دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:53 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة المنافقون (الآيات: 1-6)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 12:26 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسيرُ سورةِ المُنافقِينَ
وهي مَدَنِيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ *}.

(1) لَمَّا قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ المدينةَ، وكَثُرَ الإسلامُ فيها وعَزَّ, صارَ أُناسٌ مِن أهْلِها مِن الأَوْسِ والْخَزْرَجِ يُظْهِرونَ الإيمانَ ويُبْطِنُونَ الكُفْرَ، ليَبْقَى جاهُهُم وتُحْقَنَ دِماؤُهم وتَسلَمَ أموالُهم.
فذَكَرَ اللَّهُ مِن أَوْصَافِهم ما به يُعْرَفُونَ؛ لِكَيْ يَحْذَرَ العبادُ منهم ويَكونوا منهم على بَصيرةٍ، فقالَ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا} على وَجْهِ الكَذِبِ: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. وهذهِ الشَّهادةُ مِن المنافقِينَ على وَجْهِ الكذِبِ والنفاقِ، معَ أنَّه لا حاجةَ لشَهادتِهم في تَأييدِ رسولِه؛ فإنَّ اللَّهَ {يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} في قولِهم ودَعْواهم، وأنَّ ذلكَ ليسَ بحقيقةٍ مِنهم.

(2) {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}؛ أيْ: تُرْساً يَتَتَرَّسُونَ بها مِن نِسْبتِهم إلى النِّفاقِ، فَصَدُّوا عن سبيلِه بأنْفُسِهم، وصَدُّوا غيرَهم مِمَّن يَخْفَى عليه حالُهم.
{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ حيثُ أَظْهَرُوا الإيمانَ وأَبْطَنُوا الكُفْرَ, وأقْسَمُوا على ذلكَ وأَوْهَمُوا صِدْقَهم.

(3) {ذَلِكَ}: الذي زَيَّنَ لهم النِّفاقَ {بـ}: سببِ {أَنَّهُمْ} لا يَثْبُتونَ على الإيمانِ، بل {آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ بحيثُ لا يَدْخُلُها الخيرُ أَبداً.
{فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} ما يَنْفَعُهم ولا يَعُونَ ما يَعودُ بِمَصَالِحِهم.

(4) {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}: مِن رُوَائِها ونَضارَتِها.
{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}؛ أيْ: مِن حُسْنِ مَنْطِقِهم تَستَلِذُّ لاستماعِه؛ فأجسامُهم وأقوالُهم مُعْجِبَةٌ.
ولكنْ ليسَ وَراءَ ذلكَ مِن الأخلاقِ الفاضِلةِ والهَدْيِ الصالحِ شَيءٌ؛ ولهذا قالَ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}: لا مَنفعةَ فيها، ولا يُنالُ منها إلاَّ الضَّرَرُ الْمَحْضُ.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}؛ وذلك لِجُبْنِهم وفَزَعِهم وضَعْفِ قُلوبِهم ورَيْبِها، يَخافُونَ أنْ يُطَّلَعَ عليها.
فهؤلاءِ {هُمُ الْعَدُوُّ} على الحقيقةِ؛ لأنَّ العدُوَّ البارِزَ المُتمِيِّزَ أَهونُ مِن العَدُوِّ الذي لا يُشْعَرُ به، وهو مُخادِعٌ ماكِرٌ، يَزعُمُ أنَّه وَلِيٌّ وهو العدُوُّ الْمُبِينُ.
{فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}؛ أيْ: كيفَ يُصْرَفُونَ عن الدِّينِ الإسلاميِّ بعدَما تَبَيَّنَتْ أدِلَّتُه واتَّضَحَتْ مَعالِمُه إلى الكُفْرِ الذي لا يُفِيدُهم إلاَّ الْخَسارَ والشَّقَاءَ.

(5) {وَإِذَا قِيلَ} لهؤلاءِ المُنافقِينَ: {تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} عمَّا صَدَرَ مِنكم؛ لتَحْسُنَ أحوالُكم، وتُقْبَلَ أعمالُكم. امْتَنَعُوا مِن ذلكَ أشَدَّ الامتناعِ، و {لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ}؛ امتناعاً مِن طَلَبِ الدعاءِ مِن الرسولِ، {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} عن الحقِّ؛ بُغْضاً له، {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} عن اتِّباعِه؛ بَغْياً وعِناداً.
فهذهِ حالُهم عندَما يُدْعَوْنَ إلى طَلَبِ الدعاءِ مِن الرسولِ.

(6) وهذا مِن لُطْفِ اللَّهِ وكَرامتِه لرسولِه، حيثُ لم يَأْتُوا إليهِ فيَسْتَغْفِرَ لهم, فإِنَّه {سَوَاءٌ} أَسْتَغْفَرَ لهم أَمْ لم يَسْتَغْفِرْ لهم فـ {لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}؛ وذلكَ لأنهم قومٌ فاسِقونَ، خارِجونَ عن طاعةِ اللَّهِ، مُؤْثِرونَ للكُفْرِ على الإيمانِ.
فلذلكَ لا يَنْفَعُ فيهم استغفارُ الرسولِ، ولو استَغْفَرَ لهم، كما قالَ تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}.
{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ *}.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:37 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

سُورةُ المنافقونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

1-{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} أيْ: إذا وَصَلُوا إليك وحَضَرُوا مَجلِسَكَ.
{قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}: أكَّدُوا شَهادَتَهم؛ للإشعارِ بأنها صادِرَةٌ مِن صَميمِ قُلوبِهم مع خُلوصِ اعتقادِهم.
ومعنى نَشْهَدُ: نَعلمُ ونَحْلِفُ.
{وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} تَصديقٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ لِمَا تَضَمَّنَه كلامُهم مِن الشهادةِ لمحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرسالةِ؛ ولئلاَّ يُفْهَمَ عَوْدُ التكذيبِ الآتي إلى ذلك.
{وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أيْ: في دَعواهُم أنَّ شَهادَتَهُم للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرسالةِ هي مِن صميمِ القلْبِ وخُلوصِ الاعتقادِ، لا إلى مَنطوقِ كلامِهم وهو الشَّهادةُ بالرسالةِ, فإنه حَقٌّ.

2-{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أيْ: جَعَلُوا حَلِفَهم الذي حَلَفُوا لكم به وقايةً تَقِيهِم مِنكم، وسُتْرَةً يَسْتَتِرونَ بها مِن القتْلِ والأسْرِ.
{فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ} أيْ: مَنَعُوا الناسَ عن الإيمانِ والجهادِ وأعمالِ الطاعةِ بسَببِ ما يَصْدُرُ مِنهم مِن التشكيكِ والقدْحِ في النُّبُوَّةِ.
{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مِن النِّفاقِ والصدِّ.

3- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا} أيْ نِفاقاً.
{ثُمَّ كَفَرُوا} في الباطِنِ، وقيلَ: نَزلتِ الآيةُفي قومٍ آمَنوا ثم ارْتَدُّوا.
{فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أيْ: خُتِمَ عليها بسبَبِ كُفْرِهم فلا يَدْخُلُها إيمانٌ بعدَ ذلكَ.
{فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} ما فيه صَلاحُهم ورَشَادُهم.

4-{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}: هَيئاتُهم ومَناظِرُهم، تُعْجِبُ مَن يَراها؛ لِمَا فِيها مِن النَّضَارَةِ والرَّوْنَقِ.
{وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} فتَحْسَبُ أنَّ قولَهم حَقٌّ وصِدْقٌ؛ لفَصاحَتِهم وذَلاَقَةِ أَلْسِنَتِهم، وقد كانَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ رأسُ المنافقينَ فَصِيحاً جَسيماً جَميلاً.
{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} شُبِّهُوا في جُلُوسِهم في مَجالِسِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستندينَ بها بالْخُشُبِ المنصوبةِ الْمُسنَّدَةِ إلى الحائطِ، التي لا تَفْهَمُ ولا تَعْلَمُ؛ لِخُلُوِّهِم عن الفَهْمِ النافِعِ، والعلْمِ الذي يَنتفِعُ به صاحبُه.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} قيلَ: كانَ المنافقونَ على وَجَلٍ مِن أنْ يَنْزِلَ فيهم ما يَهْتِكُ أستارَهم ويُبيحُ دِماءَهم وأموالَهم.
{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} أنْ يَتمَكَّنُوا مِن فُرصةٍ مِنك أو يَطَّلِعُوا على شيءٍ مِن أَسرارِك؛ لأنهم عُيونٌ لأعدائِكَ مِن الكُفَّارِ.
{قَاتَلَهُمُ اللهُ} أيْ: لَعَنهم, أو هو تَعليمٌ للمؤمنينَ أنْ يَقولوا ذلك.
{أَنَّى يُؤْفَكُونَ}: كيف يُصْرَفونَعن الحقِّ ويَميلونَ عنه إلى الكفْرِ؟!

5-{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ} أيْ: حَرَّكُوهَا؛ استهزاءً بذلك ورَغبةً عن الاستغفارِ.
{وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ}: يُعْرِضونَ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
{وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الإتيانِ إلى رسولِ اللهِ وسؤالِ الاستغفارِ منه، يَرَوْنَ أنفُسَهم أكبرَ مِن ذلك، ويَستَحْقِرُونها لو فَعَلُوا.

6-{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} لا يَنفعُهم ذلك لإصرارِهم على النِّفاقِ واستمرارِهم على الكُفْرِ.
{لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} أيْ: ما دَامُوا على النِّفاقِ.
{إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الكاملينَ في الخروجِ عن الطاعةِ، والانهماكِ في مَعاصِي اللهِ، ويَدخُلُ في هذا المنافقونَ دُخولاً أوَّلِيًّا.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:00 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

بسم اللَّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.


تفسيرُ سورةِ المُنافِقِينَ
وهي مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الجميعِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
قولُه تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}. قالَ أهلُ التفسيرِ: نَزَلَتِ السورةُ في شأنِ عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ وأصحابِه، كانوا يَأْتُونَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ويقولونَ: نحنُ مُؤمنونَ بِكَ، ونَشْهَدُ إنَّكَ لرسولُ اللَّهِ, وإنَّ ما جِئْتَ به حَقٌّ. ثم إذا رَجَعُوا إلى ما بينَهم أَظْهَرُوا الكُفْرَ.
وعن بعضِهم: أنَّ قولَه تعالى: {نَشْهَدُ}. معناه: نَحْلِفُ؛ بدليلِ أنَّ اللَّهَ تعالى قالَ بعدَ هذه الآيةِ: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}. قالَ الشاعِرُ:


وأَشْهَدُ عندَ اللَّهِ أَنِّي أُحِبُّها = فَهَذا لَها عِندِي فَمَا عندَها لِيَا
أيْ: أحْلِفُ.
وقولُه: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}. هو تَطْيِيبٌ لقَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وتَسْلِيَةٌ له.
ومَعْناهُ: أنَّ عِلْمِي أنَّكَ رسولُ اللَّهِ وشَهادَتِي لكَ بذلكَ خَيرٌ مِن شَهادتِهم.
وقولُه: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. قالَ أبو عُبَيْدٍ: أي: الكافِرُونَ، يُسَمِّي الكُفْرَ باسمِ الكذِبِ.
وقالَ غيرُه: هو الكَذِبُ حَقيقةً، وسَمَّى قولَهم كَذِباً؛ لأنَّهم كَذَبُوا على قُلُوبِهم.
وقيلَ: لَمَّا أَظْهَروا بأَلْسِنَتِهم خِلافَ ما كانَ في ضَمَائِرِهم سُمِّيَ بذلك كَذِباً، كالرجُلِ يُخْبِرُ بالشيءِ على خِلافِ ما هو عليه.
قولُه تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}. أيْ: سُتْرَةً لِمَا أَبْطَنُوه مِن الكفْرِ.
وقيلَ: جُنَّةً؛ أيْ: يَتَّرَّسُوا بها عن القَتْلِ، مِثلُ الْمِجَنِّ يَتَتَرَّسُ بها المُقاتِلُ عن سلاحِ العَدُوِّ.
وقولُه: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. أي: مَنَعُوا الناسَ عن سَبيلِ الإيمانِ. ومعنَى صَدِّهم الناسَ عن سبيلِ اللَّهِ أنَّهم كانوا يَقولُونَ لضَعَفَةِ المُسلمِينَ: إنَّا نَشْهَدُ عندَ هذا الرجُلِ ونُظْهِرُ خِلافَ ما نُسِرُّ، فلو كانَ نَبِيًّا لعَلِمَ إسرارَنا، ومَنَعَنا مِن المُخالَطَةِ معَ أصحابِه.
وقولُه: {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. أيْ: بِئْسَ العمَلُ عمَلُهم.
وقُرِئَ في الشاذِّ: (اتَّخَذُوا إِيمَانَهُمْ جُنَّةً) بكسْرِ الألِفِ، والمعروفُ {أَيْمَانَهُمْ} بالفتْحِ جَمْعُ اليَمينِ.
قولُه تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا}. أيْ: آمَنُوا بأَلْسِنَتِهم وكَفَرُوا بقُلوبِهم.
وقولُه: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}. أيْ: خُتِمَ على قُلوبِهم؛ فلا يَدْخُلُها الإيمانُ وقَبولُ الْحَقِّ.
وقولُه: {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ}. أيْ: لا يَتَدَبَّرُونَ, والفِقْهُ هو التدَبُّرُ والتَّفَهُّمُ.
وقِيلَ: {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}. أيْ: لا يَعْقِلُونَ, كأنَّهم لَمَّا لم يَقْبَلُوا الدِّينَ معَ ظُهُورِ الدلائلِ عليهِ كانوا بِمَنْزِلَةِ مَن لا يَعْقِلُ.
قولُه تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} في التفسيرِ: أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ كانَ رَجُلاً جَسيماً فَصيحاً صَبِيحاً ذَلِقَ اللِّسانِ
قالَ الزَّجَّاجُ: أخْبَرَ اللَّهُ تعالى بصِحَّةِ أجسامِهم وحُسْنِ مَناظِرِهم وفَصاحةِ أَلْسِنَتِهم, وهو في قولِه: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}. أيْ: لِلِّسَانِ الذي لهم.
ثم قالَ في شَأْنِهم: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}. أيْ: هُمْ مَناظِرُ بلا مَخَابِرَ، وصُوَرٌ بلا مَعانٍ, وإِنَّما مَثَّلَهُم بالخُشُبِ؛ لأنَّ الخُشُبَ لا قَلْبَ له ولا عَقْلَ، ولا يَعِي خَبَراً ولا يَفْهَمُه، ويُقالُ في العادةِ: فُلانٌ خُشُبٌ؛ أيْ: ليس له عَقْلٌ، ولا فَهْمٌ.
وقُرِئَ: (خُشْبٌ) بسكونِ الشِّينِ، وكلاهما بمعنًى واحِدٍ, ويُقالُ: بُدْنٌ وبَدَنَةٌ وثُمُرٌ وثَمَرَةٌ, فالخُشُبُ والخُشْبُ جَمْعٌ، والواحدةُ خَشَبَةٌ، ومِثالُه ما ذَكَرْنا.
وقولُه تعالى: {مُسَنَّدَةٌ}. أيْ: مُمَالةٌ إلى الْجِدارِ، قالَ عليُّ بنُ عِيسَى: جَعَلَهم كخُشُبٍ نَخِرَةٍ، مُتآكِلَةٍ في الباطنِ، صَحيحةٍ في الظاهِرِ.
وقولُه: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} يعني: إذا سَمِعُوا نِداءً أو سَمِعُوا مَن يَنْشُدُ ضَالَّةً أو أيَّ صَوتٍ كانَ، ظَنُّوا أنَّهم الْمَقْصُودونَ بذلك الصوتِ، وأنَّ سرائِرَهم قدْ ظَهَرَتْ للمُسلمِينَ, وهو وَصْفٌ لِجُبْنِهم وخَوْفِهم مِن المُسلمِينَ.
وفي بعضِ التفاسيرِ أنَّ معناه: هو أنَّ كُلَّ مَن سَارَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بشيءٍ كانوا يَظُنُّونَ أنَّ ذلك في أمْرِهم وشأنِهم.
وقيلَ: كانَ كُلَّما نَزَلَتْ آيةٌ أو سُورةٌ ظَنُّوا مِن الخوْفِ أنَّها نَزَلَتْ فيهم. قَالَه ابنُ جُرَيْجٍ، وأَنْشَدُوا لِجَريرٍ في الْجُبْنِ:

ما زِلْتَ تَحْسَبُ كلَّ شَيءٍ بعدَهم = خَيلاً تَكُرُّ عليهمُ ورِجالاَ
وقالَ غيرُه:

لقد خِفْتَ حتَّى لَوْ تَمُرُّ كمامةٌ = لقُلْتَ عَدُوًّا وطَليعَةَ مَعْشَرِ
وقولُه: {هُمُ الْعَدُوُّ}. أي: الأعداءُ. وقولُه: {فَاحْذَرْهُمْ} قالَ ذلك؛ لأنَّهم يُطْلِعُونَ الْمُشرِكِينَ على أسرارِ المُسلمِينَ ويُجَبِّنُونَ ضُعفاءَ المُسلمِينَ.
قولُه: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}. أيْ: أَخْزاهُمْ وأَهْلَكَهم, وقيلَ: نَزَّلَهُم مَنْزِلَةَ مَن يُقاتِلُه عَدُوٌّ قاهِرٌ له.
وقولُه: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ}. أيْ: كيفَ يُصْرَفُونَ عن الحقِّ معَ ظُهورِه؟ وهو يَتَضَمَّنُ تَقبيحَ فِعْلِهم وتَعجيبَ رَسولِ اللَّهِ منهم.
قولُه تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ}. كانَ المؤمنونَ يَقولونَ للمُنافقِينَ: احْضُرُوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ واعْتَرِفُوا بذُنُوبِكم يَستغفِرْ لكم. وكانوا يَهُزُّونَ رُؤُوسَهم ويَنظُرُونَ يَمْنَةً ويَسْرةً استِهزاءً.
وقيلَ: هذا في عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ خاصَّةً.
قالَ بعضُ الصحابةِ له ذلك فثَنَى رَأْسَه وحَرَّكَه اسْتِهزاءً, فهو معنَى قولِه: {لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ}, ويُقرأُ بالتخفيفِ، ومعناه: ثَنَوْا رُؤُوسَهم, ومَن قَرَأَ بالتشديدِ فهو تَأكيدٌ.
وقولُه: {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}. أيْ: يُعْرِضُونَ وهم مُمْتَنِعُونَ عن الإيمانِ.
وقولُه: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. ومعناه: أنَّ استغفارَكَ لهم لا يَنْفَعُهم, وعندَهم أنَّ وُجودَه وتَرْكَه واحدٌ.
فإنْ قِيلَ: كيفَ استَغْفَرَ لهم رسولُ اللَّهِ وقدْ عَلِمَ أنَّهم مُنافِقُونَ؟
والجوابُ: أنَّه كانَ يَسْتَغْفِرُ لهم؛ لأنَّهم كانوا يَأْتُونَ يَطْلُبونَ الاستغفارَ، ويَسْأَلُونَ مِنه الصَّفْحَ والعفْوَ، مِثْلَما ذَكَرْنا في سورةِ "التوبةِ"، ولم يَكُنْ يَنْفَعُهم؛ لأنَّهم كانوا كُفَّاراً عندَ اللَّهِ.
وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. أي: المُنافقِينَ، وهم كُفَّارٌ وفُسَّاقٌ ومُنافِقونَ.
وحَكَى بعضُهم عن حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ أنَّه قيلَ له: مَن المُنافِقُ؟ قالَ: الذي يَصِفُ الإيمانَ ولا يَعْمَلُ به.
وعن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قالَ: إنِّي لا أَخافُ عليكم مُؤْمناً تَبَيَّنَ إيمانُه, ولا كافراً تَبَيَّنَ كُفْرُه، وإِنَّما أَخافُ عليكم كلَّ مُنافِقٍ عَلِيمِ اللِّسانِ.
هكذا بالأصل ولعلها يمامة أو حمامة.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 03:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة المنافقون وهي مدنيّةٌ .

{إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه واللّه يعلم إنّك لرسوله واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون (1) اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل اللّه إنّهم ساء ما كانوا يعملون (2) ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (3) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشبٌ مسنّدةٌ يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون (4) }
يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين: إنّهم إنّما يتفوّهون بالإسلام إذا جاءوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأمّا في باطن الأمر فليسوا كذلك، بل على الضّدّ من ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه} أي: إذا حضروا عندك واجهوك بذلك، وأظهروا لك ذلك، وليسوا كما يقولون: ولهذا اعترض بجملةٍ مخبرةٍ أنّه رسول اللّه، فقال: {اللّه واللّه يعلم إنّك لرسوله}
ثمّ قال: {واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون} أي: فيما أخبروا به، وإن كان مطابقًا للخارج؛ لأنّهم لم يكونوا يعتقدون صحّة ما يقولون ولا صدقه؛ ولهذا كذّبهم بالنّسبة إلى اعتقادهم.
وقوله: {اتّخذوا أيمانهم جنّةً فصدّوا عن سبيل اللّه} أي: اتّقوا النّاس بالأيمان الكاذبة والحلفات الآثمة، ليصدّقوا فيما يقولون، فاغترّ بهم من لا يعرف جليّة أمرهم، فاعتقدوا أنّهم مسلمون فربّما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدّقهم فيما يقولون، وهم من شأنهم أنّهم كانوا في الباطن لا يألون الإسلام وأهله خبلا فحصل بهذا القدر ضررٌ كبيرٌ على كثيرٍ من النّاس ولهذا قال تعالى: {فصدّوا عن سبيل اللّه إنّهم ساء ما كانوا يعملون} ولهذا كان الضّحّاك بن مزاحم يقرؤها: "اتّخذوا إيمانهم جنّةً" أي: تصديقهم الظّاهر جنّة، أي: تقيّةً يتّقون به القتل. والجمهور يقرؤها: {أيمانهم} جمع يمينٍ.
[وقوله] {ذلك بأنّهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} أي: إنما قدّر عليهم النّفاق لرجوعهم عن الإيمان إلى الكفران، واستبدالهم الضّلالة بالهدى {فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} أي: فلا يصل إلى قلوبهم هدًى، ولا يخلص إليها خيرٌ، فلا تعي ولا تهتدي.
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم} أي: كانوا أشكالًا حسنةً وذوي فصاحةٍ وألسنةٍ، إذا سمعهم السّامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضّعف والخور والهلع والجزع والجبن؛ ولهذا قال: {يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم} أي: كلّما وقع أمرٌ أو كائنةٌ أو خوفٌ، يعتقدون، لجبنهم، أنّه نازلٌ بهم، كما قال تعالى: {أشحّةً عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنةٍ حدادٍ أشحّةً على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط اللّه أعمالهم وكان ذلك على اللّه يسيرًا} [الأحزاب: 19] فهم جهامات وصورٌ بلا معاني. ولهذا قال: {هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون} أي: كيف يصرفون عن الهدى إلى الضّلال.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد، حدّثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ. عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ للمنافقين علاماتٍ يعرفون بها: تحيّتهم لعنةٌ، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلولٌ، ولا يقربون المساجد إلّا هجرا ولا يأتون الصّلاة إلّا دبرا، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون، خشبٌ باللّيل، صخب بالنّهار". وقال يزيد مرةً: سخبٌ بالنهار.

{وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون (5) سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين (6) }
يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين -عليهم لعائن اللّه-أنّهم {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم} أي: صدوا وأعرضوا عمّا قيل لهم، استكبارًا عن ذلك، واحتقارًا لما قيل لهم ولهذا قال: {ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون} ثمّ جازاهم على ذلك فقال: {سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الفاسقين} كما قال في سورة "براءةٌ" وقد تقدّم الكلام على ذلك، وإيراد الأحاديث المرويّة هنالك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا ابن أبي عمر العدني قال: قال سفيان {لوّوا رءوسهم} قال ابن أبي عمر: حوّل سفيان وجهه على يمينه، ونظر بعينه شزرا، ثمّ قال: هم هذا.
وقد ذكر غير واحدٍ من السّلف أنّ هذا السّياق كلّه نزل في عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ كما سنورده قريبًا إن شاء اللّه تعالى، وبه الثّقة وعليه التّكلان.
وقد قال محمّد بن إسحاق في السّيرة: ولمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة -يعني مرجعه من أحدٍ-وكان عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ -كما حدّثني ابن شهابٍ الزّهريّ-له مقامٌ يقومه كلّ جمعة لا ينكر، شرفًا له من نفسه ومن قومه، وكان فيهم شريفًا، إذا جلس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الجمعة وهو يخطب النّاس قام، فقال: أيّها النّاس، هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أظهركم، أكرمكم اللّه به، وأعزّكم به، فانصروه وعزّروه، واسمعوا له وأطيعوا. ثمّ جلس، حتّى إذا صنع يوم أحد ما صنع -يعني مرجعه بثلث الجيش-ورجع النّاس قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس، أي عدوّ اللّه، لست لذلك بأهلٍ، وقد صنعت ما صنعت. فخرج يتخطّى رقاب النّاس وهو يقول: واللّه لكأنّما قلت بجرًا؛ أن قمت أشدّد أمره. فلقيه رجالٌ من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك. ما لك؟ قال: قمت أشدّد أمره، فوثب عليّ رجالٌ من أصحابه يجذبونني ويعنّفونني، لكأنّما قلت بجرًا، أن قمت أشدّد أمره. قالوا: ويلك. ارجع يستغفر لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: واللّه ما أبتغي أن يستغفر لي
وقال قتادة والسّدّيّ: أنزلت هذه الآية في عبد اللّه بن أبيٍّ، وذلك أنّ غلامًا من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بحديثٍ عنه وأمرٍ شديدٍ، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو يحلف باللّه ويتبرّأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذموه وأنزل اللّه فيه ما تسمعون، وقيل لعدوّ اللّه: لو أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فجعل يلوي رأسه، أي: لست فاعلًا
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الرّبيع الزّهرانيّ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتّى يصلّي فيه، فلمّا كانت غزوة تبوك بلغه أنّ عبد الله ابن أبيّ بن سلولٍ قال: {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} فارتحل قبل أن ينزل آخر النّهار، وقيل لعبد اللّه بن أبيٍّ: ائت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يستغفر لك. فأنزل اللّه: {إذا جاءك المنافقون} إلى قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم}
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى سعيد بن جبيرٍ. وقوله: إنّ ذلك كان في غزوة تبوك، فيه نظرٌ، بل ليس بجيّدٍ؛ فإنّ عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ لم يكن ممّن خرج في غزوة تبوك، بل رجع بطائفةٍ من الجيش. وإنّما المشهور عند أصحاب المغازي والسّير أنّ ذلك كان في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق.
قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدّثني محمّد بن يحيى بن حبّان، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، وعاصم بن عمر بن قتادة، في قصّة بني المصطلق: فبينا رسول اللّه مقيمٌ هناك، اقتتل على الماء جهجاه بن سعيدٍ الغفاريّ -وكان أجيرًا-لعمر بن الخطّاب، وسنان بن وبر قال ابن إسحاق: فحدّثني محمّد بن يحيى بن حبّان قال: ازدحما على الماء فاقتتلا فقال سنانٌ: يا معشر الأنصار. وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين -وزيد بن أرقم ونفرٌ من الأنصار عند عبد اللّه بن أبيٍّ-فلمّا سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا. واللّه ما مثلنا وجلابيب قريشٍ هذه إلّا كما قال القائل: "سمن كلبك يأكلك". واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. ثمّ أقبل على من عنده من قومه وقال: هذا ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما واللّه لو كففتم عنهم لتحوّلوا عنكم في بلادكم إلى غيرها. فسمعها زيد ابن أرقم، فذهب بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو غليّمٌ -وعنده عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه-فأخبره الخبر، فقال عمر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه مر عبّاد بن بشر فليضرب عنقه. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: "فكيف إذا تحدّث النّاس -يا عمر-أنّ محمّدًا يقتل أصحابه؟ لا ولكن ناد يا عمر في الرّحيل".
فلمّا بلغ عبد اللّه بن أبيٍّ أنّ ذلك قد بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أتاه فاعتذر إليه، وحلف باللّه ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم -وكان عند قومه بمكانٍ-فقالوا: يا رسول اللّه، عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرّجل.
وراح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مهجرًا في ساعةٍ كان لا يروح فيها، فلقيه أسيد بن الحضير فسلّم عليه بتحيّة النّبوّة، ثمّ قال: واللّه لقد رحت في ساعةٍ منكرة ما كنت تروح فيها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبيٍّ؟. زعم أنّه إذا قدم المدينة سيخرج الأعزّ منها الأذلّ". قال: فأنت -يا رسول اللّه-العزيز وهو الذّليل. ثمّ قال: يا رسول اللّه ارفق به فواللّه لقد جاء اللّه بك وإنّا لننظم له الخرز لنتوّجه، فإنّه ليرى أن قد استلبته ملكًا.
فسار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالنّاس حتّى أمسوا، ليلته حتّى أصبحوا، وصدر يومه حتّى اشتدّ الضّحى. ثمّ نزل بالنّاس ليشغلهم عمّا كان من الحديث، فلم يأمن النّاس أن وجدوا مس الأرض فناموا، ونزلت سورة المنافقين
وقال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا بشر بن موسى، حدّثنا الحميدي، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاة فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: ياللأنصار. وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما بال دعوى الجاهليّة؟ دعوها فإنّها منتنةٌ". وقال عبد اللّه بن أبيّ بن سلول -وقد فعلوها-: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال جابرٌ: وكان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ كثر المهاجرون بعد ذلك، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "دعه؛ لا يتحدّث النّاس أنّ محمّدًا يقتل أصحابه"
ورواه الإمام أحمد عن حسين بن محمّدٍ المروزيّ، عن سفيان بن عيينة ورواه البخاريّ عن الحميديّ، ومسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن سفيان، به نحوه
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن زيد بن أرقم قال: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. قال: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته، قال: فحلف عبد اللّه بن أبيٍّ أنّه لم يكن شيءٌ من ذلك. قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا؟ قال: فانطلقت فنمت كئيبًا حزينا، قال: فأرسل إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ اللّه قد أنزل عذرك وصدّقك". قال: فنزلت هذه الآية {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} حتّى بلغ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}
ورواه البخاريّ عند هذه الآية، عن آدم بن أبي إياسٍ، عن شعبة ثمّ قال: "وقال ابن أبي زائدة، عن الأعمش، عن عمرٍو، عن ابن أبي ليلى، عن زيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ عندها أيضًا من حديث شعبة، به
طريقٌ أخرى عن زيدٍ: قال الإمام أحمد، رحمه اللّه، حدّثنا يحيى بن آدم، ويحيى بن أبي بكير قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم -وقال ابن أبي بكير عن زيد بن أرقم-قال: خرجت مع عمّي في غزاةٍ، فسمعت عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فذكرت ذلك لعمّي فذكره عمّي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسل إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فحدّثته فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ وأصحابه فحلفوا ما قالوا: فكذبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقه، فأصابني همٌ لم يصبني مثله قطّ، وجلست في البيت، فقال عمّي: ما أردت إلّا أن كذّبك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومقتك. قال: حتّى أنزل اللّه: {إذا جاءك المنافقون} قال: فبعث إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأها رسول اللّه عليّ، ثمّ قال: "إنّ اللّه قد صدّقك"
ثمّ قال أحمد أيضًا: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو إسحاق: أنه سمع زيد ابن أرقم يقول: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ، فأصاب النّاس شدةٌ، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ. فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد اللّه بن أبيٍّ فسأله، فاجتهد يمينه ما فعل. فقالوا: كذب زيدٌ يا رسول اللّه. فوقع في نفسي ما قالوا، حتّى أنزل اللّه تصديقي: {إذا جاءك المنافقون} قال: ودعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليستغفر لهم، فلووا رؤوسهم. وقوله تعالى: {كأنّهم خشبٌ مسنّدةٌ} قال: كانوا رجالًا أجمل شيءٍ.
وقد رواه البخاريّ ومسلمٌ والنّسائيّ، من حديث زهيرٍ ورواه البخاريّ أيضًا والتّرمذيّ من حديث إسرائيل، كلاهما عن أبي إسحاق عمرو بن عبد اللّه السّبيعيّ الهمدانيّ الكوفيّ، عن زيدٍ، به.
طريقٌ أخرى عن زيدٍ: قال أبو عيسى التّرمذيّ: حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي سعدٍ الأزديّ قال: حدّثنا زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكان معنا أناسٌ من الأعراب، فكنّا نبتدر الماء، وكان الأعراب يسبقوننا يسبق الأعرابيّ أصحابه يملأ الحوض، ويجعل حوله حجارةً، ويجعل النّطع عليه حتّى يجيء أصحابه. قال: فأتى رجلٌ من الأنصار الأعرابيّ، فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع حجرًا ففاض الماء، فرفع الأعرابيّ خشبةً، فضرب بها رأس الأنصاريّ فشجّه، فأتى عبد اللّه بن أبيٍّ رأس المنافقين فأخبره -وكان من أصحابه-فغضب عبد اللّه بن أبيٍّ، ثمّ قال: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا من حوله -يعني الأعراب-وكانوا يحضرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند الطّعام. فقال عبد اللّه لأصحابه: إذا انفضّوا من عند محمّدٍ فائتوا محمّدًا بالطّعام، فليأكل هو ومن عنده، ثمّ قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فليخرج الأعزّ منها الأذلّ. قال زيدٌ: وأنا ردف عمّي، فسمعت عبد اللّه فأخبرت عمّي، فانطلق فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليه رسول اللّه، فحلف وجحد، قال: فصدّقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذّبني، فجاء إليّ عمّي فقال: ما أردت إلّا أنّ مقتك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكذبك المسلمون. فوقع عليّ من الغمّ ما لم يقع على أحدٍ قطّ، فبينما أنا أسير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفرٍ وقد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا، ثمّ إنّ أبا بكرٍ لحقني وقال: ما قال لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قلت: ما قال لي رسول اللّه شيئًا، غير أن عرك أذني وضحك في وجهي. فقال: أبشر. ثمّ لحقني عمر فقلت له مثل قولي لأبي بكرٍ. فلمّا أن أصبحنا قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة المنافقين.
انفرد بإخراجه التّرمذيّ وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهكذا رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، عن سعيد بن مسعودٍ، عن عبيد اللّه بن موسى، به وزاد بعد قوله "سورة المنافقين" {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول} حتّى بلغ: {هم الّذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتّى ينفضّوا} حتّى بلغ: {ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}
وقد روى عبد اللّه بن لهيعة، عن أبي الأسود، عروة بن الزّبير في المغازي -وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه أيضًا هذه القصّة بهذا السّياق، ولكن جعلا الّذي بلّغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كلام عبد اللّه بن أبيّ بن سلولٍ إنّما هو أوس بن أرقم، من بني الحارث بن الخزرج. فلعلّه مبلّغٌ آخر، أو تصحيفٌ من جهة السّمع، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/125-131]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir