كفر من كذَّب بالبعث
قوله: (وَمَنْ كَذَّبَ بِالبَعْثِ كَفَرَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. ).
المكذب بالبعث كافر ، وقد استدل على كفره بأمرين:
الأمر الأول: لأنه مكذب لخبر الله عز وجل وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: أن الله تعالى وصف القائلين بهذا بالقول بأنهم كفار فقال: {زَعَمَ الذِينَ كَفَرُوا}.
وهذا الاستدلال مبني على قاعدة من قواعد التفسير، وهي أنه إذا حُكِي في القرآن قولٌ أو فعلٌ عن قوم عُبِّر عنهم بوصف من الأوصاف فقولهم وفعلهم محكوم عليه بهذا الوصف.
فإذا قيل: قال الكافرون ؛ فالقول المحكي عنهم كفر، فمن يقول به فهو كافر.
مثاله قوله تعالى: {وقالَ الكَافِرونَ هَذا سَاحِرٌ كَذَّاب}
فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر أو كذاب فهو كافر.
وقوله : {إنَّ الذين كَفروا يُنفِقُون أمْوالَهُم لِيَصُدُّوا عَن سَبيلِ اللهِ}
فمن حارب دين الله عز وجل بماله فهو كافر، إذا كان قصد الصدّ عن توحيد الله عز وجل ومحاربة الدين وظهور الكفر والشرك .
وأما من قصد الصدّ عن بعض الطاعات وظهور بعض مظاهر الفسق دون أن يقصد الصد عن توحيد الله عز وجل وظهور الشرك فهو على خطر عظيم ولا يجزم بكفره.
ومنه قوله تعالى: {ومَن يَدع مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لهُ بِهِ فإنما حِسَابهُ عِند ربّه إنَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرون} فدعاء غير الله عز وجل هو من فعل الكفار الذين حكم الله تعالى عليهم بأنهم لا يفلحون.
وقوله: {وقالَ الذين كفروا إن هذا إلا إِفْك افْتَرَاهُ وأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُون فقد جاؤوا ظُلْماً وزُوراً} فمن قال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم افترى القرآن على ربه فهو كافر.
ومنه قوله: {وقال الظالمون إنْ تَتَّبِعُون إلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحور في دعوته يدعو إلى ما لا يعقله وإنما تتلبس به الشياطين وتلقي إليه ما يقول ويدعو إليه فهو ظالمٌ بهذا القول، بخلاف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سُحر سحراً لم يؤثر على تبليغ دعوته.
وهذا الظلم هو من الظلم الأكبر المخرج عن الملة.
وقوله: {بَلِ اتَّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهم بغَيْرِ عِلْم} فالذي يتبع هواه بغير علم فهو ظالم.
ومنه هذا المثال: {زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا} فمن زعم أنه لن يبعث فهو كافر؛ لأنه قال بالمقالة التي وصف الله القائلين بها بأنهم كفار.
وهذه القاعدة صحيحة في الأصل ولها استثناءات.
والاستدلال الأول أصح وأقوى دلالة.
وقد أجمع أهل العلم على كفر من كذب بالبعث.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.