دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > ألفية العراقي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 04:33 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي أصح كتب الحديث

أصَحُّ كُتُبِ الحديثِ

أوَّلُ مَن صَنَّفَ في الصحيحِ = محمَّدٌ وخُصَّ بالترجيحِ
ومسْلِمٌ بعدُ، وبعضُ الغَرْبِ معْ = أبي علِيٍّ فضَّلُوا ذا لو نَفَعْ
ولم يَعُمَّاهُ ولكنْ قَلَّمَا = عندَ ابنِ الاخْرَم مِّنهُ قد فاتَهُما
(25) وَرُدَّ لكنْ قالَ يَحيى الْبَرُّ = لم يَفُتِ الخمسةَ إلاَّ النَّزْرُ
وفيه ما فيه لقولِ الْجُعْفِي = أحْفَظُ منه عشْرَ ألْفِ ألْفِ
وعَلَّهُ أرادَ بالتَّكرارِ = لها وموقوفٍ وفي البُخارِي
أربعةُ الآلافِ والْمُكَرَّرُ = فوقَ ثلاثةٍ أُلوفاً ذَكَرُوا


  #2  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 01:23 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الناظم

أصَحُّ كُتُبِ الحديثِ


(22) أوَّلُ مَن صَنَّفَ في الصحيحِ = محمَّدٌ وخُصَّ بالترجيحِ
(23)ومسْلِمٌ بعدُ، وبعضُ الغَرْبِ معْ = أبي علِيٍّ فضَّلُوا ذا، لو نَفَعْ
أيْ: أوَّلُ مَن صَنَّفَ في جَمْعِ الصحيحِ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ، وكتابُه أصَحُّ مِن كتابِ مسلِمٍ عندَ الْجُمهورِ، وهو الصحيحُ، وقالَ النَّوَوِيُّ: إنه الصوابُ، والْمُرادُ ما أسْنَدَه البُخارِيُّ دونَ التعليقِ والتَّراجِمِ.
وقولُه: (ومسلِمٌ بعْدُ) أيْ: بعْدَ البُخارِيِّ في الوُجودِ والصحَّةِ.
وقولُه: (بعْضُ الغَرْبِ) أيْ: بعْضُ أهْلِ الغرْبِ على حَذْفِ الْمُضافِ، أيْ: وذهَبَ بعْضُ الْمَغَارِبَةِ والحافِظُ أبو عَلِيٍّ الْحُسينُ بنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ شيخُ الحاكِمِ إلى تَفضيلِ مسلِمٍ على البخاريِّ فقالَ أبو عَلِيٍّ: ما تحتَ أَدِيمِ السماءِ أصَحُّ مِن كتابِ مسلِمٍ في علْمِ الحديثِ.
وحَكَى القاضِي عِيَاضٌ عن أبي مَروانَ الطُّبُنِيُّ قالَ: كانَ مِن شُيُوخِي مَن يُفَضِّلُ كِتابَ مُسْلِمٍ عن كتابِ البُخارِيِّ.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: فهذا إنْ كان الْمُرادُ به أنَّ كتابَ مسلِمٍ يَتَرَجَّحُ بأنْ لم يُمَازِجْه غيرُ الصحيحِ فهذا لا بَأْسَ به، وإن كانَ المرادُ به أنَّ كتابَ مسلِمٍ أَصَحُّ صحيحاً فهذا مردودٌ على مَن يقولُه. انْتَهى.
وعلى كلِّ حالٍ فكتابُه أَصَحُّ كُتُبِ الحديثِ. وأمَّا قولُ الشافعِيِّ: ما على وجهِ الأرْضِ بعدَ كتابِ اللهِ أَصَحُّ مِن كتابِ مالِكٍ، فذاك قَبْلَ وُجودِ الكتابَيْنِ.
وقولُه: (لَوْ نَفَعْ) يريدُ لو نَفَعَ قولُ مَن فَضَّلَ مُسْلِماً على البُخاريِّ، فإنه لم يُقْبَلْ مِن قائلِه،
وقولُه: (في الصحيحِ) متَعَلِّقٌ بـ (صَنَّفَ).
وأمَّا أوَّلُ مَن صَنَّفَ مُطْلَقاً لا بقَيْدِ جَمْعِ الصحيحِ فقد بَيَّنْتُهُ في (الشرْحِ الكبيرِ).

(24) ولم يَعُمَّاهُ ولكنْ قَلَّمَا = عندَ ابنِ الاخْرَم مِّنه قد فاتَهُما
(25) وَرُدَّ لكنْ قالَ يَحيى الْبَرُّ = لم يَفُتِ الخمسةَ إلاَّ النَّزْرُ
أيْ: لم يَعُمَّ البخارِيُّ ومسلِمٌ كلَّ الصحيحِ، يُريدُ لم يَسْتَوْعِبَاهُ في كِتَابَيْهِمَا، ولم يَلْتَزِمَا ذلك، وإلزامُ الدارقُطْنِيِّ وغيرِه إيَّاهُما بأحاديثَ ليس بلازِمٍ.
قالَ الحاكِمُ في خُطْبَةِ (الْمُسْتَدْرَكِ): ولم يَحْكُمَا ولا واحدٌ منهما أنه لم يَصِحَّ مِن الحديثِ غيرُ ما أَخْرَجَاهُ. انتهى.
قالَ البخاريُّ: ما أَدْخَلْتُ في كتابِ (الجامِعِ) إلاَّ ما صَحَّ، وتَرَكْتُ مِن الصِّحاحِ لحالِ الطُّولِ. وقالَ مسلِمٌ: ليس كلُّ صحيحٍ وضَعْتُه هنا، إنما وَضَعْتُ هنا ما أَجْمَعُوا عليه، يريدُ ما وَجَدَ عندَه فيها شرائِطَ الصحيحِ المجمَعِ عليه، وإنْ لم يَظْهَرِ اجتماعُها في بَعْضِها، عندَ بعضِهم قالَه ابنُ الصلاحِ.

وقولُه: (ولكنْ قَلَّمَا عندَ ابنِ الاخْرَم مِّنه) أيْ: مِن الصحيحِ يُريدُ أنَّ الحافِظَ أبا عبدِ اللهِ محمَّدَ بنَ يعقوبَ بنِ الأَخْرَمِ شيخَ الحاكِمِ ذَكَرَ كَلاَماً مَعناهُ: قَلَّ ما يَفوتُ البخاريَّ ومسلِماً مِمَّا يَثْبُتُ مِن الحديثِ.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: يَعنِي في كِتَابَيْهِمَا.
و(يحيى) هو الشيخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ قالَ في (التقريبِ والتيسيرِ): والصوابُ أنه لم يَفُت الأصولَ الخمسةَ إلاَّ اليسيرُ ؛ أعنِي الصحيحينِ وسُنَنَ أبي داودَ والتِّرمذيَّ والنَّسائيَّ.

(26) وفيه ما فيه لقولِ الْجُعْفِي = أحْفَظُ منه عشْرَ ألْفِ ألْفِ
(27)وعَلَّهُ أرادَ بالتَّكرارِ = لها وموقوفٍ وفي البُخارِي
(28)أربعةُ الآلافِ والْمُكَرَّرُ = فوقَ ثلاثةٍ أُلوفاً ذَكَرُوا
أيْ: وفي كلامِ النَّوَوِيِّ: (ما فيه لقولِ الْجُعْفِي) وهو البخاريُّ (أحْفَظُ) مائةَ ألْفِ حديثٍ صحيحٍ. فقولُه: (منه). أيْ: مِن الصحيحِ.
وقولُه: (وعَلَّهُ) أيْ ولَعَلَّ البخاريَّ أرَادَ: بالأحاديثِ الْمُكرَّرَةِ الأسانيدِ والموقوفاتِ، فقولُه: (وموقوفٍ). معطوفٌ على قولِه: (بالتَّكرارِ).
قالَ ابنُ الصَّلاحِ بعدَ حِكايةِ كلامِ البخاريِّ: إلاَّ أنَّ هذه العِبارةَ قد تَنْدَرِجُ تحتَها عندَهم آثارُ الصحابةِ والتابعينَ.
قالَ: ورُبَّمَا عَدَّ الحديثَ الواحدَ الْمَرْوِيَّ بإسنادَيْنِ حَديثينِ.
وقولُه: (وفي البُخارِي) إلى آخِرِه، فيه بيانُ عَدَدِ أحاديثِ صحيحِ البُخارِيِّ، وهي بإسقاطِ الْمُكَرَّرِ (أربعةُ آلافِ) حديثٍ على ما قيلَ (وبالْمُكَرَّرِ) سبعةُ آلافٍ ومائتانِ وخمسةٌ وسبعونَ حديثاً، كذا جَزَمَ به ابنُ الصلاحِ وهو مسلَّمٌ في رِوايةِ الفِرَبْرِيِّ، وأمَّا روايةُ حَمَّادِ بنِ شاكِرٍ، فهي دونَها بِمِائَتَيْ حديثٍ، ودُونَ هذه بِمِائةِ حديثٍ روايةُ إبراهيمَ بنِ مَعْقِلٍ، ولم يَذْكُرِ ابنُ الصلاحِ عِدَّةَ أحاديثِ مسلِمٍ، وقالَ النَّوَوِيُّ: إنه نحوُ أربعةِ آلافٍ بإسقاطِ الْمُكَرَّرِ.


  #3  
قديم 23 ذو الحجة 1429هـ/21-12-2008م, 11:05 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح الباقي لأبي زكريا الأنصاري

أصَحُّ كُتُبِ الحديثِ


أوَّلُ مَن صَنَّفَ في الصحيحِ = محمَّدٌ وخُصَّ بالترجيحِ
ومسْلِمٌ بعدُ، وبعضُ الغَرْبِ معْ = أبي علِيٍّ فضَّلُوا ذا، لو نَفَعْ
(أوَّلُ مَن صَنَّفَ) الحديثَ (الصحيح) الإمامُ (محمَّدٌ) هو ابنُ إسماعيلَ البخاريُّ، ولا يَرِدُ مُوَطَّأُ الإمامِ مالِكٍ؛ لأنه وإنْ كان سابقًا فمُؤَلِّفُه لم يَتقيَّدْ بالصحيحِ الذي مَرَّ تَعريفُه؛ لأنه أَدْخَلَ فيه الْمُرْسَلَ، والبلاغَ، والمقطوعَ، ونحوَها على سبيلِ الاحتجاجِ، فليس هو أوَّلَ مَن صَنَّفَ في الصحيحِ لانصرافِ الصحيحِ بقَرينةِ (ال) العَهْدِيَّةِ إلى الصحيحِ المذكورِ.
(وخُصَّ) أيِ: البخاريُّ، أيْ: صحيحُه (بالترجيحِ) أيْ: بترجيحِ ما أَسْنَدَهُ فيه دُونَ تَعالِيقِهِ، وتَرَاجِمِه، وأقوالِ الصحابةِ وغيرِهم على سائِرِ الصِّحَاحِ لتَقَدُّمِه على غيرِه في الفَنِّ.
(و) الإمامُ (مُسلِمٌ) أيْ: صحيحُه (بعدُ) أيْ: بعدَ صحيحِ البخاريِّ وضْعًا بلا نِزاعٍ، وصِحَّةً كما ذَهَبَ إليه الجمهورُ، وهو الصحيحُ المشهورُ.
(وبعضُ) أهلِ (الغَرْبِ معْ) حافِظِ عَصْرِه (أبي عَلي) الْحُسينِ بنِ عليٍّ النَّيْسَابوريِّ، شيخِ الحاكِمِ (فَضَّلُوا ذا) أيْ: (صحيحِ مسلِمٍ) على (صحيحِ البخاريِّ) لكنْ (لو نَفَعْ) تَفضيلُهم لقُبِلَ منهم، لكنه لم يَنفَعْ؛ لعَدَمِ تصريحِهم بالتفضيلِ وإنْ كانَ كلامُهم ظاهرًا فيه عُرْفًا.
ولأنَّ البخاريَّ اشْتَرَطَ في الصِّحَّةِ اللُّقِيَّ، ومسلِمٌ اكْتَفَى بالمعاصَرَةِ وإمكانِ اللُّقِيِّ، ولاتِّفاقِ العُلماءِ على أنَّ البخاريَّ أَجَلُّ منه وأَعْلَمُ منه بصِناعةِ الحديثِ، مع أنَّ مسلِمًا تِلميذُه حتى قالَ الدارقُطنيُّ: لولا البخاريُّ لَمَا راحَ مسلِمٌ، ولا جاءَ.
وقيلَ: هما سواءٌ.
وقيلَ: بالوقْفِ.
وبالجملةِ فكِتابَاهُما أَصَحُّ كُتُبِ الحديثِ.
وأمَّا قولُ الشافعيِّ: ما على وَجْهِ الأرضِ بعدَ كتابِ اللهِ تعالى أصَحُّ مِن كتابِ مالِكٍ, فذاك قَبْلَ وُجُودِهما.
وما ذُكِرَ فيهما مِن الضُّعفاءِ كمَطَرٍ الوَرَّاقِ، وبَقِيَّةَ، وابنِ إسحاقَ، ونُعمانَ بنِ راشدٍ، لم يُذْكَرْ على سبيلِ الاحتجاجِ، بل على سبيلِ المتابَعَةِ والاستشهادِ، أو ذُكِرَ لعُلُوِّ الإسنادِ، أو هو ضعيفٌ عندَ غيرِهما ثِقَةٌ عندَهما.
ولا يُقالُ: الْجَرْحُ مُقَدَّمٌ على التعديلِ؛ لأنَّ شَرْطَ قَبولِه بيانُ السببِ، حَكَى ذلك النوَوِيُّ عن ابنِ الصلاحِ وأَقَرَّهُ.
ولكنْ قالَ شيخُنا في تفضيلِ البخاريِّ على مُسْلِمٍ: إنَّ البخاريَّ يَذْكُرُ هؤلاءِ غالبًا في المتابعاتِ والاستشهاداتِ والتعليقاتِ، بخِلافِ مسلِمٍ فإنه يَذْكُرُهم كثيرًا في الأصولِ والاحتجاجِ. انتهى.

ولم يَعُمَّاهُ ولكنْ قَلَّمَا = عندَ ابنِ الاخْرَم مِّنه قد فاتَهُما
(25) وَرُدَّ لكنْ قالَ يَحيى الْبَرُّ = لم يَفُتِ الخمسةَ إلاَّ النَّزْرُ
وفيه ما فيه لقولِ الْجُعْفِي = أحْفَظُ منه عشْرَ ألْفِ ألْفِ
وعَلَّهُ أرادَ بالتَّكرارِ = لها وموقوفٍ وفي البُخارِي
أربعةُ الآلافِ والْمُكَرَّرُ = فوقَ ثلاثةٍ أُلوفاً ذَكَرُوا
(و) مع كونِ كِتَابَيْهِما أصَحَّ (لم يَعُمَّاهُ) أيِ: الصحيحَ؛ أيْ: لم يَسْتَوْعِبَا فيهما كلَّ صحيحٍ على شَرْطِهما فَضْلاً عن مُطْلَقِه، كما صَرَّحَا بذلك.
فإلزامُ الدارقُطنيِّ وغيرِه إيَّاهما بأحاديثَ على شَرْطِهما ليس بلازِمٍ.
(ولكنْ قَلَّمَا) حديثٌ (عندَ) الحافظِ أبي عبدِ اللهِ محمَّدِ بنِ يَعقوبَ النَّيْسَابوريِّ (ابنِ الاخْرَمِ) بالدَّرَجِ والخاءِ الْمُعْجَمَةِ شيخِ الحاكمِ، ومِيمُه مُدْغَمَةٌ في ميمِ (منه) أيْ: مِن الصحيحِ (قد فاتَهما) في كِتَابَيْهِما.
وحَقُّ (قَلَّمَا) أنْ يَلِيهَا الفعْلُ صَرِيحًا، لكنه أَخَّرَه للضرورةِ عندَه، كما قيلَ به في قولِ الْمِرَارِ:
صَدَرَتْ فأَطْوَلَتِ الصُّدورَ قَلَّمَا = وِصَالٌ على طُولِ الصُّدُورِ يَدُومُ
فـ (مَا) كافَّةٌ إنْ وُصِلَتْ بـ (قَلَّ) كما تَقَرَّرَ، وفي نُسخةٍ فَصْلُها عنها فهي مَوصولةٌ، وهي أَوْلَى لسَلامتِها مما مَرَّ.
(وَرُدَّ) أيْ: رَدَّهُ ابنُ الصلاحِ بأنَّ ذلك كثيرٌ لا قَليلٌ كما يُعْلَمُ مِن (مُستَدْرَكِ) الحاكِمِ عليهما.
(لكنْ قالَ) الشيخُ مُحْيِي الدِّينِ (يحيى) النوويُّ (الْبَرُّ) أيْ: المحسِنُ في جميعِ أعمالِ الْبِرِّ بعدَ تَصحيحِه لِمَا قالَه ابنُ الصلاحِ:
والصوابُ أنه (لم يَفُتِ) الأصولَ (الخمسةَ): الصحيحينِ، وسُنَنَ أبي داودٍ، والتِّرمذيَّ، والنَّسائيَّ (إلاَّ النَّزْرُ) أيْ: القليلُ.
(وفيه) أيْ: في كلامِ النوويِّ (ما فيه) أيْ: ضَعْفٌ ظاهِرٌ (لقولِ الْجُعْفِيْ) أيِ: البُخارِيِّ نِسبةً لِجَدِّ أبيه الْمُغيرةِ لكونِه مولًى ليَمانٍ الْجُعْفِيِّ والِي (بُخَارى): (أَحْفَظُ منه) أيْ: مِن الصحيحِ (عَشْرَ ألْفِ أَلْفِ) حديثٍ، أيْ: مائةَ ألْفٍ، كما عَبَّرَ بها حيثُ قالَ: أَحْفَظُ مِائةَ ألْفِ حديثٍ صحيحٍ، ومِائتَيْ ألْفِ حديثٍ غيرِ صحيحٍ.
والأصولُ الخمسةُ فَضْلاً عن الصحيحينِ أقَلُّ مِن ذلك بكثيرٍ، ففاتَهما كثيرٌ.
(وعَلَّهُ) لغةٌ في (لَعَلَّهُ) أيْ: ولعَلَّ البخاريَّ (أرَادَ) بُلوغَ ما حَفِظَه مِن الأحاديثِ العددَ المذكورَ (بالتَّكرارِ لها، وموقوفٍ) أيْ: بعدَ الْمُكَرَّرِ والموقوفِ منها.
أيْ: وما أُلْحِقَ به مِن آثارِ الصحابةِ وغيرِهم مع غيرِ الْمُكَرَّرِ، فلا يُنافِي كلامُه كلامَيْ ابنِ الأَخْرَمِ والنَّوَوِيِّ.
على أنَّ شَيْخَنا قالَ: والظاهِرُ أنَّ ابنَ الأَخْرَمِ إنما أرادَ ما فاتَهما مما عَرَفَاهُ واطَّلَعَا عليه مما يَبْلُغُ شَرْطَهما، لا بِقَيْدِ كتَابَيْهِما كما فَهِمَه ابنُ الصلاحِ.
قالَ: وقولُ النوويِّ: لم يَفُتِ الخمسةَ إلا القليلُ, مُرادُه مِن أحاديثِ الأحكامِ خاصَّةً أمَّا غيرُها فكثيرٌ.
ثم بَيَّنَ الناظِمُ عِدَّةَ أحاديثِ (صحيحِ البخاريِّ) بقولِه: (وفي) صحيحِ (البخاريْ) منها بغيرِ تَكرارٍ (أربعةُ الآلافٍ، والمكرَّرُ) منها (فوقَ ثلاثةٍ أُلُوفًا) بنَصْبِه تَمييزًا، يَعنِي ثلاثةَ آلافٍ ومِائتينِ وخمسةً وسَبعينَ حديثًا على ما (ذَكَرُوا) أيْ: جَماعةٌ مِن رُواتِه.
فجُملةُ ما فيه مِن الْمُكَرَّرِ وغيرِه سبعةُ آلافٍ ومِائتانِ وخمسةٌ وسبعونَ؛ كذا جَزَمَ به ابنُ الصلاحِ، ومُخْتَصِرُو كلامِه.
قالَ الناظِمُ: هو مسلِمٌ في روايةِ الْفِرَبْرِيِّ، وأمَّا روايةُ حَمَّادِ بنِ شاكِرٍ فهي دونَها بِمِائتَيْ حديثٍ، ودونَ هذه بمائةِ حديثٍ رِوايةُ إبراهيمَ بنِ مَعْقِلٍ.
ورَدَّهُ شيخُنا بأنَّ عِدَّةَ أحاديثِ البخاريِّ في رِوايةِ الثلاثةِ سواءٌ، وإنما حَصَلَ الاشتباهُ مِن جِهَةِ أنَّ الأَخِيرَيْنِ فاتَهما مِن سماعِ الصحيحِ على البخاريِّ ما ذُكِرَ مِن آخِرِ الكتابِ فرَوَيَاهُ بالإجازةِ، فالنقْصُ إنما هو في السماعِ لا في الكتابِ.
قال: والذي تَحَرَّرَ لي أنها بالْمُكَرَّرِ - سوى الْمُعَلَّقَاتِ، والمتابِعاتِ، والموقوفاتِ، والمقطوعاتِ - سبعةُ آلافٍ وثَلاثُمِائةٍ وسبعةٌ وتِسعونَ حديثًا.
وبغيرِ الْمُكَرَّرِ مِن المتونِ الموصولةِ ألفانِ وسِتُّمائةٍ وحَديثانِ.
ومِن المتونِ الْمُعَلَّقَةِ المرفوعةِ التي لم يُوصِلْها في مَوْضِعٍ آخَرَ منه مائةٌ وتسعةٌ وخمسونَ.
فمجموعُ غيرِ الْمُكَرَّرِ ألفانِ وسبعُمائةٍ وواحدٌ وسِتُّونَ.
قالَ الناظمُ: ولم يَذْكُرِ ابنُ الصلاحِ عِدَّةَ أحاديثِ مسلِمٍ، وقد ذكَرَ النوويُّ أنها نَحْوُ: أربعةِ آلافٍ بإسقاطِ الْمُكَرَّرِ.
ولم يَذْكُرْ عِدَّتَها بالْمُكَرَّرِ، وهي تَزيدُ على عِدَّةِ كتابِ البخاريِّ لكثرةِ طُرُقِهِ.
قالَ: ورأيتُ عن أبي الفَضْلِ أحمدَ بنِ سَلَمَةَ أنها اثنا عشَرَ ألفًا.
قالَ الزَّرْكَشِيُّ بعدَ نَقْلِه كلامَ ابنِ سَلَمَةَ: وقالَ أبو حَفْصٍ الْمَيَانَجِيُّ: إنها ثمانيةُ آلافٍ.
قالَ: ولعَلَّ هذا أقْرَبُ.
قالَ شيخُنا: وقولُ الناظِمِ: (وفي البخارِي ... إلى آخِرِه) جَعَلَه فائدةً مُسْتَقِلَّةً زائدةً وليس مرادًا لابنِ الصلاحِ، بل هو تَتِمَّةُ رَدِّه لكلامِ ابنِ الأخْرَمِ، بمعنى أنَّ كلامَه يُرَدُّ بأنَّ ما فاتَ البخاريَّ ومُسْلِمًا أكثرُ مما خَرَّجَاهُ لقولِ البخاريِّ: أحْفَظُ منه مِائةَ ألْفِ حديثٍ صحيحٍ, وليس في كتابِه بالنسبةِ إليها إلا القليلُ، فإنَّ جميعَ ما فيه بغيرِ تَكرارٍ أربعةُ آلافٍ وبالتَّكرارِ نحوُ سبعةِ آلافٍ، ومسلِمٌ أكْثَرُ ما يكونُ فيه نحوُ ذلك كما مَرَّ، ففَاتَهما كثيرٌ لا قليلٌ.
أمَّا أوَّلُ مَن صَنَّفَ مُطْلَقًا فابنُ جُريجٍ بمكَّةَ، ومالِكٌ وابنُ أبي ذِئْبٍ بالمدينةِ، والأَوْزَاعِيُّ بالشامِ، والثَّوْرِيُّ بالكوفةِ، وسعيدُ بنُ أبي عَروبةَ والربيعُ بنُ صُبَيْحٍ وحمادُ بنُ سَلَمَةَ بالبصرةِ، ومَعْمَرُ بنُ راشِدٍ وخالدُ بنُ جَميلٍ باليَمَنِ، وجَريرُ بنُ عبدِ الحميدِ بالرِّيِّ، وابنُ المبارَكِ بخُراسانَ.
وهؤلاءِ في عصْرٍ واحدٍ فلا يُدْرَى أيُّهُم أسبَقُ، ذَكَرَه شيخُنا كالناظِمِ.


  #4  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 02:28 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي

أصَحُّ الكُتُبِ


أوَّلُ مَن صَنَّفَ في الصحيحِ = محمَّدٌ وخُصَّ بالترجيحِ
ومسْلِمٌ بعدُ، وبعضُ الغَرْبِ = معْ أبي علِيٍّ فضَّلُوا ذا لو نَفَعْ
ولم يَعُمَّاهُ ولكنْ قَلَّمَا = عندَ ابنِ الاخْرَم مِّنهُ قد فاتَهُما
وَرُدَّ لكنْ قالَ يَحيى الْبَرُّ = لم يَفُتِ الخمسةَ إلاَّ النَّزْرُ
وفيه ما فيه لقولِ الْجُعْفِي = أحْفَظُ منه عشْرَ ألْفِ ألْفِ
وعَلَّهُ أرادَ بالتَّكرارِ = لها وموقوفٍ وفي البُخارِي
أربعةُ الآلافِ والْمُكَرَّرُ = فوقَ ثلاثةٍ أُلوفاً ذَكَرُوا
ومُنَاسَبَتُه لِمَا قَبْلَه ظَاهِرَةٌ (أوَّلُ مَن صَنَّفَ في الصحيحِ) السابقِ تعريفُه كتاباً مُخْتَصًّا به، الإمامُ (محمَّدٌ) هو: ابنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ البخاريُّ، كما صَرَّحَ به أبو عليِّ بنُ السكَنِ، ومَسلَمَةُ بنُ قاسمٍ، وغيرُهما.
ومُوَطَّأُ مالكٍ -وإنْ كانَ سابقاً- فمُصَنِّفُه لم يَتقيَّدْ بما اجتمَعَ فيه الشروطُ السابقةُ لإدخالِه فيه الْمُرْسَلَ والمنقطِعَ ونحوَهما على سبيلِ الاحتجاجِ، بخِلافِ ما يَقعُ في البخاريِّ مِن ذلك.
وقولُ الشافعيِّ رَحِمَهُ اللهُ: (ما على ظهْرِ الأرْضِ كتابٌ في العلْمِ بعدَ كتابِ اللهِ أصَحَّ مِن كتابِ مالِكٍ)- كانَ قبلَ وُجودِه.
(و) لتَقَدُّمِ البخاريِّ في الفنِّ ومَزيدِ استقصائِه (خُصَّ) ما أسنَدَه في صحيحِه، دونَ التعاليقِ والتراجِمِ وأقوالِ الصحابةِ والتابعينَ (بالترجيحِ) على سائرِ الصِّحاحِ (ومسلِمٌ بعدُ) بضمِّ الدالِ، أيْ: بعدَ البخاريِّ وَضْعاً ورُتْبَةً، وحَذَفَ المضافَ إليه ونَوَى معناه للعلْمِ به.
هذا ما ذهَبَ إليه الجمهورُ مِن أهْلِ الإتقانِ والحِذْقِ والخوْضِ على الأسرارِ، (وبعضُ) أهْلِ (الغرْبِ) حسْبَمَا حَكاهُ القاضِي عِياضٌ عمَّن لم يُسَمِّهِ مِن شيوخِ أبي مَرْوانَ الطُّبْنِيِّ بضمِّ المهمَلَةِ، ثم موَحَّدَةٍ ساكنةٍ على المشهورِ، بعدَها نونٌ، مَدينةٌ بـ"الغرْبِ" مِن عمَلِ "إفريقيَّةَ"، مما وُجِدَ التصريحُ به عن أبي محمَّدِ بنِ حزْمٍ منهم (مع) الحافظِ (أبي عليٍّ) الحسينِ بنِ عليِّ بنِ يَزيدَ النَّيْسَابُورِيِّ أحَدِ شُيوخِ صاحبِ (المستدْرَكُ) أبي عبدِ اللهِ الحاكمِ فيما نَقَلَه عنه أبو عبدِ اللهِ بنُ مَنْدَهْ الحافظُ (فَضَّلُوا ذا) أيْ: (صحيحَ مسلِمٍ)، ولكن (لو نَفَعْ) هذا القولُ لقُبِلَ مِن قائلِه، لكنه لم يَنفعْ؛ لضَعْفِه ومُخَالَفَةِ الجمهورِ، بل وعَدَمِ صَراحةِ مَقالِهم في المرادِ.
أمَّا الْمَغارِبَةُ فإِنَّ ابنَ حزْمٍ عَلَّلَ ذلك، كما نَقَلَه أبو محمَّدٍ القاسمُ التُّجِيبِيُّ عنه، بأنه ليس فيه بعدَ الْخُطبةِ إلا الحديثُ السَّرْدُ، وهو غيرُ راجعٍ إلى الأَصَحِّيَّةِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ تَفضيلُ مَن لم يُسَمَّ أيضاً لذلك، وقَريبٌ مِنه قوْلُ مَسْلَمَةَ بنِ قاسمٍ: لم يَضَعْ أحَدٌ مِثلَه.
ولكونِ ابنِ الصلاحِ لم يَقِفْ على كلامِ ابنِ حَزْمٍ، تَرَدَّدَ في جِهةِ التفضيلِ، وقالَ ما معناه: إنْ كانَ المرادُ أنَّ كتابَ مسلِمٍ يَترَجَّحُ بأنه لم يُمازِجْهُ غيرُ الصحيحِ، يَعنِي بخِلافِ البخاريِّ، فإنه أَوْدَعَ تَراجِمَ أبوابِه كثيراً مِن مَوقوفاتِ الصحابةِ والتابعينَ وغيرِ ذلك، فهذا لا بأسَ له، لكنْ لا يَلْزَمُ منه الْمُدَّعَى، أو أنَّ الأَرْجَحِيَّةَ مِن حَيْثِيَّةِ الصحَّةِ فمردودٌ على قائلِه.
وأمَّا المنقولُ عن أبي عَلِيٍّ فلَفْظُه كما رُوِّينَاهُ مِن طريقِ ابنِ مَنْدَهْ المذكورِ عنه:(ما تَحْتَ أديمِ السماءِ كتابٌ أصَحَّ مِن كتابِ مسلِمٍ). وهو كما أشارَ إليه شيخُنا مُحْتَمِلٌ للمُدَّعَى، أو لِنَفْيِ الأَصَحِّيَّةِ خاصَّةً دونَ المساواةِ.
فقد قالَ ابنُ القَطَّاعِ في (شرْحُ دِيوانِ الْمُتَنَبِّي): ذهَبَ مَن لا يَعرِفُ معاني الكلامِ، إلى أنَّ مِثْلَ قولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِن أَبِي ذَرٍّ))، مُقتضاهُ أنْ يَكونَ أبو ذَرٍّ أَصْدَقَ العالَمِ أجْمَعَ.
قالَ: وليس المعنى كذلك، وإنما نَفَى أنْ يكونَ أحَدٌ أعْلَى رُتبةً في الصدْقِ منه، ولم يَنْفِ أنْ يكونَ في الناسِ مِثلُه في الصدْقِ، ولو أرادَ ما ذَهَبُوا إليه، لقالَ: أبو ذرٍّ أصْدَقُ مِن كلِّ مَن أَقَلَّتْ، والحاصِلُ أنَّ قولَ القائلِ: فلانٌ أعلَمُ أهلِ البلَدِ بفَنِّ كذا، ليس كقولِه: ما في البلَدِ أعْلَمُ مِن فلانٍ بفَنِّ كذا؛ لأنه في الأوَّلِ أَثْبَتَ له الأَعْلَمِيَّةَ، وفي الثاني نَفَى أنْ يكونَ في البلَدِ أحَدٌ أعْلَمَ منه، فيَجوزُ أنْ يكونَ فيها مَن يُساوِيهِ فيه.
قالَ: وإذا كان لفْظُ أبي عَلِيٍّ مُحْتَمِلاً لكُلٍّ مِن الأمرينِ، لم يَحْسُنْ أنْ يُنْسَبَ إليه الجزْمُ بالأَصَحِّيَّةِ، يَعْنِي كما فَعَلَ جماعةٌ مِنهم النوويُّ في (شرْحِ مسلِمٍ) وغيرُه؛ حيثُ قالَ: وقالَ أبو عَلِيٍّ: كتابُ مسلِمٍ أصَحُّ. وقد سَبَقَه كلٌّ مِن شَيْخَيْهِ: المؤلِّفِ، والعِزِّ ابنِ جماعةٍ إلى الإرشادِ لذلك.
بل لعدَمِ صَراحةِ مِثْلِ ذلك، قالَ الإمامُ أحمدُ: ما تَرْوِي عن أَثْبَتَ مِن هِشامٍ الدِّسْتِوَائِيِّ، أمَّا مِثْلُه فَعَسَى.
ويَتأيَّدُ كلُّ هذا بحكايةِ التَّساوِي، قولاً ثالثاً في المسألةِ، بل فيها رابعٌ، وهو الوقْفُ؛ إذا عُلِمَ هذا، فدليلُ الجمهورِ إجمالِيٌّ وتَفصيليٌّ.
أمَّا الإجمالِيُّ: فاتِّفَاقُهُم على أنَّ البخاريَّ كانَ أعْلَمَ بالفَنِّ مِن مسلِمٍ، وأنه تِلميذُه وخِرِّيجُه، حتى قالَ الدارقُطنيُّ: لولا البخاريُّ ما راحَ مسلِمٌ ولا جاءَ.
ولكن قد يقالُ: لا يَلْزَمُ مِن ذلك أَرْجَحِيَّةُ المصنِّفِ، كما أنه لا يَستلزِمُ الْمَرجوحيَّةَ، ويُجابُ بأنه الأصْلُ، ومِن ثَمَّ اتَّجَهُ تَعَلُّقُ الأوَّلِيَّةِ بالمقصودِ.
وقولُ النوويِّ: إنَّ كتابَ البخاريِّ أكْثَرُهما فوائدَ ومعارِفَ ظاهرةً وغامضةً.
وأمَّا التفصيليُّ: فالإسنادُ الصحيحُ مَدارُه على الاتِّصالِ وعدالةِ الرُّواةِ، وكتابُ البخاريِّ أعْدَلُ رُواةً وأشَدُّ اتِّصالاً. وبيانُه أنَّ الذينَ انْفَرَدَ البخاريُّ بالإخراجِ لهم دُونَ مسلِمٍ أربعُمائةٍ وخمسةٌ وثلاثونَ رَجُلاً، المتكلَّمُ فيه بالضعْفِ مِنهم نحوٌ مِن ثمانينَ.
والذين انْفَرَدَ مسلِمٌ بإخراجِ حديثِهم دونَ البخاريِّ سِتُّمائةٍ وعِشرونَ رَجُلاً، المتكلَّمُ فيه مِنهم مائةٌ وسِتونَ رجُلاً على الضعْفِ مِن كتابِ البخاريِّ، ولا شكَّ أنَّ التخريجَ عمَّن لم يُتَكَلَّمْ فيه أصْلاً أَوْلَى مِن التخريجِ عمن تُكُلِّمَ فيه، ولو كانَ ذلك غيرَ شديدٍ([1]).
وأيضاً فالذينَ انْفَرَدَ بهم البخاريُّ ممن تُكُلِّمَ فيه، لم يُكْثِرْ مِن تخريجِ أحاديثِهم بخِلافِ مسلِمٍ، والذين انْفَرَدَ بهم البخاريُّ ممن تَكَلَّمَ فيه أكثرُهم مِن شيوخِه الَّذِينَ لَقِيَهُمْ وخَبَرَهم وخَبَرَ حديثَهم بخِلافِ مسلِمٍ، فأكثَرُ مَن يَنفرِدُ به ممن تُكُلِّمَ فيه مِن الْمُتَقَدِّمِينَ.
ولا شَكَّ أنَّ المرءَ أعْرَفُ بحديثِ شيوخِه مِن حديثِ غيرِهم ممن تَقَدَّمَ، وأكثَرُ هؤلاءِ الذين تُكُلِّمَ فيهم مِن الْمُتَقَدِّمِينَ يُخَرِّجُ البخاريُّ أحاديثَهم غالباً في الاستشهاداتِ ونحوِها، بخِلافِ مسلِمٍ.
وأمَّا ما يَتعلَّقُ بالاتِّصالِ: فمسلِمٌ كان مَذْهَبُه -بل نَقَلَ فيه الإجماعَ في أوَّلِ صحيحِه- أنَّ الإسنادَ الْمُعَنْعَنَ له حكْمُ الاتِّصالِ، إذا تَعَاصَرَ الْمُعَنْعِنُ والْمُعَنْعَنُ عنه، وإنْ لم يَثْبُتِ اجتماعُهما، والبخاريُّ لا يَحْمِلُه على الاتِّصالِ، حتى يَثْبُتَ اجتماعُهما ولو مَرَّةً واحدةً.
ولذا قالَ النوويُّ: وهذا المذهَبُ يُرَجِّحُ كتابَ البخاريِّ، قالَ: وإنْ كُنَّا لا نَحْكُمُ على مُسلِمٍ بعَمَلِه في صحيحِه بهذا المذهَبِ، لكونِه يَجْمَعُ طُرُقاً كثيرةً يَتعذَّرُ معها وُجودُ هذا الحكْمِ الذي جَوَّزَه. انتهى. وذلك في الغالِبِ وما عداه فجَلالتُه تَنْبُو عن مشي ما لم يَتَّصِلْ عليه.
وما ذَكَرَه بعضُهم مِن الْمُرَجِّحَاتِ لكتابِ مسلِمٍ، سِوَى ما سَلَفَ عن ابنِ حزْمٍ -فهو مع كونِه، كما مَرَّ، غيرَ مستلْزِمٍ للأَصَحِّيَّةِ، معارَضٌ بوجودِ مِثْلِه، أو أحْسَنَ منه مِن نَمَطِه في البخاريِّ مما لا نُطيلُ بإيضاحِه هنا.
وقد قالَ الحافظُ الفقيهُ الإمامُ النَّظَّارُ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ: إنه أيْ: مسْلِماً رامَ ما رامَ البخاريُّ، إلاَّ أنه لم يُضَايِقْ نفْسَه مُضايَقَتَه.
وروى عن جماعةٍ لم يَتعرَّضِ البخاريُّ للروايةِ عنهم قالَ: وكلٌّ قصَدَ الخيرَ وما هو الصوابُ عندَه، غيرَ أنَّ أحَداً مِنهم لم يَبْلُغْ مِن التشديدِ مَبْلَغَ أبي عبدِ اللهِ، ولا تَسَبَّبَ إلى استنباطِه المعانِي واستخراجِ لطائفِ فِقْهِ الحديثِ، وتراجِمِ الأبوابِ الدالَّةِ على ما له وُصْلَةٌ بالحديثِ الْمَرْوِيِّ فيه تَسَبُّبَهُ، وللهِ الفضْلُ يَخْتَصُّ به مَن يشاءُ.
وبالجملةِ فكتاباهما أصَحُّ كتُبِ الحديثِ (و) لكنَّهما (لم يَعُمَّاهُ) أيْ: لم يَسْتَوْعِبَا كلَّ الصحيحِ في كتابَيْهِما، بل لو قيلَ: إنهما لم يَستوْعِبَا مَشْرُوطَهُما، لكانَ مُوَجَّهاً، وقد صَرَّحَ كُلٌّ مِنهما بعَدَمِ الاستيعابِ، فقالَ البخاريُّ فيما رُوِّينَاهُ مِن طريقِ إبراهيمَ بنِ مَعْقِلٍ عنه: ما أَدْخَلْتُ في كتابي (الجامعُ) إلا ما صَحَّ، وتَركتُ مِن الصِّحاحِ خَشيةَ أنْ يَطولَ الكتابُ.
وقالَ مسلِمٌ: إنما أَخْرَجْتُ هذا الكتابَ، وقُلْتُ: هو صِحاحٌ، ولم أَقُلْ. إنَّ ما لم أُخَرِّجْهُ مِن الحديثِ فيه ضَعيفٌ.
وحينئذٍ فإلزامُ الدارقُطْنِيِّ لهما في جُزْءٍ أَفْرَدَه بالتصنيفِ بأحاديثِ رجالٍ مِن الصحابةِ رُوِيَتُ عنهم مِن وُجوهٍ صحاحٍ، تَركاها مع كونِها على شَرْطِهما، وكذا قولُ ابنِ حِبَّانَ: يَنبغِي أنْ يُناقَشَ البخاريُّ ومسلِمٌ في تَرْكِهما إخراجَ أحاديثَ هي مِن شَرْطِهما- ليس بلازِمٍ.
ولذلك قالَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ: (ولم يَحْكُمَا، ولا واحدٌ منهما، أنه لم يَصِحَّ مِن الحديثِ غيرُ ما خَرَّجَه، قالَ: وقد نَبَغَ في عَصْرِنا هذا جماعةٌ مِن الْمُبْتَدِعَةِ، يَشْمَتونَ برُواةِ الآثارِ؛ بأنَّ جميعَ ما يَصِحُّ عندَكم مِن الحديثِ لا يَبلغُ عشرةَ آلافِ حديثٍ).
ونحوُه ما ذَكَرَه السلفيُّ في معجَمِ السفَرِ (أنَّ بعضَهم رأى في الْمَنامِ أبا داودَ صاحبَ السنَنِ في آخَرِينَ مُجْتَمِعِينَ، وأنَّ أحَدَهم قالَ: كلُّ حديثٍ لم يَرْوِهِ البخاريُّ، فاقْلِبْ عنه رأسَ دابَّتِكَ).
ومِن ثَمَّ صَرَّحَ بعضُ الْمَغَارِبَةِ بتَفضيلِ كتابِ النَّسائيِّ على صحيحِ البخاريِّ، وقالَ: إنَّ مَن شَرَطَ الصِّحَّةَ، فقد جَعَلَ لِمَن لم يَستكمِلْ في الإدراكِ سَبباً إلى الطعْنِ على ما لم يُدْخِلْ، وجَعَلَ للجِدالِ مَوْضِعاً فيما أَدْخَلَ. وهو قولٌ شاذٌّ لا يُعَوَّلُ عليه حُكْماً وتَعليلاً.
والحقُّ أنهما لم يَلْتَزِمَا حصْرَ الصحيحِ فيما أوْدَعَاهُ كتابَيْهِما (ولكنْ قَلَّ ما) أي: الذي (عندَ) الحافِظِ أبي عبدِ اللهِ محمَّدِ ابنِ يعقوبَ بنِ يوسفَ الشَّيْبَانِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ (ابنِ الأخرَمْ) شيخِ الحاكمِ، وهو بِمُعْجَمَةٍ ثم مهمَلَةٍ وميمٍ مُدْغَمَةٍ في ميمِ (منه) أيْ: مِن الصحيحِ (قد فاتَهُمَا، ورُدَّ) مِن ابنِ الصلاحِ بقولِه: ولقائِلٍ أنْ يقولَ:ليس ذلك بقليلٍ، فإنه يَصْفُو مِن (مستَدْرَكُ الحاكمِ) عليهما صحيحٌ كثيرٌ.
(لكنْ قالَ) الشيخُ مُحْيِي الدِّينِ أبو زكريَّا (يحيى) النووِيُّ (الْبَرُّ)- لِمَا اجْتَمَعَ فيه مِن الزهْدِ والورَعِ وأصنافِ الْبِرِّ ما فاقَ فيه؛ بحيثُ قالَ بعضُهم: إنه كانَ سَالِكاً مِنهاجَ الصحابةِ، لا يُعْلَمُ في عصْرِه مَن سَلَكَه غيرُه- في كتابِه (الإرشادُ) بعدَ قولِه: والصحيحُ قولُ غيرِ ابنِ الأخرَمِ: إنه فاتَهما كثيرٌ، ويَدُلُّ عليه الْمُشاهَدَةُ.
قلتُ: والصوابُ قولُ مَن قالَ (لم يَفُت) الكتُبَ (الخمسةَ) أصولَ الإسلامِ؛ وهي: الصحيحانِ والسننُ الثلاثةُ (إلاَّ النَّزْرُ) يَعْنِي القليلَ، وكأنه أرادَ بالقائلِ الحافظَ أبا أحمدَ بنَ الفَرَضِيِّ، فإنه وَصَفَ مُصَنَّفَ أبي عَلِيِّ بنِ السكَنِ مع اشتمالِه على ما عَدَا التِّرْمِذِيَّ منها بأنه لم يَبْقَ عليه إلاَّ القليلُ.
(وفيه) أيْ: وفي تصويبِ النوويِّ رَحِمَه اللهُ أيضاً (ما فيه) كِنايةٌ عن ضَعْفِه (لقولِ الْجُعْفِي) مَوْلاَهم، البخاريِّ، حَسْبَما حكاه ابنُ الصلاحِ كالمستَظْهِرِ بظاهِرِه للرَّدِّ على ابنِ الأخرَمِ (أحْفَظُ مِنهُ) أيْ: مِن الصحيحِ (عشْرَ ألْفِ ألْفِ) حديثٍ أيْ: مائةَ ألْفٍ، كما هي عِبارتُه، وبَقيَّةُ كلامِه: ومِائَتَيْ ألْفِ حديثٍ غيرِ صحيحٍ. والخمسةُ فَضْلاً عن الصحيحينِ دُونَ ذلك بكثيرٍ، وقد يُجابُ عنهما معاً بأنْ يُقالَ مما أشارَ إليه ابنُ الصلاحِ (عَلَّهُ) أيْ: عَلَّ البخاريَّ، وهي لُغةٌ في "لَعَلَّ" ومِنه:
لاَ تُهِينَ الفقيرَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ كَعَ يَوماً والدهْرُ قدْ رَفَعَهْ
(أرادَ) بُلوغَ العددِ المذكورِ (بالتَّكرارِ لها ومَوقوفٍ) يَعْنِي بعدَ الْمُكَرَّرِ والموقوفِ، وكذا آثارُ الصحابةِ والتابعينَ وغيرِهم وفَتَاوِيهِم مما كانَ السلَفُ يُطْلِقُونَ على كُلِّه حديثاً، وحينئذٍ يَسْهُلُ الْخِطابُ، فرُبَّ حديثٍ له مائةُ طَريقٍ فأكثرُ.
وهذا حديثُ: ((الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) نُقِلَ -مع ما فيه- عن الحافِظِ أبي إسماعيلَ الأنصاريِّ الْهَرَوِيِّ أنه كَتَبَه مِن حديثِ سَبْعِمائةٍ مِن أصحابِ رَاويهِ يحيى بنِ سعيدٍ الأَنصاريِّ.
وقالَ الإسماعيليُّ عَقِبَ قولِ البخاريِّ: وما تَركتُ مِن الصحيحِ أكثرُ، ما نَصُّهُ: (لو أَخْرَجَ كلَّ حديثٍ عندَه، لجمَعَ في البابِ الواحدِ حديثَ جماعةٍ مِن الصحابةِ، ولذَكَرَ طُرُقَ كلِّ واحدٍ منهم إذا صَحَّتْ).
وقال الْجَوْزَقِيُّ: (إنه استخرَجَ على أحاديثِ الصحيحينِ، فكانتْ عِدَّتُه خَمسةً وعِشرينَ ألْفَ طَريقٍ وأربعَمائةٍ وثمانينَ طَريقاً).
قال شَيْخُنا: (وإذا كان الشيخانِ مع ضِيقِ شَرْطِهما، بَلَغَ جُملةُ ما في كِتَابَيْهِما بالمكرَّرِ ذلك، فما لم يُخَرِّجَاهُ مِن الطُّرُقِ للمُتونِ التي أخْرَجَاها لعَلَّه يَبْلُغُ ذلك أيضاً أو يزيدُ، وما لم يُخَرِّجَاهُ مِن الْمُتونِ مِن الصحيحِ الذي على شَرْطِهما لعَلَّه يَبْلُغُ ذلك أيضاً أو يَقْرُبُ منه، فإذا انْضافَ ذلك إلى ما جاءَ عن الصحابةِ والتابعينَ، بَلَغَ العِدَّةَ التي يَحْفَظُها البخاريُّ، بل ربما زادَتْ).
وهذا الْحَمْل مُتَعَيِّنٌ، وإلا فلو عُدَّتْ أحاديثُ الْمَسانِيدِ، والجوامِعِ، والسنَنِ، والمعاجِمِ والفوائدِ، والأجزاءِ، وغيرِها مما هو بِأَيْدِينَا صَحِيحِها وغيرِه - ما بَلَغَتْ ذلك بدونِ تَكرارٍ- بل ولا نِصْفَه. انتهى.
وبِمُقْتَضَى ما تَقَرَّرَ، ظهَرَ أنَّ كلامَ البخاريِّ لا يُنافِي مَقالةَ ابنِ الأخرَمِ، فَضْلاً عن النوويِّ، وإنْ كانَ ابنُ الصلاحِ استَنْتَجَ مِن ظاهرِه مع قولِه: (وفي صحيحِ (البخاريِّ) مِن الأحاديثِ بدونِ تكريرٍ (أربعةُ الآلافِ) بزيادةِ "ألْ" للضرورةِ، (والمكرَّرُ) منها (فوقَ ثلاثةٍ أُلُوفاً) بالنصْبِ على التمييزِ، أيْ: ثلاثةُ آلافٍ ومِائتانِ وخَمسةٌ وسَبعونَ حَديثاً، كما (ذَكَرُوا) أيْ: أبو محمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ رَاوِي الصحيحِ ومَن تَبِعَه، أنَّ الذي لم يُخَرِّجْه البخاريُّ مِن الصحيحِ أَكثرُ مما خَرَّجَهُ).
على أنه قد أُجيبَ أيضاً بغيرِ هذا، فحَمَلَ بعضُهم كلامَ ابنِ الأخرَمِ فيما فاتَهما على الصحيحِ الْمُجْمَعِ عليه، وحينئذٍ فلا يُتَعَقَّبُ بالمستدْرَكِ، فقد قالَ بعضُ الْحُفَّاظِ: إنه لم يَرَ فيه على شَرْطِهما إلا ثلاثةَ أحاديثَ، بل لم يَسْتَثْنِ غيرُه شيئاً.
قالَ شيخُنا: والظاهِرُ أنه إنما أرادَ مما عَرَفَاهُ واطَّلَعَا عليه، مما يَبْلُغُ شَرْطَهما لا بقَيْدِ كِتَابَيْهِما، كما فَهِمَه ابنُ الصلاحِ. انتهى.
ويَتَأَيَّدُ بعدَمِ مُوافَقَةِ التاجِ التِّبْرِيزِيِّ على التقييدِ بكتابَيْهِما، كما أوْضَحْتُ كلَّ هذا في (النُّكَتِ) مع فوائدَ لا يَسَعُها هذا المختَصَرُ، منها أنَّ المعتمَدَ في العدَّةِ سبعةُ آلافٍ وثلاثُمائةٍ وسبعةٌ وتِسعونَ حَديثاً بزيادةِ مائةٍ واثنينِ وعشرينَ، كلُّ ذلك سِوَى الْمُعَلَّقَاتِ والمتابَعاتِ والْمَوقوفاتِ على الصحابةِ، والمقطوعاتِ عن التابعينَ فمَن بَعْدَهم.
والخالِصُ مِن ذلك بلا تَكريرٍ ألْفَا حديثٍ وسِتُّمائةٍ وحديثانِ، وإذا ضُمَّ له المتونُ الْمُعَلَّقَةُ المرفوعةُ التي لم يُوصِلْهَا في مَوْضِعٍ آخَرَ منه؛ وهي مائةٌ وتسعةٌ وخَمسونَ، صارَ مجموعُ الخالِصِ أَلْفَيْ حديثٍ، وسبعَمِائةٍ وأَحَدًا وستينَ حديثاً.





[1] لعلها سديد


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أصح, كتب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir