دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 05:02 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الطلاق (الآيات: 1-5)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 12:57 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسيرُ سورةِ الطلاقِ
وهي مَدَنِيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً *}.

(1) يقولُ تعالى مُخاطِباً لنَبِيِّه محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وللمُؤمنِينَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}؛ أيْ: إذا أَرَدْتُم طَلاقَهُنَّ {فـ} الْتَمِسُوا لطَلاقِهِنَّ الأمْرَ المَشروعَ، ولا تُبَادِرُوا بالطلاقِ مِن حينِ يُوجَدُ سببُه مِن غيرِ مُراعاةٍ لأمْرِ اللَّهِ، بل {طَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}؛ أيْ: لأجْلِ عِدَّتِهِنَّ، بأنْ يُطَلِّقَها زَوْجُها وهي طاهرٌ في طُهْرٍ لم يُجامِعْها فيه.
فهذا الطلاقُ هو الذي تكونُ العِدَّةُ فيه واضحةً بَيِّنَةً، بخِلافِ ما لو طَلَّقَها وهي حائضٌ؛ فإِنَّها لا تُحْتَسَبُ تلك الْحَيْضَةُ التي وَقَعَ فيها الطلاقُ، وتَطُولُ عليها العِدَّةُ بسببِ ذلك.
وكذلك لو طَلَّقَها في طُهْرٍ وَطِئَ فيه؛ فإنَّه لا يُؤْمَنُ حَمْلُها، فلا يَتَبيَّنُ ولا يَتَّضِحُ بأيِّ عِدَّةٍ تَعْتَدُّ.
وأمَرَ تعالى بإحصاءِ العِدَّةِ؛ أيْ: ضَبْطِها بالحِيَضِ إنْ كانَتْ تَحِيضُ، أو بالأَشْهُرِ إنْ لم تَكُنْ تَحِيضُ وليسَتْ حامِلاً؛ فإنَّ في إحصائِها أداءً لِحَقِّ اللَّهِ، وحقِّ الزوجِ المُطلِّقِ، وحَقِّ مَن سيَتزَوَّجُها بعدُ، وحَقِّها في النَّفَقَةِ ونَحْوِها.
فإذا ضَبَطَتْ عِدَّتَها، عَلِمَتْ حالَها على بصيرةٍ، وعُلِمَ ما يَترتَّبُ عليها مِن الحُقوقِ وما لها منها.
وهذا الأمرُ بإحصاءِ العِدَّةَ يَتَوَجَّهُ للزوْجِ وللمرأةِ إنْ كانَتْ مُكلَّفَةً، وإلاَّ فلِوَلِيِّها.

(2) وقولُه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}؛ أيْ: في جميعِ أُمُورِكم، وخافُوهُ في حقِّ الزَّوْجاتِ الْمُطَلَّقَاتِ.
فـ {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} مُدَّةَ العِدَّةِ، بل تَلْزَمُ بيتَها الذي طَلَّقَها زوجُها وهي فيه.
{وَلاَ يَخْرُجْنَ}؛ أيْ: لا يَجُوزُ لَهُنَّ الخروجُ منها.
أمَّا النهْيُ عن إخراجِها؛ فلأنَّ الْمَسْكَنَ يَجِبُ على الزوْجِ للزوجةِ لِتَسْتَكْمِلَ فيه عِدَّتَها التي هي حقٌّ مِن حُقوقِه، وأمَّا النهْيُ عن خروجِها؛ فلِمَا في خُرُوجِها مِن إضاعةِ حَقِّ الزوْجِ وعَدَمِ صَوْنِه.
ويَستمِرُّ هذا النهْيُ عن الخروجِ مِن البيوتِ والإخراجِ إلى تَمامِ العِدَّةِ, {إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}؛ أيْ: بأمْرٍ قَبيحٍ واضحٍ موجِبٍ لإخراجِها؛ بحيثُ يَدخُلُ على أهلِ البيتِ الضَّرَرُ مِن عدَمِ إخراجِها؛ كالأَذَى بالأقوالِ والأفعالِ الفاحشةِ؛ ففي هذه الحالِ يَجوزُ لهم إخراجُها؛ لأنَّها هي التي تَسبَّبَتْ لإخراجِ نفْسِها، والإسكانُ فيه جَبْرٌ لِخَاطِرِها ورِفْقٌ بها، فهي التي أَدخَلَتِ الضَّرَرَ عليها.
وهذا في الْمُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، وأمَّا البائِنُ فليسَ لها سُكْنَى وَاجبةٌ؛ لأنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ للنَّفَقةِ، والنَّفَقةُ تَجِبُ للرَّجْعِيَّةِ دُونَ البائِنِ.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}؛ أي: التي حَدَّهَا لعِبادِه وشَرَعَها لهم، وأمَرَهم بلزُومِها والوقوفِ معَها.
{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} بأنْ لم يَقِفْ معَها، بل تَجَاوَزَها أو قَصَّرَ عنها {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}؛ أيْ: بَخَسَها حَقَّها، وأضاعَ نَصيبَه مِن اتِّباعِ حُدودِ اللَّهِ التي هي الصلاحُ في الدنيا والآخِرةِ.
{لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً}؛ أيْ: شَرَعَ اللَّهُ العِدَّةَ، وحَدَّدَ الطلاقَ بها لِحِكَمٍ عَظيمةٍ:
فمِنها: أنَّه لعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ في قَلْبِ الْمُطَلِّقِ الرحمةَ والموَدَّةَ، فيُراجِعُ مَن طَلَّقَها، ويَستأنِفُ عِشْرَتَها، فيَتمكَّنُ مِن ذلك مُدَّةَ العِدَّةِ.
أو لعلَّهُ يُطَلِّقُها لسبَبٍ منها فيَزولُ ذلك السببُ في مُدَّةِ العِدَّةِ، فيُرَاجِعُها؛ لانتفاءِ سببِ الطلاقِ.
ومِن الْحِكَمِ أنَّها مُدَّةُ التربُّصِ, يُعْلَمُ بَراءَةُ رَحِمِها مِن زَوْجِها.

(3) وقولُه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}؛ أيْ: إذا قَارَبْنَ انقضاءَ العِدَّةِ؛ لأنَّهُنَّ لو خَرَجْنَ مِن العِدَّةِ لم يَكُنِ الزوجُ مُخَيَّراً بينَ الإمساكِ والفِراقِ، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}؛ أيْ: على وَجْهِ المعاشَرَةِ الحسنَةِ والصُّحْبَةِ الْجَميلةِ، لا على وَجهِ الضِّرارِ وإرادةِ الشرِّ والحَبْسِ؛ فإنَّ إمساكَها على هذا الوجهِ لا يَجوزُ.
{أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}؛ أيْ: فِراقاً لا مَحذورَ فيه، مِن غيرِ تَشاتُمٍ ولا تَخاصُمٍ ولا قَهْرٍ لها على أخْذِ شيءٍ مِن مالِها.
{وَأَشْهِدُوا} على طَلاقِها ورَجْعَتِها، {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}؛ أيْ: رَجُليْنِ مُسلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ؛ لأنَّ في الإشهادِ المَذكورِ سَدًّا لبابِ المُخاصَمَةِ وكِتمانِ كلٍّ مِنهما ما يَلْزَمُ بَيانُه.
{وَأَقِيمُوا} أيُّها الشُّهداءُ, {الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}؛ أي: ائْتُوا بها على وَجْهِها مِن غيرِ زِيادةٍ ولا نقْصٍ، واقْصِدُوا بإقامتِها وَجْهَ اللَّهِ تعالى، ولا تُرَاعُوا بها قَريباً لقَرابتِه، ولا صاحباً لِمَحَبَّتِه.
{ذَلِكُمْ} الذي ذَكَرْنا لكم مِن الأحكامِ والحُدودِ، {يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}؛ فإنَّ الإيمانَ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ يُوجِبُ لصاحبِه أنْ يَتَّعِظَ بِمَواعِظِ اللَّهِ، وأنْ يُقَدِّمَ لآخرتِه مِن الأعمالِ الصالحةِ ما يَتمكَّنُ منها؛ بخِلافِ مَن تَرَحَّلَ الإيمانُ مِن قلبِه، فإنَّه لا يُبالِي بما أَقْدَمَ عليه مِن الشرِّ، ولا يُعَظِّمُ مَواعِظَ اللَّهِ؛ لعدَمِ الْمُوجِبِ لذلك.
وَلَمَّا كانَ الطلاقُ قدْ يُوقِعُ في الضِّيقِ والكَرْبِ والغَمِّ؛ أمَرَ تعالى بتَقواهُ، ووَعَدَ مَن اتَّقاهُ في الطلاقِ وغيرِه بأنْ يَجعَلَ له فَرَجاً ومَخرَجاً.
فإذا أَرادَ العبدُ الطلاقَ، ففَعَلَه على الوجهِ الشرعيِّ، بأنْ أوْقَعَه طَلقةً واحدةً في غيرِ حَيْضٍ ولا طُهْرٍ أصابَها فيه، فإنه لا يُضَيَّقُ عليه الأمرُ، بل جَعَلَ اللَّهُ له فَرَجاً وسَعَةً يَتمكَّنُ بها مِن الرُّجوعِ إلى النكاحِ إذا نَدِمَ على الطلاقِ.
والآيةُ وإنْ كانَتْ في سِياقِ الطلاقِ والرَّجْعَةِ؛ فإنَّ العِبْرةَ بعُمومِ اللفْظِ، فكلُّ مَن اتَّقَى اللَّهَ تعالى ولازَمَ مَرضاتَهُ في جميعِ أحوالِه، فإنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ في الدنيا والآخِرةِ.
ومِن جُملةِ ثَوابِه أنْ يَجْعَلَ له فَرَجاً ومَخْرَجاً مِن كلِّ شِدَّةٍ ومَشقَّةٍ، وكما أنَّ مَن اتَّقَى اللَّهَ جَعَلَ له فَرَجاً ومَخْرَجاً.
فمَن لم يَتَّقِ اللَّهَ يقَعْ في الآصارِ والأغلالِ، التي لا يَقْدِرُ على التخلُّصِ منها والخروجِ مِن تَبِعَتِها، واعتُبِرَ ذلك في الطلاقِ، فإنَّ العبدَ إذا لم يَتَّقِ اللَّهَ فيه، بل أوْقَعَه على الوَجْهِ المُحَرَّمِ، كالثلاثِ ونحوِها، فإنَّه لا بُدَّ أنْ يَندَمَ نَدامةً لا يَتمكَّنُ مِن استدراكِها والخروجِ منها.

(4) وقولُه: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}؛ أيْ: يَسُوقُ اللَّهُ الرِّزْقَ للمُتَّقِي مِن وَجْهٍ لا يَحتَسِبُه ولا يَشعُرُ به.
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في أمْرِ دِينِه ودُنياهُ؛ بأنْ يَعْتَمِدَ على اللَّهِ في جَلْبِ ما يَنْفَعُه ودَفْعِ ما يَضُرُّه، ويَثِقَ به في تَسهيلِ ذلك {فَهُوَ حَسْبُهُ}؛ أيْ: كافِيهِ الأمرَ الذي تَوَكَّلَ عليه فيه.
وإذا كانَ الأمْرُ في كَفالةِ الغَنِيِّ القوِيِّ العزيزِ الرحيمِ، فهو أقْرَبُ إلى العبدِ مِن كلِّ شيءٍ، ولكنْ ربَّما أنَّ الحِكْمةَ الإلهيَّةَ اقتَضَتْ تَأخيرَه إلى الوقتِ المناسِبِ له؛ فلهذا قالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}؛ أيْ: لا بُدَّ مِن نُفوذِ قَضائِه وقَدَرِه، ولكنَّه قدْ جَعَلَ {لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}؛ أيْ: وَقْتاً ومِقْدَاراً لا يَتَعَدَّاهُ ولا يَقْصُرُ عنه.
{وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً *}.

(5) لَمَّا ذَكَرَ تعالى أنَّ الطلاقَ المأمورَ به يَكُونُ لعِدَّةِ النساءِ، ذَكَرَ العِدَّةَ، فقالَ: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}: بأنْ كُنَّ يَحِضْنَ ثم ارْتفَعَ حَيْضُهُنَّ لكِبَرٍ أو غيرِه ولم يُرْجَ رُجوعُه؛ فإنَّ عِدَّتَها ثلاثةُ أشْهُرٍ، جعَلَ كلَّ شَهْرٍ مقابَلَةَ حَيْضَةٍ.
{وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ}؛ أي: الصِّغارُ اللائِي لم يَأتِهِنَّ الحَيْضُ بعدُ، أو البالغاتُ اللاتِي لم يَأتِهِنَّ حيْضٌ بالكُلِّيَّةِ، فإنَّهنَّ كالآيِساتِ، عدَّتُهُنَّ ثَلاثةُ أشْهُرٍ.
وأمَّا اللائِي يَحِضْنَ، فذكَرَ اللَّهُ عِدَّتَهُنَّ في قولِه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}.
وقولُه: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ}؛ أيْ: عِدَّتُهُنَّ, {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ أيْ: جميعَ ما في بُطُونِهِنَّ مِن واحدٍ ومُتَعَدِّدٍ، ولا عِبرةَ حينَئذٍ بالأشْهُرِ ولا غيرِها.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}؛ أي: مَنِ اتَّقَى اللَّهَ يَسَّرَ له الأمورَ، وسَهَّلَ عليه كُلَّ عَسيرٍ
{ذَلِكَ}؛ أي: الحُكْمُ الذي بَيَّنَه اللَّهُ لكُمْ {أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ}؛ لتَمْشُوا عليهِ وتَأْتَمُّوا به وتُعَظِّمُوهُ.
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}؛ أيْ: يَندفِعْ عنه المحذورُ ويَحْصُلْ له المطلوبُ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 03:02 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

سورةُ الطلاقِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا * أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا * وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}.

1-{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} نادَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أوَّلاً تَشريفاً له، ثم خاطَبَه مع أُمَّتِه.
والمعنى: إِذَا أَرَدْتُمْ تَطلِيقَهُنَّ وعَزَمْتُم عليه.
{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أيْ: مُستَقْبِلاتٍ لعِدَّتِهِنَّ، أو في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ، والمرادُ أنْ يُطَلِّقُوهُنَّ في طُهْرٍ لم يَقَعْ فيه جِماعٌ، ثم يُتْرَكْنَ حتى تَنقضِيَ عِدَّتُهُنَّ، فإذا طَلَّقُوهن هكذا فقَدْ طَلَّقُوهن لعِدَّتِهِنَّ.
أخْرَجَ البخاريُّ ومسلِمٌ وغيرُهما عن ابنِ عمرَ: أنه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائضٌ، فذَكَرَ ذلك عمرُ لرسولِ اللهِ فتَغَيَّظَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثم قالَ: ((لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَن يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِراً قَبْلَ أَن يَمَسَّهَا، فتِلكَ العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ أنْ يُطَلَّقَ لها النساءُ)). {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} أي: احْفَظُوهَا واحفَظُوا الوقتَ الذي وقَعَ فيه الطلاقُ حتى تَتِمَّ العِدَّةُ، وهي ثلاثةُ قُروءٍ، والْخِطابُ للأزواجِ.
{وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ} فلا تَعْصُوهُ فيما أمَرَكم ولا تُضَارُّوهُنَّ؛ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} أي: التي كُنَّ فيها عندَ الطلاقِ ما دُمْنَ في العِدَّةِ, وأضافَ البيوتَ إليهنَّ لبيانِ كمالِ استحقاقِهِنَّ للسُّكْنَى في مُدَّةِ العِدَّةِ، ونَهَى الزوجاتِ عن الخروجِ أيضاً فقالَ: {وَلاَ يَخْرُجْنَ} أيْ: لا يَخْرُجْنَ مِن تلك البيوتِ ما دُمْنَ في العِدَّةِ، أيْ: إلاَّ لأمْرٍ ضَروريٍّ لا غِنَى عنه.
{إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} أيْ: لا تُخْرِجوهنَّ مِن بُيوتِهِنَّإلاَّ إذا فَعَلْنَ فاحشةَ الزِّنَى.
وقيلَ: هي البَذاءةُ في اللسانِ، والاستطالةُ بها على مَن هو ساكنٌ معها في ذلك البيتِ.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ} والمعنى: أنَّ هذه الأحكامَ التي بَيَّنَها لعِبادِه هي حُدودُه التي حَدَّها لهم، لا يَحِلُّ لهم أنْ يَتجاوَزُوها إلى غيرِها.
{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} بإيرادِها مَوْرِدَ الهلاكِ.
{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} أيْ: لعَلَّها إذا بَقِيَتْ في بَيْتِها أنْ يُؤَلِّفَ اللهُ بينَ قُلوبِهما فيَتَرَاجَعا.

2-{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أيْ: قارَبْنَ انقضاءَ أجَلِ العِدَّةِ وشَارَفْنَ آخِرَها.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أيْ: رَاجِعُوهُنَّ بحُسْنِ مُعاشَرَةٍ ورَغبةٍ فيهن مِن غيرِ قصْدٍ إلى مُضَارَّةٍ لَهُنَّ.
{أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي: اتْرُكُوهُنَّ حتى تَنقضِيَ عدَّتُهُنَّ، فيَمْلِكْنَ نفُوسَهُنَّ مع إيفائِهِنَّ ما هو لَهُنَّ عليكم مِن الحقوقِ، وتَرْكِ الْمُضَارَّةِ لَهُنَّ, أيْ: فليس لكم عندَ نِهايةِ العِدَّةِ إلا الإمساكُ بمعروفٍ أو التسريحُ بمعروفٍ، أمَّا الإمساكُ للمُضَارَّةِ، أو التسريحُ مع الأَذَى ومنْعِ الحقِّ، فإنَّ ذلك لا يَحِلُّ لكم.
{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} على الرَّجْعَةِ إنْ رَاجَعْتُم، أو المفارَقَةِ إنْ فارَقْتُم؛ قَطْعاً للتنازُعِ، وحَسْماً لمادَّةِ الْخُصومةِ.
{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} هذا أمْرٌ للشهودِ بأنْ يَأتوا بما شَهِدُوا به تَقَرُّباً إلى اللهِ على الوجهِ الحقِّ.
{ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: خصَّ المؤمنَ لأنه المنتَفِعُ بذلك دونَ غيرِه.
{وَمَن يَتَّقِ اللهَ} أيْ: مَن يَتَّقِ اللهَ بالوقوفِ عندَ حُدودِه التي حَدَّها لعِبادِه.
{يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} مما وَقَعَ فيه.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 03:04 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي (تابع) زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


3-{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أيْ: مِن وجهٍ لا يَخْطِرُ ببالِه، ولا يكونُ في حِسابِه، فَمَن طَلَّقَ ثم أشْهَدَ عندَ المفارَقَةِ على انقضاءِ العِدَّةِ، أو عندَ الْمُراجَعَةِ، يَجعَلِ اللهُ له مَخْرَجاً ومَخْلَصاً وإنما الضِّيقُ على مَن خالَفَ أحكامَ اللهِ في الطلاقِ والرَّجعةِ.
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أيْ: وَمَن وَثِقَ باللهِ فيما نابَه كَفاهُ ما أَهَمَّهُ.
{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أيْ: لا يَفوتُه شيءٌ ولا يُعْجِزُه مطلوبٌ.
{ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} جَعَلَ سُبحانَه للشِّدَّةِ أجَلاً تَنتهِي إليه، وللرخاءِ أجَلاً يَنتهِي إليه، وقالَ السُّدِّيُّ: هو قَدَّرَ الحيْضَ والعِدَّةَ.

4-{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ} وهُنَّ الكِبارُ اللاتي قد انقَطَعَ حَيْضُهُنَّ وأَيِسْنَ منه.
{إِنِ ارْتَبْتُمْ} أيْ: شَكَكْتُم وجَهِلْتُم كيف عِدَّتُهُنَّ.
{فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} لصِغَرِهِنَّ، وعدَمِ بلُوغِهِنَّ سِنَّ الْمَحيضِ، أيْ: فعِدَّتُهُنَّ ثلاثةُ أشْهُرٍ.
{وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} أيْ: إنَّ انتهاءَ عِدَّتِهِنَّ يَتِمُّ بوضْعِ الحمْلِ.
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} قالَ الضحَّاكُ: مَن يَتَّقِ اللهَ فيُطَلِّقْ للسنَّةِ، يَجعَلْ له مِن أمْرِه يُسراً في الرَّجعةِ.

5-{وَيُعْظِمْ لَهُأَجْراً} أيْ: يُعْطِه مِن الأجْرِ في الآخِرَةِ أَجْراً عَظيماً وهو الجنَّةُ.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:57 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً * وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً * أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً, فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً}.

تفسيرُ سورةِ الطَّلاقِ
وهي مَدنيَّةٌ في قَوْلِ الجميعِ

قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}. فإنْ قِيلَ: كيفَ خاطَبَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَحْدَه في الابتداءِ ثم قالَ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}؟
والجوابُ مِن أَوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ خِطابَ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ خطابٌ لأُمَّتِه، مِثلُ خِطابِ الرئيسِ يَكونُ خِطاباً للأَتْبَاعِ, وكأنَّه قالَ: يا أيُّها النبيُّ والمؤمنونَ إذا طَلَّقْتُمُ النساءَ.
والجوابُ الثاني: أنَّ قَوْلَه: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} على تَحويلِ الْخِطابِ إلى الغيرِ، مِثلُ قولِه تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا...}.
والجوابُ الثالثُ: أنَّ فيه تقديرَ محذوفٍ، وتَقديرُه: يا أيُّها النبيُّ قُلْ للمُؤْمنِينَ، إذا طَلَّقْتُمُ النساءَ.
ورَوَى قَتادةُ, عن أنَسٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ؛ فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ، وقالَ له جِبْرِيلُ: يَقولُ لكَ رَبُّكَ: راجِعْها؛ فإِنَّها صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وهي مِن أزواجِكَ في الْجَنَّةِ.

وقولُه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} معناهُ: لِزَمَنِ عِدَّتِهِنَّ, وهو الطُّهْرُ، وفيه دَليلٌ على أنَّ الأقراءَ التي تَنْقَضِي بها العِدَّةُ هي الأَطهارُ، وهذا قولُ أهْلِ الْحِجازِ.
وأمَّا مَن قالَ: إنَّ الأقراءَ هي الْحِيَضُ قالَ: معنَى قولِه: {لِعِدَّتِهِنَّ}؛ أيْ: لِيَعْتَدِدْنَ, مثلُ

قولِه تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}. أيْ: لِيَحْزَنُوا. ذكَرَهَ النَّحَّاسُ.
وقَرَأَ في الشاذِّ: (فطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ), وقيلَ: إِنَّها قِراءَةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فمَن قالَ: إنَّ الأقْرَاءَ هي الْحِيَضُ استَدَلَّ بهذه القراءَةِ؛ لأنَّ هذه اللَّفْظَةَ تَقتضِي أنْ يَكُونَ زَمانُ الطلاقِ قَبْلَ زَمانِ العِدَّةِ، وأنَّ زَمانَ العِدَّةِ يَتعقَّبُ زَمانَ الطلاقِ.‌‌
وأمَّا مَن قالَ بأنَّ الأَقْرَاءَ هُنَّ الأَطْهارُ قالَ: فمَعنى قولِه: (لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) أيْ: لوَجْهِ عِدَّتِهِنَّ.
فإنْ قِيلَ: إنَّ قُبُلَ الشيءِ وَجْهُه، والمرادُ في أوَّلِ زمانِ الطُّهْرِ. فإنْ قِيلَ: أوَّلُ زمانِ الطُّهْرِ وآخرُه واحِدٌ في الطلاقِ, فليسَ المعنَى إلاَّ ما ذَكَرْنا.
قُلْنَا: ليسَ كذلك, بلِ الأَوْلَى أنْ يُطَلِّقَ في أوَّلِ زَمانِ الطُّهْرِ إذا أرادَ الطلاقَ؛ لأنَّه إذا أَخَّرَ لم يَأمَنْ أنْ يُجامِعَها ثم يُطَلِّقَ, فيَكُونَ قدْ طلَّقَ طلاقَ البِدْعَةِ.
وقدْ رُوِيَ عن عُمَرَ وابنِ مَسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ ومُجاهِدٍ وغيرِه مِن التابعِينَ معنَى قولِه: {لِعِدَّتِهِنَّ}. أيْ: طاهِراً مِن غيرِ جِمَاعٍ.
وقدْ ثَبَتَ هذا اللفْظُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بروايةِ نافِعٍ عن ابنِ عُمرَ, أنَّه طَلَّقَ امرأتَه في حالِ الْحَيْضِ، فقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((رَاجِعْهَا ثُمَّ أَمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شِئْتَ طَلِّقْهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ)).
وفي رِوايةٍ: أنَّه قالَ لعُمَرَ: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا)).
وفي روايةٍ: ((ثُمَّ إِذَا طَهُرَتْ إِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا طَاهِراً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ)) ولم يَذْكُرْ: ((ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ)).
وعن أَنَسٍ وابنِ سِيرِينَ أنَّه قالَ لابنِ عُمَرَ: احْتَسَبْتَ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ؟ قالَ: نَعَمْ.
() وفي رِوايةٍ ثالثةٍ: قالَ: نَعَمْ, وإنْ عَجَزْتُ واستَحْمَقْتُ.

وقولُه: {وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} هذا خِطابٌ للأزواجِ، أمَرَهم أنْ يُحْصُوا العِدَّةَ لِيَعْرِفوا زَمانَ الرَّجْعَةِ ومُدَّةَ انقطاعِها. ويُقالُ: ليَعْرِفُوا مُدَّةَ الإنفاقِ عليهنَّ.

وقولُه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ}. يَعنِي: طَلِّقُوا للسُّنَّةِ، ولا تُطَلِّقُوا للبِدْعَةِ.
ويُقالُ: اتَّقُوا رَبَّكُم في تَرْكِ إخراجِهِنَّ مِن البُيوتِ.
وأمَّا صِفةُ طلاقِ السُّنَّةِ، فهو مِن حيثُ الوَقْتُ أنْ يُطَلِّقَها طَاهِراً مِن غيرِ جِماعٍ، وأمَّا مِن حيثُ العِدَّةُ، فمَذهَبُ مالكٍ والثَّوْرِيِّ وأبي حَنيفةَ وكثيرٍ مِن العُلماءِ أنَّه يُكْرَهُ الطلاقُ ثَلاثاً جُملةً.
والسُّنَّةُ أنْ يُطَلِّقَها واحدةً ويَتْرُكَها حتَّى تَنقضِيَ عِدَّتُها، هذا هو الأَوْلَى. قالَه مالِكٌ.
وإنْ أرادَ أنْ يُطَلِّقَ ثلاثاً فَرَّقَ على الأطهارِ، فيُطَلِّقَ لكُلِّ طُهْرٍ طَلقةً.
وأمَّا مَذْهَبُ الشافِعِيِّ رَحِمَه اللَّهُ أنَّه ليسَ في الجَمْعِ والتفريقِ سُنَّةٌ ولا بِدعةٌ.
وقدْ ذَكَرَ الأصحابُ الأَوْلَى أنْ يُطَلِّقَ واحدةً, وإنْ لَمْ يَكْرَهِ الجمْعَ بينَ الثلاثِ, قالوا: وهو الْمَذْهَبُ.
وفي الآيةِ دَليلُ الشافعيِّ على قولِه؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى أَباحَ الطلاقَ بقولِه: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}. مُطَلَقاً.
ولم يُفَرِّقْ بينَ أنْ يُطَلِّقَ واحدةً أو أَكثرَ منها؛ ولأنَّ اللَّهَ تعالى بَيَّنَ وَقْتَ الطلاقِ ولم يُبَيِّنْ عَدَدَه، والآيةُ وَرَدَتْ لبيانِ الْمَسْنُونِ مِن الطلاقِ, فلو كانَ في عَدَدِ الطلاقِ سُنَّةٌ لم يُؤَخَّرْ بَيَانُها.

وقولُه: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}. أيْ: في زَمانِ العِدَّةِ، ونَسَبَ البيوتَ إليهِنَّ لأجْلِ السُّكْنَى.

وقولُه: {وَلاَ يَخْرُجْنَ}. أيْ: لا يَخْرُجْنَ بأنْفُسِهِنَّ.

وقولُه: {إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. اختَلَفَ القولُ في معنَى الفاحشةِ ههنا؛ فأظهَرُ الأقاوِيلِ: أنَّها الزِّنَا، وهذا قولُ ابنِ مَسعودٍ وإِحْدَى الرِّوايتَيْنِ عن ابنِ عبَّاسٍ, وهو قولُ الحَسَنِ والشَّعْبِيِّ وعِكْرِمةَ وحَمَّادِ بنِ أبي سَلَمَةَ واللَّيْثِ, وجماعةٍ كثيرةٍ.
والمرادُ مِن الآيةِ على هذا: إلاَّ أنْ تَزْنِيَ فتَخرُجَ؛ لإقامةِ الْحَدِّ.
والقولُ الثاني: أنَّ الفاحشةَ هي أنْ تَبْذُوَ على أهْلِها. قالَه ابنُ عبَّاسٍ في إِحْدَى الرِّوايتيْنِ.
ويُقالُ في قِراءَةِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: (إِلاَّ أنْ يُفْحِشْنَ). وهذه القِرَاءَةُ تُقَوِّي هذا القولَ.
ورُوِيَ عن عائشةَ أنَّها قالَتْ لفاطمةَ بنتِ قَيسٍ: اتَّقِي اللَّهَ؛ فإنَّكِ تَعْلَمِينَ أنَّ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَخْرَجَكِ. يَعني: مِن بيتِ زوجِها، وكانَتْ تَبْذُو بِلِسَانِها.
والقولُ الثالثُ: ما رُوِيَ عن ابنِ عمرَ, أنَّه قالَ: الفاحشةُ نفْسُ الخُروجِ. وهو مَحْكِيٌّ عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ. فعلى هذا تقديرُ الآيةِ, إلاَّ أنْ يَأْتِينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ بخُرُوجِهِنَّ.
وقالَ بعضُهم: الفاحشةُ ههنا جميعُ المعاصِي، وأَوْلَى الأقاويلِ هو الأوَّلُ؛ لكَثْرَةِ مَن قَالَ به، ولأنَّه مُوافِقٌ لقولِه: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ}, وأَجْمَعوا على أنَّ المرادَ به الزِّنَا.

وقولُه: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}. قالَ السُّدِّيُّ: هي شُروطُ اللَّهِ، ويُقالُ: شرْعُ اللَّهِ. وقيلَ: أمْرُه ونَهْيُه.

وقولُه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}. أيْ: أهْلَكَ نفْسَه وأَوْبَقَها.

وقولُه: {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} القولُ المعروفُ في هذا أنَّه الرَّغبةُ في الْمُراجعةِ، وفيه دَليلٌ على أنَّ المرادَ بقولِه: {فَطَلِّقُوهُنَّ} في ابتداءِ الآيةِ هو الطَّلْقَةُ والطَّلْقَتانِ دُونَ الثلاثةِ.
ويُقالُ: إنَّ المرادَ منه الواحدةُ والثلاثُ جَميعاً.
قالَ في قولِه تعالى: {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} قالَ: هو النَّسْخُ.
ومعناه: لَعَلَّ اللَّهَ يَنْسَخُ هذا الحُكْمَ ويَرفَعُه.
وقيلَ: هو الرَّغبةُ في ابتداءِ النِّكاحِ بعدَ زَوْجٍ آخَرَ.

وقولُه: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}. أيْ: قارَبْنَ بُلوغَ أجَلِهِنَّ, وهو انْقِضاءُ العِدَّةِ.

وقولُه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}. أيْ: رَاجِعُوهنَّ بمَعروفٍ, ومعناهُ: على ما أمَرَ اللَّهُ تعالى.
ويُقالُ: المعروفُ ههنا: هو أنْ يُراجِعَها ليُمْسِكَها, لا أنْ يُراجِعَها فيُطَلِّقَها فيُطَوِّلَ العِدَّةَ عليها، على ما كانَ يَفْعَلُه أهْلُ الجاهليَّةِ.

وقولُه: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}. معناهُ: أنْ يَتْرُكَها لِتَنْقَضِيَ العِدَّةُ فتَقَعَ الفُرقةُ.
والمَعْروفُ: هو ما أَمَرَ اللَّهُ تعالى به مِن إيصالِ حَقِّها إليها مِن السُّكْنَى والنَّفَقَةِ في مَوْضِعِ الوُجوبِ.
ويقالُ: {بِمَعْرُوفٍ}؛ أيْ: مِن غيرِ قَصْدِ مُضَارَّةٍ.

قولُه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}. فيه ثلاثةُ أقوالٍ:
أحَدُها: أنَّ الإشهادَ واجِبٌ في الطلاقِ والرَّجْعَةِ بظاهِرِ الآيةِ.
والقولُ الثاني: أنَّ الإشهادَ يَجِبُ في الرَّجْعَةِ ولا يَجِبُ في الْمُفَارَقَةِ, وهو أحَدُ قَوْلَيِ الشافعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه, وهو قَولُ طاوُسٍ مِن التابعِينَ.
والقولُ الثاني: أنَّه يُنْدَبُ إلى الإشهادِ في الرَّجْعَةِ، ولا يَجِبُ، وعليهِ أكْثَرُ أهْلِ العلْمِ, وهو قولٌ آخَرُ للشافعيِّ رَحْمَةُ اللَّهِ عليه.
وأمَّا العَدْلُ: هو مُستقيمُ الحالِ في مُعامَلاتِ الشرْعِ وأَوامِرِه.
وقالَ مَنصورٌ: سَألْتُ إبراهيمَ عن العَدْلِ فقالَ: هو الذي لم يَظْهَرْ فيه رِيبةٌ.

وقولُه: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}. هو خِطابٌ للشُّهداءِ بأداءِ الشهاداتِ على وُجُوهِها.

وقولُه: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}

وقولُه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}. قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: مِن كُلِّ أمْرٍ ضَاقَ على الناسِ.
وعنه قالَ: إذا اتَّقَى اللَّهَ في الطلاقِ على وَجْهِ السُّنَّةِ بأنْ طَلَّقَ واحدةً، جَعَلَ له مَخرَجاً منه في جَوازِ الرَّجْعَةِ.
ورُوِيَ أنَّ رَجُلاً أَتاهُ وقالَ: إنَّ عَمِّي طَلَّقَ امرأتَه ثَلاثاً, فهل له مَخرَجٌ؟ فقالَ: إنَّ عمَّكَ عَصَى اللَّهَ فأَثِمَ، وأطاعَ الشيطانَ فلَمْ يَجْعَلْ له مَخْرَجاً.
وفي بعضِ الأخبارِ بروايةِ ابنِ عَبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ في قولِه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}. قالَ: ((مِنْ غُمُومِ الدُّنْيَا وَغَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَشَدَائِدِ الآخِرَةِ)).

وقولُه: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}. أيْ: مِن حيثُ لا يَرْجُو ولا يَأمُلُ.
وقِيلَ: يُقَنِّعُه بما رَزَقَه.
وفي التفسيرِ: أنَّ هذهِ الآيةَ نَزَلَتْ في عَوْفِ بنِ مالِكٍ الأَشْجَعِيِّ أُسِرَ ابنُه، فجاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَشكُو إليهِ فقالَ: ((اصْبِرْ وَاتَّقِ اللَّهَ)) فرَجَعَ، ثُمَّ إنَّ العدُوَّ غَفَلُوا عن ابنِهِ مَرَّةً فهَرَبَ منهم وساقَ معَ نفْسِه إبِلاً ورَجَعَ إلى أبيهِ وجاءَ بالإبِلِ, فأَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وأَخْبَرَه بذلك، وسَأَلَه عمَّا سَاقَه إليه ابنُه هل يَحِلُّ له ذلك؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ.
فالْمَعنِيُّ بقولِه: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}. هو ما جاءَ به ابنُ عَوْفِ بنِ مالِكٍ إلى أبيهِ مِن الإِبِلِ.

وقولُه تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. أيْ: يَثِقْ باللَّهِ ويُفَوِّضْ أمْرَه إليه.
ويُقالُ: التوَكُّلُ على اللَّهِ هو الرِّضَا بقَضائِه. وفي بعضِ الأخبارِ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قالَ: ((مَنِ انْقَطَعَ إِلَى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ كُلَّ مُؤْنَةٍ، وَمَنِ انْقَطَعَ إِلَى الْخَلْقِ وَكَلَهُ إِلَيْهِمْ)).

وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}. أيْ: كلِّ ما يُريدُه في خَلْقِه.

وقولُه: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}؛ أيْ: مِقداراً وأَجَلاً يُنْتَهَى إليه.

قولُه تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}. الآيةَُ مُشكِلَةٌ؛ لقولِه: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}, واختَلَفَتِ الأقوالُ في قولِه: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}.
أَظْهَرُ الأقاويلِ: أنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا بَيَّنَ عِدَّةَ ذَواتِ الأقْرَاءِ قالَ جَماعةٌ مِن أصحابِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: قدْ عَرَفْنَا عِدَّةَ ذَواتِ الأقراءِ، فكيفَ عِدَّةُ الآيِساتِ والصغائِرِ وذَواتِ الأحمالِ؟ فأنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآيةَ.

وقولُه: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}. خِطابٌ لأولئكَ الجماعةِ؛ أيْ: شَكَكْتُم في عِدَّتِهِنَّ فلَمْ تَعْرِفُوها.
وفي بعضِ التفاسيرِ: أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ سَأَلَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك.
وعن بعضِهم: أنَّ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ سَأَلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك.
والقولُ الثاني: أنَّ قولَه تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}. أيْ: لَمْ تَعْرِفُوا أنَّها تَحِيضُ أو لا تَحِيضُ, وذلكَ في المرأةِ الشابَّةِ إذا ارْتَفَعَ حَيْضُها لعِلَّةٍ.
قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه: تَنْتَظِرُ سبعةَ أشْهُرٍ، فإنْ لم تَرَ الْحَيْضَ اعْتَدَّتْ بثلاثةِ أشهُرٍ. وهذا قولُ مالِكٍ، وحُكِيَ عن مُجاهِدٍ نحوُ ما ذَكَرْنَا.
والقولُ الثالثُ: أنَّ قولَه: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}. راجِعٌ إلى قولِه تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ}.
والمعنَى: إنِ ارْتَبْتُمْ في انقضاءِ عِدَّتِها فلا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ. ذَكَرَه النَّحَّاسُ.
وأمَّا الآيِسَةُ: فهي التي لا تَرَى أمثالُها الْحَيْضَ, فعِدَّتُها ثلاثةُ أشْهُرٍ.
وعلى مَذْهَبِ أكثَرِ العُلماءِ أنَّ الشابَّةَ وإنِ ارْتَفَعَ حَيْضُها لعِلَّةٍ، لا تَنْقَضِي عِدَّتُها بالشهورِ ما لَمْ تَيْأَسْ, قالوا: ولو شاءَ اللَّهُ لابْتَلاَهَا بأكثَرَ مِن ذلك.

وقولُه: {وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنِ}. هُنَّ الصغائِرُ.

وقولُه: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. هذا الحُكْمُ مُتَّفَقٌ عليهِ في الْمُطَلَّقَاتِ الحَوامِلِ، فأمَّا المُتوَفَّى عنها زَوْجُها اختَلَفَ الصحابةُ في ذلكَ، فقالَ عَلِيٌّ وابنُ عبَّاسٍ: إنَّ عِدَّتَها أبعَدُ الأَجَلَيْنِ.
وقالَ عُمَرُ وابنُ مَسْعودٍ وابنُ عُمَرَ وأبو هُريرةَ: إنَّ عِدَّتَها بوضْعِ الحمْلِ. وهذا هو القولُ المُخْتارُ.
وعن ابنِ مَسعودٍ أنَّه قالَ: نَزَلَتْ سُورةُ النِّساءِ القُصْوَى بعدَ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً}. فقَدْ نَقَلَ ابنُ مَسعودٍ نَسْخَ تلكَ الآيةِ بهذهِ الآيةِ.
وفي رِوايةٍ عنه أنَّه قالَ: هذهِالآيةُ ناسِخَةٌ لتلكَ الآيةِ.
ورُوِيَ أنَّ أبا هُرَيْرةَ وابنَ عبَّاسٍ اخْتَلَفَا في هذهِ الْمَسألةِ؛ فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: تَعْتَدُّ بأبعَدِ الأَجَلَيْنِ. وقالَ أبو هُرَيْرةَ: تَعتَدُّ بوَضْعِ الحَمْلِ.
فبَعَثَ ابنُ عَبَّاسٍ كُرَيْباً مَوْلاهُ إلى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُها عن ذلكَ، فرَوَتْ أنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ تُوُفِّيَ عنها زَوجُها وهي حامِلٌ, فوَضَعَتْ لنِصْفِ شَهْرٍ، فسألَتْ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ فقالَ: ((حَلَلْتِ لِلأَزْوَاجِ)). وهذا خبَرٌ صحيحٌ.

وقولُه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}. أيْ: يَتَّقِ اللَّهَ في أمْرِ الطلاقِ فيَطْلُبِ السُّنَّةَ.

وقولُه: {يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}. أي: الرَّجْعَةَ.
وقالَ بعضُهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ}. أيْ: يَحْذَرْ عنِ المعاصي ويَعمَلْ بالطاعاتِ, {يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}. أيْ: يُوَفِّقْه ويُسَدِّدْه ويُيَسِّرْ عليهِ الأُمورَ.

قولُه تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ}. أيْ: ما تَقَدَّمَ مِن الأمْرِ والنَّهْيِ في الطلاقِ وأحكامِه.

وقولُه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً}. أيْ: في القِيامةِ.

لعل الجملة هذه زائدة.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 03:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الطّلاق وهي مدنيّةٌ.

{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ وأحصوا العدّة واتّقوا اللّه ربّكم لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن إلّا أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنةٍ وتلك حدود اللّه ومن يتعدّ حدود اللّه فقد ظلم نفسه لا تدري لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرًا (1) }
خوطب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أوّلًا تشريفًا وتكريمًا، ثمّ خاطب الأمّة تبعًا فقال: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن ثواب بن سعيدٍ الهباريّ، حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ قال: طلّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حفصة، فأتت أهلها، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} فقيل له: راجعها فإنّها صوّامةٌ قوّامةٌ، وهي من أزواجك ونسائك في الجنّة.
ورواه ابن جريرٍ، عن ابن بشّارٍ، عن عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة = فذكره مرسلًا وقد ورد من غير وجهٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم طلّق حفصة ثمّ راجعها.
وقال البخاريّ: حدّثنا يحيى بن بكير، حدّثنا اللّيث وعقيلٌ، عن ابن شهابٍ، أخبرني سالمٌ: أنّ عبد اللّه بن عمر أخبره: أنّه طلّق امرأةً له وهي حائضٌ، فذكر عمر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتغيّظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "ليراجعها، ثمّ يمسكها حتّى تطهر، ثمّ تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهرًا قبل أن يمسّها، فتلك العدّة الّتي أمر اللّه، عزّ وجلّ"
هكذا رواه البخاريّ هاهنا وقد رواه في مواضع من كتابه، ومسلمٌ، ولفظه: "فتلك العدّة الّتي أمر اللّه أن يطلّق لها النّساء"
ورواه أصحاب الكتب والمسانيد من طرقٍ متعدّدةٍ وألفاظٍ كثيرةٍ ومواضع استقصائها كتب الأحكام.
وأمسّ لفظٍ يورد ها هنا ما رواه مسلمٌ في صحيحه، من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزّبير: أنّه سمع عبد الرّحمن بن أيمن -مولى عزة يسأل ابن عمر-وأبو الزّبير يسمع ذلك: كيف ترى في رجلٍ طلّق امرأته حائضًا؟ فقال: طلّق ابن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسأل عمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ عبد اللّه بن عمر طلّق امرأته وهي حائضٌ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ليراجعها" فردّها، وقال: "إذا طهرت فليطلّق أو يمسك". قال ابن عمر: وقرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}.
وقال الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرّحمن بن يزيد، عن عبد اللّه في قوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} قال: الطّهر من غير جماعٍ وروي عن ابن عمر وعطاءٍ، ومجاهدٍ، والحسن، وابن سيرين، وقتادة، وميمون بن مهران، ومقاتل بن حيّان مثل ذلك، وهو روايةٌ عن عكرمة، والضّحّاك.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} قال: لا يطلّقها وهي حائضٌ ولا في طهرٍ قد جامعها فيه، ولكن: تتركها حتّى إذا حاضت وطهرت طلّقها تطليقةً.
وقال عكرمة: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} العدّة: الطّهر، والقرء الحيضة، أن يطلّقها حبلى مستبينًا حملها، ولا يطلّقها وقد طاف عليها، ولا يدري حبلى هي أم لا.
ومن ها هنا أخذ الفقهاء أحكام الطّلاق وقسّموه إلى طلاق سنّةٍ وطلاق بدعةٍ، فطلاق السّنّة: أن يطلّقها طاهرًا من غير جماعٍ، أو حاملًا قد استبان حملها. والبدعيّ: هو أن يطلّقها في حال الحيض، أو في طهرٍ قد جامعها فيه، ولا يدري أحملت أم لا؟ وطلاقٌ ثالثٌ لا سنّة فيه ولا بدعة، وهو طلاق الصّغيرة والآيسة، وغير المدخول بها، وتحرير الكلام في ذلك وما يتعلّق به مستقصًى في كتب الفروع، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله {وأحصوا العدّة} أي: احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها؛ لئلّا تطول العدّة على المرأة فتمتنع من الأزواج. {واتّقوا اللّه ربّكم} أي: في ذلك.
وقوله: {لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجن} أي: في مدّة العدّة لها حقّ السّكنى على الزّوج ما دامت معتدّةً منه، فليس للرّجل أن يخرجها، ولا يجوز لها أيضًا الخروج لأنّها معتقلةٌ لحقّ الزّوج أيضًا.
وقوله: {إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبيّنةٍ} أي: لا يخرجن من بيوتهنّ إلّا أن ترتكب المرأة فاحشةً مبيّنةً، فتخرج من المنزل، والفاحشة المبيّنة تشمل الزّنا، كما قاله ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وسعيد بن المسيّب، والشّعبيّ، والحسن، وابن سيرين، ومجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو قلابة، وأبو صالحٍ، والضّحّاك، وزيد بن أسلم، وعطاءٌ الخراساني، والسّدّي، وسعيد بن أبي هلال، وغيرهم وتشمل ماذا نشزت المرأة أو بذت على أهل الرّجل وآذتهم في الكلام والفعال، كما قاله أبيّ بن كعبٍ، وابن عبّاسٍ، وعكرمة، وغيرهم.
وقوله: {وتلك حدود اللّه} أي: شرائعه ومحارمه {ومن يتعدّ حدود اللّه} أي: يخرج عنها ويتجاوزها إلى غيرها ولا يأتمر بها {فقد ظلم نفسه} أي: بفعل ذلك.
وقوله: {لا تدري لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرًا} أي: إنّما أبقينا المطلّقة في منزل الزّوج في مدّة العدّة، لعلّ الزّوج يندم على طلاقها ويخلق اللّه في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل.
قال الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن فاطمة بنت قيسٍ في قوله: {لا تدري لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرًا} قال: هي الرّجعة. وكذا قال الشعبي، وعطاء، وقتادة، والضحاك، ومقاتل ابن حيان، والثوري. ومن هاهنا ذهب من ذهب من السّلف ومن تابعهم، كالإمام أحمد بن حنبلٍ، رحمه اللّه تعالى إلى أنّه لا تجب السّكنى للمبتوتة، وكذا المتوفّى عنها زوجها، واعتمدوا أيضًا على حديث فاطمة بنت قيسٍ الفهريّة، حين طلّقها زوجها أبو عمرو بن حفصٍ آخر ثلاث تطليقاتٍ، وكان غائبًا عنها باليمن، فأرسل إليها بذلك، فأرسل إليها وكيله بشعيرٍ -[يعني] نفقةً-فتسخّطته فقال: واللّه ليس لك علينا نفقةٌ. فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "ليس لك عليه نفقةٌ". ولمسلمٍ: ولا سكنى، وأمرها أن تعتدّ في بيت أمّ شريكٍ، ثمّ قال: "تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي، اعتدّي عند ابن أمّ مكتومٍ، فإنّه رجلٌ أعمى تضعين ثيابك" الحديث
وقد رواه الإمام أحمد من طريقٍ أخرى بلفظٍ آخر، فقال:
حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا مجالدٌ، حدّثنا عامرٌ قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيسٍ، فحدّثتني أنّ زوجها طلّقها على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سرية. قالت: فقال لي أخوه: اخرجي من الدّار. فقلت: إنّ لي نفقةً وسكنى حتّى يحلّ الأجل. قال: لا. قالت: فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: إنّ فلانًا طلّقني، وإنّ أخاه أخرجني ومنعني السّكنى والنّفقة، [فأرسل إليه] فقال: "ما لك ولابنة آل قيسٍ"، قال: يا رسول اللّه، إنّ أخي طلّقها ثلاثًا جميعًا. قالت: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "انظري يا بنت آل قيسٍ، إنّما النّفقة والسّكنى للمرأة على زوجها ما كان له عليها رجعةٌ، فإذا لم يكن له عليها رجعةٌ فلا نفقة ولا سكنى. اخرجي فانزلي على فلانةٍ". ثمّ قال: "إنّه يتحدّث إليها، انزلي على ابن أمّ مكتومٍ، فإنّه أعمى لا يراك" وذكر تمام الحديث
وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عبد اللّه البزّار التّستريّ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الصّوّاف، حدّثنا بكر بن بكّارٍ، حدّثنا سعيد بن يزيد البجليّ، حدّثنا عامرٌ الشّعبيّ: أنّه دخل على فاطمة بنت قيسٍ أخت الضّحّاك بن قيسٍ القرشيّ، وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة المخزوميّ فقالت: إنّ أبا عمرو بن حفصٍ أرسل إليّ وهو منطلقٌ في جيشٍ إلى اليمن بطلاقي، فسألت أولياءه النّفقة عليّ والسّكنى، فقالوا: ما أرسل إلينا في ذلك شيئًا، ولا أوصانا به. فانطلقت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، إنّ أبا عمرو بن حفصٍ أرسل إليّ بطلاقي، فطلبت السّكنى والنّفقة عليّ، فقال: أولياؤه: لم يرسل إلينا في ذلك بشيءٍ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّما النّفقة والسّكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعةٌ، فإذا كانت لا تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره فلا نفقة لها ولا سكنى".
وكذا رواه النّسائيّ عن أحمد بن يحيى الصّوفيّ، عن أبي نعيمٍ الفضل بن دكين، عن سعيد بن يزيد وهو الأحمسيّ البجلي الكوفيّ. قال أبو حاتمٍ الرّازيّ: وهو شيخٌ، يروي عنه.

{فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروفٍ أو فارقوهنّ بمعروفٍ وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم وأقيموا الشّهادة للّه ذلكم يوعظ به من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبه إنّ اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيءٍ قدرًا (3) }
يقول تعالى: فإذا بلغت المعتدّات أجلّهنّ، أي: شارفن على انقضاء العدّة وقاربن ذلك، ولكن لم تفرغ العدّة بالكلّيّة، فحينئذٍ إمّا أن يعزم الزّوج على إمساكها، وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده. {بمعروفٍ} أي: محسنًا إليها في صحبتها، وإمّا أن يعزم على مفارقتها {بمعروفٍ} أي: من غير مقابحةٍ ولا مشاتمةٍ ولا تعنيفٍ، بل يطلّقها على وجهٍ جميلٍ وسبيلٍ حسنٍ.
وقوله: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} أي: على الرّجعة إذا عزمتم عليها، كما رواه أبو داود وابن ماجه، عن عمران بن حصين: أنّه سئل عن الرّجل يطلّق امرأته ثمّ يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلّقت لغير سنّةٍ، ورجعت لغير سنة، وأشهد على طلاقها وعلى رجعتها، ولا تعد
وقال ابن جريجٍ: كان عطاءٌ يقول: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} قال: لا يجوز في نكاحٍ ولا طلاقٍ ولا رجاعٍ إلّا شاهدا عدلٍ، كما قال اللّه، عزّ وجلّ، إلّا أن يكون من عذرٍ.
وقوله: {ذلكم يوعظ به من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر} أي: هذا الّذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشّهادة، إنّما يأتمر به من يؤمن باللّه وأنّه شرّع هذا، ومن يخاف عقاب اللّه في الدار الآخرة.
ومن ها هنا ذهب الشّافعيّ -في أحد قوليه-إلى وجوب الإشهاد في الرّجعة، كما يجب عنده في ابتداء النّكاح. وقد قال بهذا طائفةٌ من العلماء، ومن قال بهذا يقول: إنّ الرّجعة لا تصحّ إلّا بالقول ليقع الإشهاد عليها.
وقوله: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} أي: ومن يتّق اللّه فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهةٍ لا تخطر بباله.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، أخبرنا كهمس بن الحسن، حدّثنا أبو السّليل، عن أبي ذرٍّ قال: جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتلو عليّ هذه الآية: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} حتّى فرغ من الآية، ثمّ قال: "يا أبا ذرٍّ، لو أنّ النّاس كلّهم أخذوا بها كفتهم". وقال: فجعل يتلوها ويرددها عليّ حتّى نعست، ثمّ قال: "يا أبا ذرٍّ، كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟. "قلت: إلى السّعة والدّعة أنطلق، فأكون حمامةً من حمام مكّة. قال: "كيف تصنع إن أخرجت من مكّة؟ ". قال: قلت: إلى السّعة والدّعة، وإلى الشّام والأرض المقدّسة. قال: "وكيف تصنع إن أخرجت من الشّام؟ ". قلت: إذًا -والّذي بعثك بالحقّ -أضع سيفي على عاتقي. قال: "أوخيرٌ من ذلك؟ ". قلت: أوخيرٌ من ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع، وإن كان عبدًا حبشيًّا"
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثنا زكريّا، عن عامرٍ، عن شتير بن شكل قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: إنّ أجمع آيةٍ في القرآن: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان} [النّحل: 90] وإنّ أكثر آيةٍ في القرآن فرجًا: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا}
وفي المسند: حدّثني مهديّ بن جعفرٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن الحكم بن مصعبٍ، عن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، عن أبيه، عن جدّه عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من أكثر من الاستغفار جعل اللّه له من كلّ همٍّ فرجًا، ومن كلّ ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا} يقول: ينجيه من كلّ كربٍ في الدّنيا والآخرة، {ويرزقه من حيث لا يحتسب}
وقال الرّبيع بن خثيمٍ: {يجعل له مخرجًا} أي: من كلّ شيءٍ ضاق على النّاس.
وقال عكرمة: من طلّق كما أمره اللّه يجعل له مخرجًا. وكذا روي عن ابن عباس، والضحاك.
وقال ابن مسعودٍ، ومسروقٌ: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا} يعلم أنّ اللّه إن شاء منع، وإن شاء أعطى {من حيث لا يحتسب} أي من حيث لا يدري.
وقال قتادة: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا} أي: من شبهات الأمور والكرب عند الموت، {ويرزقه من حيث لا يحتسب} ومن حيث لا يرجو أو لا يأمل.
وقال السّدّيّ: {ومن يتّق اللّه} يطلّق للسّنّة، ويراجع للسّنّة، وزعم أنّ رجلًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقال له: "عوف بن مالكٍ الأشجعيّ" كان له ابنٌ، وأنّ المشركين أسروه، فكان فيهم، وكان أبوه يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله الّتي هو بها وحاجته، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمره بالصّبر، ويقول له: "إنّ اللّه سيجعل لك فرجًا" فلم يلبث بعد ذلك إلّا يسيرًا أن انفلت ابنه من أيدي العدوّ فمرّ بغنمٍ من أغنام العدوّ، فاستاقها فجاء بها إلى أبيه، وجاء معه بغنًى قد أصابه من الغنم، فنزلت فيه هذه الآية: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}
رواه ابن جريرٍ، وروي أيضًا من طريق سالم بن أبي الجعد مرسلًا نحوه
وقال الإمام أحمد، حدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان، عن عبد اللّه بن عيسى، عن عبد اللّه بن أبي الجعد، عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ العبد ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه، ولا يردّ القدر إلّا الدّعاء، ولا يزيد في العمر إلّا البرّ".
ورواه النّسائيّ وابن ماجه، من حديث سفيان -وهو الثّوريّ-به
وقال محمّد بن إسحاق: جاء مالكٌ الأشجعيّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: له أسر ابني عوفٌ. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أرسل إليه أنّ رسول اللّه يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه". وكانوا قد شدّوه بالقدّ فسقط القد عنه، فخرج، فإذا هو بناقةٍ لهم فركبها، وأقبل فإذا بسرح القوم الّذين كانوا قد شدّوه فصاح بهم، فاتّبع أوّلها آخرها، فلم يفجأ أبويه إلّا وهو ينادي بالباب، فقال أبوه: عوفٌ وربّ الكعبة. فقالت أمّه: واسوأتاه. وعوفٌ كيف يقدم لما هو فيه من القدّ -فاستبقا الباب والخادم، فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إبلًا فقصّ على أبيه أمره وأمر الإبل، فقال أبوه: قفا حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأسأله عنها. فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره بخبر عوفٍ وخبر الإبل، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اصنع بها ما أحببت، وما كنت صانعًا بمالك". ونزل: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، حدّثنا إبراهيم بن الأشعث، حدّثنا الفضيل بن عياضٍ، عن هشام بن حسّان عن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من انقطع إلى اللّه كفاه اللّه كلّ مئونة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدّنيا وكله إليها"
وقوله: {ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبه} قال الإمام أحمد:
حدّثنا يونس، حدّثنا ليثٌ، حدّثنا قيس بن الحجّاج، عن حنش الصّنعانيّ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: أنّه حدّثه أنّه ركب خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا غلام، إنّي معلّمك كلماتٍ: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلّا بشيءٍ كتبه اللّه لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك، لم يضرّوك إلّا بشيءٍ قد كتبه اللّه عليك، رفعت الأقلام، وجفّت الصّحف".
وقد رواه التّرمذيّ من حديث اللّيث بن سعدٍ، وابن لهيعة، به وقال: حسنٌ صحيحٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا بشير بن سلمان، عن سيّارٍ أبي الحكم، عن طارق بن شهابٍ، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من نزل به حاجةٌ فأنزلها بالنّاس كان قمنًا أن لا تسهّل حاجته، ومن أنزلها باللّه أتاه اللّه برزقٍ عاجلٍ، أو بموتٍ آجلٍ".
ثمّ رواه عن عبد الرّزّاق، عن سفيان، عن بشيرٍ، عن سيّارٍ أبي حمزة، ثمّ قال: وهو الصّواب، وسيّارٌ أبو الحكم لم يحدّث عن طارقٍ
وقوله: {إنّ اللّه بالغ أمره} أي: منفذٌ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه {قد جعل اللّه لكلّ شيءٍ قدرًا} كقوله: {وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ} [الرعد: 8] .

{واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللّائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ ومن يتّق اللّه يجعل له من أمره يسرًا (4) ذلك أمر اللّه أنزله إليكم ومن يتّق اللّه يكفّر عنه سيّئاته ويعظم له أجرًا (5) }
يقول تعالى مبيّنًا لعدّة الآيسة -وهي الّتي قد انقطع عنها الحيض لكبرها-: أنّها ثلاثة أشهرٍ، عوضًا عن الثّلاثة قروءٍ في حقّ من تحيض، كما دلّت على ذلك آية "البقرة" وكذا الصّغار اللّائي لم يبلغن سنّ الحيض أنّ عدّتهنّ كعدّة الآيسة ثلاثة أشهرٍ؛ ولهذا قال: {واللائي لم يحضن}
وقوله: {إن ارتبتم} فيه قولان:
أحدهما -وهو قول طائفةٍ من السّلف، كمجاهدٍ، والزّهريّ، وابن زيدٍ-: أي إن رأين دمًا وشككتم في كونه حيضًا أو استحاضةً، وارتبتم فيه.
والقول الثّاني: إن ارتبتم في حكم عدّتهنّ، ولم تعرفوه فهو ثلاث أشهرٍ. وهذا مرويٌّ، عن سعيد بن جبيرٍ. وهو اختيار ابن جريرٍ، وهو أظهر في المعنى، واحتجّ عليه بما رواه عن أبي كريب وأبي السّائب قالا حدّثنا ابن إدريس، أخبرنا مطرّفٌ، عن عمرو بن سالمٍ قال: قال أبيّ بن كعبٍ: يا رسول اللّه، إنّ عددًا من عدد النّساء لم تذكر في الكتاب: الصّغار والكبار وأولات الأحمال قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
ورواه ابن أبي حاتمٍ بأبسط من هذا السّياق فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى بن المغيرة، أخبرنا جريرٌ، عن مطرّف، عن عمر بن سالمٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن ناسًا من أهل المدينة لمّا أنزلت هذه الآية الّتي في "البقرة" في عدّة النّساء قالوا: لقد بقي من عدّة النّساء عددٌ لم يذكرن في القرآن: الصّغار والكبار اللّائي قد انقطع عنهنّ الحيض، وذوات الحمل. قال: فأنزلت الّتي في النّساء القصرى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللائي لم يحضن}
وقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} يقول تعالى: ومن كانت حاملًا فعدّتها بوضعه، ولو كان بعد الطّلاق أو الموت بفواق ناقةٍ في قول جمهور العلماء من السّلف والخلف، كما هو نصّ هذه الآية الكريمة، وكما وردت به السّنّة النّبويّة. وقد روي عن عليٍّ، وابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهم أنّهما ذهبا في المتوفّى عنها زوجها أنّها تعتدّ بأبعد الأجلين من الوضع أو الأشهر، عملًا بهذه الآية الكريمة، والّتي في سورة "البقرة". وقد قال البخاريّ:
حدّثنا سعد بن حفصٍ، حدّثنا شيبان، عن يحيى قال: أخبرني أبو سلمة قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ -وأبو هريرة جالسٌ-فقال: أفتني في امرأةٍ ولدت بعد زوجها بأربعين ليلةً. فقال: ابن عبّاسٍ آخر الأجلين. قلت أنا: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي -يعني أبا سلمة-فأرسل ابن عبّاسٍ غلامه كريبًا إلى أمّ سلمة يسألها، فقالت: قتل زوج سبيعة الأسلميّة وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلةً، فخطبت، فأنكحها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان أبو السّنابل فيمن خطبها
هكذا أورد البخاري هذا الحديث هاهنا مختصرًا. وقد رواه هو ومسلمٌ وأصحاب الكتب مطوّلًا من وجوهٍ أخر وقال الإمام أحمد:
حدّثنا حمّاد بن أسامة، أخبرنا هشامٌ، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة؛ أنّ سبيعة الأسلميّة توفي عنها زوجها وهي حاملٌ، فلم تمكث إلّا ليالي حتّى وضعت، فلمّا تعلّت من نفاسها خطبت، فاستأذنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النّكاح، فأذن لها أن تنكح فنكحت.
ورواه البخاريّ في صحيحه، ومسلمٌ، وأبو داود، والنّسائيّ، وابن ماجه من طرقٍ عنها كما قال مسلم ابن الحجّاج:
حدّثني أبو الطّاهر، أخبرنا ابن وهبٍ، حدّثني يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة: أنّ أباه كتب إلى عمر بن عبد اللّه بن الأرقم الزّهريّ يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلميّة فيسألها عن حديثها وعمّا قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين استفتته. فكتب عمر بن عبد اللّه يخبره أنّ سبيعة أخبرته أنّها كانت تحت سعد بن خولة -وكان ممّن شهد بدرًا-فتوفّي عنها في حجّة الوداع وهي حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب، فدخل عليها أبو السّنابل بن بعكك فقال لها: مالي أراك متجمّلةً؟ لعلّك ترجين النّكاح، إنّك واللّه ما أنت بناكحٍ حتّى تمر عليك أربعة أشهرٍ وعشرٌ. قالت سبيعة: فلمّا قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأنّي قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتّزويج إن بدا لي.
هذا لفظ مسلمٍ. ورواه البخاريّ مختصرًا ثمّ قال البخاريّ بعد [ذلك، أي: بعد] رواية الحديث الأوّل عند هذه الآية:
وقال سليمان بن حربٍ وأبو النّعمان: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن محمّدٍ -هو ابن سيرين-قال: كنت في حلقةٍ فيها عبد الرّحمن بن أبي ليلى، رحمه اللّه، وكان أصحابه يعظّمونه، فذكر آخر الأجلين، فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث عن عبد اللّه بن عتبة، قال: فضمّزلي بعض أصحابه، وقال محمّدٌ: ففطنت له فقلت: له إنّي لجريءٌ أن أكذب على عبد اللّه وهو في ناحية الكوفة. قال: فاستحيا وقال: لكنّ عمّه لم يقل ذلك. فلقيت أبا عطيّة مالك بن عامرٍ فسألته، فذهب يحدّثني بحديث سبيعة، فقلت: هل سمعت عن عبد اللّه شيئًا؟ فقال: كنّا عند عبد اللّه فقال: أتجعلون عليها التّغليظ، ولا تجعلون عليها الرّخصة؟ نزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
ورواه ابن جريرٍ، من طريق سفيان بن عيينة وإسماعيل بن عليّة، عن أيّوب به مختصرًا ورواه النّسائيّ في التّفسير عن محمّد بن عبد الأعلى، عن خالدٍ بن الحارث، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، فذكره
وقال ابن جريرٍ: حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبانٍ المصريّ، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثني ابن شبرمة الكوفيّ، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيسٍ؛ أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: من شاء لاعنته، ما نزلت: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} إلّا بعد آية المتوفّى عنها زوجها. قال: وإذا وضعت المتوفّى عنها زوجها فقد حلّت. يريد بآية المتوفّى عنها زوجها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234]
وقد رواه النّسائيّ من حديث سعيد بن أبي مريم، به ثمّ قال ابن جريرٍ:
حدّثنا أحمد بن منيع، حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ قال: ذكر عند ابن مسعودٍ آخر الأجلين، فقال: من شاء قاسمته باللّه إنّ هذه الآية الّتي في النّساء القصرى نزلت بعد الأربعة الأشهر والعشر ثمّ قال أجل الحامل أن تضع ما في بطنها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: بلغ ابن مسعودٍ أنّ عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: آخر الأجلين. فقال: من شاء لاعنته، إنّ الّتي في النّساء القصرى نزلت بعد البقرة: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
ورواه أبو داود وابن ماجه، من حديث أبي معاوية، عن الأعمش
وقال عبد اللّه ابن الإمام أحمد: حدّثني محمّد بن أبي بكرٍ المقدّميّ، أخبرنا عبد الوهّاب الثّقفيّ، حدّثنا المثنّى، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قلت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها ؟ فقال: "هي المطلّقة ثلاثًا والمتوفّى عنها"
هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، بل منكرٌ؛ لأنّ في إسناده المثنّى بن الصّبّاح، وهو متروك الحديث بمرّة ولكن رواه ابن أبي حاتمٍ بسندٍ آخر، فقال:
حدّثنا محمّد بن داود السّمناني، حدّثنا عمرو بن خالدٍ -يعني: الحرّانيّ-حدّثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا أدري أمشتركةٌ أم مبهمةٌ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أيّة آيةٍ؟ ". قال: {أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} المتوفّى عنها والمطلّقة؟ قال: "نعم".
وكذا رواه ابن جريرٍ، عن أبي كريب، عن موسى بن داود، عن ابن لهيعة، به. ثمّ رواه عن أبي كريبٍ أيضًا، عن مالك بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق أنّه حدّث عن أبيّ بن كعبٍ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} قال: "أجل، كلّ حاملٍ أن تضع ما في بطنها"
عبد الكريم هذا ضعيفٌ، ولم يدرك أبيّا.
وقوله: {ومن يتّق اللّه يجعل له من أمره يسرًا} أي: يسهّل له أمره، وييسّره عليه، ويجعل له فرجًا قريبًا ومخرجًا عاجلًا.
ثمّ قال: {ذلك أمر اللّه أنزله إليكم} أي: حكمه وشرعه أنزله إليكم بواسطة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، {ومن يتّق اللّه يكفّر عنه سيّئاته ويعظم له أجرًا} أي: يذهب عنه المحذور، ويجزل له الثواب على العمل اليسير). [تفسير القرآن العظيم: 8/142-152]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir