دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 04:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تفسير سورة الصف (الآيات: 5-9)


{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 12:07 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي


{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ *}.
(5) أيْ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} مُوَبِّخاً لهم على صَنِيعِهم، ومُقَرِّعاً لهم على أَذِيَّتِه، وهم يَعْلَمُونَ أنَّه رسولُ اللَّهِ: {لِمَ تُؤْذُونَنِي} بالأقوالِ والأفعالِ، {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}؟! والرسولُ مِن حَقِّه الإكرامُ والإعظامُ، والقيامُ بأوامِرِه والابتدارُ لحُكْمِه.
وأمَّا أذِيَّةُ الرسولِ الذي إحسانُه إلى الخَلْقِ فوقَ كلِّ إحسانٍ بعدَ إحسانِ اللَّهِ، ففي غايةِ الوَقاحةِ والْجَراءَةِ والزَّيْغِ عن الصِّراطِ الْمُستقيمِ، الذي قدْ عَلِمُوه وتَرَكُوه.
ولهذا قالَ: {فَلَمَّا زَاغُوا}؛ أي: انْصَرَفوا عن الحقِّ بقَصْدِهم, {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}؛ عُقوبةً لهم على زَيْغِهم الذي اختارُوه لأنفُسِهم ورَضُوه لها، ولم يُوَفِّقْهُم اللَّهُ للهُدَى؛ لأنَّهم لا يَلِيقُ بهم الخيْرُ, ولا يَصْلُحونَ إلاَّ للشَّرِّ.
{وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}؛ أي: الذينَ لم يَزَلِ الفِسْقُ وَصْفاً لهم، ليسَ لهم قَصْدٌ في الْهُدَى.
وهذه الآيةُ الكريمةُ تُفيدُ أنَّ إضلالَ اللَّهِ لعَبِيدِه ليسَ ظُلْماً منه ولا حُجَّةً لهم عليهِ، وإِنَّما ذلكَ بسببٍ منهم؛ فإِنَّهم الذينَ أغْلَقُوا على أنْفُسِهم بابَ الهُدَى بعدَما عَرَفُوه، فيُجَازِيهِم بعدَ ذلك بالإضلالِ والزَّيْغِ وتَقليبِ القلوبِ؛ عُقوبةً لهم وعَدْلاً منه بهم؛ كما قالَ تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ *}.
(6) يقولُ تعالى مُخْبِراً عن عِنادِ بني إسرائيلَ الْمُتَقَدَّمِينَ الذينَ دَعاهم عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ وقالَ لهم: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم}؛ أيْ: أرْسَلَنِي اللَّهُ لأَدْعُوَكم إلى الخَيْرِ وأَنهاكُم عن الشرِّ، وأَيَّدَنِي بالبَراهِينِ الظاهِرةِ.
ومِمَّا يَدُلُّ على صِدْقِي كوني {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ}؛ أيْ: جِئتُ بما جاءَ به مُوسَى مِن التوراةِ والشرائعِ السماويَّةِ، ولو كُنْتُ مُدَّعِياً للنبوَّةِ؛ لَجِئْتُ بغيرِ ما جاءَ به المرسَلونُ، و{مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ}, أيضاً أنَّها أخْبَرَتْ بِي وبَشَّرَتْ، فجِئتُ وبُعِثْتُ مصَدِّقاً لها.
{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}: وهو محمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ النبيُّ الهاشميُّ، فعِيسَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ كسائرِ الأنبياءِ؛ يُصَدِّقُ بالنبيِّ السابقِ، ويُبشِّرُ بالنبيِّ اللاحِقِ، بخِلافِ الكذَّابِينَ، فإنَّهم يُناقِضُونَ الأنبياءَ أشَدَّ مُناقَضَةً، ويُخالِفونَهم في الأوصافِ والأخلاقِ والأمْرِ والنهيِ.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ} محمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ الذي بَشَّرَ به عِيسَى.
{بِالْبَيِّنَاتِ}؛ أي: الأدلَّةِ الواضحةِ الدالَّةِ على أنَّه هو، وأنَّه رسولُ اللَّهِ حَقًّا,
{قَالُوا} مُعاندِينَ للحقِّ مُكَذِّبِينَ له: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}.
وهذا مِن أعجَبِ العجائبِ، الرسولُ الذي قدْ وَضَحَتْ رسالتُه وصارَتْ أَبْيَنَ مِن شَمْسِ النهارِ، يُجْعلُ ساحراً بَيِّناً سِحْرُه، فهل في الْخِذلانِ أعظَمُ مِن هذا؟!
وهل في الافتراءِ أبلَغُ مِن هذا الافتراءِ الذي نَفَى عنه ما كانَ مَعلوماً مِن رِسالتِه، وأَثْبَتَ له ما كانَ أبعدَ الناسِ عنه؟!
(8) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} بهذا أو غيرِه! والحالُ أنَّه لا عُذْرَ له وقدِ انْقَطَعَتْ حُجَّتُه؛ لأنَّه {يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ} ويُبَيَّنُ له ببَراهينِهِ وبَيِّنَاتِه.
{وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}: الذينَ يَزالُونَ على ظُلْمِهم مُستقيمِينَ، لا تَرُدُّهم عنه مَوعظةٌ، ولا يَزْجُرُهم بيانٌ ولا بُرهانٌ، خُصوصاً هؤلاءِ الظَّلَمَةَ القائمِينَ بمقابَلَةِ الحقِّ لِيَرُدُّوه، ولِيَنْصُروا الباطلَ.
(8) ولهذا قالَ اللَّهُ عنهم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}؛ أيْ: بما يَصْدُرُ مِنهم مِن الْمَقالاتِ الفاسدةِ التي يَرُدُّونَ بها الحقَّ، وهي لا حقيقةَ لها، بل تَزِيدُ البَصِيرَ مَعرِفةً بما هم عليه مِن الباطلِ.
{وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}؛ أيْ: قدْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بنَصْرِ دِينِهِ وإتمامِ الحقِّ الذي أَرْسَلَ به رُسُلَه، وإظهارِ نُورِه في سائرِ الأقطارِ، ولو كَرِهَ الكافرونَ وبَذَلُوا بسببِ كَراهَتِه كلَّ مَا قَدَرُوا عليهِ مِمَّا يَتَوَصَّلُونَ به إلى إطفاءِ نورِ اللَّهِ؛ فإِنَّهم مَغلوبونَ.
ومَثَلُهم كمَثَلِ مَن يَنْفُخُ عَيْنَ الشمسِ بِفِيهِ لِيُطْفِئَها، فلا على مُرادِهم حَصَلُوا، ولا سَلِمَتْ عُقولُهم مِن النقْصِ والقَدْحِ فيها.
(9) ثُمَّ ذَكَرَ سببَ الظهورِ والانتصارِ للدِّينِ الإسلاميِّ؛ الْحِسِّيِّ والمَعْنويِّ فقالَ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}؛ أيْ: بالعِلْمِ النافعِ والعملِ الصالحِ، بالعِلْمِ الذي يَهدِي إلى اللَّهِ وإلى دارِ كَرامتِه، ويَهدِي لأحسَنِ الأعمالِ والأخلاقِ، ويَهدِي إلى مَصالِحِ الدنيا والآخِرَةِ.
{وَدِينِ الْحَقِّ}؛ أي: الدِّينِ الذي يُدانُ به ويُتَعَبَّدُ لربِّ العالَمِينَ، الذي هو حقٌّ وصِدْقٌ لا نَقْصَ فيهِ، ولا خَلَلَ يَعتريهِ، بل أوامرُه غِذاءُ القلوبِ والأرواحِ، وراحةُ الأبدانِ، وتَرْكُ نَواهيِهِ سلامةٌ مِن الشرِّ والفسادِ.
فما بُعِثَ به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مِن الْهُدَى ودِينِ الحقِّ أكبرُ دَليلٍ وبُرهانٍ على صِدْقِه، وهو بُرهانٌ باقٍ ما بَقِيَ الدَّهْرُ، كلَّما ازدادَ به العاقلُ تَفَكُّراً ازدادَ به فَرَحاً وتَبَصُّراً.
{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}؛ أيْ: لِيُعْلِيَهُ على سائرِ الأديانِ بالحُجَّةِ والبُرْهانِ ويُظْهِرَ أهلَه القائمِينَ به بالسَّيْفِ والسِّنَانِ.
فأمَّا نفْسُ الدِّينِ فهذا الوَصْفُ مُلازِمٌ له في كلِّ وقْتٍ، فلا يُمْكِنُ أنْ يُغالِبَه مُغالِبٌ أو يُخاصِمَه مُخاصِمٌ إلاَّ فَلَجَه وبَلَسَه وصارَ له الظُّهورُ والقَهْرُ.
وأمَّا الْمُنْتَسِبونَ إليه، فإِنَّهم إذا قَامُوا بهِ واستَنَارُوا بنُورِه واهْتَدَوْا بهَدْيِهِ في مَصالِحِ دِينِهم ودُنياهُم، فكذلكَ لا يَقُومُ لهم أحَدٌ، ولا بُدَّ أنْ يَظْهَرُوا على أهْلِ الأديانِ، وإذا ضَيَّعُوا واكْتَفَوْا منه بِمُجَرَّدِ الانتسابِ إليهِ لم يَنْفَعْهم ذلكَ، وصارَ إهمالُهم له سَبَبَ تَسليطِ الأعداءِ عليهم.
ويَعْرِفُ هذا مَنِ اسْتَقْرَأَ الأحوالَ والنظَرَ في أوَّلِ المُسلمِينَ وآخِرِهم.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:13 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر


5- {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ}: لَمَّا ذكَرَ سُبحانَه أنه يُحِبُّ المقاتِلِينَ في سبيلِه بَيَّنَ أنَّ موسى وعيسى أُمِرَا بالتوحيدِ وجاهَدَا في سبيلِ اللهِ وحَلَّ العِقابُ بِمَن خالَفَهما؛ لتَحْذَرَ أمَّةُ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَفعلوا مع نَبِيِّهم ما فَعَلَه قومُ موسى وعيسى معهما.
{يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي} بمخالَفَةِ ما آمُرُكم به مِن الشرائعِ التي افتَرَضَها اللهُ عليكم، أو تُؤْذُونَنِي بالشتْمِ والانتقاصِ؟ وقد تَقَدَّمَ بيانُ هذا في سورةِ (الأحزابِ الآيةِ 69).
{وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} المعنى: كيف تُؤْذُونَنِي مع علْمِكم بأني رسولُ اللهِ، والرسولُ يُحْتَرَمُ ويُعَظَّمُ، ولم يَبْقَ معكم شكٌّ في الرسالةِ؛ لِمَا قد شَاهَدْتُم مِن الْمُعْجِزَاتِ التي تُوجِبُ عليكم الاعترافَ برِسالَتِي، وتُفيدُكم العلْمَ بها عِلْماً يَقينيًّا؟!
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}: يَعني أنهم لَمَّا تَرَكوا الحقَّ ـ بإيذاءِ نَبِيِّهم ـ أمالَ اللهُ قُلوبَهم عن الحقِّ؛ جَزاءً بما ارْتَكَبوا.
6- {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} أيْ: إنِّي رسولُ اللهِ إليكم بالإنجيلِ، لَمْ آتِكُمْ بشيءٍ يُخالِفُ التوراةَ، بل هي مُشتَمِلَةٌ على التبشيرِ بي، فكيف تَنْفِرونَ عني وتُخَالِفونني؟!
{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} وإذا كنتُ كذلك فلا مُقتَضَى لتَكذيبِي. وأحمدُ اسمُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتفسيرُه في الأصلِ: الذي يُحْمَدُ بما فيه مِن خِصالِ الخيرِ أكثرَ مِمَّا يُحْمَدُ غيرُه.
{فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} أيْ: لَمَّا جَاءَهم عيسى بالمعْجِزَاتِ قالوا: هذا الذي جاءَنا به سحْرٌ واضحٌ ظاهِرٌ. وقيلَ:المرادُ محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. أيْ: لَمَّا جاءَهم بذلك قالوا: ساحِرٌ.
7- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ } الذي هو خيرُ الأديانِ وأشْرَفُها؛ لأنَّ مَن كان كذلك فحَقُّه ألاَّ يَفترِيَ على غيرِه الكذِبَ، فكيفَ يَفترِيهِ على رَبِّه؟!
{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. والمذكورونَ مِن جُملتِهم.
8- { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} أيْ: إنَّ حالَهم فِي مُحاوَلَتِهم كَبْتَ الإسلامِ ومَنْعَ هِدايتِه بأَقوالِهم الكاذبةِ كحالِ مَن يُريدُ أنْ يُطْفِئَ النورَ العظيمَ بنَفْخٍ مِن فَمِهِ.
{وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ} بإظهارِ دِينِ الإسلامِ في الآفاقِ، وإعلائِه على غيرِه.
9- {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}: ليَجعلَه ظَاهراً مُنتَصِراً على جميعِ الأديانِ عالِياً عليها غالِباً لها.
{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ذلك فإنه كائنٌ لا مَحالةَ.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 08:31 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي}. قدْ بَيَّنَّا ما كانَ يُؤذونَ به مُوسَى عليهِ السلامُ في سُورةِ الأحزابِ.
وقولُه: {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}. أيْ: وتَعلمونَ, (وقَدْ) صِلَةٌ.
وقولُه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}؛ أيْ: مَالُوا عن الحقِّ فأَمالَ اللَّهُ قُلوبَهم؛ أيْ: زادَهم مَيْلاً عن الْحَقِّ.
وقولُه: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. أي: الكافرِينَ.
قولُه تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}.
وقدْ ثَبَتَ بِروايةِ محمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عن أبيهِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي, وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لاَ نَبِيَّ بَعْدِي)).
قالَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: أخْبَرَنَا بهذا الحديثِ أبو عليٍّ الشافعيُّ، أخْبَرَنا ابنُ فِرَاسٍ، أخْبَرَنا أبو جَعْفرٍ الدَّيْبُلِيُّ، أخْبَرَنا سعيدُ بنُ عبدِ الرحمنِ الْمَخْزُومِيُّ، عن سُفْيَانَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن محمَّدِ بنِ جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ, عن أبيهِ... الحديثَ.
وقولُه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}. أيْ: ظاهِرٌ.
وفي تَفسيرِ النَّقَّاشِ: أنَّ اسمَ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في الإنجيلِ فَارَقْلِيطَا، وَبَشَّرَ عِيسَى بهِ بما أُخِذَ عليه مِن العهدِ، والعهْدُ المأخوذُ هو في قولِه تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ...} الآيةَ.
وأمَّا معنَى اسْمِه أحمدَ على وَجهيْنِ:
أحدُهما: لأنَّه كانَ يَحْمَدُ اللَّهَ كثيراً.
والثاني: لأنَّ الناسَ حَمِدُوه في فِعالِه.
قولُه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. قد بَيَّنَّا مِن قبلُ.
قولُه تعالَى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}. يُقالُ: هو القرآنُ. ويُقالُ: هو محمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ.
وقولُه: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. أي: يُتِمُّ أمْرَ نُورِه ولو كَرِهَ الكافرونَ.
قولُه تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. أيْ: على جَميعِ الأديانِ شَرْقاً وغَرْباً.
ومِصداقُ هذه الآيةِ على الكمالِ إنَّما يَكونُ عندَ نُزولِ عِيسى ابنِ مَريمَ, حيثُ لا يَبْقَى إلاَّ دِينُ الإسلامِ.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 03:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أنّي رسول اللّه إليكم فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم واللّه لا يهدي القوم الفاسقين (5) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ومبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد فلمّا جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحرٌ مبينٌ (6) }
يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السّلام أنّه قال لقومه: {لم تؤذونني وقد تعلمون أنّي رسول اللّه إليكم} أي: لم توصلون الأذى إليّ وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرّسالة؟. وفي هذا تسليةٌ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أصاب من الكفّار من قومه وغيرهم، وأمرٌ له بالصّبر؛ ولهذا قال: "رحمة اللّه على موسى: لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" وفيه نهيٌ للمؤمنين أن ينالوا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو يوصّلوا إليه أذًى، كما قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين آذوا موسى فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيهًا} [الأحزاب: 69]
وقوله: {فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم} أي: فلمّا عدلوا عن اتّباع الحقّ مع علمهم به، أزاغ اللّه قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشّكّ والحيرة والخذلان، كما قال تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [الأنعام: 110] وقال {ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرًا} [النّساء: 115] ولهذا قال اللّه تعالى في هذه الآية: {واللّه لا يهدي القوم الفاسقين}
وقوله: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إنّي رسول اللّه إليكم مصدّقًا لما بين يديّ من التّوراة ومبشّرًا برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد} يعني: التّوراة قد بشّرت بي، وأنا مصداق ما أخبرت عنه، وأنا مبشّر بمن بعدي، وهو الرّسول النّبيّ الأمّيّ العربيّ المكّيّ أحمد. فعيسى، عليه السّلام، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام في ملإ بني إسرائيل مبشّرًا بمحمّدٍ، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الّذي لا رسالة بعده ولا نبوّة. وما أحسن ما أورد البخاريّ الحديث الّذي قال فيه:
حدّثنا أبو اليمان، حدّثنا شعيبٌ، عن الزّهريّ قال: أخبرني محمّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ لي أسماءٌ: أنا محمّدٌ، وأنا أحمد، وأنا الماحي الّذي يمحو اللّه به الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر النّاس على قدمي، وأنا العاقب".
ورواه مسلمٌ، من حديث الزّهريّ، به نحوه
وقال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا المسعوديّ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى قال: سمّى لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه أسماءً، منها ما حفظنا فقال: "أنا محمّدٌ، وأنا أحمد، والحاشر، والمقفّي، ونبيّ الرّحمة، والتّوبة، والملحمة".
ورواه مسلمٌ من حديث الأعمش، عن عمرو بن مرّة، به
وقد قال اللّه تعالى: {الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة والإنجيل} [الأعراف: 157] وقال تعالى: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين} [آل عمران: 81]
قال ابن عبّاسٍ: ما بعث اللّه نبيًّا إلّا أخذ عليه العهد: لئن بعث محمّدٌ وهو حيٌّ ليتّبعنّه، وأخذ عليه أن يأخذ على أمّته لئن بعث محمّدٌ وهم أحياءٌ ليتّبعنّه وينصرنّه.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمّي حين حملت بي كأنّه خرج منها نورٌ أضاءت له قصور بصرى من أرض الشّام".
وهذا إسنادٌ جيّدٌ. وروي له شواهد من وجوهٍ أخر، فقال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن سعيد بن سويد الكلبيّ، عن عبد الأعلى بن هلالٍ السّلميّ، عن العرباض بن سارية قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي عند اللّه لخاتم النّبيّين، وإنّ آدم لمنجدلٌ في طينته، وسأنبئكم بأوّل ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمّي الّتي رأت، وكذلك أمّهات النّبيّين يرين".
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا أبو النّضر، حدّثنا الفرج بن فضالة، حدّثنا لقمان بن عامرٍ قال: سمعت أبا أمامة قال: قلت يا نبيّ اللّه، ما كان بدء أمرك؟ قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمّي أنّه يخرج منها نورٌ أضاءت له قصور الشّام"
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا حسن بن موسى: سمعت خديجًا أخا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عن عبد اللّه بن عتبة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى النّجاشيّ ونحن نحوٌ من ثمانين رجلًا منهم: عبد اللّه بن مسعودٍ، وجعفرٌ، وعبد اللّه بن [عرفطة] وعثمان بن مظعونٍ، وأبو موسى. فأتوا النّجاشيّ، وبعثت قريشٌ عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بهديّةٍ، فلمّا دخلا على النّجاشيّ سجدا له، ثمّ ابتدراه عن يمينه وعن شماله، ثمّ قالا له: إنّ نفرًا من بني عمّنا نزلوا أرضك، ورغبوا عنّا وعن ملّتنا. قال: فأين هم؟ قالا هم في أرضك، فابعث إليهم. فبعث إليهم. فقال جعفرٌ: أنا خطيبكم اليوم. فاتبعوه فسلّم ولم يسجد، فقالوا له: ما لك لا تسجد للملك؟ قال: إنّا لا نسجد إلّا للّه عزّ وجلّ. قال وما ذاك؟ قال: إنّ اللّه بعث إلينا رسوله، فأمرنا ألّا نسجد لأحدٍ إلّا للّه عزّ وجلّ، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة.
قال عمرو بن العاص: فإنّهم يخالفونك في عيسى ابن مريم. قال: ما تقولون في عيسى ابن مريم وأمّه؟ قالوا: نقول كما قال اللّه عزّ وجلّ: هو كلمة اللّه وروحه ألقاها إلى العذراء البتول، الّتي لم يمسّها بشر ولم يفرضها ولدٌ. قال: فرفع عودًا من الأرض ثمّ قال: يا معشر الحبشة والقسّيسين والرّهبان، واللّه ما يزيدون على الّذي نقول فيه، ما يساوي هذا. مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنّه رسول اللّه، وأنّه الّذي نجد في الإنجيل، وأنّه الّذي بشّر به عيسى ابن مريم. انزلوا حيث شئتم، واللّه لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتّى أكون أنا أحمل نعليه وأوضّئه. وأمر بهديّة الآخرين فردّت إليهما، ثمّ تعجّل عبد اللّه بن مسعودٍ حتّى أدرك بدرًا، وزعم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم استغفر له حين بلغه موته
وقد رويت هذه القصة عن جعفرٍ وأمّ سلمة رضي اللّه عنهما، وموضع ذلك كتاب السّيرة. والمقصد أنّ الأنبياء عليهم السّلام لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أممها، وتأمرهم باتّباعه ونصره وموازرته إذا بعث. وكان ما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده، حين دعا لأهل مكّة أن يبعث اللّه فيهم رسولًا منهم، وكذا على لسان عيسى ابن مريم؛ ولهذا قالوا: "أخبرنا عن بدء أمرك" يعني: في الأرض، قال: "دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى ابن مريم، ورؤيا أمّي الّتي رأت" أي: ظهر في أهل مكّة أثر ذلك والإرهاص بذكره صلوات اللّه وسلامه عليه.
وقوله: {فلمّا جاءهم بالبيّنات قالوا هذا سحرٌ مبينٌ} قال ابن جريجٍ وابن جريرٍ: {فلمّا جاءهم} أحمد، أي: المبشّر به في الأعصار المتقادمة، المنّوه بذكره في القرون السّالفة، لمّا ظهر أمره وجاء بالبيّنات قال الكفرة والمخالفون: {هذا سحرٌ مبينٌ}.

{ومن أظلم ممّن افترى على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (7) يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون (8) هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون (9) }
يقول تعالى: {ومن أظلم ممّن افترى على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام} أي: لا أحد أظلم ممّن يفتري الكذب على اللّه ويجعل له أندادًا وشركاء، وهو يدعى إلى التّوحيد والإخلاص؛ ولهذا قال: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
ثمّ قال: {يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم} أي: يحاولون أن يردّوا الحقّ بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشّمس بفيه، وكما أنّ هذا مستحيلٌ كذلك ذاك مستحيلٌ ؛ ولهذا قال: {واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون} وقد تقدّم الكلام على هاتين الآيتين في سورة "براءةٌ"، بما فيه كفايةٌ، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/109-112]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir