بابُ تَعْلِيقِ الطلاقِ بالشروطِ
أي: تَرْتِيبُه على شيءٍ حاصلٍ أو غيرِ حاصلٍ؛ بـ (إنْ) أَو إِحْدَى أَخَوَاتِها، و (لا يَصِحُّ) التعليقُ (إلاَّ مِن زَوْجٍ) يَعْقِلُ الطلاقَ، فلو قالَ: إنْ تَزَوَّجْتُ امرأةً وفلانةَ فهي طالقٌ. لم يَقَعْ بِتَزَوُّجِها؛ لحديثِ عَمرِو بنِ شُعَيْبٍ, عن أبيهِ, عن جَدِّهِ مَرْفوعاً: ((لاَ نَذْرَ لابْنِ آدَمَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَ عِتْقَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ)). رَوَاهُ أحمدُ وأبو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَه، (فإِذَا عَلَّقَهُ)؛ أي: عَلَّقَ الزوجُ الطلاقَ (بِشَرْطٍ) مُتَقَدِّمٍ أو متأخِّرٍ؛ كـ: إنْ دَخَلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ. أو: أنتِ طالقٌ إنْ قُمْتِ. (لم تَطْلُقْ قبلَه)؛ أي: قبلَ وُجُودِ الشرطِ، (ولو قالَ: عَجَّلْتُه)؛ أي: عَجَّلْتُ ما عَلَّقْتُه, لم يَتَعَجَّلْ؛ لأنَّ الطلاقَ تَعَلَّّقَ بالشرطِ، فلم يَكُنْ له تَغْيِيرُهُ، فإنْ أرادَ تعجيلَ طَلاقٍ سِوَى الطلاقِ المُعَلَّقِ, وَقَعَ، فإذا وُجِدَ الشرطُ الذي عُلِّقَ بهِ الطلاقُ، وهي زوجتُه, وَقَعَ أيضاًً، (وإنْ قالَ) مَن عَلَّقَ الطلاقَ بشرطٍ: (سَبَقَ لِسَانِي بالشرطِ ولَمْ أُرِدْهُ. وَقَعَ) الطلاقُ (في الحالِ)؛ لأنَّه أَقَرَّ على نفسِه بِمَا هو أغلظُ مِن غيرِ تُهَمَةٍ، (وإنْ قالَ) لزوجتِه: (أنتِ طالقٌ. وقالَ: أَرَدْتُ إنْ قُمْتِ. لم يُقْبَلْ) منه (حُكماً)؛ لعَدَمِ ما يَدُلُّ عليهِ، وأنتِ طالقٌ مَرِيضَةً - رفعاً ونصباً - يَقَعُ بِمَرَضِها.
(وأدواتُ الشرطِ) المستعمَلَةُ غالباً (إِنْ) بكسرِ الهمزةِ وسكونِ النونِ، وهي أُمُّ الأدواتِ، (وإذَا ومَتَى وأيٌّ) بفتحِ الهمزةِ وتشديدِ الياءِ، (ومَن) بفتحِ الميمِ وسكونِ النونِ، (وكُلَّمَا، وهي) أي: "كُلَّمَا" (وَحْدَها للتَّكرارِ)؛ لأنَّها تَعُمُّ الأوقاتَ، فهي بمعنَى: كلِّ وَقْتٍ، وأمَّا (مَتَى) فهي اسمُ زمانٍ بمعنَى: أيِّ وقتٍ، وبمعنَى: (إِذَا)، فلا تَقْتَضِي التَّكرارَ، (وكلُّها)؛ أي: كلُّ أدواتِ الشرطِ المَذْكورةِ (ومَهْمَا) و"حيثُما" (بِلا لَمْ) أي: بدُونِ لم، (أو نِيَّتِه فوراً أو قَرِينَتِه)؛ أي: قَرِينةِ الفورِ (للتراخِي و) هي (مَعَ (لَمْ) للفَوْرِ) إِلاَّ معَ نِيَّةِ التراخِي أو قرينَتِه، (إلاَّ إِنْ)؛ فإنَّها للتَّرَاخِي، حَتَّى معَ لَمْ، (معَ عدمِ نِيَّةِ فورٍ أو قرينةٍ، فإذا قالَ) لزوجتِه: (إنْ قُمْتِ) فأنتِ طالقٌ. (أو: إذا) قُمْتِ فأنتِ طالقٌ. (أو: متَى) قُمْتِ فأنتِ طالقٌ. (أو: أيُّ وَقْتٍ) قُمْتِ فأنتِ طالقٌ. (أو: مَن قامَتْ) مِنْكُنَّ فهي طالقٌ. (أو: كُلَّما قُمْتِ فأنتِ طالقٌ. فمتى وُجِدَ) القيامُ (طَلَقَتْ) عَقِبَه، وإنْ بعدَ القيامِ عن زمانِ الحَلِفِ.
(وإنْ تَكَرَّرَ الشرطُ) المُعَلَّقُ عليهِ, (لم يَتَكَرَّرِ الحِنْثُ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (إلاَّ في كُلَّمَا), فيَتَكَرَّرُ مَعَها الحِنْثُ عندَ تَكَرُّرِ الشرطِ؛ لِمَا سَبَقَ.
(و) إنْ قالَ: إنْ (لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ. ولم يَنْوِ وَقْتاً ولم تَقُمْ قَرِينَةٌ بِفَوْرٍ ولم يُطَلِّقْهَا, طَلَقَتْ في آخِرِ حياةِ أَوَّلِهما مَوْتاً)؛ لأنَّه عَلَّقَ الطلاقَ على تركِ الطلاقِ، فإذا ماتَ الزوجُ فقد وُجِدَ الترْكُ مِنه، وإنْ ماتَتْ هي, فاتَ طلاقُها بموتِها.
(و) إنْ قالَ: (مَتَى لم) أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالِقٌ. (أو: إذا لَمْ) أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ. (أو: أيُّ وقتٍ لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ. ومَضَى زمنٌ يُمْكِنُ إيقاعُه فيه, ولم يَفْعَلْ, طَلَقَتْ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (و) إنْ قالَ: (كلَّمَا لم أُطَلِّقْكِ فأنتِ طالقٌ. ومَضَى ما يُمْكِنُ إيقاعُ ثلاثِ) طَلَقَاتٍ (مُرَتَّبَةً؛ أي: واحدةً بعدَ واحدةً، (فيه)؛ أي: في الزمنِ الذي مَضَى, (طَلَقَتِ المدخولُ بها ثَلاثاً)؛ لأنَّ (كُلَّمَا) للتَّكْرَارِ, (وتَبِينُ غَيْرُها)؛ أي: غيرُ المدخولِ بها (بـ) الطلقةِ (الأُولَى)، فلا تَلْحَقُها الثانيةُ ولا الثالثةُ، (وإنْ) قالَ: إنْ (قُمْتِ فقَعَدْتِ). لم تَطْلُقْ حتى تَقومَ ثُمَّ تَقْعُدَ، (أو) قالَ: إنْ قُمْتِ (ثُمَّ قَعَدْتِ). لم تَطْلُقْ حتَّى تَقومَ ثمَّ تَقْعُدَ، (أو) قالَ: إنْ (قَعَدْتِ إذا قُمْتِ). لم تَطْلُقْ حتى تَقومَ ثمَّ تَقْعُدَ، (أو) قالَ: (إنْ قَعَدْتِ إنْ قُمْتِ فأنتِ طالقٌ. لم تَطْلُقْ حتَّى تَقومَ ثُمَّ تَقْعُدَ)؛ لأنَّ لفظَ ذلكَ يَقْتَضِي تعليقَ الطلاقِ على القيامِ مسبوقاً بالقعودِ, ويُسَمَّى نحوُ: إنْ قَعَدْتِ إنْ قُمْتِ، اعتراضَ الشرطِ على الشرطِ، فيَقْتَضِي تَقَدُّمَ المتأخِّرِ, وتأخيرَ المتقدِّمِ؛ لأنَّه جَعَلَ الثانِيَ في اللفظِ شَرْطاً للذي قبلَه، والشرطُ يَتَقَدَّمُ المشروطَ، فلو قالَ: إنْ أَعْطَيْتُكِ, إنْ وَعَدْتُكِ, إنْ سَأَلْتِينِي. لَمْ تُطَلَّقْ حتَّى تَسْأَلَهُ ثمَّ يَعِدَها ثمَّ يُعْطِيَها، (و) إنْ عَطَفَ (بالواوِ)؛ كقولِهِ: أنتِ طالقٌ إنْ قُمْتِ وقَعَدْتِ. (تُطَلَّقْ بوُجُودِهِما)؛ أي: القيامِ والقعودِ، (ولو غَيْرَ مُرَتَّبَيْنِ)؛ أي: سواءٌ تَقَدَّمَ القيامُ على القُعُودِ أو تَأَخَّرَ؛ لأنَّ الواوَ لا تَقْتَضِي ترتيباً، (و) إنْ عَطَفَ (بأو) بأنْ قالَ: إنْ قُمْتِ أو قَعَدْتِ, فأنتِ طالِقٌ. طَلَقَتْ (لِوُجُودِ أَحَدِهما)؛ أي: بالقيامِ أو القعودِ؛ لأنَّ (أو) لأحدِ الشيئيْنِ، وإنْ عَلَّقَ الطلاقَ على صِفاتٍ, فاجْتَمَعَتْ في عينٍ؛ كـ: إنْ رَأَيْتِ رَجُلاً فأنْتِ طالقٌ. و: إنْ رَأَيْتِ أَسْودَ فأنتِ طالقٌ، و: إنْ رأيتِ فَقِيهاً فأنتِ طالقٌ. فرَأَتْ رَجُلاً أَسْودَ فَقِيهاً, طَلَقَتْ ثلاثاً.