مواضعُ الفصْلِ (4)
يَجبُ الفصلُ(5) في خمسةِ مواضعَ(6):
(الأوَّلُ(7)) أن يكونَ بينَ الجملتين اتِّحادٌ تامٌّ(8) بأن تكونَ(9) الثانيةُ بدَلاً من الأُولى(10)، نحوُ(11)
{ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ}(12)
أو بأن تكونَ(1) بياناً لها(2) نحوُ(3) { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ(4) الشَّيْطَانُ(5) قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ(6) } أو بأن تكونَ(7) مؤَكِّدَةً لها(8)، نحوُ(9): { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (10)
ويُقالُ فى هذا الموضعِ(1): إنَّ بيانَ الجملتين كمالُ الاتِّصالِ(2).
(الثاني)(3) أن يكونَ بينَ الجملتين تباينٌ تامٌّ(4) بأن يَختلفا خبراً وإنشاءً(5) كقولِه(6):
لا تَسْأَلِ المرءَ (7) عن خلائِقِه(8) ..... في وجهِه شاهدٌ من الخبرِ(9)
وكقولِ الآخَرِ(10):
وقالَ رائدُهم(11) أَرْسُوا(12) نُزاوِلُها(13) ..... فحَتْفُ كلِّ امرئٍ يَجْري بمقدارِ(14)
أو بأن لا يكونَ بينَهما(1) مناسَبةٌ في المعنى(2)، كقولِك: عليٌّ كاتبٌ، الحمامُ طائرٌ، فإنه لا مناسَبةَ في المعنى بينَ كتابةِ عليٍّ وطيرانِ الحمامِ(3)، ويُقالُ فى هذا الموضعِ(4) إنَّ بينَ الجملتين كمالَ الانقطاعِ(5).
(الثالث)(6) كونُ الجملةِ الثانيةِ جواباً عن سؤالٍ(7) نشأَ من الجملةِ الأُولى(8)
كقولِه تعالى {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي(1) إِنَّ النَّفْسَ لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}(2).
ويُقالُ: بينَ الجملتين(3) شِبهُ كمالِ الاتِّصالِ(4).
(الرابعُ(5)) أن تُسْبَقَ جملةٌ بجملتين يَصِحُّ عطفُها(6) على إحداهما(7) لوجودِ المناسَبَةِ(8)
وفي عطفِها(1) على(2) الأخرى فسادٌ(3)، فيُتركُ العطفُ(4) دفْعاً للوَهْمِ(5)، كقولِه(6):
وتَظُنُّ سَلْمَى أننى أَبْغِى(7) بها ..... بدَلاً(8) أُراها(9) فى الضلالِ تَهِيمُ(10)
فجملةُ (أُراها) يصِحُّ عطفُها على(11) تَظُنُّ(12)، لكن يَمْنَعُ من هذا(13) توهُّمُ العطْفِ على جملةِ (أَبْغِى بها) فتكونُ الجملةُ الثالثةُ من مظنوناتِ سَلْمى(14)، مع أنه ليس مراداً(15)، ويُقالُ: بينَ الجملتين فى هذا الموضعِ شِبهُ كمالِ الانقطاعِ(16).
(الخامسُ)(1)أن لا يُقصدَ تشريكُ الجملتين فى الحكْمِ(2) لقيامِ مانعٍ(3) كقولِه تعالى(4) { وَإِذَا خَلَوْا(5) إِلَى شَيَاطِينِهِمْ(6) قَالُوا(7) إِنَّا مَعَكُمْ(8) إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ(9) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ(10) } فجملةُ: ((اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)) لاَ يصِحُّ عطفُها على(11) ((إنَّا معكُم))(12)؛ لاقتضائِه(13) أنه(14) من مَقُولِهم(15)،
ولا على جملةِ قالوا(1)؛ لاقتضائِه(2) أنَّ استهزاءَ اللهِ بهم(3) مقيَّدٌ بحالِ خُلُوِّهم إلى شياطينِهم(4). ويُقالُ بينَ الجملتين في هذا الموضعِ(5) توسُّطٌ بينَ الكمالين(6).
___________________________
(4) (مواضعُ الفصْلِ)
أى بالواوِ
(5) (يَجِبُ الفصْلُ) أي: بالواوِ بينَ الجملتين اللتينِ لا إعرابَ لهما بحسَبِ البلاغةِ.
(6) (في خمسةِ مواضعَ) كمالُ الاتِّصالِ وكمالُ الانقطاعِ بلا إيهامٍ، وشِبهُ كمالِ الاتِّصالِ وشِبهُ كمالِ الانقطاعِ والتوسُّطُ بينَ الكمالين مع الإيهامِ.
الموضعُ
(7) (الأوَّلُ) من مواضعِ الفصْلِ
(8) (أن يكونَ بينَ الجملتين اتِّحادٌ تامٌّ) أي: في المعنى كأنهما الشيءُ الواحدُ فيجِبُ الفصْلُ؛ إذ لو وُصِلَ وعُطِفَ بالواوِ لكان بمنزلةِ عطْفِ الشيءِ على نفسِه لشدَّةِ المناسبَةِ بينَهما, وهو ممتنِعٌ, وهذا الاتِّحادُ التامُّ يكونُ بأحدِ ثلاثةِ أمورٍ: الأمرُ الأوَّلُ.
(9) (بأن تكونَ) الجملةُ.
(10) (الثانيةُ بدلاً من الأُولى) أي: بدَلَ بعضٍ أو اشتمالٍ فقط يعني حيث كانت الأُولى قاصرةَ الدَّلالةِ على المعنى المقصودِ لكونِها مُجْمَلةً أو خفيَّةً, والمقامُ يَقتضِي اعتناءً بشأنِ النِّسبَةِ إلى هذا المعنى فإنه يُؤتَى بالثانيةِ بياناً وتقريراً للنِّسبةِ، ولم يَقتصِرْ على الثانيةِ؛ لأن قصْدَها مرَّتين أوْكَدُ, وقد علَّلَ جماعةٌ الفصْلَ في هذا القسمِ بأن المُبْدَلَ منه في نيَّةِ الطرْحِ عن القصْدِ الذاتيِّ فصارَ العطْفُ عليه كالعطْفِ على ما لم يُذكَرْ وقيلَ: لأن المُبْدَلَ والمُبْدَلَ منه كالشيءِ الواحدِ.
(11) (نحوُ) قولِه تعالى حكايةً عن قولِ نبيِّه هودٍ عليه السلامُ لقومِه: { وَاتَّقُوا الذي }
(12) { أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } فإنَّ المعنى المقصودَ من هذا الخِطابِ التنبيهُ على جميعِ نِعَمِ اللهِ والمقامُ يَقتضِي اعتناءً بشأنِه؛ لأن إيقاظَهم عن سِنَةِ غَفْلَتِهم عن نِعَمِ اللهِ مطلوبٌ في نفسِه؛ لأنه تذكيرٌ للنِّعَمِ لتُشكَرَ, والشكْرُ عليها ذريعةٌ إلى غيرِه كالإيمانِ والعملِ بالطاعةِ وكالتقوى المشارِ إليه بقولِه تعالى: { وَاتَّقُوا الذي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} والجملةُ الأُولى, وهي أمدَّكُم بما تَعلمون, غيرُ وَافيَةٍ بأداءِ هذا المعنى؛ لأنها مُجْمَلةٌ إذ نِعَمُ اللهِ لم تكنْ مُسمَّاةً بنوعِها, والجملةُ الثانيةُ, وهي أمدَّكُم بأنعامٍ وبنين, وافيةٌ به لدَلالتِها على بعضِ تلك النِّعَمِ بالتفصيلِ حيث سُمِّيَتْ بنوعِها من غيرِ إحالةٍ في تفصيلِها على عِلْمِهم, وهم معاندونَ لكفْرِهم؛ إذ ربَّما نَسَبَوا تلك النعمَ إلى قدرتِهم جهْلاً منهم, ويَنسِبون له تعالى نِعَماً أخرى كالإحياءِ والتصويرِ، وكانت هذه الثانيةُ من الأُولى بدَلَ بعضٍ من كلٍّ؛ لأن ما ذُكِرَ من النِّعَمِ في الثانيةِ بعضُ ما ذكِرَ في الأُولى. وأما بدَلُ الاشتمالِ فنحوُ قولِ الشاعرِ:
أقولُ له ارْحَلْ لا تُقِيمَنَّ عندَنا ..... وإلا فكنْ في السرِّ والجهْرِ مُسْلِمَا
فإن المعنى المقصودَ للشاعرِ كمالُ إظهارِ الكراهةِ لإقامةِ المتحدَّثِ عنه لديْهِم، والجملةُ الأُولى, وهي ارحلْ, غيرُ وافيةٍ به؛ لأنها تدُلُّ بالمُطَابَقَةِ على طلَبِ الرحيلِ وتدُلُّ بطريقِ اللزومِ على كراهةِ الإقامةِ، والجملةُ الثانيةُ, وهي لا تُقِيمَنَّ عندَنا, وافيةٌ به؛ لأنها تدُلُّ باعتبارِ الوضْعِ العُرْفِيِّ على إظهارِ كراهةِ إقامتِه حتى إنه كثيراً ما يُقالُ لا تَقُمْ عندي ولا يَقْصِدُ بحسبِ العرْفِ كفَّهُ عن الإقامةِ الذي هو المدلولُ اللغويُّ, بل مجرَّدَ إظهارِ كراهيَّةِ حضورِه وإقامتِه والنونُ فيها دالَّةٌ على كمالِ هذا الإظهارِ ومع كوْنِ هذه الثانيةِ وافيةً فهي بدَلُ اشتمالٍ من الأُولى؛ لأنَّ مفهومَ هذه ليس بعضَ مفهومِ تلكَ ولا نفْسَه بل مُلابِسَه للتلازُمِ بينَهما بحسَبِ الوجودِ. هذا وبِتقْيِيدِي البدَلَ بأنه بدَلُ بعضٍ أو اشتمالٍ فقط خرَجَ بدَلُ الكلِّ وبدَلُ الغلَطِ فلا يكونُ كمالُ الاتِّصالِ فيهما، أما بدَلُ الكلِّ فلأنه لا يُفارِقُ الجملةَ التأكيديَّةَ إلا باعتبارِ قصدِ نقلِ النسبةِ إلى مضمونِ الجملةِ الثانيةِ في البدليَّةِ دونَ التأكيديَّةِ, وهذا المعنى لا يَتحقَّقُ في الجمَلِ التي لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ لأنه لا نِسبةَ بينَ الأُولى منها, وبينَ شيءٍ آخَرَ فيَنتقِلُ إلى الثانيةِ وتُجعَلُ بدَلاً من الأُولى وإنما يُقصَدُ من تلك الجُملِ استئنافُ إثباتِها وقيلَ: يكونُ كمالُ الاتِّصالِ فيه بأن يُنَزَّلَ قصْدُ استئنافِ إثباتِها منزِلَةَ نقْلِ النسبةِ نحوُ قَنَعْنَا بالأسودَيْنَ قنَعْنَا بالتمْرِ والماءِ، وأما بدَلُ الغلَطِ فإنه لا يَقعُ في فصيحِ الكلامِ. قال الدُّسوقيُّ: وفيه أنَّ الذي لا يَقعُ في الفصيحِ الغلَطُ الحقيقيُّ وأما إن كانَ غيرَ حقيقيٍّ بأن تَغَالَطَ أي: يَفعلَ المتكلِّمُ فعْلَ الغالِطِ لغرَضٍ من الأغراضِ فهذا واقعٌ في الفصيحِ إلا أنه نادرٌ، ونُدرتُه لا تَقتضي عدمَ دخولِ كمالِ الاتِّصالِ فيه.
(1) (أو بأن تكونَ) الثانيةُ
(2) (بياناً لها) أي: للأُولى لما فيها من الخفاءِ, وهذا هو الأمرُ الثاني, يعني: حيث كانت الأُولى قاصرةً لخفاءِ معناها والمقامُ يَقتضي إزالتَه فإنه يُؤْتَى بالثانيةِ على أنها عطْفُ بيانٍ للإيضاحِ.
(3) (نحوُ) قولِه تعالى:
(4) {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ} أي: إلى آدمَ عليه السلامُ.
(5) {الشَّيْطَانُ} أي: أَلقَى الشيطانُ وسْوَستَه إليه فهذه الجملةُ فيها خفاءٌ؛ إذ لم تتبيَّنْ تلك الوسوسةُ فبُيِّنَتْ بقولِه:
(6) ( قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) وهذه الجملةُ الثانيةُ مفصولةٌ؛ لأن فيها تفسيراً وبياناً للأُولى, وأضافَ الشجرةَ إلى الخُلْدِ بادِّعاءِ أنَّ الأكْلَ منها سببٌ لخلودِ الآكِلِ وعدَمِ موتِه (اعلمْ) أنََّ الفرْقَ بينَ البدَلِ وعطْفِ البيانَ مع اشتراكِهما في خفاءِ معنى الجملةِ السابقةِ هو أنَّ المقصودةَ في البدَلِ هي الثانيةُ لا الأُولى, والمقصودةَ في عطْفِ البيانِ هي الأُولى لا الثانيةُ، فالإيضاحُ في الأوَّلِ حاصلٌ غيرُ مقصودٍ بالذاتِ، وفي الثاني حاصلٌ مقصودٌ بالذاتِ, وبعبارةٍ أخرى أنَّ جملةَ البدَلِ يُقصَدُ بها استئنافُ الإخبارِ بنسبةِ الأُولى بخلافِ عطْفِ البيانِ فإنه قَصَدَ بجملتِه بيانَ نِسبةِ الأُولَى لا استئنافِها.
(7) (أو بأن تكونَ) الثانيةُ
(8) (مؤكِّدَةً لها) أي: للأُولى، وهذا هو الأمرُ الثالثُ وهو على نوعين: الأوَّلُ: أن تكونَ الثانيةُ مؤكِّدَةً للأولى توكيداً معنويًّا بأن يَختلِفَ مفهومُهما ولكن يَلزَمُ من تقرُّرِ معنى إحداهما تَقرُّرُ معنى الأخرى, والموجِبُ لذلك دفْعُ توهُّمِ السامعِ التجوُّزَ في الأُولى نحوُ قولِه تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} فإنه لَمَّا بُولِغَ في وصْفِ الكتابِ في الجملةِ الأُولى ببلوغِه إلى أقْصَى الكمالِ بجعْلِ المبتدأِ {ذلك} وتعريفِ الخبرِ باللامِ جازَ أن يَتَوهَّمَ السامعُ قبلَ التأمُّلِ في قولِه تعالى: (ذلك) مجازاً, فأَتْبَعَ ذلك بالجملةِ الثانيةِ وهي: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} دفْعاً لهذا التوهُّمِ، وكانت هذه الثانيةُ مؤكِّدَةً للأُولَى تأكيداً معنويًّا؛ لأنَّ كمالَ الكتابِ باعتبارِ ظهورِه في الاهتداءِ به, وذلك بظهورِ حقِّيَّتِه وهو مُقتضَى الجملةِ الأُولَى, ونفيُ الرَّيْبِ, أي: بُعدُه عن الحالةِ التي تُوجِدُ الرَّيْبَ في حَقِّيَّتِه لازِمٌ لكمالِه في ظهورِ حقِّيَّتِه. النوعُ الثاني: أن تكونَ الثانيةُ مؤكِّدَةً للأولى تَوْكيداً لفظيًّا بأن يكونَ مضمونُ الأُولَى هو مضمونَ الثانيةِ والموجِبُ لذلك دفعُ توهُّمِ السامعِ الغلَطَ والسهْوَ في الأولى.
(9) (نحوُ ) قولِه تعالى:
(10){فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}) فمضمونُ الجملتين متِّحِدٌ إلا أنه لَمَّا جازَ أن يَتَوهَّمَ السامِعُ قبلَ التأمُّل وقوعَ الغلَطِ والسهْوِ في الجملةِ الأولى أَتْبَعَها بالثانيةِ دفْعاً لهذا التوهُّمِ وكانت هذه الثانيةُ مؤكِّدَةً للأُولَى توكيداً لفظيًّا. ثم التمثيلُ بهذا مبنيٌّ على أنه لم يَقْصِدْ بالثانيةِ استئنافَ الإخبارِ بنسبَتِها وإلا كانت بدَلَ كلٍّ من الأُولَى فتدَبَّرْ.
(1) (ويقالُ في هذا الموضِعِ) الأوَّلِ الذي هو الاتِّحادُ التامُّ بينَ الجملتين: والحاصلُ في الأمورِ الثلاثةِ.
(2) (أنَّ بينَ الجملتين كمالَ الاتِّصالِ) أي: تمامَ الاتِّحادِ.
(3) الموضعُ الثاني من مواضعِ الفصْلِ
(4) (أن يكونَ بينَ الجملتين تباينٌ تامٌّ) أي: في المعنى فيجِبُ الفصْلُ؛ لأن العطْفَ بالواوِ يَقتضِي كمالَ المناسبَةِ فيهما والمناسبةُ منافِيةٌ لكمالِ الانقطاعِ الذي هو تمامُ التبايُنِ ويكونُ بأحدِ أمْرَين؛ أوَّلُهما.
(5) (بأن يَخْتَلِفا خبراً وإنشاءً ) أي: في كونِ إحداهما خبراً والأخرى إنشاءً, وهذا صادقٌ بثمانِ صوَرٍ, كلُّها من بابِ كمالِ الانقطاعِ؛ لأنَّ اختلافَهما إما في اللفظِ والمعنى معاً وهذا أربعُ صوَرٍ, الجملةُ الأُولَى خبرٌ لفظاً إنشاءٌ معنًى، والثانيةُ إنشاءٌ لفظاً خبرٌ معنًى أو عكسُها, والجملةُ الأُولَى إنشاءٌ لفظاً ومعنًى، والثانيةُ خبرٌ لفظاً ومعنًى أو عكسُها أو في المعنى فقط وهذا أربعُ صوَرٍ أيضاً: خبران لفظاً أُولاَهما إنشاءٌ معنًى، وخبران لفظاً أولاهما خبرٌ معنًى، وإنشاءان لفظاً أُولاهما خبرٌ معنًى, وإنشاءان لفظاً أولاهما إنشاءٌ معنًى.
(6) (كقولِه ) أي: الشاعرِ
(7) (لا تَسْأَلِ المَرْءَ) بفتحِ الميمِ, وضمُّها لغةٌ أي: الرجلَ.
(8) (عن خلائقِه) جَمْعُ خَليقةٍ, وهي الطبيعةُ.
(9) (في وجهِه شاهِدٌ من الخبرِ) فجملةُ: لا تَسألْ إلخ إنشاءٌ لفظاً ومعنًى؛ لأنها نَهْيٌ، وجملةُ في وجهِه إلخ خبرٌ لفظاً ومعنًى, ولم تُعطَفْ هذه عَلَى الأُولَى لاختلافِهما عَلَى أن الغرَضَ تعليلُ النهيِ عن السؤالِ بمضمونِ الثانيةِ, وهذا يَقتضيِ الفصلَ أيضًا فتدَبَّرْ.
(10) (وكقولِ الآخرِ) هو الأخطلُ كما ذكَرَ سيبَوَيْهِ.
(11) (وقالَ رائدُهم) أي: عَرِيفُ القومِ أعني: الشجاعَ الذي يَتقدَّمُهم لطلَبِ الماءِ والكَلأ.
(12) (أَرْسُوا) أي: أقِيموا بهذا المكانِ المناسِبِ للحَرْبِ.
(13) (نُزَاوِلُهَا) بالرفْعِ على الاستئنافيَّةِ فكأنه قيلَ: لماذا أمَرْتَ بالإرساءِ؟ فقالَ: نُزاوِلُها, أي: نحاولُ أمرَ الحربِ ونحتالُ لإقامتِها بأعمالِها.
(14) (فكلُّ حَتْفِ امرِئٍ يَجرِي بمقدارِ) علَّةٌ لمحذوفٍ, أي: ولا تَخافوا من الحتْفِ وهو الموتُ بمباشرَةِ أعمالِ الحربِ؛ فإن المرءَ لا يَجري عليه حتْفُه إلا بقدَرِ اللهِ وقضائِه، باشَرَ الحربَ أم لا، فجملَةُ: أرْسُوا إنشاءٌ لفظاً ومعنًى؛ لأنها أمرٌ, وجملةُ نُزاولُها خبرٌ لفظاً ومعنًى, ولم تُعطَفْ هذه الثانيةُ على الأُولَى لاختلافِهما، على أن الغرضَ بها تعليلُ الأمرِ بالإرساءِ بمزاولتِه أمرَ الحربِ وهذا يَقتضي الفصْلَ أيضًا. ومما ذكَرْنا في المثالين علِمْتَ أن لهما جِهتين؛ وجودَ الإنشائيَّةِ والخبريَّةِ, وهو كمالُ الانقطاعِ الموجِبُ للفصْلِ, ووجودَ الاستئنافيَّةِ وهو مانِعٌ من العطْفِ أيضًا فتَدبَّرْ.
(1) (أو بأن لا يكونَ بينَهما) أي: بينَ طرفَيْ كلٍّ من الجملتين مع اتِّفاقِ نِسبتِهما في الخبريَّةِ أو الإنشائيَّةِ.
(2) (مناسَبةٌ في المعنى) أي: جامعةٌ بينَهما فلا تُعْطَفُ الثانيةُ على الأُولى مع اتِّفاقِهما لانتفاءِ الجامِعِ, إما عن المسنَدِ إليهما فقط كقولِك: زيدٌ طويلٌ, وعمرٌو قصيرٌ حيث لا جامِعَ بينَ زيدٍ وعمرٍو من صداقةٍ وغيرِها, وإن كانَ بينَ الطولِ والقِصَرِ جامعُ التضادِّ، أو عن المسنَدَيْن فقط كقولِك: زيدٌ طويلٌ وعمرٌو عالِمٌ عندَ فرْضِ الصداقةِ بينَ زيدٍ وعمرٍو أو عنهما معاً نحوُ زيدٌ قائمٌ والعلْمُ حسَنٌ و.
(3) (كقولِك: عليٌّ كاتِبٌ، الحمامُ طائرٌ؛ فإنه لا مناسَبةَ في المعنى بينَ كتابةِ عليٍّ وطيرانِ الحمامِ) أي: بينَ المسنَدِ إليهما؛ عليٍّ والحمامِ وبينَ المسنَدَيْن؛ الكتابةِ والطيرانِ.
(4) (ويقالُ في هذا الموضِعِ) الثاني بقِسْمَيْه اللذَيْن أوَّلُهما التبايُنُ بينَ نسبَتَي الجملتين, والثاني انتفاءُ المناسَبةِ بينَ طرفَيْ كلٍّ مِن الجملتين مع اتِّفاقِ نِسبتَيْهما.
(5) (كمالَ الانقطاعِ) أي: تمامَ التبايُنِ كما يُقالُ ذلك في الموضِعِ الثاني من موضِعَي الوصلِ بقَيْدِ الإيهامِ, كما سَبقَ فتدَبَّرْ.
الموضِعُ (6) (الثالثُ) من مواضعِ الفصْلِ
(7) (كونُ الجملةِ الثانيةِ جواباً عن سؤالٍ) مقدَّرِ الوقوعِ.
(8) (نَشأَ من الجملةِ الأولى) أي: أنَّ الجملةَ الأولى اقْتَضتْ سؤالاً, ودلَّتْ عليه بالفَحْوَى, أي: قوَّةِ الكلامِ باعتبارِ قرائنِ الأحوالِ وكأنه واقِعٌ بالفعْلِ محقَّقٌ مصرَّحٌ به, وتكونُ الجملةُ الثانيةُ جواباً عن هذا السؤالِ وحينئذٍ فتُفْصَلُ الثانيةُ عن الأولى؛ إذ لا يُعطَفُ جوابُ سؤالٍ على كلامٍ آخَرَ, وظهَرَ من هنا أن الموجِبَ للفصْلِ في هذا الموضعِ هو كونُ الكلامِ جواباً لسؤالٍ, وهو مذهَبُ السكَّاكِيِّ, وذَهبَ صاحبُ التلخيصِ إلى أنه هو تنزيلُ الأولى منزِلةَ السؤالِ, فتكونُ الثانيةُ جواباً للجملةِ الأولى, ويُسمَّى هذا الفصلُ استئنافاً, وكذا الجملةُ الثانيةُ نفسُها تُسمَّى استئنافاً ومُسْتَأْنَفَةً. ثم السؤالُ الذي نَشأَ عن الأولى إما عن سببٍ أوْ لا، والأولُ إما سببٌ عامٌّ أو لا, فالأقسامُ ثلاثةٌ: سببٌ عامٌّ وسببٌ خاصٌّ وغيرُ السببِ، فالسببُ العامُّ هو سببُ الحكْمِ, أي: المحكومُ به الكائنُ في الأولى على الإطلاقِ بمعنى أنه لم يُتصَوَّرْ فيه لتصوُّرِ سببٍ معيَّنٍ (كقولِه) أي: الشاعرِ (جَزَى اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ) فهذه الجملةُ اقتَضتْ سؤالاً عامًّا بقرينةِ العُرْفِ والعادةِ تقديرُه: ما بالُك تقولُ هذا, وما السببُ الذي أدَّاكَ إلى أن تُخالِفَ غيرَك بالترَضِّي عن الشدائدِ وعدَمِ بُغضِها, فأجابَ عن هذا السؤالِ بقولِه: (عَرَفْتُ) أي: لأني عرَفْتُ ( بها عدُوُّيَ من صَدِيقي) والسببُ الخاصُّ هو سببُ الحكْمِ في الأولى على الخصوصِ بمعنى أنه تَصَوَّرَ نفْيَ جميعِ الأسبابِ إلا سببًا خاصًا تَردَّدَ في حصولِه ونفيِه.
(1) كقولِه تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) أي: مع طهارتِها من الزَّلَلِ.
(2) (إِنَّ النَّفْسَ لاَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي: مُنْطَبِعةٌ من أصلِها على طلَبِ شيء لا يَنبغي؛ فإنَّ الجملةَ الأولى اقتَضتْ سؤالاً خاصًّا بقرينةِ التوكيدِ؛ لأنَّ مضمونَها وهو الحكْمُ بنفيِ تبرئةِ النفسِ يَتبادَرُ منه أن ذلك لانطباعِها على السوءِ فكان المقامُ مقامَ تَردُّدٍ في ثبوتِ أمرِها بالسوءِ، والقسمُ الثالثُ غيرُ السببِ هو شيءٌ آخَرُ له تعلُّقٌ بالجملةِ الأولى يَقتضِي المقامُ السؤالَ عنه نحوُ قولِه تعالى: (قَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ) أي: فماذا قالَ إبراهيمُ في جوابِ سلامِ الملائكةِ عليه, ولا شكَّ أنَّ قولَ إبراهيمَ ليس سبباً لسلامِ الملائكةِ لا عامًّا ولا خاصًّا.
(3) (ويُقَالُ بينَ الجملتين) أي: الأُولى التي هي مَنشأُ السؤالِ المقدَّرِ والثانيةِ التي هي مستأنَفَةٌ جواباً للسؤالِ المقدَّرِ.
(4) (شِبهُ كمالِ الاتِّصالِ) لمشابَهتِه كمالَ الاتِّصالِ في أنَّ ما بينَ الجملتين فيهما اتِّصالٌ وربْطٌ ذاتيٌّ منافٍ للعطْفِ فيَجبُ الفصْلُ في هذا كما يَجبُ في كمالِ الاتِّصالِ؛ لأنَّ شبيهَ الشيءِ حُكمُه حكْمُ ذلك الشيءِ. هذا ويُمكِنُ أن يكونَ الفصْلُ فيه نَظراً للفظِ؛ لأن السؤالَ إنشاءٌ, والجوابَ خبرٌ فيكونُ بينَهما كمالُ الانقطاعِ. الموضعُ
(5) (الرابعُ) من مواضعِ الفصْلِ
(6) (أن تُسبَقَ جملةٌ بجملتين يَصِحُّ عَطفُها) أي: عطْفُ الجملةِ المسبوقةِ اللاحقةِ.
(7) (على إحداهما) أي: على إحدى الجملتين السابقتين.
(8) (لوجودِ المناسَبةِ) أي: الجامعةِ العقليَّةِ أو الوهميَّةِ أو الخياليَّةِ بينَ المسنَدَيْن والمسنَدَ إليهما في الجملةِ المسبوقةِ وإحدى السابقتين عليها.
(1) (وفى عطفِها) أي: الجملةِ المسبوقةِ.
(2) (على) الجملةِ المسبوقةِ
(3) (الأخرى فسادٌ) أي: للمعنى المرادِ.
(4) (فيُترَكُ العطْفُ) أي: فيَجِبُ الفصْلُ بترْكِ عطْفِ المسبوقةِ على إحدى السابقتين التي تُناسِبُها في كلٍّ من المسنَدِ والمسنَدِ إليه
(5) (دفعاً للوَهْمِ) أي: لوهْمِ السامعِ، عطْفَ المسبوقةِ على السابقةِ غيرِ المقصودةِ ويُسمَّى هذا الفصْلُ قطْعاً لقطعِه توَهُّمَ خلافَ المقصودِ, أو لأنَّ كلَّ فصْلٍ قُطِعَ فيكونُ من بابِ تسميةِ المقيَّدِ باسمِ المطْلَقِ.
(6) (كقولِه) أي: الشاعرِ.
(7) (وتَظُنُّ سَلْمى أنني أبْغِي) أي: أَطْلبُ.
(8) (بها بدَلاً) الباءُ للمُقابَلةِ.
(9) (أُراها) بصيغةِ المجهولِ شاعَ استعمالُه بمعنى الظنِّ, وأصلُه أَراني اللهُ إيَّاها.
(10) (في الضلالِ تَهِيمُ) مِن هامَ إذا ذَهبَ في الأرضِ من العِشْقِ وغيرِه, أي: تَتَحَيَّرُ في أوديةِ الضلالِ.
(11) (فجملةُ أُراها يَصِحُّ عطفُها على ) جملةِ.
(12) (تَظنُّ) لأنهما خبريَّتان ووُجِدتْ بينَهما مناسبةٌ أي: جهةٌ جامعةٌ بينَهما وهي الاتِّحادُ بينَ مسنَديهما أو شِبْهُ التضايُفِ بينَ المسنَدِ إليه فيهما وهو ضميرُ تَظُنُّ العائدُ على سَلْمى, وهي محبوبتُه, وضميرُ أُراها العائدُ على الشاعرِ, وهو مُحِبٌّ وكلٌّ من الْمُحِبِّ والمحبوبَةِ يُشبِهُ أن يَتوقَّفَ تعقُّلُه على تَعقُّلِ الآخَرِ. ويكونُ معنى البيتِ حينئذٍ أنَّ سَلْمى تَظنُّ كذا وأنَّني أَحكُمُ على سلمى بأنها أَخطأتْ في ظنِّها وهذا المعنى صحيحٌ ومرادٌ للشاعرِ.
(13) (لكن يَمنَعُ من هذا) أي: من عطْفِ أُراها على تَظنُّ بأن يقولَ الشاعرُ: وأُراها... إلخ.
(14) (من مظنوناتِ سَلْمى) ويكونُ معنى البيتِ أنَّ سَلْمى تَظُنُّ أنَّني أبْغي بها بَدلاً وتَظنُّ أيضًا أنَّني أظنُّها تَهِيمُ في الضلالِ.
(15) (مع أنه ليس مراداً) أي: للشاعرِ. هذا: ويَحتمِلُ أن تكونَ جملةُ أُراها إلخ مستأنَفةً بأن يُقدَّرَ سؤالٌ وتكونَ هي جواباً عنه، كأنه قيلَ: كيف تُراها في هذا الظنِّ؟ فقال: أُراها تَهيم في الضلالِ. فيكونُ المانعُ من العطفِ حينئذٍ كونَ الجملةِ كالمتَّصِلَةِ بما قبلَها أي: شِبْهَ كمالِ الاتِّصالِ.
(16) (ويقالُ: بينَ الجملتين في هذا الموضعِ شِبْهُ كمالِ الانقطاعِ) لمشابَهةِ كمالِ الانقطاعِ في أنَّ كلاّ مشتمِلٌ على مانِعٍ من العطفِ, وهو هنا إيهامُ العطفِ خلافَ المقصودِ, وفي كمالِ الانقطاعِ تباينُ الجملتين باختلافِهما خبراً وإنشاءً أو بانتفاءِ الجامِعِ بينَهما. نعم, إن المانِعَ هنا خارجٌ عن ذاتِ الجملتين يُمكِنُ دفعُه بنصْبِ قرينةٍ، ولذا لم يُجعلْ من كمالِ الانقطاعِ.
الموضعُ
(1) (الخامسُ ) من مواضعِ الفصْلِ
(2) (أن لا يُقصَدَ تشريكُ الجملتين في الحكْمِ) أي: القيدُ الزائدُ على مفهومِ الجملةِ كالاختصاصِ بالظرفِ؛ لأنَّ الكلامَ هنا كما سَبقَ قاصرٌ على الجملتين اللتين لا مَحَلَّ لهما من الإعرابِ. فليس المرادُ به حينئذٍ الحكْمَ الإعرابىَّ، نعمْ يَصِحُّ أن يكونَ الكلامُ غيرَ قاصِرٍ على الجمَلِ التي لا مَحَلَّ لها بل يَشْمَلُها ويَشْمَلُ التي لها مَحَلٌّ، فيُرادُ بالحكْمِ في الأُولى المعنى المذكورُ, وبه في الثانيةِ الحكْمُ الإعرابيُّ، يعني: الحالُ الموجِبُ للإعرابِ مثلَ كونِها خبرَ المبتدأِ فإنه يُوجِبُ الرفْعَ، وكونِها حالاً أو مفعولاً فإنه يُوجِبُ النصبَ، وكونِها مضافاً إليها فإنه يوجِبُ الخفْضَ، وكونِها صفةً فإنه يُوجِبُ الإعرابَ الذي في المتبوعِ.
(3) (لقيامِ مانِعٍ) أي: من العطْفِ وهو لزومُ تشريكِ الثانيةِ للأولى في ذلك القيْدِ أو الحُكْمِ الإعرابيِّ، والتشريكُ فيه نقيضُ المقصودِ؛ لأن المقصودَ الاستئنافُ فيَجِبُ الفصْلُ, سواءٌ كان بينَهما جهةٌ جامعةٌ أم لا.
(4) كقولِه تعالى حكايةً عن حالِ المنافقين:
(5) (وَإِذَا خَلَوْا) أي: وإذا خَلا المنافقون من المؤمنين ورَجَعُوا.
(6) (إِلَى شَيَاطِينِهِمْ) أي: رؤسائِهم من الكافرين.
(7) (قَالُوا) لشياطينِهم.
(8) (إِنَّا مَعَكُمْ) أي: بقلوبِنا من حيث الثباتُ على الكفْرِ وعداوةُ المسلمين.
(9) (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) أي: بالمسلمين فيما نُظهِرُ لهم من الْمُداراةِ. قال تعالى:
(10) ( اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) أي: يُجازِيهم بالطرْدِ عن رحمتِه في مقابَلةِ استهزائِهم بالمؤمنين ودِينِ الإسلامِ، ففي الكلامِ مُشاكَلَةٌ وإلا فالاستهزاءُ مستحيلٌ على اللهِ تعالى.
(11) (فجملةُ: اللهُ يَستهزئُ بهم لا يَصِحُّ عطفُها على) جملةِ.
(12) (إِنَّا مَعَكُمْ) التي هي مَحكيَّةٌ لِقالوا.
(13) (لاقتضائِه) أي: العطفِ المذكورِ.
(14) (أنه) أي: أن قولَه: اللهُ يَستهزئُ بهم.
(15) (من مَقولِهم) أي: من مقولِ المنافقين, والحالُ أنه ليس كذلك, أي: لم يُقصَدْ تَشريكُها للأُولى في الحكْمِ الإعرابيِّ, وهو كونُها من مقولِهم, بل هو استئنافٌ على أنه من مَقولِ اللهِ تعالى، ففصَلَ بترْكِ العطفِ دفْعاً لإيهامِ خلافِ المقصودِ.
(1) (ولا على جملةِ قالوا) أي: وليست جملةُ اللهُ يَستهزئُ بهم معطوفةً على جملةِ قالوا.
(2) (لاقتضائِه) أي: العطفِ المذكورِ.
(3) (أن استهزاءَ اللهِ بهم) وهو مضمونُ جملةِ: (اللهُ يَستهزئُ بهم).
(4) (مقيَّدٌ بحالِ خُلُوِّهم إلى شياطينِهم) توضيحُ ذلك أن جملةَ قالوا: إنَّا معكم مُقيَّدةٌ بظرفٍ, وهو إذا, وتقديمُ الظرفِ يُفيدُ الاختصاصَ، وحينئذٍ فالمعنى أنهم إنما يقولون: إنا معكم في حالِ خُلُوِّهم بشياطينِهم, لا في حالِ وجودِ أصحابِ محمَّدٍ، ولو عُطِفَ اللهُ يَستهزئُ بهم على جملةِ قالوا لَلَزِمَ أنَّ استهزاءَ اللهِ بهم مختَصٌّ بذلك الظرْفِ لإفادةِ العطْفِ تشريكَ الجملتين في الاختصاصِ به فيكونُ المعنى لا يَستهزئُ اللهُ بهم إلاَّ إذا خَلَوْا كما أنهم لا يقولون إنَّا معكم إلا إذا خَلَوْا والحالُ أنه ليس كذلك، أي: لم يُقصَدْ تشريكُ الثانيةِ للأولى في ذلك القيْدِ؛ لأنَّ المرادَ باستهزاءِ اللهِ بهم الذي هو مضمونُ الثانيةِ مجازاتُه لهم كما سَبقَ، ولا شكَّ أنَّ هذا متَّصِلٌ لا انقطاعَ له بحالٍ، سواءٌ خَلَوْا إلى شياطينِهم أم لا، ففَصَلَ بترْكِ العطْفِ لأجْلِ دفْعِ إيهامِ خِلافِ المقصودِ.
(5) (ويقالُ: بينَ الجملتين في هذا الموضعِ) الخامسِ.
(6) (توسُّطٌ بينَ الكمالَيْن) أي: بينَ كمالِ الاتِّصالِ وكمالِ الانقطاعِ، كما يُقالُ لِمَا بينَ الجملتين في الموضعِ الأوَّلِ من موضعِ الفصْلِ توسُّطٌ بينَ الكمالين مطلَقاً أو مع عدمِ الإيهامِ، ووجهُ التسميةِ بهذا الاسمِ ظاهرٌ؛ لأنه لم يكنْ بينَ الجملتين أحدُ الكمالَيْن, ولا شِبْهُ أحدِهما فتدَبَّرْ.