دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:58 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة التغابن (الآيات: 7-13)


{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 12:44 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي


{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ *}.

(7) يُخْبِرُ تعالى عن عِنادِ الكافرِينَ وزَعْمِهم الباطلِ وتَكذيبِهم بالبَعْثِ بغيرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كتابٍ مُنيرٍ، فأَمَرَ أشْرَفَ خَلْقِه أنْ يُقْسِمَ برَبِّه على بَعْثِهم وجَزائِهم بأعمالِهم الْخَبيثةِ وتَكذيبِهم بالْحَقِّ.
{وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}؛ فإِنَّه وإنْ كانَ عَسِيراً، بل مُتَعَذِّراً بالنِّسبةِ إلى الخَلْقِ، فإنَّ قُوَاهُم كلِّهم لو اجْتَمَعَتْ على إحياءِ مَيِّتٍ واحدٍ ما قَدَرُوا على ذلكَ، وأمَّا اللَّهُ تعالى فإنَّه إذا أَرادَ شيئاً قالَ له: كُنْ فَيَكُونُ.
قالَ تعالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}.
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ *}.

(8) لَمَّا ذَكَرَ تعالى إنكارَ مَن أنْكَرَ البَعْثَ، وأنَّ ذلكَ مِنهم مُوجِبٌ كُفْرَهم باللَّهِ وآياتِه، أمَرَ بما يَعْصِمُ مِن الْهَلَكَةِ والشَّقاءِ، وهو الإيمانُ به وبرسولِه وبكتابِه، وسَمَّاهُ اللَّهُ نُوراً؛ لأنَّ النورَ ضِدُّ الظُّلمةِ، فما في الكتابِ الذي أَنْزَلَه اللَّهُ مِن الأحكامِ والشرائعِ والأخبارِ أنوارٌ يُهْتَدَى بها في ظُلُمَاتِ الجَهْلِ الْمُدْلَهِمَّةِ، ويُمْشَى بها في حِنْدِسِ اللَّيلِ البَهيمِ، وما سِوَى الاهتداءِ بكتابِ اللَّهِ فهي عُلومٌ ضَرَرُها أكثَرُ مِن نَفْعِها، وشَرُّها أكثَرُ مِن خَيْرِها، بل لا خَيرَ فيها ولا نَفْعَ إلاَّ ما وَافَقَ ما جاءَتْ به الرُّسُلُ.
والإيمانُ باللَّهِ ورسولِه وكتابِه يَقْتَضِي الْجَزْمَ التامَّ واليَقِينَ الصادِقَ بها والعملَ بِمُقْتَضَى ذاكَ التصديقِ مِن امتثالِ الأوامرِ واجتنابِ النواهِي.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}؛ فيُجازِيكُم بأعمالِكم الصالحةِ والسيِّئَةِ.
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *}.

(9) يَعنِي: اذْكُرُوا يومَ الْجَمْعِ الذي يَجمَعُ اللَّهُ به الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، ويَقِفُهم مَوْقِفاً هائلاً عَظيماً، ويُنَبِّئُهم بما عَمِلُوا، فحينَئذٍ يَظْهَرُ الفَرْقُ والتغابُنُ بينَ الخلائقِ، ويُرْفَعُ أقوامٌ إلى عِلِّيِّينَ في الغُرَفِ العَالياتِ والمنازِلِ المُرْتَفِعاتِ المشتَمِلَةِ على جميعِ اللَّذَّاتِ والشَّهَوَاتِ، ويُخْفَضُ أقوامٌ إلى أسفَلِ سافلِينَ مَحَلِّ الهمِّ والغَمِّ والحُزْنِ والعَذابِ الشديدِ.
وذلك نَتيجةُ ما قَدَّمُوهُ لأنفُسِهم وأَسْلَفُوه أيَّامَ حياتِهم.
ولهذا قالَ: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}؛ أيْ: يَظْهَرُ فيهِ التغابُنُ والتفاوُتُ بينَ الخلائقِ، ويَغْبِنُ المُؤمنونَ الفاسقِينَ، ويَعْرِفُ المُجْرِمونَ أنَّهم على غيرِ شيءٍ، وأنَّهم هم الخَاسِرونَ.
فكأنَّه قِيلَ: بأيِّ شيءٍ يَحْصُلُ الفلاحُ والشَّقَاءُ والنَّعِيمُ والعذابُ؟
فذكَرَ تعالى أسبابَ ذلك بقولِه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} إِيماناً تامًّا شاملاً لجميعِ ما أمَرَ اللَّهُ بالإيمانِ به، {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} مِن الفَرائضِ والنوافِلِ، مِن أداءِ حُقوقِ اللَّهِ وحُقوقِ عِبادِه؛ {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فيها ما تَشتَهِيهِ الأَنْفُسُ، وتَلَذُّ الأَعْيُنُ، وتَختارُه الأرواحُ، وتَحِنُّ إليهِ القُلوبُ، ويَكونُ نِهايةَ كلِّ مَرغوبٍ, {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أيْ: كَفَرُوا بها مِن غيرِ مُستنَدٍ شَرْعِيٍّ ولا عَقْلِيٍّ، بلْ جاءَتْهم الأدِلَّةُ والبَيِّناتُ، فكَذَّبوا بها وعانَدُوا ما دَلَّتْ عليه {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ لأنَّها جَمَعَتْ كلَّ بُؤْسٍ وشِدَّةٍ وشَقاءٍ وعذابٍ.
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *}.

(11) يقولُ تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وهذا عامٌّ لجميعِ الْمَصائِبِ في النَّفْسِ والمالِ والولَدِ والأحبابِ ونَحْوِهم.
فجميعُ ما أصابَ العِبادَ بقَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِه قدْ سَبَقَ بذلك عِلْمُ اللَّهِ، وجَرَى بهِ قلَمُه، ونَفَذَتْ بهِ مَشيئتُه واقْتَضَتْهُ حِكمتُه، ولكنَّ الشأنَ كُلَّ الشَّأْنِ: هل يَقُومُ العبدُ بالوَظيفةِ التي عليهِ في هذا الْمَقامِ أمْ لا يَقومُ بها؟
فإنْ قامَ بها، فله الثوابُ الْجَزيلُ والأجْرُ الجميلُ في الدنيا والآخِرَةِ، فإذا آمَنَ أنَّها مِن عندِ اللَّهِ، فرَضِيَ بذلك وسَلَّمَ لأمْرِه؛ هَدَى اللَّهُ قَلبَه، فاطمَأَنَّ ولم يَنْزَعِجْ عندَ الْمَصائبِ، كما يَجرِي مِمَّن لم يَهْدِ اللَّهُ قَلبَه، بل يَرْزُقُه اللَّهُ الثباتَ عندَ وُرودِها والقيامَ بِمُوجِبِ الصَّبْرِ، فيَحْصُلُ له بذلك ثوابٌ عاجِلٌ معَ ما يَدَّخِرُ اللَّهُ له يومَ الْجَزاءِ مِن الأَجْرِ العظيمِ؛ كما قالَ تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وعُلِمَ مِن ذلك أنَّ مَن لم يُؤْمِنْ باللَّهِ عندَ وُرودِ الْمَصائِبِ، بأنْ لم يَلْحَظْ قَضاءَ اللَّهِ وقَدَرَه، بل وقَفَ معَ مُجَرَّدِ الأسبابِ، أنَّه يُخْذَلُ ويَكِلُه اللَّهُ إلى نفْسِه، وإذا وُكِلَ العبدُ إلى نفْسِه، فالنفْسُ ليسَ عندَها إلاَّ الْهَلَعُ والجَزَعُ الذي هو عُقوبةٌ عاجلةٌ على العبْدِ قبلَ عُقوبةِ الآخِرةِ على ما فَرَّطَ في واجبِ الصبرِ.
هذا ما يَتَعَلَّقُ بقولِه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} في مَقامِ المصائِبِ الخاصِّ.
وأمَّا ما يَتَعَلَّقُ بها مِن حيثُ العُمومُ اللفْظِيُّ؛ فإنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أنَّ كلَّ مَن آمَنَ ـ أي: الإيمانَ المأمورَ به، وهو الإيمانُ باللَّهِ ومَلائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّه ـ وصَدَّقَ إيمانُهُ بما يَقتَضِيهِ الإيمانُ مِن لَوازِمِه ووَاجباتِه، أنَّ هذا السبَبَ الذي قامَ به العبدُ أكبرُ سببٍ لِهِدايةِ اللَّهِ له في أقوالِه وأفعالِه وجَميعِ أحوالِه، وفي عِلْمِه وعَمَلِه.
وهذا أفْضَلُ جزاءٍ يُعطِيهِ اللَّهُ لأهْلِ الإيمانِ، كما قالَ تعالى مُخْبِراً أنَّه يُثَبِّتُ المُؤمنِينَ في الحياةِ الدنيا وفي الآخِرَةِ.
وأَصْلُ الثباتِ ثَباتُ القلْبِ وصَبْرُه، ويَقينُه عندَ وُرُودِ كلِّ فِتْنةٍ، فقالَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}؛ فأهْلُ الإيمانِ أهْدَى الناسِ قُلُوباً وأَثْبَتُهم عندَ الْمُزْعِجاتِ والْمُقْلِقَاتِ؛ وذلكَ لِمَا معَهم مِن الإيمانِ.

(12) وقولُه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}؛ أيْ: في امتثالِ أمْرِهما واجتنابِ نَهْيِهما؛ فإنَّ طاعةَ اللَّهِ وطاعةَ رَسولِه مَدارُ السعادةِ وعُنوانُ الفلاحِ.
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ}؛ أيْ: عن طاعةِ اللَّهِ وطاعةِ رسولِه، {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}؛ أيْ: يُبَلِّغُكم ما أُرْسِلَ به إليكم بَلاغاً بَيِّناً واضحاً، فتَقومُ عليكم به الْحُجَّةُ، وليسَ بيَدِه مِن هِدايتِكم ولا مِن حِسابِكم شيءٌ، وإِنَّما يُحَاسِبُكم على القِيامِ بطاعةِ اللَّهِ وطاعةِ رَسولِه أو عَدَمِ ذلك، عالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ.

(13) {اللَّهُ} الذي {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}؛ أيْ: هو الْمُسْتَحِقُّ للعِبادةِ والأُلُوهِيَّةِ، فكُلُّ مَعبودٍ سِواهُ فباطِلٌ.
{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أيْ: فلْيَعْتَمِدُوا عليهِ في كُلِّ أمْرٍ نَابَهم وفيما يُرِيدُونَ القِيامَ به؛ فإِنَّه لا يَتَيَسَّرُ أمْرٌ مِن الأمورِ إلاَّ باللَّهِ، ولا سبيلَ إلى ذلكَ إلاَّ بالاعتمادِ على اللَّهِ، ولا يَتِمُّ الاعتمادُ على اللَّهِ حتى يُحْسِنَ العبْدُ ظَنَّهُ برَبِّه، ويَثِقَ به في كِفايتِه الأمْرَ الذي يَعتمِدُ عليه به، وبِحَسَبِ إيمانِ العبدِ يكونُ تَوَكُّلُه قوَّةً وضَعفاً.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:51 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


7-{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}, أمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ أنْ يُخْبِرَهم بأنَّ اللهَ سيُحْيِيهِم بعدَ الموتِ، وأنْ يَحْلِفَ لهم على ذلك، أيْ: واللهِ لتُخْرَجُنَّ مِن قُبورِكم.
{ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} أيْ: لتُخْبَرُنَّ بذلك؛ إقامةً للحُجَّةِ عليكمْ، ثم تُجْزَوْنَ به.
{وَذَلِكَ} البعْثُ والجزاءُ {عَلَى اللهِ يَسِيرٌ}.

8-{وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} وهو القرآنُ؛ لأنه نُورٌ يُهتدَى به مِن ظُلمةِ الضلالِ.

9-{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} أيْ: ليومِ القِيامةِ، فإنه يُجمَعُ فيه أهلُ الْمَحشَرِ للجزاءِ، ويُجمَعُ فيه بَيْنَ كلِّ عامِلٍ وعَمَلِه، وبينَ كلِّ نَبِيٍّ وأُمَّتِه، وبينَ كلِّ مَظلومٍ وظالِمِه، وبينَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ.
{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} يَغْبِنُ فيه أهلُ الْمَحشَرِ بعضُهم بعضاً، فيَغْبِنُ فيه أهلُ الحقِّ أهلَ الباطِلِ، ولا غَبْنَ أعظَمُ مِن غَبْنِ أهلِ الجنَّةِ أهلَ النارِ، فكأنَّ أهْلَ النارِ استَبْدَلُوا الخيرَبالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ والنعيمَ بالعذابِ، وأهْلَ الجنةِ على العكْسِ مِن ذلك، يُقالُ: غَبَنْتُ فُلاناً. إذا بايَعْتَه أو شارَيْتَه فكانَ النقْصُ عليه, فالْمَغبونُ مَن غُبِنَ أهلَه ومَنازِلَه في الجنَّةِ.
{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} أيْ: مَن وَقَعَ منه التصديقُ مع العمَلِ الصالحِ استَحَقَّ تكفيرَ سَيِّئَاتِه.

11-{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} أيْ: بقَضائِه وقَدَرِه. قيلَ: وسببُ نُزُولِها أنَّ الكُفَّارَ قالوا: لو كان ما عليه المسلمونَ حَقًّا لصَانَهم اللهُ عن الْمَصائِبِ في الدنيا {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} أيْ: مَن يُصَدِّقْ ويَعْلَمْ أنه لا يُصيبُه إلاَّ ما قَدَّرَه اللهُ عليه، يَهْدِ قلبَه عندَ الْمُصيبةِ، فيَعْلَمْ أنها مِن اللهِ، وأنَّ ما أصابَه لم يكنْ ليُخْطِئَه، وما أخْطَأَه لم يَكنْ ليُصيبَه، فيُسَلِّمْ لقضائِه، ويَسترجِعْ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وإذا أَنْعَمَ عليه شكَرَ.
{وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أيْ: بليغُ العلْمِ لا تَخفَى عليه مِن ذلك خَافيةٌ.

12-{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أيْ: اشتَغِلُوا بطاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِه.
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أيْ: إنْ أَعْرَضْتُم عن الطاعةِ فإِثْمُكم على أنفُسِكُم، وليس على الرسولِ مِن بأسٍ.
{فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ليس عليه غيرُ ذلك وقد فَعَلَ.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 09:30 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

وقولُه تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا}. حُكِيَ عن مُجاهِدٍ أنَّه كانَ يَكْرَهُ لَفْظَةَ "زَعَمُوا", وكذلكَ حُكِيَ عن ابنِ مَسعودٍ.
وفي بعضِ التفاسيرِ عن ابنِ عمرَ قالَ: كُنْيَةُ الكَذِبِ. ونحوُ ذلك عن شُريحٍ، فزَعَمُوا ههنا بمعنى "قالوا" و"أَخْبَرُوا"، قالَ الشاعِرُ:

ألاَ زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ اليومَ أَنَّنِي = كَبِرتُ، وأَنْ لا يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي

وقولُه: {أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}. يَعنِي: بعدَ الموتِ.

وقولُه: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}. قولُه: {بَلَى} في هذا الْمَوْضِعِ لتَكذيبِ القوْمِ فيما زَعَمُوا، وهو مِثلُ قولِ القائلِ لغيرِه: وقدْ أَمَرْتُكَ بكذا وكذا. فيَقولُ الرجُلُ: ما سَمِعْتُ وما أَمَرْتَنِي به. فيقولُ: بلى. أيْ: وكَذَبْتَ قدْ سَمِعْتَ وقد أمَرْتُكَ.

وقولُه: {ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}. أيْ: هَيِّنٌ.
وقولُه تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا}. أي: القرآنِ الذي أَنْزَلْنَاهُ على مُحَمَّدٍ, {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. أيْ: عَلِيمٌ.

قولُه تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ}. أيْ: يومِ القِيامةِ، وسُمِّيَ يومَ الجمْعِ؛ لأنَّه يَجتمِعُ فيه الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، ويَجْتَمِعُ أهْلُ السماواتِ وأهْلُ الأرضِ.

وقولُه: {وَذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}. عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: هو اسمٌ ليومِ القِيامةِ، وفي التَّغَابُنِ مَعنيانِ:
أحَدُهما: أنَّ أهْلَ الحقِّ يَغْبِنُونَ أهْلَ الباطِلِ، وأهْلَ الإيمانِ يَغْبِنونَ أهلَ الكفْرِ.
والقولُ الثاني: أنَّ اللَّهَ تعالى سَمَّى لكُلِّ أحَدٍ مِن خَلْقِه مَنْزِلاً في النارِ ومَنْزِلاً في الْجَنَّةِ، فمَن كانَ مُؤْمِناً يَرِثُ مَنْزِلَ الكافِرِ في الجنَّةِ، ومَن كانَ كافراً يَرِثُ منْزِلَ المُؤْمِنِ في النارِ، وهو معنَى التغابُنِ يومَ القِيامةِ.
وعن بعضِهم: أنَّ الغَبْنَ هو أخْذُ الشيءِ بدونِ قِيمتِه، فبِالتفاوُتِ الذي يَقَعُ بينَ القِيمةِ وما دُونَها يَحْصُلُ التغابُنُ، فالمؤمنونَ لَمَّا عَمِلُوا للجنَّةَ وللنعيمِ الباقِي فقَدْ غَبَنُوا أهْلَ النارِ، والكُفَّارُ لَمَّا اخْتَارُوا النعيمَ الْمُنْقَطِعَ على النعيمِ الباقِي، والدارَ التي تَفْنَى على الدَّارِ التي لا تَفْنَى، فقدْ غُبِنوا.
قالَ زيدُ بنُ عَلِيٍّ: غَبَنُوا أنْفُسَهم, والغَبْنُ ههنا يَعنِي الْخُسرانَ في () هذا الْمَوْضِعِ.

وقولُه تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. ظاهِرُ المعنى.

قولُه تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. أي: المرجِعُ والْمُنْقَلَبُ.

قولُه تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} أيْ: بعِلْمِه وقضائِه وتَقديرِه.

وقولُه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}. قالَ عَلْقَمَةُ: ومَن يُؤمِنْ باللَّهِ في الْمُصيبةِ - أيْ: يَعلَمْ أنَّها مِن اللَّهِ - يَهْدِ قَلْبَه للاسترجاعِ والتسليمِ لأمْرِ اللَّهِ تعالى. ومِثلُه عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ.
وعن بعضِهم: {يَهْدِ قَلْبَهُ}؛ أيْ: للصَّبْرِ إذا ابْتُلِيَ, وللشُّكْرِ إذا أُنْعِمَ عليه، وللعفْوِ إذا ظُلِمَ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: يَهْدِ قَلْبَه لليَقينِ، فيَعلَمُ أنَّ ما أَخطأَهُ لَمْ يَكُنْ ليُصِيبَه، وأنَّ ما أصابَه لم يَكُنْ لِيُخْطِئَه. وذَكَرَ الأَزْهَرِيُّ في كتابِه أنَّ معنَى قولِه: {يَهْدِ قَلْبَهُ}؛ أيْ: يَجْعَلْه مُهْتَدِياً.
وقدْ أَيَّدَ هذا القولَ ما حُكِيَ عن ابنِ جُرَيْجٍ أنَّه قالَ: مَن عَرَفَ اللَّهَ فهو مُهتدِي القلْبِ.
وقولُه: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

قولُه تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}. أي: الْبَيِّنُ.

قولُه تعالى: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. قدْ بَيَّنَّا.
لعلها زائدة.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({زعم الّذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبّؤنّ بما عملتم وذلك على اللّه يسيرٌ (7) فآمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزلنا واللّه بما تعملون خبيرٌ (8) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التّغابن ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحًا يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم (9) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار خالدين فيها وبئس المصير (10) }
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين والكفّار والملحدين أنّهم يزعمون أنّهم لا يبعثون: {قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبّؤنّ بما عملتم} أي: لتخبرنّ بجميع أعمالكم، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، {وذلك على اللّه يسيرٌ} أي: بعثكم ومجازاتكم.
وهذه هي الآية الثّالثة الّتي أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقسم بربّه، عزّ وجلّ، على وقوع المعاد ووجوده فالأولى في سورة يونس: {ويستنبئونك أحقٌّ هو قل إي وربّي إنّه لحقٌّ وما أنتم بمعجزين} [يونس: 53] والثّانية في سورة سبأٍ: {وقال الّذين كفروا لا تأتينا السّاعة قل بلى وربّي لتأتينّكم} الآية [سبأ: 3] والثّالثة هي هذه [ {زعم الّذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربّي لتبعثنّ ثمّ لتنبّؤنّ بما عملتم وذلك على اللّه يسيرٌ}]
ثمّ قال تعالى: {فآمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزلنا} يعني: القرآن، {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: فلا تخفى عليه من أعمالكم خافيةٌ.
وقوله: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} وهو يوم القيامة، سمّي بذلك لأنّه يجمع فيه الأوّلون والآخرون في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، كما قال تعالى: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} [هودٍ: 103] وقال تعالى: {قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ} [الواقعة: 49، 50]
وقوله: {ذلك يوم التّغابن} قال ابن عبّاسٍ: هو اسمٌ من أسماء يوم القيامة. وذلك أنّ أهل الجنّة يغبنون أهل النّار. وكذا قال قتادة ومجاهدٌ.
وقال مقاتل بن حيّان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنّة، ويذهب بأولئك إلى النّار.
قلت: وقد فسّر ذلك بقوله تعالى: {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحًا يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار خالدين فيها وبئس المصير} وقد تقدّم تفسير مثل هذه غير مرّةٍ.

{ما أصاب من مصيبةٍ إلّا بإذن اللّه ومن يؤمن باللّه يهد قلبه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (11) وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّيتم فإنّما على رسولنا البلاغ المبين (12) اللّه لا إله إلّا هو وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (13) }
يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد: {ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] وهكذا قال هاهنا: {ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن اللّه} قال ابن عبّاسٍ: بأمر اللّه، يعني: عن قدره ومشيئته.
{ومن يؤمن باللّه يهد قلبه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} أي: ومن أصابته مصيبةٌ فعلم أنّها بقضاء اللّه وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء اللّه، هدى اللّه قلبه، وعوّضه عمّا فاته من الدّنيا هدى في قلبه، ويقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال الأعمش، عن أبي ظبيان قال: كنّا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} فسئل عن ذلك فقال: هو الرّجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنّها من عند اللّه، فيرضى ويسلّم. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ
وقال سعيد بن جبيرٍ، ومقاتل بن حيّان: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} يعني: يسترجع، يقول: {إنّا للّه وإنّا إليه راجعون} [البقرة: 156]
وفي الحديث المتّفق عليه: "عجبًا للمؤمن، لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له، إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلّا للمؤمن"
وقال أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا الحارث بن يزيد، عن عليّ بن رباح؛ أنّه سمع جنادة بن أبي أميّة يقول: سمعت عبادة بن الصّامت يقول: أنّ رجلًا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أيّ العمل أفضل؟ قال: "إيمانٌ باللّه، وتصديقٌ به، وجهادٌ في سبيله". قال: أريد أهون من هذا يا رسول اللّه. قال: "لا تتّهم اللّه في شيءٍ، قضى لك به". لم يخرّجوه
وقوله: {وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} أمرٌ بطاعة اللّه ورسوله فيما شرع، وفعل ما به أمر وترك ما عنه نهى وزجر، ثمّ قال: {فإن تولّيتم فإنّما على رسولنا البلاغ المبين} أي: إن نكلتم عن العمل فإنّما عليه ما حمّل من البلاغ، وعليكم ما حمّلتم من السّمع والطّاعة.
قال الزّهريّ: من اللّه الرّسالة، وعلى الرّسول البلاغ وعلينا التّسليم
ثمّ قال تعالى مخبرًا أنّه الأحد الصّمد، الّذي لا إله غيره، فقال: {اللّه لا إله إلا هو وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} فالأوّل خبرٌ عن التّوحيد، ومعناه معنى الطّلب، أي: وحّدوا الإلهيّة له، وأخلصوها لديه، وتوكّلوا عليه، كما قال تعالى: {ربّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا} [المزمل: 9] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/136-138]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir