دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأطعمة والأشربة واللباس

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 02:49 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ: الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:


باب الصيد

عن أبي ثعلبة الخشني, قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب, أفنأكل في آنيتهم ؟ وفي أرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم , فما يصح لي؟ قال: ((أما ما ذكرت - يعني من آنية أهل الكتاب - فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها ، فإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها , وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل .

الشيخ: مما أحله الله تعالى الصيد الحلال , قال الله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} .

الجوارح: التي تعلم ويصاد بها , فمن الجوارح الكلاب المعلمة ، ومن الجوارح الطيور المعلمة .الله تعالى اشترط التعليم {تعلمونهن مما علمكم الله} , فيعلم الكلب أو نحوه يعلم كيفية الإرسال ، وكيفيه الإمساك ، وكذلك الطير الذي يصاد به كالبازي ،والشاهين ، والباشق ، والصقر ونحوها من الطيور التي تتعلم وترسل فتصيد .
فأباح الله تعالى هذا الاصطياد ، وأباح أكل هذا الصيد . الأمر في قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} أمر إباحة , ومنع من الصيد في حالة الإحرام {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} {وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما} , فدل على أنه إذا لم يكن هناك إحرام فإن الصيد حلال . وكذلك يحرم الاصطياد في داخل البيت .. في داخل مكة ؛ لأن مكة حرم كما تقدم لا ينفر صيدها , أو يعني لا يصطاد ولا يطرد . أما بقية البلاد غير الحرمين فإنه يصيد فيه غير المحرم .

نبدأ بذكر الحديث , هذا الحديث عن أبي ثعلبة جرهم بن ناشد الخشنيرضي الله عنه , ذكر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالين: سؤال يتعلق بآنية الكفار ، وسؤال يتعلق بالصيد ، فأما آنية [1]الكتاب فذكر أنهم يحتاجون لها , فما حكم الأكل والطبخ والشرب فيها , وكأنه توقف فيها ؛ لأن أهل الكتاب الذين هم النصارى أو اليهود كانوا يستحلون الخمر ...


الوجـه الثانـي
... فيشربون في آنيتهم الخمور، فتكون تلك الآنية قد تلوثت بهذا الشراب المحرم ، وكانوا يطبخون في قدورهم الميتة , ويطبخون فيها لحم الخنزير وهو محرم , فتكون تلك القدور بعد الطبخ فيها شيء من آثار ذلك المطبوخ ، فما حكم طبخنا فيها أو شربنا فيها هل ذلك جائز أم لا ؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يتوقف فيها إذا وجد غيرها ((إذا وجدتم آنية غير آنية الكفار فلا تأكلوا ولا تشربوا فيها)) . مخافة أن يكون فيها شيء من الأثر الذي هو أثر نجاسة , وقد يكون ذلك لأجل قطع المنة لهم , لا يكون لهم منة على المؤمن ، فيكون ذلك سببا لمحبتهم ومودتهم وموالاتهم وتقريبهم , بل لا تأخذوا منهم شيئا وأنتم تجدونه عند غيرهم , فإذا لم تجدوا غيرها , غير تلك الآنية , فإن لكم رخصة في أن تأكلوا أو تشربوا أو تطبخوا فيها , ولكن بعد التطهير , بعدما تغسلوها وترحبوها بالماء وتنظفوها حتى يزول ما يخاف فيها من آثار النجاسة . هذا حكم السؤال الأول .

أما السؤال الثاني عن الصيد , فذكر أن الصيد يكون بالرمي, ويكون بالكلب , والكلب قد يكون معلما , وقد يكون غير معلم ، ويلحق بالكلب أيضا الصيد الجارح , الجوارح التي ذكرها الله تعالى في القرآن: {وما علمتم من الجوارح}, فالطيور المعلمة تسمى جوارح ؛ وما ذاك إلا أنها تجرح الصيد إذا صادته ، فأباح الله تعالى صيد الجورح المعلمة , وأباح أيضا صيد الكلاب المعلمة , فقوله تعالى: {مكلبين} يعني متخذين هذه الكلاب تعلمونهن مما علمكم الله .

فإذن الصيد بالكلب المعلم حلال بشرط أن يكون معلما ، ومتى يكون معلما ؟ هو الذي إذا أرسلاسترسل ، ,وإذا زجر انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل , هذا حد المعلم . وبقية الكلام بعد الأذان .
علم الله أن الإنسان قد يحتاج إلى الاصطياد من هذه الدواب المباحة , هذه الدواب المنتشره في الأرض , منها ماهو حلال ومنها ماهو حرام , وللحرام علامات يعرف بها , وقد ذكرنا بعضا من العلامات التي يتميز بها الحلال من الحرام , فمنها ما يكون بالغذاء , ومنها ما يكون بوصف اتصف به , فالصيد من هذه الدواب المباح قد سبق ذكر بعضه , فتقدم ذكر الضب وأنه أكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم , إذن فهومن الصيد . وذكر الأرنب وأن الصحابة أنفجوا أرنبا وأمسكها أنس وذبحها أبو طلحة , وأهدى .. أو أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها , فقبله , فدل على أنها من الصيد .

وتقدم في الحج ذكر حمار الوحش وأنه من الصيد , وهو دابة أكبر من الظبي ..وأكبر من الوعل أو قريب منه ، أو نوع من الوعول , فهو من الصيد , حمر الوحش والظباء والوعول والإيل والتيتل والأروى من أنواع الصيد , وكذلِكَ أنواع من الصيدِ المتوحشِ في البراري كالوبر واليربوعِ وما يلحق به , هذه من أنواع الصيود التي تعيش في البراري ، وتتقوت من القوت الحلال , فترعى من الرعي الذي ينبت في الأرض ، وتشرب إذا وردت ماء أو تعيش بدون ماء فتعيش كما يعيش غيرها .

كذلك أيضا أباح الله الكثير من الطيور المباحة ، فالحمام بأنواعه من الطيور الحلال ,وكذلك الحجل من الطيور المباحة ،وهكذا الحبارة من الطيور المباحة ؛ وذلك لأن قوتها وغذاءها حلال أو من الطيب , وأما الأشياء المستقذرة فإنها محرمة:

حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب من السباع , وكل ذي مخلب من الطير , فحرم ذوات المخالب , فالصقر ولو كان مما يعلم فإنه حرام ؛ لأنه ذو مخلب , وكذلك العقاب ، والغراب , والباشق،والعقاب , والرخم, ونحوه , والنسور التي تأكل الجيف والقاذورات , هذه ليست من الصيد بل هي من المحرمات ؛ لأنها تتغذى بالجيف ، وتأكلها وتأكل الأقذار , بخلاف الذي يتغذى بالأعشاب ، الطيور التي تتغذى بالحبوب وبالأعشاب كالحمام ونحوه , هذه من الطيبات , فعرفنا بذلك الفرق بين ما هو حلال من الطيور وما هو حرام .

وكذلك من الوحوش , فذوات الأنياب كالذئب والنمر والأسد والدب وما أشبهه ، ومثله أيضا ما يأكل الجيف:الكلاب بأنواعها , هذه كلها محرمة , محرم أكلها ولو كانت أليفة , فليست من الصيد الذي أباحه الله في قوله تعالى .. في قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} , وفي قوله: {وحرم صيد البر ما دمتم حرما} , وفي قوله:{فكلوا مما أمسكن عليكم} , إنما المراد ما أمسكت من الصيد الحلال , هذا الصيد الذي يقتنصه المقتنصون , يقتنصونه ؛ لأنه طعام لذيذ ولحم شهي كسائر اللحوم .

الله تعالى أباح اللحوم الطيبة, فأباح بهيمة الأنعام: لحم الإبل والبقر , والغنم بأنواعها ، أباح الله لحمها , وكذلك كما تقدم لحم الخيل أيضا مباح ؛ لأنه من الطيبات , وهكذا لحوم الصيود ، وكذلك لحوم الأسماك ، دواب البحر لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم} , وتقدم أيضا إباحة أكل الجراد , وهو من اللحوم المباحة , وإن تقذره بعض مَن لم يألفه.

وبكل حال هذه الصيود جعل الله .. وهذه الوحوش جعل الله لها ماتتحصن به , فمنها ما يتحصن عن الاصطياد بجناحيه, فيطير حتى يحرز نفسه , ويمنع نفسه عن أن يدركه مَن يطلبه , فالحمام وما أشبهه من الحجلات والعصافير بأنواعها هذه تتحصن وتتحرز بأجنحتها: بأن تطير حتى تؤمن نفسها ، والظباء ونحوها جعل الله لها حصنا بشدة السير والسعي , فهي تسعى سعيًا شديدا ؛ حتى لا يدركها الإنسان ، ولا يدركها إلا جارح قوي سابق مِن الكلاب ونحوها ، وكذلك ما يتحصن من الطيور كالحبارة وما أشبهها .

لا شك أن هذه كلها من التي جعل الله لها سلاحا تتوقى به حتى تحصن نفسها ، ولكن إذا غلبها الإنسان بأن اصطادها بشبكة أو اصطادها بجارح ، أو اصطادها بسهم رماها به ، فهي من الطيبات التي أحلها الله ، وجعل أكلها من نعمه التي أنعم بها على عباده, يأكلها المصطاد سواء أكل تفكه وتلذذ وتنعم , وإن لم يكن جائعا ,وإن كان اللحم موجودا. أو أكل غذاء , قد يكون هناك من ليس لهم كسب , وليس لهم غذاء إلا الاصطياد , ليس لهم حرفة ولا صنعة , وليس لهم مورد إلا الاصطياد , أن يصطادوا .
وكان من أولهم إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام , ما كان له حرفة إلا أنه يذهب فيصيد , يصيد بالنبل ، يعني يرمي السهام فيصيد من الطيور المباحة ، ومن الوحوش المباحة ونحوها , فيكون ذلك غذاء له ، وغذاء لأولاده .
وهكذا نعرف أو نسمع أن كثيرا من الناس ماكان لهم غذاء إلا ما يصطادونه مما أباحه الله تعالى من هذه الصيود , التي امتن بإحلالها في قوله تعالى: {أحل لكم} , {قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} .

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنك إذا أمسك عليك الكلب فإما أن يكون الكلب معلما ، وإما أن يكون غير معلم , وقد عرفت المعلم الذي إذا أرسل استرسل ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل على صاحبه , أمسك على صاحبه ، ولم يأكل من الصيد , هذا هو الكلب المعلم . ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((فإن أكل فلا تأكل ؛ فإني أخاف أنه أمسك على نفسه)) . يعني لم يمسك لك إنما أمسك لنفسه , فعلامة المعلم أنه يمسك الأرنب مثلا, ثم إذا أمسكها بأنيابه حتى يأتي صاحبه فيقبضها ، فإن وجدها ميتة وإلا ذكاها ، أو يذكيها بكل حال .

ثم اختلفوا فيما إذا قتلها الكلب , عادة أنه إذا أمسكها فإنه يمسكها بأنيابه , وقد يكون صاحبه بعيدا فلا يدركه إلا وقد ماتت في فمه , فالأكثرون على أنه يأكل , على أنها تؤكل لعموم قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} , ولكن بشرط أن تسمي عند الإرسال , إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله بأن تقول: بسم الله والله أكبر , فإذا أمسك عليك حتى ولو قتل بعضه أو بتحامله , تحامل على ذلك الصيد حتى مات بثقله , فالصحيح أنه يباح ؛ وذلك لكونه داخلا فيما أباحه الله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} .

والحديث لم يفصِّلْ في الكلب المعلَّمِ , يقول: ((إذا أرسلت كلبك المعلم فكل)) . لم يقل: إن وجدته حيا , بل أطلق ذلك بشرط ذكر اسم الله تعالى , أن الكلب المعلم إذا قتل فإن قتله حلال بشرط التسمية عند الإرسال , ولو لم يجرح , ولكن إذا وجدت الصيد حيَّا فلابد من ذبحه وتذكيته حتى يخرج الدم ، وإذا وجدته أيضا قد مات فلابد من قطع رأسه وحلقومه , ولو لم يخرج منه دم ؛ حتى تتحقق التذكية ظاهرا , فهذا حكم الكلب المعلم .

أما الكلب غير المعلم , كلب من سائر الكلاب استرسل وأمسك , وجدت الصيد في فمه قد مات فلا تأكل ؛ وذلك لأنه أمسك لنفسه , إن وجدت الصيد حيا لميمت وذكيته فإنه مباح ؛ وذلك لدخوله في قوله تعالى: {إلا ما ذكيتم}, والتذكية: هي أن تذبحه في حلقه حتى تقطع الحلقوم والمريء والوديين ويخرج الدم المتحجر في بدنه . أباح الله المذكى بقوله:[إلاما ذكيته][2] , وأباحه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله: ((فوجدته حيا فذبحته .. أو ذكيته فكل)) . أما إذا لم يكن معلما وقتل فلا تأكل .

كذلك إذا أكل ,إذا وجدت الكلب قد أكل من الصيد , سواء كان معلما ، أو غير معلم , فلا تأكل ؛ فإنه أمسك على نفسه , كأنه اصطاد لنفسه لم يصطد لصاحبه ؛ لأن الله تعالى يقول: {فكلوا مما أمسكن عليكم} , {أمسكن عليكم }, يعني: أمسكن لكم ، فأما إذا أكل فإنه لم يمسك عليك ,وإنما أمسك على نفسه .

أما بالنسبة للجوارح: الصقر والبازي والشاهين والباشق ونحوها من الجوارح , فهذه الأصل أنها تجرح ؛ وذلك لأن صيدها يكون بمخالبها , فهيتجرح الأرنب مثلا بمخلبها حتى تفري ظهرها ، وتشق جلدها ، وكذلك الحبارىتجرحها , تضربها بمخالبها مع ظهرها حتى تمزق ظهرها وأجنحتها , فهذا لا شك أنه جرح وأنه تحل به هذه الصيود ، ولكن يغلب عليها أنها تأكل , الطيور الجوارح الغالب أنها تأكل , فلأجل ذلك يجوز أكل ما بقي, لو وجدت الصقر قد أكل من الصيد فلا مانع من أن تأكل ما بقي ، أما إذا وجدته حيا فلابد من تذكيته , فإن وجدته قد مات فهو حلال , سواء أكل منه الجارح أولم يأكل ، هذا بالنسبة بالنسبة إلى صيد الجوارح .

أما بالنسبة إلى صيد السهام , فالسهم هو الرصاص الذي يرمى به , وقديما كان السهم يتخذ من الأعواد , يبرى قطع من أعواد السلم ، ويكون محددا ، ثم يرمى به في القوس ، وإذا كانت الرمية شديدة فإنه يخرقها كما في قوله: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) . يعني يضرب الظبي من جانب ويخرج من جانب يسبق الفرث والدم , فالأصل أن هذا السهم يخرق يصيب غالبا بحده فيقتل .

فهذا دليل على أنه حلال , إذا وجدت السهم قد خرق الجلد وخرق اللحم وماتت الرمية فإنها حلال بشرط وهو أن تسمي عند الرمي. ومثله أيضا الرصاص الموجود الآن في البندقية فإنه محدد , وهو يخرقها وينفذ فيها , ولذلك يقول بعضهم:
(وما ببندق الرصاص صيد) يعني حصل الصيد به , فإنه مباح استفيد..فحله استفيد .
أفتى به والدنا الأواه وانعقد الإجماع من فتواه .
فالحاصل إنه يعني يحل أكل ما صيد بهذا الرصاص ونحوه .

أما ما صيد بالحجر أو صيد بالعصا ، أوصيد بالقوس , بالسهم , ولكن أصابه بعرضه , فلا يؤكل بل يدخل في الوقيذ , الموقوذة التي ذكر الله أنها من المحرمات هي التي تضرب حتى تموت ،ولا تنجرح بالضرب , فإذا رميت عصفورا مثلا بحجر وذلك الحجر كبير فشدخه ولم يجرحه ومات فلا تأكل , فإن وجدته قد جرحه فأسال الدم فكل إذا سميت عند الرمي ، وهكذا إذا رميته بعصا وأصابته العصا بحدها وبرأسها فنفذت فيه وجرحته فإنه حلال إذا سميت عند الرمي ، وأما إذا أصابته بعرضها فمات فإنه من الموقوذة, فلا يؤكل . هذا ما يتعلق بالصيد بالقوس وكذلك بالجوارح .

القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وعن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر اسم الله . فقال: ((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك)) . قلت: وإن قتلن . قال: ((وإن قتلن, مالم يشركها كلب ليس منها)) . قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب . فقال: ((إذا رميت بالمعراض فخرق فكل , وإن أصابه بعرضه فلا تأكل)) .

وحديث شعبي عن عدي نحوه ، وفيه: ((إلا أن يأكل الكلب , فإن أكل فلا تأكل ؛ فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل , فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على غيره)) .
وفيه: ((إذا أرسلت كلبك المكلب ، فاذكر اسم الله ، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ،وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله , فإنَّ أخذ الكلب ذكاته)) .
وفيه أيضا:((إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه)) . وفيه:((وإن غاب عنك يوما أو يومين))- وفي رواية: اليومين والثلاثة - فلم تجد فيه إلا أثر سهامك فكل إن شئت ، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل ؛ فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك)) .

الشيخ:في هذا تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الصيد: الذي هو اقتناص حيوان متوحش طبعا غير مقدور عليه ،واصطياده بواسطة الكلاب ، أو بواسطة السهام ، أو بواسطة المعراض , وقد أباح الله تعالى جنس ذلك بقوله: {وإذاحللتم فاصطادوا} , وحرم ذلك في حالة الإحرام بقوله: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} أفاد بأنهم إذا لم يكونوا حرما فإنه مباح لهم هذا الاصطياد .

وقد عرفنا أن المراد بالصيد ما يمكن اقتناصه من الدواب المتوحشة التي هي حلال مباح أكلها ، وهي معروفة ومشهورة , وقد جعل الله سلاحها الذي تتوقى به مختلفا , فمنها ما سلاحه الأجنحة بحيث يطير حتى ينجو بنفسه ، وقد جعل الله في طبعها الهروب من الإنسان , حيث عرفت بأنه إذا أمسكها ذبحها وأكلها , فإذا رأته هربت , فإن كانت ذات أجنحة نفرت وطارت لتنجو بنفسها ، وإن كانت من غير الطير سعت بجهدها حتى تنجو بنفسها ، ومنها ما يتحصن في رؤوس الجبال كالوعول ونحوها , ومنها ما يتحصن بحفر في الأرض ويعمق حفره ، كالضب ونحوه .

فهذه الدواب وهذه الصيود أباح الله تعالى اصطيادها واقتناصها , فهي تعيش في البراري وتتوالد كما قدَّر الله , وتأكل من نبات الأرض ، ومما تجده مما يناسبها . ويمسكها الإنسان فيأكل منها ماهو مباح مما أحله الله , ويتجنب ما ليس بمباح مما ليس من الطيبات .
ا هـ .


عمدة الأحكام
شريط (65) للشيخ: ابن جبرين
... ويمسكها الإنسان فيأكل منها ماهو مباح , مما أحله الله ، ويتجنب ماليس بمباح ، مما ليس من الطيبات . قد ذكر الله تعالى الاصطياد بالكلاب , فقال تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} , الجوارح يصدق على الطير الذي يسمى الصقر ، أو البازي ، أو الشاهين ، أو الباشق , الطيور التي تسمى جوارح، والتي تجرح الصيد بمخالبها ، ويدخل فيه الكلاب المعلمة ، ولهذا قال: {مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} أي متخذين لهذه الكلاب المعلمة .

وقد عرف أن الكلب لا يجوز اقتناؤه ، إلا إذا كان محتاجا إليه ، ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتنى كلبا نقص من أجره كل يوم قيراط, إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية)). أباح إمساك هذا النوع , كلب الصيد الذي يعدو ويصيد ، وكلب الماشية الذي يحفظها ويحرسها من الذئاب والسباع ، وكذا كلب الحرث الذي يحرس الحرث ؛ لأن أهله قد ينامون ويغيبون ، فالكلب يكون حوله ؛ حتى لا تأتيه المواشيلتأكل من ذلك الزرع ونحوه ، وكذلك تحرسه من اللصوص ونحوهم , فيجوز اتخاذها للحراسة في مثل هذه الأشياء ،وأما ما عداها فلا يجوز اقتناؤه .
وبكل حال الذي يصيد هو الكلب المعلم ، صيده حلال ، لقول الله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} , فاشترط أن يكون معلمابقوله: {تعلمونهن مما علمكم الله} , قد ذكرنا أن المعلم هو الذي إذا أرسل استرسل ، وإذا زجر انزجر ، وإذا أمسك لم يأكل ، فهذا هو الذي درب وعلم ، يعلمه أهله ، إذا رأوا الصيد فإنهم يشيرون إليه ، ويدعونه باسمه ، ثم إنه يعدو خلف ذلك الصيد ، وإذا رأوه مثلا تثاقل زجروه ، فانزجر وزاد في العدو ، وإذا أمسك وأكل ضربوه فلم يعد , ليس تعليمهم بالكلام ،وإنما بالفعل , فيدربونه على أنه يمسك ولا يأكل , وإذا أمسك وضربوه مرة لم يعد يأكل ، أو أشاروا إليه ، فهذا هو الكلب المعلم .

في هذه الأحاديث تعليمات لحل الصيد بالكلب المعلم ، وكذلك حل الصيد بالسهم وما أشبهه:
فأولا: ذكر أنه إذا كان .. إذا أرسله فإنه يسمي ؛ لقوله تعالى: {واذكروا اسم الله عليه} يبدأ باسم الله ، فيذكر اسم الله بقوله: بسم الله ، أو بسم الله والله أكبر ، على هيئة ما يقوله عند الذبح , ذبح الحيوان المباح .
ثانيا: أن الكلب إذا أمسك أمسكه حتى يأتيه صاحبه ، ثم يتسلمه منه ، إما أن يمسكه بفمه أو بيديه ويتثاقل عليه .
ثالثا: لو قتله الكلب , في هذا الحديث أنه يجوز ، وأن تسميتك وإرسالك للكلب يعتبر ذكاة , الكلب مثلا قد يعضه, قد يعض الأرنب حتى تموت ، أو يكسر أضلاعها ، قد يتأخر صاحبه فلا يأتي إليه إلا وقد ماتت ، فيكون إمساكه لها تذكية له .

وقد ذكر بعضهم خلافا فيما إذا قتله الكلب بثقله , فابن كثير _ رحمه الله _ تكلم على المسألة في أول تفسير سورة المائدة على هذه الآية ، وهو قوله تعالى: {تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} , وهي الآية الرابعة من السورة ، وكأنه يميل إلى أنه لا يؤكل إذا قتله بثقله ، ولكن ظاهر الحديث أنه يؤكل ؛ لقوله في هذا الحديث: ((وإن قتل))يعني: وإن قتل الكلب فكل , ثم الدليل عليه أنه قال: ((وإن وجدت مع كلبك كلبا آخر أو كلابا فلا تأكل ؛ فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره)) , فدل على أنه إذا سمى على كلبه وقتل فإنه يأكله ،وإذا لم يسم فلا يأكل ، وإذا وجد مع كلبه كلبا آخر وقد قتل ، فإنه لا يأكل ؛ مخافة أن يكون الكلاب اجتمعت عليه فقتلته , ولا يدرىأيها قتله , هل المسمى عليه أو الذي لم يسم عليه ؟

والدليل أيضا أنه قال: إن وجدته حيا فاذبحه ، إذا أدركت ذكاته ، وجدت الصيد لم يزل حيا ، لم تزل مثلا الأرنب أو اليربوع ، أو الطير كالحبارة أو نحوه , لم يزل فيها حياة ، فإنك تذبحه بالسكين ؛ وذلك لأنك إذا تركته حتى يموت فقد فرطت . ومثل ذلك القتل أيضا بالسهم .

وبعد فالله سبحانه امتن بذلك وجعله من المباحات ، لما ذكر المحرمات بقوله: {حرمت عليك الميتة والدم} إلى آخر الآية , ذكر ما أحل لهم ، بقوله: {قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} أي: وصيد ما علمتم من الجوارح {مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} فأفاد بأن هذا مما أحله الله تعالى ، وجعله من الطيبات ، هذه الوحوش الظباء والوعول , الظبي والوعل , والأنثى منه وهي الأروى ، والكبير من الوعول الذي هو التيتل ، وحمر الوحش ، وبقر الوحش ، وغنم الوحش ، يعني دواب تشبه هذه ،وهي أنواع من الوعول , وكذلك ما يشبهها مما هو حلال طيب داخل في قوله:{اليوم أحل لكم الطيبات} .

واصطيادها وإمساكها له ، أو للإنسان , فيه طرق ومسالك يسلكها , يتوصل بها إلى إمساكها بأية وسيلة ، لكن لابد أن تكون تلك الوسيلة مباحة ، نسمع أن كثيرا يأتون إلى الضب مثلا وهو في جحره فيحرقونه ، أو يوقدون عليه ، حتى ربما احترق في جحره من الدخان وخرج ميتا ، أو مات في جحره ، مثل هذا تعذيب لا يجوز ؛ وذلك لأن تعذيب الحيوان بالإحراق إفساد له ، وتعذيب له بغير حق . أما إغراقه , يعني صب الماء فيه إلى أن يشعر بالماء ثم يخرج لئلا يغرق ، فهذا من المباحات ، وكثيرا ما يحصل خروجها من جحرها بواسطة نزول السيل ودخوله في جحارتها , فعند ذلك تخرج , فيلحق بذلك ما إذا صب في جحره من السيل أو من الماء حتى يخرج , ذلك أيضا من المباحات .وأما ما يفعله بعضهم من إيقاد عليه, أو عمل من الأعمال الجديدة في إحراقه بالسيارات أو نحوها ، فنرى أن ذلك من التعذيب ، ومن الأذى.

أما الصيد بالمعراض , فالمعراض: هو العصا التي ليست بمحددة, ولكن قد يكون رأسها يخرق ، فإذا رمى صيدا ولو صغيرا كعصفور مثلا أو حمرة أو حمامة أو نحو ذلك ، إذا رماه بهذا المعراض , فإن كان المعراض قتله بثقله فلا يحل ، شبهه بأنه وقيذ , داخل في الموقوذة التي هي من جملة المحرمات . والموقوذة: هي التي تضرب إلى أن تموت ، تضرب بحصا أو بحجارة إلى أن تموت , دون أن تذكى: تذبح , يعني لو مثلا استعصت , استعصت شاة أو ناقة ، أو ثور استعصى ، لم يجز قتله بالمثقل، لم يجد أن يضرب بالحجارة ، ولا بالعصي إلى أن يموت ، لكن يجوز رميه بالسهام إذا نفر وهرب . في حديث رافع بن خديج ذكر أنهم كانوا في سفر فندَّ بعير ، يعني هرب ، ولما هرب رماه رجل بسهم فأثبته , ذلك السهم لما رماه خرق جلده ، وخرق بدنه وجوفه ، فسقط ذلك البعير من آثار ذلك السهم ، فأباح النبي صلى الله عليه وسلم أكله ، وقال: ((إن لهذه الدواب أوابد كأوابد الوحش ، فما ندمنها فافعلوا به هكذا)) .
أما كونه يضرب بعصي إلى أن يموت ، فإن هذا وقيذ , شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما قتل بالمعراض بالوقيذ ، إذا رميت بهذه العصا صيدا طائرا ، أو حيوانا كيربوع أو أرنب أو ضب , فقتله بالثقل ، فلا تأكل . وكذلك لو رماه بحجر ، حجر ثقيل شدخه ولم يجرحه ، فمات من آثار هذا الحجر ، ألحق بالوقيذ ، فلا يحل أكله ، ولو سمى عليه ؛ وذلك لعدم الجرح فيه , ولا يلحق بالكلاب ؛ لأن الله أباحه بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} , فلا يدخل في إمساك الجوارح ونحوها.

أما الذي يقتل بالسهمِ فالسهمُ هو الذي يُرمى به ، كانوا يجعلون السهام وهي النبال محددةً رؤوسها ، تقطع من شجر العضاةِ ، ثم تحدد حتى تكون كرأس السكينِ ، فإذا رموا بالسهم توجَّه إلى الرمية وطعنها ؛ لأنه يذهب على حده ، فينفذ في الرمية ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في صفة الخوارج:((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة)). أي من المرمي كالظبي ونحوه . فهذا السهم قد يقتل ، تأتي إلى الصيد وقدْ قتله ذلك السهم ، سواء ظبيا أو حماما أو حُبارى أيًّا كان ، إذا وجدته قد قتله وكنت قد سميت عند الرمي فإنه مباح ، وحلال أكله , أما إذا أدركته حيا فلابد من ذكاته ؛ لأنك قدرت على الذكاة فلابد أن تذبحه ، ولا يجوز تركه والحال هذه بدون ذكاة ؛ فإنه يعتبر مفرطا . كذلك لا يجوز تجاوزه وهو حي. إذا رميته وهو حي, أدركته وهو حي, فلا تتجاوزه وتذهب لغيره ، بل عليك أن تذكية ، فإن تركته حتى مات اعتبرت مفرطا ، فلا تأكل .

يُذكر أن بعض الصيادين إذا طردوا الظباء ونحوهم رموا واحدا ,وأثبتوه فسقط ، ثم واصلوا السير ليرموا الثاني ، فيرجعون إلى الأول وقد مات . منهم من أفتى بأكله ؛ لأنه مات من أثر السهم ، ومنهم من قال: لا يؤكل ، ما دام أنهم قدروا على ذكاته وتجاوزوه . ولعله إذا عرفوا أن السهم لا يقتله في تلك الحال ، بل يبقى مثلا ساعة أو نصف ساعة , ففرطوا ولم يذبحوه ، أنه لا يؤكل . وأما إذا عرفوا أن السهم سوف يقتله ولا يبقى إلا ثوان ، كما لو أصابه السهم في رأسه، أو في نحره ، ففي هذه الحال لهمْ أن يأكلوا إن شاء الله .وبكل حال إباحته من نعم الله تعالى ؛ حيث أن الإنسان يشتاق إلى مثل هذه الصيود التي فيها منفعة ولها لذة ، ولو كان اللحم متوفرا.

ذكر أنه إذا وجدته وقد مات من أثر سهمك ، ولم تر فيه أثرا غير أثر سهمك ،ولوبعد يوم أو نصف يوم ، فلك أن تأكله ، لكن إن وجدته وقد أنتن فإن الأولى عدم أكله ؛ وذلك لتغيره . ذكر أنك لو وجدته وقد سقط في ماء فلا تأكل ؛ لأنك لا تدري هل موته بسبب سهمك ، أو بسبب سقوطه في الماء . ومثل ذلك أيضا لو سقط من شاهق ، لو رميته وهو في رأس جبل ، فتدحرج من رأسِ الجبلِ ، ولم يصل إلى الأرض إلا وقد ماتَ ، فالأصل أنه ما ماتَ من السهم ، وإنما مات من تدحرجه ، حيث ضربته هذه الحجارة ، أو سقط من أعلى جبل ، ومن آثار سقوطه .. من شدة سقوطه على الأرض مات ، فيكون موته لا بسبب السهم ، ولكن بسبب السقوط . فأفاد أنه إذا تعاون على موته مبيح وغير مبيح ، غُلِّب غير المبيح ، يعني احتياطا ؛ حتى لا يأكل إلا ما هو حلال ، ليس في حله شبهة .

ففي هذه التعليمات الاحتياط من النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم أمته ما يحل لهم ، وما لا يحل لهم ، كما أمر بالاحتياط في الأمور المشتبهةبقوله: ((فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه)) .

القارئ: الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:
عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من اقتنى كلبا, إلا كلب صيد أو ماشية , فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان)) . قال سالم: وكان أبو هريرة يقول:((أو كلب حرث)). وكان صاحب حرث .
وعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفه من تهامة ، فأصاب الناس جوع ، فأصابوا إبلا وغنما , وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم ، فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت ، ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير ، فند منها بعير ، فطلبوه فأعياهم . وكان في القوم خيل يسيرة ، فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله , فقال: ((إن لهذه البهائم ، أوابد كأوابد الوحش , فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا)). قال: قلت: يارسول الله إنا لاقوا العدو غدا ، وليست معنا مدى, أفنذبح بالقصب؟ قال:((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ، أما السن فعض ، وأما الظفر فمدى الحبشة)) .

الشيخ:أورد الحديث الأول للدلالة على جواز اقتناء كلب الصيد ، الذي يقتنص به . وقد دل عليه أيضا من القرآن قول الله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} , قوله:{مكلبين} يعني متخذين كلاب صيد {تعلمونهن مما علمكم الله}. فالكلب معروف بشدة السعي ، وبشدة العدو ، ومن آثار اشتداده في السير وفي العدو يدرك ما يدركه من الصيد ، قد يدرك بعض الظباء ، وقد يدرك الأرنب ونحوه ، فلأجل ذلك سار من كلاب الصيد ، ومما يجوز اقتناؤه للصيد ، هذا هو وجه الاستشهاد بهذا الحديث .

هذا الحديث فيه تحريم اقتناء الكلاب التي لا ينتفع بها ، ولا يحتاج إليها ، وأن الذي يقتنيها ينقص أجره ، ينقص من أجره كل يوم قيراط ، يعني ينقص من عمله ، ينقص ثواب عباداته ، ثواب صلاته ، وثواب صدقاته ، وثواب قراءاته ، وثواب حسناته ، ينقص منه كل يوم قيراط ، والقيراط: جزء من الثواب والأجر , الله أعلم بمقدراه .
ولا شك أن هذا دليل على تحريم اقتناء الكلاب لغير حاجة ، وقد ورد في الكلاب الأمر بقتلها أولا , وذلك عندما ورد الحديث أن الملائكه لا تدخل البيت الذي فيه الكلب ، ذكروا أن جبريل وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه ، فتأخر عليه ، ولما أبطأ عنه خرج النبي صلى الله عليه وسلم من البيت فنزل عليه جبريل ، وقال: ما منعني أن أدخل البيت إلا أن فيه جرو كلب . وكان هناك جرو كلب تحت السرير لأحد أولاد فاطمة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بقتل الكلاب لما قال: إنا لا ندخل بيت فيه كلب . فصاروا يقتلونها ، ولكن بعد ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها وقال: ((مالكم ولها .. مالكم ولهذه الكلاب ، فإنها أمة من الأمم ، تعيش على ما يرزقها ربها)) .
هذه الكلاب لا شك أنه تتوالد كما يشاء الله ، وأنها تعيش على ما يسقط من الناس ، تأكل جيفا وتأكل أنتانا ، وتأكل لحوما ، وتأكل ما تجده مما يتساقط من الناس . والله تعالى هو الذي تكفل برزقها ، وبرزق غيرها، داخلة في قوله تعالى: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم} , فلأجلِ ذلك لا يجوز قتلها مالم تكن مؤذية معتدية. إذا كانت مؤذية كالكلب العقور فقد أذن بقتله ، أذن بقتله حتى في مكة ، وحتى حالة الإحرام ...

الوجـه الثانـي
... ؛ وذلك لضرره واعتدائه بعدوه على الناس ، وشقه ثيابهم ، وعضهم وجرحهم ، وهو معنى تسميته كلبا عقورا. وأما بقية الكلاب فلا يعتدى عليها ، ولا تقتل ، ولكن لا تقتنى ، لا تقتني الكلب لغير حاجة , لماذا ؟

أولا: أنه نجس , نجس العينِ ، لو غسل ثم غسل لم يطهر ، فهو نجس العين , لا يطهر بإزالة نجاسته ، ولا تزول أبدا. ولأجل ذلك أمر بغسل الإناء الذي يلغ فيه سبعا إحداهن بالتراب ، أو الثامنة ، كما تقدم ، أمر بأن يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب ، فذلك دليل على نجاسته .
ثانيا: أنه يمنع دخول الملائكة كما ذكرنا , لا تدخل الملائكة البيت الذي فيه كلب ؛ وذلك أو لعل ذلك لنجاسته العينية ، والملائكة إنما تدخل الأماكن النظيفة السالمة من الأقذار ، ومن النجاسات ، ومن المحرمات ونحوها .
وثالثا: أن فيه ترويع الناس ، أن الذي يقتنيه ويدخله في بيته كأنه يروع من دخل بيته ، أو من أتى إليه , فلأجل ذلك أثم بهذا الإثم .
رابعا: أنه على الأصل لا حاجة إليه ، إذا لم يكن مما فيه منفعة .
رخص في ثلاثة:
الأول كلب الصيد الذي يعدو ويصيد , يصيد من الصيد الحلال ، الذي ذكرنا أنه يعدو إليه ويطرده حتى يدركه ، قد أباح الله ذلك بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} . ومعروف أنه يعدو حتى يدرك الأرنب مثلا ، أو اليربوع ، وقد يدرك أيضا غيرها مما يصاد كالوبر ، أو نحوه , ثم يمسكه على صاحبه لقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} حتى يأتيه صاحبه ، ويستلمه ، ويذكية إن وجده حيا .
الثاني: كلب الماشية, المواشي التي هي الغنم ، لا شك أنها بحاجة إلى حراستها من السباع . ومعلوم أن أهلها في الليل قد يغلبهم النوم ، وقد تأتي السباع في حالة نومهم ، فتفترس ما تقدر عليه من أغنامهم ، فلأجل ذلك أبيح لهم أن يتخذوا الكلاب التي تحرس الدواب أغنامهم ، وتطرد عنها هذه السباع {يعلمونهن} يعلمونهن الحراسة .والكلب فيه خفة في نومه ، وكذلك الذئاب ،كما يقول بعضهم في الذئب:
ينام بإحدىمقلتيه ويتقي = بأخرى الأعادي فهو يقظان نائم
فالكلب أيضا سريع الانتباه ، ينتبه بأدنى حركة ، فإذا أحس بحركة السبع وقد وصل إلى الأغنام ونحوها انتبه وطرده وعاداه ، يخدشه ويخمشه إلى أن يطرده ، وينتبه ، أوقد ينتبه لذلك الأهالي ، فيجتمعون على طرده .
وبكل حال أبيح أن يتخذ لحراسه الغنم ، وما أشبهها ؛ لأن الغنم ليس لها من القدرة على مقاومة السبع ، ما للسبع.
هذا هو الذي حفظه عبد الله بن عمر ، حفظ كلب الصيد ، وكلب الماشية . أبو هريرة رضي الله عنه كان صاحب حرث فحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أو كلب حرث)) ، ولعله سأل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك لأن الإنسان يهتم بالأشياء التي له فيها مصلحة ، فلما كان له حرث اهتم وبحث وسأل , حتى حفظ أنه استثنى أيضا كلب الحرث.فإذا كان عند الإنسان حرث ، يعني كزرع أو نحوه , يحتاج إلى ما يحرسه من الأكباش التيتعيث فيه ، والتي تفسده، فإن له أن يتخذ كلبا . والكلب إذا أحس بأن هناك أبقار أو أغنام جاءت لتأكل من هذا الزرع أو نحوه انتبه وطردها . وبعد الأذان نكمل الحديث .



[1] لعل الشيخ يقصد: أهل الكتاب .

[2] الآية هي: {إلا ما ذكيتم} .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشيخ, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir