دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 01:44 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي المجلس التاسع: مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة

مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة
(الآيات: 275- 286)


بالاستعانة بالتفاسير الثلاثة المقرّرة اكتب رسالة تفسيرية في واحد من الأقسام التالية:
1: آيات الربا،
بأسلوب التقرير العلمي.
2: آيات الدين بالأسلوب الاستنتاجي.
3: آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، بأسلوب الحجاج.



إرشادات:
- مصادر الرسائل هي التفاسير الثلاثة المقرّرة للدراسة، ويمكن الاستعانة بتفاسير أخرى من باب توسيع دائرة الاطّلاع.
- تراجع الإرشادات الخاصّة بكل أسلوب تفسيري في دورة أساليب التفسير، وكذلك خطة إعداد الرسالة التفسيرية (هنا).
- يمكن أن يضاف للأسلوب الأساسي للرسالة غيره من الأساليب مما يستدعيه المقام ويعين على تحسين الرسالة.



والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات..


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 08:14 PM
هناء محمد علي هناء محمد علي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
المشاركات: 439
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة
(الآيات: 275- 286)

بالاستعانة بالتفاسير الثلاثة المقرّرة اكتب رسالة تفسيرية في واحد من الأقسام التالية:
1: آيات الربا، بأسلوب التقرير العلمي.
2: آيات الدين بالأسلوب الاستنتاجي.
3: آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، بأسلوب الحجاج.


الفوائد المستنبطة من آيات الدين

قال تعالى :
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة 282] وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة 283]


آية الدين هي أطول آية في القرآن الكريم ،... وقد حوت هذه الآيات فوائد عظيمة وأحكاما جليلة تناولت جانبا هاما من جوانب التعامل بين الناس وهو أحد جوانب المعاملات المالية الذي به قوام حياة الناس ومعاشهم والذي لا فنى لهم عنه وهو الدين والتبايع إلى أجل ...
وتنظيم تلك المعاملات وحفظ الحقوق فيها حاجة ماسة لم يتركها الشارع دون أن يضع لها ضوابط تضبطها ليأخذ كل ذي حق حقه ... وليتحقق العدل بينهم ويسهل أمر التعامل دون خوف من إنكار أو ضياع حق ...

وقد ورد أن سعيد ابن المسيب قال ( بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين )

🔹نزولها :
- قيل أنها نزلت في بيع السلم .. وهو بيع عين مالية موصوفة في الذمة مؤجلة إلى أجل معلوم بثمن حال فيكون قبض الثمن عاجلا والمبيع آجلا ...

▪فعن ابن عباس أنه قال فيها : «أنزلت في السّلم إلى أجلٍ معلومٍ».
- وقال قتادة، عن أبي حسّان الأعرج، عن ابن عبّاسٍ، قال: «أشهد أنّ السّلف المضمون إلى أجلٍ مسمّى أنّ اللّه أحلّه وأذن فيه، ثمّ قرأ:{يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى}».رواه البخاريّ.
ذكر ذلك ابن كثير
- وثبت في الصّحيحين عن ابن عبّاسٍ، قال: »قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثّمار السّنتين والثّلاث، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أسلف فليسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم»

🔹من الفوائد المستنبطة من آية الدين والآية التي تليها :
1- ابتدأت الآية بنداء الإيمان( يا أيها الذين آمنوا ) وفيه تنبيه أن الآية تضمنت أمرا وإرشاد ليتبع أو نهيا ليجتنب ..

2- إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى
وفيها :
- جواز المداينة بكل أشكالها من سلم وغيره ( فيما لا يخالف أحكام البيوع والقروض المباحة ) لأن الأحكام عامة في الدين

- الدين هو كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة .
قوله تعالى ( بدين ) مع أن المداينة لا تكون إلا بدين تحرز من إرادة معنى المجازاة في تداينتم ، لأن العرب تقول تداينا أي تجازيا أخذا وعطاء .

- جواز بيع السلم إذ قيل أنها نزلت فيه خاصة ثم عمت المداينات جميعها

- بيع السلم مستثنى من النهي عن بيع المعدوم أو ماليس عندك لكونه بيع معلوم في الذمة ولشدة الحاجة إليه

- لا بد في بيع السلم من أجل معلوم مسمى إذ الجهالة في الأجل لا تجوز لقوله تعالى ( إلى أجل مسمى ) ولقول رسول الله ( فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم )

- وجوب أن يكون المبيع الذي في الذمة معينا معلوما موصوفا أو موزونا أو مكيلا ويتم قبض ثمنه( رأس المال ) في مجلس البيع قبل الافتراق ...( وأجاز المالكية تأخير رأس المال ليومين أو ثلاثة ) وكذلك أي مبايعة بأجل .( ذكره القرطبي )

3- فَاكْتُبُوهُ ۚ
- إرشاد من الله تعالى لعباده إذا تبايعوا أو تداينوا لأجل معلوم أن يكتبوا ذلك

- أوجب بعضهم الكتابة عند الدين ، وجعلها البعض على الندب والاستحباب :
- فاختار الطبري وجوب كتابة الدين على أربابه بيعا كان أو قرضا لئلا يقع فيه نسيان وغلط وهو قول الضحاك وابن جريج
- قال ابن جريجٍ: «من ادّان فليكتب، ومن ابتاع فليشهد».
- وقال قتادة: «ذكر لنا أنّ أبا سليمان المرعشيّ، كان رجلًا صحب كعبًا، فقال ذات يومٍ لأصحابه: هل تعلمون مظلومًا دعا ربّه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجلٌ باع بيعًا إلى أجلٍ فلم يشهد ولم يكتب، فلمّا حلّ ماله جحده صاحبه، فدعا ربّه فلم يستجب له؛ لأنّه قد عصى ربّه».

-ورأى البعض أنه كان واجبا ثم نسخ :
قال أبو سعيدٍ، والشّعبيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وابن جريجٍ، وابن زيدٍ، وغيرهم: «كان ذلك واجبًا ثمّ نسخ بقوله:{فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته}».
قال الشعبي : لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب ولا تشهد

- وأما الجمهور فرأوا أن الأمر للندب والاستحباب ابتداء
قال ابن عطية :
وقال جمهور العلماء: «الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب وإن كان غير ذلك فالكتب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق»،
وقال بعضهم: إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة،
وهذا هو القول الصحيح، ولا يترتب نسخ في هذا .

- في كتابة الدين حفظ للأموال ، وزوال للريبة والشك ، وامتداد للمعروف إذ قد يمتنع البعض من المداينة والإقراض خوفا على حقه من الضياع فتكون الكتابة حفظا لحقه وضمانا له ..

- في قوله تعالى ( فاكتبوه ) إشعار بأن كتابة الدين تكون بكل صفاته المعلومة له التي تزيل اللبس وترفع الشحناء إذا حصل خلاف أو تقاض بين المتداينين

- أمر الله الأمة بالكتابة مع أن رسول الله وصفها فقال ( إنا أمة أمية لا نقرأ ولانكتب ) ووجه ذلك أن الأمر بالكتابة جاء ندبا وإرشادا في جزئيات يخشى فواتها وضياعها ؛ أما الدين فقد يسر الله حفظه للناس
وقد جعل الكتابة أمانا من النسيان ، والحقيقة أننا في يومنا هذا نفتقر إلى الكتابة تقييدا لكل العلم ذلك أن آفة العلم النسيان وحياته المذاكرة ، ولا بد للمذاكرة من كتاب ، فكما قيل :
العلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقة

- استثنى الله من الأمر بالكتابة في المداينات حصول الثقة والأمن بين المتدايتين ( فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته )
وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا دلل فيه جواز الاعتماد على الاستئمان بين المتداينين
- عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه ذكر «أنّ رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، فقال: ائتني بشهداء أشهدهم. قال: كفى باللّه شهيدًا. قال: ائتني بكفيلٍ. قال: كفى باللّه كفيلًا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبًا يقدم عليه للأجل الّذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينارٍ وصحيفةً معها إلى صاحبها، ثمّ زجج موضعها، ثمّ أتى بها البحر، ثمّ قال: اللّهمّ إنّك قد علمت أنّي استسلفت فلانًا ألف دينارٍ، فسألني كفيلًا فقلت: كفى باللّه كفيلًا. فرضي بذلك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى باللّه شهيدًا. فرضي بذلك، وإنّي قد جهدت أن أجد مركبًا أبعث بها إليه بالّذي أعطاني فلم أجد مركبًا، وإنّي استودعتكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف، وهو في ذلك يطلب مركبًا إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبًا تجيئه بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا فلمّا كسرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الرّجل الّذي كان تسلف منه، فأتاه بألف دينارٍ وقال: واللّه ما زلت جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيءٍ؟ قال: ألم أخبرك أنّي لم أجد مركبًا قبل هذا الّذي جئت فيه؟ قال: فإنّ اللّه قد أدّى عنك الّذي بعثت به في الخشبة، فانصرف بألفك راشدًا».رواه أحمد
قال ابن كثير : هذا إسنادٌ صحيحٌ وقد رواه البخاريّ في سبعة مواضع من طرقٍ صحيحةٍ معلقًا بصيغة الجزم

4- وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ
- أمر لمن يعلم الكتابة أن يكتب ، وقد أوجب بعضهم الكتابة على الكاتب ، وبعضهم جعلها فرض كفاية ، فإن وجد غيره ناب عنه وإن لم يوجد من يكتب غيره تعين عليه الكتابة ..
فقال عطاء وغيره: «واجب على الكاتب أن يكتب»، وقال الشعبي وعطاء أيضا: «إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب»
وقال السدي: «هو واجب مع الفراغ»


- الأمر بالكتابة بالعدل فلا يجور على أحدهما فينقص حق الدائن او يزيد على المدين ، ولا يميل او يحيف لقرابة او صداقة

- الكاتب ينبغي أن يكون عدلا في نفسه حتى يكتب بالعدل ، ويكون عالما بالكتابة وبما ينبغي أن يكتب
قال مالك : لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون .

- لا يقبل قول الفاسق ولا كتابته ، فلا يكون الفاسق كاتبا

- الكاتب يكون من غير صاحب الحق أو الذي عليه الحق لأن الذي له الحق يتهم في الكتابة على الذي عليه الحق والعكس ، لذلك شرع كون الكاتب من غيرهما فقال تعالى( وليكتب بينكم ) وليس أحدكم

5- وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ
- تعلم الكتابة فضل منَّ الله به على عباده ، ومن شكر هذه النعمة توظيفها في النفع والخير
قال صلى الله عليه وسلم : إنّ من الصّدقة أن تعين صانعًا أو تصنع لأخرق .

- فيه إشارة إلى ضرورة وجود من يعلم أمور العقود المالية من معاوضات ومداينات ليعرف كيف يكتب عقودها بما يضمن الحقوق ولا يضيع منها شيء

- إرشاد لمن علمه الله الكتابة ألا يضن بها على من يحتاجها ، فكما مَنّ الله عليه وعلمه فليعن هو بعلمه من يحتاجه

- لا يرفض الكاتب أن يكتب إن طلب منه ..
وقد جعل الطبري والربيع الكتابة واجبة على الكاتب إذا أمر أن يكتب ، ذلك أنه أخذ بأن كل أمر دال على الوجوب إلا إن قامت حجه على جعله مندوبا

واعتبر البعض أن ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) ناسخة لوجوب الكتابة إذا استكتب الكاتب ؛ فلا يجبر كاتب أن يكتب
وجعلها الحسن واجبة إن لم يوجد من يقدر على الكتابة غيره ، ويكون في امتناعه عن الكتابة ضررا لصاحب الحق أما إن وجد غيره فهو في سعة

- والجمهور على الندب ، وأن الأمر فيه سعة ، وذلك :
أ. لقوله تعالى ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) فلو كان فرضا ما نهى عن الإلحاح وإجبارهما على الكتابة والشهادة
ب. ولجواز أخذ الأجرة على الكتابة ، فلو كان فرضا ما جاز ذلك

6- فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ
- الذي يملي على الكاتب هو من عليه الحق أي المدين لأنه مقر على نفسه بما يملي به

- على الكاتب أن يتقيد في الكتابة بما يمليه عليه من عليه الحق إن كان راشدا و يستطيع أن يملي على الكاتب بنفسه

- فيه إشارة إلى أن الإقرار من أقوى ما تثبت به الحقوق في الذمم ، ولا يقبل ممن يقر على نفسه أن يدعي الغلط والخطأ بعد إقراره

- وكما يثبت إنشغال الذمة بالإقرار فكذلك يثبت إبراء الذمة بإقرار من له الحق بالقبض والاستلام ولا يقبل تراجعه عن إقراره

- تعتبر الكتابة بخط العدل وثيقة يعمل بها في إقرار الحقوق وإبراء الذمم حتى لو بعد موت الكاتب والشهود

7- وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ
أمر بالتقوى للكاتب وللمملي ، فالكاتب يكتب الحق ولا يبخس شيئا من الحق
والذي عليه الحق يملي بما عليه لا ينقص ولا يبخس منه شيئا

- قول الذي عليه الحق يقبل في الحقوق التي لا بينة عليها دون من له الحق . وهو مؤتمن فيما يورده ويصدره ، لذلك يحرم عليه أن يبخس أو ينقص شيئا من الحق الذي عليه سواء كان ذلك في مقداره أو أجله أو جودته وغيرها

8- فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ
- إشارة إلى ثبوت الولاية والوصاية على السفيه والضعيف لصغر أو جنون أو عي

- يصح تصرف الولي في مال من تحت ولايته

- الولي هنا ولي الذي عليه الحق ، إذ الأصل أنه هو الذي يملي إن كان راشدا مستطيعا وإملاؤه إقرار منه على نفسه

- ينوب الوصي أو الولي عن السفيه وهو خفيف العقل الذي لا يؤمن المال بين يديه لسفهه وتضييعه له في غير أبوابه .. والضعيف ضعيف العقل كالمجنون والعيي والصغير ، في الإقرار والإملاء

- ينوب الكفيل عن غير المستطيع إملاء كالأخرس أو المريض أو الجاهل فيملي على الكاتب والذي عليه الحق يسمع إملاءه
ويجوز أن يقال عن الصغير لا يستطيع أن يملي فيدخل معه

- ينبغي على الولي أن يملي بالعدل فلا يحيف على صاحب الحق ولا ينقص حقه ولا يجور على من تحت ولايته

- لا يقبل إقرار ناقص الأهلية على نفسه كالصغير والمجنون والسفيه رحمة من الله به .

جعل الطبري الهاء في وليه عائدة على الحق وهو قول الربيع ، أي فليملل ولي الحق أي صاحبه ، ويصير المعنى عنده : إن عجز الذي عليه الحق بأن يقر على نفسه بالحق الذي عليه لسبب من الأسباب فليملل صاحب الحق وليحرص على أن يمل بالعدل فلا يحيف على المدين

وعلى قوله فقد جعل السفيه هو الجاهل بأمر الكتابة والإملاء والضعيف هو من ضعف عن الإملاء لعيه أو خرسه
والذي لا يستطيع أن يمل هو المحبوس أو المريض الذي لا يستطيع الحضور لمجلس العقد ...

وحجته في ذلك أن من عليه وصاية أو ولاية كالسفيه والصبي والمجنون لا تصح مداينتهم ابتداء فكيف يصح إملاء وليهم عنهم ...
والأخرس الراشد لا ولاية عليه لعدم وجود سببها
فلذلك رجح كون الولي هنا ولي الحق ... وضعف ذلك ابن عطية وقال : كيف تشهد البينة على شيء وتدخل مالا في ذمة السفيه بإملاء الذي له الدين ؟!هذا شيء ليس في الشريعة .

9- وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ
- هذا إرشاد عام في كل العقود بين البشر والتي قد يفضي الخلاف فيها إلى خصومة ونزاع أن يكون هناك شهود يشهدون العقد ليكون ذلك أبين للحجة وأقطع للخصومة

- الاستشهاد هو طلب الشهادة ، وهو على الندب عند الجمهور

- التعبير ب( شهيدين ) وليس (شاهدين) فيه إشارة إلى تكرار الشهادة ، فشهيد صيغة مبالغة على وزن فعيل ، وهو من تكررت شهادته ، فهي إشارة إلى عدالته ورضى شهادته بين الناس ..

- الناس ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم ، فالعدالة زائدة على الإسلام .. ذكره القرطبي ، ورد قول أبي حنيفة : ( كل مسلم ظاهر الإسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل وإن كان مجهول الحال ) ، ذلك أن قوله تعالى ( ممن ترضون ) يدل على اختبار حاله فيلزمه ألا يكتفى بظاهر الإسلام . والله أعلم

- العدالة هي الاعتدال في الأحوال الدينية وذلك يكون باجتناب الكبائر والمحافظة على المروءة وترك الصغائر وظهور الأمانة وأن يكون غير مغفل ..
وقيل العدالة صفاء السريرة واستقامة السيرة في ظن المعدِّل . ذكره القرطبي

- أن نصاب الشهادة في المعاملات المالية وفي العقود عموما : رجلان مرضيان
وقد رضي رسول الله في الخصومات بشهادة رجل ويمين صاحب الحق

- لا تقبل شهادة الفساق والمجهولين ، إذ العبرة أن يكون الشاهدان مرضيان معتبران عند الناس .

- إن لم يؤت في الشهادة برجلين مرضيين فشهادة رجل وامرأتين جميعهم مرضيون
وقال البعض بل لا يتحول عن شهادة الرجلين إلا إذا لم يوجد رجلان مرضيان لقوله تعالى ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) ؛ أي فإن لم يوجد الرجلان فرجل وامرأتان
ولا يؤت بالمرأتين مع وجود رجلين عدلين .. وضعف ذلك ابن عطية

- لا تقبل شهادة الصبي الصغير ولا المرأتان منفردتان في الأمور المالية لقوله تعالى ( من رجالكم )

- أجاز الفقهاء الاكتفاء بشهادة النساء فيما يخص أمورهن مما دعت إليه الضرورة ولا يعلم إلا بشهادتهن

- جعل الله شهادة المرأتين بشهادة رجل لما بينه من احتمال النسيان فتذكر إحداهما الأخرى بالشهادة إن نسيت شيئا منها

- التعبير بالضلال عن نسيان شيء من الشهادة دليل أن المراد نسيان جزء منها لا كلها ، فيحصل تردد فيها إذ لا يقال عمن نسي الشهادة بالجملة ضل فيها .

- من نسي شهادة ثم ذكرها قبل منه ذلك لأن الله قبل من المرأة إذا نسيت أن تذكرها الأخرى بالشهادة

- إشارة إلى أن طروء النسيان على المرأة أكثر ورودا منه على الرجل

- لا تقبل شهادة الكافر لقوله تعالى ( ممن ترضون من الشهداء ) والكافر غير مرضي فلا تقبل شهادته

- اختلف في شهادة العبيد :
فأجاز أحمد شهادة العبيد لقوله تعالى ( من رجالكم ) ؛ والعبد إن كان عدلا فهو من رجالنا
وخالفه مالك والشافعي وأبو حنيفة فلم يجيزوا شهادة العبد لنقص الرق ...

والجمهور على عدم جواز شهادة العبد :
أ. لأن الآية ابتداء تخاطب المتداينين ، ولا يملك العبد التداين دون إذن سيده .
ب. ولأن الله قال ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) والعبد لا يمكنه أن يجيب ولا يأتي لأنه لا استقلال له بنفسه
فالنقص بسبب الرق يمنع دخول العبيد في الشهادة

- تقبل شهادة الأعمى فيما علمه يقينا أو تحمله قبل عماه فيصح أداؤه لكونه شاهد وعاين .

10 - وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ
- اختلف في ( إذا ما دعوا )
هل هو الدعوة لتحمل الشهادة أم لأدائها بعد تحملها
قال الحسن : جمعت هذه الآية الأمرين : وهما ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة ولا إذا دعيت لأدائها .
وقال مجاهد معنى الآية إذا دعيت لأداء شهادة حصلت عندك


- من قال أنها دعوة للتحمل جعلها على الندب ، فلا يجبر المرء أن يشهد إن لم يرد ذلك ..
قال مجاهد : أما إذا دعيت لتشهد أولا فإن شئت فاذهب وإلا فلا

- ومن قال هي للأداء قال :
إن كان قد تحملها وجب عليه أداؤها إذا دعي لأن في شهادته حفظا للحقوق ومنعا للظلم
وإن كان لم يدع ولم يكلف بتحملها فله أن يشهد أو لا يشهد
- قال قتادة والربيع وغيرهما: «معنى الآية إذا دعوا أن يشهدوا فيتقيد حق بشهادتهم، وفي هذا المعنى نزلت، لأنه كان يطوف الرجل في القوم الكثير يطلب من يشهد له فيتحرجون هم عن الشهادة فلا يقوم معه أحد، فنزلت الآية في ذلك»

- والأصح أنها هي عموما للندب ، كـ( ولا يأب كاتب أن يكتب ) فهو ندب إلى أداء الشهادة لما فيها من إثبات حق ومنع للظلم ...
ولكن هذا الندب يتغير حسب ثلاث حالات :
أ. إن كانت فسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطل الحق فالمدعو مندوب للشهادة وله أن يتخلف عنها بعذر وبغير عذر .
ب. وإن خيف فوات الحق وتعطله بامتناعه عن الشهادة قوي الندب وقرب من الوجوب
ج. وإن تحقق فوات الحق ووقوع الظلم بعدم شهادته أو تأخرها وجب عليه أداؤها .

- إذا دعي الشاهد للشهادة وكان قد وجب عليه أداؤها لتحقق فوات الحق ووقوع الظلم بعدم شهادته فإن تخلف عن الشهادة لغير عذر جرح في عدالته . ذكره القرطبي

11- وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ
- ولا تسأموا : أن تملوا
تكتبوه : أي الدين ، وقيل الدين والإشهاد
صغيرا أو كبيرا أي مهما بلغت قيمته لا تستصغروه واكتبوه

- بدأ بالصغير قبل الكبير لأنه مما قد يتهاون في كتابته فنبه تعالى أن الحق حق مهما صغر ، والتوثيق فيه أفضل

- تأكيد على الكتابة وتوثيق الديون وإرشاد إلى عدم تركها

- التأكيد على توثيق الأجل في بيع السلم والمداينات

12- ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ
- الغرض من الكتابة :
أ. اعدل وأحفظ للحقوق وأقرب للقسط وهو العدل
ب. أثبت وأحفظ لشهادة الشاهد ، إذ قد ينسى فيذكره الكتاب شهادته
ج. أدفع للريبة والشك وأقطع لها ، إذ أن الوثائق المكتوبة ( كالكمبيالات في زماننا ) تضمن لكل صاحب حق حقه ، فلو كان البائع جاهلا للمشتري فالوثيقة تضمن له حقه .
د. كتابة الدين والإشهاد عليه يقطع الطريق على صاحب الحق او الذي عليه الحق بالتلاعب أو إنقاص الحق أو الطمع في زيادته لعلمه بوجود الشهود والبينة عليه فيرعوي ..

- إذا شك الشاهد في شهادته وتردد فيها لا تقبل شهادته ، فلا تقبل إلا شهادة المتيقن
روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة فقال : ( ترى هذه الشمس ، فاشهد على مثلها أو دع ) ذكره القرطبي

13- إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ
- التجارة الحاضرة التي يحصل فيها التقابض يدا بيد في نفس المجلس لا حاجة لكتابتها

- خفف الله في كتابة البيوع الحالة التي يتم فيها القبض والتسليم في نفس المجلس رفعا للحرج لكثرتها فقلما يخلو يوم من تبايع حال ... ولكون التقابض حالا يغني عن الكتابة

14- وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ
- ندب الله للإشهاد في البيع الحال كما في البيع الآجل
والندب ما عليه الجمهور ، وقال الضحاك وابن المسيب وابن زيد ومجاهد وعطاء بوجوب الإشهاد في البيع الحال ورجحه الطبري
وقد ثبت عن رسول الله أنه باع واشترى ولم يشهد.
فعن عمارة بن خزيمة الأنصاريّ، أنّ عمّه حدّثه -وهو من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابتاع فرسًا من أعرابيٍّ، فاستتبعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبطأ الأعرابيّ، فطفق رجالٌ يعترضون الأعرابيّ فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابتاعه، حتّى زاد بعضهم الأعرابيّ في السّوم على ثمن الفرس الّذي ابتاعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنادى الأعرابيّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتعه، وإلّا بعته، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابي، قال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابيّ: لا واللّه ما بعتك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «بل قد ابتعته منك». فطفق النّاس يلوذون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والأعرابيّ وهما يتراجعان، فطفق الأعرابيّ يقول: هلم شهيدًا يشهد أنّي بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابيّ: ويلك! إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن يقول إلّا حقًّا. حتّى جاء خزيمة، فاستمع لمراجعة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومراجعة الأعرابيّ يقول هلمّ شهيدًا يشهد أنّي بايعتك. قال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته. فأقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على خزيمة فقال: «بم تشهد؟» فقال: بتصديقك يا رسول اللّه. فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. رواه أحمد وأبو داود

- خفف الله الكتابة ولكنه ندب للإشهاد في البيع الحال ؛ فهو الأفضل للاحتياط

- في الإشهاد حفظ للحق ومنع للظلم والحيف

- قال القرطبي : كان ابن عمر إذا باع نقدا أشهد وإذا باع نسيئة كتب

15- وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ
- اختلف في ( يضار ) هل هي للفاعل أو لما لم يسم فاعله

- فمن قال أنها للفاعل فمعناها :
أي لا يضر الكاتب الدائن أو المدين بكتابته، بل يكتب كما يملى عليه الحق ولا يبخس أو يزيد في الحق
ولا يضر الشهود بمن له أو عليه الحق ، بل يشهدوا بالقسط ويقيموا الشهادة لله ولو على قريب ..
ولا يضر بهما باشتراط أجرة لا تحل لشهادته
ولا يماطلا في الكتابة أو الشهادة بما يضر صاحب الحق والذي عليه الحق

- ومن قال أنها لما لم يسم فاعله :
فجعل ( لا يضار ) أي يضره أحد بشهادته أو كتابته
فلا يجبر على الكتابة أو الشهادة إن أباها لحاجة أو لعذر
ولا يلح عليه بها أو يؤذى بسببها
عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} قال: «يأتي الرّجل فيدعوهما إلى الكتاب والشّهادة، فيقولان: إنّا على حاجةٍ فيقول: إنّكما قد أمرتما أن تجيبا. فليس له أن يضارّهما».

- الكاتب والشاهد محسنان حقهما أن يشكرا على معروفهما وإحسانهما فلا يضاران بإحسانهما

16- وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ
- تحذير من الله تعالى :
للكاتب والشهيد أن يحيفا أو يضارا
فيكتب الكاتب غير الحق فيهضم حق صاحب الحق أو يزيد على الذي عليه الحق لميله لصاحب الحق
والشاهد أن يشهد شهادة زور أو يغير شهادته أو يحيف بها ويميل لطرف على طرف فهذا فسق ..

- التحذير من شهادة الزور فقد جعلها الله من أكبر الكبائر
ورد في الصّحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا أخبركم بشرّ الشّهداء؟ الّذين يشهدون قبل أن يستشهدوا»، وكذا قوله:«ثمّ يأتي قومٌ تسبق أيمانهم شهادتهم وتسبق شهادتهم أيمانهم».وفي روايةٍ: «ثمّ يأتي قومٌ يشهدون ولا يستشهدون». فهؤلاء شهود الزّور

- تحذير من الإضرار بالكاتب او الشاهد أن هذا طريق للفسق

- إشارة إلى أن اوصاف الفسق والنفاق والإيمان تتجزأ في الإنسان ، فقد قال الله ( فسوق بكم ) أي أن من يفعل ذلك فيه فسق ، لا أنه فاسق

17- وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ
- إشارة مهمة أن التقوى طريق للعلم ، والعلم سبب للتقوى ، فهو وعد من الله بأن من اتقاه يعلمه ويجعل له نورا يفهم به ...

- كل علم يعلمه المرء هو بتعليم الله له فلا فضل لأحد بما يعلمه إنما هو فضل لله يؤتيه من يشاء

18- وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
- تذكير للعبد أن علم الله محيط واسع ... وأنه مهما بلغ من العلم لا يحيط بعلمه شيئا ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )

- تحذير للدائن والمدين والكاتب والشهود أن الله عليم بكل ما يفعلون وما يكتبون وما يملون وما يقولون ، ولا تخفى على الله خافية فليتقوا الله في معاملاتهم ولا يحيف بعضهم على بعض وليؤد الذي عليه الحق الحق لصاحبه في موعده ...

🔹 وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ
18 - مشروعية الوثائق لحفظ الحقوق ، وهي في المداينات :
الشهادة والرهن والضمان والمفالة

- الرهن مشروع في الحضر كما في السفر ، لكنه نص على السفر لصعوبة العثور على كاتب تسهيلا للمعاملة
وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه سلف الشعير، فقال: «إنما يريد محمد أن يذهب بمالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كذب إني لأمين في الأرض أمين في السماء، ولو ائتمنني لأديت، اذهبوا إليه بدرعي».

- يدخل كل عذر مانع من الكتابة أو الإشهاد في حكم السفر بالرهن لحفظ الحق وتوثيق المعاملة
- قال ابن عطية : وقد قال جمهور من العلماء: «الرهن في السفر ثابت في القرآن، وفي الحضر ثابت في الحديث». وقال أن في ذكر السفر في الآية مثال للعذر المانع من الكتابة ، وعليه ففي الآية إشارة إلى الرهن في الحضر

- إذالم يوجد كاتب أو وجد ولم توجد دواة أو قلم أو ورق دخل في حكم ( لم تجدوا كاتبا )
قال ابن عبّاسٍ: «أو وجدوه ( أي الكاتب ) ولم يجد قرطاسًا أو دواةً أو قلمًا فرهن مقبوضةٌ، أي: فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضةٌ في يد صاحب الحقّ».

- الرهن هو احتباس العين وثيقة بالحق ليقتضى الحق من ثمنها إن تعذر أخذه من الغريم

-اختلف في وجوب قبض الرهن في مجلس العقد
فعند المالكية لا بد من تسلم الرهن وقبضه في يد صاحب الحق ليلزم
ولذلك قال ابن عطية : بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج من يد المرتهن إلى يد الراهن بوجه من الوجوه لأنه فارق ما جعل له . ( متى رجع الرهن إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن )
أما الشافعي فقبل رهنا معينا موصوفا ، وجعل عودة الرهن ليد الراهن مطلقا لا يبطل القبض الحاصل أولا .
وفي المسألة تفصيل عند الفقهاء

- إذا اختلف الراهن والمرتهن في صورة الرهن ومقداره فالقول قول المرتهن لأن الله جعل الرهن في مقابل المتابة لحفظ حق صاحب الحق

19- فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ
- جواز التعامل المالي بين الناس على الثقة والاستئمان دون شهادة أو كتابة

- من تبايع أو تداين على الأمانة فليؤد الذي عليه الحق أمانته وليحفظ حق غيره ولا يبخس

- الأمر بأداء الحق ممن عليه الحق هو على الوجوب ، بقرينة الإجماع على وجوب الوفاء بالديون وأداء الأمانات

- من ائتمنك وبتيع أو داينك على الثقة والاستئمان فاحفظ معه مروءتك وأد إليه أمانته
عن سمرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه».

20- وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ
- التقوى واقية من الذنوب والمعاصي ، وكلما عظمت في القلب عظم أثرها وكفت صاحبها عن المعاصي

- تنبيه من الله للعبد وتذكير له بأن الله ربه وهو المتكفل له برزقه فلا يحيف طمعا ولا يبخس من الحق وليؤد ما اؤتمن عليه

21- وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ
- كتمان الشهادة من أعظم الذنوب ، فمن كانت عنده شهادة يحفظ بها حقا ويمنع بها ظلما وامتناعه يضيع الحقوق وجب عليه أداؤها
قال ابن عبّاسٍ وغيره: «شهادة الزّور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك»

- التعبير ب( آثم قلبه ) أي قد تعلق به الإثم المترتب على معصية كتمان الشهادة في موضع وجوبها
قال ابن كثير وهذه كقوله تعالى : ( ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذًا لمن الآثمين}
وهي في الحقيقة أخص لأنه ام يقل فإنه آثم ، بل آثم قلبه ، فكانه موضع صلاحه وفساده وموضع رجاء الخير منه تعطل لتعلق الإثم به

- خص القلب بالذكر لأنه موضع الكتمان ثم هو علق الإثم به لأنه هو المضغة التي بصلاحها يصلح العبد وبفسادها يفسد

22- وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
تذكير لهم كما ذكرهم في الاي قبلها انه عليم بكل شيء، فههنا يذكرهم أنه عليم بعملهم فليحذروا أن يخالفوا أو يكتموا شهادة أو يخونوا أمانة ويأخذوا حقا .

- إشارة إلى أن أحكام الله التي شرعها لتنظيم مصالح العباد فيها صلاحهم في حياتهم وتحقيق للعدل والمصلحة وحفظ للحقوق وقطع للنزاعات

والله أعلم

🔹تم الاستعانة بـ:
- جامع البيان في تفسير القرآن للطبري
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
- تيسير للطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للسعدي

إضافة إلى التفاسير الثلاثة المقررة :
- معاني القرآن لأبي إسحق الزجاج
- المحرر الوجيز لابن عطية
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 11:59 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة
(الآيات: 275- 286)

بالاستعانة بالتفاسير الثلاثة المقرّرة اكتب رسالة تفسيرية في واحد من الأقسام التالية:

3: آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، بأسلوب الحجاج.



بسم الله الرحمان الرحيم


قال تعالى : {
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }


ما ورد في فضل هذه الآيات..


- في ( صحيح مسلم ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات : قد فعلت ) .
-وقد روى البخاريّ والجماعة عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة ، في ليلة ، كفتاه ) .
-وروى الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش ، لم يعطهنّ نبي قبلي ) .

-وعن ابن عباس قال : (
بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فرفع رأسه فقال : هذا باب من السماء فتح اليوم . لم يفتح قط إلا اليوم ، فنزل منه ملك فقال : هذا ملك نزل إلى الأرض . لم ينزل قط إلا اليوم . فسلّم وقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما / نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة . لن تقرأ حَرْفاً منهما إلا أُعطيته ) . رواه مسلم والنسائيّ . وهذا لفظ مسلم .


مسائل الدراسة .
نسخ الآية
المؤاخذة على الخواطر والوساوس والهمّة
-تعذيب الله لعباده بلا عدل ولا حكمة

.تكليف العبد بما لا يطاق

(لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ )
قال ابن جرير رحمه الله تعالى : لله ما في السموات وما في الأرض"، لله ملك كل ما في السموات وما في الأرض من صغير وكبير، وإليه تدبير جميعه، وبيده صرفه وتقليبه، لا يخفى عليه منه شيء، لأنه مدبره ومالكه ومصرّفه.


*************
نسخ الآية

اختلف أهل التأويل في نسخ الآية على قولين:
الآية منسوخة:.. وهو قول ابن مسعودوأبي هريرةوابن عمروابن عباسفي روايةعنهوالحسنوالشعبيوابن سيرينوسعيد بن جبيروقتادةوعطاء الخراسانيوالسديومحمد بن كعبومقاتلوالكلبيوابن زيد.

فطاهر قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} يدل على أن العبد محاسب على ما فيه صدره من وساوس وخواطر وأحاديث نفسه ولم يتكلم به لسانه ولم تعلم به جوارحه ؛ لهذا شق ذلك على الصحابة وشكوا الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هلكنا يا رسول الله إن حوسبنا بخواطرنا......فخفف الله عليهم فأنزل قوله تعالى :{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}
الآثار في ذلك:
-عن سعيد بن جبير قال: نسخت هذه الآية:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" - (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) . رواه ابن جرير
-عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة يحدث: أنه بينا هو جالس سمع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية،"لله ما في السموات وما في الأرض وَإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" الآية، فقال: والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلِكنّ! ثم بكى ابن عمر حتى سُمع نَشيجه، فقال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت ابن عباس فذكرتُ لهُ ما تلا ابن عمر، وما فعل حين تلاها، فقال عبد الله بن عباس: يغفر الله لأبي عبد الرحمن! لعمري لقد وَجَد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وَجد عبد الله بن عمر، فأنزل اللهُ بعدها (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) إلى آخر السورة. قال ابن عباس: فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها، وصار الأمر إلى أن قضى الله عز وجل أنّ للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القوْل والفعل. رواه ابن جرير
- عن قتادة: أنه قال: نسخت هذه الآية = يعني قوله: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) = الآية التي كانت قبلها:"وإن تُبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله". رواه ابن جرير

القول الثاني



أن الآية محكمة ليست منسوخة..وهو قول ابن عباس في رواية وقول الحسن و هو اختيار ابن جرير الطبري وابن عطية وابن كثير وغيرهم
قال الحسن: هي محكمة لم تنسخ. رواه ابن جرير
ثم اختلفوا في تأويلها على أقوال


أولا-حمل الآية على معنى خاص ؛ في نوع من المخفيات؛ فعموم الآية غير مراد
-قيل المراد الشهادة؛ فمن أقام الشهادة وأدها أو من كتم الشهادة وأخفها و لم يظهرها فهو محاسب على ذلك .ودليل ذلك سياق الآية .فد جاءت بعد آيات الدين و الإشهاد عليه.. وهو قول ابن عباس و عكرمة

-عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يُحاسبكم به الله"، يقول: يعني في الشهادة. رواه ابن جرير
-عن عكرمة في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، يعني: كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها. رواه ابن جرير
-قيل بل المراد بذلك الشك واليقين؛ هذا الذي يحاسب عليه العبد أما الوساوس والخواطر فلا تدخل في المعنى الآية وهو قول مجاهد
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، قال: من الشك واليقين... رواه ابن جرير.

-وقيل أن العذاب والعقاب على ما استقر في القلب وعزم عليه العبد ؛ أما مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُكُمْ مِمَّا لَمْ تَعْزِمُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
واستدلوا لذلك بقوله تعالى {: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ }.

ثانيا:حمل "المحاسبة " على معنى خاص
قيل "يحاسبكم به الله" أي يعرفكم و يخبركم بما أخفيتم وما أسررتم به من الخواطر و الوساوس ؛ لتعلموا إحاطة علمه ثم يغفر للمؤمن فضلاويعذب الكافرعدلا.وذلك يوم القيامة
ومما يستدل لهذا القول بقوله تعالى :{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}‏‏


عن عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، كان ابن عباس يقول: إذا دعي الناس للحساب أخبرَهم الله بما كانوا يسرُّون في أنفسهم مما لم يعملوه فيقول:"إنه كان لا يعزُب عني شيء، وإني مخبركم بما كنتم تسرُّون من السُّوء، ولم تكن حفظتكم عليكم مطَّلعين عليه". فهذه المحاسبة. رواه ابن جرير.

-قيل بل المحاسبة بما يصاب به العبد من المصائب في الدنيا وهو قول عائشة رضي الله عنها

- الله محاسبٌ جميعَ خلقه بجميع ما أبدَوْا من سيئ أعمالهم، وجميع ما أسروه، وُمعاقبهم عليه. غيرَ أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه، ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزَنون عليها ويألمون منها. قاله ابن جرير
-عن الضحاك في قوله:"وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله"، الآية، قال: كانت عائشة رضي الله عنها تقول: من همّ بسيئة فلم يعملها، أرسل الله عليه من الهم والحزَن مثل الذي همّ به من السيئة فلم يعملها، فكانت كفّارته. رواه ابن جرير
المناقشة
-دعوة النسخ غير مسلمة؛ لأن حقيقةالنسخ: الرفع والإزالة،وإثبات الحكم الثاني .. .وإثبات الأحكام الشرعية منوطة بقيام الدليل على ذلك ولا دليل في مسألتنا تستوجب الرجوع إليه.وتحكيمه
-لا نسخ في الأخبار .والآية التي معنا خبر من جملة الأخبار ؛ فلا يصح دعوة النسخ فيها
وقد اعترض: إن كانت من الجملة الأخبار فالمراد بها الطلب ؛والمعنى: التزموا هذا واصبروا عليه حتى يجيء لطف الله في الغفران ؛المفهوم من قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم : «قولوا سمعنا وأطعنا فالنسخ واقع على الحكم الذي فيها.
ومثله قوله تعالى { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } وإن كانت الآية في الأخبار لكن معناه التزموا هذا وابنوا عليه واصبروا بحسبه ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك . بصبر المائة للمائتين.
رد لا يسلم لكم...كون آية البقرة مثل آية الأنفال للفارق بينهما
قال ابن عرفة : آية الأنفال ليس فيها إلا النسخ لأنّه رفع كلّ الحكم ( وآيَتُنَا ) هذه تحتمل النسخ والتخصيص كما قال بعضهم اهـ
- أما ما ورد من أقوال السلف بالقول بالنسخ؛ فلا حجة فيه لأن النسخ عند السلف يطلق ويراد به مطلق البيان ؛فيشمل تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته وهو ما يعرف ـ عند المتأخرين ـ بالنسخ..والعلة في ذلك لكونها كلها تشترك في أن جزءاً من تلك النصوص لم يكن معمولاً به؛ فأشبهت النسخ من جهة كون الحكم فيه غير معمول به.
- الآية دلت أن الله يحاسب بما في النفوس لا أنه يعاقب عليها وفرق بين الحساب والعقاب.فلا يلزم من الحساب العقاب. وأنه سبحانه قد يحاسب و يعاقب وقد يحاسب و يعذب والذي أوجب القائلين بالنسخ هو فهمهم أن الحساب يقتضى العقوبة
قال شيخ الإسلام: إن قوله‏:‏ ‏{‏‏وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ}‏‏ الآية إنما تدل على أن الله يحاسب بما في النفوس لا على أنه يعاقب على كل ما في النفوس
والدليل على ذلك حديث : "يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَه، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ كَذَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّ أعْرف -مَرَّتَيْنِ -حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ". قَالَ: "فَيُعْطَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ -أَوْ كِتَابُهُ -بِيَمِينِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} . .

-قد يأتي النسخ ويراد به نسخ ما يقع في الأذهان والنفوس من فهم ؛ وإن لم يكن نسخ في الأحكام؛ لما كان لفظ الآية يحتمل دخول الوساوس و الخواطر في الحساب والعقاب أشفق ذلك على الصحابة و شكوا إلى رسول الله وقالوا: إن كلفنا ما لا نطيق عذبنا الله فنسخ الله هذا الظن وبين لهم أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها
قال شيخ الإسلام : ...{. ‏‏ وكذلك ينسخ الله ما يقع في النفوس من فهم معنى، وإن كانت الآية لم تدل عليه لكنه محتمل وهذه الآية من هذا الباب..}
وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام هو المراد من قول السلف بكون الآية منسوخة؛ أي نسخة ما كان محتمل و متوهم في الأذهان أن الله يعذب على ما يكون في النفوس من وساوس و خواطر. وهو الذي رجحه ابن عطية .

المؤاخذة على الخواطر والوساوس والهمّة
وقد تمسك بالآية من قال أن الله يعذب عباده على الخواطر والواسوس وأحاديث النفس
وقد ترتب استدلالهم هذا مسألة أخرى وهو جواز التكليف بما لا يطاق
قال المخالف قوله { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } يتناول حديث النفس ، والخواطر الفاسدة التي ترد على القلب ، ولا يتمكن من دفعها ، فهي داخلة في المحاسبة..
.
الرد : عدم التسليم لقولكم ؛لأنه مخالف لنصوص الكتاب والسنة ؛ التي تقضي أن العذاب و المؤاخذة على الذنب حاصل لما يقوم به العبد من قول أو فعل وبما يعقد عليه قلبه ويعزم عليه
قال تعالى: " { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}

و الأعمال تقسم إلى قسمين
1-أعمال اللسان والجوارح: وهذه لا خلاف بالمؤاخذة فيها
2-أعمال القلوب وهى بدورها تنقسم إلى قسمين
أ-ما كان من قبيل الوسوسة والخواطر التي لا تستقر في القلب ولا يكون لها أثر في النفس ولا ينتج منها فعل يكون مترتبا عليها فهذه لا عقاب عليها
ودليل ذلك ما داء في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ، ما لم تعمل أو تَكَلَّمْ ) .
ب- أعمال تستقر في القلب و يعزم عليها ؛فهذه يؤاخذ عليها العبد ؛ عقوبة إذا كان تركها من قبيل ترك واجب أو القيام بها من قبيل الإتيان بالحرام ؛ كمن استقر في قلبه الشك فهذا يحاسب عليه لأنت تارك لليقين وهو واجب عليه...ومثوبة وأجرا إذا أتى بالأعمال الواجبة على القلب .كالصبر والمحبة والرضا وغيرها ..
بهذا التقسيم تبين أن ليس كل ما كان في النفس يحاسب عليه العبد. أن الوسواس والخواطر لا يعاقب عليها العبد

قوله تعالى :( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ )
قراءتان ؛ بالجزم والرفع في "يغفر" و "يعذب"
فالجزم على الإتباع على ما قبله ؛ أنه معطوف على { يحاسبكم } الذي هو جواب الشرط ؛ والمعطوف على المجزوم مجزوم
والرفع على الاستئناف وقطعه على ما قبله .؛ فالفاء استئنافية تفيد قطع الجملة التي بعدها عما قبلها.

وفي معنى يغفر لمن يشاء و يعذب من يشاء أقوال ذكرها ابن عطية
1- { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء } أي لمن تاب عن الذنوب { وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء } أي من أقام على ذلك ، وأصر عليه .
2-يغفر لمؤمن ويعذب الكافر
عن ابن عباس ؛قوله : { فيغفر لمن يشاء } قال : فأما المؤمنون ، فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم رواه ابن أبي حاتم
3-{يغفر لمن يشاء} بالكبير إذا تنزع عنه {ويعذب من يشاء } بالصغير إذا أصر عليه . وهو قول مجاهد و سفيان ذكره ابن عطية
كما يقال : لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار
- قال ابن المنذر حدثنا زكريا ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد ابن يوسف ، قال : قال سفيان في قوله : { فيغفر لمن يشاء } قال : يغفر لمن يشاء بالكبير ، { ويعذب من يشاء } بالصغير . رواه ابن المنذر
عن مجاهد ، في قوله : { فيغفر لمن يشاء } قال يغفر لمن يشاء الكبير من الذنوب .و { ويعذب من يشاء } قال : يعذب من يشاء على الصغير . وروى عن الثوري ، مثل ذلك..رواه ابن أبي حاتم
*
وما تدل عليه الآية أن أمر المغفرة والعذاب راجع إليه سبحانه وتعالى لا إلى غيره.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة أن الله لا يغفر للكافر والمشرك اذا وافاه على ذلك؛ فعقابه واقع عليهم ؛ أما أهل المؤمن من وافه وهو تائب من ذنوبه فهذا أمن من عذاب الله وعقابه
و أما أصحاب الكبائر فهم إلى مشيئة الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم
ولا يفهم من قول أصحاب القول الأول أنّ المعاصي لا تغفر إلا بالتوبة فقط ؛ فهذا الفهم غير صحيح لأن أسباب المغفرة كثيرة؛ فقد ورد أن الصلاة ؛ والصيام ؛ والعمرة ؛ والحج مكفرة للذنوب لمن اجتنب الكبائر. وما يصيب به العبد من بلاء ومصائب مكفرات للذنوب ..أيضا
تعذيب الله بلا حكمة ولا عدل:
و قد تمسك بالآية استدلالا على قولهم بأن الله يعذب بلا حكمة ولا عدل ؛ حتى جوزا أن الله يعذب لا ذنب ولا خطيئة
قال شيخالإسلام : ..{.ولا يقتضى أنه يغفر ويعذب بلا حكمة ولا عدل، كما قد يظنه من يظنه من الناس، حتى يجوزوا أنه يعذب على الأمر اليسير من السيئات مع كثرة الحسنات وعظمها، وأن الرجلين اللذين لهما حسنات وسيئات يغفر لأحدهما مع كثرة سيئاته وقلة حسناته، ويعاقب الآخر على السيئة الواحدة مع كثرة حسناته، ويجعل درجة ذاك فى الجنة فوق درجة الثاني‏. ‏‏ وهؤلاء يجوزون أن يعذب الله الناس بلا ذنب، وأن يكلفهم ما لا يطيقون ويعذبهم على تركه..}

الرد: قولك هذا في غاية الضعف والبطلان لأنه مخالف لصريح نصوص الكتاب والسنة
فتعذيب لعباده بلا ذنب ظلم ؛ والله عزوجل نزه عن نفسه الظلم ؛ بل حرمه عليه وجعله محرما بين عباده )
قال تعالى "{ " وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} في ثلاثة مواضع من كتابه وقال تعالى :{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وقال{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }
وكلها بصيغة المبالغة "ظلام" للتوكيد على انتفاء هذه الصفة الذميمة عن الله عزوجل
وفي الحديث : {يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلَا تَظَالَمُوا}
- ولم يقل بهذا القول أحد من السلف والأئمة فهو بدع من القول ؛ بل الصحابة إنما هربوا وخافوا أن يكون الأمر من هذا الجنس، فقالوا‏:‏ لا طاقة لنا بهذا؛ فإنه إن كلفنا ما لا نطيق عذبنا، فنسخ الله هذا الظن، بقوله تعالى : ‏{‏‏لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‏}
وبين بطلان قول هؤلاء الذين يقولون‏:‏ إنه يكلف العبد ما لا يطيقه، ويعذبه عليه.
- قد جاءت آيات كثيرة في كتاب الله تبين أن العذاب والعقاب منوط و واقع بحصول الآثام والمعاصي. وأن عذابه منتف عن المؤمن .وأن مغفرته وتوبته حاصلة من تاب وأقبل عليه.
قال تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}
وقال :{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }
{ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .}
قال الرازيّ : قد بيّن بقوله { لله ما في السماوات وما في الأرض } أنه كامل الملك والملكوت . وبيّن بقوله { وإن تبدوا . . . } إلخ . أنه كامل العلم والإحاطة . ثم بيّن بقوله : { والله على كل شيء قدير } أنه كامل القدرة مستول على كل الممكنات بالقهر والقدرة والتكوين والإعدام . ولا كمال أعلى وأعظم من حصول الكمال في هذه الصفات . والموصوف بهذه الكمالات يجب على كل عاقل أن يكون عبدا منقادا له ، خاضعا لأوامره ، ونواهيه ، متحرزا عن سخطه . وبالله التوفيق .



قال الله تعالى : ( .آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )
في سبب نزول الآية قال ابن عطية : سبب هذه الآية أنه لما نزلت وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ الآية التي قبلها. وأشفق منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ثم تقرر الأمر على أن قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا، فرجعوا إلى التضرع والاستكانة، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية اهـ
في هذه الآية ثناء من الله على عبده ورسوله لتصديقه بما أنزل عليه من القران والوحي عموما وعلى عباده المؤمنين بما ءامنوا بربهم وبالملائكة والكتب والرسل جميعا فلم يفرقوا بين أحد منهم كما فعل ذلك اليهود والنصارى.
كما أن الله مدحهم بقولهم {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} . لانقيادهم وامتثالهم أمر ربهم.
قال ابن عطية :" وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا مدح يقتضي الحض على هذه المقالة وأن يكون المؤمن يمتثلها غابر الدهر"
وغفرانك " مصدر وقع في موضع أمر فنُصِب ؛ أي اغفر غفرانك
وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ :إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى.


قال الله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)
قال ابن العربي قَوْله تَعَالَى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } .
هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ شَرِيعَةِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّفَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْأُمَمِ بِهَا ، فَلَمْ يُحَمِّلْنَا إصْرًا وَلَا كَلَّفَنَا فِي مَشَقَّةٍ أَمْرًا ، وَقَدْ كَانَ مَنْ سَلَفَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذَا أَصَابَ الْبَوْلُ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ بِالْمِقْرَاضِ ، فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ إلَى وَظَائِفِ عَلَى الْأُمَمِ حَمَلُوهَا ، وَرَفَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ »

التكليف : التكليف الإِلزام مما فيه كلفة ومشقة تحتمل.
الوسع :
-سئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } . قال : إلا يسرها ولم يكلفها فوق طاقتها ، قال البغوي : وهذا قول حسن لأن الوسع ما دون الطاقة .
قال شيخ الإسلام: و‏(‏الوُسْع‏)‏ فعل بمعنى المفعول، أي‏:‏ ما يسعه، لا يكلفها ما تضيق عنه فلا تسعه، وهو المقدور عليه المستطاع.

{ لها ما كسبت } . أي للنفس ما عملت من الخير ، لها أجره وثوابه. و { وعليها ما اكتسبت } . من الشر وعليها وزره . و { ربنا لا تؤاخذنا } . أي لا تعاقبنا .( إن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )..
قال الشيخ السعدي : والفرق بينهما : أن النسيان : ذهول القلب عن ما أمر به فيتركه نسيانا ، والخطأ : أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله : فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا
(ربنا ولا تحمل علينا إصرا )
الإصر في اللغة : الثقل والشدة ، قال النابغة :
يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم *** والحامل الإصرعنهم بعد ما عرفوا
ثم سمي العهد إصرا لأنه ثقيل ، قال الله تعالى : { وأخذتم على ذلكم إصري } . أي عهدي وميثاقي.
وفي معنى لا تحمل علينا إصرا قولان:
- الأول : لا تشدد علينا في التكاليف كما شددت على من قبلنا من اليهود
-الثاني :لا تحمل علينا عهدا وميثاقا يشبه ميثاق من قبلنا في الغلظ والشدة .
{ كما حملته على الذين من قبلنا } . يعني اليهود ، فلم يقوموا به فعذبتهم .
(وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ.)أي لا تكلفنا من الأعمال مالا نطيقه
الطاقة اسم من الإطاقة ، كالطاعة من الإطاعة ، والجابة من الإجابة وهي توضع موضع المصدر .
قال الراغب الأصفهاني: " الطاقة اسم لمقدار ما يمكن الإنسان أن يفعله بمشقة ، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء ، فقوله تعالى : [ لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ] أي ما يصعب علينا مزاولته ، وليس معناه لا تحملنا ما لا قدرة لنا به " اهـ فالطاقة على هذا تكون فيما يمكن فعله بأقصى القدرة
ولأهل العلم في المراد "ما لاطقة لنا به " أقوال
-- حديث النفس والوسوسة .
-الغلمة : شدة الشهوة وهو قول مكحول
- الحب وهو قول إبراهيم
- العشق وهو قول محمد بن عبد الوهاب
- مسخ القردة والخنازير وهو قول ابن جريج .
- شماتة الأعداء
- الفرقة والقطيعة نعوذ بالله منها
مسألة تكليف العبد بما لا يطاق:
مسألة التكليف بما لا يطاق هي أيضا من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين طوائف المسلمين ..
أولا:
(1) -ذهبت طائفة أخرى إلى عدم جواز التكليف بما لا يطاق ؛ منهم المعتزلة لأن الله منزه عنهم عن فعل القبيح والتكليف بما لايطاق قبيح .
(2)
(3) استدلَّ المعتزلة بهذه الآية الكريمة على ما ذهبوا إليه ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقالوا : هذه الآية صريحة في نفي تكليف ما لا يطاق .
(4) كما أنهم استدلوا نظائرها ؛ كقوله : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } .وبقوله ، { يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } ،وبقوله { يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } ؛ على أنه لا يجوز تكليف ما لا يطاق .
ثانيا
وذهبت طائفة منهم إلى جواز التكليف بما لا يطاق؛ منهم الجهمية وغيرهم.
(5) وأما الأشاعرة قالوا بجواز تكليف ما لا يطاق به عقلا وإن لم يقع في الشرع .
قال ابن عطية:{فقال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ولا يحرم ذلك شيئاً من عقائد الشرع ، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعاً به..}
الأدلة
دليلهم في ذلك قوله تعالى: { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } فسؤال دفعه يدل على جوازه؛ إذ لو لم يكن جائزا لما حسن طلب دفعه بالدعاء من الله تعالى.. وقوله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } يدل على عدم وقوعه.
الرد:
أولا: عدم التسليم فيما ذهبوا إليه ؛ لأن المراد بالطاقة في الآية ما يشق فعله مشقة عظيمة؛ لا ما يستحيل الإتيان به
كما يقول الرجل : لا أستطيع أن أنظر إلى فلان إذا كان مستثقلا له . قال الشاعر :
إنك إن كلفتني ما لم أطق *** ساءك ما سرك مني من خلق
كما قال الله تعالى في وصف الكفار { ما كانوا يستطيعون السمع } . أي كان يشق عليهم .
-أو يكون المراد من قولهم ( لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) ؛ العذاب؛ والمعنى لا تحملنا عذابك الذي لا نطيق احتمالهكعذاب جهنم وغيره.
ثانيا: مع التسليم في إرادة دفع ما لا يطاق؛يرد بأحد أمرين:
أ- أنهم سألوا الله تعالى أن لا يكلفهم بما لا قدرة لهم عليه لكن ذلك لا يدل على جواز أن يفعل خلافه ، لأنه لو دل على ذلك لدل قوله { رب احكم بالحق } على جواز أن يحكم بباطل
ب-هذه الآية معارضة بما يدل على عدم جواز تكليف ما لا يطاق، وهو قوله تعالى:
(
لا يكلف اللَّه نفساً إلا وسعها) ، وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، وقوله: (لا نكلف نفسا إلا وسعها) ، فإن هذه الآيات قد صرحت في عدم جواز تكليف ما لا يطاق،
أما ما ذكر من قوله تعالى: (ولا تحملنا ما لاطاقة لنا به) ، فهي ليست صريحة في جواز تكليف ما لا يطاق، لأنه يتطرق إليها عدة احتمالات. والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال
- كما تمسك هؤلاء بقوله تعالى ( وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ). للقول بجواز التكليف بما لا يطاق. فقالوا إن الله كلفهم بأمر الخواطر وذلك مما لا يطاق
رد عليهم : لا نسلم لكم بذلك فالخواطر لم تكن في وقت من الأوقات من التكاليف الشرعية ؛ إنما كان أمر الخواطر و الوسواس فهم فهمه الصحابة من الآية..ولم يقرهم الله على ذلك الفهم بل أبطله بقوله تعالى"{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.}
-ومما استدلوا به أيضا قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)
- و أيضا بحديث المروي في الصحيحين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله -تَعالَى-: ومَن أظلم ممَّن ذهب يَخلق كخَلْقي، فلْيَخْلُقُوا حبةً، ولْيخلُقُوا ذرةً، أو لِيَخْلُقُوا شعيرةً».
ولهما عنه مرفوعاً: "من صوّر صورة في الدنيا كلّف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ".
الرد : هذه الأدلة في غير محل النزاع ؛ النزاع في التكليف بما لا يطاق في الدنيا ؛ وهذه الأدلة في شأن الأخيرة.
-ومما استدلوا به قضية أبي لهب فإنه مكلف بأن لا يؤمن لقوله تعالى : { سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ }. وهو مكلف بأن يؤمن بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم وبجميع ما جاء به ومن جملته هذا .

قال في الإحياء: " الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن أبا جهل لا يصدقه ، ثم أمره بأن يأمره بأن يصدقه في جميع أقواله ، وكان من جملة أقواله أنه لا يصدقه ، فكيف يصدقه في أنه لا يصدقه ، وهل هذا إلا محال وجوده ؟}
رد عليهم :
لا يسلم لكم أن تكليف أبا جهل يعد من التكليف بالمستحيللأمور:
الأول: أن الأدلة النقلية والعقلية على صدق ما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - منصوبة، وموجودة وظاهرة لا لبس فيها.
الثاني أن أبا جهل له عقل حاضر، وفهم للخطاب.
الثالث: أن أبا جهل يستطيع أن يفعل ما كلف به من غير أن يمنعه أحد فهو من - رؤساء الكفار.
الرابع: التكليف الموجه لأبي جهل ونحوه بالإيمان هو من قبيل التكلف بما علم الله عدم وقوعه وليس من قبيل الجمع بين الضدين
ولا يعد ذلك من التكليف بما لا يطاق كما قال بعضهم : .من تكليف ما لا يطاق التكليف بما علم عدم وقوعه
خامسا: وقيل إن قوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً )إنما معناه إن وافى على كفره
وبهذا تبين أن تكليف أبي جهل غير مستحيل، وممكن أن يؤمن، لكن علم اللَّه تعالى في علمه الأزلي أن أن لا يؤمن؛ وإذا علم اللَّه سبحانه أنه لا يؤمن صار عدم إيمانه معلوما، فلن يؤمن أبداً؛ لأن العلم يتبع المعلوم المقرر، ولا يمكن أن يغيره بأي حال.

وفصل الأمر أن الذي لا يطاق ينقسم إلى أقسام:ذكرها ابن عطية
-المحال عقلا كالجمع بين الضدين.
- المحال عادة، كرفع الإنسان جبلا،
-ما لا يطاق من حيث هو مهلك كالاحتراق بالنار ونحوه.
- ما لا يطاق للاشتغال بغيره، وهذا إنما يقال فيه ما لا يطاق على تجوز كثير.
وقد ردها ابن تيمية إلى قسمين فقال:
... تكليف ما لا يطاق ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما لا يطاق للعجز عنه كتكليف الزمن المشي وتكليف الإنسان الطيران ونحو ذلك فهذا غير واقع في الشريعة عند جماهير أهل السنة المثبتين للقدر
والثاني : ما لا يطاق للاشتغال بضده كاشتغال الكافر بالكفر فإنه هو الذي صده عن الإيمان وكالقاعد في حال قعوده فإن اشتغاله بالقعود يمنعه أن يكون قائما والإرادة الجازمة لأحد الضدين تنافي إرادة الضد الآخر وتكليف الكافر الإيمان من هذا الباب.
ومثل هذا ليس بقبيح عقلا عند أحد من العقلاء بل العقلاء متفقون على أمر الإنسان ونهيه بما لا يقدر عليه حال الأمر والنهي لاشتغاله بضده إذا أمكن أن يترك الضد ويفعل الضد المأمور به
و. هذا لا يدخل فيما لا يطاق... فإنه لا يقال للمستطيع المأمور بالحج إذا لم يحج إنه كلف بما لا يطيق ولا يقال لمن أمر بالطهارة والصلاة فترك ذلك كسلا أنه كلف ما لا يطيق "

تم ولله الحمد
(8)(9)

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 12:18 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تقويم مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة
(الآيات: 275- 286)


أحسنتم، بارك الله فيكم وسدّد خطاكم.

1: هناء محمد علي أ+
أحسنت بارك الله فيك وسدّدك.
- تجب العناية بتوثيق مرويات السلف كتوثيق الأحاديث.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 صفر 1440هـ/4-11-2018م, 03:45 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

2: عقيلة زيان أ+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- هذا العنوان "تعذيب الله بلا حكمة ولا عدل" لا يصلح على هذه الصورة، لأنه كالإقرار، بل نقول مثلا: "شبهة كذا.." أو الرد على من يقول كذا..".
وقد أحسنتِ تفسير الآيتين -بارك الله فيك- ، وفي أسلوب الحجاج لا يشترط التفصيل في جميع مسائل الآية، إنما يقتصر على المسائل المتعلّقة بالمسألة محلّ الجدل وهي هنا مسألة القول بجواز تكليف ما لا يطاق، أما بقيّة المسائل -كاللغوية مثلا- فيتمّ تناولها بشيء من الاختصار.



رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, التاسع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir