المجموعة الأولى:
س1: بيّن أنواع مسائل الإيمان بالقرآن؟
تنقسم مسائل الإيمان بالقرآن إلى نوعين :
1: اعتقادية.
2: سلوكية.
وبيان ذلك :
1: المسائل الاعتقادية : هي المسائل التي تعنى بـما يجب اعتقاده في القرآن.
وتنقسم إلى : أحكام عقدية ، وآداب بحث مسائل الاعتقاد.
وعلى طالب العلم بالتفسير أن يعتني بمعرفة ثلاثة أمور لكل مسألة عقدية وهي :
1: معرفة القول الحق في مسائل الاعتقاد في القرآن.
2: تقرير الاستدلال لهذه المسائل.
3: معرفة أقوال المخالفين في هذه المسائل ، ودرجة مخالفتهم ، وأصول شبهاتهم ، وحجج أهل السنة في الرد عليهم ، ومنهجهم في معاملتهم.
2: المسائل السلوكية :
وهي المسائل التي تُعنى بالانتفاع بالقرآن والاهتداء به، وتدخل في مسائل الإيمان بالقرآن لأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل ، والمسائل السلوكية منها مسائل اعتقادية ومسائل قولية وعملية.
وتعنى بأصلين :
1: البصائر والبينات : وتقوم على العلم وتثمر اليقين.
وقد سمى الله عز وجل القرآن بالبصائر والبينات فقال : {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
وقال :{أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}
2: اتباع الهدى : ويقوم على الإرادة والعزيمة ويثمر الاستقامة والتقوى.
والأصل الأول حجة على من خالف في الأصل الثاني ،
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
س2: بيّن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفة الكلام لله تعالى.
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة الكلام لله - عز وجل - من غير تشبية ولا تكييف ولا تعطيل ، كما أثبتها الله عز وجل لنفسه في كتابه ، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.
والدليل على ذلك :
من القرآن مثل قوله تعالى : {وكلم الله موسى تكليما}، وقال تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}
ومن السنة :
عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة» متفق عليه، وفي رواية في صحيح البخاري: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه».
يؤمنون أن صفة الكلام صفة ذاتية له فلم يزل الله متكلمًا متى شاء وكيف شاء ، وصفة فعلية باعتبار آحاد كلامه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قال أئمة السنة: لم يزل الله متكلماً كيف شاء وبما شاء)
يؤمنون بأن التوراة والإنجيل والقرآن من كلام الله حقيقة ، تكلم بهم بحرف وصوت.
ومن الأدلة على أن القرآن كلام الله :
وقال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}.
والمقصود بكلام الله في الآية أي القرآن.
وقالتعائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك: « ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى » متفق عليه.
قال عمرو بن دينار: (أدركت مشايخنا والنّاس منذ سبعين سنةً يقولون: القرآن كلام اللّه، منه بدأ وإليه يعود). رواه أبو القاسم اللالكائي.
وعمرو بن دينار من التابعين فيكون مقصوده بالناس هم الصحابة وكبار التابعين.
يؤمنون بأن كلمات الله لا تنفد ولا تنقضي
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
س3: اعرض بإيجاز نشأة القول بخلق القرآن قبل عهد المأمون.
نشأة القول بخلق القرآن
1: الجعد بن درهم : ( ت : 124 هـ )
أول من قال بخلق القرآن قتله أمير العراق خالد بن عبد الله القسري ذبحا يوم عيد الأضحى
2: جهم بن صفوان ( ت: 128 هـ )
جهم بن صفوان لم يكن ذا علم لكن كان ذا فصاحة.
أخذ القول بخلق القرآن عن الجعد ابن درهم وقيل بأن الجعد جده.
لم يتبع الجهم في زمانه خلق كثير لكن انتشرت مقالاته من بعده.
قتل الأمير سلم ابن الأحوز المازني جهم بن صفوان.
3: بشر بن غياث المريسي : ( 218 هـ )
افتتن بعلم الكلام وقال بخلق القرآن لكنه لم يكن يجرؤ على إعلان هذه المقالة خوفًا من هارون الرشيد إذ توعده بالقتل ، فتستر منه ، وقد كفر العلماء بشرا ودعوا إلى قتله.
أظهر بدعته بالقول بخلق القرآن ودعا إليها بعد موت هارون الرشيد سنة 193 هـ وتولي المأمون للخلافة وتقريبه لعلماء المعتزلة وقوله بخلق القرآن.
س4: اعرض بإيجاز اختلاف المواقف من مسألة اللفظ.
اختلف العلماء في مسألة اللفظ اختلافا كبيرًا وذلك لأن كلمة اللفظ تحتمل معنيين :
الأول : الملفوظ ؛ فيكون قصد القائل بـ : " لفظي بالقرآن مخلوق " أن القرآن مخلوق ويوافق بذلك رأي الجهمية.
الثاني : التلفظ ؛ فيكون قصد القائل فعل التلفظ وحركة اللسان ، وهذه مخلوقة لأن أفعال العباد مخلوقة.
وقد منع علماء السنة إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة المشتبهة لما تثيره من الفتن والاشتباه على الأمة ؛ فعدوا هذا القول من البدع.
واختلفت المواقف بالنسبة لمسألة اللفظ على النحو التالي :
الموقف الأول : جهمية فرحوا بمقولة حسين الكرابيسي بأن اللفظ بالقرآن مخلوق و تستروا في اللفظ ليشككوا الناس ويلبسوا عليهم حتى يقولوا بخلق القرآن من خلال القول باللفظ.
ويُحمل كلام الإمام أحمد الذي يقول فيه بأن اللفظية جهمية على هذا النوع.
قال جعفر بن أحمد: سمعت أحمد بن حنبلٍ يقول: «اللّفظيّة والواقفة زنادقةٌ عتقٌ».
وقال عبّاسٌ الدّوريّ: كان أحمد بن حنبلٍ يقول: «الواقفة واللّفظيّة جهميّةٌ»
الموقف الثاني :قوم تأثروا بعلم الكلام وببعض أقوال الجهمية وإن كانوا هم ليسوا جهمية في الأصل ، وعلى رأسهم : الشرّاك؛ قال: إن القرآن كلام الله؛ فإذا تلفظنا به صار مخلوقاً
حكمه : يوافق قول الجهمية بخلق القرآن عند التحقيق.
قال أبو طالبٍ للإمام أحمد: كُتب إليّ من طرسوس أنّ الشّرّاك يزعم أنّ القرآن كلام اللّه، فإذا تلوته فتلاوته مخلوقةٌ. قال: «قاتله اللّه، هذا كلام جهمٍ بعينه».
ذكر أبو القاسم اللالكائي عن محمّد بن أسلم الطّوسيّ أنه قال: (إنّ من قال: إنّ القرآن يكون مخلوقًا بالألفاظ، فقد زعم أنّ القرآن مخلوقٌ).
القول الثالث : قول داوود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري ، أخذ مسألة اللفظ عن الكربيسي وتأولها بقول :
" أما الذي في اللوح المحفوظ فغير مخلوق ، وأما الذي هو بين الناس فمخلوق "
وقال أيضًا : " القرآن محدث " يريدُ بالإحداث - على قول المعتزلة - أنه مخلوق
- أمر الإمام أحمد بهجره ودعا عليه.
القول الرابع : موقف جمهور أهل الحديث مثل الإمام أحمد :
منعوا الكلام في اللفظ مطلقاً لالتباسه؛ وبدّعوا الفريقين: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق.
قال إسحاق بن حنبلٍ: (من قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهو جهميٌّ، ومن زعم أنّ لفظه بالقرآن غير مخلوقٍ، فقد ابتدع، فقد نهى أبو عبد اللّه عن هذا، وغضب منه، وقال: (ما سمعت عالمًا قال هذا! أدركت العلماء مثل: هشيمٍ، وأبي بكر بن عيّاشٍ، وسفيان بن عيينة، فما سمعتهم قالوا هذا).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: (كان أبي رحمه الله يكره أن يتكلم في اللفظ بشيء أو يقال: مخلوق أو غير مخلوق).
الموقف الخامس: موقف جماعة من أهل الحديث قالوا بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق ، وهم يعتقدون بأن : القرآن غير مخلوق ، وأن أفعال العباد مخلوقة ، وأرادوا بذلك أن يقطعوا على الجهمية أقوالهم ، لكن أخطأوا التعبير.
الموقف السادس: موقف أبي الحسن الأشعري وأتباعه ؛ وهؤلا يوافقون الإمام أحمد على الإنكار على من يقول لفظي بخلق القرآن ، ومن يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، إلا أنهم فهموا من إنكار الإمام أحمد أنه أنكر لأن كلمة اللفظ تعني الطرح والإلقاء وهذا لايليق أن نصف القرآن به ؛ وحملهم هذا على ابتداع أراء أخرى في القرآن.
الموقف السابع: طائفة تقول بأن ألفاظ القراء بالقرآن غير مخلوقة ، وهم على أنواع :
منهم من يقول : إن صوت الربّ حلّ في العبد.
وقال آخرون: ظهر فيه ولم يحلّ فيه.
وقال آخرون: لا نقول ظهر ولا حلّ.
وقال آخرون: الصوت المسموع قديم غير مخلوق.
وقال آخرون: يسمع منه صوتان مخلوق وغير مخلوق.
احتجوا بقول الله تعالى : { فأجره حتى يسمع كلام الله } فأولوها على أن صوت القارئ هو كلام الله وكلام الله غير مخلوق.
ورد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله :
( فإن سماع كلام الله بل وسماع كل كلام يكون تارة من المتكلم به بلا واسطة الرسول المبلغ له، قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء}، ومن قال: إن الله كلمنا بالقرآن كما كلم موسى بن عمران، أو إنا نسمع كلامه كما سمعه موسى بن عمران، فهو من أعظم الناس جهلا وضلالا.)
س5: ما سبب ظهور بدعة ابن كلاب؟ وما موقف أئمة أهل السنة منه؟
أراد ابن كلاب أن يرد على المعتزلة قولهم بأن القرآن مخلوق وينتصر لأهل السنة ، لكنه انتهج طريقة المتكلمين وكانت بضاعته قليلة في أصول أهل السنة ؛ فأدى ذلك إلى التسليم بأصول المعتزلة بأن الله عز وجل يمتنع حلول الحوادث به جل وعلا ، وبذلك نفى الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة ومنها صفة الكلام ، وانتهى إلى أن القرآن هو حكاية المعنى النفسي القديم القائم بالله - عز وجل - ، فأتى بقول جديد لا هو إلى المعتزلة ولا هو إلى أهل السنة.
فهو يرى أن القرآن غير مخلوق ، لكنه نفى صفة الكلام عن الله عز وجل ونفى أن يكون الله عز وجل تكلم بالقرآن !
موقف أئمة أهل السنة منه :
ردوا عليه بدعته وأمروا بهجره ، قال ابن خزيمة: (كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره).