنيه بأوقيّةٍ»، قلت: لا، ثم قال: «بعنيه بأوقية»، فبعته، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، ونقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على أثري، فقال: «ما كنت لآخذ جملك، فخذ جملك، فهو مالك».
قال البخاري: قال جابر: أفقرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظهره إلى المدينة.
وقال في أخرى: فبعته على أنّ لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة.
وقال في أخرى: لك ظهره إلى المدينة. وفي أخرى: وشرط ظهره إلى المدينة.
قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصحّ عندي.
قال: وفي رواية: أنه اشتراه بأوقية.
وفي أخرى: «بأربعة دنانير».
قال البخاري: وهذا يكون أوقية، على حساب الدنانير بعشرة.
وقال في رواية: أوقية ذهبٍ، وفي أخرى: مائتي درهم.
وفي أخرى قال: اشتراه بطريق تبوك، أحسبه قال: بأربع أواقي. وفي أخرى: بعشرين دينارًا. قال البخاري: وقول الشّعبيّ: بأوقيةٍ، أكثر.
وفي رواية للبخاري ومسلم نحو الرواية الأولى، وفيه: فنزل فحجنه بمحجنه، ثم قال: اركب - وذكر نحوه - وقال فيه: أما إنّك قادمٌ، فإذا قدمت فالكيس الكيس. وفيه: فاشتراه مني بأوقية، وفيه: فقدمت بالغداة فجئت المسجد فوجدته على باب المسجد، فقال: الآن قدمّت؟ قلت: نعم. قال: فدع جملك وادخل فصلّ ركعتين، فدخلت فصلّيت، ثم رجعت، فأمر بلالاً أن يزن لي أوقيةً، فوزن لي بلال، فرجح الميزان، فانطلقت، فلمّا ولّيت قال: ادع لي جابرًا، فدعيت، فقلت: الآن يردّ عليّ الجمل، ولم يكن شيء أبغض إليه منه، فقال: خذ جملك، ولك ثمنه.
وفي رواية لهما أيضًا، قال: كنّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاةٍ، فلما أقبلنا تعجّلت على بعيرٍ لي قطوفٍ، فلحقني راكبٌ من خلفي، فنخس بعيري بعنزةٍ كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راءٍ من الإبل، فالتفتّ، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ما يعجلك يا جابر؟» قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بعرسٍ، قال: «أبكرًا تزوجتها، أم ثيبًا؟» - فذكره - قال: فلما ذهبنا لندخل قال: «أمهلوا، حتّى ندخل ليلاً، أي: عشاءا، كي تمتشط الشّعثة، وتستحدّ المغيبة» زاد مسلم: فإذا قدمت فالكيس الكيس.
وفي رواية لمسلم قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعيى جملي - وذكر نحو حديث قبله - وفيه: ثم قال لي: «بعني جملك هذا»، قلت: لا، بل هو لك، قال: «لا، بل بعنيه»، فقلت: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: «لا، بل بعنيه»، قلت: فإنّ لرجلٍ عليّ أوقيّةً من ذهب، فهو لك بها، قال: «قد أخذته، فتبلّغ عليه إلى المدينة»، قلما قدمت المدينة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلالٍ: «أعطه أوقيةً من ذهبٍ وزده»، قال: فأعطاني أوقيةً من ذهبٍ، وزادني قيراطًا، قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكان في كيسٍ لي، فأخذه أهل الشام يوم الحرّة.
وفي أخرى لمسلم نحو ذلك، وفيه قال: أتبعنيه بكذا وكذا والله يغفر لك؟ قلت: هو لك يا نبي الله، قال ذلك ثلاثًا، وذكر الحديث.وفي أخرى له، قال لي: اركب بسم الله، وفيه: فما زال يزيدني ويقول: والله يغفر لك.
وفي أخرى له قال: فنخسه، فوثب، فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه، فما أقدر عليه، فلحقني النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «بعنيه»، فبعته، بخمسٍ أواقيّ، قال: قلت: على أنّ لي ظهره إلى المدينة، فلما قدمت المدينة أتيته، فزادني أوقيّة، ثم وهبه لي.
وفي رواية لهما قال: سافرت معه في بعض أسفاره - قال أبو المتوكل: لا أدري غزوةً، أو عمرةً - فلما أن أقبلنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبّ أن يتعجّل إلى أهله فليتعجّل»، قال جابر: فأقبلنا، وأنا على جمل لي أرمل، ليس فيه شيةٌ، والناس خلفي، فبينما أنا كذلك إذ قام عليّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا جابر، استمسك»، فضربه بسوطه، فوثب البعير مكانه، فقال: «أتبيع الجمل؟» فقلت: نعم، فلما قدمنا المدينة، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد في طوائف من أصحابه، دخلت إليه، وعقلت الجمل في ناحية البلاط، فقلت له: هذا جملك، فخرج فجعل يطيف بالجمل، ويقول: الجمل جملنا، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بأواقيّ من ذهبٍ، فقال: «أعطوها جابرًا»، ثم قال: «استوفيت الثّمن؟» قلت: نعم؛ قال: «الثمن والجمل لك».
وفي رواية قال: اشترى منّي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بوقيّتين ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرارًا أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدموا المدينة، أمرني أن آتي المسجد، فأصلي فيه ركعتين، ووزن لي ثمن البعير. ومن الرواة من اقتصر على ذكر الركعتين في المسجد. وفي رواية: أنه لما قدم المدينة نحر جزورًا.
هذه روايات البخاري ومسلم التي ذكرها الحميدي في كتابه في ذكر بيع الجمل والاشتراط.
وقد أضاف إليها روايات أخرى لهما، تتضمّن ذكر تزويج جابر، وسؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيّاه عنه، وذكر دخول الرجل على أهله طروقًا، ولم يذكر فيها بيع الجمل، فلهذا لم نذكرها نحن ها هنا، وأخّرناها لتجيء في كتاب النكاح من حرف النون، وفي كتاب الصحبة من حرف الصاد، إن شاء الله تعالى. والمراد من ذكر هذا الحديث بطوله: ذكر الاشتراط في البيع، ولأجل ذلك أخرجوه، ولهذا السبب لم يخرّج منه الترمذي وأبو داود إلا ذكر الاشتراط. وهذا لفظ الترمذي: إنّ جابرًا باع من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا، واشترط ظهره إلى أهله.
وهذا لفظ أبي داود، قال جابر: بعته - يعني بعيره - من النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشترطت حملانه إلى أهلي.
وقال في آخره: «تراني إنما ما كستك لأذهب بجملك؟ خذ جملك وثمنه، فهما لك».
وحيث كان المقصود من الحديث ذكر الاشتراط، وهو متفق عليه بين البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود، علّمنا عليه علاماتهم الأربع، وإن لم يكن جميع الحديث متفقًا عليه. وأخرج النسائي روايات متفرقة نحو هذه الروايات المتقدمة.

[شرح الغريب]
ثفال: جمل ثفال، أي: بطيء في سيره.
خلا منها: خلا من المرأة، أي: كبرت وخرجت من حد الشباب.
الناضح: الجمل يستقى عليه الماء ليسقي النخل والزرع وغيره.
فقار: الفقار: خرز الظهر، يقال: أفقرتك ناقتي، أي: أعرتك فقارها لتركبها.
عروس: العروس: اسم يقع على الرجل والمرأة، إذا دخل أحدهما بالآخر، يقال: رجل عروس، وامرأة عروس.
فنقدني: نقدته كذا، أي: أعطيته نقدًا، وقد ذكر مقدارها في متن الحديث، وكانت يومئذ أربعين درهمًا.
محجن: المحجن: عصا في طرفها انعقاف كالصولجان ونحوه.
فالكيس: الكيس: هو الجماع والعقل، كأنه جعل طلب الولد عقلاً.
قطوف: جمل قطوف: سيء المشي، ضيق الخطوة.
العنزة: شبه العكازة، يكون في طرفها الواحد شبه الحربة.
تمتشط الشعثة: الشعثة: المرأة البعيدة العهد بالغسل والتسريح، والامتشاط، تسريح الشعر: يعني: حتى تصلح من شأنها، بحيث إذا قدم عليها بعلها، وجدها متجملة، حسنة الحال.
وتستحد المغيبة: المغيبة: المرأة التي غاب عنها زوجها، والاستحداد: أخذ الشعر بالموسي وغيرها، وهذا أيضًا كالأول.
أرمل: جمع أرمل: يضرب لونه إلى الكدرة.
لاشية فيه: أي: لا لون فيه يخالف كدرته.
البلاط: ما يفرش به الأرض من حجر أو غيره، ثم سمي المكان بلاطًا على المجاز.
صرارًا: بكسر الصاد المهملة، والراءين المهملتين: موضع قريب من المدينة.
جزورًا: الجزور من الإبل: يقع على الذكر والأنثى، والكلمة مؤنثة.
ماكستك: فاعلتك من المكس: وهو انتقاص الثمن، وذكر الزمخشري في كتابه«الفائق» هذا الحديث، وقال: قد روي: «ماكستك» من المكاس، ومعناه ظاهر، وقال: قد روي «أتراني أنما كستك» وهو من كايسته فكسته، أي كنت أكيس منه.

341 - (خ م ط ت د س) عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءت بريرة تستعين بها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبّوا أن أقضي عنك كتابتك، ويكون ولاؤك لي فعلت، فذكرت ذلك بريرة لأهلها، فأبوا، وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك، فلتفعل، ويكون لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ابتاعي وأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق»، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ما بال أناسٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ يا من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة مرّة، شرط الله أحقّ وأوثق». هذه رواية البخاري ومسلم.
وأخرج «الموطأ» والترمذي وأبو داود والنسائي نحوها.
وفي أخرى للبخاري، من حديث أيمن المكي، قال: دخلت على عائشة فقلت: كنت غلامًا لعتبة بن أبي لهب، ومات، وورثني بنوه، وإنهم باعوني من ابن أبي عمرو، واشترط بنو عتبة الولاء، فقالت: دخلت عليّ بريرة. فقالت: اشتريني وأعتقيني، قلت: نعم ! قالت: لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي، قلت: لا حاجة لي فيك، فسمع بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بلغه فقال: : «ما شأن بريرة؟» فذكرت عائشة ما قالت، فقال: «اشتريها فأعتقيها، وليشترطوا ما شاؤوا» قال: فاشتريتها وأعتقتها، واشترط أهلها ولاءها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الولاء لمن أعتق، وإن اشترطوا مائة شرط».وللبخاري ومسلم وغيرهما رواياتٌ أخرى لهذا الحديث بزيادة تتضمن ذكر تخييرها في زوجها لما عتقت، وذكر لحمٍ تصدّق به عليها، وذكر قدر ما كوتبت عليه، وقد تركنا ذكرها لتجيء في مواضعها من كتاب الفرائض، والكتابة، والصدقة، والنكاح، والطلاق.

