السؤال الأول: إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان. بيّن ذلك.
قال تعالى:"فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك"و فبدأ الله جل وعلا بالعلم قبل العمل, فطلب العلم من أعظم الوسائل التي يتحصل بها المسلم على زيادة الإيمان, وزيادة الإيمان تؤدي إلى زيادة الأعمال والقربات, التي تزيد بدورها من الإيمان, فلا ينفصل العلم عن العمل, بل هو الباعث, وهو المصحح, فإن عمل بلا علم, شابه النصارى, وإن علم بلا عمل, شابه اليهود, فلا تتم إقامة الدين على المستوى الفردي, أو على مستوى الأمة, إلا بالأمرين معا, قال تعالى:"يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات", والرفعة تكون في الدنيا وتكون في الآخرة, وهذه الآية وعد من الله, لكن بحسب ما يتم تحقيق ما جاء فيها من شروط, بحسب ما تكون الرفعة, فمقل ومستكثر.
فالإيمان وما يحمل صاحبه على التحلي به من مكارم الأخلاق, وحسن العشرة, والكف عن الفواحش والمعاصي, من أسباب رضى الله عن الأفراد وبالتالي الأمم, وحلول البركات, ودفع العقوبات, قال تعالى:"ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض", فإن حصل, انتشر الأمن, وانتشار الأمن يؤدي إلى رفعة الأمم بأفرادها في شتى المجالات, ويتحقق وعد الله سبحانه وتعالى, وبالمقابل, فإنن إنتشار الرذيلة والمعاصي والفواحش يجلب الشؤم على الأرض بأفرادها الذين يعيشون عليها, وعلى الأمة جمعاء, فتنحط وتسقط وهي غافلة عن الغاة التي خلقت لها.
كذلك, فإن انحسار العلم, وذهاب العلماء, وفشو الجهل, وظهور المتعالمين, من أعظم الأسباب التي أدت إلى ظهور الكثير من الفرق في هذه الأمة, وما هذا إلا لزهدها فيما أنزل الله من علم, وتطلعها إلى سواه, فجهلت النصوص, فضلت وأضلت, وقد قال تعالى:"ما كان المسلمين لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا لعلهم يحذرون", فانظر كيف أمر الله طائفة بالتفقه في الدين, وعدم الخروج للجهاد, والجلوس لتعليم الناس, وتعليم من انخرط في صفوف الجهاد, ممن انشغل عن طلب العلم, فكأن طلب العلم قسيم للجهاد, فلا يكون إلا به, لأن بالعلم تعرف تفاصيل الأحكام, فالدين لا يقوم إلا بهما معا, العلم والإيمان, وبهما تحصل الرفعة, والهداية, والنصر, كما قال عليه الصلاة والسلام:"لاتزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله, لا يضرهم من خذلهم, ولا من خالفهم, حتى يأتي أمر الله وهم ذلك".
السؤال الثاني: ما يعتري طالب العلم من الفتور على نوعين؛ بيّنهما.
النوع الأول: هو الفتور الذي يصيب الإنسان بسب طبيعته الجبلية, وما يعتريه من ضعف ونقص وملل, ويصيب هذا النوع الإنسان, إذا بالغ في إجهاد نفسه, وألزمها ما لا تتحمله, فقد يؤدي هذا به إلى الإنقطاع التام, ونرك الطلب, فيكون كالمنبت, لا أرضا قطع, ولا ظهرا أبقى, وأرشد معلم الأمة عليه الصلاة والسلام, فقال لحنظلة:"ولكن يا حنظلة ساعة وساعة", كررها ثلاثا عليه الصلاة والسلام, وكان يبين للصحابة رضوان الله عليهم, ما لأبدانهم وأهلهم عليهم من حقوق, إذا رآهم قد انقطعوا للعبادة, وتركوا الدنيا, ففرطوا بحقوق من حولهم, وحقوق أنفسهم أولا, فكان يقول:"إن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا, وإن لزوجك عليك حقا...الحديث", ومع هذا, فقد وجههم أيضا إلى التعامل مع ما يصيبهم من فتور, معاملة شرعية, حتى لا يخرجوا عن الطريق المستقيم, فقال عليه الصلاة والسلام:"إن لكل عمل شرة, ولكل شرة فترة, فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى, ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك", فنبه على العلاج بالطرق الشرعية, وبالمباحات, بحيث لا يخرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم, حتى فيما يفعله من مباحات, فيهلك, فيجعل الإنسان له فترات يستريح فيها, ببعض اللهو المباح, كقراءة الشعر, وممارسة بعض الرياضات, والجلوس مع الأهل أو الأصحاب والحديث إليهم, كل هذا مما يدخل الترويح على النفس, ويقوم بإعادة النشاط إليها, فتعود مقبلة على الطلب أنشط مما كانت, بشرط ضبط هذه الفترات من حيث الوقت والنوع, حتى لا تأتي بعكس المراد منها.
النوع الثاني: هو ما يكون بسبب ضعف اليقين وضعف الصبر, وهذا النوع يلام عليه العبد, فضعف اليقين بما عند الله, يدخل على قلبه آفات خطيرة تفسده, فبدل من رجاء من عند الله, وطلب العلم لله, ينصرف قلبه إلى الدنيا ومتاعها, فتطلع قلبه إلى اعراضها, من حب الثناء, وسماع المديح, وحب الظهور والشهرة, فيقع في الرياء والتسميع, والتشبع بما لم يعط, فتذهب بركة العلم, ولا تظهر آثاره عليه, بل يكون سببا في عذابه في الآخرة, وإفساد غيره في الدنيا, ويتسلط عليه الشيطان فيفسد قلبه, كما قال تعال:" ,اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين", فلم ينفعه ما معه من العلم, لضعف اليقين لديه, فكان فريسة سهلة للشيطان, ولا علاج له إلا صدق اللجوء إلى الله, والتوجه إليه, والإستعانة به سبحانه على الثبات, وكثرة الإستعاذة من الشيطان وما يجلبه على القلب من آفات, وقد كان عليه الصلاة والسلام, يستعيذ من هذا فيقول:"ونعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا", ويكثر من دعاء:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
أما ضعف الصبر, فهذا يأتي بأمراض من ضعف العزيمة, ووهن النفس, وسرعة الإستجابة لمطالب النفس, فمع غياب الصبر, يسارع الإنسان في اتباع هواه, لا طاقة له على حبس النفس عما تشتهيه, فإن فعل, تسربت القساوة إلى قلبه, وابتلي بطول الأمل, فيدب الفتور إليه, ولا يستطيع الخلاص منه.
السؤال الثالث: وجّه رسالة في سبعة أسطر لطالب علم افتتن بأمور تثبّطه عن طلب العلم وتصرفه إلى الدنيا وملذاتها.
إن من أعظم ما يمن الله به على عبده, أن يوجهه إلى طريق طلب العلم, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"من يرد الله به خيرا, يفقهه في الدين", وقد قال العلماء إن مفهوم المخالفة لهذا الحديث:إن من لم يرد الله به خيرا, لا يفقهه في الدين, فكيف بحال من بدأ وسلك الطريق, ولمس بنفسه الفرق الشاسع, بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون, فكيف يدير لمثل هذا ظهره, ويركن إلى متاع عارض, زائل, من متاع الدنيا, وكيف بعد الإرتفاع على درجات العلم, يقبل الهبوط في دركات الجهل, والملذات!!فمثل هذا أقل ما يقال فيه, إنه جحود وكفران بما أنعم الله عليك من نعم, لم يعطاها الكثير غيرك, فعليك بالنهوض من جديد, وإزاحة ما تراكم حولك من أدران ومعوقات, وسؤال الله أن يعينك على هذا, ف"ما اصاب من سيئة فمن نفسك", فارجع لها, وانظر ما اقترفت, واربأ بنفسك ان ترى مع الهمل, وتفطن لعظم ما تركت وأهملت, فالدنيا وملذاتها زائلة, بل لا تترك في القلب إلا أثر الحسرة, والعلم وأثره يملأ النفس رضا, ويبقى نفعه جاري لك حتى بعد تركك الدنيا, بل يرفع صاحبه في الدنيا قبل الآخرة, فلا تفرط في هذه النعمة, فتندم, حيث لا ينفع الندم, ولا أخالك تقبل أن تكون كمن قال الله تعالى فيه:"واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آيتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو نشاء لرفعناه بها ولكنه اخلد إلى الأرض فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث".
السؤال الرابع: اذكر سبعة أسباب للفتور مع التوضيح الموجز لكل سبب.
1- استعجال ثمرة طلب العلم, فيكون الطالب في أول أمره متحمسا للطلب, مقبلا عليه, فإذا توغل فيه قليلا, ورأى وسمع وقرا مدى اتساع العلم, من أصول وفروع, فتر, واعتقد بأنه لن يحوز من العلم شيئا, وهذا يأتي مع قلة الصبر, وتعجل الصدارة, فإما أن يدب اليأس إلى نفسه فينسحب, وإما أن يتعجل الصدارة, فيسقط بعد فترة لإنكشاف أمره.
2- تحميل النفس ما لا طاقة لها به, فيتنقل الطالب من شرح إلى شرح, ومن شيخ إلى شيخ, بدون منهجية في طلب العلم, ولا فقه لأولويات الطلب, فيتشتت فكره وقلبه, وتنفلت زمام الأمور من يديه, ويفقد التحكم بوقته, فيمل ويفتر وينسحب معتقدا إن هذا هو العلاج, فهذا لم يراع حق بدنه, وحق نفسه عليه, فكان كالمنبت, لا ارضا قطع, ولا ظهرا أبقى.
3- مقارنة النفس بالغير, خاصة بمن سبق من العلماء, أو بمن حوله من علماء, وحتى طلاب علم قد سبقوه, وحازوا ما لم يحز هو, فيدخل اليأس إلى قلبه, ويصيبه الإحباط, والفتور, فيترك الطريق ظنا منه بإستحالة الوصول, ويقول:أين أنا منهم؟ ويعتقد إن في الموجود كفاية, فيفتر, ويترك الطلب, مواسيا نفسه بعدم جدارته وقدرته على هذا.
4- عدم الصبر عن المعاصي, فتكبله الذنوب, ويلحقه شؤمها, فتفسد قلبه, وتكبله, ويصيبه الفتور, والإعراض, , وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال لي بأن العلم نور ونور الله لا يهدي لعاصي.
5- ضعف العزيمة, ووهن النفس, والكسل, فطلب العلم يحتاج إلى همة وإرادة وعزيمة, كغيره من الأعمال, بل يزيد, فإذا لم يتعود طالب العلم أن يلزم نفسه بالجلوس للتحصيل, والصبر عليه, وصرف الأوقات فيه, دب الملل والفتور إليه, فالنفس تتفلت, وتسعى وراء الأسهل.
6- كبائر القلب من الكبر, والرياء, فمثل هذه الآفات, تصد القلب عن الطلب, وتوهمه باستغنائه عنه, فيثقل عليه, ويصيبه الفتور والملل إن فعل, وقد قال تعالى:"سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق", وقد قال السلف:"لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر".
7- التسويف وطول الأمل, وهذا من اشد اعداء المؤمن, وهو من اشد اعداء طالب العلم خاصة, فتراه يؤجل المذاكرة, ويؤجل سماع الدروس, والجلوس إلى العلماء, فيضيع وقته هباء وهو يقول: غدا أفعل, غدا أسمع, ولا يفعل, فيثقله الأمل ويلهيه عن الطلب.
السؤال الخامس: اذكر سبع وصايا لعلاج الفتور ، مع التوضيح الموجز لكل وصية.
1- الإستعانة بالله واللجوء إليه سبحانه, والتعلق به, للوقاية من شر الشيطان وشركه, وما يجلبه على القلب من صوارف, ويقي الإنسان شرور نفسه الأمارة بالسوء, والتي تأتي بما يصد عن الطلب, فلا سبيل إلى النجاة من هذين الأمرين إلا بالأستعانة بالله, خاصة فيما يتعلق بشر الشيطان الرجيم, لأنه لا قدرة للإنسات عليه إلا باللجوء والإعتصام بالله تعالى, ليجيره من شره.
2- العمل على تقوية اليقين بالله, وبما عنده, وبصدق وعوده سبحانه, فكثرة قراءة القرآن, والأحاديث, تحيي في القلب اليقين, وقراءة سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام, والأنبياء من قبله, وسير العلماء, توقظ القلب, وقد قال الله تعالى:"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب".
3- لزوم الصحبة الصالحة من طلبة العلم, والتي تعين الطالب وتهون عليه سلوك الطريق, فيتبادلون النصح والإرشاد, وتشجيع بعضهم لبعض, إن رؤوا الفتور قد دب بينهم, ويتعاونون في مدارسة المسائل, وقد كان هذا هدي الرسول عليه الصلاة والسلامو مع اصحابه, وكان هذا هدي الصحابة فيما بينهم وهدي من تبعهم, وقد قال تعالى:"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه".
4- الترويح عن النفس, وعدم تحميلها مالا تطيق, من كثرة الدروس وتتابعها, فتمل وتفر, بل يجب إعطاء النفس راحة في عمل بعض المباحات التي تروح عن النفس, وتدخل عليها السرور, فيتجدد النشاط, وتعود مقبلة على الطلب بأنشط مما كانت, بشرط التقيد بالضوابط التي لا تخرجه عن اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام, وبحيث أن لا يفرط, فتزيد عن الحد المطلوب, فتركن النفس إليها, وتعتادها, فيثقل عليه الرجوع للطلب, وقد قال عليه الصلاة والسلام لحنظلة:"لكن يا حنظلة ساعة وساعة".
5- تقوى الله, واجتناب المعاصي, لما تجلبه المعاصي من وهن في القلب, وتسهل اختراق الشيطان له, فيميل إلى الدنيا, ويضل عن الطريق, ويتبع هواه, فعليه أن يكثر من الإستغفار, والإستعاذة بالله, والإحسان في أداء العبادات, لتكون زاد قلبه في معركته مع الشيطان, وقد قال تعالى:"واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيئ عليم".
6- التحلي بالصبر في سلوك الطريق, ففبه تنال الثمرة, وبه وباليقن تنال الإمامة بالدين, وهو أساسي في كل عبادة يتعبدها المسلم لربه, فإن وجد في نفسه عدم الصبر, ألزمها به. وعودها عليه, وصبر على ذلك, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"ومن يتصبر يصبره الله", فحتى لو لم يكن الصبر سجية في الإنسان, فإن تكلفه يأتي به, ومع مرور الزمن, يصبح عادة له وسجية في أموره كلها.
7- نسبة النعمة إلى منعمها, والإعتراف بفضله سبحانه, وأداء حق الشكر, فإن فعل, علم قدر نفسه, وضعفها وجهلها, وقصورها, فجنب نفسه ما يمكن أن يصاب به من عجب, أو كبر, أو تفاخر, كما إن أداء هذه العبادات الجليلة, مما يزيد في بركة ما رزقه الله تعالى وتفضل عليه من علم, فتقوى صيرته, وينتفع بما علمه الله, وينفع غيره به, فيحصل الفوز في الدنيا والآخرة.