قولُه تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ}. أيْ: عَتَى أهْلُها عن أمْرِ رَبِّهَا، والعُتُوُّ هو الْمُبَالَغَةُ في العِصْيانِ.
وعن ابنِ عَبَّاسٍ: أنَّ اللَّهَ تعالى لم يُنْزِلْ قَطْرَةً مِن السماءِ إلاَّ بِوَزْنٍ مَعلومٍ, إلاَّ في زَمانِ نُوحٍ، ولا يُرْسِلُ رِيحاً إلاَّ بكَيْلٍ مَعلومٍ, إلاَّ في زَمانِ عادٍ؛ فإِنَّها عَتَتْ على خُزَّانِها.
وقولُه: {فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً}. الحسابُ الشديدُ هو الذي لَيْسَ فيه عَفْوٌ ولا تَجاوُزٌ.
وقولُه: {وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً}. أيْ: يُنْكَرُ، والمُنكَرُ: الفَظِيعُ.
قولُه تعالى: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا}. أيْ: عاقِبَةَ أمْرِها مِن المَكْروهِ، يقالُ: طعامٌ وَبيلٌ؛ أيْ: مَكْروهٌ، وهو ضِدُّ الْهَنِيءِ مِن الطعامِ، ويُقالُ: الوَبِيلُ مِن الطَّعامِ: هو الذي تُؤَدِّي عاقبتُه إلى الْهَلاكِ.
وقولُه: {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً}. أيْ: هَلاكاً، وقيلَ: نُقصاناً.
وقولُه تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} وهو النارُ.
وقولُه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ}. أيْ: أُولِي العُقولِ,{الَّذِينَ آمَنُوا} وهذا يَدُلُّ على أنَّ العقْلَ إنَّما يَنْفَعُ معَ الإيمانِ، أمَّا بدُونِ الإيمانِ لا يَنفَعُ.
وقولُه: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً}. فيه وُجوهٌ:
أحَدُها: أَنْزَلَ إليكُمْ ذِكْراً؛ أيْ: دَليلاً, وأنزَلَ رَسولاً, ويُقالُ: الذِّكْرُ: القرآنُ.
وقولُه: {رَسُولاً} مَنصوبٌ على البَدَلِ.
وقيلَ: {رَسولاً}. أيْ: رِسالةً, فمعناه: أنْزَلَ قُرآناً رِسالةً.
وقولُه: {يَتْلُو}. يُقالُ: هو مُحمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ, ويُقالُ: هو جِبريلُ عليهِ السلامُ.
وقولُه: {عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ}. أيْ: وَاضحاتٍ.
وقولُه: {لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}؛ أيْ: مِن الكُفْرِ إلى الإيمانِ، ومِن الباطِلِ إلى الحقِّ، وما أَشْبَهَ ذلك.
وقولُه: {وَمَن يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} أي: الجنَّةَ.
قولُه تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}. ليسَ في القرآنِ آيةٌ تَدُلُّ على عَدَدِ الأَرَضِينَ بسبْعٍ مِثلِ عددِ السماواتِ سِوَى هذه الآيةِ.
وقدْ ثَبَتَ أيضاً عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قالَ: ((مَنْ غَصَبَ شِبْراً مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)).
وعن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قالَ: سَبْعَ سماواتٍ بعضُها فوقَ بعضٍ، وسبْعَ أرَضِينَ بعضُها تحتَ بعضٍ، وبَيْنَ كلِّ سماءٍ وسماءٍ مَسيرةُ خَمْسِمائةِ سنةٍ، وكذلكَ بَيْنَ كلِّ أرْضٍ وأرْضٍ.
وعنه أنَّه قالَ: خَلَقَ السماءَ الدنيا مِن مَوْجٍ مَكْفوفٍ، والسماءَ الثانيةَ مِن صَخْرَةٍ، والسماءَ الثالثةَ مِن حديدٍ، والرابعةَ مِن النُّحَاسِ، والخامسةَ مِن الفِضَّةِ, والسادسةَ مِن ذَهَبٍ، والسابعةَ مِن دُرَّةٍ، وخَلَقَ الكُرْسِيَّ فوقَ السماواتِ السَّبْعِ، والسماواتُ والأرضُ في جَنْبِ الكُرْسِيِّ كحَلْقَةٍ في فَلاَةٍ، ويَحْمِلُ الكُرْسِيَّ أربعةُ أملاكٍ, لكُلِّ مَلَكٍ أربعةُ أوْجُهٍ: وَجْهٌ على صورةِ الآدَمِيِّينَ يَسْأَلُ الرِّزْقَ للبشَرِ، ووجهٌ على صورةِ سَيِّدِ السِّبَاعِ - وهو الأسَدُ - يَسْأَلُ الرزْقَ للسِّباعِ، ووجْهٌ على صُورةِ سَيِّدِ الطيْرِ - وهو النَّسْرُ - يَسْأَلُ الرزْقَ للطُّيورِ، ووجهٌ على صُورةِ سَيِّدِ الأنعامِ - وهو الثَّوْرُ - يَسْأَلُ الرِّزْقَ للأنعامِ.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ما زَالَتْ على وَجْهِهِ الذي هو عَلَى صُورةِ الثَّوْرِ عِمامةٌ منذُ عُبِدَ العِجْلُ مِن دونِ اللَّهِ، فمَلَكانِ يَقولانِ: اللَّهمَّ لكَ الحمْدُ على حِلْمِكَ بعدَ عِلْمِكَ، ومَلَكانِ يَقولانِ: اللَّهمَّ لكَ الحمْدُ على عَفْوِكَ بعدَ قُدْرَتِكَ.
وعنه رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّه قالَ: في كلِّ أرْضٍ آدَمُ كآدَمَ أبي البَشَرِ، ونُوحٌ مِثلُ نُوحٍ, وإبراهيمُ كإبراهيمَ, ومُوسَى كمُوسَى، وعِيسَى كعِيسَى، ومحمَّدٌ كمحمَّدٍ، ذَكَرَ هذه الآثارَ عن ابنِ عبَّاسٍ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ الحَسَنِ النَّقَّاشُ في تفسيرِه.
وعن قَتادةَ قالَ: في كُلِّ سَماءٍ وفي كُلِّ أرْضٍ خَلْقٌ مِن خَلْقِه، وأمْرٌ مِن أمْرِه، وقَضاءٌ مِن قَضائِه.
وقولُه تعالى: {يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ}. أيْ: بينَ السماواتِ والأَرَضِينَ, وهو معنَى ما بَيَّنَّا.
وقولُه: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ أيْ: قادرٌ.
وقولُه: {وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}. ظاهِرُ المعنَى، وهو مَنصوبٌ على التفسيرِ. واللَّهُ أعلَمُ.