[شرح الغريب]
كتابتها: المكاتبة: أن يقول الرجل لعبده: كاتبتك على ألف درهم مثلاً، فإذا أديتها عتقت، ومعناه: كتبت لك على نفسي أن تعتق مني إذا وفيت المال، وكتبت عليّ العتق.
ولاءك: ولاء المعتق: أنه إذا مات المعتق، ولم يخلّف وارثًا سوى معتقه، ورثه.

342 - (خ م) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنّ عائشة أمّ المؤمنين أرادت أن تشتري جارية فتعتقها، فقال أهلها: تبيعكها على أنّ ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق».
قال الحميديّ: ذكره أبو مسعود الدمشقي في المتفق عليه، وهو في كتاب البخاري هكذا، وفي كتاب مسلم عن ابن عمر عن عائشة، فلا يكون حينئذ متفقًا عليه بينهما.
قال الحميدي: ولعله قد وجده في نسخة «أنّ عائشة» بدل «عن عائشة».
وفي رواية للبخاري أيضًا عن ابن عمر أن عائشة ساومت بريرة، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، فلما جاء قالت: «إنهم أبوا أن يبيعوها إلا أن يشترطوا الولاء»، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الولاء لمن أعتق»، قيل لنافع: حرًّا كان زوجها أو عبدًا؟ قال: ما يدريني؟. أخرجه البخاري ومسلم.

الفصل الثالث: في النهي عن بيع الملامة والمنابذة
343 - (خ م د س) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبستين، وعن بيعتين، ونهى عن الملامسة والمنابذة في البيع - صلى الله عليه وسلم - والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه، وينبذ الآخر بثوبه، ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراضٍ، واللّبستان: اشتمال الصماء، والصّماء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقّيه، ليس عليه ثوب، واللّبسة الأخرى: احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء.هذه رواية البخاري ومسلم، إلا أن اللفظ للبخاري، وهو أتمّ.
وفي رواية أبي داود قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين وعن لبستين، أما البيعتان، فالملامسة والمنابذة، وأما اللبستان، فاشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوبٍ واحدٍ، كاشفا عن فرجه، وليس على فرجه منه شيء، واشتمال الصماء: أن يشتمل في ثوب واحد، يضع طرفي الثوب على عاتقه الأيسر، ويبرز شقّه الأيمن. قال: والمنابذة... وذكر مثل البخاري ومسلم.
وفي رواية النسائي قال: نهى عن الملامسة، وهو لمس الثوب لا ينظر إليه، وعن المنابذة، وهو طرح الرجل ثوبه إلى الرجل بالبيع قبل أن يقلبه، أو ينظر إليه.وله في أخرى مختصرًا قال: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع.
وله في أخرى قال: عن لبستين وعن بيعتين، أما البيعتان: فالملامسة والمنابذة، والمنابذة: أن يقول: إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع، والملامسة: أن يمسّه بيده ولا ينشره ولا يقلّبه، إذا مسّ وجب البيع.

[شرح الغريب]
الملامسة، والمنابذة: قد مرّ تفسيرهما في الحديث، ونزيده هاهنا بيانًا، قال: هو أن يقول: إذا لمست ثوبي، أو لمست ثوبك، فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يلمس المبيع من وراء ثوب، ولا ينظر إليه، ثم يقع البيع عليه، وهذا هو بيع الغرر والمجهول.
وأما المنابذة: فهي أن يقول أحد المتبايعين للآخر: إذا نبذت إليّ الثوب أو نبذته إليك فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع.
وقال الفقهاء نحو ذلك في الملامسة والمنابذة، وهذا لفظهم:
قالوا في الملامسة: أن يقول: مهما لمست ثوبي فهو مبيع منك، وهو باطل؛ لأنه تعليق، أو عدول عن الصيغة الشرعية، وقيل معناه: أن يجعل اللمس بالليل في ظلمة قاطعًا للخيار، ويرجع ذلك إلى تعليق اللزوم، وهو غير نافذ، قالوا: والمنابذة في معنى الملامسة، وقيل: معناه: أن يتنابذا السلع، وتكون معاطاة، فلا ينعقد بها البيع عند الشافعي - رحمه الله -.
اشتمال الصماء: قد ذكر معناه في متن الحديث، إلا أن الفقهاء يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على إحدى منكبيه، والمراد به على هذا: كراهة التكشف، وإبداء العورة.
وأهل الغريب يقولون: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلّل جسده لا يرفع منه جانبًا، فتكون فيه فرجة يخرج منها يده، والمراد منه على هذا: كراهية أن يغطي جسده، مخافة أن يضطر إلى حالة تسدّ متنفّسه فيتأذى.
الاحتباء: أن يجمع بين ركبتيه، وظهره بمنديل أو حبل، ويكون قاعدًا شبه المستند إلى شيء، وقد يكون الاحتباء باليدين.

344 - (خ م ط ت س) أبو هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نهى عن الملامسة والمنابذة.
وفي رواية قال: نهى عن بيعتين: الملامسة والمنابذة، أما الملامسة: فأن يلمس كلّ واحدٍ منهما ثوب صاحبه بغير تأمل. والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، ولم ينظر أحد منهما إلى ثوب صاحبه.
وفي أخرى قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيامين وبيعتين: الفطر والنحر، والملامسة والمنابذة.
أخرج الرواية الأولى الجماعة إلا أبا داود، والثانية البخاري ومسلم والنسائي، والثالثة البخاري.

345 - (س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبستين، ونهى عن بيعتين: عن لبستين، ونهى عن بيعتين: عن المنابذة والملامسة، وهي بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية». أخرجه النسائي.
الفصل الرابع: في النهي عن بيع الغرر والمضطر والحصاة
346 - (م ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن بيع الغرر، وبيع الحصاة. أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي.

347 - (ط) سعيد بن المسيب - رحمه الله - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نهى عن بيع الغرر. أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
الغرر: ماله ظاهر تؤثره، وباطن تكرهه، فظاهره يغرّ المشتري وباطنه مجهول.
بيع الحصاة: هو أن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يقول: بعتك من السلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت، أو بعت من الأرض إى حيث تنتهي حصاتك والكل فاسد؛ لأنه من بيوع الجاهلية، وكلها غرر لما فيها من الجهالة.

348 - (د) شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي بن أبي طالب، أو قال: قال لي عليّ: سيأتي زمان على الناس عضوضٌ، يعضّ الموسر فيه على ما في يده، ويبايع المضطرون، ولم يؤمروا بذلك، قال الله تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم} [البقرة: 238]، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
العضوض: الكلب، ومنه ملك عضوض: فيه عسف وظلم.
بيع المضطر: على وجهين:
أحدهما: أن يضطر إلى العقد من طريق الإكراه، وهذا فاسد.
والآخر: أن يضطر إلى البيع لدين ركبه، أو مؤونة ترهقه، فيبيع ما في يده بالوكس، وهذا سبيله من جهة المروءة والدين، أن لا يبايع على هذا الوجه، ويعان، ويقرض، ويمهل عليه إلى الميسرة، فإن عقد البيع على هذه الحالة، جاز ولم يفسخ.

الفصل الخامس: في النهي عن بيع الحاضر للبادي، وتلقي الركبان
349 - (م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يبع حاضرٌ لبادٍ، ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعضٍ». أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي.

350 - (خ م د س) أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، وإن كان أخاه لأبيه وأمه». هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية أبي داود والنسائي قال: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ، وإن كان أخاه وأباه، وفي أخرى لأبي داود عن أنس قال: كان يقال: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ، وهي كلمةٌ جامعةٌ، لا يبيع له شيئًا، ولا يبتاع له شيئًا.

351 - (خ) عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضرٌ لبادٍ». أخرجه البخاري.
352 - (خ م د س) ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي البيوع» هذه رواية مسلم.
وله ولليخاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلقّوا السّلع، حتى يهبط بها إلى السوق».
وأخرجه أبو داود بزيادةٍ في أوله قال: لا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، ولا تلقّوا السّلع... الحديث.
وأخرجه النسائي وقال: «الجلب» عوض «السّلع». وله في أخرى: نهى عن النّجش والتّلقّي، أو يبيع حاضرٌ لبادٍ، وفي أخرى: نهى عن التّلقّي، لم يزد.

353 - (خ م د س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلقّوا الرّكبان، ولا يبيع حاضرٌ لبادٍ». فقال له طاووس: ما قوله: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمسارًا. أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، إلا أن أبا داود ليس عنده قوله: لا تلقّوا الركبان.
354 - (ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تلقّي البيوع: أخرجه الترمذي.
355 - (د) سالم المكي - رضي الله عنه - أنّ أعرابيًا حدّثه أنّه قدم بحلوبةٍ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فنزل على طلحة بن عبيد الله، فقال له طلحة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ولكن اذهب إلى السوق، فانظر من يبايعك، وشاورني، حتّى آمرك وأنهاك. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
بحلوبة: يقال: ناقة حلوب: إذا كانت ذات لبن، فإن أردت الاسم قلت: هذه الحلوبة لفلان، وقيل: هما سواء، مثل ركوبة وركوب.

356 - (خ م ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقّى الجلب، فمن تلقّى فاشتراه منه، فإذا أتى سيّده السّوق، فهو بالخيار.
هذه رواية مسلم والترمذي وأبي داود، وفي رواية البخاري والنسائي قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التّلقّي وأن يبيع حاضرٌ لبادٍ.
وفي رواية الترمذي أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبيع حاضر لبادٍ».

الفصل السادس: في النهي عن بيعتين في بيعة
357 - (ط ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعةٍ. أخرجه الترمذي.
وأخرجه «الموطأ»، قال مالك: بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة.
وأخرجه أبو داود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من باع بيعتين في بيعةٍ، فله أوكسهما، أو الربا».
وأخرج النسائي الرواية الأولى.

[شرح الغريب]
بيعتين في بيعة: قال الشافعي - رحمه الله -: له تأويلان: أحدهما: أن يقول: بعتك بألفين نسيئة، وبألف نقدًا، فأيهما شئت أخذت به، فيأخذ بأحدهما، وهذا بيع فاسد؛ لأنه إبهام وتعليق.
والآخر: أن يقول: بعتك عبدي على أن تبيعني فرسك، وهو أيضًا فاسد؛ لأنه شرط لا يلزم، ويتفاوت بعدمه مقصود العقد، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقًا عن بيع وشرط، وعن بيع وسلف، ومعناه: أن يشترط فيه قرضًا.
أوكسهما، أو الربا: قال الخطابي: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث، وصحح البيع بأوكس الثمنين، إلا ما يحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، ويشبه أن يكون ذلك حكومة في شيء بعينه، كأنه أسلفه دينارًا في قفيز برٍّ إلى شهر، فلما حل الأجل فطالبه بالبرّ، قال: القفيز الذي لك عليّ بقفيزين، فصار بيعتين في بيعة، فيرد إلى أوكسهما، فإن تبايعا البيع الثاني قبل أن يتناقضا البيع الأول، كانا مربيين.

358 - (ط) مالك - رضي الله عنه - بلغه أن رجلاً قال لرجلٍ: ابتع لي هذا البعير بنقدٍ، حتّى أبتاعه منك إلى أجلٍ، فسئل عن ذلك عبد الله بن عمر، فكرهه، ونهى عنه. أخرجه «الموطأ».
الفصل السابع: في أحاديث تتضمن منهيات مشتركة
359 - (خ م ط ت د س) عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض». هذه رواية البخاري ومسلم و«الموطأ» والنسائي.
وفي أخرى للبخاري والترمذي قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع الرّجل على بيع أخيه، أو يخطب.
وفي أخرى لمسلم والنسائي وأبي داود: لا يبع الرّجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له.
وفي أخرى للنسائي قال: لا يبع الرجل على بيع أخيه، حتّى يبتاع أو يذر.

[شرح الغريب]
لا يبع على بيع أخيه: قد تقدم ذكره في قوله: لا يبع بعضكم على بيع بعض، فلا حاجة إلى إعادته.
ولا يخطب على خطبة أخيه: قال مالك - رحمه الله -: هو أن يخطب الرجل المرأة، فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهي الرجل أن يخطبها على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك: إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره. ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فاسد يدخل على الناس.

360 - (خ م ط ت د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها». وفي رواية: ولا يزيدنّ على بيع أخيه. وفي رواية: ولا يسم الرجل على سوم أخيه.
وفي أخرى قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التّلقّي، وأن يبتاع المهاجر للأعرابي، وأن يشترط المرأة طلاق أختها، وأن يستام الرجل على سوم أخيه، ونهى عن النّجش والتّصرية، هذه روايات البخاري ومسلم.
إلا أنّ مسلمًا قال في هذه الأخيرة: نهى عن التّلقّي، وأن يبيع حاضرٌ لبادٍ.
وفي أخرى لهما وللموطأ قال: لا تلقّوا الرّكبان للبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضرٌ لبادٍ، ولا تصرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعًا من تمرٍ.
وأخرجها أبو داود، ولم يذكر في روايته: ولا تناجشوا، ولا يبع حاضرٌ لباد.
وفي رواية الترمذي قال: لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه. وله في أخرى: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ.
وأخرج النسائي الرواية الأولى من هذا الحديث، والرواية التي فيها: وأن يبتاع المهاجر للأعرابي.
وأخرج أيضًا الأولى مرةً أخرى، وزاد فيها: فإنما لها ما كتب لها.

[شرح الغريب]
تكفأ ما في إنائها: هو من كفأت القدر: إذا كببتها لتفرغ ما فيها، وهذا مثل لإقالة الضرة حق صاحبتها من زوجها إلى نفسها.
لا يسم على سوم أخيه: قد تقدم ذكر السوم [على السوم] في شرح قوله: لا يبع بعضكم على بيع بعض.

361 - (م) عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتى يذر» أخرجه مسلم.
362 - (ت) عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تستقبلوا السّوق، ولا تجفلوا، ولا ينفّق بعضكم لبعض» أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
ينفق بعضكم لبعض: هو كالنجش، فإن الناجش بزيادته في السلعة. يرغب السامع فيها، فيكون قوله سببًا لابتياعها، ومنفّقًا لها.

363 - (ت د س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحلّ سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك». أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي.
[شرح الغريب]
سلف وبيع: السلف والبيع: هو أن يقول: أبيعك هذا البعير مثلاً بخمسين دينارًا على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك.
ربح ما لم يضمن: هو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضها. فهي في ضمان البائع الأول، وليس من ضمانه.
شرطان في بيع: الشرطان في بيع: هو بمنزلة بيعتين في بيعة، كقولك. بعتك هذا الثوب نقدًا بدينار، ونسيئة بدينارين.
قال الخطابي: لا فرق بين شرط واحد أو شرطين أو ثلاثة في عقد البيع عند أكثر الفقهاء، وفرق بينهما أحمد. عملاً بظاهر الحديث.

364 - (م س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الصّبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمّى من التمر». أخرجه مسلم والنسائي. وللنسائي: لا تباع الصبرة من الطعام بالصّبرة من الطعام، ولا الصّبرة من الطعام بالكيل المسمّى من الطّعام.
الفصل الثامن: في التفريق بين الأقارب في البيع
365 - (ت) أبو أيوب الأنصاري - خالد بن زيد - - - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من فرّق بين والدة، وولدها فرّق الله بينه وبين أحبّته يوم القيامة». أخرجه الترمذي.

366 - (د) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنّه فرّق بين والدةٍ وولدها، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، وردّ البيع، أخرجه أبو داود.
367 - (ت) وعنه - رضي الله عنه - قال: وهب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلامين أخوين، فبعت أحدهما، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما فعل غلاماك؟» فأخبرته، فقال: «ردّه، ردّه». أخرجه الترمذي.
الباب الرابع: في الربا
الفصل الأول: في ذمه وذم آكله وموكله
368 - (م ت د) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الرّبا وموكله».
قال مغيرة: قلت لإبراهيم: وشاهديه وكاتبه؟ فقال: إنّما نحدّث بما سمعنا. هذه رواية مسلم. وفي رواية الترمذي وأبي داود: «لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه».

[شرح الغريب]
الربا: في الأصل: الزيادة، وهو في الشريعة: الزيادة على أصل المال من غير بيع.

369 - (م) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - مثل رواية مسلم عن ابن مسعود، إلا أنه لم يذكر مغيرة وإبراهيم. أخرجه مسلم.
370 - (د س) أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتينّ على الناس زمانٌ، لا يبقى أحدٌ إلا أكل الربا، فمن لم يأكل أصابه من بخاره» - قال ابن عيسى: أصابه من غباره. أخرجه أبو داود والنسائي.
371 - (د) سليمان بن عمرو الأحوص الجشمي - رحمه الله -: عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجّة الوداع: «إنّ كلّ ربًا من ربا الجاهلية موضوعٌ {لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 279] ألا وإنّ كلّ دمٍ من دماء الجاهلية موضوعٌ، وأول دمٍ أضعه دم الحارث بن عبد المطلب - وكان مسترضعًا في بني ليث، فقتلته هذيل - اللهم قد بلغت؟» قالوا: نعم، ثلاث مرّاتٍ، قال: «اللهم اشهد، ثلاث مراتٍ». أخرجه أبو داود.
قال الخطابي: هكذا رواه أبو داود: دم الحارث بن عبد المطلب، وإنما هو: دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، في سائر الروايات.

الفصل الثاني: في أحكامه
الفرع الأول: في المكيل والموزون
372 - (خ م ط ت د س) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذّهب بالورق ربًا،، إلا هاء وهاء، والبرّ بالبرّ ربًا، إلا هاء وهاء، والشعير بالشّعير ربًا، إلا هاء وهاء، والتّمر بالتّمر ربًا، إلا هاء وهاء».
وفي رواية: «الورق بالورق ربًا، إلا هاء وهاء، والذّهب بالذهب ربًا، إلا هاء وهاء». هذا حديث البخاري ومسلم.
وفي رواية للبخاري و«الموطأ»، قال مالك بن أوس بن الحدثان النصريّ: إنه التمس صرفًا بمائة دينارٍ، قال: فدعاني طلحة بن عبيد الله، فتراوضنا حتى اصطرف منّي، وأخذ الذّهب يقلّبها في يده، ثم قال: حتى يأتيني خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع، فقال عمر: والله لا تفارقه حتى تأخذ منه. ثمّ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذّهب بالورق ربًا، إلا هاء وهاء» وذكر الحديث مثل الرواية الأولى، إلا أنه قدّم التّمر على الشّعير.
وفي رواية لمسلم والترمذي، قال مالك: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيد الله - وهو عند عمر بن الخطاب -: أرنا ذهبك، ثمّ ائتنا إذا جاء خادمنا، نعطك ورقك، فقال عمر: كلاّ والله، لتعطينّه ورقه، أو لتردّنّ إليه ذهبه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الورق بالذّهب ربًا، إلا هاء وهاء» وذكر مثل الأولى. وفي رواية أبي داود مثل الرواية الأولى. وأخرج النسائي الرواية الأولى.

[شرح الغريب]
هاء، وهاء: قد تقدم شرح هاء وهاء، في هذا الباب، فلا حاجة إلى إعادته.
فتراوضنا: المراوضة: المجاذبة، وما يجري بين المتبايعين من الزيادة والنقصان، وقيل: هو أن تواصف الرجل بالسلعة ليست عندك، وهو مكروه.
الغابة: الأجمة والغيضة، وهي هاهنا: موضع مخصوص بالمدينة، كان لهم فيه أملاك.

373 - (خ م ط ت س) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كنّا نرزق تمر الجمع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الخلط من التّمر، فكنّا نبيع صاعين بصاعٍ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لا صاعين تمرًا بصاع، ولا صاعين حنطةً بصاع، ولا درهمًا بدرهمين».
وفي رواية قال: جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمرٍ برنيٍّ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أين هذا؟ فقال بلال: كان عندنا تمر رديءٌ، فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: «أوّه، عين الرّبا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر بيعًا آخر، ثم اشتر به». هذه رواية البخاري ومسلم.
ولمسلم عن أبي نضرة قال: سألت ابن عمر وابن عباسٍ عن الصّرف؟ فلم يريا به بأسًا، فإني لقاعدٌ عند أبي سعيد الخدري، فسألته عن الصرف؟ فقال: ما زاد فهو ربًا، فأنكرت ذلك لقولهما، فقال: لا أحدّثك إلا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءه صاحب نخلةٍ بصاع من تمرٍ طيّبٍ، وكان تمر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا اللّون، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنّى لك هذا؟» قال: انطلقت بصاعين فاشتريت به هذا الصاع، فإنّ سعر هذا في السوق كذا، وسعر هذا كذا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ويلك، أربيت، إذا أردت ذلك: فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أيّ تمرٍ شئت»، قال أبو سعيد: فالتّمر بالتّمر. أحقّ أن يكون ربًا، أم الفضّة بالفضّة؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد، فنهاني، ولم آت ابن عبّاسٍ، قال: فحدّثني أبو الصّهباء: أنّه سأل ابن عباسٍ عنه بمكّة، فكرهه.
ولمسلم من رواية أخرى عن أبي نضرة قال: سألت ابن عباس عن الصرف، فقال: أيدًا بيد؟ فقلت: نعم، قال: لا بأس، فأخبرت أبا سعيد فقلت: إني سألت ابن عباس عن الصرف؟ فقال: أيدًا بيد؟ قلت: نعم، قال: فلا بأس به، قال: أو قال ذلك؟ إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه، قال: فوالله لقد جاء بعض فتيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر فأنكره، قال: كأنه هذا ليس من تمر أرضنا»، أو في تمرنا، العام بعض الشيء، فأخذت هذا وزدت بعض الزيادة، فقال: «أضعفت، أربيت، لا تقربنّ هذا، إذا رابك من تمرك شيءٌ فبعه، ثم اشتر الذي تريد من التمر».
وفي رواية للبخاري ومسلم عن أبي سعيد موقوفًا: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم. زاد في أخرى: مثلاً بمثل، من زاد أو ازداد فقد أربى.
قال راويه: فقلت له: فإن ابن عباس لا يقوله، فقال أبو سعيد: سألته: فقلت: سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو وجدته في كتاب الله؟ قال: كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني، ولكن أخبرني أسامة بن زيد: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ربا إلا في النّسيئة».
وفي أخرى لمسلم: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبيعوا الذّهب بالذّهب، ولا الورق بالورق، إلا وزنًا بوزنٍ، مثلاً بمثل، سواءً بسواءٍ».
وفي أخرى له وللبخاري والموطأ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجزٍ». زاد في رواية للبخاري: إلا يدًا بيدٍ.
وفي أخرى للبخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه لقي أبا سعيد، فقال: يا أبا سعيد، ما هذا الذي تحدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبو سعيد: في الصرف، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الذهب بالذهب مثلاً بمثل، والورق بالورق مثلاً بمثل».
وفي أخرى لمسلم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبرّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء».
وفي رواية الترمذي: قال نافع: انطلقت أنا وابن عمر إلى أبي سعيد، فحدّثنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - سمعته أذناي هاتان يقول -: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل، والفضة بالفضة، إلا مثلاً بمثل، لا تشفّوا بعضه على بعض، ولا تبيعوا منه غائبًا بناجز».
وأخرج النسائي الرواية الأولى والثانية، وأخرج رواية مسلم المفردة والتي بعدها، وله روايات أخرى نحو ذلك. وأخرج قول أبي سعيد لابن عباس.

[شرح الغريب]
أوّه: كلمة يقولها الرجل عند الشكاية، وإنما هو من التوجع، إلا أنها ساكنة الواو، وربما قلبوا الواو ألفًا، فقالوا: آه من كذا، وربما شددوا الواو وكسروها وسكّنوا الهاء، فقالوا: أوّه من كذا، وربما حذفوا مع التشديد الهاء، فقالوا: أوٍّ من كذا، بلا مدٍّ، وبعضهم يقول: أوه بفتح الواو، وتشديدها وسكون الهاء.
ولا تشفّوا: أي: لا تزيدوا ولا تفضّلوا أحدهما على الآخر.
بناجز: الناجز: المعجل الحاضر.

374 - (خ م ط س) أبو سعيد وأبو هريرة - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل على خيبر، فجاءهم بتمر جنيبٍ، فقال: «أكلّ تمر خيبر هكذا؟» قال: إنا لنأخذ الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاث، قال: «لا تفعل: بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا»، وقال في الميزان مثل ذلك.
هذه رواية البخاري ومسلم و«الموطأ» والنسائي.

[شرح الغريب]
تمر جنيب: بفتح الجيم، وكسر النون آخره باء معجمة بنقطة واحدة: نوع من جيد تمر.
الجمع: تمر مختلط من أنواع متفرقة من التّمور، وليس مرغوباً فيه؛ لما فيه من الاختلاط، وما يخلط إلا لرداءته، فإنه متى كان نوعًا جيدًا أفرد على حدته، ليرغب فيه، وقال الهروي: كل لون من النخل لا يعرف اسمه، فهو جمع، يقال: كثر الجمع في أرض بني فلان.

375 - (ط) عطاء بن يسار - رحمه الله - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «التمر بالتمر مثلاً بمثل» فقيل له: إنّ عاملك على خيبر يأخذ الصاع بالصاعين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ادعوه لي»، فدعي له، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتأخذ الصاع بالصاعين؟» فقال: يا رسول الله، لا يبيعونني الجنيب بالجمع صاعًا بصاع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا».أخرجه «الموطأ».
376 - (س) أبو صالح - رحمه الله - أنّ رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله: إنا لا نجد الصّيحانيّ ولا العذق بجمع التمر، حتى نزيدهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بعه بالورق، ثم اشتر بذلك». أخرجه النسائي.
377 - (م ط س) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالذهب وزنًا بوزنٍ، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزنًا بوزن، مثلاً بمثل، فمن زاد أو استزاد فهو ربًا». وفي رواية قال: «الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بيهما».
وفي أخرى قال: «التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانه». أخرجه مسلم. وفي رواية «الموطأ» قال: «الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما». وأخرج النسائي الرواية الأولى. ورواية «الموطأ».

378 - (م ت د س) عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبرّ بالبرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواءا بسواءٍ، يدًا بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم - إذا كان يدًا بيد».
وفي رواية أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقةٍ فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، فقالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس، فقلت له: حدّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. فقال: نعم، غزونا غزاةً، وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غنمنا آنيةٌ من فضّة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناس في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواءا بسواء، عينًا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، فردّ الناس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا، فقال: ألا ما بال رجالٍ يتحدّثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث، قد كنّا نشهده ونصحبه، فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة، وقال: لنحدّثنّ بما سمعنامن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كره معاوية، أو قال: وإن رغم، وما أبالي ألا أصحبه في جنده ليلةً سوداء. هذه رواية مسلم.
وفي رواية الترمذي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة مثلاً بمثل، والتمر بالتمر مثلاً بمثل، والبر بالبر مثلاً بمثل، والملح بالملح مثلاً بمثل، والشعير بالشعير مثلاً بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد، وبيعوا البرّ بالتمر كيف شئتم يدًا بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدًا بيد».
وفي رواية أبي داود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدّين يمدين، والشعير بالشعير مدّين بمدين، والتمر بالتمر مدّين بمدين، والملح بالملح مدين بمدين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى». وأخرج النسائي نحو روايات مسلم وأبي داود.

[شرح الغريب]
تبرها: التبر: الذهب قبل أن يضرب.
وعينها: العين: الذهب مضروبًا.

379 - (خ م س) أبو المنهال - رحمه الله -: قال: سألت زيد بن أرقم، والبراء بن عازب عن الصّرف، فكل واحد منهما يقول: هذا خير منّي، وكلاهما يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالورق دينًا.
وفي رواية قال أبو المنهال: باع شريك لي ورقًا بنسيئةٍ إلى الموسم أو إلى الحج، فجاء إليّ، فأخبرني، فقلت: هذا أمرٌ لا يصلح، قال: قد بعته في السوق، فلم ينكر ذلك عليّ أحدٌ، قال: فائت البراء بن عازب، فأيتته، فسألته، فقال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نبيع هذا البيع، فقال: «ما كان يدًا بيدٍ فلا بأس به، وما كان نسيئةً فهو ربًا، وائت زيد بن أرقم، فإنه أعظم تجارةً مني، فأتيته فسألته، فقال مثل ذلك». هذه رواية البخاري ومسلم.
وللبخاري عن سليمان بن أبي مسلم قال: سألت أبا المنهال عن الصرف يدًا بيد، فقال: اشتريت أنا وشريكٌ لي شيئًا يدًا بيد، ونسيئةً، فجاءنا البراء بن عازب، فسألناه، فقال: فعلته أنا وشريكي زيد بن أرقم، فسألنا النّبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: «أمّا ما كان يدًا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فردّوه».
وأخرج النسائي الرواية الثانية.
وفي أخرى: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم، فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصرف؟ فقال: «إن كان يدًا بيدٍ فلا بأس، وإن كان نسيئًة فلا يصلح».

380 - (م ت د س) فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها خرزٌ وذهبٌ، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالذهب وزنًا بوزنٍ».
وفي رواية قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا، فيها ذهب وخرزٌ، ففصّلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال: «لا تباع حتى تفصّل».
وفي أخرى قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر نبايع اليهود الوقيّة الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنًا بوزن».
وفي أخرى قال حنشٌ الصّنعانيّ: كنا مع فضالة في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادةٌ، فيها ذهبٌ وورق وجوهر، فأردت أن أشتريها، فسألت فضالة بن عبيد، فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفّة واجعل ذهبك في كفّةٍ، ثم لا تأخذنّ إلا مثلاً بمثل، فإنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلاً بمثل» هذه روايات مسلم.
وأخرج الترمذي الرواية الثانية. وأبو داود الرواية الثانية والثالثة، ولأبي داود أيضًا قال: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخززٌ، ابتاعها رجلٌ بتسعة دنانير، أو بسبعة دنانير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا، حتى تميّز بينه وبينه»، فقال: إنما أردت الحجارة - وفي رواية: التجارة - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا، حتى تميّز بينهما»، قال: فردّه، حتى ميّز بينهما. وأخرج النسائي الرواية الثانية.
وفي أخرى قال: أصبت يوم خيبر قلادةً فيها ذهبٌ وخرزٌ، فأردت أن أبيعها، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «افصل بعضها من بعضٍ، ثمّ بعها».

[شرح الغريب]
فطارت: يقال: اقترعنا فطار لي كذا، أي: حصل لي سهمي كذا، والطائر: الحظّ والنصيب المشهور.

381 - (خ م س) أبو بكرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا سواءا بسواء، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل، فقال: «يدًا بيد؟» فقال: هكذا سمعت. وأخرجه البخاري ومسلم. وأخرج النسائي إلى قوله: «كيف شئنا».
382 - (م ط) عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال - وفي رواية: قال لي -: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين». أخرجه مسلم و«الموطأ».
383 - (ط) يحيى بن سعيد - رحمه الله -: قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السّعدين يوم خيبر أن يبيعا آنية من المغنم من ذهب أو فضة، فباعا كلّ ثلاثةٍ بأربعة عينًا، أو كلّ أربعةٍ بثلاثة عينًا، فقال لهما: «أربيتما فردّا».أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
السعدين: إذا قيل: السعدان، إنما يراد بهما: سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري، وسعد بن عبادة الخزجي الأنصاري، وسعد بن معاذ كان قد مات قبل غزوة خيبر، وهذا الحديث مذكور أنه كان في خيبر، ولعله سعد آخر، غير ابن معاذ، على أنه قد قيل: إنه سعد بن أبي وقاص.

384 - (ط س) مجاهد بن جبر - رحمه الله - قال: كنت مع ابن عمر فجاءه صائغٌ، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ الذهب، فأبيعه بالذهب بأكثر من وزنه، فأستفضل قدر عمل يدي [في صنعته] فنهاه عن ذلك، فجعل الصائغ يردّد عليه المسألة، وابن عمر ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد، أو إلى دابته، يريد أن يركبها، فقال له - آخر ما قال- الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبيّنا إلينا وعهدنا إليكم. أخرجه «الموطأ»، وأخرج النسائي المسند منه فقط، وجعله من مسند عمر.
385 - (ط س) عطاء بن يسار - رحمه الله - قال: إنّ معاوية بن أبي سفيان باع سقايةً من ذهب، أو ورقٍ، بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا، إلا مثلاً بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسًا، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرضٍ أنت فيها، ثم قدم أبو الدرداء على عمربن الخطاب، فذكر له ذلك، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية: أن لا تيع ذلك إلا مثلاً بمثلٍ، وزنًا بوزنٍ. أخرجه «الموطأ». وأخرج النسائي منه إلى قوله: مثلاً بمثل.
[شرح الغريب]
سقاية: السقاية: إناء يشرب فيه.
يعذرني: يقال: من يعذرني من فلان، أي: من يقوم بعذري إن كافأته على صنيعه.

386 - (ط) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق، إلا مثلاً بمثل، ولا تشفّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالذهب، أحدهما غائبٌ والآخر ناجز، وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره، إني أخاف عليكم الرّماء. والرّماء: هو الرّبا.
وفي رواية عن القاسم بن محمد قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، والصاع بالصاع، ولا يباع كالئٌ بناجزٍ. أخرجه «الموطأ».

[شرح الغريب]
استنظر: الاستنظار: استفعال من الإنظار: التأخير.
الرّماء: الربا: وهو الزيادة على ما يحل لك.
كاليء: الكالىء بالهمز: النسيئة.

387 - (خ م س) أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الربا في النسيئة». وفي رواية: «إنما الربا في النسيئة». وفي أخرى قال: «لا ربا فيما كان يدًا بيدٍ».
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.

388 - (ت د س) ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، فآخذ مكانها الورق، وأبيع الورق، فآخذ مكانها الدنانير، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجدته خارجًا من بيت حفصة، فسألته عن ذلك؟ فقال: «لا بأس به بالقيمة». هذه رواية الترمذي، وقال الترمذي: وقد روي موقوفًا على ابن عمر.
وفي رواية أبي داود قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء». وفي أخرى له بمعناه، والأول أتم، ولم يذكر «بسعر يومها».
وأخرج النسائي نحوًا من هذه الروايات.وله في أخرى: أنه كان لا يرى بأسًا في قبض الدراهم من الدنانير، والدنانير من الدراهم.

389 - (م) معمر بن عبد الله بن نافع - رضي الله عنه - أرسل غلامه بصاع قمحٍ، فقال: بعه، ثم اشتر به شعيرًا، فذهب الغلام، فأخذ صاعًا وزيادة بعض صاعٍ، فلما جاء معمرًا أخبره بذلك، فقال له معمرٌ: لم فعلت ذلك؟ انطلق فردّه، ولا تأخذنّ إلا مثلاً بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الطعام بالطعام مثلاً بمثل» وكان طعامنا يومئذ الشعير، قيل له: فإنه ليس بمثله، قال: إني أخاف أن يضارع. أخرجه مسلم.
[شرح الغريب]
قمح: القمح: الحنطة.
المضارعة: المشابهة، يعني أخاف أن يشبه الربا.

390 - (ط) مالك - رحمه الله - بلغه أنّ سليمان بن يسار قال: «فني علف حمار سعد بن أبي وقّاصٍ» فقال لغلامه: «خذ من حنطة أهلك فابتع به شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثله». أخرجه«الموطأ».
391 - (ط) سليمان بن يسار - رحمه الله: أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فني علف دابته، فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك طعامًا، فابتع به شعيرًا، ولا تأخذ إلا مثله.
أخرجه «الموطأ». قال مالك: وبلغني عن القاسم بن محمد عن ابن معيقيبٍ مثله.

392 - (ط ت د س) أبو عياش - رضي الله عنه - - واسمه زيد - أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسّلت، فقال له سعدٌ: أيّتهما أفضل؟ قال: البيضاء، فنهاه عن ذلك، وقال سعد: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن اشتراء التمر بالرّطب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أينقص الرّطب إذا يبس؟» قالوا: نعم ! فنهاه عن ذلك. أخرجه «الموطأ» والترمذي وأبو داود والنسائي.
وفي أخرى لأبي داود: أنه سمع سعد بن أبي وقاصٍ يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر نسيئةً.
وفي أخرى له عن مولى لبني مخزوم عن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.

[شرح الغريب]
البيضاء: الحنطة.
بالسلت: السلت: ضرب من الشعير، رقيق القشر، صغار الحب.
أينقص؟: قال الخطابي: هذا لفظه - لفظ الاستفهام- ومعناه: التقرير والتنبيه بكنه الحكم وعلته، ليكون معتبرًا في نظائره، وإلا فلا يجوز أن يخفى مثل هذا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونحوٌ من هذا قوله تعالى: {أليس الله بكافٍ عبده؟} وأمثاله في القرآن كثير، وكقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا؟

الفرع الثاني: في الحيوان
393 - (م ت د س) جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما -: جاء عبدٌ فبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة، ولم يشعر أنه عبدٌ، فجاء سيّده يريده، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بعنيه»، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد، حتى يسأل: «أعبدٌ هو؟». أخرجه مسلم والترمذي والنسائي.
واختصره أبو داود فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى عبدًا بعبدين.

394 - (د) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أمره أن يجهّز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
قلائص: جمع قلوص، وهي الناقة.

395 - (ط) علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: باع جملاً له يدعى عصيفيرًا بعشرين بعيرًا إلى أجل. أخرجه الموطأ.
396 - (خ ط) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: اشترى راحلة بأربعة أبعرةٍ مضمونةٍ عليه، يوفيها صاحبها بالرّبذة. أخرجه «الموطأ»، وأخرجه البخاري في ترجمة بابٍ.
[شرح الغريب]
راحلة: اسم للجمل والناقة، إذا كانا قويين على الأحمال والأسفار.

397 - (ت) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يصلح الحيوان اثنان بواحدٍ نسيئةً، ولا بأس به يدًا بيد».
أخرجه الترمذي.

398 - (ت د س) سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة». أخرجه الترمذي وأبو داود، والنسائي.
399 - (ط) ابن شهاب - رحمه الله -: أنّ سعيد بن المسيب كان يقول: لا ربا في الحيوان، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى في بيع الحيوان عن ثلاثٍ: المضامين، والملاقيح، وحبل الحبلة، فالمضامين: ما في بطون إناث الإبل، والملاقيح: ما في ظهور الجمال، وحبل الحبلة: هو بيع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتة التي في بطنها. أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
الجزور: قد ذكر معناه في الباب.
المضامين: جمع مضمون، وهو ما في صلب الفحل، يقال: ضمن الشيء بمعنى تضمنه، ومنه قولهم: مضمون الكتاب كذا وكذا.
الملاقيح: جمع ملقوحٍ، وهو ما في بطن الناقة، يقال: لقحت الناقة: إذا حملت، وولدها ملقوح به، إلا أنهم استعملوه بحذف الجارّ، هذا تأويل أرباب اللغة والغريب، والفقهاء.
ووجدت في كتاب الموطأ في نسختين ظاهرتي الصحة، وهما اللتان قرأتهما: قد جاء في متن الحديث تفسير لمالك، فجعل المضامين: ما في بطون الإناث، والملاقيح: ما في ظهور الذكور.
وحبل الحبلة: قد ذكر معناه فيما تقدم من الباب.

400 - (خ) رافع بن خديج - رضي الله عنه -: اشترى بعيرًا ببعيرين، فأعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غدًا رهوًا إن شاء الله. ذكره البخاري تعليقًا.
[شرح الغريب]
رهوًا: أي: آتيك به سهلاً عفوًا، لا احتباس فيه، وهو من السير السهل المستقيم.

الفرع الثالث: في أحاديث متفرقة
401 - (ط) مالك - رضي الله عنه - قال: بلغني أنّ رجلاً أتى ابن عمر - رضي الله عنه - فقال: إني أسلفت رجلاً سلفًا، واشترطت عليه أفضل مما أسلفته، فقال عبد الله ابن عمر: فذلك الربا، قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟ فقال عبد الله بن عمر: السلف على ثلاثة وجوهٍ: سلفٌ تسلفه تريد به وجه الله، فلك وجه الله تعالى، وسلفٌ تسلفه تريد به وجه صاحبك، فلك وجه صاحبك، وسلفٌ تسلفه لتأخذ خبيثًا بطيّب، فذلك الربا، قال: فكيف تأمرني يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أرى أن تشقّ الصّحيفة، فإن أعطاك مثل الذي أسلفته قبلته، وإن أعطاك دون الذي أسلفته فأخذته أجرت، وإن أعطاك أفضل مما أسلفته طيّبةً به نفسه، فذلك شكرٌ شكره لك، ولك أجر ما أنظرته. أخرجه «الموطأ».

[شرح الغريب]
خبيثًا: الخبيث: الحرام، والطيب: الحلال، وأراد به هاهنا: الربا أو تركه.
أنظرته: الإنظار: التأخير، قد ذكر معناه فيما تقدم من الباب.

402 - (ط) مجاهد بن جبر - رحمه الله - أنّ ابن عمر - رضي الله عنهما - استلف دراهم، فقضى صاحبها خيرًا منها، فأبى أن يأخذها، فقال: هذه خيرٌ من دراهمي، فقال ابن عمر: قد علمت، ولكن نفسي بذلك طيّبة. أخرجه «الموطأ».
403 - (ط) سالم: أنّ ابن عمر - رضي الله عنهما - «سئل عن الرجل يكون له على الرجل الدّين إلى أجلٍ، فيضع عنه صاحب الحق ليعجّل الدّين الذي هو عليه، فكره ذلك ابن عمر، ونهى عنه». أخرجه «الموطأ».
404 - (ط) عبيد أبي صالح مولى السفاح -: قال: بعت بزًّا لي من أهل دار نخلة إلى أجلٍ، فأردت الخروج إلى الكوفة، فعرضوا عليّ أن أضع عنهم بعض الثمن وينقدوني، فسألت زيد بن ثابت؟ فقال: لا آمرك أن تأكل هذا ولا توكله. أخرجه «الموطأ».
405 - (أم يونس) قالت: جاءت أمّ ولد زيبد بن أرقم إلى عائشة، فقالت: بعت جاريةً من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريتها منه قبل حلول الأجل بستمائة، وكنت شرطت عليه: أنك إن بعتها فأنا أشتريها منك. فقالت لها عائشة: بئسما شريت، وبئسما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن لم يتب منه، قالت: فما يصنع؟ قالت: فتلت عائشة: {فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف، وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 275] فلم ينكر أحدٌ على عائشة، والصحابة متوفّرون. ذكره رزين ولم أجده في الأصول.
[شرح الغريب]
العطاء: هو ما كان يعطيه الأمراء للناس من قرارتهم وديوانهم الذي يقررونه لهم في بيت المال، كان يصل إليهم في أوقات معلومة من السنة.

406 - (زيد بن أسلم) قال: كان الربا الذي آذن الله فيه بالحرب لمن لم يتركه، كان عند أهل الجاهلية على وجهين - كان يكون للرجل على الرجل حقٌّ إلى أجلٍ، فإذا حل الحق، قال صاحب الحق: أتقضي أم تربي؟ فإذا قضاه أخذ منه، وإلا طواه إن كان مما يكال أو يوزن، أو يذرع أويعدّ، وإن كان نسيئًا رفعه إلى الذي فوقه، وأخّر عنه إلى أجل أبعد منه. فلما جاء الإسلام أنزل الله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا، إن كنتم مؤمنين} إلى قوله - {وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وإن كان ذو عسرةٍ} - يعني الذي عليه رأس المال - {فنظرةٌ إلى ميسرةٍ، وأن تصدّقوا} - يعني برأس المال - {خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 278: 280] ذكره رزين ولم أجده في الأصول.
[شرح الغريب]
آذن: أعلم، والإيذان: الإعلام بالشيء.
طواه: جعله طبقات فوق بعضه.
الباب الخامس: من كتاب البيع، في الخيار
407 - (خ م ط د س ت) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرّقا، أو يكون البيع خيارًا».
قال نافع: فكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه.
وفي رواية قال: البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر: اختر، وربما قال: أو يكون بيع خيار.
وفي أخرى قال: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار.
وفي أخرى قال: إذا تبايع الرجلان فكلّ واحدٍ منهما بالخيار، ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا، أو يخيّر أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع، فقد وجب البيع، هذه روايات البخاري ومسلم.
ولمسلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلّ بيّعين لا بيع بينهما حتى يتفرّقا، إلا بيع الخيار».
وللبخاري: قال ابن عمر: بعت من أمير المؤمنين عثمان مالاً بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي، حتى خرجت من بيته، خشية أن يرادّني البيع، وكانت السّنّة: أنّ المتبايعين بالخيار، حتى يتفرّقا، فلما وجب بيعي وبيعه، رأيت أنّي قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليالٍ، وساقني إلى المدينة بثلاث ليالٍ.
ولمسلم قال: إذا تبايع المتبايعان فكلّ واحدٍ منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار فإذا كان بيعهما عن خيارٍ فقد وجب، زاد في أخرى: قال نافع: فكان ابن عمر إذا بايع رجلاً، فأراد ألا يقيله، قام فمشى هنيهةً، ثم رجع. وأخرج «الموطأ» الرواية الثالثة.
وأخرج الترمذي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا - أو قال: حتى يتفرقا - أو يختارا».
قال نافعٌ: وكان ابن عمر إذا ابتاع بيعًا، وهو قاعدٌ، قام ليجب له وأخرج أبو داود الرواية الثانية والثالثة.
وأخرج النسائي الرواية الأولى، والثانية، ولم يذكر قول نافع.
والرابعة والخامسة والسابعة، ولم يذكر قول نافع أيضًا.

408 - (خ م ت د س) حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدّقا وبيّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا، محقت بركة بيعهما». أخرجه الجماعة إلا «الموطأ».
وقال أبو داود: رواه همّامٌ، فقال: «حتى يتفرقا، قال: أو يختار ثلاث مرارٍ».

409 - (د ت س) عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقّا، إلا أن تكون صفقة خيارٍ، ولا يحلّ أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله». أخرجه الترمذي وأبوداود والنسائي.
[شرح الغريب]
صفقة: أصل الصفق: ضرب اليد على اليد في البيع، ثم جعل عبارة عن العقد.
ما لم يتفرقا: قال الأزهري في قوله: «ما لم يتفرقا، وما لم يفترقا»، سئل أحمد بن يحيى - المعروف بثعلب - عن الفرق بين التّفرّق والافتراق؟ فقال: أخبرني ابن الأعرابي عن المفضّل قال: يقال: فرقت بين الكلامين مخففًا فافترقا، وفرّقت بين اثنين مشدّدًا فتفرّقا، فجعل الافتراق في القول، والتفرّق بالأبدان.
وقال الخطابي: اختلف الناس في التفرق الذي يصح بوجوده البيع، فقالت طائفة: هو التفرق بالأبدان، وإليه ذهب معظم الأئمة والفقهاء من الصحابة والتابعين والعلماء، وبه قال الشافعي، وأحمد، وقال أصحاب الرأي ومالك: إذا تعاقدا صح البيع.
قال الخطابي: وظاهر الحديث يشهد للقول الأول، فإن راوي الحديث عبدالله بن عمر، وفي الحديث أن ابن عمر كان إذا بايع رجلاً فأراد أن يتم البيع، مشى خطوات حتى يفارقه، قال: ولو كان تأويل الحديث على القول الثاني، لخلا الحديث من الفائدة، وسقط معناه؛ لأن العلم محيط أن المشتري ما لم يوجد منه قبول البيع، فهو بالخيار، وكذلك البائع خياره ثابت في ملكه قبل أن يعقد البيع، وهذا من العلم العام الذي قد استقر بيانه، والخبر الخاص إنما يروى في الحكم الخاص، والمتبايعان هما المتعاقدان، والبيع من الأسماء المشتقة من أسماء الفاعلين، ولا يقع حقيقة إلا بعد حصول الفعل منهم.

410 - (ت د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا». هذه رواية الترمذي.
ورواية أبي داود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفترقنّ اثنان إلا عن تراضٍ».

411 - (ت) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيّر أعرابيًّا بعد البيع. أخرجه الترمذي.
412 - (ط ت) عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اختلف البيّعان، فالقول قول البائع، والمبتاع بالخيار».هذه رواية الترمذي.
وأخرجه «الموطأ»، قال مالك: بلغه أنّ ابن مسعود كاد يحدّث أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيّما بيّعين تبايعا، فالقول ما قال البائع، أو يترادّان».

413 - (د) أبو الوضيء [عباد بن نسيب] - رحمه الله - قال: غزونا غزوةً لنا، فنزلنا منزلاً، فباع صاحبٌ لنا فرسًا بغلام، ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما، فلما أصبحنا من الغد حضر الرحيل، فقام إلى فرسه يسرجه، فندم، فأتى الرجل وأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه، فقال: بيني وبينك أبو برزة، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر، فقالا له هذه القصة، قال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا».
قال هشام بن حسّان: حدّث جميل بن مرّة أنه قال: ما أراكما افترقتما. أخرجه أبو داود.

414 - (س) سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيّعان بالخيار حتى يتفرّقا، ويأخذ كلّ واحد منهما من البيع ما هوي، ويتخايران ثلاث مرّاتٍ». وفي أخرى: «ما رضي صاحبه أو هوي».أخرجه النسائي.
الباب السادس: في الشفعة
415 - (خ م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشّفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فلا شفعة». هذه رواية البخاري والترمذي وأبو داود.
وأخرجه مسلم، وهذا لفظه، قال: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشّفعة في كل شركةٍ لم تقسم، ربعةٍ أو حائطٍ، لا يحلّ له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، وإذا باع ولم يؤذنه فهو حقّ به».
وفي أخرى له قال: «الشفعة في كل شركٍ من أرضٍ، أو ربعٍ أو حائطٍ، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فيأخذ أو يدع، فإن أبى فشريكه أحق به، حتى يؤذنه».
وافقه أبو داود أيضًا على روايته الأولى.
وأخرجه الترمذي أيضًا قال: «من كان له شريكٌ في حائط، فلا يبيع نصيبه من ذلك حتى يعرضه على شريكه».
وفي أخرى للترمذي وأبي داود: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجار أحّقّ بشفعة جاره، ينتظر بها، وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا».
وفي أخرى للترمذي قال: «جار الدار أحق بالدار». وأخرج النسائي روايتي مسلم.
وله في أخرى: «أيّكم كانت له أرضٌ، أو نخلٌ، فلا يبعها حتى يعرضها على شريكه».
وله في أخرى: «قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة والجوار».
رأيت الحميديّ - رحمه الله - قد جعل هذا الحديث في كتابه «الجمع بين الصحيحين». من أفراد البخاري، وأفراد مسلم، ولم يذكره في المتفق عليه، وما أعلم السبب في ذلك، لعله قد عرف فيه ما لم نعرفه.

[شرح الغريب]
الشّفعة: عند الشافعي - رحمه الله -: لا تثبت إلا في الشركة، وعند أبي حنيفة - رحمه الله - تثبت للشريك والجار، وأصل الشفعة: هو الزيادة، وهو أن يشفعك فيما يشتري حتى تضمه إلى ما عندك، فتزيده عليه، أي: كان واحدًا، فضممت إليه ما زاد وجعلته به شفعًا.
ربعة: الرّبع والربعة: المنزل.

416 - (ت د) أنس بن مالك وسمرة بن جندب - رضي الله عنهما - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «جار الدّار أحقّ بالدار» أخرجه الترمذي، وفي رواية أبي داود عن سمرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «جار الدار أحقّ بدار الجار والأرض».
417 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قسمت الأرض وحدّدت، فلا شفعة فيها» أخرجه أبو داود.
418 - (ت) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشريك شفيعٌ، والشّفعة في كل شيء». أخرجه الترمذي.
قال: وقد روي عن ابن أبي مليكة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. وهو أصح.

419 - (خ د س) عمرو بن الشريد: قال: وقفت على سعد بن أبي وقّاص، فجاء المسور بن مخرمة، فوضع يده على إحدى منكبيّ، إذ جاء أبو رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا سعد، ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعدٌ: والله ما أبتاعها، فقال المسور: والله لتبتاعنّها، فقال سعدٌ: والله لا أزيد على أربعة آلاف منجّمةً، أو مقطّعةً. قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الجار أحق بصقبه» لما أعطيتها بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياه، ومنهم من قال: بيتًا، وفي رواية مختصرًا: «الجار أحقّ بصقبه». أخرجه البخاري.
وفي رواية أبي داود: سميع أبا رافع، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الجار أحق بصقبه». وأخرج النسائي المسند فقط.

[شرح الغريب]
منجمة: تنجيم الدين: هو أن يقرر عطاءه في أوقات معلومة.
الجار أحق بصقبه: الصقب: القرب والملاصقة، فإن حملته على الجوار، فهو مذهب أبي حنيفة، وإن حملته على الشركة، فهو مذهب الشافعي، والسقب بالسين: مثله.
والجار: يقع في اللغة على أشياء متعددة:
منها: الشريك، ومنها الملاصق.
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الشّفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة»، يدل على حصر الشفعة في الشركة؛ لأن الجار لا يقاسم، وإنما يقاسم الشريك.

420 - (س) الشريد - رضي الله عنه -: أنّ رجلاً قال: يا رسول الله، أرضي ليس لأحدٍ فيها شركةٌ، ولا قسمةٌ إلا الجوار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الجار أحقّ بسقبه». أخرجه النسائي.
421 - (ط) عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: «إذا وقعت الحدود في الأرض فلا شفعة فيها، ولا شفعة في بئرٍ، ولا فحل النّخل» أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
فحل النخل: وفحّاله: هو الذكر الذي يلقّحون منه الإناث، وقيل: لا يقال فيه: إلا فحّال النخل، وإنما لم تثبت فيه الشفعة؛ لأن القوم كانت تكون لهم نخيل في حائط، فيتوارثونها ويقتسمونها، ولهم فحل يلقحون منه نخيلهم، فإذا باع أحدهم نصيبه المقسوم من ذلك الحائط بحقوقه من الفحّال وغيره، فلا شفعة للشركاء في الفحال في حقه منه؛ لأنه لا ينقسم، ويجمع الفحل على فحولٍ، والفحّال على فحاحيل، وكذلك البئر تكون لجماعة يسقون منها نخيلهم، فإذا باع أحدهم سهمه من النخيل، فلا شفعة للشركاء في سهمه من البئر؛ لأنها لا تنقسم.

422 - (ط س) سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن - رحمهما الله - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قضى بالشفعة فيما لم يقسم بين الشركاء، فإذا وقعت الحدود بينهم؛ فلا شفعة فيه.
أخرجه «الموطأ»، وأخرجه النسائي عن أبي سلمة وحده.

الباب السابع: في السلم
423 - (خ م ت د س) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهم يسلفون في التمر العام والعامين، فقال لهم: «من أسلف في تمر، ففي كيلٍ معلومٍ، أو وزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلوم». وفي أخرى: «ووزن معلوم» هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية الترمذي مثله، إلا أنه لم يذكر «العام والعامين»، وقال: «ووزنٍ معلوم». وفي رواية أبي داود نحوه. وللبخاري في رواية نحوه، وقال: «السنتين والثلاث» وأخرجه النسائي وقال: «السنتين والثلاث».

[شرح الغريب]
السلم: والسلف واحد، يقال: سلم وأسلم بمعنى، إلا أن السلف يكون أيضًا قرضًا.

424 - (خ د س) محمد بن أبي المجالد - رحمه الله -: قال: اختلف عبد الله بن شدّاد بن الهاد، وأبو بردة في السّلف، فبعثوني إلى ابن أبي أوفى، فسألته، فقال: إنّا كنّا نسلف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر وعمر في الحنطة والشّعير، والزّبيب والتمر، وسألت ابن أبزى، فقال مثل ذلك.
وفي أخرى، فقال ابن أبي أوفى: إنّا كنا نسلف نبيط أهل الشّام في الحنطة والشعير والزبيب في كيلٍ معلوم، إلى أجل معلوم، قلت: إلى من كان أصله عنده؟ فقال: ما كنا نسألهم عن ذلك. قال: ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى، فسألته، فقال: «كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون على عهدرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نسألهم، ألهم حرثٌ، أم لا؟» هذه رواية البخاري.
وأخرج أبو داود الرواية الأولى، وزاد فيها: «إلى قومٍ ما هو عندهم».
وفي أخرى له قال: «غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان يأتينا أنباطٌ من أنباط الشام، فنسلفهم في البرّ والزبيب سعرًا معلومًا، وأجلاً معلومًا»، فقيل له: ممّن له ذلك؟ قال: «ما كنّ نسألهم».
وأخرج النسائي الأولى والثانية، وزاد في الأولى «إلى قومٍ ما عندهم».

[شرح الغريب]
نبيط: النبط والنبيط والأنباط: جيل من الناس معروفون.
حرث: الحرث: الزرع.

425 - (د) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سلّف في طعامٍ، أو في شيءٍ، فلا يصرفه إلى غيره قبل أن يقبضه»
أخرجه أبو داود.إلا أن هذا لفظه: «من أسلف في شيءٍ فلا يصرفه إلى غيره» والأولى ذكرها رزين.

426 - (خ) أبو البختري - رحمه الله -: قال: سألت ابن عمر عن السّلم في النخل، فقال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النّخل حتى يصلح، ونهى عن بيع الورق نساءاً بناجز. وسألت ابن عباس عن السلم في النخل، فقال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع النخل حتى يؤكل منه، أو يأكل منه حتى يوزن.
وفي رواية قال: سألت ابن عمر عن السلم في النخل، فقال: نهى عن بيع الثمر حتى يصلح، ونهى عن الذهب بالورق نساءا بناجزٍ، وسألت ابن عباس، فقال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -.... وذكر الحديث -
قال: قلت: ما يوزن؟ قال رجل عنده: حتى يحزر.

[شرح الغريب]
نسأ: نسأت الشيء نساءً: أخرته، وكذلك أنسأته، والنّسأة بالضم: التأخير، وكذلك النسيئة، والنساء في الدّين والعمر.

427 - (ط د) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: إنّ رجلاً أسلف في نخل، فلم يخرج في تلك السنة شيئًا، فاختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «بم تستحلّ ماله؟ اردد عليه ماله»، ثم قال: «لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه». هذه رواية أبي داود.
وأخرجه «الموطأ» موقوفاً عليه، قال: لا بأس أن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعرٍ معلوم، إلى أجلٍ مسمّى، ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه، أو تمرٍ لم يبد صلاحه، وأخرجه البخاري في ترجمة باب.

428 - (ط) ابن عمر - رضي الله عنه - كان يقول: من أسلف سلفًا فلا يشترط إلا قضاءه. أخرجه «الموطأ».
429 - (ط) مالك - رضي الله عنه - قال: «بلغني أنّ عمر سئل في رجلٍ أسلف طعامًا على أن يعطيه إيّاه في بلدٍ آخر، فكره ذلك عمر»، وقال: «فأين كراء الحمل؟» أخرجه «الموطأ».
430 - (ط) مالك - رضي الله عنه -: بلغه أن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - كان يقول: من أسلف سلفًا فلا يشترط أفضل منه، وإن كانت قبضةً من علف فهو ربًا. أخرجه «الموطأ».
الباب الثامن: في الاحتكار والتسعير
431 - (م ت د) ابن المسيب - رضي الله عنه -: أنّ معمر بن أبي معمرٍ وقيل: ابن عبد الله، أحد بني عديّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من احتكر طعامًا فهو خاطئ» قيل لسعيد: فإنك تحتكر، فقال: إنّ معمرًا - الذي كان يحدّث بهذا الحديث - كان يحتكر. أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود.

[شرح الغريب]
الاحتكار: حبس الطعام طلب غلائه، والاسم منه الحكرة.
خطئ الخاطئ: المذنب، يقال: خطئ يخطأ فهو خاطئ: إذا أذنب، وأخطأ يخطئ فهو مخطئ: إذا فعل ضد الصواب، وقيل: المخطئ: من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ: من تعمد لما لا ينبغي.

432 - (ط) مالك - رحمه الله -: بلغه أن عمر كان يقول: لا حكرة في سوقنا، لا يعمد رجالٌ بأيديهم فضولٌ من أذهاب إلى رزقٍ من أرزاق الله ينزل بساحتنا، فيحتكرونه علينا، ولكن أيّما جالبٍ جلب على عمود كبده في الشتاء والصيف فذلك ضيف عمر، فليبع كيف شاء الله، وليمسك كيف شاء الله. أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
عمود كبده: أراد بعمود كبده: ظهره، وذلك أنه يأتي به على تعبٍ ومشقةٍ، وإن لم يكن جاء به على ظهره، وإنما هو مثل، وإنما سمي الظهر عمودًا؛ لأنه يعمدها، أي: يقيمها ويحفظها.

433 - (ط) مالك - رحمه الله -: بلغه أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان ينهى عن الحكرة. أخرجه «الموطأ».
434 - (ط) ابن المسيب - رضي الله عنه -: أنّ عمر بن الخطاب مرّ بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر: إمّا أن تزيد في السّعر وإما أن ترفع من سوقنا. أخرجه «الموطأ».
435 - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رجلاً جاء، فقال: يا رسول الله، سعّر لنا، فقال: «بل أدعو»، ثم جاءه آخر، فقال: يا رسول الله سعّر، فقال: «بل الله يخفض ويرفع، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحدٍ عندي مظلمةٌ». أخرجه أبو داود.
436 - (ت د) أنس - رضي الله عنه -: أنّ الناس قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله: غلا السّعر، فسعّر لنا، فقال: «إنّ الله هو المسعّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدٌ منكم يطالبني بمظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ». أخرجه الترمذي وأبو داود.
437 - عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من احتكر طعامًا أربعين يومًا يريد به الغلاء، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه». ذكره رزين ولم أجده.
438 - معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بئس العبد المحتكر، إن أرخص الله الأسعار حزن، وإن أغلاها فرح».
وفي رواية: «إن سمع برخصٍ ساءه، وإن سمع بغلاءٍ فرح». ذكره رزين ولم أجده.

439 - أبو أمامة - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أهل المدائن هم الحبساء في سبيل الله، فلا تحتكروا عليهم الأقوات، ولا تغلوا عليهم الأسعار، فإنّ من احتكر عليهم طعامًا أربعين يومًا، ثم تصدق به، لم يكن له كفارة» ذكره رزين ولم أجده.
440 - أبو هريرة ومعقل بن يسار - رضي الله عنهما -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يحشر الحاكرون وقتلة الأنفس في درجة، ومن دخل في شيء من سعر المسلمين يغليه عليهم، كان حقًا على الله أن يعذّبه في معظم النّار يوم القيامة» ذكره رزين ولم أجده.
441 - عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أنّ عمر - رضي الله عنه - قال: الجالب مرزوقٌ، والمحتكر محرومٌ، ومن احتكر على المسلمين طعامًا ضربه الله بالإفلاس، والجذام. ذكره رزين ولم أجده.
الباب التاسع: في الرد بالعيب
442 - (ت د س) عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن رجلاً ابتاع غلامًا، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبًا، فخاصمه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فردّه عليه. فقال الرجل: يا رسول الله، قد استغلّ غلامي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الخراج بالضّمان» هذه رواية أبي داود.
وله في أخرى مختصرًا وللترمذي: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قضى أنّ الخراج بالضمان.
وأخرجه النسائي أيضًا مختصرًا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى: أن الخراج بالضمان، ونهى عن ربح ما لم يضمن.

[شرح الغريب]
استغله: استغل: استفعل من الغلة: أي أخذ حاصله ومنفعته ومعيشته.
الخراج بالضمان: الخراج: الدّخل والمنفعة، فإذا اشترى الرجل أرضًا فاستعملها، أو دابة فركبها، أو عبدًا فاستخدمه، ثم وجد به عيبًا، فله أن يرد الرقبة، ولا شيء عليه؛ لأنها لو تلفت فيما بين مدة العقد والفسخ كانت من ضمان المشتري، فوجب أن يكون الخراج من حقه، وقيل: معناه: أنه لو مات العبد في العمل كان من المبتاع، ولم يكن له رجوع إلا في قدر العيب إن ثبتت له به بينه، وكذا الحكم في الدابة.

443 - (د) عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «عهدة الرقيق ثلاثة أيام».
زاد في رواية: «إن وجد داءا في الثّلاث ليالٍ ردّ بغير بيّنة، وإن وجد داءا بعد الثلاث كلّف البينة: أنه اشتراه وبه هذا الداء». أخرجه أبو داود.

[شرح الغريب]
عهدة الرقيق: قال الخطابي: معنى قوله: «عهدة الرقيق» أن يشتري العبد أو الجارية، فلا يشترط البائع البراءة من العيب، فما أصاب المشتري به من العيب في الأيام الثلاثة، فهو من مال البائع، ويردّ بلا بينة، فإن وجد به عيبًا بعد الثلاث، لم يردّ إلا ببينة، قال: وإليه ذهب مالك، وقال مالك: عهدة الأدواء المعضلة كالجذام، والبرص سنة، فإذا مضت السنة بريء البائع من العهدة، وكان الشافعي لا يعتبر الثلاث ولا السنة في شيء منها، وينظر إلى العيب، فإن كان مما يحدث مثله في مثل هذه المدة التي اشتراه فيها إلى وقت الخصومة، فالقول قول البائع مع يمينه، وإن كان لا يمكن حدوثه في تلك المدة، رده على البائع.

444 - (ط) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما -: أن عبدالرحمن بن عوف، اشترى وليدة [من عاصم بن عديّ]، فوجدها ذات زوجٍ فردّها. أخرجه «الموطأ».
445 - (ط) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: باع غلامًا بثمانمائة درهم. وباعه على البراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام داءٌ لم تسمّه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان، فقال الرجل: باعني عبدًا وبه داءٌ لم يسمّه لي، فقال عبد الله: بعته بالبراءة، فقضى عثمان على عبد الله بن عمر أن يحلف له: لقد باعه وما به داءٌ يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد، فصحّ عنده، فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم. أخرجه «الموطأ».
[شرح الغريب]
البراءة: التبري من كل عيب يكون فيه.

الباب العاشر: في بيع الشجر المثمر، ومال العبد، والجوائح
446 - (خ م ط ت د س) عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من ابتاع - وفي رواية: من باع - نخلاً قد أبّرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدًا فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع» هذه رواية مسلم والترمذي وأبي داود، وأخرج البخاري المعنى الأول وحده.
وأخرج المعنيين «الموطأ» مفرّقًا، وأخرجه الترمذي أيضًا وأبو داود مفرّقًا من رواية أخرى، إلا أنهم جعلوا المعنى الثاني موقوفًا على عمر، من رواية عبد الله ابنه عنه.
وأخرج النسائي رواية مسلم، وله في أخرى ذكر النخل وحده.

[شرح الغريب]
أبّرت: أبّرت النخلة: لقحته وأصلحته، والإبار: التلقيح، وكذلك التأبير، وتأبرت النخل قبلت الإبار.

447 - (د) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من باع عبدًا وله مالٌ، فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع» أخرجه أبو داود.
448 - (م د س) جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحةٌ، فلا يحلّ لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟».
وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بوضع الجوائح. هذه رواية مسلم وأبي داود والنسائي. إلا أن أبا داود زاد في أول الرواية الثانية، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع السّنين، ووضع الجوائح.
وفي أخرى للنسائي قال: من باع ثمرًا فأصابته جائحة، فلا يأخذ من أخيه شيئًا، علام يأكل أحدكم مال أخيه المسلم؟.

[شرح الغريب]
الجائحة: واحدة الجوائح، وهي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، يقال: جاحهم الدهر، يجوحهم، واجتاحهم: إذا أصابهم مكروه عظيم.
ووضعها: إسقاطها، وهو أمر ندب واستحباب عند الأكثرين، وقد أوجبه قوم.
وقال مالك - رحمه الله -: توضع في الثلث فصاعدًا، ولا توضع فيما دون ذلك.
أي: إن الجائحة إذا كانت دون الثلث كانت من مال المشتري


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
البيع, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir