فَصْلٌ: زَعَمَ كَثِيرٌ([1]) مِن النَّحْوِيِّينَ أنَّهُ لا يُفْصَلُ بَيْنَ المُتَضَايِفَيْنِ إلا في الشِّعْرِ، والحَقُّ أنَّ مَسَائِلَ الفَصْلِ سَبْعٌ، مِنْهَا ثَلاثٌ جَائِزَةٌ في السَّعَةِ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ المُضَافُ مَصْدَراً والمُضَافُ إليهِ فَاعِلَهُ([2]) ، والفَاصِلُ إمَّا مَفْعُولُهُ، كقِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ: (قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ شُرَكَائِهِمْ)([3]) ، وقَوْلِ الشَّاعِرِ:
353- فَسُقْنَاهُمْ سَوْقَ البُغَاثَ الأَجَادِلِ([4]) 354- وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ([7]) 355- كَنَاحِتِ يَوْماً صَخْرَةٍ بعَسِيلِ([9]) 356- أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ = إِذْ نَجَلاَهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلاَ([11]) 357- تَسْقِي امْتِيَاحاً نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا([12]) 358- كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً = يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ([13]) 359- وَلاَ عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ([14]) 360- فَإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٍ حَرَامُ([15]) 361- مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ([16]) 362- كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ = زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ[18]
([1]) هذا الذي ذكرَهُ المُؤَلِّفُ مَنْسُوباً إلى أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ – مِن أنَّهُ لا يجوزُ أنْ يُفْصَلَ في السَّعَةِ بينَ المضافِ والمضافِ إليه مُطْلَقاً – هو الذي يُسْتَفَادُ مِن كلامِ سِيبَوَيْهِ، وهم يَعْنُونَ بالإطلاقِ أنَّهُ يَسْتَوِي في عدَمِ جوازِ الفَصْلِ أنْ يكونَ المضافُ اسماً عامِلاً كالمَصْدَرِ واسمِ الفَاعِلِ وأمثِلَةِ المُبَالَغَةِ وألاَّ يكونَ المضافُ مِن الأسماءِ العَامِلَةِ كأسماءِ الأَجْنَاسِ غَيْرِ المَصَادِرِ، كما يَسْتَوِي أنْ يكونَ الفَاصِلُ بين المُتَضَايِفَيْنِ ممَّا يَكْثُرُ دَوْرُه في الكلامِ كالظَّرْفِ والجَارِّ والمجرُورِ وألاَّ يكونَ الفَاصِلُ بهذه المَنْزِلَةِ, وحُجَّتُهُم في هذا أنَّ المُضَافَ والمضافَ إليه بمَنْزِلَةِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ، ألا تَرَى أنَّ المضافَ إليه مُنَزَّلٌ مِن المضافِ مَنْزِلَةَ التَّنْوِينِ؟ وقدْ عَلِمْنَا أنَّهُ لا يجوزُ أنْ يُفْصَلَ بينَ أَجْزَاءِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ بفَاصِلٍ ما، فما كانَ بمَنْزِلَةِ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ يَأْخُذُ حُكْمَ الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ، وهاك عِبَارَةَ سِيبَوَيْهِ التي يُفْهَمُ مِنْهَا هذا الكَلامُ، قالَ (1/9): (ومِمَّا جَاءَ في الشِّعْرِ قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُ وبينَ المَجْرُورِ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ قُمَيْئَةَ:
لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ = لِلَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لاَمهَاَ
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً = يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ
رُبَّ ابْنِ عَمٍّ لِسُلَيْمَى مُشْمَعِلّْ = طَبَّاخِ سَاعَاتِ الكَرَى زَادَ الكَسَلْ
وَكَرَّارِ خَلْفِ المُجْحَرِينَ جَوَادَهُ = إِذَا لَمْ يُحَامِ دُونَ أُنْثَى حَلِيلُهَا
*عَتَوْا إِذْ أَجَبْنَاهُمْ إِلَى السَّلْمِ رَأْفَةً*
بُغَاثُ الطَّيْرِ أَكْثَرُهَا فِرَاخاً = وَأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاَةٌ نَزُورُ
كَأَنَّ العُقَيْلِيِّينَ يَوْمَ لَقِيتُهُمْ = فِرَاخُ القَطَا لاَقَيْنَ أَجْدَلَ بَازِيَا
وَحَلَّقَ البَازِيُّ كَالقَوَانِسِ = فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصِيدَ الدَّائِسِ
فَزَجَجْتُهَا بِمِزَجَّةٍ = زَجَّ القَلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ
*مَا زَالَ يُوقِنُ مَن يَؤُمُّكَ بِالغِنَى*
*فَرِشْنِي بِخَيْرٍ لاَ أَكُونَنْ وَمِدْحَتِي*
إِذَنْ –وَاللَّهِ- نَرْمِيَهُمْ بِحَرْبٍ = يُشِيبُ الطِّفْلَ مِنْ قَبْلِ المَشِيبِ
ذَاكَ الَّذِي – وَأَبِيكَ – يَعْرِفُ مَالِكاً = وَالحَقُّ يَدْفَعُ تُرَّهَاتِ البَاطِلِ
تَمُرُّ عَلَى مَا تَسْتَمِرُّ وَقَدْ شَفَتْ = غَلاَئِلَ عَبْدُ القَيْسِ مِنْهَا صُدُورِهَا
*كَمَا تَضَمَّنَ مَاءَ المُزْنَةِ الرَّصَفُ*
*كَتَحْبِيرِ الكِتَابِ بِكَفِّ يَوْماً*
لَمَّا رَأَتْ سَاتِيدَمَا اسْتَعْبَرَتْ = لِلَّهِ دَرُّ اليَوْمَ مَنْ لاَمَهَا
كَأَنَّ أَصْوَاتَ مِنْ إِيغَالِهِنَّ بِنَا = أَوَاخِرِ المَيْسِ أَصْوَاتُ الفَرَارِيجِ
*هُمَا أَخَوَا فِي الحَرْبِ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ*
*مَا إِنْ رَأَيْنَا لِلهَوَى مِنْ طَِبِّ*
*فَإِنْ يَكُنِ النِّكَاحُ أَحَلَّ شَيْءٍ*
سلاَمُ اللَّهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا = وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلاَمُ
فَلاَ غَفَر الإِلَهُ لمُنْكِحِيهَا = ذُنُوبَهُمُ وَإِنْ صَلَّوْا وَصَامُوا
*نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيْفَهُ*
20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:50 AM
الفصل بين المضاف والمضاف إليه
العرض العادي
