دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الصف (الآيات: 10-14)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا
عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 12:10 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}.
(10)هذا وَصِيَّةٌ ودَلالةٌ وإرشادٌ مِن أَرحَمِ الراحِمِينَ لعِبادِه المُؤمنِينَ لأعظَمِ تِجارةٍ وأجَلِّ مَطلوبٍ وأَعْلَى مَرغوبٍ، يَحْصُلُ بها النَّجاةُ مِن العذابِ الأليمِ، والفوْزُ بالنعيمِ الْمُقيمِ.
وأتَى بأَداةِ العَرْضِ الدالَّةِ على أنَّ هذا أمْرٌ يَرْغَبُ فيهِ كلُّ مُتَصَبِّرٍ، ويَسْمُو إليهِ كلُّ لَبيبٍ.
(11) فكأنَّه قِيلَ: ما هذهِ التِّجارةُ التي هذا قَدْرُها؟ فقالَ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
ومِن المعلومِ أنَّ الإيمانَ التامَّ هو التصديقُ الجازِمُ بما أمَرَ اللَّهُ بالتصديقِ به، المستلْزِمُ لأعمالِ الجوارحِ، التي مِن أَجَلِّها الجهادُ في سبيلِه.
فلهذا قالَ: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}؛ بأنْ تَبْذُلُوا نُفُوسَكم ومُهَجَكم لِمُصادَمَةِ أعداءِ الإسلامِ.
والقَصْدُ نَصْرُ دِينِ اللَّهِ وإعلاءُ كَلِمَتِه، وتُنْفِقُونَ ما تَيَسَّرَ مِن أموالِكم في ذلكَ المطلوبِ, فإنَّ ذلكَ وإنْ كانَ كَريهاً للنفوسِ شاقًّا عليها؛ فإِنَّه {خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}, فإنَّ فيه الخيرَ الدُّنيويَّ؛ مِن النَّصْرِ على الأعداءِ، والعِزِّ المنافِي للذُّلِّ، والرِّزْقِ الواسِعِ وَسَعَةِ الصدْرِ وانشراحِه، والخَيْرَ الأُخْرَوِيَّ بالفوْزِ بثَوابِ اللَّهِ والنَّجاةِ مِن عِقابِه.
(12) ولهذا ذَكَرَ الجزاءَ في الآخِرَةِ فقالَ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وهو شاملٌ للصغائرِ والكبائرِ؛ فإنَّ الإيمانَ باللَّهِ والجِهادَ في سبيلِه مُكَفِّرٌ للذُّنوبِ، ولو كانَتْ كَبائِرَ.
{وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}؛ أيْ: مِن تحتِ مَساكِنِها وقُصُورِها وغُرَفِها وأشجارِها أنهارٌ مِن ماءٍ غيرِ آسِنٍ، وأنهارٌ مِن لَبَنٍ لم يَتغيَّرْ طَعمُه، وأنهارٌ مِن خَمْرٍ لَذَّةٍ للشاربِينَ، وأنهارٌ مِن عَسَلٍ مُصَفًّى، ولهم فيها مِن كلِّ الثَّمَراتِ.
{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}؛ أيْ: جَمَعَتْ كلَّ طَيِّبٍ؛ مِن عُلُوٍّ وارتفاعٍ, وحُسْنِ بِناءٍ وزَخرفةٍ، حتى إنَّ أهلَ الغُرَفِ مِن أهلِ عِلِّيِّينَ يَتراءَاهُمْ أهْلُ الجنَّةِ كما يَتراءَى الكَوْكبُ الدُّرِّيُّ في الأُفُقِ الشرقيِّ أو الغربيِّ.
وحتى إنَّ بِناءَ الجنَّةِ بعضُه مِن لَبِنِ ذَهَبٍ وبعضُه مِن لَبِنِ فِضَّةٍ، وخِيامُها مِن اللُّؤْلُؤِ والْمَرْجانِ، وبعضُ المنازِلِ مِن الزُّمُرُّدِ والجواهِرِ المُلَوَّنَةِ بأحسَنِ الألوانِ، حَتَّى إِنَّها مِن صَفائِها يُرَى ظاهِرُها مِن باطِنِها، وباطنُها مِن ظاهِرِها.
وفيها مِن الطِّيبِ والْحُسْنِ ما لا يَأتِي عليهِ وصْفُ الواصفِينَ، ولا خَطَرَ على قَلْبِ أحَدٍ مِن العالَمِينَ، لا يُمْكِنُ أنْ يُدْرِكُوه حتى يَرَوْهُ ويَتَمَتَّعُوا بِحُسْنِهِ، وتَقَرَّ به أَعينُهم.
ففي تلكَ الحالةِ لولا أنَّ اللَّهَ خَلَقَ أهلَ الجنَّةِ وأَنْشَأَهم نَشْأَةً كاملةً لا تَقْبَلُ العَدَمَ؛ لأَوْشَكَ أنْ يَموتوا مِن الفَرَحِ، فسُبحانَ مَن لا يُحْصِي أحَدٌ مِن خَلْقِه ثَنَاءً عليه! بل هو كما أَثْنَى على نفْسِه، وفوقَ ما يُثْنِي عليه أحَدٌ مِن خَلْقِه.
وتَبَارَكَ الجليلُ الجميلُ، الذي أَنشَأَ دارَ النعيمِ، وجعَلَ فيها مِن الجَلالِ والجَمالِ ما يُبْهِرُ عُقولَ الخلْقِ، ويَأْخُذُ بأَفْئِدَتِهم، وتعالى مَن له الحِكْمَةُ التامَّةُ، الذي مِن جُمْلَتِها أنَّه لو أَرَى العبادَ الجنَّةَ ونَظَرُوا إلى ما فيها مِن النَّعيمِ، لَمَا تَخَلَّفَ عنها أحَدٌ، ولَمَا هَنَّاهُمُ العيشُ في هذه الدارِ الْمُنَغَّصَةِ، المَشوبِ نَعيمُها بأَلَمِها، وفَرَحُها بتَرَحِها.
وسُمِّيَتِ الجنَّةُ جَنَّةَ عَدْنٍ؛ لأنَّ أهلَها مُقيمونَ فيها، لا يَخْرُجُونَ مِنها أبداً، ولا يَبْغُونَ عنها حِوَلاً.
ذلكَ الثوابُ الْجَزيلُ، والأجْرُ الجميلُ هو الفوْزُ العظيمُ، الذي لا فَوْزَ مِثلُه، فهذا الثوابُ الأُخْرَوِيُّ.
(13) وأمَّا الثوابُ الدُّنيوِيُّ لهذهِ التِّجارةِ، فذَكَرَه بقولِه: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا}؛ أيْ: ويَحْصُلُ لكم خَصْلةٌ أُخْرَى تُحِبُّونها، وهي: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ} لكمْ على الأعداءِ، يَحْصُلُ بهِ العِزُّ والفرَحُ.
{وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} تَتَّسِعُ به دَائرةُ الإسلامِ، ويَحْصُلُ به الرِّزْقُ الواسعُ، فهذا جَزاءُ المُؤمنِينَ المجاهدِينَ.
وأمَّا المؤمنونَ مِن غيرِ أهْلِ الْجِهادِ إذا قامَ غيرُهم بالجهادِ، فلم يُؤَيِّسْهُم اللَّهُ تعالى مِن فَضْلِه وإحسانِه، بل قالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ أيْ: بالثوابِ العاجلِ والآجِلِ؛ كلٌّ على حَسَبِ إيمانِه، وإنْ كانوا لا يَبلُغُونَ مَبْلَغَ المجاهدِينَ في سبيلِ اللَّهِ؛ كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ)).
فعَجِبَ لها أبو سعيدٍ الْخُدْرِيُّ رَاوِي الحديثِ، فقالَ: أعِدْها عَلَيَّ يا رسولَ اللَّهِ! فأَعادَها عليهِ ثم قالَ: ((وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)). فقالَ: وما هي يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ((الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). روَاه مسلِمٌ.
(14) ثم قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}؛ أيْ: بالأقوالِ والأفعالِ، وذلكَ بالقيامِ بدِينِ اللَّهِ، والحِرْصِ على تَنفيذِه على الغَيْرِ، وجِهادِ مَن عانَدَه ونابَذَه بالأبدانِ والأموالِ، ومَن نَصَرَ الباطلَ بما يَزْعُمُه مِن العلْمِ، ورَدَّ الحقَّ بدَحْضِ حُجَّتِه، وإقامةِ الْحُجَّةِ عليه والتحذيرِ منه.
ومِن نَصْرِ دِينِ اللَّهِ تَعَلُّمُ كتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسولِه، وتَعليمُه والحثُّ على ذلك، والأمرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عن الْمُنْكَرِ.
ثم هَيَّجَ اللَّهُ المؤمنِينَ بالاقتداءِ بِمَن قَبْلَهم مِن الصالحِينَ بقولِه: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إلى اللَّهِ}؛ أيْ: قالَ لهم مُنَبِّهاً: مَن يُعَاوِنُني ويَقومُ معي في نَصْرِ دِينِ اللَّهِ، ويَدخُلُ مَدْخَلِي ويَخرُجُ مَخرَجِي؟
فابْتَدَرَ الْحَوارِيُّونَ فقالوا: {نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ}، فمَضَى عِيسَى عليه السلامُ على أمْرِ اللَّهِ ونَصْرِ دِينِ اللَّهِ هو ومَن معَه مِن الْحَوارِيِّينَ.
{فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ}؛ بسَبَبِ دَعْوةِ عِيسَى والْحَوارِيِّينَ.
{وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} منهم، فلم يَنْقَادُوا لدَعوتِهم، فجَاهَدَ المؤمنونَ الكافرِينَ؛ {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ}؛ أيْ: قَوَّيْنَاهُم ونَصَرْناهم عليهم، {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} عليهم قاهِرِينَ لهم.
فأنتم يا أُمَّةَ محمَّدٍ, كونوا أَنصارَ اللَّهِ ودُعاةَ دِينِه؛ يَنْصُرْكم اللَّهُ كما نَصَرَ مَن قَبْلَكم، ويُظْهِرْكم على عَدُوِّكُم.
تَمَّ تَفسيرُها، والحمدُ لِلَّهِ ربِّ العالَمِينَ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:16 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

10-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} جَعَلَ العملَ المذكورَ بِمَنزِلَةِ التجارةِ؛ لأنهم يَربحونَ فيه كما يَربحونَ فيها، وذلك بدخولِهم الجنَّةَ ونَجاتِهم مِن النارِ، وهذه التجارةُ هي التي بَيَّنَها بالآيتينِ التالِيَتَيْنِ فإنَّ معناهما: أنَّ الإيمانَ والجهادَ ثَمَنُهما مِن اللهِ الجنَّةُ وذلك بَيْعٌ رابِحٌ.

12-{يَغْفِرْ} اللهُ {لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}: ذكَرَ أوَّلاً البِضاعةَ التي يُتَاجِرونَ بها، ويَذْكُرُ هنا الثمَنَ الذي وَعَدَهم به, أيْ: إنْ تُؤمنوا يَغفرْ لكم.
{وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أيْ: في جَنَّاتِ إقامةٍ دائمةٍ لا تَنقطِعُ بموتٍ ولا خُروجٍ منها.
{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أيْ: ذلك المذكورُ مِن الْمَغفِرَةِ وإدخالِ الجنَّاتِ هو الفوزُ الذي لا فَوْزَ بعدَه والظَّفَرُ الذي لا ظَفَرَ يُمَاثِلُه.

13-{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} أيْ: ولكم خَصلةٌ أُخرى تُعْجِبُكم.
{نَصْرٌمِّنَ اللهِ} أيْ: هي نَصْرٌ مِن اللهِ لكم.
{وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} يَفتحُه عليكم, يَعني النصْرَ على قُريشٍ وفتْحَ مَكَّةَ. وقالَ عَطاءٌ: يُريدُ فتْحَ فارِسَ والرومِ.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} المعنى: بَشِّرْ يا محمَّدُ المؤمنينَ بالنصْرِ والفتْحِ في الدنيا، وبالجنَّةِ في الآخِرَةِ.

14-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} أيْ: دُومُوا على ما أنتم عليه مِن نُصرةِ الدِّينِ.
{كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: انْصُرُوا دِينَ اللهِ مِثلَ نُصرةِ الْحَوَارِيِّينَ لَمَّا قالَلهم عيسى: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ} فقالوا: {نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ} والمعنى: مَن مِنكم يَتَوَلَّى نَصْرِي وإعانتِي فيما يُقَرِّبُ إلى اللهِ. والحوارِيُّون هم أنصارُ المسيحِ وخُلَّصُ أصحابِه، وأوَّلُ مَن آمَنَ به وكانوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً.
{فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ} بعيسى.
{وَكَفَرَتْ} به {طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ} أيْ: قَوَّيْنَا الْمُحِقِّينَ منهم على الْمُبْطِلِينَ.
{فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} أيْ:" عالينَ غالبينَ.
وأخْرَجَ عبدُ الرزَّاقِ وعبدُ بنُ حُميدٍ عن قَتادةَ في قولِه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ} قالَ: قد كان ذلك بحَمْدِ اللهِ: جاءَه سبعونَ رَجُلاً فبَايَعُوه عندَ العقَبَةِ، وآوَوْهُ ونَصَرُوه حتى أَظهَرَ اللهُ دِينَه.
وأَخْرَجَ ابنُ إسحاقَ وابنُ سَعْدٍ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنفَرِ الذينَ لَقُوهُ بالعَقَبَةِ: ((أَخْرِجُوا إِلَيَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنكُمْ يَكُونُونَ كُفَلاَءَ عَلَى قَوْمِهِمْ، كَمَا كَفَلَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)). ثم قالَ رسولُ اللهِ للنُّقَبَاءِ: ((إِنَّكُمْ كُفَلاَءُ عَلَى قَوْمِكُمْ كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلُ قَوْمِي)). قالوا: نعم.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:35 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. والتجارةُ أنْ تَبْذُلَ شيئاً وتَأخُذَ شيئاً، فكأنَّه جَعَلَ بَذْلَ النفْسِ والمالِ وأَخْذَ الثوابِ تِجارةً, وهو على طَريقِ الْمَجازِ.

قولُه تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}. في قِراءَةِ ابنِ مَسعودٍ: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) وهو معنَى القراءَةِ المعروفةِ، وجوابُه: {يَغفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.

وقولُه: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. ظاهِرُ المعنَى.

قولُه: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}. أيْ: بَساتِينَ، والأنهارُ هي الأنهارُ الأربعةُ تَجرِي مِن غيرِ أُخْدُودٍ.

وقولُه: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ}. أيْ: يَسْتَطِيبُونَها، والعَدْنُ مَوْضِعُ الإقامةِ، قالَ ابنُ مَسعودٍ: هو بُطنانِ الجنَّةِ.
وفي بعضِ الأخبارِ: أنَّ اللَّهَ غَرَسَ جَنَّةَ عدْنٍ بيَدِه.

وقولُه: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. أي: النَّجاةُ العظيمةُ.

قولُه تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا}. أيْ: تَوَدُّونَها.
وقولُه تعالى: {وَأُخْرَى}. أيْ: خَصْلَةٌ أُخْرَى، وقيلَ: تِجارةٌ أُخْرَى.

وقولُه: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}. هو فَتْحُ مَكَّةَ، وقيلَ: هو فتْحُ فارِسَ والرُّومِ.

وقولُه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. أيْ: بالنصْرِ في الدنيا، وبالجنَّةِ في الآخِرَةِ.

قولُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}. وقُرِئَ: (أَنْصاراً لِلَّهِ).

وقولُه: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ}, الْحَوَارِيُّونَ صَفْوةُ الأنبياءِ وخَالِصَتُهم، ومِنه قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ للزُّبَيْرِ: ((هُوَ ابْنُ عَمَّتِي وَحَوَارِيَّ مِنْ أُمَّتِي)).
ومِنه الْخُبْزُ الْحَوَارِيُّ؛ لبَياضِه ونَقائِه. والعرَبُ تُسَمِّي نِساءَ الأمصارِ الْحَوَارِيَّاتِ, قالَ الشاعرُ:

فقُلْ للحَوَارِيَّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا = ولا تَبْكِنا إلاَّ الكِلاَبُ النَّوَابِحُ

وفي القِصَّةِ: أنَّ عِيسى عليه السلامُ جَمَعَ الْحَوَارِيِّينَ في بيتٍ - وهم اثنا عشَرَ رَجُلاً - وقالَ: إنَّ أحَدَكم يَكْفُرُ بي اليومَ اثنْتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً. فكانَ كما قالَ، وقالَ: مَن يَختارُ مِنكم أنْ يُلْقَى عليه شَبَهِي فيُقْتَلَ ويُصْلَبَ؟ فقامَ شابٌّ منهم وقالَ: أنا. فقالَ: اقْعُدْ.
ثم قالَ ذلك ثلاثَ مَرَّاتٍ، وفي الجميعِ يَقومُ ذلك الشابُّ، فقالَ عيسى: أنتَ هو.
ثم إنَّ اللَّهَ تعالى رَفَعَه مِن الروزنةِ إلى السماءِ، ودَخَلَ اليَهودُ وأَلْقَى اللَّهُ تعالى شَبَهَ عِيسَى على ذلك الرجُلِ فقَتَلُوه وصَلَبُوه.
وقولُه: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}. أيْ: معَ اللَّهِ. وقيلَ: معناه: مَن أَنصارِي يَنْصُرُ منه إلى: نصر أيْ: مضمومٌ إليه(1).

وقولُه: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}. ظاهِرُ المعنَى.


وقولُه: {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} في التفسيرِ: أنَّ عِيسَى - صَلواتُ اللَّهِ عليهِ - لَمَّا رَفَعَه اللَّهُ تعالى إلى السماءِ اختلَفَ أصحابُه؛ فقالَ بعضُهم: كانَ هو اللَّهَ. فنَزَلَ إلى الأرْضِ ففَعَلَ ما شاءَ ثُمَّ ارتَفَعَ إلى السماءِ، وهم النُّسْطُورِيَّةُ. وقالَ بعضُهم: كانَ هو ابنَ اللَّهِ أنْزَلَه إلى الأرْضِ ثم رَفَعَه إلى السماءِ, وهم اليَعْقُوبِيَّةُ. وقالَ بعضُهم: هو ثالثُ ثلاثةٍ، وثلاثةٌ هو أبٌ وابنٌ وزَوجٌ، وقالوا: ثلاثةٌ قِدَماً أَقَانِيمَ، وعِيسَى أحَدُ الثلاثةِ, وهم الملكانيَّةُ, وعليه أكثَرُ النَّصارَى.
وقالَ قومٌ: هو عبدُ اللَّهِ ورسولُه.
فغَلَبَتِ الطوائفُ الثلاثةُ هذه الطائفةَ قَبلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فلَمَّا بُعِثَ عليه الصلاةُ والسلامُ غَلَبَتِ الطائفةُ المؤمنةُ الطوائفَ الثلاثةَ، فهو معنَى قولِه تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ}. أيْ: نَصَرْنَا وَقَوَّيْنَا.

وقولُه: {فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}. أيْ: غالِبِينَ. واللَّهُ أعْلَمُ.

(1)المعنى غير واضح فليراجع


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 03:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ (10) تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (11) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبةً في جنّات عدنٍ ذلك الفوز العظيم (12) وأخرى تحبّونها نصرٌ من اللّه وفتحٌ قريبٌ وبشّر المؤمنين (13) }
تقدّم في حديث عبد اللّه بن سلامٍ أنّ الصّحابة، رضي اللّه عنهم، أرادوا أن يسألوا عن أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ ليفعلوه، فأنزل اللّه هذه السورة، ومن جملتها هذا الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا هل أدلّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} ثمّ فسّر هذه التّجارة العظيمة الّتي لا تبور، والّتي هي محصّلةٌ للمقصود ومزيلةٌ للمحذور فقال: {تؤمنون باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} أي: من تجارة الدّنيا، والكدّ لها والتّصدّي لها وحدها.
ثمّ قال: {يغفر لكم ذنوبكم} أي: إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه، غفرت لكم الزّلّات، وأدخلتكم الجنّات، والمساكن الطّيّبات، والدّرجات العاليات؛ ولهذا قال: {ويدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبةً في جنّات عدنٍ ذلك الفوز العظيم}
ثمّ قال: {وأخرى تحبّونها} أي: وأزيدكم على ذلك زيادةً تحبّونها، وهي: {نصرٌ من اللّه وفتحٌ قريبٌ} أي: إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه، تكفّل اللّه بنصركم. قال اللّه تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبّت أقدامكم} [محمّدٍ: 7] وقال تعالى: {ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويٌّ عزيزٌ} [الحجّ: 40] وقوله {وفتحٌ قريبٌ} أي: عاجلٌ فهذه الزّيادة هي خير الدّنيا موصولٌ بنعيم الآخرة، لمن أطاع اللّه ورسوله، ونصر اللّه ودينه؛ ولهذا قال: {وبشّر المؤمنين}.

{يا أيّها الّذين آمنوا كونوا أنصار اللّه كما قال عيسى ابن مريم للحواريّين من أنصاري إلى اللّه قال الحواريّون نحن أنصار اللّه فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين (14) }
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار اللّه في جميع أحوالهم، بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم، وأن يستجيبوا للّه ولرسوله، كما استجاب الحواريّون لعيسى حين قال: {من أنصاري إلى اللّه}؟ أي: معيني في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ؟ {قال الحواريّون} -وهم أتباع عيسى عليه السّلام-: {نحن أنصار اللّه} أي: نحن أنصارك على ما أرسلت به وموازروك على ذلك؛ ولهذا بعثهم دعاةً إلى النّاس في بلاد الشّام في الإسرائيليّين واليونانيّين. وهكذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في أيّام الحجّ: "من رجلٌ يؤويني حتّى أبلّغ رسالة ربّي، فإنّ قريشًا قد منعوني أن أبلّغ رسالة ربّي" حتّى قيّض اللّه عزّ وجلّ له الأوس والخزرج من أهل المدينة، فبايعوه ووازروه، وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم، فلمّا هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وفوا له بما عاهدوا اللّه عليه؛ ولهذا سمّاهم اللّه ورسوله: الأنصار، وصار ذلك علمًا عليهم، رضي اللّه عنهم، وأرضاهم. وقوله: {فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ} أي: لمّا بلّغ عيسى ابن مريم عليه السّلام رسالة ربّه إلى قومه، ووازره من وازره من الحواريّين، اهتدت طائفةٌ من بني إسرائيل بما جاءهم به، وضلّت طائفةٌ فخرجت عمّا جاءهم به، وجحدوا نبوّته، ورموه وأمّه بالعظائم، وهم اليهود -عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة-وغلت فيه طائفةٌ ممّن اتّبعه، حتّى رفعوه فوق ما أعطاه اللّه من النّبوّة، وافترقوا فرقا وشيعا، فمن قائلٍ منهم: إنّه ابن اللّه. وقائلٍ: إنّه ثالث ثلاثةٍ: الأب، والابن، وروح القدس. ومن قائلٍ: إنّه اللّه. وكلّ هذه الأقوال مفصّلةٌ في سورة النّساء.
وقوله: {فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم} أي: نصرناهم على من عاداهم من فرق النّصارى، {فأصبحوا ظاهرين} أي: عليهم، وذلك ببعثة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، كما قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ رحمه اللّه.
حدّثني أبو السّائب، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال -يعني ابن عمرٍو-عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: لمّا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يرفع عيسى إلى السّماء، خرج إلى أصحابه وهم في بيتٍ اثنا عشر رجلًا من عينٍ في البيت، ورأسه يقطر ماءً، فقال: إنّ منكم من يكفر بي اثنتي عشر مرّةً بعد أن آمن بي. قال: ثمّ قال: أيّكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني، ويكون معي في درجتي؟ قال: فقام شابٌّ من أحدثهم سنًّا فقال: أنا. قال: فقال له: اجلس. ثمّ أعاد عليهم، فقام الشّابّ فقال: أنا. فقال له: اجلس. ثمّ عاد عليهم فقام الشّابّ، فقال: أنا. فقال: نعم، أنت ذاك. قال: فألقي عليه شبه عيسى، ورفع عيسى عليه السّلام من روزنة في البيت إلى السّماء، قال: وجاء الطلب من اليهود، فأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرّةً بعد أن آمن به، فتفرّقوا فيه ثلاث فرقٍ. فقالت فرقةٌ: كان اللّه فينا ما شاء، ثمّ صعد إلى السّماء. وهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقةٌ: كان فينا ابن اللّه ما شاء، ثمّ رفعه إليه وهؤلاء النّسطوريّة، وقالت فرقةٌ كان فينا عبد اللّه ورسوله ما شاء اللّه ثمّ رفعه إليه، وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسًا حتّى بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، {فآمنت طائفةٌ من بني إسرائيل وكفرت طائفةٌ} يعني: الطّائفة الّتي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى، والطّائفة الّتي آمنت في زمن عيسى، {فأيّدنا الّذين آمنوا على عدوّهم فأصبحوا ظاهرين} بإظهار محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم دينهم على دين الكفّار {فأصبحوا ظاهرين}
هذا لفظه في كتابه عند تفسير هذه الآية الكريمة. وهكذا رواه النّسائيّ عند تفسير هذه الآية من سننه، عن أبي كريب عن محمّد بن العلاء، عن أبي معاوية، بمثله سواءً.
فأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لا يزالون ظاهرين على الحقّ، حتّى يأتي أمر اللّه وهم كذلك، وحتّى يقاتل آخرهم الدّجّال مع المسيح عيسى ابن مريم عليه السّلام، كما وردت [بذلك] الأحاديث الصّحاح، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/113-114]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir