دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 شوال 1439هـ/12-07-2018م, 04:01 PM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس التاسع: مجلس مذاكرة القسم الثاني عشر من تفسير سورة آل عمران

مجلس مذاكرة القسم الثاني عشر والأخير من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 187- 200)



اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:
1: قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.

2: قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}.

والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.




تنبيه:
يذكر نوع الأسلوب المختار، كذلك مراجع الرسالة.


تعليمات:
- دراسة تفسير سورة آل عمران سيكون من خلال مجالس المذاكرة ، وليست مقررة للاختبار.
- مجالس المذاكرة تهدف إلى تطبيق مهارات التفسير التي تعلمها الطالب سابقا.
- لا يقتصر تفسير السورة على التفاسير الثلاثة الموجودة في المعهد.
- يوصى بالاستفادة من التفاسير الموجودة في جمهرة العلوم، وللطالب أن يستزيد من غيرها من التفاسير التي يحتاجها.

- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 ذو القعدة 1439هـ/13-07-2018م, 04:59 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:
1: قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
الأسلوب البياني
الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .
أمابعد :
فإن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات باهرة عظيمة امتن الله بها على عباده
لكن القليل منهم من يتفكر فيها ويؤدي شكرها للمنعم سبحانه وتعالى وذلك بذكره والتفكر في مخلوقاته .
قال تعالى :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)
سبب نزولها :
روى ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قُرَيْشًا قالُوا لِلرَّسُولِ ﷺ: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يَجْعَلْ لَنا الصَّفا ذَهَبًا، حِينَ ذَكَرَتِ اليَهُودُ والنَّصارى لَهم بَعْضَ ما جاءَ بِهِ مِنَ المُعْجِزاتِ مُوسى وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
(إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرض)جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ سِيقَتْ لِتَقْرِيرِ ما سَبَقَ مِنِ اخْتِصاصِهِ تَعالى بِالسُّلْطانِ القاهِرِ والقُدْرَةِ التّامَّةِ صُدِّرَتْ بِكَلِمَةِ التَّأْكِيدِ اعْتِناءً بِتَحْقِيقِ مَضْمُونِها، أيْ: في إنْشائِها عَلى ما هي عَلَيْهِ في ذَواتِها وصِفاتِها مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَحارُ في فَهْمِ أجْلاها العُقُولُ.
وهَذا غَرَضٌ أُنُفٌ بِالنِّسْبَةِ لِما تَتابَعَ مِن أغْراضِ السُّورَةِ، انْتُقِلَ بِهِ مِنَ المُقَدِّماتِ والمَقْصِدِ والمُتَخَلِّلاتِ بِالمُناسَباتِ، إلى غَرَضٍ جَدِيدٍ هو الِاعْتِبارُ بِخَلْقِ العَوالِمِ وأعْراضِها والتَّنْوِيهُ بِالَّذِينَ يَعْتَبِرُونَ بِما فِيها مِن آياتٍ.
وهَذا النَّحْوُ في الِانْتِقالِ يَعْرِضُ لِلْخَطِيبِ ونَحْوِهِ مِن أغْراضِهِ عَقِبَ إيفائِها حَقَّها إلى غَرَضٍ آخَرَ إيذانًا بِأنَّهُ أشْرَفَ عَلى الِانْتِهاءِ، وشَأْنُ القُرْآنِ أنْ يَخْتِمَ بِالمَوْعِظَةِ لِأنَّها أهَمُّ أغْراضِ الرِّسالَة.وحَرْفُ إنَّ لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَر.
والمُرادُ بِ ﴿خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ هُنا: إمّا آثارُ خَلْقِها، وهو النِّظامُ الَّذِي جُعِلَ فِيها، وإمّا أنْ يُرادَ بِالخَلْقِ المَخْلُوقاتُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿هَذا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: 11] .
وهذا من المجاز المرسل: فقد ذكر «السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ، ومراده ما فيهما من أجرام عظيمة بديعة الصنع صالحة للاستغلال في سبيل النفع الإنساني، والعلاقة محلية.
(واختلاف الليل والنهار )
أيْ تَعاقُبِهِما، وكَوْنِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما يَخْلُفُ الآخَرَ، وكَوْنِ زِيادَةِ أحَدِهِما في نُقْصانِ الآخَرِ، وتَفاوُتِهِما طُولًا وقِصَرًا وحَرًّا وبَرْدًا، وغَيْرِ ذَلِكَ لَآياتٍ أيْ: دَلالاتٍ واضِحَةٍ وبَراهِينَ بَيِّنَةٍ تَدُلُّ عَلى الخالِقِ سُبْحانَهُ.
و"اللَّيْلُ" قِيلَ: إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ واحِدِهِ، وجَمْعِهِ بِالتّاءِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ واللَّيالِي جَمْعُ جَمْعٍ والصَّحِيحُ أنَّهُ مُفْرَدٌ ولا يُحْفَظُ لَهُ جَمْعٌ واللَّيالِي جَمْعُ لَيْلَةٍ وهو جَمْعٌ غَرِيبٌ كَأنَّهم تَوَهَّمُوا أنَّها لَيْلاةٌ كَما في كَيْكَةٍ وكَياكِي كَأنَّها جَمْعُ كَيْكاةٍ، و"النَّهارُ" اسْمٌ لِما بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ وغُرُوبِ الشَّمْسِ، قالَهُ الرّاغِبُ. وقالَ ابْنُ فارِسٍ: هو ضِياءُ ما بَيْنَهُما، وتَقْدِيمُ اللَّيْلِ عَلى النَّهارِ إمّا لِأنَّهُ الأصْلُ فَإنَّ غُرَرَ الشُّهُورِ تَظْهَرُ في اللَّيالِي، وإمّا لِتَقَدُّمِهِ في الخَلْفِيَّةِ حَسْبَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ﴾ أيْ: نُزِيلُهُ مِنهُ فَيَخْلُفُهُ.
(لآيات لأولي الألباب )
أي دلالات واضحة وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه، (لأولي الألباب) أي لأهل العقول الصحيحة الخالصة عن شوائب النقص، فإن مجرد التفكر فيما قصه الله تعالى في هذه الآية يكفي العاقل ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبهة ولا يدفعه التشكيك.
ولب الشيء خلاصته .
واسْمُ إنَّ دَخَلَتْهُ اللّامُ لِتَأخُّرِهِ عَنْ خَبَرِها والتَّنْكِيرُ لِلتَّفْخِيمِ كَمًَّا وكَيْفًَا، أيْ: لَآياتٍ كَثِيرَةً عَظِيمَةٍ لا يُقادَرُ قَدْرُها دالَّةٍ عَلى تَعاجِيبِ شُئُونِهِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما مَرَّ مِنِ اخْتِصاصِ المُلْكِ العَظِيمِ والقُدْرَةِ التّامَّةِ بِهِ سُبْحانَهُ.
قال البيضاوي :
ولَعَلَّ الِاقْتِصارَ عَلى هَذِهِ الثَّلاثَةِ في هَذِهِ الآيَةِ لِأنَّ مَناطَ الِاسْتِدْلالِ هو التَّغَيُّرُ، وهَذِهِ مُعْتَرِضَةٌ لِجُمْلَةِ أنْواعِهِ فَإنَّهُ إمّا أنْ يَكُونَ في ذاتِ الشَّيْءِ كَتَغَيُّرِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، أوْ جُزْئِهِ كَتَغَيُّرِ العَناصِرِ بِتَبَدُّلِ صُوَرِها أوِ الخارِجِ عَنْهُ كَتَغَيُّرِ الأفْلاكِ بِتَبَدُّلِ أوْضاعِها.
وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «وَيْلٌ لِمَن قَرَأها ولَمْ يَتَفَكَّرْ فِيها».»
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )

المَوْصُولُ إمّا مَوْصُولٌ بِـ"أُولِي الألباب" مَجْرُورٌ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ كاشِفٌ لَهُ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ، وإمّا مَفْصُولٌ عَنْهُ مَرْفُوعٌ أوْ مَنصُوبٌ عَلى المَدْحِ أوْ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
والمُرادُ بِالذِّكْرِ هُنا ذِكْرُهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الأحْوالِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حالِ الصَّلاةِ وغَيْرِها.
وذَهَبَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ الذِّكْرَ هُنا عِبارَةٌ عَنِ الصَّلاةِ؛ أيْ: لا يُضَيِّعُونَها في حالٍ مِنَ الأحْوالِ
وهو يشمل الذِّكْرِ اللِّسانِيِّ والذِّكْرِ القَلْبِيِّ وهو التَّفْكِيرُ، «قالَتْ عائِشَةُ: (كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلى كُلِّ أحْيانِهِ»
(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
قوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ} فيه وجهان، أظهرُها: أنها عطف على الصلةِ فلا محلَّ لها. والثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال عطفاً على «قياماً» أي: يذكرونه متفكرين. فإنْ قيل: هذا مضارعٌ مثبت فكيف دخلت عليه الواوُ؟ فالجوابُ أن هذه واوُ العطف، والممنوعُ إنما هو واو الحال.
فَيَكُونُ ذَلِكَ أزْيَدَ في بَصِيرَتِهِمْ، لِأنَّ فِكْرَتَهم تُرِيهِمْ عَظِيمَ شَأْنِهِما، فَيَكُونُ تَعْظِيمُهم لِلَّهِ عَلى حَسَبِ ما يَقِفُونَ عَلَيْهِ مِن آثارِ رَحْمَتِهِ.
انطوى تحت هذا الإيجاز كل ما تمخض عنه العلم من روائع المكتشفات وبدائع المستنبطات.
وما أبدع فيهما؛ ليدلهم ذلك على قدرة الصانع، [ويعرفوا] أن لهلا مُدَبِّراً حَكِيماً.
وقال بعض العلماءِ: الفكرة تُذْهِب الغفلة، وتُحْدِث للقلب خشية، كما يُحْدث الماء للزرع والنبات، ولا أجليت القلوب بِمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفِكْرة.
﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا﴾
هو عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ؛ أيْ: يَقُولُونَ ما خَلَقْتَ هَذا عَبَثًا ولَهْوًا، بَلْ خَلَقْتَهُ دَلِيلًا عَلى حِكْمَتِكَ وقُدْرَتِكَ. والباطِلُ: الزّائِلُ الذّاهِبُ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ
وهُوَ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أيْ: خَلْقًا باطِلًا، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ، وقِيلَ: هو مَفْعُولٌ ثانٍ، وخَلَقَ بِمَعْنى جَعَلَ، أوْ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: هَذا إلى السَّماواتِ والأرْضِ، وهي مُتَضَمِّنَةٌ لِضَرْبٍ مِنَ التَّعْظِيمِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هي أقْوَمُ﴾ والتَّذْكِيرُ لِما أنَّهُما بِاعْتِبارِ تَعَلُّقِ الخَلْقِ بِهِما في مَعْنى المَخْلُوقِ.
(سُبْحانَكَ فقنا عذاب النار )
أيْ: تَنْزِيهًا لَكَ عَمّا لا يَلِيقُ بِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها أنْ يَكُونَ خَلْقُكَ لِهَذِهِ المَخْلُوقاتِ باطِلًا.
وهو اعْتِراضٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَهُ ومُمَهِّدٌ لِما بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾
(فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ الفاءُ لِتَرْتِيبِ هَذا الدُّعاءِ عَلى ما قَبْلَهُ أو الِاسْتِعْدادُ لِقَبُولِ الدُّعاءِ فالفاءُ لِتَرْتِيبِ المَدْعُوِّ أي : الوِقايَةَ عَلى ذَلِكَ كَأنَّهُ قِيلَ: وإذْ قَدْ عَرَفْنا سِرَّكَ وأطَعْنا أمْرَكَ ونَزَّهْناكَ عَمّا لا يَنْبَغِي فَقِنا عَذابَ النّارِ الَّذِي هو جَزاءُ الَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ.
المصادر :
تفسير الزمخشري
تفسير الالوسي
تفسير الرازي
تفسير البيضاوي
تفسير الزجاج
تفسير الشوكاني
تفسير أبي حيّان
تفسير أبو السعود
تفسير البقاعي
فتح البيان
تفسير ابن عاشور
الجدول في إعراب القران للصافي
الدر المصون للسمين الحلبي
اللباب لابن عادل

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 ذو القعدة 1439هـ/15-07-2018م, 01:16 AM
الصورة الرمزية هيا أبوداهوم
هيا أبوداهوم هيا أبوداهوم غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 607
افتراضي

: قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}.
الأسلوب المقاصدي :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، بعثه الله للناس كافة ، أما بعد ..
هذه الآيات فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ،عما يحصل للكفار من متاع وملذات وأرباح ونحوه ، فإنها كلها متاع لايستمر وزائل ، فلا يغتروا بما يرونهم لأنه زائل ومؤقت ، فبين حال الكفار في الدنيا على هذا المتاع ومآلهم ، وحال المؤمنين ومآلهم في الآخرة .
فيجب علينا عدم الاغترار بما عليه الكفار ، لذلك قال تعالى : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) .
فهي آيات نزلت في الكفار المغترين بما عندهم وما كسبوه ووجدوا من الملذات ،وقوله ( لايغرنك ) : الغرور هنا يعني الخداع ، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير : والغر والغرور : الإطماع في أمر محبوب على نية عدم وقوعه ، أو إظهار الأمر المضر في صورة النافع ، وهو مشتق من الغرة بكسر الغين وهي الغفلة ، ورجل غر بكسر الغين إذا كان ينخدع لمن خادعه .
أما( التقلب ) : فتعني التصرف كما ذكر الراغب الأصفهاني في غريب القرآن ، فهو تصرف يراد به تصرف في الأموال والتجارات والأعمال ونحوها .
فلا يغتر المؤمنين بتقلب الكفار في البلاد من حيث النعيم غير مأخوذين على ذنوبهم ، لأنه متاع قليل زائل ، وإمهال الله لهم لايعني أنه لن يعذبهم ، فالله تعالى حليم لايعاجل بالعقوبة ،فقال تعالى : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) .
واحسان الكافر في تعامله وأعماله الحسنة مع الآخرين يجده في الدنيا فقط ، واما في الآخرة ليس له نصيب من الحسنات ، كما قال تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ).
لذلك قال تعالى : ( متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد )
فمهما تمتعوا فيها من متاع في لوقت قليل ، وهو متاع وكسب بعده يكون الذل والعذاب لأنهم يكونون مرتهنين بأعمالهم السيئة .
( وبئس المهاد ) : فهذا ذم لمآلهم أنها بئس القرار والفراش .
قوله ( المهاد ) : وهنا إشارة لطيفة في أن ما يكون عليه حالهم في الآخرة بسبب ما كسبته أيديهم ، فذلك علينا الحذر من الذنوب .
ثم قال تعالى : ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار )
فهنا بيان لحال المؤمنين، فبعد أن ذكر عن حال الكفار بين حال المؤمنين المتقين لربهم ، لذلك علينا الحرص على تقوى الله لنكسب في الآخرة هذه الجنات .
والتقوى هو بطاعته سبحانه وتعالى واتباع مرضاته ، في العمل بما أمرهم به ، واجتناب ما نهاهم عنه.
فوعد الله المتقين بالجنات بدل متاع الدنيا الزائل ، فوعدهم بالجنات المختلفة الدائمة .
والجنات جمع جنة ، وقال الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القرآن : والجَنَّةُ: كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.
وهذه الجنات ميزتها أيضا أنها تجري من تحتها الأنهار ، فهذا من زيادة النعيم أن هذه الجنات تجري من تحتها الأنهار ، و( الأنهار ) جاءت معرفة بأل ، وقد جاءت في سورة محمد ذكر أنواع أنهار الجنة وهي أربعة أنواع من الأنهار ، فقال تعالى : ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)
وهذا النعيم الذي جعله الله للمؤمنين هو ثواب أعده الله لمن أطاعة ، لذلك قال : ( نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ) ، فعلينا السعي لما عند الله لأنه خير وأبقى .
ومعنى ( نزلا ) : أي ثوابا ورزقا ومنزلا .
وفي صحيح البخاري : {نزلًا} [آل عمران: 198] : ثوابًا، ويجوز: ومنزلٌ من عند اللّه، كقولك: أنزلته "
وذكر الله أنها ( خير ) فهي خير مما عند الكفار ،وماعند الله خير له أيضا .
فمن هم الأبرار ؟
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير : جمع البر وهو الموصوف بالمبرة والبر ، وهو حسن العمل ضد الفجور .
وقال السعدي عن الأبرار : وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما، وعطاء جسيما، وفوزا دائما.

فيجب علينا عدم الاغترار بما في الدنيا من متاع وحتى لو فتحت للكفار والعصاة لأنها استدارج لهم ، وعلينا الحرص على تقوى الله والقيام بالبر وأعمال البر لننال ما عند الله من الخير .
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ).
فعلينا الحذر من الذنوب والحذر من الأمن من مكر الله ، فعطاء الله للعبد مع استمراره في المعصية ليس دليل على رضا الله عنه ، فالله تعالى يعطي المؤمن والكافر ، فقال تعالى : ( كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) .
فعلينا الرجوع إلى الله والاستغفار من الذنوب التي كسبته أيدينا ، لأن الله حليم غفور رحيم ، ولكنه أيضا شديد العقاب .


انتهى .
------------------------

المراجع :
تفسير السعدي
التحرير والتنوير لابن عاشور
النكت والعيون للماوردي
مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهاني .
تفسير ابن عطية
تفسير ابن كثير
معاني القرآن للزجاج
تفسير ابن جرير
الدرر المصون للسمين الحلبي
صحيح البخاري
تفسير القرطبي
لسان العرب لابن منظور
تفسير البغوي
مجاز القرآن لأبو عبيدة
فتح القدير للشوكاني
تفسير الألوسي
تفسير غريب القرآن لابن قتيبة

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 ذو القعدة 1439هـ/15-07-2018م, 06:13 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}.

نوع الأسلوب : التقرير العلمي مع الوعظي .

روى الواحدي في أسباب النزول ،وبن حجر في العجاب في قوله تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبَ الَّذينَ كَفَروا في البِلادِ} أنهانزلت في مشركي مكة وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت هذه الآية).
وروى ابن جرير وبن المنذر وابن أبي حاتم عن السّدّيّ من طريق أسباط يقول : {لا يغرّنّك تقلّب الّذين كفروا في البلاد} قال ضربهم في البلاد .
وقال الدِّينَوَرِيُّ في غريب القرآن : تصرّفهم في التجارات، وإصابتهم الأموال .
ومناسبة الآية أنه لَمَّا وعَد اللهُ تعالى المؤمنين بالثَّوابِ العظيم، وكانوا في الدُّنيا في نهاية الفقرِ والشِّدَّة، والكفَّارُ كانوا في النِّعم، ذكَر اللهُ تعالى في هذه الآيةِ ما يُسلِّيهم ويُصبِّرُهم على تلك الشِّدَّة ليبلغوا المنزلة التي أعدها الله لهم .
قال: "ابن عطية" نزلت "يغرنك" في هذه الآية، منزلة: لا تظن أن حال الكفار حسنة فتهتم لذلك، وذلك أن المغتر فارح بالشيء الذي يغتر به، فالكفار مغترون بتقلبهم، والمؤمنون مهتمون به، لكنه ربما يقع في نفس مؤمن أن هذا الإملاء للكفار إنما هو لخير لهم، فيجيء هذا جنوحا إلى حالهم ونوعا من الاغترار فلذلك حسنت "لا يغرنك".
ونظيره قول عمر لحفصة: "لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى رسول الله ﷺ. المعنى، لا تغتري بما يتم لتلك من الإدلال فتقعي فيه فيطلقك النبي ﷺ.
والغرور مصدر قولك: غررت الرجل بما يستحسنه في الظاهر ثم يجده عند التفتيش على خلاف ما يحبه، فيقول: غرني ظاهره أي قبلته على غفلة عن امتحانه، وتقول العرب في الثواب إذا نشر ثم أعيد إلى طيه: رددته على غر .
يقول الغزالي :"فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان ، فمن اعتقد أنه على خير إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور ، وأكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير وهم مخطئون فيه ، فأكثر الناس إذن مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم .
قال الله تعالى : ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) . وقال صلى الله عليه وسلم : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " .
وخرج الخطاب بهذه الآية للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والمعنيّ به غيره من أتباعه وأصحابه، وذلك لأنه من المعلوم أن الرسائل العظيمة يُختار لتبليغها عظيمُ القَدْرِ والأمانة، فعِظَم قَدْرِ المرسَل بهذه الرسالة من دلائل عظمة الرسالة نفسها، وأنّها ذات شأن كبير، وأثر جليل.
روى ابن جرير وبن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة من طريق سعيد قال:(واللّه ما غرّوا نبيٌّ الله ولا وكّل إليهم شيئاً من أمر اللّه حتّى قبضه اللّه على ذلك).
وقيل هي على وجه التأكيد والتنبيه والتثبيت ، وإن كان معصوما من الوقوع فيه كما قيل:
قد يهز الحسام وهو حسام... ويجب الجواد وهو جواد .
وسبحان الله ما أعظم كتاب ربنا وأجزل ألفاظه ومعانيه ،وما أبلغ مطابقته لواقعنا الحالي وفي كل وقت ،فالناظر لأحوال من حولنا من مسلمين مستضعفين مشردين ،وكفار مترفين متقلبين في النعم مع كفرهم وشركهم ،يجد هذه الآية بلسماً شافياً لكل ألم يجده لأخوانه المنكوبين، سنة ماضية في هذه الحياة ليعلم الصادق من الكاذب والثابت على الحق من المتزعزع الذي يعبد الله على حرف ، والمؤمن الفطن الموقن بوعد الله لا تغره الدنيا بزخرفها ولا تصده المحن مع كثرتها ..
سُئل الإمام أحمد بن حنبل : ألم تصدك المحن عن الطريق ؟
‏قال : والله لولا المحن لشككت في الطّريق.

🔸 قال تعالى (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ) هو قليلٌ وحقير ومشوب بالآفات والحسرات، وإن طال زمانه وعظم شأنه فهو إلى زوال فما أضعف نفس رغبت فيه ،وما أقصر عقل نظر إليه .
قيل أن الحسن بن علي كان يتمثل: يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... إن اغتراراً بظل زائل حمق"
"وقال ابن السماك:
إن الدنيا من أولها إلى آخرها قليل، وإن الذي بقي منها في جنب الذي مضى قليل، وإنما لك منها قليل، ولم يبق من قليلك إلا قليل، وقد أصبحت في دار الشراء، ودار الفداء، وغداً تصير إلى دار الجزاء ودار البقاء، فاشتر اليوم نفسك، وفادها بكل جهدك لعلك أن تخلص من عذاب ربك."
فمن عرف هذا وتيقن به جاهد نفسه أعظم مجاهده وصابر لطاعة ربه ورابط حتى يبلغ المنزل ويفوز بالموعود الذي وعده الله به ،قال تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾.
يقول الله تعالى بعد الآية العظيمة {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ }
استدراك لطيف لبيان كمال حسن حال المؤمنين وسلامة عاقبتهم، وإن كانوا في الدنيا في بؤس وشدة، وعناء ومشقة ،فربهم البر الرحيم الذي عنده النعيم المقيم لايضيع عامل ولا يجمع على عبد بؤسين، إن لزم التقوى وتمسك بالعروة الوثقى ومانخدع بطول والأمل وعرف الدنيا وأحسن العمل،

واتقِ اللهَ فتقوى الله مـا ...خالطت قلبَ امرئ إلا وَصَلْ
ليس من يقطع طُرْقاً بطلا ...إنما مـن يتقـى الله البطـل .

(لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) اختصوا بها وخصهم ربهم بها، لكمال حالهم وحسن مآلهم ، وشتان بين نعيم مآله إلى النار مأوى ودثار ، ومن حبس نفس على طاعة الرحمن وصبر على شظف العيش ولأوى الزمان ، فكانت عاقبته الجنان وخلود مدى الزمان مكلل برضاء الرحمن فما أحسنها من عاقبة وما إجزله من عطاء (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ)
🔸(نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أضاف النزل عز وجل إلى اسمه الأعظم لتعظيم وتبجيل هذا المنزل وهذا التكريم الذي حباه الله به من اتقى ،فلله در نفوس تاقت إلى ذلك النعيم وسعت لبلوغ هذا التكريم .
(وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) الجزاء من جنس العمل بروا فبرهم البر الرحيم بجنات ونعيم وخلود مقيم ،عندية وخيرية من رب البرية ،{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾.

ومما يعين على اصلاح النفس وعدم الاغترار،تدبر الآيات ودعاء الأسحار ،وتذكر أحوال من قبلنا من الأخيار .
روى أبو بكر البغدادي عن ابراهيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :"التؤدة في كل شيء خير إلا في أمر الآخرة .
وروى عن أبا سليمان الداراني، من طريق الجصاص ،قال كان يقول : ينبغي للعبد المعنى بنفسه أن يميت العاجلة الفانية الزائلة، المنغصة بالآفات من قلبه، ويذكر الموت وما بعده من الأهوال، والخسران والندامة، والوقوف بين يدي الله عز وجل وسؤاله إياه، والممر على الصراط، والنار، فإنه يخف عليه التجافي عن دار الغرور:"

وقال بعض حكماء الشعراء:
رَكَنَّا إِلَى الدَّارِ دَارِ الْغُرُورِ وَقَدْ سَحَرَتْنَا بِلَذَّاتِهَا فَمَا نَرْعَوِي لأَعَاجِيبِهَا وَلا لِتَصَرُّفِ حَالاتِهَا نُنَافِسُ فِيهَا وَأَيَّامُهَا تَرَدَّدُ فِينَا بِآفَاتِهَا أَمَا يَتَفَكَّرُ أَحْيَاؤُهَا فَيَعْتَبِرُونَ بِأَمْوَاتِهَا .

جعلنا وأياكم ممن تفكر وادكر وما اغتر بها ولا انبهر
وبالفردوس ظفر .

.

المراجع :
من المصادر الأصيلة :
-التفاسير المسندة ، تفسير عبد الرزاق، وتفسير ابن جرير، وتفسير ابن أبي حاتم الرازي، وتفاسير الثعلبي والواحدي والبغوي،

- كتب التفسير في دواوين السنّة: كتاب التفسير في صحيح البخاري وصحيح مسلم وأبواب التفسير من جامع الترمذي وكتاب تفسير القرآن من جامع ابن وهب ومن سنن سعيد بن منصور الخراساني والسنن الكبرى للنسائي ومستدرك الحاكم .
وكذلك كتب التفسير في جوامع الأحاديث والزوائد، كجامع الأصول لابن الأثير، ومجمع الزوائد للهيثمي، والمطالب العالية لابن حجر، وإتحاف الخيرة المهرة للبوصيري،
( الصالحين ) .
-الكتب التي تجمع أقوال المفسرين ،وتعتني بتحرير المسائل :
تفسير تفسير ابن جرير، مكي بن أبي طالب ، والكشف والبيان للثعلبي، والنكت والعيون للماوردي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وزاد المسير لابن الجوزي، وأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،وابن عاشور، ومحمد الأمين للشنقيطي، وما جمع من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب في التفسير

-كتب السلوك، كتاب شعب الإيمان للبيهقي، وكتاب الزهد الكبير له، والمنتخب من الزهد للخطيب البغدادي، وأدب النفوس للآجري، واعتلال القلوب للخرائط ،وكتاب ذم الدنيا للبغدادي .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 4 ذو القعدة 1439هـ/16-07-2018م, 12:20 PM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

الحمد لله الذي ارتفع فوق العالمين ذاتاً وقدراً وتمجد فوق خلقه وعلاهم عزة وقهراً وأمر بإعمال التدبر في آياته ومخلوقاته قلباً وفكراً والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فذه كلمات قصيرة أكتبها حول آية عظيمة من آيات القرآن العطيم قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم (لقد أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها..) ثم قرأ: (أن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب.)
(أن في خلق السماوات والأرض) هذه في ارتفاعها واتساعها وهذه في انخفاضها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب وبحار وجبال وأشجار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان.
(واختلاف الليل والنهار.) تعاقبهما وتقاربهما في الطول واقصر والعتدال وكل ذلك تقدير العزيز العليم ولهذا قال تعالى (لآيات لأولي الألباب.)
وأولو الألباب هم أهل العقول الكاملة التي تدرك الأشياء وليسوا كالصم البكم الذين قال تعالى فيهم (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون.)

وأما قوله (يذكرون الله وقعوداً) وصف لأولي الألباب فهم لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم باللسان والقلب وأراد بقوله (قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم.) عموم الأحوال في النوم والراحة والشغل وقيل أراد أحوال المصلين من قادر وعاجز وشديد العجز وسياق اللآية بعيد عن هذا المعنى.
(ويتفكرون في خلق السماوات والأرض.) يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته واختياره ورحمته


إن الفكر في آيات الله ومخلوقاته جلاء الإبصار وشبكة العلوم وأكثر الناس قد عرفوا فضله ولكن جهلوا حقيقته وثمرته. وقد أمر الله تعالى بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز في مواضع لا تحصى وأثنى على المتفكرين فقال (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض.)
لقد سطر العلماء في كتبهم صوراً رائعة لتفكر السلف الصالح وشغلهم بالتفكر فهذا شيء يسير من أخبارهم:
قال عطاء انطلقت يوماً أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتنا وبيننا وبينها حجاب فقالت : يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"زر غبّاً ؛ تزدد حبّاً"، قال ابن عمير: فأخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فبكت، وقالت: كل أمره كان عجباً، أتاني في ليلتي ثم قال: ذريني أتعبد لربي عز وجل فقام إلى القربة فتوضأ منها ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته ثم سجد حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه حتى أتاه بلال يؤذنه بصلاة الصبح ، فقال: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. فقال: لقد أنزلت عليّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبر فيها أو كما قال عليه الصلاة والسلام
" إن في خلق السماوات والأرض واخِلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب
وعن محمد بن واسع أن رجلاً من أهل البصرة ركب إلى أم ذر بعد موت أبي ذر فسألها عن عبادة أبي ذر فقالت : "كان نهاره أجمع في ناحية البيت يتفكر".
قال الحسن:" تفكر ساعة خير من قيام ليلة".
قال الفضيل:" الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك".
وقال الحسن: "من لم يكن كلامه حكمة فهو لهو، ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو، ومن لم يكن نظره اعتباراً فهو لهو".
وفي قوله تعالى :
" سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ قال : أمنع قلوبهم التفكر في أمري .

وقال عبد الله بن المبارك يوماً لسهل بن عدي لما رآه ساكتاً متفكراً: أين بلغت(قال: الصراط!
وقال بشر :" لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل".


وبينما كان أبو شريح يمشي إذ جلس فتقنع بكسائه فجعل يبكي فقيل له ما يبكيك؟ قال:" تفكرت في ذهاب عمري وقلة عملي واقتراب أجلي".

وقال أبو سليمان: "عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر".
وقال (الفكر في الدنيا حجاب عن الآخرة وعقوبة لأهل الولاية، والفكر في الآخرة يورث الحكمة ويحي القلوب. وأن الذكر يزيد الحب وأن التفكر يزيد الخوف.)

وقال ابن عباس: "التفكر في الخير يدعو إلى العمل به والندم على الشر يدعو إلى تركه. وإذا كان هم العبد وهواه في الله عز وجل جعل الله صمته تفكراً وكلامه حمداً)

وقال الحسن: (إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر ، وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا قلوبهم فنطقت بالحكمة)
وقال الشافعي رحمه الله: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.


قال عمر بن عبد العزيز:" الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادات)
وسأل عبد الله بن عتبة أم الدرداء ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: "التفكر والاعتبار"..
قال وهب (ما طالت فكرة امرئ قط إلا علم وما علم امرؤ قط إلا عمل.)



قال ابن القيم رحمه الله في معنى التفكر: قاعدة جليلة: أصل الخير والشر من قبل التفكر فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض وأنفع الفكر:
1 الفكر في مصالح المعاد ..
2 وطرق اجتلابها ..
3 وفي دفع مفاسد المعاد..
4 وفي طرق اجتنابها.. ،
فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار ويليها أربعة:
1 فكر في مصالح الدنيا
2 وطرق تحصيلها.
3 وفكر في مفاسد الدنيا.
4 وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثمانية دارت أفكار العقلاء.

قال: ورأس القسم الأول الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها يثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.

من وسائل زيادة الإيمان التفكر في آيات الله في الكون في الآفاق في النفس (أولم يتفكروا في أنفسهم.)
فالثمرة الخاصة للتفكر العلم. وإذا حصل العلم في القلب تغير حال القلب وإذا تغير حال القلب تغيرت أعمال الجوارح فالعلم تابع للفكر فالفكر هو المبدأ ينتج علماً والعلم ينتج حال في القلب من الخشية والإحساس بالتقصير في حق الله والرغبة فيؤدي إلى زيادة أعمال الجوارح لأن القلب يأمر الجوارح بالعمل فيصلح الإنسان ويعلو شأنه ويتحسن حاله من نتيجة التفكر.

محبة الله تحصل من التفكر في النعم لأن النفس مجبولة على محبة من أحسن إليها.
وهكذا تحصل البصيرة بالتفكر



والتفكر في النفس يشمل أن يتفكر في خلق الله كيف خلق نفس الإنسان وجسده، والتفكر في النفس أيضاً يشمل التفكر في عيوبها.
فإذا كان فكره صحيحاً عرف العيوب واكتشف الأخطاء وبالتالي يمتنع عن الوقوع فيما وقع فيه سابقاً من الأخطاء ويجتهد في تحصيل ما يستر به عيوب نفسه.
ومن التفكر التفكر في خلق الله تعالى فإن فيه من العجائب والغرائب الدالة على حكمة الله وقدرته وجلاله
قال بعض العلماء من 1000 سنة : فمن آياته الإنسان المخلوق من نطفة وأقرب شيء إليك نفسك وفيك من عجائب الله الدالة على عظمة الله تعالى ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشيره وأنت غافل عنه فيا من هو غافل عن نفسه وجاهل بها كيف تطمع في معرفة غيره وقد أمرك الله بالتدبر في نفسك في كتابه العزيز فقال: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون.)
والتفكر كان يأخذ وقت طويلاً عند العماء ولذلك كانوا يقدمونه على قيام الليل:
قال ابن عباس:" ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.
وقد ذم الله من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره
ومدح عباده المؤمنين (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم..... ما خلقت هذا باطل.) أي ما خلقت هذا الخلق عبثاً بل بالحق لتجزي الذين أساءوا بما عملوا وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ثم نزهوه عن الباطل (سبحانك.) أن تخلق شيئاً باطلاً.) (فقنا عذاب النار.)
أي يا من خلق الخلق بالحق والعدل يا من هو منزه عن النقائص والعيب قنا من عذاب النار بحولك وقوتك ووفقنا لأعمال ترضى بها عنا تلحق به جنات النعيم وتجيرنا به من عذابك الأليم.)

عودوا قلوبكم البكاء والتفكر لأنه يوصل إلى مرضاة الله وانشراح الصدر وسكينة القلب ويورث الخوف والخشية من الله ويورث العلم والحكمة والبصيرة ويحيي القلوب.
نسأل الله أن يرزقنا التفكر في آياته وأن يعيننا على كل طريق يوصلنا ألى مرضاته. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"هذه الرسالة بالأسلوب الوعظي.)
المراجع
1 تفسير ابن كثير
2 التحرير والتنوير
3 تفسير القرطبي.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 4 ذو القعدة 1439هـ/16-07-2018م, 12:25 PM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

السلام عليكم نسيت أن أضيف تفسير السعدي الى قائمة المراجع

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 4 ذو القعدة 1439هـ/16-07-2018م, 06:35 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي


{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}

رسالة بالأسلوب الوعظي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،أما بعد

{ويل لمن قرأهن ولم يتفكر فيهن} بهذه الكلمات أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها حين قام ليلة فأخذ يبكى طويلا كما جاء في الحديث الذي خرجه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة
أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها سئلت عن أعجب ما رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت ثم قالت: كان كل أمره عجباً، أتاني في ليلتي التي يكون فيها عندي، فاضطجع بجنبي حتى مس جلدي جلده، ثم قال: ياعائشة ألا تأذنين لي أن أتعبد ربي عز وجل؟ فقلت: يارسول الله: والله إني لأحب قربك وأحب هواك- أي أحب ألاّ تفارقني وأحب مايسرك مما تهواه-قالت: فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي ويتهجد فبكى في صلاته حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بلّ الأرض، ثم اضطجع على جنبه فبكى، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الفجر، رآه يبكي فقال يارسول الله: مايبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال له: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة هذه الآيات : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ….) فقرأها إلى آخر السورة ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.
هذه الآيات العظيمة التى أبكت نبينا صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا ومضطجعا وجعلته لايهنأ بالنوم ليلته تلك
ياترى ما الذي تحمله هذه الآيات من المعانى العظيمة التى تحرك القلوب وتهتز لها المشاعر فتفيض العيون خشية وإجلالا لله تعالى
وقد ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالعشر آيات الاخيرة من ىل عمران إذا قام يصلى من الليل{ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: بتّ عند خالتي ميمونة، فتحدّث رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعةً، ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الآخر، قعد فنظر إلى السّماء، فقال: {إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب} ، ثمّ «قام فتوضّأ واستنّ فصلّى إحدى عشرة ركعةً» ، ثمّ أذّن بلالٌ، «فصلّى ركعتين ثمّ خرج فصلّى الصّبح»). [صحيح البخاري: ]
وقد ورد في سبب نزولها مرويات كلها ضعيفة
وهذه الآيات هى بالفعل آيات وبراهين دالات على عظمة الخالق وكمال صفاته من الغنى والملك والعلم والقدرة والإحاطة والعزة والجبروت ولكن لمن ؟لأولي الألباب وهم أصحاب العقول السليمة من الأهواء والضلالات
قال تعالى{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لىيات لأولي الالباب} ؛فمن تأمل هذه السماوات على عظمة اتساعها وبديع صنعها والأجرام التى تدور فيها على عظمتها وانتظام سيرها وعجيب ما يكون فيها من تأمل هذا لايملك إلا أن يشهد أنه لاإله إلا الله وأنه العزيز الذي قهر كل شىء ودان لعزته كل شىء وأنه الحكيم الذى له الحكمة البالغة والنعمة السابغة الذي أحسن كل شىء خلقه فتبارك الله احسن الخالقين
وقد بين لنا في غير آية في كتابه عن عظمة هذا الخلق وجانبا من حكمته في خلقه فقال تعالى {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر} وقال {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لاتسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}
وأما اختلاف الليل والنهار فتلك آية أخرى عظيمة الشأن فبقدرته يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل فيدخل هذا في هذا والعكس فيدخل ساعات من الليل في النهار فيطول ويدخل ساعات من النهار في الليل فيقصر وكل ذلك بأمره وعزته كما قال {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} ومن فوائد اختلاف الليل والنهار حصول المعاش في الضياء والراحة والسكون في الظلمة ؛فمن كان له عقل صحيح كانت تلك آيات وبراهين قاطعة على وحدانيته وعزته
وقد خص الله تعالى بالذكر خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لأنها لاتخفى على أحد وهى آيات عظيمة تدل على عظمة الخالق ؛فإذا نظر ذو اللب إليها ثم رجع إلى نفسه أين هو من هذه المخلوقات العظيمة ؟ ثم إن هذه المخلوقات على عظمتها واتساعها إنما خلقت من أجله فهى مدبرة مسخرة يدبرها خالقها بعزته وسلطانه فيرى كمال خضوعها ويعود على نفسه ويحدثها :ألست حرية بأن تكونى لله مطيعة قانتة خاضعة؟
فمن أدام التفكر والنظر والتأمل في هذه المخلوقات وفهم الحكمة التى من وراء خلقها فإنه يدخل في هؤلاء الذين مدحهم الله تعالى وأثنى عليهم وسماهم أولو الألباب
ثم بين سبحانه مزيدا من أوصاف هؤلاء وأفعالهم الحسنة فقال {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم }وهذه الصفة العظيمة لهم {ذكر الله }بل ذكره في جميع أحوالهم وهذا هو الفضل أنهم لايفترون عن ذكر ربهم ذكر باللسان وذكره بالجنان وهو التفكر وهذا الذكر مما يدل على دوامه أنه في حال قيامهم وقعودهم وعلى جنوبهم وهذه الأحوال هى الأحوال التى لاينفك عنها العبد فهو إما قائم مشتغل بأموره أو قاعدا أو مضطجعا راقدا فدل ذلك على كثرة الذكر وقوله تعالى {ويتفكرون }يحتمل أن يكون العطف هنا يقتضي المغايرة فإن العبد كلما ذكر ربه بلسانه وتواطأ عليه قلبه فإنه يعمل فكره وعقله فيما يذكر فيزداد إيمانا فيعود فيذكر ربه من زيادة الإيمان ؛فلايزال الذكر يعود على الفكر والفكر على الذكر وهذه هى حال اولي الالباب
وقد ذكر لنا سبحانه وتعالى جانبا مما يتفكرون فيه فقال {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}؛فإنها مدعاة حقا للتفكر إما بالتفكر في عظمة خالقها وكمال صفاته وإما بالتفكر في بديع الخلق الدال على عظمة الخالق أيضا ووحدانيته
ثم إن هذا التفكر يفضي بهم إلى نتيجة حتمية وهى قولهم {ربنا ماخلقت هذا باطلا}أي ماخلقت هذا الخلق العظيم ياربنا باطلا أى عبثا تعالى الله عن ذلك بل لحكمة عظيمة ؛فإنهم لما تأملوا أحوال المخلوقات وجدوا منها الطايع القانت ومنها الكافر والجاحد فعلموا أنه لابد من جزاء وثواب وعقاب ولذا قالوا {ما خلقت هذا باطلا سبحانك}فنزهوا الله عن العبث وأن يخلق شيئا بغير حكمة ولهذا لما تيقنوا أنه لابد من يوم يحاسب فيه العباد سألو الله تعالى أن يقيهم شر ذلك اليوم فقالوا {فقنا عذاب النار}
وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن بربه التالى لكتابه فإنه كلما مر بآية كونية أو شرعيه فإنه يفكر فيها ويتأمل ويكرر النظر والفكر فسيرى من وراء ذلك التفكر ثمرة في قلبه ووجدانه تدفعه أن يلهج بذكر ربه والخشية من عقابه
فإنه إذا كان في يوم حار تفكر وتذكر حر الشمس حين تدنو من رؤوس الخلائق يوم القيامة فتعوذ بالله من شر ذلك اليوم وإذا شرب الماء البارد في يوم حار تذكر الخلق حين يخرجون من قبورهم عطاشا ثم يردون الحوض فمنهم من يسقى ومنهم من يمنع فيتذكر ذلك اليوم فيحمد الله على هذه الشربة ثم يخاف العطش في ذلك اليوم فيتقي ربه وهكذا ينبغى للعبد أن يتفكر في آيات الله ومخلوقاته لأنها حتما ستدله على ربه الواحد الأحد القهار وهذا التفكر هو الذي يميز الإنسان على سائر المخلوقات فقد ميزه الله بالعقل والفهم ولهذا يكثر الله تعالى من ذكر العقل في القرآن فيقول {أفلا تتفكرون}{أفلا تعقلون}{أفلا تتذكرون}
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآيات عند قيامه لصلاة الليل فإن أول شىء يفعله حين يستيقظ أن يذكر ربه ويتلو هذه الآيات العظيمة وهو ينظر إلى السماء ليكون أقرب لاستشعار عظمة الخالق سبحانه وتعالى
ومن خلال هذه المعانى العظيمة في تلك الآيات تظهر أهمية التفكر وأنه عبادة جليلة لا تقل عن العبادات الأخرى بل قد تكون هى سبب في إحسان العبادات فإن العبد إذا تفكر في مايرى وما يسمع وما يذكر به ربه لتغير قلبه وحاله ولذاق حلاوة الإيمان نسأل الله من فضله
المصادر:
-الطبري
-ابن كثير
-ابن عاشور
-السعدي
-المنار
-جمهرة التفاسير (أسباب النزول) وما ورد في السنة
-الجمع بين الصحيحين

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 5 ذو القعدة 1439هـ/17-07-2018م, 01:22 AM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

1: قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
رسالة تفسيرية بالأسلوب الوعظي :
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فهذه تأملات في قول الله تعالى:إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
تصدرت هذه الآية عظمة الخالق سبحانه ، وذكر لسعة خلقه ، وبديع صنعه ، والآيات العظيمة في خلق الليل والنهار ، وخلق السموات والأرض ، والتفكر فيها يزيد العبد المؤمن محبة وتقرباً ، واستشعاراً لعظمة الخالق ، وإجلال صنعه ، فكرر سبحانه وتعالى ، في كتابه ، خلق السموات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، والتفكر ببديع صنعه قال عز وجل :( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ) النحل :3، وقال تعالى :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) هود:7 ، وغيرها من الآيات الكثيرة ، ليبين لنا عظمته ، ووحدانيته ، وأنه لامعبود سواه ، ولما هذا التفكر ، من أثر عظيم على هذه النفس الضعيفة ، فهو يزيد القلب إيماناً ويقيناً ، بعظمة خالقه ، ورحمته ، وعظم ثوابه، وينمي النفوس ، ويزيدها طمأنينة وسكوناً ، فلا يميل ولايحيد القلب لسواه سبحانه.
فمن هذا المنطلق يتبين إن التفكر والتدبر من أعمال القلوب العظيمة ، وهو مفتاح العلوم ، الموصل إلى المعرفة والعلم ، الباعث إلى الإيمان واليقين بعظمة الخالق.
قال الحسن البصري: «تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة ..
وقال ابن عباس: “ركعتان مقتصدتان في تفكر خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب”.
فمن العجائب في تصدر هذه الآية بذكر هذا الخلق وبديع صنع الله
-ذكر خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتخصيصها ، لأنها أقهر وأبهر والعجائب فيها أكثر وانتقال القلب منها إلى عظمة الله وكبريائه أشدّ.
-فيها اثبات صفات الله ، ووحدانيته وربوبيته ، بكمال صنعه وخلقه.
-اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما ، دلالة قدرة الله بتقليب الأشياء ، وأنها تحت رحمته ، فلا شيء يثبت على أمر ، فله سبحانه تصريف الأمور وتقلبها ، وكل شيء عنده بمقدار.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة ، كان كثير التفكر والتدبر ، كثير البكاء والتأمل في خلق الله ، وروى ابن حبان في صحيحه من حديث عبيد بن عمير أنه سأل أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قال: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: «يَا عَاِئشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي»، قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا يَسُرُّكَ. قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزلْ يَبْكِيِ حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزلْ يَبْكِيِ حَتَّى بَلَّ لِحيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزلْ يَبْكِيِ حَتَّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤذِنَهُ بالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ تَبْكِي، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَاتٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا:﴿ إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... ﴾
-وذكر ابن عاشور : أن الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات.
وقال ابن عاشور في هذه الآية قولاً جميلاً : أن الإنتقال وقع إلى غرض عام وهو الاعتبار بخلق السماوات والأرض وحال المؤمنين في الاتعاظ بذلك ، وهذا النحو في الانتقال يعرض للخطيب ونحوه من أغراضه عقب إيفائها حقها إلى غرض آخر إيذانا بأنه أشرف على الانتهاء ، وشأن القرآن أن يختم بالموعظة لأنها أهم أغراض الرسالة ، كما وقع في ختام سورة البقرة .
وختمها سبحانه بقوله :( لأولي الألباب ) ، فاللبيب هو من يفقه ويتفكر بهذا الخلق ، ومايدرك حقائقه ، إلا العقول التامة الذكية ، مما يزيدالقلب المؤمن الإيمان والتسليم ، ويملأ نفسه قبولاً وتصديقاً، وهو نعت لهم ، لأنه من بلاغة الحكمة ، والعقل السديد أن يستدلوا على توحيد الله وربوبيته من دلالة هذه الآية.
واثني الله سبحانه وتعالى على المؤمنون ،فذكرهم بأولي الألباب ،فلا تعطى نعمة التفكر والتأمل بخلق الله ،إلا لمن كان لبيباً حكيماً مبصراً ، أما الكافر ومن غلبت عليه شهوته ، فقد حرم منها وأبعد عنها
لذا كان القرآن يعجب من عقول الكافرين ،كيف لم تدرك عظمة الله بآياته الكونية: قال تعالى :( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذريات:47-49
قال الشافعي رحمه الله: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.
وقال بشر :” لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل”.
وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول; لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.
فمن ثمار وفوائد التدبر والتفكر :
-استقرار القلب بعظمة الخالق الرازق ، فتطمئن النفس.
-ازدياد الإيمان في القلب ، فيزداد اليقين بصفات الله ، ولهذا كان العلماء أخشى الله من عباده. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فاطر 28.
فآيات الله في الكون لاتتجلى على حقيقتها ، ولا يثمر مفعولها إلا. لقلب متفكر متدبر ،لعظمة الخالق ، ناظر ومتأمل لقدرته ، قال تعالى :( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ﴾.
فهذه الآية دلالة وحدانية الله ، وربوبيته ، وكمال علمه وقدرته ، فالآيات جزء قليل من مخزون خلقه ، ومما يؤيد كون المذكورات معظم الشواهد الدالة على التوحيد ما أخرجه الطبراني وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس أنه قال : أتت قريش اليهود فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين ، وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فدعا ربه فنزلت : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .
فعلى المؤمن الموحد التفكر في خلق الله والتأمل في معجزاته ، فهي من أشرف وأعلى المجالس ، لأنها روح الفكر وقوته ، وثبات القلب ويقينه ، فلا يصده شاغل عنها من لهو الدنيا وزينتها ، فهي عبادة عظيمة ،تعين العبد على صلاحه وثبات قلبه قال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) يونس 92.

المصادر :
تفسير ابن جرير الطبري
تفسير ابن عطية
تفسير القرطبي
تفسير البغوي
التحرير والتنوير لابن عاشور. 
النكت والعيون للماوردي.
تفسير ابن كثير
تفسير الألوسي
تفسير الزجاج
وتفسير أبي بكر القسطلاني

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 5 ذو القعدة 1439هـ/17-07-2018م, 07:07 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:
1-(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ*{لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ} [آل عمران : 198]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ،القائل: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين﴾.6 النحل89
والقائل : - }وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تفصيلا}

فما من شيء إلا وفي كتاب الله له بيان وتفصيل ، ليهتدي به من يشاء ،ورحمة لمن صدقه وعمل به، وبشارة للمسلمين بحسن عقابتهم ومصيرهم.

ومما بين الله في كتابه،حال الكفار في الدنيا ومصيرهم في الآخرة ، لئلا يغتر المؤمنين ، بما يرى من حالهم ، وتقلبهم في البلاد ، في تجارة أموالهم ومكاسبهم ، وما يمتعون به من صحة ، ورغد عيش ، وما وصلوا إليه من حضارة وتقدم في العلوم الدنيوية.

فكثير من أبناء المسلمين ، انبهروا لما رأوا حضارتهم وماهم فيه من تقدم ورقي ،مع أنهم أعداء الله ، وهذا حصل لبعض المؤمنين في عهد رسول صلى الله عليه وسلم ، فقد ذكر الواحدي في أسباب النزول، أن مشركي مكة كانوا في رخاء ولين من العيش ، وكانوا يتجرون ويتنعمون ، فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد . فنزلت قوله تعالى :(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ *مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)

فالخطاب في الآية ، قيل : للنبيّ صلى الله عليه وسلم قاله ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن ، فعن عباد بن منصور ، قال: سألت الحسن عن قوله: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد )قال: لا تغتر بأهل الدنيا يا محمد.
فإن قيل : كيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وهو لا يجوز عليه الإغترار ؟
ذكر أهل العلم لذلك ثلاثة أقوال:
-إما الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمراد أمته صلى الله عليه وسلم ،
فقد روى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ،عن قتادة قوله:( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد )والله ما غر نبيّ الله ولا وكل إليهم شيئا من أمر الله حتى قبضه الله على ذلك.
وقيل : هو خطاب عام ، للنبيّ صلى الله عليه وسلم ،وغيره بطريقة التغليب، تطييباً لقلوب المخاطبين ذكره الألوسي .
وقيل: خطاب له صلى الله عليه وسلم ، والمراد منه تثبيته على ماهو عليه كما قال تعالى:(فلا تطع المكذبين )
وقيل : أن الخطاب عام لغير معيّن ممن قد يرى حال الكفار فيغرّه حسن حالهم . وهو أولى الأقوال ، لأنه بالقول به يدخل به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل من غرة حال الكفار وماهم عليه من تقلب في البلاد بتجارتهم وحضارتهم.
ومعنى (يغرنك)يخدعنك عن الحقيقة.
وهو مشتقّ من الغرّة بكسر الغين وهي الغفلة ، ورجل غِرّ بكسر الغين إذا كان ينخدع لمن خادعه . وفي الحديث : " المؤمن غرّ كريم " أي يظنّ الخير بأهل الشرّ إذا أظهروا له الخير .
ففي الآية نهي عن الأغترار والانخداع بحالهم وماهم عليه.
(تقلب الذين كفروا) المراد بتقلبهم قيل هو :ضربهم في الأرض بالتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم.
وقيل : تصرفهم في البلاد حسب مشيئتهم في التجارة والحروب ونحوها ،على جهة السيطرة والغلبة والنفوذ،

كما قال تعالى :(ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) .
والاغترار بالكفار يكون من وجهين:
الأول: إما اغترار بحالهم وما عندهم من بهجة الدنيا ، من أموال ، وبنين وصحة وحضارة وغيرها من متاع الدنيا بالرغم مماهم مقيمين عليه من الكفر بالله ، فيظن أن ماهم عليه حق بدليل تمكين الله لهم في الأرض، وأنهم غير مأخوذين بذنوبهم.
الثاني : الاغترار بهم ، بأن يفعل مثلهم ، بالتحلل من الدّين ، حيث يظن أن سبب تقدمهم وحضارتهم تركهم دينهم ، وأن التمسك بالدّين هو سبب ، التأخر والرجعية .
وهذا ليس بحق ، فالله تعالى قال:({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران : 178]


وقال تعالى {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ}.
فإن إمهال الله لهم ، وتمكينهم من التقلب في البلاد بالتجارة والخيرات أو على جهه السيطرة والغلبة ، ماهو إلا استدراج ، ليزدادوا أثما ، ثم العذاب المهين في الآخرة ، لهذا قال الله تعالى مبيناً حجم ومقدار ما نرى للكفار من أموال ، وحضارة وتجارة :(مَتَاعٌ قَلِيلٌ )المتاع ما يتمتع به ثم يفنى ويزول ، فهو منفعة عاجلة.

والمتعة نوعان :

1- إما متعة قلبية ، وهذه لا تكون إلا للمؤمن ، يتمتع بذكر الله ، وبالإيمان بربه.

2- متعة جسدية ، وهذه يشترك بها الإنسان والأنعام ، وهي ما يحصلها الجسد من لذة في مأكل أو مشرب أو مسكن أو غير ذلك ، وهي كل متعة ذكرت بالقرآن ، مضافة إلى الدنيا ،أو إلى الكفار ، كما قال تعالى :( أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين ) وقوله تعالى:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}

ثم وصف هذا المتاع (قَلِيلٌ) لأنه فاني ، وهو قليل في زمنه ، فهما طال عمر الكافر ، فهو محدود بأجل مجهول ، وقليل في كميته ،فمهما ملك الكافر من متع الدنيا ، فهو لا يملك إلا القليل ، بالنسبة لنعم الدنيا ، وكذلك كيفيته ، فهذا المتاع مكدر بالأسقام ، والمصائب ، والخسارة في المكاسب ،قال تعالى :(وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع .)

وفي صحيح الترمذي عن المستورد الفهري قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم ، فلينظر بماذا يرجع .

ثم بين مصيرهم في الآخرة فقال:(ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* )

(ثم )اداة التراخي تفيد أنه ولو طال عمرة وامتد أجله ، فإن مصيره ومرجعه ومآله ، لجهنم ، وهي النار ، وسميت بجهنم ، قيل : لبعد قعرها ،وقيل : مشتقه من الجهمة وهي السواد .

(وَبِئْسَ الْمِهَادُ)قال ابن عباس ؛بئس المنزل ، وقال الحسن :الفراش




وقال مجاهد :بئس ما مهدوا لأنفسهم.ذكر هذه الأقوال ابن أبي حاتم
أي : بئس المنزل والفراش والمقرّ جهنم .
وكلمة المهاد ، تفيد أن النار محيطة بهم من كل جانب .-نسأل الله العافية-
فجزاؤهم من جنس ما تمتعوا به ، تمتعون بالتقلب والضرب في البلاد ، فكان عقابهم ، بأن حصروا في مكان ضيق ، قعره بعيد حالك السواد ، ينسيهم ذاك النعيم في الدنيا.
عن أنس بن مالك , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من الكفار , فيقال : اغمسوه في النار غمسة , فيغمس فيها , ثم يقال له : أي فلان , هل أصابك نعيم قط , فيقول : لا ما أصابني نعيم قط , ويؤتى بأشد المؤمنين ضرا وبلاء , فيقال : اغمسوه غمسة في الجنة : فيغمس فيها غمسة , فيقال له : أي فلان , هل أصابك ضر قط أو بلاء , فيقول : ما أصابني قط ضر ولا بلاء " .
ففي هذه الآية: تسلية للمؤمنين ، وبيان أن ما عليه الكفار ماهو إلا استدراج ، ومتاع قليل زائل وفي الآخرة عذاب جهنم وبئس المهاد.

قال تعالى في سورة الزخرف :{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ*{وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف :33-34- 35]


أي:لولا أن يكون جماعة واحدة على الكفر ، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن ، لبيوتهم سُقُفا من فضة وسلالم عليها يصعدون،وجعلنا لبيوتهم أبوابًا من فضة، وجعلنا لهم سررًا عليها يتكئون، وجعلنا لهم ذهبًا، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وهو متاع قليل زائل، لا يساوي عند الله شيئاً، ونعيم الآخرة ، باقي لا يفنى مدَّخر عند ربك للمتقين ليس لغيرهم.

قال عمر رضي الله عنه: استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في مشربة وإنه لمضطجع على خصفة إن بعضه لعلى التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا وإن فوق رأسه لإهابا عطنا وفي ناحية المشربة قرظ، فسلمت عليه فجلست، فقلت: أنت نبي الله وصفوته وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير، فقال: أولئك عجلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع، وإنا قوم أخرت لنا طيباتنا في آخرتنا.) رواه الحاكم

وفي الصحيحين وغيرهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة "

وفيها : تحذير للمؤمنين ، من أن يأمنوا عذاب الله إذا اغدق عليهم النعم وهم مقيمين على معصيته ، فليس اعطاء الله نعمه لخلقه ، علامة على رضاه ومحبته ، لأنها قد تكون استدراجاً ، ليستمر في غيّه ، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب .

فالاستدراج لا يكون للكفار فقط؛ وإنما يقع على الكافر والمسلم على حد سواء، فقد جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : }فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}

{لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ} [آل عمران : 198]

(لكن) حرف استدراك ، أنه لو تقلب المتقون في الأرض واصابوا من خيراتها ونعيمها ومتاعها ، فهذا لا يحول بينهم وبين ما أعد الله لهم من النعيم المقيم ، فمتاع الدنيا ، قد يشاركون الكفار به، ولكن الكفار لا يشاركونهم ، نعيم الآخرة ، فهي خالصة للذين آمنوا . قال تعالى في سورة الاعراف:({قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 32]

(الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) ومعنى التقوى : اي جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر وترك النواهي .

فهنا وصف المؤمنين بأجل وصف وأنسبه للسياق بالتقوى، فلما أنعم الله عليهم مع نعمة الإيمان ، بمتع الدنيا ، من أموال ، وأولاد ، وصحة ، وغيرها من الخيرات ، اتقوا الله في ذلك بآداء حق الله فيها ، وعدم الإسراف فيها ، وتضييعها ، مع آداء شكرها، و صنيعهم هذا هو من فضل ربهم ، مربيهم بالنعم ، ومربيهم بهدايته لهم وتوفيقهم للتقوى فيما منحهم من نعم دنيوية وآخروية، فكان جزاؤهم في الآخرة

(لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)

جنات : جمع جنة وهو البستان كثير الأشجار ، سمي بذلك لأنه يجنّ من كان فيه ويستره، والمراد : الجنات التي اعدها الله لعباده الصالحين ، التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

هذه الجنات ، فيه القصور العالية والتي تجري من تحتها الأنهار التي تجري بغير اخدود ، حيث شاء صاحبها ، انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من عسل مصفى وأنهار من خمر لذة للشاربين ، هذا نعيم حسي وليكتمل التنعم فيها ويتنعم روحيا ونفسياً ، وليهنئا بهذا النعيم ، طمأنهم بأن هذا النعيم ، لن تخرجوا منه ولن يزول عنكم فقال:(خَالِدِينَ فِيهَا) خلود وبقاءاً ابدياً. وليكتمل نعيمهم بين أنه من ربهم لا فضل لاحد عليهم به ، وأنه عظيم وجليل لأنه من إلههم ومحبوبهم فقال:(نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ) أي : ضيافة ، فالنزل هو اسم لأول ما يقدم ويهيأ للضيف من الطعام والقرى وغيره ، وقيل : تكرمة لهم ، وقيل : منزلا ً.قال تعالى : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون نزلاً من غفور رحيم }

فوصف الجنات ، بأنها تكرمة منه للمتقين ، وضيافة لهم ، وهذه الجنات التي اعدت نزلا وضيافة من عند الله ، أي من قِبل الله ، إلههم الذي ألهته قلوبهم وأحبته ومن عطاياه ، اكرمهم بها. وهو الجواد الكريم ، فالجود والكرم من الأكبر يكون عظيما وكريما وكثيرا.

فما ألذ العيش بضيافة المحبوب .

وهذا بمقابل ما أعد للكفار من جهنم وبئس المهاد.

(وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ)

أي والذي عند الله مما أعده لمن أطاعه.

( خير) اختلف في متعلق خير فقيل: ما عند الله من الكرامة وحسن المآب ، خير مما كان عليه الكفار من تنعم في الدنيا.

وقيل : خير مما كانوا عليه المتقون في الدنيا من نعيم.

روى ابن جرير عن عن عبد الله قال: ما من نَفْس بَرَّة ولا فاجرة إلا والموتُ خير لها. ثم قرأ عبد الله: " وما عند الله خير للأبرار "، وقرأ هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ .)

وقيل : خير مما ذكر من وصف الجنات،كقوله تعالى : ({لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق : 35] ففي الجنة ما يتمناه الإنسان وأكثر وهو النظر إلى وجه الله عزوجل ، وهو أعظم النعيم ، لهذه سماه الاه زيادة في قال تعالى :(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ) ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ( الزيادة) بالنظر إلى وجهه الكريم . قاله ابن عثيمين في تفسيره.

ومعنى الآية يسع جميع هذه الأقوال ، فما عند الله من الجزاء والثواب ، خير مما يتقلب به الكفار من متاع الدنيا ، وخير مما يتنعم به المؤمن في دنياه ، وما أعده الله للعبد من ضيافة ، عنده ما هو خير له منه وهو الزيادة على هذا النعيم وهو النظر لوجهه الكريم.

(لِّلْأَبْرَارِ) جمع برّ ، والبرّ كثير الخير ، وذلك بفعله الطاعات ، وتركه المنهيات.

قال ابن سعدي :وهم الذين برت قلوبهم، فبرت أقوالهم وأفعالهم، فأثابهم البر الرحيم من بره أجرا عظيما، وعطاء جسيما، وفوزا دائما.

ففي هذه الآية حث على التقوى وبيان فضلها ، وثوابها من النزل العظيم والثواب الجزيل ، والتقوى محلها القلب ، فإذا عمرّ القلب بالتقوى ، فاض وبرّ بالطاعات القلبية من تصديق وخشية ومحبة وتعظيم وحسن ظن وافتقار وغيرها من عبادات القلب ، فظهر أثر برّ القلب على الجوارح ، فبرّت ، و اشتغلت بطاعة الرحمن ، و اكتفت من الدنيا بقدر حاجتها منها ، وعمرت وقتها بالطاعات .

فعلى العبد تأمل هذه الآيات ، وأن يجعل له نصيبا وافرا من العمل بها ، لينال ذلك الثواب العظيم من البرّ الرحيم .

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد انه لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك

......... رسالة وعظية

المراجع

تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والألوسي وابن عطية وابن كثير والقرطبي ، وابن عاشور ، وسيد طنطاوي ، وابن سعدي وابن عثيمين .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 02:24 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم الثاني عشر من تفسير آل عمران

رسالة تفسيرية بالأسلوب العلمي
قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
أسباب النزول :
روي عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم فقالوا: يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهبًا فأنزل الله تعالى:*{إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَّيلِ وَالنَهارِ لآياتٍ لأُولي الأَلبابِ}).*أخرجه الواحدي وابن أبي حاتم وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ورواه الطّبرانيّ، وفيه يحيى الحمّانيّ وهو ضعيفٌ.
قال ابن كثير رحمه الله تعليقا على سبب النزول : وهذا مشكل ، فإن الآية مدنية ، وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة ، والله أعلم .
قال ابن حجر العسقلاني : ورجاله ثقاتٌ إلّا الحمّانيّ فإنّه تكلّم فيه وقد خالفه الحسن بن موسى فرواه عن يعقوب عن جعفرٍ عن سعيدٍ مرسلًا وهو أشبه وعلى تقدير كونه محفوظًا وصله ففيه إشكالٌ من جهة أنّ هذه السّورة مدنيّةٌ وقريشٌ من أهل مكّة قلت ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة .
مناسبة الآية لما قبلها :
في الآية احتجاج من الله سبحانه وتعالى على سائر خلقه بأنه المدبر المصرف للأشياء ، والمسخر ما أحب ، وأن الغنى والفقر إليه وبيده سبحانه .
قال تعالى (إن في خلق السموات والأرض)
أسلوب مؤكد بـ (إن) للاهتمام بالخبر ، ففيه تقرير ما سبق من اختصاصه سبحانه بالسلطان والقدرة التامة .
والمراد بـ(خلق السموات والأرض) فيه قولان :
الأول : آثار خلقها ، وهو النظام الذي جعل فيها ،
الثاني : يراد بالمخلوقات التي فيهما .
ومعنى (خلق) الله الأشياء : ابتدعها وأوجدها بعد أن لم تكن موجودة .
والراجح أن المعنى يشمل القولين ، فالخلق مصدر جامع لكل ما فيه عبرة من مخلوقات السموات والأرض ، وعبرة أيضا في نفس تكوين السموات والأرض والنظام الجامع بينهما .

وقوله (واختلاف الليل والنهار )
فيه تذكير لآية عظيمة أخرى توضح حالتي الأرض من ضياء وظلمة ، وما في الضياء والظلمة من فوائد عظيمة للناس .
والمراد بقوله (واختلاف الليل والنهار) أي أن كل واحد منهما يخلف الآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين لحركات السموات ، فتحصل منه فوائد تعاكس فوائد الآخر ، بحيث لو دام أحدهما لانقلب النفع ضررا ، وقد قال تعالى : (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ، ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون )
وكذلك في تفاوتهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا حسب الأزمنة .
أو باختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما في الطول أو القصر ، أو في أنفسهما فإن كروية الأرض تقتضي أن يكون في بعض الأماكن ليلا وبعضها نهار ، أو في بعضها صباحا وبعضها ظهرا او عصرا أو غير ذلك .
وسبب تقديم الليل على النهار : إما لأنه الأصل لأن غرر الشهور تظهر ليلا ، أو لتقدمه في الخلقة حسبما ينبئ قوله تعالى :(وآية لهم الليل نسلخ منه النهار) .
وفي الآية مناسبة تدل على بلاغة علم القرآن ، فقد سمى ذلك اختلافا لتعاقب الأعراض على الجوهر لأنه شيء غير ذاتي ، فإن ما بالذات لا يختلف ، فأشار إلى أن الليل والنهار ليسا ذاتيين ولكنهما عرضان ، وهذا ما أثبته العلم الحديث خلافا لما اعتقدته الأمم السابقة الجاهلة من أن الليل جسم أسود أو ما شابه .

وقوله (لآيات لأولي الألباب)
آيات أي عبر وعظات ، وجاءت الكلمة نكرة للتفخيم ، وجمع لتدل على كثرتها وعمومها ، وما فيها من عجائب تبهر الناظرين وتنفع المتفكرين .
والمراد بأولي الألباب أي أصحاب العقول السليمة والأفكار المستقيمة ، فلب الشيء هو خلاصته وصفوته .
قال الزمخشري في صفة (أولي الألباب) : هم الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار ، ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطرة .
وقد خص الله بالآيات أولي الألباب لأنهم هم المنتفعون بها ، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم فهم ليسوا كالصم البكم الذين قال الله فيهم : (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) .


ثم مدح سبحانه أولي الألباب بقوله : (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )
واختلف في الذكر هنا على أقوال :
القول الأول : أن هذا في الصلاة ، وهو قول الضحاك عن أبي مسعود قال : (إنما هذه في الصلاة إذا لم تستطع قائما فقاعدا ، وإن لم تستطع قاعدا فعلى حنب) رواه ابن أبي حاتم ، ورواه الطبراني وإسناده منقطع وفيه جويبر وهو متروك .
القول الثاني : إن هذا في كل وقت ، وهو قول مجاهد وقتادة .
فروى ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد قال : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما وقاعدا ومضطجعا .
وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : وهذه حالاتك كلها با ابن آدم .
وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة وقراءة القرآن .
فالراجح : أن الآية مدح لأولي الألباب الذين لا يغفلون عنه سبحانه وتعالى في كافة أحوالهم وعامة أوقاتهم .
فالمراد بالذكر هو الذكر المطلق لله سبحانه ، سواء كان ذلك من حيث الذات أو من حيث الصفات والأفعال ، وسواء قارنه الذكر اللساني أو لا .
وأما حمل الذكر على الصلاة في هذه الأحوال يكون على حسب الاستطاعة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين حين كان به البواسير : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب . رواه البخاري .

وقوله (ويتفكرون في خلق السموات والأرض)
بيان لتفكر أولي الالباب في أفعاله سبحانه وتعالى ، فالفكر هو إعمال الخاطر في الشيء وتردد القلب فيه ، ولا يكون إلا فيما له صورة في القلب ، لذا قال عليه الصلاة والسلام : تفكروا في آلاء الله ، ولا تتفكروا في الله “ رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والأصبهاني في الترغيب عن عبدالله بن سلام .
كما روى ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله .
فأخبر سبحانه أنهم يتفكرون في خلق السموات والأرض وما أبدع فيهما من عجائب وغرائب المبدعات ليدلهم ذلك على كمال قدرته ودلائله توحيده ، وإشارة إلى معرفة أحوال المعاد حسبما نطقت به ألسنة الرسل وآيات الكتب .
فكما أن الآيات التشريعية هادية إلى معرفته ووجوب طاعته ، فكذلك الآيات الكونية مرشدة إلى ذلك ومنبهة عليه .
فالتفكر عبادة عظيمة من أجل العبادات ، حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية ، وكذلك الصحابة الكرام رضي الله عنه ، فقد أخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكرة ساعة خير من عبادة ستين .

وقوله (ربنا ما خلقت هذا باطلا)
(هذا) إشارة للسموات والأرض ، ويتضمن ضرب من التعظيم كقوله (إن هذا القرآن ) .
باطلا : أي ما خلقت السموات والأرض عبثا ولا لعبا ، ولاعاريا من الحكمة والمصلحة ، بل لأمر عظيم ومصالح جليلة ، ومنارا للعباد لإرشادهم لمعرفة المبدأ والمعاد .

وقوله (سبحانك فقنا عذاب النار)
(سبحانك) أي تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها خلق ما لا حكمة فيه .
ثم فزعوا إلى ربهم بالمسألة أن يجيرهم من عذاب النار وأن لا يجعلهم ممن عصاه وخالف أمره فكان مصيره من أهل النار ، فقال : (فقنا عذاب النار)
قيل : الفاء لترتيب الدعاء على ما ذكر ، وقيل : لترتيب المدعو ، كأنه قيل : وإذا قد عرفنا قدرك وأطعنا أمرك ونزهناك عما لا يليق فقنا عذاب النار الذي هو جزاء الذين لا يعرفون ذلك.
وبهذا نجد أنه كشأن القرآن أن يختم بالموعظة حين يشرف على الانتهاء لأنها أهم أغراض الرسالة كما وقع في ختام سورة البقرة ، فختم تعالى هذه السورة بالأمر بالنظر والاستدلال في آياته ؛ إذ لا تصدر إلا عن حي قيوم قدير غني عن العالمين حتى يكون الإيمان مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد ، ففي الآية حث من الله لعباده أن يتدبروا ويعتبروا فيما خلقه من السموات والآرض لمعاشهم وأرزاقهم ، فمن كان ذا عقل يعلم أن من نسبه إلى أنه فقير وهو الغني بيده مفاتيح كل شيء ولو أبطله لهلكوا فهو كاذب مفتر ، فكيف ينسب إلى فقر من كان كل ما به عيش ما في السموات بيده وإليه ؟ أم كيف يكون غنيا من كان رزقه بيده غيره ، إذا شاء رزقه وإذا شاء حرمه ؟! فاعتبروا يا أولي الآلباب .

الفضائل التي وردت في هذه الآيات :
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم
وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما نزلت هذه الآية على النبي قام يصلي ، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة ، فرآه يبكي فقال : يا رسول الله ، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ! فقال : يا بلال : أفلا أكون عبدا شكورا ، ولقد أنزل الله علي الليلة آية إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب - ثم قال :*( ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )*.أخرجه ابن حبان في صحيحه والطحاوي في مشكل الآثار .
وروي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة*" آل عمران "*كل ليلة ، أخرجه أبو نصر الوائلي السجستاني الحافظ في كتاب*" الإبانة "*من حديث سليمان بن موسى عن مظاهر بن أسلم المخزومي عن المقبري عن أبي هريرة
وروي موقوفا عن عثمان أنه قال : من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة .
قال العلماء : يستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه ، ويستفتح قيامه بقراءة هذه العشر الآيات اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما وسيأتي ، ثم يصلي ما كتب له ، فيجمع بين التفكر والعمل ، وهو أفضل العمل على ما يأتي بيانه في هذه الآية بعد هذا*

المراجع
تفسير ابن أبي حاتم
تفسير ابن جرير
تفسير الزجاج
تفسير المارودي
تفسير البغوي
تفسير ابن عطية
تفسير القرطبي
تفسير ابن كثير
تفسير الألوسي
تفسير ابن عاشور
تفسير أبو السعود
تفسير السعدي
التفسير الكبير للرازي
تفسير الحاوي للقماش
تفسير المراغي

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 10:59 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم الثاني عشر والأخير من تفسير سورة آل عمران
(الآيات 187- 200)


أحسنتم، أحسن الله إليكم.

1: قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.

- تنبيه خاصّ للرسائل المكتوبة بالأسلوب الوعظي، وهو أنه تجب مراعاة مسائل الآية عند كتابة الرسالة، أعني المسائل المهمّة المتعلّقة بأسلوب الرسالة، فلا يحصل تقصير في مسألة واستفاضة في غيرها، بل تكون الرسالة متوازنة بحيث تأخذ كل مسألة حقّها من العرض، فهذا يكون أكمل للرسالة.


1: فاطمة الزهراء أحمد ه
بارك الله فيك ونفع بك.
رسالة قيّمة مفيدة، لكنها عبارة عن جمع لكلام العلماء، ثم هي خالية من العزو، فلا يليق بطالب العلم أن ينسب عبارة مؤلّف لنفسه، فلو أن الطالب قصّر في العبارة لكنه عزا ما ينقله إلى قائليه لكان ذلك أيسر، لكن أن يأتي التطبيق على هذه الصورة فلا يصلح، فأرجو إعادة الرسالة واستدراك الملحوظات أو اختيار أسلوب آخر، وفقك الله ونفع بك.

2: شيماء طه أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
يؤخذ على الرسالة فقط عدم توثيق الأحاديث والآثار، فليس معنى أن تكون الرسالة بالأسلوب الوعظي أن تكون خالية من التوثيق.

3: أمل يوسف أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- قولك: "وقد ورد في سبب نزولها مرويات كلها ضعيفة" لا حاجة للتعرّض له أصلا، ولا يضرّ المستمع أو القاريء أنه ليس لهذه الآية سبب نزول.
- في الرسالة ملحوظة مهمة وهي خلوها من آثار السلف وكلام أهل العلم، ومن المعلوم أن هذه الآثار والأخبار مما يزيد الرسالة الوعظية تأثيرا وجمالا، خاصّة ومسألة كمسألة التفكر من المسائل الكبار التي احتلت حيزا كبيرا في كتب أهل العلم وبانت جليّة في آثارهم، فلو أنك اقتطفتِ شيئا منها لهذه الرسالة لكانت أنفع بإذن الله، وأحيلك على رسالة الأستاذة شيماء طه ففيها ما عنيته.

4: بدرية صالح د
بارك الله فيك ونفع بك.
- قلتِ: "وأنها تحت رحمته"، والصواب أن نقول: تحت قدرته.. تحت سلطانه.. تحت قهره....
- فسّرتِ آية واحدة من آيتين.

5: هناء هلال محمد أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- الرسائل المكتوبة بأسلوب التقرير العلمي لابد لها أيضا من مدخل وحضور لأسلوب الكاتب في عرض المسائل ومناقشتها والربط بينها، لا أن تسرد فيها المسائل سردا.
- قولك: "أن هذا في الصلاة ، وهو قول الضحاك عن أبي مسعود" خطأ، بل نقول: رواه الضحّاك عن ابن مسعود، وليس هو قول الضحاك، ويجب أن يكون تخريج الأقوال أدقّ من ذلك بعد أن درستم طريقة التخريج في دورة مهارات التفسير.



رد مع اقتباس
  #12  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 11:35 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

2: قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}.


6: هيا أبو داهوم ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
ولكن الرسالة فيها اختصار وإيجاز زائد.

7: منيرة محمد أ+
أحسنت وأفدت بارك الله فيك ونفع بك.

8: مضاوي الهطلاني أ+
أحسنت وأجدت بارك الله فيك ونفع بك.


والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 5 صفر 1440هـ/15-10-2018م, 02:41 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

اكتب رسالة تفسيرية في واحد مما يلي:

1: قوله تعالى[: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
الأسلوب البياني 
الحمد لله الذي له ملك السموات والأرض رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .

أمابعد :

فإن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات باهرة عظيمة امتن الله بها على عباده 
لكن القليل منهم من يتفكر فيها ويؤدي شكرها للمنعم سبحانه وتعالى وذلك بذكره والتفكر في مخلوقاته .
قال تعالى :(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) 

سبب نزولها :
روى ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ قُرَيْشًا قالُوا لِلرَّسُولِ ﷺ: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يَجْعَلْ لَنا الصَّفا ذَهَبًا، حِينَ ذَكَرَتِ اليَهُودُ والنَّصارى لَهم بَعْضَ ما جاءَ بِهِ مِنَ المُعْجِزاتِ مُوسى وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.

(إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرض)جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ سِيقَتْ لِتَقْرِيرِ ما سَبَقَ مِنِ اخْتِصاصِهِ تَعالى بِالسُّلْطانِ القاهِرِ والقُدْرَةِ التّامَّةِ صُدِّرَتْ بِكَلِمَةِ التَّأْكِيدِ اعْتِناءً بِتَحْقِيقِ مَضْمُونِها، أيْ: في إنْشائِها عَلى ما هي عَلَيْهِ في ذَواتِها وصِفاتِها مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَحارُ في فَهْمِ أجْلاها العُقُولُ.كما ذكر ابو السعود رحمه الله .

وهَذا النَّحْوُ في الِانْتِقالِ يَعْرِضُ لِلْخَطِيبِ ونَحْوِهِ مِن أغْراضِهِ عَقِبَ إيفائِها حَقَّها إلى غَرَضٍ آخَرَ إيذانًا بِأنَّهُ أشْرَفَ عَلى الِانْتِهاءِ، وشَأْنُ القُرْآنِ أنْ يَخْتِمَ بِالمَوْعِظَةِ لِأنَّها أهَمُّ أغْراضِ الرِّسالَة.وحَرْفُ إنَّ لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَر.كما ذكر ابن عاشور .

والمُرادُ بِ ﴿خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ هُنا: إمّا آثارُ خَلْقِها، وهو النِّظامُ الَّذِي جُعِلَ فِيها، وإمّا أنْ يُرادَ بِالخَلْقِ المَخْلُوقاتُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿هَذا خَلْقُ اللَّهِ﴾ [لقمان: 11] . كما ذكر المفسرون .

وهذا من المجاز المرسل: فقد ذكر «السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ، ومراده ما فيهما من أجرام عظيمة بديعة الصنع صالحة للاستغلال في سبيل النفع الإنساني، والعلاقة محلية.كما قال محمود الصافي .
(واختلاف الليل والنهار ) 
أيْ تَعاقُبِهِما، وكَوْنِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما يَخْلُفُ الآخَرَ، وكَوْنِ زِيادَةِ أحَدِهِما في نُقْصانِ الآخَرِ، وتَفاوُتِهِما طُولًا وقِصَرًا وحَرًّا وبَرْدًا، وغَيْرِ ذَلِكَ لَآياتٍ أيْ: دَلالاتٍ واضِحَةٍ وبَراهِينَ بَيِّنَةٍ تَدُلُّ عَلى الخالِقِ سُبْحانَهُ.
و"اللَّيْلُ" قِيلَ: إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ واحِدِهِ، وجَمْعِهِ بِالتّاءِ كَتَمْرٍ وتَمْرَةٍ واللَّيالِي جَمْعُ جَمْعٍ والصَّحِيحُ أنَّهُ مُفْرَدٌ ولا يُحْفَظُ لَهُ جَمْعٌ واللَّيالِي جَمْعُ لَيْلَةٍ وهو جَمْعٌ غَرِيبٌ كَأنَّهم تَوَهَّمُوا أنَّها لَيْلاةٌ كَما في كَيْكَةٍ وكَياكِي كَأنَّها جَمْعُ كَيْكاةٍ، و"النَّهارُ" اسْمٌ لِما بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ وغُرُوبِ الشَّمْسِ، قالَهُ الرّاغِبُ. وقالَ ابْنُ فارِسٍ: هو ضِياءُ ما بَيْنَهُما، وتَقْدِيمُ اللَّيْلِ عَلى النَّهارِ إمّا لِأنَّهُ الأصْلُ فَإنَّ غُرَرَ الشُّهُورِ تَظْهَرُ في اللَّيالِي، وإمّا لِتَقَدُّمِهِ في الخَلْفِيَّةِ حَسْبَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ﴾ أيْ: نُزِيلُهُ مِنهُ فَيَخْلُفُهُ.كما ذكر أبو السعود .

(لآيات لأولي الألباب )
أي دلالات واضحة وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه، (لأولي الألباب) أي لأهل العقول الصحيحة الخالصة عن شوائب النقص، فإن مجرد التفكر فيما قصه الله تعالى في هذه الآية يكفي العاقل ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبهة ولا يدفعه التشكيك. كما جاء في فتح القدير .
ولب الشيء خلاصته ،واسْمُ إنَّ دَخَلَتْهُ اللّامُ لِتَأخُّرِهِ عَنْ خَبَرِها والتَّنْكِيرُ لِلتَّفْخِيمِ كَمًَّا وكَيْفًَا، أيْ: لَآياتٍ كَثِيرَةً عَظِيمَةٍ لا يُقادَرُ قَدْرُها دالَّةٍ عَلى تَعاجِيبِ شُئُونِهِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها ما مَرَّ مِنِ اخْتِصاصِ المُلْكِ العَظِيمِ والقُدْرَةِ التّامَّةِ بِهِ سُبْحانَهُ.

قال البيضاوي : 
ولَعَلَّ الِاقْتِصارَ عَلى هَذِهِ الثَّلاثَةِ في هَذِهِ الآيَةِ لِأنَّ مَناطَ الِاسْتِدْلالِ هو التَّغَيُّرُ، وهَذِهِ مُعْتَرِضَةٌ لِجُمْلَةِ أنْواعِهِ فَإنَّهُ إمّا أنْ يَكُونَ في ذاتِ الشَّيْءِ كَتَغَيُّرِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، أوْ جُزْئِهِ كَتَغَيُّرِ العَناصِرِ بِتَبَدُّلِ صُوَرِها أوِ الخارِجِ عَنْهُ كَتَغَيُّرِ الأفْلاكِ بِتَبَدُّلِ أوْضاعِها.
وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «وَيْلٌ لِمَن قَرَأها ولَمْ يَتَفَكَّرْ فِيها».»رواه ابن حبان في صحيحه .
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.
(الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم )
قال أبو السعود رحمه الله :
المَوْصُولُ إمّا مَوْصُولٌ بِـ"أُولِي الألباب" مَجْرُورٌ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ كاشِفٌ لَهُ بِما في حَيِّزِ الصِّلَةِ، وإمّا مَفْصُولٌ عَنْهُ مَرْفُوعٌ أوْ مَنصُوبٌ عَلى المَدْحِ أوْ مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.

والمُرادُ بِالذِّكْرِ هُنا ذِكْرُهُ سُبْحانَهُ في هَذِهِ الأحْوالِ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حالِ الصَّلاةِ وغَيْرِها.
وذَهَبَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ الذِّكْرَ هُنا عِبارَةٌ عَنِ الصَّلاةِ؛ أيْ: لا يُضَيِّعُونَها في حالٍ مِنَ الأحْوالِ 
وهو يشمل الذِّكْرِ اللِّسانِيِّ والذِّكْرِ القَلْبِيِّ وهو التَّفْكِيرُ، «قالَتْ عائِشَةُ: (كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلى كُلِّ أحْيانِهِ»رواه مسلم .

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
قال السمين الحلبي :
قوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ} فيه وجهان، أظهرُها: أنها عطف على الصلةِ فلا محلَّ لها. والثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال عطفاً على «قياماً» أي: يذكرونه متفكرين. فإنْ قيل: هذا مضارعٌ مثبت فكيف دخلت عليه الواوُ؟ فالجوابُ أن هذه واوُ العطف، والممنوعُ إنما هو واو الحال.
وهذا التفكر يزيد في بَصِيرَتِهِمْ، لِأنَّ فِكْرَتَهم تُرِيهِمْ عَظِيمَ شَأْنِهِما، فَيَكُونُ تَعْظِيمُهم لِلَّهِ عَلى حَسَبِ ما يَقِفُونَ عَلَيْهِ مِن آثارِ رَحْمَتِهِ.كما ذكر الزجاج .
قال محمود الصافي :
انطوى تحت هذا الإيجاز كل ما تمخض عنه العلم من روائع المكتشفات وبدائع المستنبطات.
وما أبدع فيهما؛ ليدلهم ذلك على قدرة الصانع، [ويعرفوا] أن لهلا مُدَبِّراً حَكِيماً.
وقال بعض العلماءِ: الفكرة تُذْهِب الغفلة، وتُحْدِث للقلب خشية، كما يُحْدث الماء للزرع والنبات، ولا أجليت القلوب بِمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفِكْرة.
روى ابن القاسم عن مالك رحمه الله في جامع العتبية قال : قيل لأمّ الدرداء : ما كان شأن أبي الدرداء؟ قالت : كان أكثر شأنه التفكّر ، قيل له : أترى التفكّر عَمَلاً من الأعمال؟ قال : نعم ، هو اليقين .

﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا﴾
قال الشوكاني في فتح القدير :
هو عَلى تَقْدِيرِ القَوْلِ؛ أيْ: يَقُولُونَ ما خَلَقْتَ هَذا عَبَثًا ولَهْوًا، بَلْ خَلَقْتَهُ دَلِيلًا عَلى حِكْمَتِكَ وقُدْرَتِكَ. والباطِلُ: الزّائِلُ الذّاهِبُ، ومِنهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ
وهُوَ مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ؛ أيْ: خَلْقًا باطِلًا، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ، وقِيلَ: هو مَفْعُولٌ ثانٍ، وخَلَقَ بِمَعْنى جَعَلَ، أوْ مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: هَذا إلى السَّماواتِ والأرْضِ، أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق .

(سُبْحانَكَ فقنا عذاب النار )
أيْ: تَنْزِيهًا لَكَ عَمّا لا يَلِيقُ بِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها أنْ يَكُونَ خَلْقُكَ لِهَذِهِ المَخْلُوقاتِ باطِلًا. كما قال الشوكاني .
وقال ابن عاشور :جيء بفاء التعقيب في حكاية قولهم فقنا عذاب النار لأنه ترتب على العلم بأن هذا الخلق حق ، ومن جملة الحق أن لا يستوي الصالح والطالح ، والمطيع والعاصي ، فعلموا أن لكل مستقرا مناسبا فسألوا أن يكونوا من أهل الخير المجنبين عذاب النار.
سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ،اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وقنا عذاب النار بفضلك وكرمك .


المصادر :

تفسير الزمخشري 
تفسير الالوسي 
تفسير الرازي 
تفسير البيضاوي 
تفسير الزجاج 
تفسير الشوكاني 
تفسير أبي حيّان 
تفسير أبو السعود 
تفسير البقاعي 
فتح البيان 
تفسير ابن عاشور 
الجدول في إعراب القران للصافي 
الدر المصون للسمين الحلبي 
اللباب لابن عادل

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 5 صفر 1440هـ/15-10-2018م, 07:23 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذة أمل
أنا اخترت الأسلوب البياني لهذه الرسالة حتى أتدرب على التنويع بين الأساليب ولأني لست مختصة في اللغة العربية ولا أجيد هذا الأسلوب بالقدر الكافي لأكتب تفسير الاية بأسلوبي فضلت نقل كلام المفسرين المختصين بهذا الأسلوب وذكرتهم جميعا في مصادر الرسالة ولَم أعزو كل جملة لقائلها لأنني ظننت ان ذكر المصادر يعد عزوا لهم ولَم أقصد سرقة كلامهم والعياذ بالله فشتان بين أسلوبي وأسلوبهم ، وبعد قراءتي لتعليقك أعدت الرسالة وذلك بعزو كلام الى قائله قدر المستطاع لأني لا يوجد عندي متسع من الوقت لإعادتها بأسلوب آخر

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 03:17 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء احمد مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذة أمل
أنا اخترت الأسلوب البياني لهذه الرسالة حتى أتدرب على التنويع بين الأساليب ولأني لست مختصة في اللغة العربية ولا أجيد هذا الأسلوب بالقدر الكافي لأكتب تفسير الاية بأسلوبي فضلت نقل كلام المفسرين المختصين بهذا الأسلوب وذكرتهم جميعا في مصادر الرسالة ولَم أعزو كل جملة لقائلها لأنني ظننت ان ذكر المصادر يعد عزوا لهم ولَم أقصد سرقة كلامهم والعياذ بالله فشتان بين أسلوبي وأسلوبهم ، وبعد قراءتي لتعليقك أعدت الرسالة وذلك بعزو كلام الى قائله قدر المستطاع لأني لا يوجد عندي متسع من الوقت لإعادتها بأسلوب آخر
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياك الله أستاذة فاطمة وبارك الله فيك.
وصف الحال لا يعني أن الطالب يتعمّده، ثم إن التنبيه على هذا الأمر قد تكرّر كثيرا ولا يخفى على مثلكم، ونبّهنا أيضا أن مجرّد ذكر المصادر في الهوامش لا يفي، ولا يبرّر كون الطالب منشغلا أو ضيّق الوقت أن يخالف ذلك، غير أن مقصد هذه التطبيقات تدريب الطالب على الكتابة بأسلوبه، ومجرّد تجميع الكلام لا يفيده في تحسين أسلوبه وإن كان يفيده علميا.


التقويم: ب
بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 6 ذو الحجة 1441هـ/26-07-2020م, 05:58 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

رسالة تفسيرية بالأسلوب الوعظي في قوله تعالى:

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.

عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: بتّ عند خالتي ميمونة، فتحدّث رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم مع أهله ساعةً، ثمّ رقد، فلمّا كان ثلث اللّيل الآخر، قعد فنظر إلى السّماء، فقال:
{إنّ في خلق السّموات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب}،
ثمّ قام فتوضّأ واستنّ فصلّى إحدى عشرة ركعةً، ثمّ أذّن بلالٌ، فصلّى ركعتين، ثمّ خرج فصلّى الصّبح.رواه البخاري

ليل العارفين بربهم لا يشبه ليل سواهم
بأبي هو وأمي ..
تحدث إلى أهله ساعة..
ثم رقد..
فلما كان ثلث الليل الآخر... كان له عليه أزكى الصلاة والتسليم موعد مع التفكر في خلق الله والقيام بين يديه بصلاة ومناجاة تستمر حتى صلاة الفجر..
ولكن لماذا هذه الآيات بالذات، مع النظر إلى السماء؟
قبل قيام الليل الطويل؟
وقبل أي عمل آخر من مقدمات الصلاة؟

آية قال عنها عليه الصلاة والسلام " لقد نزَلَتْ علَيَّ اللَّيلةَ آيةٌ ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها" رواه ابن حبان في صحيحه

أجاب بذلك بلال رضي الله عنه حين رأى أثر البكاء الطويل عليه صلى الله عليه وسلم فسأله عن سبب بكائه..

آيات لها هذه المنزلة وهذا الأثر على قلب الحبيب ألا تستحق منا وقفة تأمل؟


{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
أولي الألباب..
أصحاب العقول...
خصهم لأنهم وحدهم سينتفعون..
لم يقل يا أولي الألباب تفكروا.. بل وصف حالهم لأن صاحب العقل بطبيعة الحال سينتفع بعقله
أما غيرهم...
فلن يلتفت إلى عظمة الخلق حوله، ولن يزداد إلا طغيانا وتجبرا وظلما!
وفي أحسن الأحوال غفلة...
{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يُوسُفَ:105، 106].

من رحمته سبحانه يذكر عباده..

{آيات} {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}..

سماء فيها من الاتساع والارتفاع ما لا يدرك، وفيها من الكواكب والعجائب ما لا يعد ولا يحصى، وأرض فيها البحار والقفار والزروع والثمار والإنس والجن والحيوان والمعادن والمنافع والألوان والأطعمة والروائح والبدائع،
ليل ونهار يتعاقبان في الطول والقصر بنظام بديع دقيق.

كيف يغفل من كان له عقل عن هذا الخلق العظيم؟!
وكيف ينسى ضعفه وذلته أمام من أبدعه؟!
وكيف يتجبر ويتكبر ويظلم ويتعدى؟!
بل يا عجبي... كيف يغفل ساعة!


{آيات} وليست آية، فهل من متفكر؟
{آيات} وما أكثرها وما أعظمها وما أعجبها
{آيات} تعجز من رام الحصر والعد والإحاطة
{آيات} تبهر الناظر وتقنع المتفكر وتجذب الصادق

إن نظرت لعظمتها وسعتها، وانتظام سير ما فيها وحركته، أيقنت بعظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته.
وإن تأملت ما فيها من إحكام وإتقان وبديع صنع، ولطيف فعل، أيقنت بحكمة خالقها وسعة علمه ووضعه الأشياء في مواضعها.
وإن تتبعت ما فيها من المنافع للخلق، أيقنت بسعة رحمة باريها، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره.

يا صاحب العقل يا موفق تفطن..

هذا النظر والتأمل والتفكر..
يعلق قلبك الضعيف بالخالق المبدع..
ويهون عليك كل جهد تبذله في مرضاته..
ويحقق التوحيد في قلبك.. إذ كيف يطيق قلبك الذي أحسن التفكر في هذه العظائم التعلق بغير خالقها وخالقك محبة وتعظيما وإخلاصا!!
وكيف يسوي بمالك الملك من لا يملك مثقال ذرة!

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}

أولوا الألباب..
لهم صفات تميزهم..
أولها أنهم لا ينفكون عن ذكر الله..
{قياما وقعودا وعلى جنوبهم} ....
يحفظون صلاتهم في حال القوة والضعف والعجز
يلزمون أذكارهم قائمين قاعدين وعند النوم، في كل وقت وفي كل حال..
يذكرون الله بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم وأقوالهم وأعمالهم

كل ما يمرون عليه يدعوهم للتفكر في وحدانية ربهم وقدرته وحكمته وعظيم سلطانه..

يسري في عروقهم سبب وجودهم في هذه الحياة {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} فيحولون الساعات والدقائق والثواني، والوقفات والجلسات والرقدات إلى ألوان من ذكر خالقهم يسرها سبحانه لعباده بكرمه ومنه ورحمته.


{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}.

في الآية الأولى {إن في السماوات والأرض..} لم يذكر التفكر صراحة وإنما ذكر أن في السماوات والأرض آيات تلفت نظر أصحاب العقول، ثم انتقل إلى وصف أصحاب العقول بأنهم يذكرون الله في كل أحوالهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض مما يرفع شأن التفكر في خلق الله ويدل على أنه من العبادات وأنه من صفات أولياء الله العارفين، لأن تفكرهم بهذا الخلق العظيم يدلهم على أنها لم تخلق عبثا {ربنا ما خلقت هذا باطلا}

حقيقة..
مفهوم أن التفكر من العبادات يغيب عنا كثيرا.
مع أن القرآن يحث على هذه العبادة، ويذم الغافل عنها..
أكثر المفسرون عند تفسير هذه الآية وغيرها من لفت النظر لهذا المعنى وذكر أحوال العارفين وأقوالهم تجاه هذه العبادة..

عبادة التفكر..
هل سنراجع أنفسنا فنجعل لها من هذه العبادة نصيب أوفر ونوليها شيئا من العناية في المناهج والتربية؟

مهم جدا ..

تأمل ..

كيف قادهم هذا التفكر لتنزيه الله سبحانه عن الباطل
{سبحانك} ما خلقت هذا باطلا..

إنما يظن ذلك أهل الكفر {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص: 27].

وكيف قادهم للاستعاذة من عذاب النار
{فقنا عذاب النار}
فمن ظن أن السماوات والأرض خلقت باطلا فوعيده النار لذلك لما تفكروا في خلقها ونزهوا خالقها غلبهم الخوف من النار فاستعاذوا بالله منها..
ولا يخفى أن الاستعاذة من النار تشمل طلب الهداية والتوفيق للعمل الذي ينجي منها والعصمة من العمل الموجب لها
كما لا يخفى أن الاستعاذة من النار تشمل سؤال الجنة.

فيا أحباب..
هلموا في هذه الأيام الفاضلة إلى اقتفاء سنة الحبيب
تعالوا نسأل الله أن يوفقنا
أن نقوم من الليل..
وننظر للسماء..
ونرتل هذه الآيات بقلب حاضر..
لتكون عونا لنا على حضور قلوبنا في الصلاة بين يدي الخالق المبدع العظيم سبحانه..

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 7 ذو الحجة 1441هـ/27-07-2020م, 06:26 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

المعذرة نسيت إدراج المراجع

المراجع:
صغت الرسالة بعد الاطلاع على عدد من التفاسير منها:
تفسير الطبري
تفسير الزجاج
تفسير ابن عطية
تفسير ابن كثير
فتح القدير
تفسير الجزائري
تفسير السعدي استفدت منه كثيرا
وكذلك من شروح الحديث
فتح الباري
ومجموعة من المقالات والفتاوى

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 16 ذو الحجة 1441هـ/5-08-2020م, 09:43 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع التقويم


ضحى الحقيل أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, التاسع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir