قولُه تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}. أيْ: تَرَكُوا أمْرَ اللَّهِ فتَرَكَهم مِن نَظَرِه ورَحْمَتِه.
وقيلَ: معناه: تَرَكُوا طَلَبَ الحظِّ لأَنْفُسِهم في الآخِرَةِ بما تَرَكُوا مِن أمْرِ اللَّهِ. ونُسِبَ إلى اللَّهِ تعالى؛ لأنَّ تَرْكَهم طلَبَ الحظِّ لأنفُسِهم وفَواتَه إيَّاهم كانَ لأجْلِ ما تَوَجَّهَ عليهم مِن أمْرِ اللَّهِ.
وقيلَ: مَعناهُ: أغْفَلَهم عن حَظِّ أنْفُسِهم عُقوبةً لهم.
قالَ النَّحَّاسُ: ويَستقيمُ في العربيَّةِ أنْ يُقالَ: نَسِيَهم فُلانٌ بمعنَى تَرَكَهم, ولا يَستقِيمُ: أَنْسَاهُمْ بمعنَى تَرَكَهم.
وقولُه: {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. أي: الخَارِجونَ عن طَاعةِ اللَّهِ.
قولُه تعالى: {لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. أي: النَّاجُونَ.
قولُه تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}. أيْ: إذَا جَعَلْنَا له ما يُمَيِّزُ ويَعْقِلُ.
قيلَ: هو مَذْكورٌ على طريقِ التمثيلِ, لا على طريقِ الحقيقةِ.
وعندَ أهْلِ السُّنَّةِ: إنَّ للَّهِ تعالى في الْمَواتِ والْجَماداتِ عِلْماً لا يَقِفُ عليهِ الناسُ.
وقدْ قالَ في موضِعٍ آخَرَ: {وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}. وهو دليلٌ على ما ذَكَرْنا مِن قَبْلُ.
وقولُه: {خَاشِعاً}. أيْ: ذَليلاً، وقيلَ: {مُتَصَدِّعاً}.أيْ: مُتَشَقِّقاً مِن خَشْيةِ اللَّهِ.
وقولُه: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. أيْ: يَتدَبَّرُونَ.
قولُه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}. أي: السِّرِّ والعَلانِيَةِ، وقيلَ: عالِمُ الغيبِ والشَّهادةِ؛ أيْ: ما كانَ وما يكونُ.
وقولُه: {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}. قد بَيَّنَّا.
قولُه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ}. أي: الْمُقْتَدِرُ على الأشياءِ.
وقولُه: {الْقُدُّوسُ}. أي: الطاهِرُ, وقِيلَ: الْمُنَزَّهُ مِن كُلِّ نَقْصٍ وعَيْبٍ.
وقيلَ: القُدُّوسُ: الْمُقَدَّسُ؛ يَعنِي: يُقَدِّسُه الملائكةُ ويُسَبِّحُونَه. وفي تسبيحِ الملائكةِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الملائكةِ والرُّوحِ. ومِنه بيتُ الْمَقْدِسِ، ومِنه حَظيرةُ القُدُسِ: وهي الْجَنَّةُ، قالَ رُؤْبَةُ:
دَعوتُ رَبَّ العِزَّةِ القُدُّوسَا دُعاءَ مَن لا يَقْرَعُ الناقُوسَا
وقولُه: {السَّلاَمُ}. قالَ قَتَادَةُ: معناه: مسَلَّمٌ مِن الآفاتِ والعُيوبِ.
وقالَ مُجَاهِدٌ: سَلِمَ الناسُ مِن ظُلْمِه.
وفي بعضِ الأخبارِ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى, وَضَعَهُ بَيْنَكُمْ فَأَفْشُوهُ)).
وقولُه: {الْمُؤْمِنُ}. فيه أقوالٌ:
أحَدُها: أنَّه يُؤَمِّنُ المُؤمنِينَ مِن النارِ والعَذابِ.
والآخَرُ: أنَّ المُؤْمنِينَ أَمِنُوا مِن ظُلْمِه فهو مُؤْمِنٌ.
والقولُ الثالثُ: أنَّه شَهِدَ لنَفْسِه بالوَحْدَانِيَّةِ فهو مُؤْمِنٌ بهذا المعنَى. وشَهادتُه لنَفْسِه بالوَحدانيَّةِ هو قولُه تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}.
وقولُه: {الْمُهَيْمِنُ}. قالَ قَتادةُ: أي: الشَّهِيدُ. وقالَ بعضُهم: هو الأَمِينُ. ومعنَى كونِه أَميناً: أنَّه لا يُضِيعُ أعمالَ العِبادِ، فكَأَنَّ أعمالَ العِبادِ في أَمانتِه لا يُضِيعُها.
وقيلَ: هو الرَّقِيبُ.
وقيلَ: إنَّ الْمُهَيْمِنَ أصْلُه:"الْمُؤَيْمِنُ", إلاَّ أنَّه قدْ قُلِبَتِ الهَمْزةُ هاءً, مثلَ قولِهم: أَرَقْتُ الماءَ وهَرَقْتُه.
وقولُه: {الْعَزِيزُ}. أي: الغالبُ.
وقيلَ: القاهرُ.
وقيلَ: الْمَنِيعُ.
وقالَ الشاعِرُ في الْمُهَيْمِنِ:
مَليكٌ عَلَى عَرْشِ السَّماءِ مُهَيْمِنٌ = لعِزَّتِه تَعْنُو الوُجوهُ وتَسْجُدُ
وقولُه: {الْجَبَّارُ}. أيْ: جَبَرَ الخَلْقَ على مُرادِه ومَشِيئَتِه.
وقيلَ: الْجَبَّارُ؛ أي: العظيمُ.
وقيلَ: هو الذي يَفوتُ عن الأوهامِ والإدراكِ. يُقالُ: نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ. إذا كانَتْ طويلةً لا يُوصَلُ إليها بالأَيْدِي.
قولُه: {الْمُتَكَبِّرُ}. أي: الكبيرُ.
وقِيلَ: المُتَكَبِّرُ هو الذي أَعْلَى نفْسَه وعَظَّمَها، وهذا مَمدوحٌ في صِفاتِ اللَّهِ, مذمومٌ في صِفاتِ الخَلْقِ؛ لأنَّ الخلْقَ لا يَخْلُونَ عن نَقِيصةٍ, فلاَ يَلِيقُ بهم إعظامُهم أنْفُسَهم وإعلاؤُهم إيَّاهُمْ، واللَّهُ تعالى لا يَجوزُ عليهِ نقْصٌ فيَصِحُّ مَدْحُه لنَفْسِه وإعظامُه.
وقِيلَ: مَدَحَ نفْسَه ليُعَلِّمَ خَلْقَه مَدْحَهم إيَّاهُ؛ ليُثِيبَهم عليهِ؛ إذْ لا يَجُوزُ أنْ يَعودَ إليه ضَرٌّ ولا نَفْعٌ.
وقولُه: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. قدْ بَيَّنَّا في كثيرٍ مِن المواضِعِ.
قولُه تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ}. أيْ: مُقَدِّرُ الأشياءِ ومُخْتَرِعُها.
وقولُه: {الْبَارِئُ}. قيلَ: هو في معنَى الخالِقِ على طريقِ التأكيدِ. وقيلَ: إنَّ مَعناهُ: الْمُحْيِي بعدَ الإماتةِ. قالَ الشاعِرُ:
وكُلُّ نفْسٍ على سَلاَمَتِها يُمِيتُها اللَّهُ ثُمَّ يَبْرَؤُهَا
ذكَرَه أبو الحَسَنِ بنُ فارِسٍ.
وقولُه: {الْمُصَوِّرُ}. هو التصويرُ المعلومُ, يُصَوِّرُ كلَّ خَلْقٍ على ما يَشاءُ.
وقِيلَ: التصويرُ هو تَرْكِيبٌ مَخصوصٌ في مَحَلٍّ مَخصوصٍ مِن الْخَلْقِ.
وقولُه تعالى: {لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. الْحُسْنَى: هو تأنيثُ الأحْسَنِ، وهي ههنا بِمَعْنَى العُلْيَا.
وقولُه: {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. ظاهِرُ المعنَى.
وقدْ وَرَدَ في بعضِ المَسانيدِ برِوايةِ ابنِ عَبَّاسٍ, عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّه قالَ: ((إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الأَعْظَمَ فِي ثَلاَثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ)). واللَّهُ أعْلَمُ.