دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ذو الحجة 1429هـ/22-12-2008م, 06:27 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فصل في تابع المنادى

فَصْلٌ في تابِعِ الْمُنَادَى

تابِعَ ذِي الضمِّ المُضافَ دُونَ أَلْ = أَلْزِمْهُ نَصْبًا كَأَزْيَدُ ذا الْحِيَلْ
وما سِواهُ ارْفَعْ أو انْصِبْ وَاجْعَلَا = كمُسْتَقِلٍّ نَسَقًا وبَدَلَا
وإنْ يكُنْ مَصحوبَ أَلْ ما نُسِقَا = ففيهِ وَجهانِ ورَفْعٌ يُنْتَقَى
وأيُّها مَصحوبُ ألْ بَعْدُ صِفَةْ = يَلزَمُ بالرفعِ لدى ذي الْمَعرفَةْ
وأَيُّهَاذَا أَيُّها الذي وَرَدْ = ووَصْفُ أيَّ بِسِوَى هذا يُرَدْ
وذُو إشارةٍ كأيٍّ في الصِّفَةْ = إنْ كانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المعرِفَةْ
في نحوِ سَعْدُ سَعْدَ الاوْسِ يَنْتَصِبْ = ثَانٍ وضُمَّ وافْتَح اوَّلًا تُصِبْ


  #2  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


فصْلٌ

تابِعَ ذي الضمِّ المضافَ دُونَ أَلْ = أَلْزِمْهُ نَصْباً كأَزيَدُ ذا الْحِيَلْ([1])

أيْ: إذا كان تابِعُ المنادَى المضمومِ مُضافاً([2]) غيرَ مصاحِبٍ للألِفِ واللامِ، وجَبَ نصْبُه، نحوُ: "يا زيدُ صاحِبَ عمرٍو".


وما سِواهُ ارْفَعْ أوِ انْصِبْ وَاجْعَلاَ = كمُسْتَقِلٍّ نَسَقاً وبَدَلاَ ([3])

أيْ: ما سِوَى المضافِ المذكورِ يَجُوزُ رفْعُه ونَصْبُه، وهو المضافُ المصاحِبُ لألْ، والمفرَدُ، فتقولُ: "يا زيدُ الكريمَُ الأبِ" برَفْعِ "الكريم" ونَصْبِه، و"يا زيدُ الظريفَُ" برفْعِ "الظريف" ونَصْبِه.
وحُكْمُ عطْفِ البَيانِ والتوكيدِ حكْمُ الصِّفَةِ، فتقولُ: "يا رجُلُ زيدٌ وزَيداً" بالرفْعِ والنصْبِ، و"يا تَميمُ أَجمعونَ وأَجمعينَ".
وأمَّا عطْفُ النَّسَقِ والبدَلِ ففي حكْمِ المنادَى المستَقِلِّ، فيجِبُ ضَمُّه إذا كانَ مُفرَداً، نحوُ: "يا رجُلُ زَيدُ"، و"يا رجُلُ وزَيدُ"؛ كما يَجِبُ الضمُّ لو قُلتَ: "يا زيدُ"، ويَجِبُ نَصْبُه إنْ كانَ مُضافاً، نحوُ: "يا زيدُ أبا عبدِ اللهِ"، و"يا زيدُ وأبا عبدِ اللهِ" كما يَجِبُ نصْبُه لو قُلتَ: "يا أبا عبدِ اللهِ".

وإنْ يَكُنْ مَصحوبَ أَلْ ما نُسِقَا = ففيهِ وَجهانِ ورَفْعٌ يُنْتَقَى ([4])

أيْ: إنما يَجِبُ بِناءُ الْمَنسوقِ على الضمِّ إذا كان مُفرَداً مَعرِفَةً بغيرِ "ألْ".
فإنْ كانَ بـ "ألْ" جازَ فيه وَجهانِ: الرفْعُ والنصْبُ، والمختارُ عندَ الخليلِ وسِيبَوَيْهِ ومَن تَبِعَهما الرفْعُ، وهو اختيارُ المصَنِّفُ؛ ولهذا قالَ: "ورَفْعٌ يُنتَقَى"؛ أيْ: يُختارُ، فتقولُ: "يا زيدُ والغلامُ" بالرفْعِ والنصْبِ، ومنه قولُه تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ} برَفْعِ {الطَّيْرُ} ونَصْبِه.

وأيُّها مَصحوبَ ألْ بعدُ صِفَهْ = يَلْزَمُ بالرفعِ لَدَى ذي الْمَعْرِفَهْ ([5])


وأَيُّهَاذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ = ووَصْفُ أيٍّ بِسِوَى هذا يُرَدْ ([6])


يُقالُ: "يا أيُّها الرجُلُ، ويا أيُّهَذَا، ويا أيُّها الذي فَعَلَ كذا"، فـ"أيُّ" مُنادًى مفرَدٌ مَبنيٌّ على الضمِّ، و"ها" زائدةٌ، و"الرجُلُ" صِفَةٌ لأيٍّ، ويَجِبُ رفْعُه عندَ الْجُمهورِ؛ لأنه هو المقصودُ بالنداءِ، وأجازَ الْمَازِنِيُّ نَصْبَه قِياساً على جَوازِ نَصْبِ "الظريف" في قولِك: "يا زيدُ الظريفَُ" بالرفْعِ والنصْبِ.
ولا تُوصَفُ "أيٌّ" إلا باسمِ جِنْسٍ مُحَلًّى بألْ؛ كالرجُلِ، أو باسمِ إشارةٍ، نحوُ: "يا أيُّهذَا أَقْبِلْ"، أو بِمَوصولٍ مُحَلًّى بألْ "يا أَيُّهَا الذي فَعَلَ كذا".

وذو إشارةٍ كأيٍّ في الصِّفَهْ = إنْ كانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المعرِفَهْ ([7])

يُقالُ: "يا هذا الرجُلُ" فيَجِبُ رفْعُ "الرجُلُ" إنْ جُعِلَ "هذا" وُصْلَةً لنِدائِه، كما يَجِبُ رفْعُ صِفَةِ "أيٍّ"، وإلى هذا أشارَ بقولِه: (إنْ كانَ تَرْكُها يُفِيتُ المعرِفَةَ)، فإنْ لم يُجْعَلِ اسمُ الإشارةِ وُصلةً لنِداءِ ما بعْدَه لم يَجِبْ رفْعُ صِفَتِه، بل يَجوزُ الرفْعُ والنصْبُ.‌‌‌‌‌‌

في نحوِ سعدُ سعدَ الأَوْسِ يَنْتَصِبْ = ثانٍ وضُمَّ وافْتَحْ أَوَّلاً تُصِبْ ([8])

يُقالُ: "يا سَعْدُ سعْدَ الأوسِ"([9]) و:

311- *يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ* ([10])


312- و* يا زَيدُ زَيدَ اليَعْمَلاَتِ* ([11])

فيَجِبُ نصْبُ الثاني، ويَجوزُ في الأوَّلِ الضمُّ والنصْبُ.
فإنْ ضُمَّ الأوَّلُ؛ كانَ الثاني مَنصوباً على التوكيدِ([12])، أو على إضمارِ أَعْنِي، أو على البَدَلِيَّةِ، أو عطْفِ البيانِ، أو على النداءِ. وإنْ نُصِبَ الأوَّلُ فمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّه مُضافٌ إلى ما بعْدَ الاسمِ الثاني، وأنَّ الثانيَ مُقْحَمٌ بينَ المضافِ والمضافِ إليه. ومَذهَبُ الْمُبَرِّدِ أنَّه مُضافٌ إلى محذوفٍ مِثلِ ما أُضيفَ إليه الثاني، وأنَّ الأصْلَ :"يا تَيْمَ عَدِيٍّ تَيْمَ عَدِيٍّ" فحُذِفَ "عَدِيٍّ" الأوَّلُ لدَلالةِ الثاني عليه([13]).


([1]) (تابِعَ) مفعولٌ به لفعْلٍ محذوفٍ يفَسِّرُه المذكورُ بعدَه، وتَقديرُه: أَلْزِمْ تابِعَ ذي الضمِّ... إلخ، وتابِعَ مُضافٌ و(ذي) مُضافٌ إليه، وذي مُضافٌ و(الضمِّ) مُضافٌ إليه، (المضافَ) نعتٌ لتابِعَ، (دُونَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن تابِعَ، ودونَ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (أَلْزِمْه) أَلْزِمْ: فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، والهاءُ مفعولُه الأوَّلُ، (نَصْباً) مفعولُه الثاني، (كأَزْيَدُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، والهمزةُ حرْفُ نداءٍ، زَيدُ: منادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (ذا) نعتٌ لزيدُ بِمُراعاةِ المحلِّ منصوبٌ بالألِفِ نِيابةً عن الفتحةِ؛ لأنه مِن الأسماءِ الستَّةِ، وذا مُضافٌ و(الْحِيَلْ) مُضافٌ إليه.

([2]) ههنا أَمرانِ أُريدُ أنْ أُنَبِّهَكَ إليهما:
الأمْرُ الأوَّلُ: أنَّ المنادَى إذا كان اسْماً ظاهِراً فله جِهتانِ: الأُولَى: جِهةُ كونِه منادًى، وهي تَقتضِي الْخِطابَ، والثانيةُ: جِهةُ كونِه اسْماً ظاهِراً، وهي تَقتضِي الغَيْبَةَ، فإذا كان تَابِعُ المنادَى متَّصِلاً بضَميرِه جازَ في هذا الضميرِ وَجهانِ: الوجهُ الأوَّلُ: أنْ يُؤتَى به ضَميرَ غَيبةٍ؛ نَظراً إلى الجهةِ الثانيةِ، والوجْهُ الثاني: أنْ يُؤتَى به ضَميرَ خِطابٍ؛ نَظَراً إلى الْجِهةِ الأُولَى، تقولُ: يا زيدُ نفْسَه أو نفْسَكَ، ويا تَميمُ كلَّهم أو كلَّكم، ويا ذا الذي قامَ أو قُمتَ.
والأمْرُ الثاني: أنَّ التابِعَ المضافَ الذي يَجِبُ نَصْبُه هو: ما كانَتْ إضافتُه مَحْضَةً، أمَّا الذي إضافتُه لَفظيَّةٌ؛ كاسمِ الفاعِلِ المضافِ إلى مَفعولِه، نحوُ: "يا رجُلُ ضارب زَيْدٍ" فقد اختلَفَتْ فيه كلِمَةُ العُلماءِ؛ فقالَ الرَّضِيُّ: يَجوزُ فيه الوَجهانِ؛ الضمُّ والنصْبُ. وقالَ السّيُوطِيُّ: يَجِبُ نَصْبُه.

([3]) (وما) اسمٌ موصولٌ: مفعولٌ مقَدَّمٌ على عامِلِه، وهو قولُه: (ارْفَعِ) الآتي، (سِوَاهُ) سِوَى: ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ صِلَةُ ما الموصولةِ، وسِوَى مُضافٌ والهاءُ مُضافٌ إليه، (ارْفَعْ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (أو) عاطفةٌ، (انْصِبْ) معطوفٌ على ارفَعْ، (واجْعَلاَ) الواوُ عاطفةٌ أو للاستئنافِ، اجْعَلَ: فعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على الفتْحِ لاتِّصالِه بنُونِ التوكيدِ الخفيفةِ الْمُنقَلِبَةِ ألِفاً لأجْلِ الوقْفِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (كمُسْتَقِلٍّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ باجَعْلَ، وهو في موضِعِ المفعولِ الثاني له، (نَسَقاً) مفعولٌ أوَّلُ لاجْعَلَ، (وبَدَلاَ) معطوفٌ على قولِه: (نَسَقاً).

([4]) (إنْ) شَرطيَّةٌ، (يَكُنْ) فعْلٌ مضارِعٌ ناقصٌ فعْلُ الشرْطِ، (مصحوبَ) خبَرُ يَكُنْ تَقَدَّمَ على اسْمِه، ومصحوبَ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (ما) اسمٌ موصولٌ: اسمُ يَكُنْ، (نُسِقَا) نُسِقَ: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمَجهولِ ونائبُ الفاعلِ ضَميرٌ مُستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ إلى ما الموصولةِ، والألِفُ للإطلاقِ، والجملةُ مِن نُسِقَ ونائبِ فاعلِه لا مَحَلَّ لها صِلَةُ ما الموصولةِ، (ففيه) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ، فيه: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، (وَجهانِ) مبتَدَأٌ مؤخَّرٌ، والجملةُ مِن المبتَدَأِ وخبَرِه في مَحَلِّ جزْمٍ جوابُ الشرْطِ، و(رَفْعٌ) مُبتدأٌ، وسَوَّغَ الابتداءَ به معَ كونِه نَكِرَةً وُقوعُه في مَعرِضِ التقسيمِ، وجُملةُ (يُنْتَقَى) مِن الفعْلِ ونائبِ فاعلِه الْمُسْتَتِرِ فيه في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ.

([5]) (أيُّها) قَصَدَ لفْظَه: مُبتدأٌ، (مصحوبَ) مفعولٌ تقدَّمَ على عامِلِه، وهو قولُه: (يَلْزَمُ) الآتي، ومصحوبَ مُضافٌ و(ألْ) قَصَدَ لفْظَه: مُضافٌ إليه، (بعْدَ) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن مَصحوبَ ألْ، (صِفَة) حالٌ أُخرى منه، (يَلزَمُ) فعْلٌ مضارِعٌ وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ على (أيُّها)، والجملةُ في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (بالرفْعِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ ثالثةٌ مِن مصحوبَ ألْ، (لَدَى) ظرْفٌ مُتَعلِّقٌ بيَلْزَمُ، ولَدَى مُضافٌ و(ذي) مُضافٌ إليه، وذي مُضافٌ و(المعرِفَة) مُضافٌ إليه، وتقديرُ البيتِ: وأيُّها يَلْزَمُ مَصحوبَ ألْ حالَ كونِه صِفَةً مَرفوعاً واقِعاً بعْدَه.

([6]) (وأيُّهذا) قَصَدَ لفْظَه: مُبتدأٌ، (أيُّها الذي) معطوفٌ عليه بعاطِفٍ مقَدَّرٍ، (وَرَدْ) فعْلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على المذكورِ، والجملةُ مِن وَرَدَ وفاعِلِه في مَحَلِّ رفْعٍ خبَرُ المبتَدَأِ، و(وَصْفُ) مُبتدأٌ، ووصْفُ مُضافٌ و(أيٍّ) مُضافٌ إليه، (بسِوَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بوَصْفُ، وسِوَى مُضافٌ واسمُ الإشارَةِ مِن (هذا) مُضافٌ إليه، (يُرَدْ) فعْلٌ مضارِعٌ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ فاعلِه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو يَعودُ إلى (وَصْفُ)؛ أيْ: بسِوَى هذا، والجملةُ مِن يُرَدْ ونائبِ فاعلِه في مَحَلِّ رفْعٍ خبرُ المبتَدَأِ.

([7]) (وذو) مبتَدَأٌ، وذو مُضافٌ و(إشارةٍ) مُضافٌ إليه، (كأيٍّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ خبَرُ المبتَدَأِ، (في الصِّفَة) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٌ مِن الضميرِ المستَكِنِّ في الخبَرِ، (إنْ) شَرطيَّةٌ، (كانَ) فعْلٌ ماضٍ ناقصٌ فعْلُ الشرْطِ، (تَرْكُها) تَرْكُ: اسمُ كانَ، وتَرْكُ مُضافٌ وها: مُضافٌ إليه، (يُفِيتُ) فعْلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تَقديرُه هو، يَعودُ على اسمِ كانَ، (المعرِفَة) مفعولٌ به ليُفِيتُ، والجملةُ مِن يُفيتُ وفاعِلِه في مَحَلِّ نصْبٍ خبَرُ كانَ، وجوابُ الشرْطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه سابِقُ الكلامِ.

([8])، (في نحوِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعلِّقٌ بقولِه: (يَنْتَصِب) الآتي، (سعْدُ) منادًى بحرْفِ نِداءٍ محذوفٍ، مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، (سعْدَ) تَوكيدٌ للأوَّلِ، أو بدَلٌ منه، أو عطْفُ بيانٍ بِمُراعاةِ مَحَلِّه، أو مفعولٌ به لفعْلٍ محذوفٍ، أو منادًى بحرْفِ نداءٍ محذوفٍ، وهو مُضافٌ و(الأوسِ) مُضافٌ إليه، (يَنتَصِبْ) فعْلٌ مضارِعٌ، (ثانٍ) فاعلُ يَنْتَصِبْ، (وضُمَّ) فعْلُ أمْرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ، (وافتَحْ) معطوفٌ على ضُمَّ، (أوَّلاً) تَنَازَعَه الفِعلانِ قَبْلَه، (تُصِبْ) فعْلٌ مضارِعٌ مجزومٌ في جوابِ الأمْرِ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه وُجوباً تَقديرُه أنتَ. والمرادُ بنَحْوِ (سعْدُ سعْدَ الأوْسِ) كلُّ تَركيبٍ وقَعَ فيه المنادَى مفْرَداً، وكُرِّرَ مُضافاً ثاني لَفْظَيْهِ إلى غيرِه، سواءً أَكانَ عَلَماً كمِثالِ الناظِمِ، والشاهِدَيْنِ رَقْمِ 311 و312،، أمْ كانَ اسمَ جِنْسٍ، نحوُ قولِكَ: يا رجُلُ رجُلَ القومِ، أمْ كان وَصْفاً، نحوُ: يا صاحِبُ صاحِبَ زيْدٍ، وخالَفَ الكُوفِيُّونَ في هذا، فإنْ لم يَكُنْ ثاني اللَّفْظَيْنِ مُضافاً – نحوُ: يا زيدُ زيد – لم يَجِبْ نَصْبُه، وجازَ فيه وَجهانِ: النصْبُ والضمُّ، وانظُر الشاهِدَ رَقْمَ 314 الآتي.

([9]) وقَعَتْ هذه العِبارةُ في قولِ الشاعِرِ:
أيا سَعْدَ الأوْسِ كُنْ أنتَ مانِعاً = ويا سعْدُ سعْدَ الْخَزْرَجِينَ الغَطَارِفِ

أَجِيبَا إلى دَاعِي الْهُدَى وَتَبَوَّآ = مِن اللهِ في الفِرْدَوْسِ زُلْفَةَ عارِفِ


([10]) 311 - هذه قِطعةٌ مِن بيتٍ لِجَرِيرِ بنِ عَطِيَّةَ، مِن كَلِمَةٍ يَهجُو فيها عمرَ بنَ لَجَأٍ التَّيْمِيَّ، والبيتُ بكَمَالِه هكذا:
يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لا أبَا لَكُمُ = لا يُلْقِيَنَّكُمُ في سَوْأَةٍ عُمَرُ
اللُّغَةُ: (تَيْمَ عَدِيٍّ) أَضافَ تَيْماً إلى عَدِيٍّ - وهو أَخوهُ – للاحترازِ عن تَيْمِ مُرَّةَ، وعن تَيْمِ غالِبِ بنِ فِهْرٍ، وهما في قُريشٍ، وعن تَيْمِ قَيْسِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وعن تَيْمِ شَيْبَانَ، وعن تَيْمِ ضَبَّةَ، (لا أَبَا لَكُمُ) جُملةٌ قد يُقْصَدُ بها المدْحُ، ومعناها حينَئذٍ نَفْيُ نَظيرِ الممدوحِ بنَفْيِ أبيهِ، وقد يُقصَدُ بها الذمُّ، ومعناها حينَئذٍ أنَّ المخاطَبَ مجهولُ النَّسَبِ، قالَ السّيُوطِيُّ: هي كلمةٌ تُستعمَلُ عندَ الغِلْظَةِ في الْخِطابِ، وأَصْلُه أنْ يُنْسَبَ المخاطَبُ إلى غيرِ أبٍ معلومٍ؛ شتْماً له واحتقاراً، ثُمَّ كَثُرَ في الاستعمالِ حتى صارَ يُقالُ في كلِّ خِطابٍ يُغْلَظُ فيه على المخاطَبِ. وقالَ أبو الحسَنِ الأَخْفَشُ: كانَتِ العَرَبُ تَسْتَحْسِنُ أنْ تقولَ: (لا أبَا لكَ)، وتَستقْبِحُ (لا أمَّ لكَ)؛ أيْ: مُشْفِقَةً حَنونةً. وقالَ العَيْنِيُّ: وقد تُذْكَرُ هذه الْجُملةُ في مَعرِضِ التعَجُّبِ؛ كقولِهم: للهِ دَرُّكَ، وقد تُستعملُ بمعنى جِدَّ في أمْرِكَ وشَمِّرْ؛ لأنَّ مَن له أبٌ يَتَّكِلُ عليه في بعْضِ شأنِه. اهـ.
(يُلْقِيَنَّكُمْ) بالقافِ الْمُثَنَّاةِ، ومَن رَوَاهُ بالفاءِ فقَدْ أَخطَأَ، مأخوذٌ عن الإلقاءِ، وهو الرمْيُ، (سَوْأَةٍ) هي الفِعْلَةُ القَبيحةُ.
المعنى: احْذَروا يا تَيْمَ عَدِيٍّ أنْ يَرمِيَكُم عمرُ في بَلِيَّةٍ لا قِبَلَ لكُمْ بها، ومَكْرُوهٍ لا تَحْتَمِلُونَه بتَعَرُّضِه لي. يُريدُ أنْ يَمنَعُوه مِن هِجائِه حتى يَأمَنُوا الوُقوعَ في خَطَرِه؛ لأنهم إِنْ تَرَكُوا عُمرَ وهِجاءَه جَريراً فكأنَّهم رَضُوا بذلك، وحِينَئِذٍ يُسَلِّطُ جَريرٌ عليهم لِسانَه.
الإعرابُ: (يا) حرْفُ نِداءٍ، (تَيْمُ) مُنادًى، ويَجوزُ فيه الضمُّ على اعتبارِه مُفرَداً علَماً، ويَجوزُ نَصْبُه بتَقديرِ إضافتِه إلى ما بعْدَ الثاني؛ كما هو رَأْيُ سِيبَوَيْهِ، أو بتقديرِ إضافَتِه إلى محذوفٍ مِثلِ الذي أُضيفَ إليه الثاني، كما هو رَأْيُ أبي العَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ، (تَيْمَ) مَنصوبٌ على أنَّه منادًى بحَرْفِ نداءٍ محذوفٍ، أو على أنه تابِعٌ بدَلٌ، أو عطْفُ بيانٍ، أو توكيدٌ للأوَّلِ باعتبارِ مَحَلِّه إذا كان الأوَّلُ مَضموماً، أو باعتبارِ لفْظِه إذا كانَ مَنصُوباً، أو على أنَّه مفعولٌ به لفِعْلٍ محذوفٍ، وتَيْمَ مُضافٌ و(عَدِيٍّ) مُضافٌ إليه، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (أبا) اسمُ لا، (لكم) اللامُ حرْفٌ زائدٌ، والكافُ في مَحَلِّ جَرٍّ بهذه اللامِ، ولكنها في التقديرِ مَجرورةٌ بإضافَةِ اسمِ لا إليها، قالَ اللَّخْمِيُّ: اللامُ في (لا أبا لك) مُقْحَمَةٌ، والكافُ في مَحَلِّ جَرٍّ بها؛ لأنه لو كان الخَفْضُ بالإضافَةِ أدَّى إلى تَعليقِ حرفِ الجرِّ فالجَرُّ باللامِ -وإنْ كانَتْ مُقحَمَةً- كالجرِّ بالباءِ وهي زائدةٌ، وإنما أُقْحِمَتْ مُراعاةً لعَمَلِ (لا)؛ لأنها لا تَعْمَلُ إلاَّ في النَّكِرَاتِ، وثَبَتَتِ الألِفُ مُراعاةً للإضافَةِ، فاجْتَمَعَ في هذه الكَلِمَةِ شَيئانِ مُتضَادَّانِ: اتِّصالٌ وانفصالٌ، فثَبَاتُ الألِفِ دليلٌ على الاتِّصَالِ مِن جِهَةِ الإضافَةِ في المعنَى، وثَبَاتُ اللامِ دليلٌ على الانفصالِ في اللفْظِ؛ مُراعاةً لعمَلِ (لا)، فهذه مَسألةٌ قد رُوعِيَتْ لفْظاً ومَعنًى، وخبَرُ (لا) مَحذوفٌ؛ أيْ: لا أبَا لكُمُ بالْحَضْرَةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ)؛ حيثُ تَكَرَّرَ لفْظُ المنادَى، وقد أُضيفَ ثانِي اللفظينِ، فيَجِبُ في الثاني النصْبُ، ويَجوزُ في الأوَّلِ الضمُّ والنصْبُ، على ما أَوْضَحناهُ في الإعرابِ، وأَوْضَحَه الشارِحُ العلاَّمَةُ.

([11]) 312 - وهذه قِطعةٌ مِن بيتٍ لعَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ الأنصاريِّ، يقولُه في زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ – وكان يَتِيماً في حِجْرِهِ - يومَ غَزاةِ مُؤْتَةَ، وهو بكَمَالِه:
يا زيدُ زيدَ اليَعْمَلاَتِ الذُّبَّلِ = تَطاوَلَ الليلُ عليك فانْزِلِ
اللُّغَةُ: (اليَعْمَلاتِ) بفتْحِ الياءِ والميمِ: الإبِلُ القَوِيَّةُ على العمَلِ، (الذُّبَّلِ) جَمْعُ ذابِلٍ أو ذَابِلَةٍ؛ أيْ: ضامِرَةٍ مِن طُولِ السفَرِ، وأضافَ زيداً إليها لِحُسْنِ قِيامِه عليها ومَعرِفَتِه بِحُدَائِها. وقولُه: (تَطَاوَلَ الليلُ عليكَ... إلخ) يُريدُ انْزِلْ عن راحِلَتِكَ واحْدُ الإِبِلَ؛ فإنَّ الليلَ قد طالَ وَحَدَثَ للإبِلِ الكِلاَلُ، فنَشِّطْها بالْحُداءِ وأَزِلْ عنها الإِعياءَ.
الإعرابُ: (يا) حرْفُ نِداءٍ، (زَيْدُ) مُنادًى مَبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ نصْبٍ، أو منصوبٌ بالفتحةِ الظاهِرَةِ كما تَقدَّمَ في البيتِ قَبْلَه، (زيدَ) مَنصوبٌ لا غيرُ، على أنَّه تابِعٌ للسابقِ، أو منادًى، وزيدَ مُضافٌ و(اليَعْمَلاَتِ) مُضافٌ إليه، (الذُّبَّلِ) صِفةٌ لليَعْمَلاَتِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (يا زيدُ زيدَ اليَعْمَلاَتِ)؛ حيثُ تَكرَّرَ لفْظُ المنادَى، وأُضيفَ ثانِي اللفظينِ، كما سبَقَ في الشاهِدِ الذي قَبْلَ هذا، ويَجوزُ في الأوَّلِ مِن وُجوهِ الإعرابِ الضمُّ على أنه منادًى مُفرَدٌ، والنصْبُ على أنه منادًى مُضافٌ، وفي الثاني النصْبُ ليس غيرُ، ولكنْ لهذا النصْبِ خَمسةُ أَوْجُهٍ، وقد بَيَّنَّاهَا في إعرابِ البيتِ السابقِ وذَكَرَها الشارِحُ.

([12]) اعتَرَضَ جماعةٌ على نَصْبِ الثاني على أنَّه توكيدٌ للأوَّلِ باعتبارِ الْمَحَلِّ، إنْ كانَ الأوَّلُ مَضموماً، وقالُوا: لا يَجوزُ أنْ يكونَ هذا تَوكيداً مَعنوِيًّا؛ لأنَّ التوكيدَ الْمَعنَوِيَّ يكونُ بألفاظٍ مُعَيَّنَةٍ مَعروفَةٍ، وليسَ هذا مِنها، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ تَوكيداً لَفظيًّا لوَجهينِ: أوَّلُهما: أنَّ اللفْظَ الثانِيَ قدِ اتَّصَلَ بما لم يَتَّصِلْ به اللفْظُ الأوَّلُ، وهو المضافُ إليه، وثانِيهِمَا: أنَّ تَعريفَ الأوَّلِ بالنداءِ أو بالعَلَمِيَّةِ السابِقَةِ عليه، وتَعريفَ الثاني بالإضافَةِ، يُريدونَ بهذينِ الوَجهينِ أنْ يُبَيِّنُوا أنَّ بينَ التوكيدِ والمؤكَّدِ اختلافاً، وأنْ يُقَرِّرُوا أنَّه إِذَا اخْتَلَفَ اللفظانِ لم يَصْلُحْ أنْ يكونَ ثانِيهما تَوكيداً لأَوَّلِهِما.
قالَ أبو رَجاءٍ: ولِمَن يَذهَبُ إلى أنَّ الثانِيَ تأكيدٌ للأوَّلِ أنْ يَلْتَزِمَ أنَّه لا يَجِبُ استواءُ المؤكَّدِ والتوكيدِ في جِهةِ التعريفِ, ويُكتفَى باشتراكِهما في جنْسِ التعريفِ. فافْهَمْ ذلك.

([13]) يَلزَمُ على مَذهَبِ سِيبَوَيْه الفصْلُ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بأَجْنَبِيٍّ، وهو غيرُ مَقبولٍ، وعلى مَذهَبِ المبَرِّدِ الحذْفُ مِن الأوَّلِ؛ لِدَلالةِ الثاني عليه، والأصْلُ العكْسُ، وهو الحذْفُ مِن الثاني؛ لدَلالةِ الأوَّلِ عليه.


  #3  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


الفصلُ الثالثُ
في أقسامِ تابعِ المنادَى المبنيِّ وأحكامِه


وأقسامُه أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُها: ما يَجِبُ نَصْبُه مُرَاعاةً لِمَحَلِّ المُنَادَى، وهو ما اجْتَمَعَ فيه أمرانِ:
أحدُهما: أنْ يكونَ نَعْتاً أو بَيَاناً أو تَوْكِيداً.
الثاني: أنْ يكونَ مُضافاً مُجَرَّداً مِن (ألْ)([1])، نحوُ: (يا زيدُ صَاحِبَ عَمْرٍو) و(يا زَيْدُ أبا عبدِ اللهِ) و(يا تَمِيمُ كُلَّهُمْ أو كُلَّكُم)([2]).
الثانِي: ما يَجِبُ رَفْعُهُ مراعاةً للفظِ المنادَى، وهو نعتُ (أَيٍّ) و(أَيَّةَ)([3])، ونعتُ اسمِ الإشارةِ إذا كانَ اسمُ الاشارةِ وُصْلَةً لِنِدَائِهِ، نحوُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}([4])، {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ}([5])، وقولِكَ: (يا هذا الرجُلُ)([6]) إنْ كانَ المرادُ أَوَّلاً نِدَاءَ الرجُلِ، ولا يُوصَفُ اسمُ الإشارةِ أبداً إلا بما فيه ألْ، ولا تُوصَفُ أَيٌّ وأيَّةُ في هذا البابِ إلاَّ بما فيه (ألْ) أو باسمِ الإشارةِ، نحوُ: (يا أَيُّهَذَا الرَّجُلُ)([7]).
والثالِثُ: ما يَجُوزُ رَفْعُه ونَصْبُه، وهو نوعانِ:
أَحَدُهما: النعتُ المضافُ المقرونُ بألْ، نحوُ: (يا زَيْدُ الحَسَنَُ الوَجْهِ).
والثاني: ما كانَ مُفْرَداً مِن نَعْتٍ أو بَيَانٍ أو تَوْكِيدٍ، أو كانَ معطوفاً مَقْرُوناً بألْ، نحوُ: (يا زَيْدُ الحَسَنُ)، و(الحَسَنَ) و(يا غُلامُ بِشْرٌ) و(بِشْراً) و(يا تَمِيمُ أَجْمَعُونَ)، و(أَجْمَعِينَ)، وقالَ اللهُ تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ}([8])، قَرَأَهُ السَّبْعَةُ بالنصبِ، واخْتَارَهُ أبو عَمْرٍو وعِيسَى، وقُرِئَ بالرفعِ، واخْتَارَهُ الخَلِيلُ وسِيبَوَيْهِ، وقَدَّرُوا النصبَ بالعطفِ على (فَضْلاً) مِن قولِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً}(1)، وقالَ المُبَرِّدُ: إنْ كَانَتْ ألْ للتعريفِ مِثْلَها في (الطيرِ) فالمختارُ النصبُ، أو لغيرِه مِثْلِها في (الْيَسَعِ) فالمختارُ الرفعُ.
والرابِعُ: ما يُعْطَى تَابِعاً ما يَسْتَحِقُّه إذا كانَ منادًى مستقلاًّ، وهو البدلُ والمنسوقُ المجرَّدُ مِن (ألْ)؛ وذلك لأنَّ البَدَلَ في نِيَّةِ تَكْرَارِ العاملِ، والعاطفُ كالنائبِ عن العاملِ، تقولُ: (يا زَيْدُ بِشْرُ) بالضمِّ، وكذلك (يا زَيْدُ وبِشْرُ)، وتقولُ: (يا زيدُ أبا عَبْدِ اللهِ) وكذلك (يا زَيْدُ وأبا عبدِ اللهِ)، وهكذا حُكْمُهما معَ المنادَى المنصوبِ.


([1]) وجوبُ نَصْبِ تابعِ المنادَى بالشرطيْنِ اللذيْنِ ذَكَرَهُما المُؤَلِّفُ هو مَذْهَبُ جَمْهَرَةِ النُّحَاةِ، وحُكِيَ عن جماعةٍ مِن الكُوفِيِّينَ – منهم الكِسَائِيُّ والفَرَّاءُ والطوالُ – أنه يُجَوِّزُ نَصْبَه تَبَعاً لِمَحَلِّ المنادَى، ورَفْعَه تَبَعاً لِلَفْظِهِ؛ لأنَّ هذه الضمَّةَ لَمَّا كَانَتْ حَادِثَةً تَحْدُثُ بِدُخُولِ حرفِ النداءِ وتَزُولُ بِزَوَالِهِ أَشْبَهَتْ حَرَكَةَ الإعرابِ، فجَازَ مُرَاعَاتُهَا، وحَكَوْا ذلك في النعتِ والتوكيدِ، ولم يَحْكُوه في عطفِ البيانِ، واسْتَشْكَلَ ذلك بَعْضُهم، ووَجْهُهُ أنَّ عَطْفَ البيانِ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِن البَدَلِ، وقد عَلِمْنَا أنَّ البَدَلَ إذا كانَ مُضافاً وَجَبَ نَصْبُه؛ لأنَّه كنِدَاءٍ مُسْتَقِلٍّ، فما أَشْبَهَهُ يَأْخُذُ حُكْمَهُ.

([2]) دَلَّتْ هذه العبارةُ على أنه إذا كانَ معَ تابِعِ المنادَى ضميرٌ يعودُ إلى المنادَى جازَ أنْ تَجِيءَ به ضميرَ غَيْبَةٍ، وهو الأصلُ، وجازَ أنْ تَجِيءَ به ضَمِيرَ خِطَابٍ، وقدِ اجْتَمَعَ الاعتبارانِ في قولِ الشاعِرِ:
فيَا أَيُّهَا المُهْدِي الخَنَا مِنْ كَلاَمِهِ = كَأَنَّكَ يَضْغُو فِي إِزَارِكَ خِرْنِقُ
فجاءَ بضميرِ الغَيْبَةِ في قَوْلِهِ (مِن كَلامِهِ) وبضميرِ الخِطَابِ في قَوْلِهِ: (مِن إِزَارِكَ).
وذَهَبَ الأَخْفَشُ إلى وُجُوبِ كونِ الضميرِ المتَّصِلِ بِتَابِعِ المنادَى ضَمِيرَ غَيْبَةٍ، فإنْ جاءَ ضميرَ حُضُورٍ، نَحْوُ: (يا تَمِيمُ كُلُّكُم) فإنْ رَفَعْتَ كُلُّكُم فهو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ، وإنْ نَصَبْتَه فهو مفعولٌ به لفعلٍ محذوفٍ.

([3]) شَذَّ أبو عُثْمَانَ المَازِنِيُّ فأجازَ نَصْبَ صِفَةِ أيٍّ، وقالَ الزَّجَّاجُ في شأنِهِ: (ولم يُجِزْهُ أحدٌ مِن النَّحْوِيِّينَ قَبْلَه، ولا تَابَعَهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ، فهذا مَطْرَحٌ مَرْذُولٌ؛ لِمُخَالَفَتِهِ كَلامَ العربِ). اهـ.

([4]) سورةُ البقرةِ، الآيةُ: 21.

([5]) سورةُ الفجرِ، الآيةُ: 27.

([6]) جَوَّزَ النُّحَاةُ في الاسمِ المُحَلَّى بألْ بعدَ اسمِ الإشارةِ أنْ يكونَ المُحَلَّى بألْ نَعتاً لاسمِ الإشارةِ، كما جَوَّزُوا أنْ يكونَ عطفَ بيانٍ عليه، وأنْ يكونَ بَدَلاً منه، لكنَّ ابنَ عُصْفُورٍ أَوْرَدَ على هذا الكلامَ إشكالاً، وحَاصِلُه أنَّ النعتَ يُشْتَرَطُ فيه أنْ يكونَ مُشْتَقًّا أو مُؤَوَّلاً بالمُشْتَقِّ، في حِينِ يُشْتَرَطُ في عَطْفِ البيانِ أنْ يكونَ جَامِداً، كما أنَّ عَطْفَ البيانِ يُشْتَرَطُ فيه أنْ يكونَ أَعْرَفَ مِن المُبَيَّنِ في حِينِ لا يكونُ النعتُ أعرفَ من المنعوتِ، فإذا قلنا: هذا الاسمُ نعتٌ تَضَمَّنَ ذلك أنه مُشْتَقٌّ أو في قُوَّةِ المُشْتَقِّ، وأنه مساوٍ للمنعوتِ لا أَعْرَفُ منه، وإذا قلنا: هذا الاسمُ عطفُ بيانٍ تَضَمَّنَ أنه جامدٌ وأنه أعرفُ من المُبَيَّنِ، فكيفَ يَصِحُّ في الاسمِ الواحدِ أنْ يكونَ نعتاً وأنْ يكونَ عطفَ بيانٍ، وكلٌّ مِنهما يَقْتَضِي نَقِيضَ ما يَقْتَضِيهِ الآخرُ مِن وجهيْنِ؟
والجوابُ عن ذلك الإشكالِ: أمَّا عن كونِ عطفِ البيانِ يُشْتَرَطُ فيه أنْ يكونَ أَعْرَفَ فهو كلامٌ غيرُ مُسَلَّمٍ؛ لأنَّه مُخَالِفٌ لقولِ سِيبَوَيْهِ في (يا هذا ذا الجُمَّةِ) على ما سَبَقَ ذِكْرُه في بابِه، وأمَّا عن الوجهِ الآخرِ فإنا إذا قَدَّرْنَاهُ نَعتاً جَعَلْنَاه مُؤَوَّلاً بالمُشْتَقِّ، وهو في قُوَّةِ قولِكَ الحاضِرِ حينَئذٍ، وإنْ قَدَّرْنَاهُ عَطْفَ بيانٍ فهو جامدٌ على ظاهرِه، واللامُ على تقديرِ النعتِ للعَهْدِ، وعلى تقديرِ البَيانِ لتعريفِ الحُضُورِ؛ أي: للجِنْسِ.

([7]) تُوصَفُ أيٌّ وأَيَّةُ بواحدٍ مِن ثلاثةِ أشياءَ:
الأَوَّلُ: الاسمُ المُحَلَّى بألْ، نحوُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ}، و{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}، ومن الصورةِ الأولى قولُ امْرِئِ القَيْسِ:
أَلاَ أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلا انْجَلِي = بِصُبْحٍ، وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
الثاني: الاسمُ الموصولُ المقترِنُ بألْ، نحوُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ}، ونحوُ قَوْلِكَ: (يا أَيَّتُهَا التي قَامَتْ).
الثالِثُ: اسمُ الإشارةِ الخالي من كافِ الخطابِ، سواءٌ أَنُعِتَ اسمُ الإشارةِ الواقِعُ نعتاً لأيٍّ باسمٍ مُحَلًّى بألْ أمْ لم يُنْعَتْ، على ما اختارَهُ ابنُ مالِكٍ تَبَعاً لابنِ عُصْفُورٍ، نحوُ قَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَذَا الرَّجُلُ)، أمَّا اسمُ الإشارةِ المُقْتَرِنُ بكافِ الخِطَابِ فلا يكونُ نَعْتاً لأيٍّ، خِلافاً لابنِ كَيْسَانَ.
ومن هذا الضربِ قولُ ذِي الرُّمَّةِ:
أَلاَ أَيُّهَذَا المَنْزِلُ الدَّارِسُ الَّذِي = كَأَنَّكَ لَمْ يَعْهَدْ بِكَ الحَيَّ عَاهِدُ
ومثلُه قولُ ذِي الرُّمَّةِ أيضاً:
أَلاَ أَيُّهَذَا البَاخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُ = بِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِرُ
ومثلُه قولُ الآخَرِ:
أَيُّهَذانِ كُلاَ زَادَكُمَا = وَدَعَانِي وَاغِلاً فِيمَنْ وَغَلْ
ومِثْلُه قَوْلُ طَرَفَةَ بنِ العَبْدِ في مُعَلَّقَتِهِ:
ألا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى = وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخُلِدِي

([8]) سورةُ سَبَأٍ، الآيةُ: 10.



  #4  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


فَصْلٌ

585- تَابِعَ ذِي الضَّمِّ والمضافَ دُونَ ألْ = ألْزِمْهُ نَصْبًا كـ "أزيدُ ذَا الحِيَلْ"
(تابعَ) المُنَادَى (ذِي الضَّمِّ المضافَ دونَ ألْ ألزِمْهُ نصبًا" مُرَاعَاةً لمَحَلِّ المُنَادَى نَعْتًا كانَ "كَأَزَيْدُ ذَا الحِيَلْ" أو بَيَانًا، نحوَ: "يَا زيدُ عائدَ الكلبِ" أو توكيدًا نحو: "يَا زَيْدُ نَفْسَهُ"، و"يا تَمِيْمُ كُلَّهُمُ أو كُلَّكُمُ".
تنبيهانِ: الأوَّلُ: أجازَ الكِسَائِيُّ والفَرَّاءُ وابنُ الأَنْبَارِيِّ الرفعَ في نحوِ: "يَا زَيْدُ صَاحِبُنَا" والصحيحُ المنعُ، لأنَّ إضافَتَهُ مَحْضَةٌ، وأجَازَهُ الفَرَّاءُ في نحوِ: "يَا تَمِيْمُ كُلُّهُم"، وقد سُمِعَ وهو مَحْمُوْلٌ عندَ الجمهورِ عَلى القَطْعِ أيْ: كُلُّهُم يُدْعَى.
الثانِي: شَمِلَ قوْلُهُ "ذِي الضَّمِّ" العَلَمَ، والنكرةَ المقصودةَ، والمَبْنِىَّ قبلَ النداءِ لأنَّهُ يُقَدَّرُ ضمُّهُ كما مَرَّ.
586- ومَا سِوَاهُ انْصُبْ، أو ارْفَعْ، واجْعَلا = كَمُسْتَقِلٍّ نَسَقًا وَبَدَلَا
(وَمَا سِوَاهُ) أيْ: مَا سِوى التابعِ المُسْتَكْمِلِ للشرطينِ المذكورينِ، وهما الإضافةُ والخُلُوُّ مِنْ "ألْ" وذلكَ شيئانِ: المضافُ المقرونُ بـ "ألْ) والمفردُ (ارْفَعْ أو انْصِبْ) تقولُ "يَا زَيْدُ الحَسَنُ الوَجْهِ والحَسَنَ الوَجْهِ" و"يَا زَيْدُ الحَسَنُ والحَسَنَ"، و(يَا غلامُ بِشْرٌ وبِشْرًا" و"يَا تميمُ أجْمَعُونَ وأجْمَعِيْنَ" فالنصبُ إِتْبَاعًا للمحَلِّ، والرفعُ إتْبَاعًا للَّفْظِ، لأنَّهُ يُشْبِهُ المرفوعَ، مِنْ حيثُ عَرُ وْضُ الحَرَكَةِ.
تنبيهانِ: الأوَّلُ: شَمِلَ كلامُهُ أوَّلًا وثانيًا التَّوَابِعَ الخمسةَ، ومُرَادُهُ النَّعْتَ والتوكيْدَ وعطفَ البيانِ، وسيأتِي الكلامُ على البدَلِ وعطفِ النَّسَقِ.
الثاني: ظاهرُ كَلَامِهِ أنَّ الوجهينِ عَلَى السَّوَاءِ.
(واجْعَلَا كَمُسْتَقِلٍّ) بالنداءِ (نَسَقًا) خَاليًا عنْ "ألْ" (وَبَدَلًا) تقولُ: "يا زيدُ بِشْرُ" بالضَّمِّ، وكذلكَ "يَا زَيْدُ وبِشْرُ" وتقولُ، "يَا زيدُ أبَا عَبْدِ اللهِ" وكذلكَ "يَا زيدُ وأبَا عبدِ اللهِ"، وهكذا حُكمُهُمَا معَ المُنَادَى المنصوبِ، لِأَنَّ البدلَ في نِيَّةِ تَكْرَارِ العاملِ، وَالعاطِفُ كالنائبِ عنِ العاملِ. تنبيهٌ: أجَازَ المَازِنيُّ والكُوْفِيُّوْنَ "يَا زْيدُ وعَمْرًا، ويَا عبدَ اللهِ وبَكْرًا".
587- وإنْ يَكُنْ مَصْحُوبَ "ألْ" مَا نُسِقَا = ففيهِ وجهانِ، ورفعٌ يُنْتَقَى (وإنْ يكنْ مصحوبَ ألْ ما نُسِقَا ففيهِ وجهانِ) الرفعُ والنَّصْبُ (ورفعٌ يُنْتَفَى) أيْ: يُخْتَارُ، وِفَاقًا للخَلِيْلِ وسِيْبَوَيْهِ والمَازِنيِّ لمَا فيهِ مِنْ مُشَاكَلَةِ الحَرَكَةِ ولحكايةِ سِيْبَوَيْهَ: أَنَّهُ أكثَرُ، وأمَّا قراءةُ السَّبْعَةِ {يَا جِبَالُ أَوِّبِيْ مَعَهُ وَالطَّيْرَ} بالنصبِ فللعطفِ على "فَضْلًا" مِنْ {وَلَقَدْ آتيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا} واختارَ أبو عَمْروٍ وعيسى ويونسُ والجَرْمِيُّ النصبَ، لأنَّ مَا فيهِ "ألْ" لم يَلِ حَرفَ النداءِ فلا يُجْعَلُ كلفظِ ما وَلِيَهُ، وتَمَسُّكًا بظاهرِ الآيةِ، إذْ إجماعُ القراءِ سِوى الأعْرَجِ علَى النصبِ، وقالَ المُبَرِّدُ: إنْ كانتْ "ألْ" مُعَرَّفَةً فالنصبُ، وإلا فالرفعُ، لأنَّ المُعَرَّفَ يُشْبِهُ المضافَ.
تنبيهٌ: هذا الاختلافُ إِنَّما هو في الاختيارِ، والوجهانِ مُجْمَعٌ عَلَى جوازِهِمَا إلا فيما عُطِفَ عَلَى نَكْرَةٍ مقصودةٍ نحوَ: "يَا رجلُ والغلامُ" فلا يجوزُ فيهِ عندَ الأخفشِ ومَنْ تَبِعَهُ إلا الرفعُ.
588- (وَأيُّهَا مصحوبَ ألْ بعدُ صِفَهْ = يَلْزَمُ بالرَّفْعِ لَدَى ذِي المعرفهْ)
يجوزُ في ضَبْطِ هَذَا البيتِ أنْ يكونَ (مصحوبَ) منصوبًا فـ "أيُّهَا" مبتدأٌ و"يلزمُ" خَبَرُهُ، ومصحوبَ: مفعولٌ مُقَدَّمٌ بـ "يلزمُ" و"صفهْ": نُصِبَ على الحالِ مِنْ مصحوبِ "ألْ" وبالرفعِ في مَوضعِ الحالِ مِنْ مصحوبِ "ألْ" و"بَعْدُ" في موضعِ الحالِ، مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ لحذفِ المُضَافِ إليهِ، وهو ضَمِيْرٌ يَعُوْدُ إلى (أيْ) والتقديرُ: وأيُّهَا يلزمُ مصحوبَ "ألْ" حالَ كونِهِ صفةً لها مرفوعةً واقعةً أو واقعًا بعدَهَا، ويجوزُ أنْ يكونَ "مصحوبَ" مرفوعًا عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ ويكونَ خبرُهُ "يلزمُ" والجملةُ خبرُ "أيُّهَا" والعائِدُ على المبتدأِ محذوفٌ أيْ: يلزمُهَا ويجوزُ أنْ يكونَ "صفهْ" هو الخَبَرُ.
والمرادُ إذَا نُوْدِيَتْ أيُّ فهي مَقْصُوْدَةٌ مَبْنِيَّةٌ على الضَّمِّ، وتلزمُهَا "هَا" التنبيهِ مفتوحةً، وقدْ تُضَمُّ لتكونَ عِوَضًا عَمَّا فاتَهَا مِنَ الإضافةِ، وتُؤَنَّثُ لتأنيثِ صفتِهَا، نحو: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ} {يَا أيُّتَهَا النَّفْسُ} ويلزمُ تابِعُهَا الرفعَ، وأجازَ المَازِنِيُّ نصبَهُ قِيَاسًا عَلَى صِفَةِ غيرِهِ مِنَ المُنَادَيَاتِ المضمومةِ.
قال الزَّجَّاجُ: لم يُجِزْ هذا المذهبَ أحدٌ قبلَهُ، ولا تَابَعَهُ أحدٌ بعدَهُ، وعِلَّةُ ذلكَ أنَّ المقصودَ بالنداءِ هو التابِعُ و"أيُّ" وَصْلةٌ إلى نِدَائِهِ.
وقَدِ اضطربَ كلامُ الناظمِ في النَّقْلِ عنِ الزَّجَّاجِ، فنقلَ في (شَرْحِ التَّسْهِيْلِ) عنْهُ هذاَ الكلامَ، ونَسَبَ إليهِ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ) موافقةَ المازِنِيِّ، وتَبِعَهُ وَلَدُهُ، وإلى التعريضِ بمذهبِ المَازِنِيِّ الإشارةِ بقولِهِ: "لَدَى ذِي المعرفةِ"، وظاهرُ كلامِهِ أنَّهُ صِفَةٌ مُطلقًا، وقد قِيْلَ: عَطْفُ بَيَانٍ، قال ابنُ السِّيْدِ: وهو الظاهرُ. وقيلَ: إنْ كانَ مُشْتَقًا فهو نَعْتٌ، وإنْ كانَ جامِدًا فهو عطفُ بيانٍ، وهذا أَحْسَنُ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: يُشْتَرَطُ أنْ تكونَ "ألْ" في تابعِ "أيُّ" جنسيةً كمَا ذكرَهُ في (التَّسْهِيْلِ)، فإذَا قُلْتَ: "يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ" فـ "ألّ" جِنْسِيِّةٌ، وصارتْ بعدُ للحضورِ، كما صارتْ كذلكَ بعدَ اسْمِ الإشارةِ، وأجازَ الفَرَّاءُ والجَرْمِيُّ إِتْبَاعَ "أيُّ" بمصحوبِ "ألْ" التي لِلَمْحِ الصفةِ، نحو: "يَا أيُّهَا الحارثُ" والمنعُ مذهبُ الجمهورِ، ويُتَعَيَّنُ أنْ يكونَ ذلكَ عطفَ بَيَانٍ عنَد مَنْ أَجَازَهُ.
الثاني: ذَهَبَ الأَخْفَشُ في أحَدِ قوليْهِ إلَى أنَّ المرفوعَ بعدَ "أيُّ" خَبَرٌ لِمُبتدأٍ مَحْذوفٍ و"أيُّ" موصولةٌ بالجملةِ، وَرُدَّ بِأنَّهُ لو كانَ كذلكَ لجَازَ ظهورُ المبتدأِ بلْ كانَ أَوْلَى، ولجَازَ وصْلُهَا بالفعليةِ والظرفِ.
الثالثُ: ذَهَبَ الكُوْفِيُّونَ وابنْ كَيْسَانَ إلى أنَّ "هَا" دَخَلَتْ للتنبيهِ مع اسْمِ الإشارةِ، فإذا قُلْتَ: "يَا أَيُّهَا الرجلُ" تريدُ يَا أيُّهَذَا الرجلُ، ثُمَّ حَذَفَ "ذا" اكتفاءً بِهَا.
الرابعُ: يجوزُ أنْ تُوصفَ صفةُ "أيٍّ" ولا تكونُ إلا مرفوعةً، مفردةً كانتْ أو مُضَافَة ًكقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
889- يَا أَيُّهَا الجَاهِلُ ذُو التَّنَزِّي = لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ
589- وَأَيُّهَذَا أيُّهَا الذي وَرَدْ = وَوَصْفُ أيٍّ بِسِوَى هَذَا يُرَدُّ
(وأيُّهَذَا أَيُّهَا الذي وَرَدْ) أيُّهَذَا مبتدأٌ، و"أيُّهَا الذِي" عُطِفَ عليهِ، وسقَطَ العاطفُ للضرورةِ، و"وَرَدْ": جُمْلَةٌ خَبَرٌ، ووَحَّدَ الفاعلَ إما لكونِ الكلامِ على حذفِ مضافٍ، والتقديرُ: لفظُ أيُّهَذَا وأيُّهَا الذي وَرَدْ، أو هو مِنْ بَابٍ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
890- نَحْنُ بِمَا عِنْدنَا وَأَنْتَ بِمَا = عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
أيْ: وَرَدَ أيضًا وصفُ "أيْ" في النداءِ باسْمِ الإشارةِ وبموصولٍ فيهِ "ألْ" كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
891- أَلَا أَيُّهَذَا البَاخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُ = لشيءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقَادِرُ
ونحوَ: {يَا أَيُّهَا الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} (ووَصْفُ أَيٍّ بِسِوَى هَذَا) الذي ذَكَرَ (يُرَدُّ) فَلا يُقَالُ: "يَا أَيُّهَا زَيْدُ" ولا "يَا أَيُّهَا صَاحِبَ عَمْرو".
تنبيهانِ: الأوَّلُ: يُشْتَرَطُ لوصفِ "أيٍّ" باسْمِ الإشارةِ خُلُوُّهُ مِنْ كافِ الخطابِ كما هو ظِاهِرُ كلامِهِ، وِفَاقًا للسِّيْرَافِيِّ، وخِلَافًا لابنِ كَيْسَانَ، فإنَّهُ أجازَ "يَا أَيُّهَا ذَاكَ الرَّجُلُ".
الثاني: لا يُشْتَرَطُ في اسْمِ الإشارةِ المذكورِ، أنْ يكونِ مَنْعوتًا بِذِي "ألْ" وِفَاقًا لابنِ عُصْفُوْرٍ والناظمِ، كقولِهِ [مِنَ الرَّمَلِ]:
892- أيُّهَذَانِ كُلَا زَادَكُمَا = وَدَعَانِي وَاغِلًا فِيْمَنْ وَغَلْ
واشترطَ ذلكَ غيرُهُمَا.
590- وَذُو إِشَارَةٍ كأيٍّ في الصِّفَةِ = إنْ كانَ تَرْكُهَا يُفِيْتُ المعْرِفَةْ
(وذُو إِشَارَةٍ كَأَيٍّ في الصِّفَةِ) في لِزُوْمِهَا، ولزومِ رفعِهَا، ولزوْمِ كونِهَا بـ "ألْ" عَلَى مَا مَرَّ، نحوَ: "يَا ذَا الرَّجُلُ" و"يَا ذَا الذي قَامَ" هَذَا (إنْ كانَ تَرْكُهَا) أيْ تَرْكُ الصِّفَةِ (يُفِيْتُ المعرفةَ): أيْ بِأَنْ تكونَ هي مقصودةً بالنداءِ واسْمِ الإشارةِ قبلَهَا لمجردِ الوصْلَةِ إلى ندائِهَا، كقولكَ لقائمٍ بينَ قَوْمٍ جُلُوسٍ، "يَا هَذَا القائِمُ" أمَّا إذا كانَ اسْمُ الإشارةِ هو المقصودَ بالنداءِ بأنْ قَدَّرْتَ الوقوفَ عليهِ فَلا يلزمُ شيءٌ مِنْ ذلكَ، ويجوزُ في صفتِهِ حينئذٍ ما يجوزُ في صفةِ غيرِهِ مِنَ المُنادَياتِ المبنيةِ على الضَّمِّ.

591- فِي نحوِ "سَعْدَ ُسَعْدَ الأوسِ" يَنْتَصِبْ = ثَانٍ، وضُمَّ وافْتَحْ أوَّلًا تُصِبْ
(في نحِو) يَا (سَعْدُ سَعْدَ الأوسِ) وقولِهِ [مِنَ البَسِيْطِ]:
893- يَا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ لَا أَبَالَكُمُ = لَا يُلْقِيَنَّكُمْ في سَوْأَةٍ عُمَرُ
وقوْلُهُ [مِنَ الرَّجِزِ]:
894- يَا زَيْدُ زيدَ اليَعْمَلَاتِ الذُّبَّلِ = تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عليكَ فانْزِلِ
(يَنْتَصِبْ ثَانٍ) حَتْمًا (وَضُمَّ وافْتَحْ أوَّلًا تُصِبْ) فإنْ ضَمَمْتَهُ فلأنَّه منادَى مُفْرَدٌ مَعْرِفَةٌ، وانتصابُ الثانِي حينئذٍ، لأنَّهُ منادَى مُضافٌ أو توكيدٌ أو عطفُ بَيَانٍ أو بَدَلٌ أو بِإِضْمَارٍ: أَعْنِي، وَأَجَازَ السِّيْرَافِي أنْ َيكونَ نَعْتًا، وتَأَوَّلَ فيهِ الاشْتِقَاقَ، وإنْ فَتَحْتَهُ فثلاثةُ مَذَاهِبٍ.
أحدُهَا: ـ وهو مذهبُ سِيبويْهَ ـ أنَّهُ منادَى مُضافٌ إلى مَا بعدَ الثانِي، والثانِي مُقْحَمٌ بينَ المُضَافِ والمُضَافِ إليهِ، وعلَى هذَاَ قَالَ بعضُهُمْ: يكونُ نصبُ الثانِي علَى التوكِيْدِ.
وثانيها: ـ وهو مذهبُ المُبَرِّدِ ـ أنَّهُ مُضَافٌ إلى مَحْذُوْفٍ دَلَّ عليهِ الآخَرُ، والثانِي مُضَافٌ إلى الآخَرِ، ونَصْبُهُ علَى الأوْجُهِ الخَمْسَةِ.
وثالثُهَا: أنَّ الاسمينِ رُكِّبَا تركيبَ "خَمْسَةَ عَشَرَ" فَفَتْحَتُهُمَا فتحةُ بناءٍ لا فتحةُ إعرابٍ، ومجموعُهُمَا منادَى مضافٌ، وهذا مذهبُ الأَعْلَمِ.
تنبيهاتٌ: الأوَّلُ: صرَّحَ في (كَافِيَةٍ) بأنَّ الضَّمَّ أمثلُ الوجهينِ.
الثانِي: مذهبُ البصريينَ أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ في الاسْمِ المُكَرَّرِ أنْ يكونَ عَلَمًا، بَلْ اسْمُ الجنسِ نحو: "يَا رَجُلُ رَجُلَ قَومٍ" والوصفُ، نحوَ: "يَا صَاحِبُ صاحِبَ زيْدٍ" كالعَلَمِ فيمَا تقدَّمَ، وخالَفَ الكوفيونَ في اسْمِ الجنسِ، فمَنَعُوا نَصْبَهُ، وفي الوصفِ فذَهَبُوا إلى أَنَّهُ لا يُنْصَبُ إلَّا مُنَوَّنًا نحوَ: "يَا صَاحِبًا صَاحِبَ زيدٍ".
الثالثُ: إذا كانَ الثانِي غيرَ مضافٍ، نحوَ: "يَا زيدُ زيدَ" جَازَ ضَمُّهُ بَدَلًا، ورفعُهُ ونَصْبُهُ عَطْفَ بَيَانٍ عَلَى اللفظِ أو المَحَلِّ.

  #5  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 04:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


(فَصْلٌ)
أحكامُ تابِعِ الْمُنادَى
585- تَابِعَ ذِي الضَّمِّ المُضَافَ دُونَ ألْ = أَلْزِمْهُ نَصْباً كَأَزَيْدُ ذَا الْحِيَلْ
586- وَمَا سِوَاهُ ارْفَعْ أوِ انْصِبْ وَاجْعَلا = كَمُسْتَقِلٍّ نَسَقاً وَبَدَلا
587- وَإنْ يَكُنْ مَصْحُوبَ ألْ مَا نُسِقَا = ففِيهِ وَجْهَانِ وَرَفْعٌ يُنْتَقَى
هذا الفصْلُ معقودٌ لِحُكْمِ تابِعِ المنادَى مِنْ نَعْتٍ أوْ غيرِهِ. والمنادَى لا يَخْلُو مِنْ حالتَيْنِ كما تَقَدَّمَ:
الأُولَى: أنْ يكونَ مَبْنِيًّا.
الثانيَةُ: أنْ يكونَ مَنصوباً.
أمَّا الحالةُ الأُولَى ففيها التفصيلُ الآتي:
1- التابعُ الذي يَجِبُ نَصْبُهُ
1- إذا كانَ المُنَادَى مَبْنِيًّا، وجاءَ تابِعُهُ مُضافاً مُجَرَّداً مِنْ أَلْ وهوَ نَعْتٌ أوْ توكيدٌ أوْ عطْفُ بيانٍ، وَجَبَ نَصْبُهُ مُراعاةً لِمَحَلِّ المنادَى، ولا يَجوزُ بِناؤُهُ مُراعاةً للفْظِهِ؛ نحوُ: يا خالدُ صاحبَ محمَّدٍ، يا صالحُ أَبَا عبدِ اللَّهِ، يا تَميمُ كُلَّهم أوْ كُلُّكم.
2- التابعُ الذي يَجوزُ فيهِ الوجهانِ
2- إذا كانَ المنادَى مَبنيًّا وجاءَ تابِعُهُ مُضافاً مُقْتَرِناً بِأَلْ، أوْ كانَ مُفْرَداً؛ أيْ: غيرَ مُضافٍ، جازَ فيهِ الرفْعُ مُراعاةً للفْظِ المنادَى، والنصْبُ مُراعاةً لِمَحَلِّهِ؛ نحوُ: يا خالدُ الكاتبَُ الدَّرْسِ، برَفْعِ (الكاتِبَُ) ونَصْبِهِ. ويا خالدُ الظَّرِيفُ، برَفْعِ الظريف ونَصْبِهِ.
وتقولُ في عَطْفِ البيانِ: يا رَجُلُ زيدٌ وزَيداً.
وتقولُ في التوكيدِ: يا تَميمُ أَجمعونَ وأَجمعينَ.
ويَدْخُلُ في هذا الحكْمِ عَطْفُ النَّسَقِ المقتَرِنِ بِأَلْ؛ نحوُ: يا خالدُ والطالبَُ، بالرفْعِ والنصْبِ. والمختارُ عندَ الخليلِ وسِيبويهِ الرفْعُ تَبَعاً لِلَّفْظِ؛ لِمَا فيهِ مِن المُشَاكَلَةِ.
وقدْ وَرَدَ النصْبُ في قولِهِ تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرُ}؛ فقدْ قَرَأَ السبعةُ بالنصْبِ عَطْفاً على مَحَلِّ (الْجِبالِ).
3- ما يُعْطَى حُكْمَ المنادَى المستَقَلِّ
3- إذا كانَ التابعُ عَطْفَ نَسَقٍ غيرَ مُقْتَرِنٍ بِأَلْ، أوْ كانَ بَدَلاً، أُعْطِيَ ما يَسْتَحِقُّهُ لوْ كانَ مُنَادًى مُستَقِلاًّ، فيُبْنَى على الضمِّ بلا تنوينٍ إذا كانَ مُفْرَداً؛ نحوُ: يا خالدُ ومحمَّدُ، ونَحْوُ: يا رجلُ خالدُ، كما لوْ قُلْتَ: يا محمَّدُ وَيَا خالِدُ. ويُنْصَبُ في مِثْلِ: يا خَالِدُ وصاحبَ الدارِ، يا شَبَابُ شبابَ الإسلامِ.
وإلى ما تَقَدَّمَ أشارَ بقولِهِ: (تابِعَ ذِي الضمِّ المضافَ.. إلخ)؛ أيْ: أَلْزِمْ تابْعَ المنادَى المَبْنيِّ على الضمِّ وما يَنوبُ عنها إذا كانَ التابعُ مُضافاً دونَ (أَلْ) أَلْزِمْهُ نَصْباً، ثمَّ مَثَّلَ بمثالٍ: (أَزَيْدُ ذا الْحِيَلْ)، فالهمزةُ للنداءِ، وزَيْدُ: مُنَادًى مَبنيٌّ على الضمِّ، و(ذا الْحِيَلْ): نعْتٌ منصوبٌ بالألِفِ، ومضافٌ إليهِ.
ثمَّ ذَكَرَ في البيتِ الثاني أنَّ ما سِوَى المُضَافِ المذكورِ يَجوزُ رَفْعُهُ ونَصْبُهُ، وهوَ شَيْئَانِ كما تَقَدَّمَ:
1- المُضَافُ المُصَاحِبُ الأوَّلَ.
2- المُفْرَدُ.
أمَّا عطْفُ النسَقِ والبدَلُ فحُكْمُها حكْمُ المنادَى المستَقِلِّ، إلاَّ إِنْ كانَ عطْفُ النسَقِ بِأَلْ، فيَجوزُ فيهِ وَجهانِ: الرفْعُ والنصْبُ، والمختارُ الرفْعُ.
4- ما يَجِبُ رفْعُهُ مُراعاةً لِلَّفْظِ
588- وَأيُّهَا مَصْحُوبَ أَلْ بَعْدُ صِفَهْ = يَلْزَمُ بِالرَّفْعِ لَدَى ذِي المَعْرِفَهْ
589- وَأيُّ هذَا أَيُّهَا الَّذِي وَرَدْ = وَوَصْفُ أيٍّ بِسِوَى هذَا يُرَدْ
590- وَذُو إشَارَةٍ كأيٍّ في الصِّفَهْ = إنْ كَانَ تَرْكُهَا يُفِيتُ المَعْرِفَهْ
4- إذا كانَ المنادَى مَبنيًّا، وهوَ (أَيٌّ) في التذكيرِ، و(أَيَّةٌ) في التأنيثِ، وجاءَ بعْدَهُ نعْتٌ، وَجَبَ رَفْعُهُ مُراعاةً لِلَفْظِ المنادَى؛ نحوُ: يا أيُّها العاقلُ تَدَبَّرْ حالَكَ. قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}، وقالَ تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}. فـ(أَيُّ، وأَيَّةُ): مَبْنِيَّانِ على الضمِّ في مَحَلِّ نَصْبٍ؛ لأنَّ كُلاًّ منهما مُنَادًى نَكِرَةٌ مَقصودةٌ، و(ها): حرْفُ تنبيهٍ، و(النَّاسُ): نَعْتٌ مرفوعٌ بالضمَّةِ كحركةِ المنادَى، ومِثْلُهُ كلمةُ (النَّفْسُ).
ولا تُوصَفُ (أَيٌّ وأَيَّةٌ) في هذا البابِ إلاَّ باسمِ جِنْسٍ مُحَلًّى بـ(أَلْ) كما مُثِّلَ، أوْ باسمِ الإشارةِ. ولا يُوصَفُ اسمُ الإشارةِ إلاَّ بما فيهِ (أَلْ)؛ نحوُ: يا أَيُّهَذَا الطَّالِبُ أحْسِن القَصْدَ. أوْ بموصولٍ مُحَلًّى بـ(أَلْ)؛ نحوُ: يا ذَا الَّذِي عَصَى رَبَّهُ اعْرِفْ مَنْ عَصَيْتَ. فـ(أَيُّ): مُنَادًى، و(هَا): للتنبيهِ، و(ذَا): اسمُ إشارةٍ صِفَةٌ في مَحَلِّ رفْعٍ، (الطالبُ): صِفةٌ لاسمِ الإشارةِ أوْ عطْفُ بيانٍ. أوْ تُوصَفُ (أَيٌّ) بموصولٍ مُحَلًّى بـ(أَلْ)؛ كقولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلِ عَلَيْهِ الذِّكْرُ..}. فـ(الَّذِي): نَعْتُ (أَيُّ).
وهذا معنى قولِهِ: (وأَيُّها مَصْحُوبَ أَلْ بَعْدُ صِفَهْ.. إلخ)، فـ(أَيُّها): مبتدأٌ، (ومَصْحُوبَ أَلْ): مفعولٌ بهِ تَقَدَّمَ على عامِلِهِ (يَلْزَمُ)، والمعنى: وأَيُّها يَلْزَمُ مَصحوبَ (أَلْ) في حالِ كونِهِ صِفةً مَرفوعاً واقِعاً بعْدَهُ.
ثمَّ ذَكَرَ أنَّ وَصْفَ (أَيٍّ) باسمِ الإشارةِ أوْ بموصولٍ مُحَلًّى بـ(أَلْ) وَرَدَ عن العرَبِ، ونَعْتُ (أَيٍّ) بغيرِها (يُرَدُّ)؛ أيْ: يُرْفَضُ ويُستَبْعَدُ. وفي هذا البيتِ الثاني حُذِفَ العاطِفُ، وهوَ جائزٌ. وقولُهُ: (وَرَدْ)، خبرُ المبتدأِ، وهوَ قولُهُ: (وَأَيُّهَذَا)، والقياسُ التثنيَةُ، لكنَّهُ على حَذْفِ مُضافٍ؛ أيْ: وَرَدَ لفْظُ أيُّهذا، أوْ لتأويلِهما بالمذكورِ؛ أيْ: وَرَدَ المذكورُ.
وذَكَرَ في البيتِ الثالثِ أنَّ اسمَ الإشارةِ إذا كانَ مُنَادًى فإنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى (أَيٍّ) في لُزومِ الصفةِ ورَفْعِها وكونِها بـ(أَلْ)، أوْ بموصولٍ مُحَلًّى بـ(أَلْ). وقولُهُ: (إنْ كانَ تَرْكُها يُفِيتُ الْمَعْرِفَهْ)، مَصدرُ (أَفَاتَ) الرُّبَاعِيِّ، ومفعولُهُ الأوَّلُ محذوفٌ؛ أيْ: يُفِيتُ المُخَاطَبَ مَعْرِفَةَ المُشَارِ إليهِ، والمرادُ: يُفَوِّتُ عِلْمَ المُخَاطَبِ ومَعْرِفَتَهُ بالمنادَى لوْ تُرِكَت الصفةُ. ومِثَالُهُ: يا هَذَا القَائِمُ تَكَلَّمْ، تَقُولُهُ لقائمٍ بَيْنَ جُلوسٍ. فَلَوْ قِيلَ: يا هذا تَكَلَّمْ، لم يَعْلَم المُخَاطَبُ مَن المنادَى.
وعلى هذا فَالْمَقْصُودُ بالنداءِ هوَ الصِّفَةُ، واسمُ الإشارةِ وَصْلَةٌ لندائِها؛ إذْ لا يَصِحُّ: يا القائمُ. أمَّا إذا كانَ اسمُ الإشارةِ هوَ المقصودَ بالنداءِ لم يَجِبْ رفْعُ الصفةِ، بلْ يَجوزُ الرفْعُ والنصبُ؛ لأنَّهُ صفةٌ أوْ عطْفُ بيانٍ، وكِلاهما مُفْرَدٌ يَجوزُ فيهِ الوجهانِ، وهذا إذا عَرَفَهُ المخاطَبُ بدُونِ صِفتِهِ، كما لوْ وَضَعَ المُتَكَلِّمُ يدَهُ عليهِ.
هذا حُكْمُ تابِعِ المنادَى إذا كانَ مَبْنيًّا، وهوَ الذي اقْتَصَرَ عليهِ ابنُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. فإنْ كانَ المُنَادَى مَنصوباً، وتابِعُهُ نَعْتٌ أوْ عَطْفُ بيانٌ أوْ توكيدٌ، وَجَبَ نصْبُ التابِعِ مُراعاةً للَفْظِ المتبوعِ؛ نحوُ: يا عَبْدَ اللَّهِ صَاحِبَ خالدٍ، ويا عبدَ اللَّهِ أَبَا صالحٍ، ويا عُلماءَ الإسلامِ كُلَّكم قُومُوا بواجِبِكم.
وكذا إنْ كانَ التَّابِعُ عَطْفَ نَسَقٍ مُجَرَّداً مِنْ (أَلْ) أوْ بَدَلاً، وَجَبَ نَصْبُهُ على أرْجَحِ الآراءِ؛ نحوُ: يا عبدَ اللَّهِ وَسَعِيداً، يا أَبَا صالحٍ خَالِداً. فـ(سعيداً): معطوفٌ على المنادَى المنصوبِ، والمعطوفُ على المنصوبِ منصوبٌ مثلُهُ. وكذا البدَلُ (خالِداً).

إذا تَكَرَّرَ المُنَادَى المُفْرَدُ وكانَ الثانِي مُضافاً
591- فِي نَحْوِ سَعْدَ سَعْدَ الأوْسِ يَنْتَصِبْ = ثَانٍ وَضُمَّ وَافْتَحَ أوَّلاً تُصِبْ
إذا تَكَرَّرَ المنادَى المفرَدُ، وكان اللفْظُ الثاني المكَرَّرُ مُضافاً؛ نحوُ: ياطَالِبَُ طالبَ العلْمِ احْرِصْ على الفائدةِ، تقولُهُ لِمُعَيَّنٍ، جازَ في الأوَّلِ وَجهانِ:
1- البِناءُ على الضمِّ؛ لأنَّهُ مفرَدٌ معرِفةٌ بالقصْدِ، وهوَ في مَحَلِّ نَصْبٍ. ويكونُ الثاني تَوكيداً لَفْظِيًّا أوْ بَدَلاً أوْ عَطْفَ بيانٍ، مُراعًى في الثلاثةِ مَحَلَّ المتبوعِ، أوْ يكونُ مُنَادًى سَقَطَ منهُ حرْفُ النداءِ، أوْ مَفعولاً بهِ لفعْلٍ محذوفٍ.
2- النَّصْبُ على اعتبارِ أنَّ هذا المنادَى (الأوَّلَ) مُضافاً للمضافِ إليهِ المذكورِ في الكلامِ، والاسمُ الثاني المكَرَّرُ مُقْحَماً بينَ المُتَضَايِفَيْنِ، (ويُعْرَبُ تَوكيداً لَفْظِيًّا للأوَّلِ)، أوْ يُعتبَرُ المنادَى مُضافاً إلى محذوفٍ يُماثِلُ المذكورَ.
وأصْلُ الكلامِ: يا طَالِبَ العلْمِ طَالِبَ العلْمِ، بإِضَافَتَيْنِ في الأسلوبِ الواحدِ. ويكونُ الاسمُ الثاني مَنصوباً على أنَّهُ توكيدٌ لَفظيٌّ أوْ بَدَلٌ أوْ عطْفُ بيانٍ، أوْ مَفعولاً بهِ لفعْلٍ محذوفٍ، أوْ مُنَادًى بحرْفِ نداءٍ محذوفٍ. ويَحْسُنُ اختيارُ الأنسَبِ للسِّيَاقِ مِنْ هذهِ الأَوْجُهِ الخمسةِ، والأوضَحِ في أداءِ الغرَضِ.
وهذا معنى قولِهِ: (فِي نَحْوِ سَعْدَ سَعْدَ الأَوْسِ.. إلخ)؛ أيْ: وفي مِثْلِ: يا سَعْدُ سَعْدَ الأوْسِ، يَجِبُ نَصْبُ الثاني منهما، أمَّا الأوَّلُ فأنتَ مُطَالَبٌ بضَمِّهِ أوْ فَتْحِهِ؛ لتوافِقَ الصوابَ في ذلكَ. وابنُ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشِيرُ بذلكَ إلى بَيْتٍ مِن الشعْرِ، وهوَ قولُهُ:
أَيَا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ كُنْ أَنْتَ مَانِعاً = وَيَا سَعْدُ سَعْدَ الْخَزْرَجَيْنِ الغَطَارِفِ
وسَعْدُ الأوسِ هوَ: سعْدُ بنُ مُعاذٍ، وسعدُ الْخَزْرَجَيْنِ هوَ: سعْدُ بنُ عُبادةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما. والغَطَارِفُ: مُفْرَدُهُ غِطْرِيفٌ، وهوَ السَّيِّدُ الشريفُ والسَّخِيُّ السَّرِيُّ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir