دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 05:02 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الطلاق (الآيتان:6-7)


{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 01:02 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي


{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً *}.

(6) تَقَدَّمَ أنَّ اللَّهَ نَهَى عن إخراجِ الْمُطَلَّقَاتِ عن البُيوتِ، وهنا أمَرَ بإسكانِهِنَّ وَقَدَّرَ إسكانَهُنَّ بالمعروفِ، وهو البيتُ الذي يَسكُنُه مِثلُه ومِثلُها، بحَسَبِ وُجْدِ الزوجِ وعُسْرِه.
{وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}؛ أيْ: لا تُضَارُّوهُنَّ عندَ سُكناهُنَّ بالقولِ أو الفعْلِ، لأجْلِ أنْ يَمْلَلْنَ فيَخْرُجْنَ مِن البيوتِ قبلَ تَمامِ العِدَّةِ، فتَكونوا أنتُم الْمُخْرِجِينَ لَهُنَّ.
وحاصِلُ هذا أنَّه نَهَى عن إخراجِهنَّ، ونَهاهُنَّ عن الخروجِ، وأَمَرَ بسُكناهُنَّ على وجهٍ لا يَحصُلُ عليهنَّ ضَرَرٌ ولا مَشَقَّةٌ، وذلكَ راجعٌ إلى العُرْفِ.
{وَإِنْ كُنَّ}؛ أي: الْمُطَلَّقَاتُ {أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ وذلك لأجْلِ الحَمْلِ الذي في بَطْنِها إنْ كانَتْ بائِناً، ولها ولِحَمْلِها إنْ كانَتْ رَجعِيَّةً، ومُنْتَهَى النفقَةِ إلى وضْعِ الحمْلِ.

فإذَا وضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، فإمَّا أنْ يُرْضِعْنَ أولادَهنَّ أو لا؛ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الْمُسَمَّاةَ لَهُنَّ إنْ كانَ مُسَمًّى، وإلاَّ فأجْرُ الْمِثْلِ.
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ}؛ أي: ليَأْمُرْ كلُّ واحدٍ مِن الزوجَيْنِ وغيرِهما الآخَرَ بالمعروفِ، وهو كلُّ ما فيه مَنفَعَةٌ ومَصلحةٌ في الدنيا والآخِرَةِ؛ فإنَّ الغَفْلَةَ عن الائتمارِ بالمعروفِ يَحْصُلُ فيها مِن الضَّررِ والشرِّ ما لا يَعلَمُه إلاَّ اللَّهُ، وفي الائتمارِ تَعاوُنٌ على البِرِّ والتَّقوَى.
ومِمَّا يُناسِبُ هذا المَقامَ أنَّ الزوجَيْنِ عندَ الفِراقِ وقتَ العِدَّةِ ـ خُصوصاً إذا وُلِدَ بينَهما وَلَدٌ ـ في الغالِبِ يَحصُلُ مِن التنازُعِ والتشاجُرِ لأجْلِ النفَقَةِ عليها وعلى الولَدِ معَ الفِراقِ الذي لا يَحصُلُ في الغالبِ إلاَّ مَقْرُوناً بالبُغْضِ، فيَتأثَّرُ مِن ذلكَ شيءٌ كثيرٌ، فكلٌّ منهما يُؤْمَرُ بالمعروفِ والمُعاشَرَةِ الحَسَنَةِ وعدَمِ الْمُشَاقَّةِ والمنازَعَةِ، ويُنصَحُ على ذلك.
{وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} بأنْ لم يَتَّفِقِ الزوجانِ على إرضاعِها لوَلَدِها, {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} غيرُها، و {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ}.
وهذا حيثُ كانَ الولَدُ يَقبَلُ ثَدْيَ غيرِ أُمِّهِ، فإنْ لم يَقْبَلْ إلاَّ ثَدْيَ أُمِّه تَعَيَّنَتْ لإرضاعِه، ووَجَبَ عليها، وأُجْبِرَتْ إنِ امتَنَعَتْ، وكانَ لها أُجْرَةُ الْمِثلِ إنْ لم يَتَّفِقَا على مُسمًّى.
وهذا مأخوذٌ مِن الآيةِ الكريمةِ مِن حيثُ المعنَى، فإنَّ الولَدَ لَمَّا كانَ في بطْنِ أُمِّه مُدَّةَ الحَمْلِ لا خُروجَ له منه، عَيَّنَ تعالى على وَلِيِّهِ النفقَةَ، فلَمَّا وُلِدَ وكانَ يَتمكَّنُ أنْ يَتَقَوَّتَ مِن أُمِّه ومِن غيرِها، أباحَ تعالى الأَمْرَيْنِ.
فإذا كانَ بحالةٍ لا يُمْكِنُ أنْ يَتقوَّتَ إلاَّ مِن أُمِّه، كانَ بِمَنزِلَةِ الحمْلِ وتَعيَّنَتْ أُمُّه طَريقاً لقُوتِه.

(7) ثُمَّ قَدَّرَ تعالى النفقَةَ بحسَبِ حالِ الزوجِ، فقالَ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}؛ أيْ: لِيُنْفِقِ الغَنِيُّ مِن غِناهُ، فلا يُنفِقْ نَفقةَ الفقراءِ.
{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}؛ أيْ: ضُيِّقَ عليهِ، {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} مِن الرِّزْقِ، {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا}؛ وهذا مُناسِبٌ للحِكْمةِ والرحمةِ الإلهيَّةِ، حيثُ جَعَلَ كُلاًّ بحَسَبِه، وخَفَّفَ عن الْمُعْسِرِ، وأنَّه لا يُكَلِّفُه إلاَّ ما آتَاهُ، فلا يُكَلِّفُ اللَّهُ نفْساً إلاَّ وُسْعَهَا في بابِ النفقةِ وغيرِها.
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} وهذه بِشارةٌ للمُعْسِرينَ أنَّ اللَّهَ تعالى سَيُزِيلُ عنهم الشدَّةَ ويَرفَعُ عنهم المَشَقَّةَ؛ فإنَّ معَ العُسْرِ يُسْراً، إنَّ معَ العُسْرِ يُسراً.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 03:11 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


6-{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} هذا بيانُ ما يَجِبُ للمُطَلَّقاتِ مِن السُّكْنَى، أيْ: أَسْكِنُوهُنَّ في بعضِ مَكانِ سُكناكُم.
{مِن وُجْدِكُمْ} أيْ: مِن سَعَتِكم وطَاقَتِكم، وهذا في الْمُطَلَّقَةِ الرَّجعِيَّةِ, أمَّا التي طُلِّقَتِ الثالثةَ فإنها لا نَفقةَ لها ولا سُكْنَى.
{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} في الْمَسكنِ أو النفَقَةِ.
{وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
ولا خِلافَ بينَ العُلماءِ في وُجوبِ النَّفَقَةِ والسُّكْنَى للحامِلِ الْمُطَلَّقَةِ.
{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أيْ: أَرْضَعْنَ أولادَكم بعدَ ذلك.
{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أيْ: أُجورَ إرضاعِهِنَّ.
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ} هو خِطابٌ للأزواجِ والزوجاتِ الذينَ وَقَعَ بينَهم الفِراقُ بالطلاقِ، أيْ: تَشاوَرُوا بينَكم بما هو معروفٌ غيرُ مُنْكَرٍ، ولْيَقْبَلْ بعضُكم مِن بعضٍ المعروفَ والجميلَ في شأنِ الولَدِ، وهذا كما قالَ اللهُ تعالى في الآيةِ (233) مِن سورةِ البَقرةِ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}.
{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} أيْ: في أجْرِ الرَّضاعِ فأَبَى الزوجُ أنْ يُعطيَ الأمَّ الأجْرَ الذي تُريدُ، وأَبَتِ الأمُّ أنْ تُرضِعَه إلا بما تُريدُ مِن الأجْرِ.
{فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أيْ: يَستأجِرُ مُرضِعَةًأُخرى تُرْضِعُ وَلدَه.

7-{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} فيه الأمرُ لأهلِ السَّعَةِ بأنْ يُوَسِّعُوا على الْمُرْضِعات مِن نسائِهم على قدْرِ سَعَتِهم.
{وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أيْ: كان مُضَيَّقاً عليه في الرزْقِ فَقيراً.
{فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} أيْ: مما أَعطاهُ اللهُ مِن الرزْقِ، ليس عليه غيرُ ذلك.
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} أيْ: ما أَعطَاها مِن الرزْقِ، فلا يُكَلِّفُ الفقيرَ بأنْ يُنفِقَ ما ليس في وُسْعِه كنَفقةِ الغَنِيِّ.
{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} أيْ: بعدَ ضِيقٍ وشِدَّةٍ سَعةً وغِنًى.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 10:04 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِِنْ وُجْدِكُمْ}. اختَلَفَ العُلماءُ في وُجوبِ السُّكْنَى للمَبْتوتَةِ, معَ اتِّفاقِهم أنَّها واجبةٌ للرَّجْعِيَّةِ؛ فمَذْهَبُ الشافعِيِّ: أنَّ السُّكْنَى واجبةٌ لها دُونَ النفقَةِ, إلاَّ الحاملَ تَجِبُ لها النفَقَةُ والسُّكْنَي. وهو قولُ مالِكٍ.
ومَذهَبُ أحمدَ وجماعةٍ: أنَّ السُّكْنَى والنفَقَةَ غيرُ وَاجِبَيْنِ للمَبْتوتةِ؛ لحديثِ فاطمةَ بنتِ قَيسٍ.
وَمَذْهَبُ أبي حَنِيفةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أنَّهما واجِبتانِ.

وقولُه: {مِنْ وُجْدِكُمْ}. أيْ: مِن سَعَتِكم، وقالَ الفَرَّاءُ: مِمَّا تَجِدُونَ.
وقرَأَ الأَعْرَجُ: (مِن وَجْدِكُمْ) وهو لَحْنٌ؛ لأنَّ الوُجْدَ مِن الْجِدَةِ، والوَجْدَ مِن الْحُزْنِ والْحَثِّ والعَطْفِ، وليسَ هذا مَوْضِعَه.

وقالَ: {وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}. قالَ مَنْصورٌ عن أبي الضُّحَى: الْمُضَارَّةُ هو أنْ يُرَاجِعَها حينَ تُشْرِفُ على انقضاءِ العِدَّةِ مِن غيرِ رَغْبةٍ؛ لِيُطَوِّلَ عليها العِدَّةَ.
ويُقالُ: إنَّ المرادَ مِن الْمُضَارَّةِ ههنا هو الْمُضَارَّةُ في الْمَنْزِلِ والسُّكْنَى. قالَه مُجاهِدٌ.

وقولُه: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. مَن لم يُوجِبِ النَّفَقَةَ للمَبْتوتةِ الحامِلِ استَدَلَّ بهذهِ الآيةِ وقالَ: إنَّ اللَّهَ تعالى شَرَطَ في وُجوبِ النفقَةِ للمَبتوتاتِ أنْ يَكُنَّ حَوامِلَ.
ومَن أوْجَبَ النَّفَقةَ لَهُنَّ قالَ: قولُه: {وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}. أيْ: في تَرْكِ الإنفاقِ على العُمومِ في الْمَبتوتاتِ.

وقولُه: {وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ}. تَخصيصُ بعضِ ما تَنَاوَلَه اللفْظُ الأوَّلُ بالذِّكْرِ, مثْلُ قولِه تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}. بعدَ ذِكْرِ الملائكةِ.
قالَ بعضُهم: الآيةُ لِبَيانِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ, يَعنِي: أنَّ النفقَةَ تَجِبُ للحامِلِ وإنْ طالَتْ مُدَّةُ حَمْلِها إلى أنْ تَضَعَ الْحَمْلَ.

وقولُه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}؛ أي: الأُمُّ إذَا أرْضَعَتْ بعدَ الطلاقِ يُؤْتِيهَا الأبُ أجْرَها.

وقولُه: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}. أيْ: ليُنْفِقِ الوالِدُ والوالدةُ على ما هو الأنفَعُ للصبِيِّ، فلا تَمْتَنِعُ الوالدةُ مِن الإرضاعِ ولا يَمْتَنِعُ الأبُ مِن إعطاءِ الأجْرِ.
قالَ السُّدِّيُّ: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}. أيْ: تَشَاوَرُوا بينَكم بالمعروفِ. وهو قولٌ ضَعيفٌ.
وقالَ الْمُبَرِّدُ: ليَأْمُرْ بعضُكم بعضاً بالمَعْروفِ.

وقولُه: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ}. أيْ: تَضَايَقْتُمْ وتَنازَعْتُم في الأَجْرِ.

وقولُه: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}. أيْ: إذا لَمْ تَرْضَ الأمُّ بأجْرِ الْمِثْلِ وطَلَبَتْ أكثَرَ منه يُسَلَّمُ الولَدُ إلى غيرِها لتُرْضِعَ بأجْرِ الْمِثْلِ.

وقولُه: {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}. خبرٌ بمعنَى الأمْرِ؛ أي: لِتُرْضِعْ، مثلُ قولِه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ}, وقولِه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}. أيْ: بِمِقْدارِ سَعَتِه، وهو حَثٌّ على التوَسُّعِ في النفَقَةِ لِمَن وَسَّعَ اللَّهُ عليهِ.

وقولُه: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ}. أيْ: ضُيِّقَ عليه رِزْقُه، ولم يَكُنْ له إلاَّ القُوتُ وما يُشبِهُه, وهو قولُه: {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}. أيْ: على قدْرِ ذلك.
وعن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّه سَمِعَ أنَّ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الْجَرَّاحِ يَلْبَسُ الثَّوْبَ الْخَشِنَ ويَأْكُلُ الطعامَ الْجَشِبَ، فبَعَثَ إليهِ بألْفِ دِينارٍ مِن بيتِ المالِ، وأمَرَ الرسولَ أنْ يَتعرَّفَ حالَه بعدَ ذلكَ, فتَوَسَّعَ وأكَلَ الطَّيِّبَ مِن الطعامِ، ولَبِسَ اللَّيِّنَ مِن الثيابِ, فرَجَعَ الرسولُ فأَخْبَرَ عُمَرَ بذلك, فقالَ: إنه تَأَوَّلَ قولَه تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}. ذَكَرَه القَفَّالُ في تفسيرِه.

وقولُه: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا}.

وقولُه: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}؛ أيْ: بعدَ ضِيقٍ سَعَةً، وبعدَ فقْرٍ غِنًى.
قالَ أهْلُ التفسيرِ: أرادَ به أصحابَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ, كانوا في ضِيقٍ، ثم وَسَّعَ اللَّهُ عليهم.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 03:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضارّوهنّ لتضيّقوا عليهنّ وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى (6) لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا ما آتاها سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسرًا (7) }
يقول تعالى آمرًا عباده إذا طلّق أحدهم المرأة أن يسكنها في منزلٍ حتّى تنقضي عدّتها، فقال: {أسكنوهنّ من حيث سكنتم} أي: عندكم، {من وجدكم} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحدٍ: يعني سعتكم. حتّى قال قتادة: إن لم تجد إلّا جنب بيتك فأسكنها فيه.
وقوله: {ولا تضارّوهنّ لتضيّقوا عليهنّ} قال مقاتل بن حيّان: يعني يضاجرها لتفتدي منه بمالها أو تخرج من مسكنه.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى: {ولا تضارّوهنّ لتضيّقوا عليهنّ} قال: يطلّقها، فإذا بقي يومان راجعها.
وقوله: {وإن كنّ أولات حملٍ فأنفقوا عليهنّ حتّى يضعن حملهنّ} قال كثيرٌ من العلماء منهم ابن عبّاسٍ، وطائفةٌ من السّلف، وجماعاتٌ من الخلف: هذه في البائن، إن كانت حاملًا أنفق عليها حتّى تضع حملها، قالوا: بدليل أنّ الرّجعيّة تجب نفقتها، سواءٌ كانت حاملًا أو حائلًا.
وقال آخرون: بل السّياق كلّه في الرّجعيّات، وإنّما نصّ على الإنفاق على الحامل وإن كانت رجعيّةً؛ لأنّ الحمل تطول مدّته غالبًا، فاحتيج إلى النّصّ على وجوب الإنفاق إلى الوضع؛ لئلّا يتوهّم أنّه إنّما تجب النّفقة بمقدار مدّة العدّة.
واختلف العلماء: هل النّفقة لها بواسطة الحمل، أم للحمل وحده؟ على قولين منصوصين عن الشّافعيّ وغيره، ويتفرّع عليها مسائل مذكورةٌ في علم الفروع.
وقوله: {فإن أرضعن لكم} أي: إذا وضعن حملهنّ وهنّ طوالق، فقد بنّ بانقضاء عدّتهنّ، ولها حينئذٍ أن ترضع الولد، ولها أن تمتنع منه، ولكن بعد أن تغذّيه باللبّأ -وهو باكورة اللّبن الّذي لا قوام للولد غالبًا إلّا به-فإن أرضعت استحقّت أجر مثلها، ولها أن تعاقد أباه أو وليّه على ما يتّفقان عليه من أجرةٍ؛ ولهذا قال تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ} وقوله: {وأتمروا بينكم بمعروفٍ} أي: ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف، من غير إضرارٍ ولا مضارّةٍ، كما قال تعالى في سورة "البقرة": {لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده} [البقرة: 233]
وقوله: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} أي: وإن اختلف الرّجل والمرأة، فطلبت المرأة أجرة الرّضاع كثيرًا ولم يجبها الرّجل إلى ذلك، أو بذل الرّجل قليلًا ولم توافقه عليه، فليسترضع له غيرها. فلو رضيت الأمّ بما استؤجرت عليه الأجنبيّة فهي أحقّ بولدها.
وقوله: {لينفق ذو سعةٍ من سعته} أي: لينفق على المولود والده، أو وليّه، بحسب قدرته، {ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسًا إلا ما آتاها} كقوله: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286].
روى ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا حكّام، عن أبي سنانٍ قال: سأل عمر بن الخطّاب عن أبي عبيدة، فقيل: إنّه يلبس الغليظ من الثّياب، ويأكل أخشن الطّعام، فبعث إليه بألف دينارٍ، وقال للرّسول: انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها: فما لبث أن لبس اللّيّن من الثّياب، وأكل أطيب الطّعام، فجاءه الرّسول فأخبره، فقال: رحمه اللّه، تأوّل هذه الآية: {لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه}
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ في معجمه الكبير: حدّثنا هاشم بن مرثدٍ الطّبرانيّ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ، أخبرني أبي، أخبرني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ -واسمه الحارث-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثة نفرٍ، كان لأحدهم عشرة دنانير، فتصدّق منها بدينارٍ. وكان لآخر عشر أواقٍ، فتصدّق منها بأوقيّةٍ. وكان لآخر مائة أوقيّةٍ، فتصدّق منها بعشر أواقٍ". فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هم في الأجر سواءٌ، كلٌّ قد تصدّق بعشر ماله، قال اللّه تعالى: {لينفق ذو سعةٍ من سعته}
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقوله: {سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسرًا} وعدٌ منه تعالى، ووعده حقٌّ، لا يخلفه، وهذه كقوله تعالى: {فإنّ مع العسر يسرًا إنّ مع العسر يسرًا} [الشّرح: 5، 6]
وقد روى الإمام أحمد حديثًا يحسن أن نذكره ها هنا، فقال: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا عبد الحميد بن بهرام، حدّثنا شهر بن حوشب قال: قال أبو هريرة: بينما رجلٌ وامرأةٌ له في السّلف الخالي لا يقدران على شيءٍ، فجاء الرّجل من سفره، فدخل على امرأته جائعًا قد أصاب مسغبةً شديدةً، فقال لامرأته: عندك شيءٌ؟ قالت: نعم، أبشر، أتاك رزق اللّه، فاستحثّها، فقال: ويحك! ابتغي إن كان عندك شيءٌ. قالت نعم، هنيهة -ترجو رحمة اللّه-حتّى إذا طال عليه الطّوى قال: ويحك! قومي فابتغي إن كان عندك شيءٌ فائتيني به، فإني قد بلغت وجهدت. فقال: نعم، الآن ينضح التّنّور فلا تعجل. فلمّا أن سكت عنها ساعةً وتحيّنت أن يقول لها، قالت من عند نفسها: لو قمت فنظرت إلى تنّوري؟ فقامت فنظرت إلى تنورها ملآن من جنوب الغنم، ورحييها تطحنان. فقامت إلى الرّحى فنفضتها، واستخرجت ما في تنّورها من جنوب الغنم.
قال أبو هريرة: فوالّذي نفس أبي القاسم بيده، هو قول محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو أخذت ما في رحييها ولم تنفضها لطحنتا إلى يوم القيامة"
وقال في موضعٍ آخر: حدّثنا أبو عامرٍ، حدّثنا أبو بكرٍ، عن هشامٍ، عن محمّدٍ -وهو ابن سيرين-عن أبي هريرة قال: دخل رجلٌ على أهله، فلمّا رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البريّة، فلمّا رأت امرأته قامت إلى الرّحى فوضعتها، وإلى التّنّور فسجرته، ثمّ قالت: اللّهمّ ارزقنا. فنظرت، فإذا الجفنة قد امتلأت، قال: وذهبت إلى التّنّور فوجدته ممتلئًا، قال: فرجع الزّوج قال: أصبتم بعدي شيئًا؟ قالت امرأته: نعم، من ربّنا. قام إلى الرّحى، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما إنّه لو لم ترفعها، لم تزل تدور إلى يوم القيامة"). [تفسير القرآن العظيم: 8/152-154]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir