رسالة تفسيرية في قوله تعالى:( إذاجاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون .اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ماكانوا يعملون) المنافقون. بأسلوب الحجاج.
تحدثت الآية الكريمة عن طريقة المنافقين في الايمان وتلاعبهم به؛ فهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أظهروا الايمان وإذا كانوا مع الكفار أظهروا الكفر؛ فقد اتخذوا الايمان وقاية لهم وستر ليصدوا عن سبيل الله وذمهم الله تعالى بذلك.
وهنا ينبغي التنبيه على عدة أمور يفعلها المنافقون:
١- الخطر من وجود المنافقين بين المؤمنين حيث أنهم يدعون الايمان ويحلفون على صدقهم وهم كاذبون ؛ ويدل على ذلك كلمة ( نشهد) التي تدل على بيانهم للصدق وهم بعيدون عن ذلك.
٢- لا أمان ولااطمئنان في التعامل مع منافق حيث انه يظهر محبة الشيء وهو ضد ذلك ؛ فهو كاذب في كل أحواله . قال صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان).
٣- تكراراستخدام* لفظة ( يشهد ) في الآية للدلالة على الرد عليهم بنفس لفظتهم ؛ وهو أقوى في الحجة وتبكيت الخصم.
٤- إضافة العلم لله عزوجل ( والله يعلم) دليل على علم الله عزوجل ببواطنهم ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) فهو عالم الغيب والشهادة؛ وأنهم مهما شهدوا بذلك ؛ فإنهم كاذبون وقد فضحهم الله تعالى في آخر الآية.
٥- الإيمان الصادق يزكي النفس ويطهرها* ؛ ولكن المنافقين إيمانهم للخداع والرياء. قال تعالى:( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولايذكرون الله إلا قليلا).
٦- كلمة (جنة ) تفيد الستر والخفاء؛ فالمنافقون بواطنهم مليئة بالكفر وسيء الأخلاق ولكن الظاهر خلاف ذلك ولذلك فهم يصدون أنفسهم وغيرهم وخطرهم كبير على المجتمع.
٧- ذم الله تعالى عملهم بقوله( ساء) فنسب السوء لأعمالهم لأن ذلك متعلق بالايمان والايمان قول وعمل ؛والا فإن أقوالهم وظواهرهم جميلة كما ذكر تعالى عنهم.
٨- الشهادة الباطلة ترد على صاحبها فكل من شهد زورا أو كذبا أو ظلما فإن الله سيجزيه بما عمل ؛ فالمنافقون شهدوا بصدق إيمانهم وكذبهم الله تعالى.
٩- بدء السورة بالظرف(إذا) دلالة على استمرارية حالهم في كل زمان ومكان وأنها صفة متأصلة فيهم؛ وفيه أيضا شد لانتباه السامع لماسيأتي بعده . والله أعلم.